رغم ملايين الدولارات التي ترصدها الدول المانحة من أجل تمكين المرأة تكنولوجيا؛ فإن الواقع يعلن بصراحة أن هذه الأموال لم تغير من حياة الفقيرات شيئا، ويرجع المتخصصون السبب في ذلك إلى غياب التنسيق بين المنظمات المعنية بمجال المعلومات، والمؤسسات النسائية، والمؤسسات التي تعمل في مجال التنمية، كما أن كثيرا من هذه المنح تذهب لتدريب العاملين في هذه المنظمات على وسائل التكنولوجيا الحديثة، وليس لتدريب النساء.. وبهذا تكون قضية "المرأة والتكنولوجيا" قد انضمت إلى قائمة المشاكل التي تعاني منها المرأة العربية مثل التعليم والفقر والعمل والصحة والمشاركة السياسية... وغيرها.
هذا ما كشف عنه "منتدى المرأة العربية للعلوم والتكنولوجيا" الذي استضافته القاهرة مؤخرا بمشاركة وفود 22 دولة عربية، والذي كان فرصة أيضا لتبادل خبرات الدول العربية في تطويع التكنولوجيا لتغيير حياة الناس، ومنهم النساء باعتبارهن الأكثر فقرا كما تؤكد الإحصائيات.
الفجوة كبيرة
توضح الدكتورة "فرخندة حسن" -الأمينة العامة للمجلس القومي للمرأة بمصر- في دراستها التي قدمتها أمام المنتدى أنه رغم حجم الاستثمارات الهائل في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات واستخدامها في جهود التنمية؛ فلم تتوجه هذه الجهود لتغيير حياة الفقراء ومنهم المرأة التي تشير الإحصاءات إلى أنها الأكثر فقرا، ومن بين أسباب ذلك عدم التنسيق بين المنظمات المهتمة بقضايا المعلومات وتلك التي تهتم بتكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة (أو بالنوع الاجتماعي كما اصطلح على ذلك)، والمنظمات المهتمة بقضايا التنمية؛ فهناك نقص واضح في مجال الأنشطة التي تقع في نقطة تقاطع هذه الأبعاد الثلاثة؛ وهو ما يؤثر سلبيا ليس على المرأة فقط بل على المجتمع برمته.
وتكشف الورقة أيضا بُعدا آخر يوضح كيف توجه "المنح" التي ترصد للمرأة وتمكينها؛ حيث تشير إلى أن المنح التي تعطى للمنظمات النسائية تحت بند الربط بين النوع الاجتماعي وتكنولوجيا الاتصالات توجه إلى مساعدة تلك المنظمات في دعم قدراتها التكنولوجية (أجهزة الاتصالات ودورات تدريبية للعاملين فيها) لتحقيق الترابط وتبادل الخبرات والمعلومات، إلى جانب ما يوجه إلى الجانب الإعلامي، وليس في إطار تخفيف حدة الفقر؛ فالدراسات أو البحوث أو البرامج المتخصصة في قضايا النوع الاجتماعي وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات من منظور التمكين قليلة جدا، وهناك فجوة كبيرة على كل من المستوى البحثي أو مستوى العمل المباشر بالنسبة لتنمية قدرة النساء على استخدام تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات لزيادة دخولهن في أنشطة القطاعات غير الرسمية على اختلاف أنواعها، وتشير الورقة إلى أن بعض الهيئات الدولية قد تناولت هذه القضية أيضا وكشفت عن هذه الأوضاع.
وتوضح الورقة أيضا أن جهود بعض السيدات العرب للاستفادة من تكنولوجيا الاتصالات في التجارة لم تتعد استخدامها في الجانب التسويقي، بينما ظلت البرامج المتعلقة بالأساليب والتقنيات الملائمة التي يمكن اتباعها لزيادة الإنتاجية وتحقيق الجودة التي تسمح بالمنافسة نادرة.
وتشير البيانات إلى أن النساء اللاتي يعملن في المؤسسات الاقتصادية الكبرى في بلادنا يشغلن في الغالب وظائف تعتمد على تكنولوجيا اتصالات منخفضة المستوى، وغالبا ما يتمركزن في الوظائف التي لا تتطلب قدرا كبيرا من المهارات، ولهذا أيضا أسبابه.
استخدام المعلومات
عادة ما ينظر للمرأة على أنها أقل قدرة على الفهم وعلى تشغيل الأجهزة والمعدات، كما أن الأمية تعتبر العائق الأول لاستفادة المرأة من تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، بالإضافة إلى أن هناك أعدادا كبيرة من النساء تنقصهن الموارد اللازمة المالية لاقتناء الأجهزة التكنولوجية وشبكة المعلومات واستخدامها، هذا إلى جانب أن مجرد وجود التكنولوجيا في حد ذاته لا يكفي لتحقيق الاستفادة منها للجميع؛ فهناك فرق بين الوصول للتكنولوجيا والحصول عليها، والقدرة على استخدام المعلومات. وهنا تكمن أهمية التدريب على استخدام الإنترنت والحصول على المعلومات وكيفية الاستفادة بها لتغيير أوضاع الفقراء، وهنا تشير البيانات إلى قلة فرص حصول النساء على التدريب في هذا المجال بسبب ارتفاع تكلفته، أو بعده عن المنزل أو عدم مناسبة مواعيده لمسئوليات المرأة الأسرية، هذا غير عائق اللغة الإنجليزية التي تحول دون مشاركة النساء والرجال في هذا القطاع.
ومن ناحية أخرى تتجاهل جهود التطوير في المجال التكنولوجي احتياجات النساء الفعلية؛ ففي البلدان المتقدمة تستخدم المرأة الشبكة لأغراض عملية مثل الاستفسارات الصحية ورعاية الأطفال ووضع الخطط المالية للأسرة والاستفسارات القانونية والتعليم عن بُعد وغيره؛ وهو ما يتطلب مشاركة المرأة في وضع وتصميم محتوى البرامج التكنولوجية بما يحقق استفادة المرأة من التجارة الإلكترونية، والتدريب عن بُعد، وتنمية المشروعات الصغيرة والمعلومات الصحية والقانونية التي تحتاجها الأسرة. وقد يكون من المناسب أن تقوم منظمة المرأة العربية بإقامة شبكة تعاون لمساعدة النساء لوصولهن إلى هذه المجالات، خاصة مع تعهد الحكومات العربية خلال القمة العالمية لمجتمع المعلومات جنيف 2003 بإتاحة الفرص أمام الشعوب للوصول إلى المعلومات والمعرفة واستخدامها وإنتاجها.
مبادرات عربية
أثناء مشاركتها بالمنتدى أشارت "نورا السويدي" -مديرة الاتحاد النسائي العام بالإمارات- إلى أنه لم تكن مصادفة أن تأتي المرأة التي شغلت منصب وزيرة لأول مرة في الإمارات من قطاع تكنولوجيا المعلومات؛ لأنه المجال الأكثر جذبا واستفادة من قدرات النساء بتوجيه مدروس من الدولة لتأهيل النساء في جميع المؤسسات التعليمية للتعامل مع أحدث وسائل التكنولوجيا، ومن أهم المبادرات الإماراتية مشروع (التكنولوجيا نافذة المرأة العربية الكفيفة على العالم)، يهدف إلى تأهيل الكفيفات على استخدام الحاسب الآلي لإيجاد فرص عمل غير تقليدية، نظمته عدة جهات، منها الهلال الأحمر، والهيئة العامة للمعلومات، ووزارة الشئون الاجتماعية، ومعهد الكويت للأبحاث العلمية، ومؤسسات الجابر، وجمعية الإمارات لرعاية المكفوفين، وسهل المشروع مشاركة الكفيفات في الندوات والمؤتمرات وإنشاء موقع إلكتروني ناطق للمكفوفين، وإنشاء مشروع التعليم عن بُعد لخدمة المكفوفين في كل مكان، وتأهيل معلمي المكفوفين على البرامج الحديثة التي تسهل تعليم المكفوفين.
التعلم عن بُعد
وطرحت "د.سعاد الفريج" -جامعة الكويت- فكرة التعلم عن بُعد في شكل (الجامعات الافتراضية)، ومن أبرزها في بلادنا العربية جامعة "آل لوتا" في الإمارات بالتعاون مع اليونسكو، ونظيره في السعودية من خلال برنامج اليونسكو (لتدريب النساء السعوديات العاملات عن بُعد) لتزويدهن بالمهارات الإدارية التقنية التي يحتَجْنَها لتطوير أدائهن في العمل، ومركز التعلم عن بُعد بجامعة الكويت؛ الأمر الذي يتيح للمرأة استكمال تعليمها العالي وهي في منزلها، وإفادة أطفالها وأسرتها وتبادل الخبرات مع نساء أخريات، والالتحاق بمهن تكنولوجية لا تتطلب ساعات عمل محددة أو التواجد الدائم للموظف في مكان معين.
وفي نفس الإطار أيضا طرحت "د.منى غانم" رئيسة هيئة شئون الأسرة بسوريا تجربة مشروع وزارة الاتصالات السورية الذي تنفذه بالتعاون مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة (شبكة المعرفة الريفية) بمساعدة وزارتي الشئون الاجتماعية والثقافة لإنشاء عدد من المراكز في المناطق الريفية لتدريب الرجال والنساء معا على استخدام الحواسب والنفاذ إلى الإنترنت، وشهد المشروع إقبالا من الريفيات لرغبتهن في مساعدة أولادهن في استخدام هذه التقنيات.
أما البحرين فخصصت للمرأة ضمن مشروع الحكومة الإلكترونية "بوابة المرأة" الذي يساعد سيدة الأعمال على إنجاز أعمالها التجارية، إلى جانب تجربة مدارس المستقبل التي طبقت في 11 مدرسة ثانوية لاستعمال أنظمة التعليم الإلكتروني.
حاضنات الأعمال
وتأتي تجربة الأردن منطلقة من توجه الدولة لتحويل الأردن إلى مركز للتجارة الحديثة بالمنطقة اعتمادا على تطبيق تكنولوجيا المعلومات في جميع الميادين الخاصة بالتعليم والعمل، فتصل نسبة النساء في مراكز التدريب على الاتصالات 34%، ووصلت المرأة لمنصب وزيرة الاتصالات.
وعرض وفد الأردن لتجربة "حاضنات الأعمال" التي طبقت في اليابان وإنجلترا وماليزيا وتايوان؛ حيث يتم اختيار النساء الراغبات في إدارة أعمالهن الخاصة، ومساعدتهن في وضع خطط العمل وطرق الحصول على رأس مال للتأسيس، وتدريبهن على إدارة الأعمال الصغيرة، وتقديم المشورة في التسويق والمحاسبة والنواحي القانونية، وبعد فترة من الحضانة المقررة يتم تخريج المشاريع الناجحة، تاركة المجال لمشتركات جديرات.
بدأت التجربة عام 1997م، ووصل عدد مواقع التدريب الآن إلى 16 موقعا، غير أن نجاح التجربة لم يكتمل إلا بتوجيه المجتمع كله إلى ثقافة الأعمال، بتوجيه نداءات للمؤسسات والبنوك والجامعات لتحقيق تعاون بينها، وانسجام هذه الجهود مع أنشطة المنظمات غير الحكومية، وتشجيع البنوك لتقديم تمويل للمشروعات الصغيرة، إلى جانب مساندة النقابات وغرف الصناعة والتجارة، وتوفير قوائم لمشروعات مدروسة يستطيع المبتدئ انتقاء ما يناسبه منها، تكون ذات صلة بمشروعات كبيرة وتعتمد عليها، ومن الأهمية أيضا بناء تحالف وطني لترويج قطاع الأعمال الصغيرة، وإعطاء الضوء الأخضر لقطاعات المجتمع المختلفة لتسلك نفس السلوك من أجل إنجاح هذه المشاريع والسماح باستمرار التجربة.
وتتحمل الحاضنة (الممولة من جهات مانحة) التكلفة والخسارة المادية أثناء التدريب وحتى بداية إقامة المشروع.
الأمية أولا
في الوقت الذي عرضت فيه بعض الدول مبادرات لتطويع التكنولوجيا لتحسين أوضاع المرأة، ركزت وفود دول أخرى على أهمية البداية من القضاء على الأمية أولا، منها تجربة جيبوتي وموريتانيا واليمن، وركزت أيضا ورقة لبنان على أن البداية لا بد أن تكون في إتاحة فرص متساوية للجنسين في التعليم وفرص متساوية في مناصب صنع القرار، وأن التنمية لن تتم إلا عندما تصبح العلوم جزءا لا يتجزأ من ركائز التنمية، وانطلاق الأبحاث العلمية من حاجات المجتمع رجاله ونسائه.
بينما أشارت الورقة المصرية إلى بُعد آخر يتمثل في ضرورة وضع معايير معلنة عند اختيار القيادات؛ فقد كشفت البيانات الرسمية عن أن مشاركة النساء في المراكز البحثية والجامعات تقترب من 52% (أي بنسبة مشاركتهن في المجتمع)، غير أن الرجال يشغلون 97% من المراكز القيادية في هذه المؤسسات، ولا يتعدى نصيب النساء 3% عند اختيار رؤساء الجامعات والعمداء ورؤساء المراكز العلمية والبحثية، والشيء نفسه يفسر استبعاد النساء لمدة 20 عاما من جوائز الدولة العلمية التي تقوم المؤسسات العلمية بترشيح من تراه يستحقها، بالمقارنة بتلك الجوائز التي يتقدم صاحبها بنفسه عندما يجد في إنجازاته ما يستحق الفوز؛ الأمر الذي لا يشير فقط إلى الموروث الاجتماعي في النظر للمرأة بقدر ما يشير إلى غياب معايير محددة ومعلنة في اختيار الفائزين بجوائز الدولة أو القيادات العلمية.