نداء الإيمان | التاريخ(هجرى - ميلادى ) | مواقيت الصلاة واتجاه القبلة | موجز الصحافة | إلى كل المسلمات | قرأت لك
بمثل هذا يجب أن يبدأ العروسان
حسام الدين كمال
في الليلة الأولى للزواج والتي يطلق عليها ليلة الزفاف يكون الحذر والخوف هو المسيطر على الزوجين فكل واحد منهما دخل هذه الليلة بجملة من الوصايا التي أوصاه به من سبقه في هذا الدرب، ففي أغلب الأحيان يكون التفكير منصباً في المتعة الجسدية وما يدور حولها وينسى الزوجان أن هذه الليلة هي بداية لتكوين أسرة تكون نواة لأجيال قادمة يكون استقرارها مربوطاً باستقرار تلك النواة، بل وينسيان كثيراً من سنن هذه الليلة والتي تأتي في مقدمتها صلاة ركعتين عند دخول الزوجة.
فوضع النقاط على الحروف من أول يوم في الزواج يكون سبباً في استقرار الأسرة، سيما ونحن في عصر لا شيء يفتخر به المسلم سوى نسيجه الأسري المترابط، وأعني بالنقاط على الحروف أن يوضح كل زوج للآخر عاداته وتقاليده، ما يحبه وما يكرهه ولا يتركان هذا الأمر للاكتشاف اليومي وبالمثال يتضح المقال.
أورد الأبشيهي في كتابه المسمى "المستطرف في كل فن مستظرف" هذه القصة العجيبة والتي تكون خير مثال لما قلنا  "عن الهيثم بن عدي الطائي عن الشعبي قال: لقيني شريح، فقال لي: يا شعبي عليك بنساء بني تميم، فإني رأيت لهن عقولا، فقلت وما رأيت من عقولهن؟ قال: أقبلت من جنازة ظهراً، فمررت بدورهن وإذا أنا بعجوز على باب دار وإلى جانبها جارية كأحسن ما رأيت من الجواري، فعدلت إليها، واستسقيت وما بي عطش.
 فقالت لي: أي الشراب أحب إليك؟ قلت ما تيسر قالت: ويحك يا جارية ائتيه بلبن، فإني أظن الرجل غريباً، فقلت للعجوز ومن تكون هذه الجارية منك؟ قالت: هي زينب بنت جرير إحدى نساء بني حنظلة.
قلت: هي فارغة أم مشغولة؟ قالت: بل فارغة، قلت أتزوجنيها؟ قالت: إن كنت كفئاً ولم تقل كفوا، وهي بلغة بني تميم، فتركتها ومضيت إلى منزلي لأقيل فيه، فامتنعت مني القائلة، فلما صليت الظهر أخذت بيد إخواني من العرب الأشراف علقمة والأسي والمسيب، ومضيت أريد عمها، فاستقبلنا وقال: ما شأنك أبا أمية؟ قلت: زينب ابنة أخيك قال: ما بها عنك رغبة، فزوجنيها، فلما صارت في حبالي ندمت وقلت أي شيء صنعت بنساء بني تميم، وذكرت غلظ قلوبهن، فقلت أطلقها، ثم قلت: لا، ولكن أدخل بها، فإن رأيت ما أحب وإلا كان ذلك، فلو شهدتني يا شعبي وقد أقبلت نساؤها بهدينها حتى أدخلت علي.
فقلت: إن من السنة إذا دخلت المرأة على زوجها أن يقوم ويصلي ركعتين، ويسأل الله تعالى من خيرها ويتعوذ من شرها، فتوضأت، فإذا هي تتوضأ بوضوئي وصليت فإذا هي تصلي بصلاتي، فلما قضيت صلاتي أتتني جواريها فأخذن ثيابي وألبسني ملحفة قد صبغت بالزعفران فلما خلا البيت دنوت منها، فمددت يدي إلى ناصيتها، فقالت على رسلك أبا أميه، ثم قالت: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلي على محمد وآله، أما بعد، فإني امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك فبين لي ما تحب فآتيه، وما تكره فأجتنبه، فإنه قد كان لك منكح في قومك ولي في قومي مثل ذلك، ولكن إذا قضى الله أمراً كان مفعولاً، وقد ملكت، فاصنع ما أمرك الله تعالى به، إما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولك ولجميع المسلمين.
قال: فأحوجتني والله يا شعبي إلى الخطبة في ذلك الموضع، فقلت: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلي على محمد وآله أما بعد، فإنك قلت كلاماً إن ثبت عليه يكن ذلك حظاً لي، وإن تدعيه يكن حجة عليك، أحب كذا وأكره كذا، وما رأيت من حسنة فبثيها وما رأيت من سيئة فاستريها.
فقالت: كيف محبتك لزيارة الأهل؟ قلت: ما أحب أن يملني أصهاري، قالت: فمن تحب من جيرانك يدخل دارك آذن له، ومن تكرهه أكرهه، قلت: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم سوء.
قال: فبت معها يا شعبي بأنعم ليلة، ومكثت معي حولاً لا أرى منها إلا ما أحب، فلما كان رأس الحول جئت من مجلس القضاء، وإذا أنا بعجوز في الدار تأمر وتنهى.
قلت: من هذه؟ قالوا فلانة أم حليلتك، قلت: مرحباً وأهلاً وسهلاً، فلما جلست أقبلت العجوز، فقالت: السلام عليك يا أبا أمية، فقلت وعليك السلام ومرحباً بك وأهلاً، قالت: كيف رأيت زوجتك؟.. قلت: خير زوجة وأوفق قرينة لقد أدبت فأحسنت الأدب، وريضت فأحسنت الرياضة، فجزاك الله خيراً، فقالت: أبا أمية إن المرأة لا يرى أسوأ حالاً منها في حالتين، قلت: وما هما: قالت: إذا ولدت غلاماً أو حظيت عند زوجها، فإن رابك مريب فعليك بالسوط، فوالله ما حاز الرجال في بيوتهم أشر من الروعاء المدللة، فقلت: والله لقد أدبت، فأحسنت الأدب، وريضت فأحسنت الرياضة، قالت: كيف تحب أن يزورك أصهارك؟ قلت: ما شاءوا، فكانت تأتيني في رأس كل حول فتوصيني بتلك الوصية، فمكثت معي يا شعبي عشرين سنة لم أعب عليها شيئاً.
نظرة سريعة فيما سبق:
أولاً: الزوج وهو شريح القاضي: عندما أعجبته الجارية سأل عنها في الحال ثم أخذ أهله وذهب لخطبتها ولم يبحث عن طرق ملتوية للتقرب منها.
ثانيا: الزوجة: تأمل عقل وحكمة هذه الزوجة وكيف استطاعت أن تحافظ على بيتها عشرين سنة لم يعب زوجها عليها شيئاً.
ثالثاً: أم الزوجة التي لم تورث ابنتها كثير مال أو جاه وإنما أورثتها حكمة كانت سبباً في سعادتها مع زوجها وأسرتها.
أرجو من قراء لها أون لاين التفكر فيما سبق ذكره واستخلاص الفوائد منه، فليس عيباً أن يتقدم الزمان ونتخلق بأخلاق الماضين ولكن العيب أن يتقدم الزمان ونتأخر في أخلاقنا.

موقع لها أون لاين    14/06/2005