نداء الإيمان | التاريخ(هجرى - ميلادى ) | مواقيت الصلاة واتجاه القبلة | موجز الصحافة | إلى كل المسلمات | قرأت لك
المرأة ومناهج التعليم بين التقليد والتغريب
2005/05/10
 **د. ليلى أحمد الأحدب
قضية المرأة هي قضية المجتمع الأولى، ومناهج التعليم هي قضية الجيل الآتي وبالتالي هي قضية المستقبل، وقد كان جان بول سارتر محقا عندما قال: "لا يوجد شيء اسمه المستقبل.. المستقبل هو ما نصنعه اليوم". هذا القول لا يخالف معنى الإيمان بالقضاء والقدر، خاصة أن أحد أسباب الجهل والتخلف في مجتمعاتنا هو الفهم الخاطئ للقضاء والقدر الذي جعل مفهوم التواكل هو الشائع كرديف للتوكل؛ لذلك نحن في حاجة أن نشيع المفهوم الإيجابي للإيمان بالقدر من أجل بناء مستقبل مزدهر للأجيال القادمة، وأن تتوافر لدينا الرؤية حول أهدافنا المستقبلية، وأن نبحث عن أفضل الخطط والإستراتيجيات والسياسات والبرامج -بما فيها التعليمية- التي تمكننا من العبور للهدف المستقبلي. ولا بد من الاستفادة من كامل الموارد البشرية كلٌ حسب طاقته وقدرته وإمكانياته. وبما أن المرأة هي العنصر الموازي للرجل كمورد بشري فيجب بحث مشكلة العادات والتقاليد والتي تمنع المرأة من المشاركة الاجتماعية مع الرجل ضمن الحدود التي وضعها الشرع الحنيف لهذه المشاركة.
فقد اعتبرت هذه التقاليد البالية أنها مرادفة للدين وأنها سبب التخلف فتم التخلي عنها وعن الدين معا في كثير من البيئات العربية؛ وهو ما جعل ثقافتنا العربية تترنح بين تياري التغريب الجاهل والتقليد الغافل فنمت فيها الأفكار الميتة (التقليدية) والأفكار المميتة (التغريبية) على حسب تعبير مالك بن نبي رحمه الله؛ وكلنا أمل أن تنهض مجتمعاتنا من هذه الازدواجية فتنحو باتجاه المعاصرة دون أن تتنكر لجذور الأصالة.
مناهج التعليم المؤدلجة والمرأة.. الحلقة المفرغة
نستطيع أن ندرك أين يكمن الخلل في مناهج التعليم في بلادنا العربية على اختلاف توجهاتها علمانية أم إسلامية، ألا وهو التنشئة على التقليد أو التغريب، وكلاهما ضد الإبداع؛ لأن المبدع لا يكون مبدعا إلا عندما يكون هو ذاته، لا أن يقلد أباه التاريخي أو يتشبه بجاره الغربي، فهذه التنشئة في الحقيقة تؤدي إلى تكوين أفراد ذوي سلوك أحادي الوجهة، فاقد للمرونة، متعال على الغير، رافض للآخر المختلف، وما يزيد الطين بلة هو ترسيخ الأيديولوجيات القومية أو الدينية في أذهان الجيل؛ فالدول العربية ذات الأيديولوجيات القومية هي علمانية لكنها لا تفصل بين الدين والدولة فحسب بل طالما أعطى النظام التعليمي والتربوي انطباعا عن المتدين بأنه رجعي بعد أن اعتُبر الإسلام والعروبة شيئين متضادين بدل أن يُعتبرا من الثوابت الأساسية في مقومات ثقافة الأمة، علما بأن المقصود بالإسلام هنا هو الإسلام الحضاري الذي قامت حضارته على جهود أبناء المسلمين حتى لو كانوا غير عرب وعلى جهود غير المسلمين الذين شكلوا وشائج متكاملة مع المسلمين في نسيج الحضارة الإسلامية؛ بينما نجد أن الدول ذات الطابع الإسلامي تركز في منهاجها التعليمي على مظهر الإسلام أكثر بكثير مما تؤكد على جوهره، وعلى وسائله وأدواته أكثر بكثير من مقاصده وغاياته، ولم يفرَّق فيها بين العقيدة الدينية ونصوصها الثابتة وبين الاجتهادات الفقهية التي من الطبيعي أن تتغير بتغير الزمان والمكان؛ وهكذا فإن منهج التفكير العلمي الذي كان عاملا مهما في قيام الحضارة العربية الإسلامية الزاهية أخلى مكانه للأيديولوجيات التي صبغت مناهج التعليم بصبغتها، وكان هذا من أهم الأسباب التي أفسدت مناهج التعليم كما أفسدت النظرة إلى المرأة؛ فمناهج التعليم العلمانية توحي بشكل مباشر أو غير مباشر أن المرأة كالرجل فتنكر كل ما بينهما من فروقات فطرية هي أساسا موجودة لتكامل أدوارهما في بناء الأسرة والمجتمع، بينما تؤكد مناهج التعليم ذات الأيديولوجيات الدينية أن المرأة أنقص عقلا من الرجل، وهي بالتالي لا يحق لها أن تتمتع باستقلاليتها عنه وإنما يجب عليها أداء دور التابعة للرجل؛ ويجب ألا يُغفل هنا دور المنهج الموازي أو الخفي والذي يقوم به المعلمون والمعلمات والمثقفون المتعلمنون والمشايخ المتأسلمون؛ وإذا علمنا أن المرأة هي التي تكوّن شخصية الجيل بأسره لأنها هي من يُلقى على عاتقها مهمة التربية في سنوات الطفل الأولى استطعنا أن نلمس بسهولة أثر مناهج التعليم المؤدلجة والمرأة الخاضعة لها على أذهان أبناء الجيل وبالتالي عدم قدرتهم على إدراك العوامل الأساسية للتخلف في مجتمعاتنا، ومن ثم استمرار التخلف وتصاعد وتيرته.
مثالان من دولتين عربيتين
قد يبدو الكلام السابق مبالغا فيه، لكن إذا استقرأنا المناهج التعليمية والطرائق التربوية من المحيط إلى الخليج سنجد أنها لم تبدأ بالتحرر من الأيديولوجيات أو التفكير بهذا التحرر إلا مؤخرا. ولإثبات هذا الزعم لا بد من ضرب الأمثلة، والمثال الرئيسي الذي أختاره هو مناهج التعليم في سوريا، ويشفع لي في هذا الاختيار انتمائي إلى ذلك البلد ودراستي فيه كل مراحل التعليم بما فيه الجامعي، إضافة إلى كوني صغرى الأخوات في عائلة كبيرة وتمكني من القراءة في سن باكرة جدا -قبل سن التذكر أي قبل سن 3 سنوات- وهو ما جعلني أطلع على مناهج التعليم لإخوتي وأخواتي الأكبر مني سنا، كما أنني كنت أتابع مع بعضهم وبعضهن انخراطهم في سلك التعليم، بل لي تجربة كمعلمة أيضا، وبذا يمكن القول أن اطلاعي شامل للفترة الممتدة من منتصف الخمسينيات حتى الآن.
وما يُذكر من أمثلة عن سوريا ينطبق إلى حد كبير على الدول العربية الأخرى، ومع ذلك أبدأ بمثالين أحدهما من المغرب لأنه يعطي صورة واضحة عن المعركة بين تياري التقليد والتغريب في مناهج التعليم، والآخر من لبنان وفيه نقرأ نقدا بنّاء لا هداما فالأمر يتعلق بالتلاميذ وهم فلذات الأكباد لآبائهم وأمهاتهم وأمل المستقبل لمجتمعاتهم وأوطانهم، وأتفق مع أكثر ما جاء في ذلك النقد لأن أولادي يدرسون في مدرسة عالمية وهي تنتهج اللغة الإنكليزية كلغة أولى، وتعتمد في تعليم اللغة العربية على مناهج من إصدار دار الشمال في لبنان، لكن هذه المناهج برأيي ليست على المستوى الأخلاقي المطلوب، وعلى سبيل المثال يوجد قصيدة في منهاج الصف الأول الإعدادي للشاعر إبراهيم طوقان يعارض فيها أحمد شوقي بشكل يجعل الطالب يشعر بكرهه للأستاذ ما دام ينعته بالحمار:
شوقي يقـول وما درى بمصيبتي:    "قم للمعلم وفـّه التبجيـلا"
ويكاد يفلقني الأمير بقولـه:    "كاد المعلم أن يكون رسولا"
ثم يقول:
وأكاد أبعث سيبويه من الــبلى   وذويه من أهل القرون الأولى
فأرى حمارا بعد ذلك كلـه رفع    المضاف إليــه والمفعولا
وجدير بالذكر أن أحد الأسباب التي دفعتني إلى تسجيل أولادي في مدارس عالمية هو أن المناهج الدينية في السعودية لا تتناسب مع الإيمان الفطري الذي لقّنه الرسول عليه الصلاة والسلام لأصحابه، فعندما سأل جارية صغيرة: أين الله؟ قالت: هو في السماء، فقال: هي مؤمنة، وطلب من صاحبها الذي لطمها أن يعتقها؛ وأما علم الكلام الذي يدرّس لطلاب المرحلة الابتدائية -مثل توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية في الصف الرابع- فهو لم ينشأ إلا في العهد العباسي وكان له مبرراته التاريخية والسياسية، ناهيك عن نقاط ضعف كثيرة في المنهج العام.
التجربة المغربية
هذا المثال الوارد هنا يؤكد على وجود التضارب بين الثقافتين الغربية التي غزت المناهج التعليمية والثقافة التقليدية التي ترى أن لعلوم الدين الأحقية في الأولوية، وهو مقتبس من لقاء نشره أحد مواقع الإنترنت مع العلامة المغربي محمد المنوني الذي عُرِّف به على أنه شاهد التحولات الكبرى التي عرفها مغرب القرن العشرين، فبالإضافة إلى كونه مؤرخا فقد شارك الشيخ المنوني في بعض لجان إصلاح التعليم منذ تشكيل أولاها، حيث عُيِّن في اللجنة الملكية لإصلاح التعليم سنة 1957.
وهو يرى أن التعليم المغربي كان يمكن أن يكون بخير لو سار على الخطى التي رسمتها له هذه اللجنة التي استحضرت كل أبعاد الشخصية الوطنية بعناية بالغة. غير إن إرادات مضادة لمصلحة الأمة وهويتها تصدت لأعمال هذه اللجنة وجمدتها وأعطت الأولوية لمصالح فرنسا ولغتها على حساب مستقبل التعليم المغربي ومضمونه، لدرجة أن وزيرا للتعليم جعل كل تلاميذ المغرب يعيدون سنة دراسية من أجل تقوية اللغة الفرنسية.
وأهم ما ذكره المنوني هو أن تطور الأحوال في المشرق والغرب طرح مناهج أخرى في التعليم فضعفت العناية بعلوم القرآن وكذلك علوم الحديث والفقه، وأضيف لمواد الدراسة علوم حديثة فرضها واقع الوقت في المشرق والغرب. وأثناء التعليم منذ الخمسينيات حتى الآن نالت المرأة حظها من هذا التعليم فبينما كانت المستفيدات من التعليم قليلات جدا صار الإقبال على التعليم النسوي كبيرا؛ غير أن التعليم في هذا الطور ضعفت فيه العناية بالتربية الأخلاقية فكان المتعلم قبل الخمسينيات يتصف بأخلاق طيبة، سواء تعلم العربية أو الفرنسية لأنه كان يضاف إلى التعليم تربية أخلاقية رفيعة بعكس ما حصل فيما بعد الخمسينيات. وفي التعليم النسوي بقيت فيه فراغات كثيرة من أجلّها أن التعليم النسوي كان مفروضا فيه أن تتعلم المرأة المواد التي تعينها على دينها وتربيتها الأخلاقية وتنظيم الحياة الداخلية في البيت وهذا ما ضعف حاليا.
ويؤكد العلامة المنوني على أن الفَرْنسة أُعطيت الأولوية على التعريب بعد الاستقلال، ورغم شعور بعض العلماء مثل عبد الهادي بو طالب والفقيه القيسي بنقص المناهج فيما هو مكتوب بالعربية وعملهم على تدارك هذا النقص فإنهم صُدموا بتصاعد نزعات الفرنسة ومعارضة التعريب؛ ومن جملة المآسي التي خلّفها التعليم على الطريقة الفرنسية أنه أصبح يتواجد في كل بيت نوعان من العقليات؛ فالأبناء المتعلمون في جملتهم مرتبطون بطرق التفكير الغربية بينما الآباء متدينون، فالأب يقول مثلا إن هذه المسألة محرمة والولد يستهزئ به، وللخروج من هذه الازدواجية وهذا التشتت لا بد من إعطاء الدين وعلومه المكانة اللازمة في التعليم.
مشاهدات من لبنان
أهم ما أشار إليه المؤتمر التربوي الإسلامي الخامس "مناهج التعليم العامة الجديدة في الميزان" (1420هـ - 1999م) من تنظيم معهد طرابلس الجامعي للدراسات الإسلامية هو أن استبعاد التعليم الديني من مناهج التعليم في المدرسة الرسمية هو عملية تدمير للمواطنية السليمة في لبنان؛ لأن أمن الدولة والأمن العام والأمن الداخلي لا يكون بغير تحقيق الأمن التربوي والروحي لأبناء الوطن، ولا يكون ذلك إلا بربطهم بالوحي الإلهي وبالأدب النبوي حتى يكون لهم في أنفسهم عن الشر رادع وإلى الخير دافع. كذلك فإن إفراغ المناهج من كل ما يمت إلى الدين بصلة شكلا أو مضمونا، وخاصة في المواد التربوية المحضة: كالتربية الوطنية والتنشئة المدنية، جريمة تؤكد أن الأدمغة التي اقترفتها عن عمد إنما أرادت وأد الدين في عالم التربية وقطع الأبناء عن تراثهم وحضارتهم وعن مصادر قوتهم وعزتهم. وطالب المؤتمر بإعادة النظر في كتب التربية الوطنية والتنشئة المدنية الجديدة التي تتضمن الكثير من الثغرات والسلبيات والمغالطات التربوية والتعليمية كإغفال العديد من القيم الجوهرية المتعلقة بالمرأة ودورها والأسرة ومفاهيمها، وتغييب المظاهر والعادات الدينية، فينعدم ظهور مناسبة دينية ويندر ظهور امرأة محجبة ويُهَمَّش الدور العائلي للمرأة على حساب دورها الاقتصادي، وكذلك بث الدعوات والمفاهيم والتشريعات التي تخالف أحكام الأديان السماوية ودورها. كما طالب المؤتمر بإجراء تعديلات جوهرية في هذه الكتب بما ينسجم مع تراثنا وثقافتنا وبيئتنا وحضارتنا وإزالة كل التوجهات أو العبارات التي لا تليق بالإنسان اللبناني المؤمن، باعتماد القيم الأخلاقية كالصدق والأمانة والعدل والنزاهة والعفة. وعلى صعيد كتب الأدب العربي وجّه المؤتمر إلى تعديل النصوص بحيث توظَّف في بناء الإنسان اللبناني مع المحافظة على التاريخ القديم المكتوب وفهم جوهر الأديان ودورها في تكامل شخصية الفرد روحيا وأخلاقيا وإنسانيا، واعتماد عناوين تهم الإنسان وتنبثق عن احتياجاته وواقعه بدلا من العناوين الجزئية التي لا تتسم بالشمول ولا تتناسب مع روح المعاصَرَة. وعلى صعيد مادة العلوم طالب المؤتمر بطرح موضوع "التربية الجنسية" على بساط البحث بعمق، للتوصل إلى أفضل طريقة يمكن من خلالها توجيه الطالب جنسيا في جو تسوده الأخلاق والفضيلة والحياء.
مناهج التعليم السورية (تجربتي الشخصية)
في اعتقادي أن تجارب الكاتب الشخصية لا تصلح مادة للنشر إلا إذا كانت تعالج قضية عامة تهم المجتمع وتفيده، وسأحاول أن أكون موضوعية وحيادية قدر الإمكان مع التأكيد أن غايتي في إظهار الأخطاء ليست إلا الرغبة في عدم تكرارها لنستطيع أن نغير بأنفسنا دون أن ننتظر غيرنا ليتدخل في شئوننا؛ وسأركز على مناهج اللغة العربية والتاريخ والتربية الوطنية والتربية الدينية.
أولا: منهج اللغة العربية:
كانت مناهج التعليم في الخمسينيات وما قبلها معقدة أكثر من السنوات التي تلتها، لدرجة أن التلميذ الذي كان يحصل على الشهادة الابتدائية في الصف الخامس (المسماة بالسرتفيكا) كان بإمكانه أن يبدأ حياته العملية كمعلم للتلاميذ، وأما ما اطلعت عليه شخصيا فقد كان مناهج العلوم وقواعد اللغة العربية للمرحلة الثانوية في منتصف الخمسينيات، ومن الجدير بالذكر أن حجم الكتب نفسها كان كبيرا مشابها لحجم الكتب الجامعية، وبالنسبة لكتب اللغة العربية فقد كانت تحوي دروسا في البلاغة والعروض والإعراب، ولكن طابعها كان إيمانيا إلى حد كبير، فالجمل المختارة للإعراب هي غالبا من القرآن الكريم، على سبيل المثال أذكر درس الأسماء الخمسة والآية التي كان يطلب إعرابها: (رب إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع)، ودرس الحال توجد فيه الآية: (وجاءوا أباهم عشاء يبكون)، وكثير من النصوص المطلوبة للحفظ عبارة عن آيات قرآنية مختارة إضافة للشعر والنثر. ولا يقتصر الطابع الإيماني الجميل على كتب اللغة العربية في الخمسينيات بل حتى مناهج القراءة في زمن الوحدة -والتي كانت مشتركة بين سوريا ومصر- كان فيها الكثير من الأخلاق مثل بر الوالدين والرفق بالحيوان وفعل الخير، وكل هذا لم يكن يقدم بشكل جاف بل يترافق مع الطرافة والمتعة والقصص المسلية، واستمر الأمر على هذا المنوال في سنواتي الابتدائية الثلاث الأولى؛ فكتب القراءة فيها قصائد شكر لله وبعض الآيات القرآنية المختارة والمناسبة لعمر الطالب، وفيها إلى جانب الحكمة إبداع جمالي راقٍ وذائقة فنية عالية كأشعار الأخوين رحباني وغيرهما من شعراء الإنسانية.
كل تلك القيم وذلك الجمال بدأ يخف تدريجيا من كتب القراءة للمرحلة الابتدائية بعد دخول سوريا مرحلة التصحيح عام 1970؛ إذ توضحت الأدلجة في المناهج، فمن قصيدة عن ثورة الثامن من آذار، إلى درس عن عيد العمال، وآخر عن الإصلاح الزراعي، وثالث عن الحركة التصحيحية؛ بل إن تحية العلم الصباحية والتي من المعتاد أن يردد فيها الطلاب بشكل جماعي النشيد السوري (حماة الديار)، أصبحت تنتهي بترداد شعارات (أمة عربية واحدة.. ذات رسالة خالدة.. أهدافنا.. وحدة حرية اشتراكية) فكان الأمر كأنه تعويد للأجيال على التفاخر بشيء لم يعد موجودا، ويكفي أن هذه الأيديولوجيات جعلت العرب يظهرون كوريث لم يرث شيئا إلا اللقب، عدا أن الرسالة الخالدة كانت في الوحدة والاشتراكية والحرية مع أنه لا وجود لأي عنصر من عناصر هذه الثلاثية على أرض الواقع، ومن نافلة القول أنها ليست رسالة الأمة العربية التي بينتها الآية الكريمة: (وإنه لذكر لك ولقومك ولسوف تسألون)، وهذا دليل على الفصام بين القومية والإسلام والذي ساد فترة طويلة في الثقافة والتربية.
على كل حال كانت المناهج مقبولة إلى حد ما، لكنها لم تكن بجمالية المناهج في السنوات السابقة، وربما يعود السبب أن الأدلجة تؤدي إلى فقدان الإحساس بالجمال لدى واضع المنهاج الذي لم يتح له أن يغير كثيرا فيما يبدو في كتب اللغة العربية في المرحلة الإعدادية إلا بشكل عشوائي، فبقيت قصة "الموسيقي الأعمى" الروسية تدرس أكثر من 10 سنوات متتالية للصف الثالث الإعدادي، وهي قصة تدور حول العاطفة الفردية (حب بين فتاة وبطل القصة الأعمى) بعد أن حذفت من المنهاج قصة من أجمل القصص التي تركز على العاطفة الوطنية وهي "أرض البرتقال الحزين" لغسان كنفاني؛ وهنا يحق للمرء أن يتساءل عن مدى مصداقية الالتزام بقضية فلسطين أم أن الأمر لم يكن إلا لإلهاء الشعب عن همه اليومي ومطالبه المشروعة بالعدل والحرية والكرامة؟ وهل كانت الأيديولوجيا القومية واضحة أم أنها مختلطة بإقليمية حزبية ضيقة؟ وإذا كان لا غضاضة في عاطفة الحب، فهل هذا مبرر لتفضيلها على الشعور بالواجب؟ ولماذا هذا التناقض بين الأقوال والأفعال؟ حذفت مصر كثيرا من الدروس العدائية لإسرائيل لكن عذرها أنها أقامت اتفاقية سلام معها فما هو عذر سوريا هنا؟!.
ثانيا: منهج المواد الاجتماعية: التاريخ والتربية الوطنية
كتاب التاريخ للصف السابع المقرر للعام الدراسي 973-974 يذكر أن إبراهيم هو أبو اليهود -بدون إشارة إلى نبوته أو ووضع عبارة "عليه السلام"- ويشير إلى ما تعرضوا إليه على يد نبوخذنصر؛ وهو ما دفعني للتساؤل: لماذا ننكر إذن حق اليهود في فلسطين؟ ولما لم أجد جوابا لدى المعلمة اتجهت بهذا السؤال إلى أحد إخوتي الذي يكبرني بسبعة عشر عاما، فأخبرني أن هذه الدروس التاريخية مأخوذة من التوراة المحرّفة لذلك هي ليست صحيحة. قرأت فيما بعد في أحد كتب الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله الذي كان نائب رئيس البرلمان السوري إبان الاستقلال ومؤسس كلية الشريعة اعتراضه على أن يُدرِّس أو يعدّ مناهج التاريخ العربي والإسلامي شخص غير مسلم، ورغم أن هذا الاعتراض صدر من شخص بوزن واعتدال الدكتور السباعي فإنه لم يتم الأخذ برأيه؛ ويمكن للمطلع أن يلاحظ أن كثيرا من الأبطال التاريخيين أو العلماء المسلمين مثل صلاح الدين الأيوبي وابن سينا وغيرهما تم حشرهم تحت المسمى العربي في المنهاج التعليمي رغم أنهم ليسوا عربا وهذا من ثمار الأيديولوجية القومية، كما أن مناهج التاريخ لم تكن تصف أيا من أبطال التحرر من الاستعمار إلا أنهم شيوخ، كالشيخ عبد القادر الجزائري والشيخ عمر المختار دون الإشارة من واضع المنهاج إلى أن سبيلهم لتحرير أوطانهم كان تمسكهم بإيمانهم وغرس الدين الصحيح في نفوس أتباعهم، وهو الدين الذي يدعو إلى عدم الخوف من المستعمر وعدم قبول الذل وإعلاء معنى الشهادة وكلها مفاهيم مستمدة من الإسلام، لكنها الأيديولوجيات القومية أو الحزبية مرة أخرى!.
لا أنكر أن مناهج المواد الاجتماعية كانت تعطي معلومات جيدة نسبيا، عن الوزارات والاتحادات والنقابات ولكنها كانت جافة جدا خاصة في المرحلة الإعدادية، وتحولت في المرحلة الثانوية إلى مادة القومية الاشتراكية وكانت كلها عن حزب البعث العربي الاشتراكي؛ وهو ما جعلها مادة من أسمج المواد وأثقلها على القلب، وجعل نسبة الرسوب بها عالية خاصة في الثانوية العامة.
ثالثا: منهاج التربية الدينية:
في السبعينيات كانت التربية الدينية كافية لتعطي معلومات أولية للطالب عن الدين، وبرأيي أنها لم تكن كافية ومتدرجة فحسب بل كانت تثبّت العقيدة الصحيحة من الإيمان بالله وصفاته وقصص الأنبياء وسيرة الرسول عليهم جميعا الصلاة والسلام وتعلم الأخلاق وتغرس المبادئ والقيم عبر قصص جميلة تناسب عقل التلميذ وإدراكه خاصة في المرحلة الابتدائية، ويكفي أنها امتداد لمنهاج التربية الدينية في الستينيات والذي كان من تأليف وإعداد نخبة من أبرع الأقلام في مصر وسوريا ومنهم سعيد العريان وهو صاحب مجموعة قصصية موجهة للأطفال في ذلك الوقت تحت اسم القصص المدرسية، وهي من أجمل ما كُتب في أدب الطفل وتربيته على الأخلاق بشكل قصصي يبتعد عن الوعظ. أما ما حصل في السنوات التي تلت أي في الثمانينيات وما بعدها فقد اختصرت مناهج الدين واختلطت التربية الدينية بالتربية الوطنية أو بالأحرى بالتربية السياسية فحوَت بعض كتب الدين مقولات لرئيس سوريا السابق. وربما بدأ المنهاج بالتغير نحو الأفضل في السنوات الأخيرة.
المرأة في مناهج التعليم السورية ومعوقات النهوض
في المرحلة الابتدائية قبل 1970 وُجدت بعض الدروس التي تعطي صورة جميلة للعائلة وتكامل دور الأب والأم فيها وتوثق العرى بين أفرادها، لكن بعد عام 1970 بدأت المناهج تسير في منحى اعتبار أن المرأة كالرجل، وخاصة مع بداية عهد تأنيث التعليم وهو استبدال المعلمات الإناث بالمعلمين الذكور في جميع المراحل خاصة الابتدائية، ولم تكن خطوة موفقة حيث لا تستطيع المعلمة السيطرة على فصل مختلط أو فيه نسبة الذكور أكثر من الإناث؛ لأن المدارس المختلطة بدأت في نفس العام تقريبا، فكثيرا ما كانت المعلمة تستعين بمدير المدرسة ليساعدها على انضباط الفصل، وبهذا يضيع جزء من الحصة بدون فائدة إلا إرهاق أعصاب المعلمة. ومن وجهة نظري الشخصية فإن التعليم المختلط ما قبل سن العاشرة ليس مرفوضا لكنه بحاجة إلى دراسة وافية وكذلك إلى تلمس تجارب البلاد الأخرى غربية أو عربية، فمن محاسنه أن يعتاد كل جنس كيف يتعامل مع الجنس الآخر بشكل طبيعي، لكن في نفس الوقت يُخشى من انتقال الصفات الفطرية من جنس لآخر، ولتفادي ذلك ينبغي أن يتم الفصل بين الجنسين في حصص الرياضة والفن حيث تتم مراعاة الاتجاهات الفطرية فلا تفقد البنت حياءها ولا يصبح الولد مخنثا؛ لأن سياسة الفصل التام تؤأدي إلى انعكاسات وانحرافات خطيرة، كما أن الاختلاط غير المدروس يؤدي إلى خلق جنس ثالث في مجتمعاتنا، وهي تجربة خاضتها قبلنا الدول الغربية وهي تدفع ثمنها الآن بالشذوذ والإباحية. ولا بد من الإشارة إلى أن الفصل بين الجنسين لا يتم في معسكرات الطلائع المستنسخة من التجربة الروسية، وهو أمر له آثاره السلبية إذا لم يتم ترشيده.
مراعاة الميول الفطرية كان موجودا في مناهجنا -وما زال ولو بشكل أقل- ففي حصص الأشغال الفنية تتعلم الفتاة شيئا جيدا عن التطريز والخياطة وفن تدبير المنزل، بينما وجدت في المناهج قبل السبعينيات حصة عن تربية الأطفال تم حذفها عندما قُرر منهاج التربية العسكرية للفتيات، بسبب أن سوريا كانت تعتبر إحدى دول الطوق، وهي خطوة لا بأس بها فتعليم الرماية واستعمال السلاح للفتاة أمر ممتع ومفيد، لكن بعض المدربات كنّ يتميزن بالخشونة والفظاظة فلا يراعين الجانب الأنثوي في الفتيات، وكن بسهولة ولأقل ذنب ترتكبه طالبة أو أكثر يفرضن عقوبة الزحف على الأرض أو المشي بوضعية القرفصاء على الفتيات، وفي ذلك إهانة غير مبررة وإصابة لهن بمرض الروماتيزم مبكرا. عدا أن معسكر التدريب الصيفي الإجباري أصبح مختلطا بين المراهقين والمراهقات، ومرت فترة على البلاد كانت الفتاة تجبر على نزع غطاء الرأس في المدارس وفي المعسكرات؛ وهو ما جعل بعض الفتيات الملتزمات يحجمن عن الذهاب إلى المدارس أو الاشتراك في معسكرات الفتوة والشبيبة، وهي أيضا استنساخ لتجارب دول اشتراكية، ولا يوجد من يفهم أو يشرح قواعد الاختلاط المنظم والمشاركة المشروعة بين الجنسين كما لا يُسمح بذلك أساسا، فكتب الأستاذ عبد الحليم أبو شقة (تحرير المرأة في عصر الرسالة) ما زالت غير متاحة في سوريا، ومن هنا تزداد الفجوة بين التيارين التغريبي والتقليدي في المدارس والمجتمع.
لم تدل المناهج -وما زالت لا تدل- على أن المرأة العربية يمكن أن تتحرر إلا على الطريقة الغربية، ومن النادر أن يوجد معلمة تعرف كيف تشرح للطالبات دور المرأة في تحرير العقول دون أن يتم التخلي عن الثوابت والقيم، وبالأخص معلمات التربية الدينية فقد كن تقليديات إلى حد كبير، والمشكلة في التقليديات والتغريبيات أن السؤال ممنوع، وكمثال عندما سألت إحدى الطالبات في الصف الأول الثانوي معلمة الدين عن معنى كلمة الجنابة الواردة في درس الغسل انتهرتها ورفضت الإجابة، وعندما سألتُ مدرسة اللغة العربية في الثاني الثانوي العلمي عن الغاية من دراسة بول فاليري وغيره من رموز المدارس الانطباعية أو الكلاسيكية غضبت مني ولم تجبني على سؤالي رغم أني لم أكن أسألها لأحرجها، وهذا نوع من الاستبداد الثقافي الذي يجب أن يلغى من المدارس العربية ويستبدل به الاهتمام بأي سؤال يطرحه الطالب خاصة إذا كان سؤالا جادا. فأبرز المعوقات في نهوض المجتمع هي نفسها معوقات نهوض المرأة، وهي الأدلجة أو التفكير الأحادي الذي يشبه ما يضعونه للحصان على طرفي رأسه كي لا يرى أي شيء من الجانبين فلا يجفل، وجيل النصر المنشود يجب أن يكون جيلا لا يجفل تكوّنه امرأة ورجل لا يرهبان، أيْ جيل يعتاد على رؤية أي شيء ويحق له أن يسأل عن أي شيء حتى لا يتفاجأ بأي شيء، وهذا لا يكون إلا بإعلاء ثقافة الحوار بين جيل التلاميذ والأبناء وبين جيل المعلمين والآباء.
مصادر الثقافة الأخرى للفتاة:
ذكرت في البداية ما يمكن أن نسميه المنهج الخفي أو الموازي للمنهج التعليمي، وهو على درجة عالية من الأهمية والخطورة في نفس الوقت، وهو يتراوح بين أثر العائلة والجهاز التعليمي وجماعة الصديقات والكتب ومواقع الإنترنت ووسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية. ولا شك أن للبيئة دورا كبيرا في تكوين شخصية الفرد، فالأبوان المثقفان غالبا ما تنعكس ثقافتهما في تربية الأولاد، وفي العائلات كثيرة الأفراد يتم نقل المعلومات من الكبار للصغار بطريقة لا شعورية، وأود هنا أيضا أن أعرض تجربتي الخاصة فقد يكون فيها شيء من الفرادة والفائدة:
والداي لم يكونا بالمثقفَيْن؛ فوالدي خريج أحد الكتاتيب ووالدتي تقرأ القرآن الكريم وتفك الخط بصعوبة، مع ذلك كان والدي رحمه الله حريصا على تعليمنا القرآن الكريم وهو بحد ذاته مصدر لثقافة دينية وإنسانية لا تضاهى؛ أما من يستحق ذكر تأثيره في تكوين ثقافتي منذ الصغر فهو أخي الكبير وأخي الذي يصغره مباشرة فكلاهما درس في فرنسا وكانا من هواة القراءة والمطالعة بشكل كبير، وعبر مكتبتهما الخاصة تعرفت إلى مجلات سندباد التي كانت تصدر في مصر قبل الاستقلال ومجلات سمير بأعدادها القديمة والمجموعة الكاملة لكامل الكيلاني وعطية الأبراشي وسعيد العريان وغيرهم وسلسلة أولادنا وسلسلة مماثلة عن الأبطال العرب التاريخيين، وكانت فرحتي كبيرة عندما كنت بعمر 7 سنوات بصدور أول مجلة سورية للطفل باسم مجلة أسامة، وكان أحد إخوتي -رحمه الله- يشجعني على شرائها بإعطائي ثمنها من ماله الخاص رغم أنه كان في بداية تكوين حياته الأسرية، وهذا يدل على مساهمة الأشخاص الناضجين في العائلة في إنشاء ثقافة الطفل؛ وفي عمر أكبر صدرت سلسلة "المغامرون الخمسة" وهي سلسلة بوليسية أضافت إلى رصيدي في القصص البوليسية والذي يأتي في مقدمته قصص أرسين لوبين، وفي نهاية المرحلة الابتدائية وبداية الإعدادية كنت أميل إلى كتب علم النفس والفراسة وكتب "ديل كارنيجي" ثم تعرفت إلى قصص نجيب محفوظ ومحمد عبد الحليم عبد الله وإحسان عبد القدوس وطه حسين -الذي لم يستهوني أسلوبه إذ وجدته متشائما- وقصص ميشال زيفاكو ومكسيم غوركي وإسكندر دوماس وأرنست همنغواي وفيكتور هوغو وسلسلة قصص صغيرة الحجم -ربما اسمها قصص الجيب أو اليوم وهي سلسلة لهدم الأخلاق على ما أذكر- ثم انطلقت إلى مسرحيات توفيق الحكيم وكثير من مؤلفات دار الهلال وقصص عالمية منها من الأدب الياباني لا أذكر أسماء مؤلفيها. ومن المجلات مجلة طبيبك لصبري القباني رحمه الله ومجلات سمر ذات الأفلام الرومانسية المصورة والموعد والشبكة ولم أكن أدفع ثمن أي مجلة تافهة وإن كنت أطلع عليها باستعارتها من صديقاتي، وأحيانا كانت يدي تقع على مجلات سياسية كالصياد والأسبوع العربي أو ثقافية كمجلة العربي؛ وأذكر أن معلمة الدين في الصف الثالث الإعدادي ذكرت خطر عدد من المجلات على الأخلاق وذكرت من ضمنها مجلة طبيبك فلما ناقشتها في ذلك أنكرت عليّ، وهذا كان ديدن أساتذة الدين فنادرا ما حظي جيلنا بشبابه وفتياته بمعلمات أو معلمين يقدمون له الدين على أنه يتفهم عواطف الإنسان ولا يمانع فيها ما لم تدخل منطقة الحرام وأنه الدين الذي لا ينفي الغرائز لكنه يمنع من تأجيجها، وأنه يمنعنا من خطيئة التعميم، وأغلب الظن أن المعلمة اطلعت مرة واحدة على مجلة طبيبك أو سمعت عنها من أي مصدر؛ فرفضتها بالكامل!.
ماذا استفدت من هذه القراءات المختلفة؟ حقيقة هي تكوّن جزءا غاليا من ذاكرتي رغم أن بعضها كما قلت كان تافها جدا، لكن حتى التافه والسخيف يمكن أن يستفاد منه المرء حينما يوجّهه الوجهة المناسبة، ووجهتي هنا أن أفيد القارئ من تجربتي الشخصية، فمثلا أذكر أني تعرفت على مجلات تان تان بعمر كبير نسبيا أي 14 سنة، وفيها مسلسلات مصورة ومواضيع مشوقة، لكن فيها أيضا السم في الدسم، وعلى سبيل المثال يوجد موضوع عن الأزياء كان يضع صورة امرأة كبيرة في السن قد غطت شعرها ويستدلّ بالصورة على استعمال "الإيشارب" غير المناسب للعصر، ويدل الفتيات على طريقة الربط المتلائمة مع سنهن، سواء حول الخصر أو حول العنق (فولار)، وحدث ولا حرج عن تأثير مجلات الشبكة والموعد وسمر في فصل المراهقات كليا عن بيئتهن المحافظة، وبالتالي حصول الفصام بين الفردي والجماعي؛ والسبب يعود برأيي إلى غياب رقابة الأهل المتفهمة لعواطف المراهقة، بينما لو تم غرس الرقابة الذاتية وتعليم الفتاة كيف تختار لنفسها ما ينفعها لما رأينا هذا الفصام النكد بين الظاهر والباطن في كل أفراد مجتمعاتنا إلا من رحم ربك.
وليس تأثير الأفلام والمسلسلات في الإذاعة والتلفزيون بأقل من ذلك، ومن الأمثلة التي يجب ألا أفوت فرصة الكلام عنها هنا هي مسرحية مدرسة المشاغبين والتي عرضها التلفزيون السوري عندما كنت في الصف الثاني الثانوي، فقد تنافست كل فتيات الفصل في إظهار المهارات التي تعلمنها من تلك المسرحية لجعل بعض المعلمات يكرهن مهنتهن ويكرهنهن أيضا؛ ومن هنا أنتقل إلى الجهاز التعليمي كمصدر للثقافة، ويكفي أن أقول إني كنت أظن معلمتي في الصف الأول الابتدائي هي والدة أخرى لي لأدلّل على مدى قدرة المعلم على التأثير بالطفل، وقد كانت أغلب معلماتنا أمثلة حية للأخلاق الرفيعة والسلوك الحسن، ولكن ماذا تفعل إذا كنت تبني وغيرك يهدم؟ طبعا الجيل الحالي من المعلمات ليس بإمكانيات الجيل السابق فالثقافة لا تقتصر على فرد دون فرد بل هي تعم المجتمع بكامله، وقد غزت مجتمعاتِنا ثقافةُ البورجر والتيك أواي وموسيقى الراب فلا بد أن الجميع مؤثرون ومتأثرون في نفس الوقت، وهم بذلك مشتركون جميعا في تكريس الإشكال الثقافي والذي لا يبدو حله قريبا؛ هذا الإشكال الذي يتبدى في سؤال حائر: ما هي الأسس التي نضعها -سواء في مناهج التعليم أو في إعداد المرأة- لوقف طوفان ستار أكاديمي وسوبر ستار والكثير الكثير من الـ"ستارات" التي هي في طريقها لإظهار كامل مفاتنها التافهة والمصبوغة أمام أبنائنا وبناتنا؟.

موقع إسلام أون لاين    31/05/2005