سلام نجم الدين الشرابي مشكلتي تقع فيها الكثيرات.. عروسة لا تزال تجر خلفها ثوب عرسها الأبيض، ليس في حياتها الجديدة إلا زوجها الذي يطالبها بالاهتمام به مع كل ثانية تمر بهما، وقتها وحياتها ملكاً له.. وهذا ما تسعد به كل عروسة خطت بأحلامها منزل الزوجية لكن الظروف قد تغيرت، والحال لم يبق على ما هو عليه. أنا أدركت ذلك، لكنك لم تدرك حقيقة وضعنا الجديد.. تريد أن تبقى الأمور على ما هي عليه .. كيف؟، تساءلت بحيرة ألا ترى ما أراه وألا تشعر أن مسؤوليتي واهتمامي الآن يجب أن وزع بينك وبين هذا الطفل الذي دخل حياتنا، وأصبح أمانة في أعناقنا؟.. ربما لم تشعر بذلك لأنك وبكل بساطة وجدته قادماً إلى الحياة ما بين ابتسامتين وكلمة مبروك، ارتسمت ابتسامتك الأولى عند مغادرتي عيادة الطبيبة التي بشرتني بالحمل، والابتسامة الثانية بعد خروجي من غرفة الولادة. وما بين تلك الابتسامتين عشت أنا معاناة الحمل بكل تفاصيلها يوماً بيوم، ورأيت الموت يفتح لي ذراعاه التي تمنيت إلقاء نفسي بينهما من شدة آلام الولادة، وهكذا رأيته معجزة من الله تعالى – وهو كذلك- أتتك على طبق من ذهب. لم يكن الحبل السري الذي مزقته الطبيبة هو الرابط الوحيد بين الأم وطفلها حتى ينتهي الأمر بالولادة، مما جعل من الطبيعي حدوث هذا التغيير الكبير في حياتنا، أمام كائن لا يعرف المجاملة والإيثار، ولا يعترف بحقوق الآخرين، مستميت في طلب حقه والحصول عليه، خاصة أنه اعتاد الحصول على ما يريده دون المطالبة به طيلة الأشهر التسعة. ولتعلم يا زوجي العزيز أنه ليس من الممتع بالنسبة لي قضاء ساعات من الليل وأنا أجسد دور سرير هزاز أو عربة خيل متحركة، حتى لا تنعم أنت بسماع سيمفونيته ( البكاء الخالد ). ولم أكن أوفر حظاً في النهار منه في الليل، وأنا أمضي وقتي كله مع شخص يملك قدرة حوارية بأبجديته الخاصة، التي لا تدع لك مجالاً للنقاش، هذا عدا ممارسته لهواياته التخريبية المتطلعة إلى أدوات المطبخ والزجاج ومفاتيح الكهرباء وجهاز الكومبيوتر بكل مكوناته من المعالج إلى الماوس، ولعل اصبعه الصغير الذي لا نكاد نراه قادراً على الدخول في أي ثقب، والضغط على ما يريد من الأزرار، مما يحتاج إلى ريبورت خاص به لمتابعة كل ما يقوم به، وإصلاح كل ما يفسده. وبعد كل ذلك تطلب مني أن أكون لك وحدك صافية الذهن معك، نجلس ونتحدث سوية دون أن يحدث أي انقطاع لحوارنا، وقد اختصر ابنك كل الكلمات والتعابير الموجودة في ذهني إلى كلمة (لا) التي أقولها له طيلة النهار وأنا أجري وراءه من مكان إلى آخر، وأي تغريد هذا الذي تحلم بسماعه وقد غدا تراثاً قديماً أمام صيحاته التي تواكب تطور الموضة. إن نصف المشكلة تنتهي عندما توقن أننا غدونا ثلاثة، وهو ليس مجرد رقم وحسب، إنما هي حياة نعيشها بأصغر تفاصيلها، يشاركنا فيها طفل بحاجة إلى رعاية خاصة من أمه، وعطف من والده، والوقت الذي كنا نمضيه سوية لوحدنا، منحنا الله تعالى من يشاركنا فيه، ولأنه شيء لم نعتاده، وفوق خبرتنا، أصبنا بالإرباك، لكن إحساسنا بالمسؤولية تجاه بعضنا والمشاركة، يزيل الكثير من متاعبنا، ويمكننا من قطف ساعات من الوقت نمضيه سوية كما كنا. وأسمح لي أن أهمس في أذنك طالبة منك مساعدتي وتقديم العون لي لتتخفف عني متاعب ابننا الصغير، فأنت معني بإعطاء ابنك تفسير واضحاً لما تعنيه كلمة بابا، هو بحاجة لأن تفسح له وقتاً يمضيه في حضنك، يشعر بأبوتك ووجودك في محيطه، ليعيد عقله الصغير تصنيف اسمك تحت قائمة الأسرة، وشطبه من قائمة ضيوف آخر الليل.