صلاح
الدين في مصر
هرب
الوزير الفاطمي شاور من مصر من الوزير
ضرغام بن عامر بن سوار الملقب فارس
المسلمين اللخمي المنذري لما استولى على
الدولة المصرية وقهره وأخذ مكانه في
الوزارة كعادتهم في ذلك وقتل ولده الأكبر
طي بن شاور فتوجه شاور إلى الشام مستغيثا
بالملك العادل نور الدين بن زنكي وذلك في
شهر رمضان 558هـ ودخل دمشق في الثالث
والعشرين من ذي القعدة من السنة نفسها
فوجه نور الدين معه الأمير أسد الدين
شيركوه بن شاذي في جماعة من عسكره كان صلاح
الدين في جملتهم في خدمة عمه وهو كاره
للسفر معهم وكان لنور الدين في إرسال هذا
الجيش هدفان:
أحدهما:
قضاء حق شاور لكونه قصده ودخل عليه
مستصرخا.
والثاني:
أنه أراد استعلام أحوال مصر فإنه كان
يبلغه أنها ضعيفة من جهة الجند وأحوالها
في غاية الاختلال فقصد الكشف عن حقيقة ذلك.
وكان
كثير الاعتماد على شيركوه لشجاعته
ومعرفته وأمانته فانتدبه لذلك وجعل أسد
الدين شيركوه ابن أخيه صلاح الدين مقدم
عسكره وشاور معهم فخرجوا من دمشق في جمادى
الأولى سنة 559هـ فدخلوا مصر واستولوا على
الأمر في رجب من السنة نفسها.
ولما
وصل أسد الدين وشاور إلى الديار المصرية
واستولوا عليها وقتلوا الضرغام وحصل
لشاور مقصودة وعاد إلى منصبه وتمهدت
قواعده واستمرت أموره غدر بأسد الدين
شيركوه واستنجد بالإفرنج عليه فحاصروه في
بلبيس، وكان أسد الدين قد شاهد البلاد
وعرف أحوالها وأنها مملكة بغير رجال تمشي
الأمور فيها بمجرد الإيهام والمحال فطمع
فيها وعاد إلى الشام، وأقام أسد الدين
بالشام مدة مفكرا في تدبير عودته إلى مصر
محدثا نفسه بالملك لها مقررا قواعد ذلك مع
نور الدين إلى سنة 562هـ
وبلغ
نور الدين وأسد الدين مكاتبة الوزير
الخائن شاور للفرنج وما تقرر بينهم فخافا
على مصر أن يملكوها ويملكوا بطريقها جميع
البلاد فتجهز أسد الدين وأنفذ معه نور
الدين العساكر وصلاح الدين في خدمة عمه
أسد الدين، وكان وصول أسد الدين إلى
البلاد مقارنا لوصول الإفرنج إليها واتفق
شاور والمصريون بأسرهم والإفرنج على أسد
الدين وجرت حروب كثيرة.
وتوجه
صلاح الدين إلى الإسكندرية فاحتمى بها
وحاصره الوزير شاور في جمادى الآخرة من
سنة 562هـ ثم عاد أسد الدين من جهة الصعيد
إلى بلبيس وتم الصلح بينه وبين المصريين
وسيروا له صلاح الدين فساروا إلى الشام.
ثم
إن أسد الدين عاد إلى مصر مرة ثالثة وكان
سبب ذلك أن الإفرنج جمعوا فارسهم وراجلهم
وخرجوا يريدون مصر ناكثين العهود مع
المصريين وأسد الدين طمعا في البلاد فلما
بلغ ذلك أسد الدين ونور الدين لم يسعهما
الصبر فسارعا إلى مصر أما نور الدين
فبالمال والرجال ولم يمكنه المسير بنفسه
خوفا على البلاد من الإفرنج، وأما أسد
الدين فبنفسه وماله وإخوته وأهله ورجاله
يقول
بن شداد: لقد قال لي السلطان صلاح الدين
قدس الله روحه كنت أكره الناس للخروج في
هذه الدفعة وما خرجت مع عمي باختياري وهذا
معنى قوله تعالى {وعسى أن
تكرهوا شيئا وهو خير لكم} (البقرة:216)
وكان
شاور لما أحس بخروج الإفرنج إلى مصر سير
إلى أسد الدين يستصرخه ويستنجده فخرج
مسرعا وكان وصوله إلى مصر في شهر ربيع
الأول سنة 564هـ ولما علم الإفرنج بوصول أسد
الدين إلى مصر على اتفاق بينه وبين أهلها
رحلوا راجعين على أعقابهم ناكصين وأقام
أسد الدين بها يتردد إليه شاور في الأحيان
وكان وعدهم بمال في مقابل ما خسروه من
النفقة فلم يوصل إليهم شيئا وعلم أسد
الدين أن شاور يلعب به تارة وبالإفرنج
أخرى،وتحقق أنه لا سبيل إلى الاستيلاء على
البلاد مع بقاء شاور فأجمع رأيه على القبض
عليه إذا خرج إليه، فقتله وأصبح أسد الدين
وزيرا وذلك في سابع عشر ربيع الأول سنة 564هـ
ودام آمرا وناهيا و صلاح الدين يباشر
الأمور مقرراً لها لمكان كفايته ودرايته
وحسن رأيه وسياسته إلى الثاني والعشرين من
جمادى الآخرة من السنة نفسها فمات أسد
الدين.
وذكر
المؤرخون أن أسد الدين لما مات استقرت
الأمور بعده للسلطان صلاح الدين يوسف بن
أيوب فبذل الأموال وملك قلوب الرجال وهانت
عنده الدنيا فملكها وشكر نعمة الله تعالى
عليه، وأعرض عن أسباب اللهو وتقمص بقميص
الجد والاجتهاد، استعدادا لمواجهات
مستمرة مع الصليبيين من جهة ومع خزعبلات
الدولة الفاطمية من جهة أخرى.
|