نداء الإيمان | التاريخ(هجرى - ميلادى ) | مواقيت الصلاة واتجاه القبلة | موجز الصحافة | إلى كل المسلمات | قرأت لك
اعترافات زوج "مرمطون"!!

 

 

 

طبعا كل زوج سيقرأ هذا المقال باهتمام "عشان يشوف مين المرمطون ده ومن دي اللي مرمطته؟".. وأكيد كل زوجة وفتاة طالع عينيها في خدمة زوجها ستقبل عليه بشغف كي تشفي غليلها من جنس الرجالة.. بس أكيد الحكاية "مش كده"!.

يقولون في الأدبيات الشعبية المصرية عن الشخص الذي يجهد نفسه في خدمة آخرين إنه "شغال مرمطون"، ومع أن الكلمة أصبحت تستعمل بشكل سيئ وأصبحت غير مستحبة، لدرجة أنها تعرف في "قاموس العامية" بمعنى "مساعد الطباخ" الذي يغسل الأواني، ويقال إن أصلها فرنسي، ويقال إنها مشتقة من الفعل العربي "مرط" بمعنى رمى الشيء أو امتهنه؛ فالذي أقصده هنا في هذا المقال ليس هذا المعني الحرفي -رغم تشابه ثقل المسئولية- ولكني أقصد هنا الشخص الذي يكون -لأسباب اجتماعية أو لاإرادية- مسخرا لخدمة الآخرين، ويتحمل المسئولية، ويقوم بها عن طيب خاطر.

فغالبا ما يظهر شخص ما في بعض الأسر يزيد اعتماد الأسرة عليه في إنجاز شئونها ويكون هو مسرورا بهذا الدور، وهذا الشخص تحديدا هو ما أقصده بكلمة "مرمطون" التي ترمز لتحمله مشاق كثيرة في قضاء حاجات أفراد الأسرة المختلفة، تزيد من أعبائه لأنها قد تصبح أعمالا أخرى تضاف لعمله الأصلي وربما لا تتناسب مع مركزه الاجتماعي الجديد.

جلباب أبي

وهذا النموذج قد يظهر أيضا في صورة الشاب الذي يرث مهنة والده (بقال – ترزي – جزار – حلاق) ويكمل الطريق حتى لا يغلق "المحل" أو تنقرض المهنة مورد رزق الأسرة، أو يظهر في صورة الموظف العادي الذي يخرج من عمله العام ليعمل في العمل الخاص بمهنة والده ويساعده خصوصا بعد كبر سن الأب، كنوع من "الالتزام الأدبي والأخلاقي" من جانب الأبن للأب والأسرة التي ربته وعلمته، ويفتخر بأنه يعيش في جلباب أبيه!؟.

فأنا أعرف أستاذا جامعيا في كلية نظرية لا يزال ينزل من بيته كل بضعة أيام ليقف "وردية" عمل في محل والده مع بقية إخوته؛ لأنه لا خيار أمامه غير هذا وهو سعيد به لرضاء والديه عنه، وأعرف دكتورا تربويا ترقى في وظيفته حتى أصبح أحد مساعدي وزير سابق، وفي وسط هذا الطريق الشاق، كان يعمل كل مساء كحارس أمن لإحدى الشركات الخاصة ولا يخجل من هذا لزيادة دخله!!.

وأعرف نماذج أخرى كثيرة لأزواج في حكم "المرمطون" بعضهم يلبس آخر شياكة وبدلة رسمية في الصباح في محال أعمالهم الشهيرة (مكاتب – صحف – شركات – وزارات)، وعندما يأتي المساء يذهبون لمحال أعمال أخرى تجارية في الغالب ولا تمت بصلة لأعمالهم الأصلية بحيث يسمعون في الصباح من يغازلهم بالقول "يا باشا.. يا سعادة البيه.. أي خدمة"، وفي المساء يقولون هم نفس العبارات لآخرين سواء ممن يبيعون لهم أو يعملون عندهم!!.

الصحفي المرمطون

وحتى تكون الصورة أقرب في ذهن القارئ سأروي حكاية زميل وصديق صحفي نموذج لهذا "المرمطون" المكافح فيما أظن لأنها أقرب إلى الطرائف والنوادر!!.

فقد بدأ يعمل في الصحافة منذ قرابة 20 عاما واكتسب خبرة ومكانة معقولة، ولكنه لم يتغيب عن محل والده -"بقال" بلغة "الأصالة" و"سوبر ماركت" بلغة المعاصرة- ولا عن البيع والخدمة فيه منذ نعومة أظافره حتى مع كبر سنه وتدرجه في المناصب الصحفية؛ لأنه -كما يقول- يستمتع بهذا ويشعر برضاء والديه عليه لهذا الدور ودعائهما له بالصحة والعافية، كما أنه يستفيد من هذا العمل المسائي في "قراءة" واقع المجتمع الحقيقي من خلال هذه التجربة التجارية!.

والطريف أنه يروي أنه في بعض مراحل هذا المارثون بين العمل الصحفي والعمل التجاري الخاص بالأسرة (الذي لا يتقاضى عليه بالمناسبة أجرا سوى دعاء الوالدين) تمر به مواقف غاية في الغرابة والطرافة.. فقد يكون عنده مثلا دعوة لحضور حفلة دبلوماسية في سفارة إحدى الدول مساء يوم ما يستقبلونه فيها استقبال كبار القوم، ويكون عنده في مساء نفس اليوم "وردية" عمل في المحل يقوم فيها بالبيع وترتيب وربما تنظيف وغسيل المحل!.

وعلى حد قوله: أعود للمنزل لأغتسل من عناء وعرق العمل التجاري الشاق، وألبس بدلة أخر شياكة "لزوم الشغل" وأذهب لأصافح كبار القوم!.

ولك أن تتخيل أيضا الموقف عندما يحضر له صديق أو "زبون" يعرف حقيقة عمله ليقف ويسأله -كما يروي وهو يضحك- وهو في "المحل" عن "رؤيته" أو تحليله" أو "تصوره" لموقف سياسي حدث مثلا لبنان أو العراق أو فلسطين أو غيرها، وهو يرد عليهم وفي يده علبة جبنة أو برطمان طرشي أو يمسك عصا الممسحة لتنظف المحل!!؟.

ويروي وهو يضحك ولا يخجل أبدا من هذا الدور الاجتماعي العائلي المشرف الذي يقوم به، أنه -مثل غالبية الصحفيين- يظهر في بعض البرامج التلفزيونية القليلة في مصر والفضائيات العربية، للحديث عن رأيه الصحفي في قضايا داخلية أو خارجية، وأن هذا الظهور الإعلامي أدى لمعرفة بعض "الزبائن" لصورته في التلفزيون، وسأله "زبون" يوما ما باستغراب: هل هذا الشخص الذي ظهر في التلفزيون أنت أم هو تشابه أسماء بين "البقال" و"الصحفي"!؟.

بل إن أحدهم -"زبون"- سأله وهو حائر: هل لديك أخ يشبهك يظهر في التلفزيون؟ فرد عليه قائلا وهو يبتسم: "إنني هو نفس الشخص، ولكني هناك (التلفزيون) بالبدلة الرسمية، وهنا (المحل) ألبس "كاجوال"!؟.

وهذا طبعا بخلاف قيام الكثير من الزبائن البسطاء غير المتعلمين أو الموظفين بسؤاله دوما: "هو في علاوة حكومية جاية ولا لسه؟!"، و"ما تحاول تقول للوزير فلان يعمل كذا وكذا"!!، و"متى تجد الوقت الكافي للكتابة إذا كنت تقف في المحل"؟!.

فوائد صحفية وصحية

وقد يقول قائل: ولماذا يصر هؤلاء علي هذا العمل التجاري الذي يرهقهم؟ والجواب علي لسان أحدهم: إنه -على رأي الفنان حمدي أحمد في فيلم "القاهرة 30"- "واجب مقدس"، وأسميه أنا "التزام أدبي أخلاقي" أمام الأسرة...

أما الأهم فهو أن هؤلاء الذين يشعرون أنهم "مرمطون" مجهدون من الجمع بين أعمالهم الرسمية وأعمالهم التجارية، اكتشفوا أن العمل العضلي مفيد أيضا صحيا وفكريا.

فوفقا لرواية البعض -خاصة ممن يعملون أعمالا ذهنية ومكتبية- فإنهم كانوا يتصورون أن هذا العمل التجاري "مرمطون"، متعب للغاية (خاصة مع كبر السن)، ويتصورون أن هذا العمل عبء عليهم، وإذا بهم يكتشفون مع الزمن أن هذا العمل الإضافي -العائلي غالبا- كله خير وبركة وصحة بدعاء الوالدين، وأن هذا العمل "العضلي" مهم جدا للصحة "العقلية والنفسية"!.

فوفقا لرأي طبيب صديق أشكو له دوما من الصداع والتوتر وآلام في المعدة بسبب طبيعة العمل ومتابعة التطورات السياسية في العالم على أعصابي، فإنه من المفيد للإنسان الذي يعمل عملا ذهنيا -مثل الكتاب والمفكرين- أن يعمل عملا عضليا ويتحول لمرمطون آخر في البيت.. يعني لا مؤاخدة ممكن ياخد الغسيل "فُمين" مكان الزوجة في أحد أيام الأسبوع أو ينظف لها الشقة أو يغسل سيارته بنفسه أو لو كان مرفه قوي يلعب "شوية" رياضة!.

والسبب أن الثلاثي الجهنمي (الكمبيوتر – الموبيل – التلفزيون) ويضاف لهم الجلوس خلف مقود السيارة، يصيب الصحفي وصاحب العمل المكتبي غالبا بالكساح والعمى، ويقصف عمره، ويصبح جسمه كله موصل جيد للكهرباء بسبب كمية الإشعاعات التي تدخل جسمه!! ولو كان سعيد الحظ مثلي يا دوب ممكن ظهره ينكسر، ومعدته تبوظ ويشكو صعوبة النوم، ويعمل له كده عمليتين ثلاثة جراحية لزوم تصليح بعض ما أفسدته... الصحافة والزمن والمرمطة!!.

لماذا أحكي ذلك؟

ويبقى السؤال.. "ليه" باحكي لكم هذا؟!.. الحقيقة أنني شعرت عند سماع هذه الحكايات الكثيرة عن شخصية "المرمطون" بغضب؛ لأنه مقابل هذه النماذج المكافحة، شاهدت بعيني شباب يدعي أنه عاطل ويبحث عن شغل.. وآباؤهم من أصحاب المهن المحترمة النادرة ويحتاجون لمن يساعدهم في مهنهم المختلفة!.

فالأب قد يكون صاحب حرفة أو يمتلك محلا تجاريا أو صالون حلاقة أو ورشة أو مشروعا خاصا جيدا، ويتحايل على ابنه للعمل معه، وهذا "الأليط" (المتكبر) يرفض ويفضل -على طريقة "الفشخرة" (الغرور) إياها- أن يسافر للخارج من أجل العمل مرمطون حقيقي بجد في الفنادق يغسل أطباق أو كصبي ميكانيكي ينام أسفل السيارات ويرفض وراثة مهنة محترمة كمهنة والده!!.

وغالبا ما ينتهي الأمر بكثير من هؤلاء "المتنطعين" للوقوف على النواصي والجلوس في المقاهي طوال اليوم وابتلاع البرشام (الأقراص) إياه وضرب (تدخين) البانجو، وكل شوية يجيلك واحد يقول لك: "شوفي لي وظيفة من فضلك أقعد فيها على مكتب" كأن العمل على المكتب أمله!، وبعد كده نشكو البطالة!؟.

أيضا أردت أن أروي هذه التجارب كي لا يفهم شباب اليوم أن العمل "زي" (مثل) ما بيقول محمد صبحي وهو يفرقع أصابعه "هوب.. طق.. فوق"، وأن الناجحين غالبا هم من صعدوا السلم من أوله وتواضعوا، وليس من قفزوا عليه فسقطوا وكسرت رقابهم!.

أكيد طبعا الأخوات العزيزات (الزوجات والفتيات) متغاظين مني جدا لأن عنوان هذا المقال لم يشف غليلهم في "الزوج المرمطون" بس أنا أهو نصحت الرجالة اللي بيشتغلوا في عمل ذهني يخدوا الغسيل "فمين" أو يغسلوا الأطباق بدل الزوجات ولو يوم في الأسبوع.. وربنا يجعل كلامنا خفيفا عليهم!

موقع إسلام أون لاين    26/03/2005