الطبيبات المصريات وتأخر الوصول إلى عش الزوجية محمد رضا لم تصدر بيانات أو إحصاءات في مصر محددة حول ظاهرة تأخر الزواج عند الطبيبات ولكن بنظرة سريعة على طلبات الراغبات في الزواج والباحثات عن عريس في الصفحات المتخصصة بالصحف أو على مواقع الإنترنت التي تعرض هذه الخدمة أو حتى مكاتب الزواج الحديثة أو الخاطبة العصرية تؤكد بالفعل أن هناك مشكلة, تكشف أن الطبيبة من أكثر الفتيات تعرضاً لعزوف الشباب عن الزواج منها لإصرارها على.. أولاً على إنهاء دراستها قبل الزواج- حيث طول مدة الدراسة في كليات الطب- نتيجة الخوف الشديد من عدم الاستمرار، بل الخوف من عدم الاستقرار في الدراسة التي تتطلب تفرغاً كاملاً، وتركيزاً شديداً من أجل التفوق، وثانياً اتهام البعض لها بالتعالي، والغرور، لأنها قد أصبحت طبيبة! ورغم أن مهنة الطب من أنبل المهن وأشرفها، إلا أنه يلزم قليل من التضحية والتنظيم وتنسيق الوقت واستغلاله وتحديد الأولويات، ومع هذا تستطيع طالبة الطب الزواج في سن مناسبة مع استكمال دراستها بعد الزواج والمحاولة الدائمة في تحقيق النجاح على المستوى العلمي والمهني والمستوى الأسري والعائلي. ونتعرف على وجهة نظر الطبيبات والفتيات إزاء عزوف الشباب عن الارتباط بالطبيبة: عزوف الأطباء بداية تقول حسناء الطالبة بطب القصر العيني: بالفعل لاحظنا هذه المشكلة مؤخراً وهناك نماذج قريبة جداً منا وأسباب ذلك هو فترة الدراسة الطويلة والمرهقة والتي لا تترك للفتاة فرصة للتفكير في الارتباط أو لأنها تخشى منه أثناء فترة الدراسة حتى لا يشغلها عن المذاكرة, وسبب آخر أهم هو أن معظم الطبيبات إن لم يكن كلهن يفكرن بطريقة أنهن أحسن فئة في المجتمع وأنهن يجب ألا يرتبطن بأقل من طبيب مثلهن، أولاً للمكانة الاجتماعية، وثانياً لكي يكون أقدر على تقديرهن وفهم طبيعة عملهن, وثالثاً ربما كان الخوف من التعامل مع غير الطبيب. تضيف حسناء أنها لذلك تلاحظ أن معظم الطبيبات متزوجات من أطباء ولم تكن هناك مشكلة ولكن ما حدث هو عزوف الأطباء على الارتباط بطبيبات وذلك لتواجدهن أغلب الوقت خارج المنزل ولهذا أصبح الطبيب يبحث عن غير الطبيبة, حتى لو فكر في الزواج من الطبيبة فإنه يطلب منها الجلوس في المنزل وترك العمل ورعاية الأولاد وفي المقابل تطلب حسناء من زميلاتها تغيير فكرتهن عن الزواج حتى لا يندمن ويفوتهن قطار الزواج! وتوضح د. نبوية عبد المتعال عبد الحليم استشارية أمراض النساء والتوليد أن تأخر الطبيبة في الزواج يرجع إلى طول مدة الدراسة، فتتخرج وهي في الخامسة أو السادسة والعشرين وكثير منهن عندهن الطموح لاستكمال الدراسات العليا وكثير منهن يفضلن الانتهاء من الدراسة دون زواج وأولاد قد يعطلونهن عن المذاكرة والتفوق وهذا يؤدي إلى تأخر زواجها إلى ما بعد الثلاثين كما أن بعض الطبيبات يفضلن العريس الطبيب، وخصوصاً إذا كانت حاصلة على دكتوراه، فهي تنتظر أستاذ جامعة، وبهذا تنتظر إلى ما بعد الأربعين. شرط قبل الزواج أما فاطمة طبيبة أطفال تقول: للأسف يبدو أن مهنتنا أصبحت سبباً في عزوف العرسان عنا فأنا أصبح عمري الآن 35 سنة ولكن لم أوفق في الارتباط برغم خطبتي من قبل, وطالبني خطيبي بترك العمل والتفرغ لرعايته والأولاد فرفضت, خاصة أنى ذكرت له أن بعد كل سنوات الدراسة تلك والعناء والتعب لا يمكن أن "أركنها" في البيت, بالإضافة إلى المكانة الاجتماعية التي سأضحي بها, ورغم أنى أخبرته أنه في حال احتياج البيت والأولاد لي فإني سأتفرغ لهم حتى يمروا باللحظات الحرجة ولكنه لم يعجبه هذا الكلام وتم إنهاء ارتباطنا. أما م.ع 39 سنة طبيبة فقد لجأت إلى الإنترنت للإعلان عن طلب عريس فتصف نفسها بأنها جميلة ورشيقة ومن أسرة ميسورة وعريقة ولديها شقة في حي راقٍ ومستعدة للمساهمة في تأسيس بيت الزوجية، أما مواصفات الزوج الذي تريده فليس أكثر من رغبتها في الاستقرار وحسن الخلق والتدين, وعن المؤهل فتطلب مؤهلاً عالياً أياً ما كان أو مؤهل فوق المتوسط حتى لست نادمة أما د آمال 40 سنة فتقول: أصبحت وبلا فخر أحمل لقب عانس لكني لست نادمة إطلاقاً رغم اعترافي بأنني تركت العمر يمر من بين يدي والسبب هو أني فضلت المكانة الاجتماعية ولقب دكتورة, ومن قبل ذلك كله نذرت نفسي لهذه المهنة السامية التي تركت كل شيء من أجلها وبكامل إرادتي رفضت الارتباط حتى لا يشغلني عنها شاغل, وتضيف أنها تعرف أن الزواج مسؤولية كبيرة وكنت أشاهد كثيراً من زميلاتي الطبيبات يقمن بعملهن وكأنهن موظفات, يتعاملن مع أوراق وملفات لا مع حياة بشر وأرواح, فكن ينتظرن وقت الانصراف بفارغ الصبر ليجرين إلى منازلهن حتى يلحقن بأبنائهن قبل الخروج من المدارس, وكان العمل الليلي يسبب لهن أزمات كبرى ومشاكل مع الأزواج حتى لو كانوا أطباء, وكذلك مشكلات مع أطفالهن حتى لو كانوا كباراً ولذلك وجدت أن علي الاختيار إما أن أكون زوجة كما ينبغي أو أكون طبيبة كما ينبغي, وكان الاختيار للطبيبة. وتضيف: أنا لست نادمة لكنني فقط قد أشعر ببعض التعاسة حين أفكر في الأمومة ولكني أتغلب على ذلك بافتراض أني سأصبح أنا أو زوجي عقيماً وبعدها أعود إلى راحة النفس, خاصة بعد أن رأيت أن نجاحي يتواصل وأشعر بدعوات المرضى الذين أكون سبباً في تخفيف آلامهم. الدكتورة عزة كريم أستاذ علم الاجتماع والمستشار بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ترى أن سن التخرج عند الطبيبات يكون له دور كبير في حدوث تلك الظاهرة ولكن بشكل عام فارتفاع سن الزواج موجود في مصر وبدأ يظهر بشكل واضح في الطبقة الوسطى وليس في الريف, وأهم الأسباب هو عدم وجود فرص عمل كافية للشباب أو ألا يكون الدخل من العمل مناسباً, والسبب الآخر هو في مشكلة السكن، حيث نجد ارتفاع الإيجارات الجديدة التي لا تناسب دخل الشباب أما التمليك فقد أصبح من المستحيلات. أما الطبيبة بشكل خاص فإن الاختيار لدى الطبيبة سبب جوهري موضحة أن الطبيبات عادة ما تفضل المؤهل الأعلى القريب من مؤهلها وترفض الارتباط بمن هم من خريجي الآداب أو التجارة أو الحقوق فضلاً عن رفض أغلبهن للمؤهل المتوسط لذا تقل فرص الاختيار أمامهن. وتتفق الدكتورة مها الكردي أستاذ علم النفس مع الدكتورة عزة في أن كل شرائح المجتمع تعاني من العنوسة والسبب الرئيسي كما نرى هو في خروج المرأة للعمل بشكل كبير واعتمادها الكبير على نفسها هذا إلى جانب أن الفتاة وهى صغيرة السن سيكون من السهل عليها الاختيار والاقتناع بشريك الحياة, لكن كلما كبرت وتقدم بها السن بعد استكمال التعليم والعمل تبدأ في وضع شروط أكثر وبالتالي تتأخر في مسألة الارتباط والوصول للزوج المناسب, وأضافت أن هذا يظهر بوضوح في وسط الطبيبات فهي بعد عملها تصبح مكتفية مادياً واعتبرت أن هذا من القيم السلبية في المجتمع المصري في الفترة الأخيرة حيث تحكم الاعتماد المادي على النفس في العلاقات الإنسانية وأنه في السابق كانت المصلحة الجماعية تطغى على المصالح الشخصية. تقول الدكتورة مها: الطبيبة ترى نفسها متميزة في مجال عملها وذات دخل مناسب فيطغى عليها الإحساس بالذاتية وبالتالي فعندما تفكر في الارتباط تريد الأفضل والأكثر ثراء حتى ولو لم يكن طبيباً مثلها لكي يوفر لها المسكن الفخم والسيارة الفارهة وكل الكماليات التي تشعر أن من حقها الحصول عليها وحقها في الحياة المستريحة التي تعادل الإرهاق الذي تواجهه في عملها ومن قبل في دراستها, وتلقي باللوم على الطبيبات اللاتي لا يردن الكفاح والتحمل لصعوبات الحياة من البداية وبناء الحياة تدريجياً. وتؤكد أن الأطباء أيضاً أصبحوا يعانون من عنوسة ملحوظة لأن الأوضاع الاقتصادية الراهنة فرضت عليه السعي بعد التخرج لعمل عيادة واستكمال الدراسة وبذلك يمر العمر سريعاً وتنعكس المشكلة على الطرفين الشباب والفتيات معاً. الدكتور كمال الدين حسين الطبيب النفسي وأستاذ الدراسات الشعبية جامعة القاهرة يرى أن هناك معادلة لدى المرأة المتعلمة بصفة عامة فيما أسماه الزواج المتكافئ إلى الزواج التكاملي, وأوضح أنه كلما تحصل المرأة على درجة عالية في التعليم سواء كان تعليماً متخصصاً كالطب أو الهندسة أو التحاليل الطبية كمثال, أو درجة علمية كالماجستير والدكتوراه, حيث وصل عدد العوانس في مصر إلى أربعة ملايين عانس، و55% منهن من حاملات الماجستير والدكتوراه, يكون من الصعب عليها أن ترى في الزواج المتكافئ وسيلة للزواج خاصة في ظل الوضع الاقتصادي الذي يقف حائلاً دون تحقيق أي مشروع أسرة وحتى يكون كل منهن ومنهم نفسه يكون قد فاتهن قطار الزواج. يضيف أنها في تلك الحال تريد مؤهلاً يساويها وزوجاً قادراً يساوي طموحها العلمي, ومستوى حياة يساوي هو الآخر, وعندما تصطدم بأن هذا التكافؤ والمساواة التي تتطلبها طموحاتها لا تتوافر فيمن يناسبها في السن مثلاً فإنها ترجئ التفكير في الزواج حتى مراحل حرجة من عمرها, ويشير إلى أن البعض منهن تحت الضغوط الاجتماعية إلى الزواج بالتكامل بمعنى أنها كطبيبة قد تقبل بالأطباء من مستويات اجتماعية أدنى أو قد تقبل بخريجي كليات الآداب وغيرهم, طالما أنه سيحقق جانباً آخر من طموحاتها, وليس الجانب العلمي هو المحك للتكامل وربما كان الجانب المادي غير متوفر ولكنه علمياً مقبول, ويضيف أنها قد تجد شخصاً مساوياً لها علمياً، ولكنه غير مكافئ لها مادياً واجتماعياً مثل أن يكون سبق له الزواج من قبل أو أن يكون له أولاد من زواج سابق, يقول الدكتور كمال الدين أنه من هنا تبدأ النظرة التكاملية لديها فتتجه نحو استكمال نقص معيشي لديها من جانبين.. الأول بمنطق "ظل رجل ولا ظل حيطة (حائط)" وحتى لا تتهم بالعنوسة, فتتنازل لتكمل مع هذا الرجل ما تريده. موقف درامي ويحكي لنا الدكتور كمال عن أستاذة زميلة له تعمل في معهد القلب طلبت مشورته في شأن طبيبة تعمل في القسم عندها تشغلها مشكلة محيرة وهى أن الميكانيكي الذي يملك ورشة ميكانيكا أسفل الشقة التي تسكن فيها تقدم لخطبتها من منطلق أنه يملك كل الماديات ولن يكلفها شيئاً. يقول الدكتور كمال أن طرحها تلك المشكلة للنقاش تعني الموافقة الضمنية والبحث عن شماعة تعلن من خلالها قرارها وهذا ما أسميه الزواج التكاملي, فالطبيبة لا يهمها التكامل الثقافي بقدر التكامل المادي, يشير الدكتور كمال أن الفكرة أوحت له برواية "نعامة وعشرين فيل" التي تحكي قصة موظفة حاصلة على بكالوريوس التجارة وتنافس زملاؤها في خطبتها ولكنها تزوجت أخيراً الميكانيكي الذي كانت معه الإمكانات المادية. الدكتور إلهامي عبد العزيز أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس يرى أن سن الزواج قد ارتفع بشكل عام بالنسبة لكل فئات المجتمع، خاصة لمن هن في مراحل التعليم نتيجة الانشغال في التعليم وتحقيق هذا الهدف وبعد الانتهاء من التعليم نجد عملية الاختيار, وبما يتوافق مع المؤهل العلمي الذي حصلت عليه أو نتيجة لعزوف المستويات التعليمية الأدنى من التقدم إليها خشية رفض طلبه أو أنها سوف تتعالى عليه فيما بعد ولذا فإن المتعلمات كلما زاد تعليمهن دون أن يكن مرتبطات كلما أدى ذلك إلى حصر من يمكنه التقدم إليهن ويضيف أنه نتيجة زيادة المطالب والأعباء فمن يتقدم إلى أنثى غير متعلمة لا يتم المغالاة في مهرها أو نفقتها في تأسيس بيت الزوجية كمن يتقدم لأخرى متعلمة. الأمر الآخر الذي يشير إليه الدكتور إلهامي هو الرجل نفسه وهو يحب أن يكون هو الأفضل في كل شيء وعلمياً بالأخص لكونه يحب أن يكون الأذكى وصاحب القرارات السليمة ومصدر القوة كمل يلمح إلى أنه كلما حدث نضج واعتاد الإنسان على الاستقلالية والإدارة الذاتية والسير على وتيرة واحدة كلما كان من الصعب أن تدخل في عباءة الآخرين, كما أن هناك كما يقول عند النضج يظهر نوع من الخوف من الدخول في تجارب قد تفشل على عكس المراهقة التي ترى حيزاً محدوداً وطموحات أكبر وحباً للمغامرة. الدكتور أحمد طه ريان أستاذ الفقه بجامعة الأزهر يقول: على الفتاة تقع مسئولية النهوض بمستواها الثقافي والجمالي، جمال الأخلاق، وجمال الخلق، فالأخلاق تتمثل في الاحتشام، والمحافظة، كما أدق عليها أن تتعلم المهارات المنزلية، وتزن الأمور بالعقل قبل العاطفة وألا تغالي في الصفات المطلوبة في الزوج، فالكمال لله وحده، ولا يوجد إنسان تتوافر فيه كل الصفات الشكلية والجوهرية من دين وخلق والتزام وماديات، وألا تجعل هذه الرغبات الخيالية وغير المنطقية عقبة أمامها تحولها مع مرور الأيام إلى عانس برفضها كل خاطب لا تنطبق عليه هذه الأوهام وتكابر حتى يلحقها قطار العنوسة والذبول والندم. كثير من الشباب يفضلون زوجات أقل منهم في المستوى العلمي، وبعض الشباب لا يفضلون زوجة تخرجت من الجامعة، وانشغلت بالعمل وجمع المادة مع أن السن قد تقدمت بها، إن الإسلام لا يقف أمام تعليم الرجل والمرأة، وإنما يقف أمام تلك المظاهر الكاذبة التي انتشرت والتي كان لها الأثر السيئ في المجتمع الإسلامي، فلو فرضنا أن الفتاة قد أكملت دراستها بدون زواج، وأخذت الشهادات العليا فكم يصبح عمرها؟ ومن سيتزوجها؟ بعد أن تخطت سن الزواج؟ فأغلب الرجال يفضلون الفتاة صغيرة السن وتمتلئ البيوت بفتيات نادمات على رفضهن الزواج بحجة إكمال الدراسة، وآباؤهن الديمقراطيون لا يحركون ساكناً، ولا يقدمون النصيحة لهن، وتود الواحدة من هؤلاء الفتيات اللاتي حصلن على شهادة الماجستير أن تحرق لأنها أضاعت عمرها، وأوصت شبابها ولحقت بقطار العنوسة، حيث الرجل لا يريد زوجة، لم يتبق من عمرها إلا القليل حتى تصل لسن اليأس.