نداء الإيمان | التاريخ(هجرى - ميلادى ) | مواقيت الصلاة واتجاه القبلة | موجز الصحافة | إلى كل المسلمات | قرأت لك
التوازن الاجتماعي: قضية اهتم بها الإسلام والقرآن
يقول الله تعالى في سورة الإسراء:{ وَلا تَمْشِِ في الأَرْضِ مَرَحَاَ إنَّك لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ ولَن تَبْلُغَ الجِبَال طُولاً(37)}
إن المتتبع لهذه الآيات يجد بها منهجاً قويماً لبناء مجتمع متماسك ومتوازن، يبدأ بقوله تعالى:{لا تجْعَلْ مع الله إِلهاً آَخَر...(22)} سورة الإسراء.
وهذه قضية القمة التي لا تنتظم الأمور إلا في ظلها، ثم قسّم المجتمع إلى طبقات ، فأوصى بالطبقة الكبيرة التي أدت مهمتها في الحياة ، وحان وقت إكرامها وردّ الجميل لها ، فأوصى بالوالدين وأمر ببرّهما.
قال تعالى:{ وقَضَى رَبُّك ألاّ تَعْبُدُوا إلاّ إِيّاه وبِالوَالِدَيْن إِحْسَاناً...( 23)} سورة الإسراء.
ثم توجه إلى الطبقة الصغيرة التي تحتاج إلى رعاية وعناية، فأوصى بالأولاد ، نهى عن قتلهم خوف الفقر والعوز، وخص بالوصية اليتيم ؛ لأنه ضعيف يحتاج إلى مزيد من الرعاية والعناية والحنو والحنان.
قال تعالى:{وَلا تَقْتُلوا أوْلادَكم خَشْية إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُم وإيّاكُم....(31)} سورة الإسراء.
ثم تكلم عن المال ، وهو قوام الحياة ، واختار فيه الاعتدال والتوسط ، ونهى عن طرفيه : الإسراف والإمساك. ثم نهى عن الفاحشة ، وخص الزنا الذي يلوث الأعراض ويفسد النسل ، ونهى عن القتل وسفك الدماء.
قال تعالى:{وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى ....(32)} سورة الإسراء.
ثم تحدث عمّا يحفظ للإنسان ماله ، ويحمي تعبه ومجهوداته ، فأمر بتوفية الكيل والميزان ، ونهى عن الغش فيهما والتلاعب بهما ، ثم حث الإنسان على الأمانة العلمية ، حتى لا يقول بما لا يعلم ، وحتى لا يبني حياته على نظريات خاطئة.
قال تعالى:{ وَأوفوا الكَيل إذا كِلْتُم وزِنوا بِالقِسطاس....(35)} سورة الإسراء.
قال تعالى:{ ولا تَقْفُ مَا لَيْسَ لكَ بِه عِلْمٌ.....(36)} سورة الإسراء .
ألم تَرَ أنه منهج وأسلوب حياة يضمن سلامة المجتمع ، وسلامة المجتمع ناشئة من سلامة حركة الإنسان فيه ، إذن : الإنسان هو مدار هذه الحركة الخلافية في الأرض ؛ لذلك يريد الحق سبحانه وتعالى أن يضع له توزناً اجتماعياً.
وأول شيء في هذا التوازن الاجتماعي أننا جميعاً عند الله سواء ، وكلنا عبيده ، وليس منا من بينه وبين الله قرابة أو نَسَب ، فالجميع عند الله عبيد كأسنان المشط ، ولا فرق بينهم إلا بالتقوى والعمل الصالح.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" الناس سواء كأسنان المشط وإنما يتفاضلون بالعافية ، والمرء كثير بأخيه يرفده ويحمله ، ولا خير في صحبة من لا يرى لك مثل ما ترى "
وإنْ تفاوتت أقدارنا في الحياة فهو تفاوت ظاهري شكلي ، لأنك حينما تنظر إلى هذا التفاوت لا تنظر إليه من زاوية واحدة فتقول مثلاً : هذا غني ، وهذا فقير.
ومعظم الناس يهتمون بهذه الناحية من التفاوت ، ويَدَعون غيرها من النواحي الأخرى ، وهذا لا يصح ، بل انظر إلى الجوانب الأخرى في حياة الإنسان ، وإلى الزوايا المختلفة في النفس الإنسانية ، ولو سلكت هذا المسلك فسوف تجد أن مجموع كل إنسان يساوي مجموع كل إنسان ، وأن الحصيلة واحدة ، وصدق الله العظيم القائل:{إنَّ أَكْرمَكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم...(13)} سورة الحجرات.
ومادام المجتمع الإيماني على هذه الصورة فلا يصح لأحد أن يرفع رأسه في المجتمع ليعطي لنفسه قداسة أو منزلة فوق منزلة الآخرين ، فقال تعالى:{ ولا تَمْشِ في الأَرض مَرَحاً ...(37)} سورة الإسراء.
أي : فخراً واختيالاً ، أو بطراً وتعالياً ؛ لأن الذي يفخر بشيء ويختال به ويظن أنه من غيره ، يجب أن يضمن لنفسه بقاء ما افتخر به ، بمعنى أن يكون ذاتياً فيه ، لا يذهب عنه ولا يفارقه ، لكن من حكمة الله سبحانه وتعالى أن جعل كل ما يمكن أن يفتخر به الإنسان هبة له ، وليست أصيلة فيه.
كل أمور الإنسان بداية من إيجاده من عدم إلى الإمداد من عُدم هي هبة يمكن أن تستر في يوم من الأيام ، وكيف الحال إذا تكبرت بمالك ثم رآك الناس فقيراً أو تعاليت بقوك ثم رآك الناس عليلاً؟
إذن : فالتواضع والأدب أَلْيَق بك ، والتكبر والتعالي لا يكون إلا للخالق سبحانه وتعالى ، فكيف تنازعه سبحانه صفة من صفاته؟ وقد نهانا الحق سبحانه عن ذلك ؛ لأنه لا يستحق هذه الصفة إلا هو سبحانه وتعالى ، وكون الكبرياء لله تعالى يعصمنا من الاتضاع للكبرياء الكاذب من غيرنا .
ومن أحب أن يرى مساواة الخلْق أمام الخالق سبحانه ، فلينظر إلى العبادات ففيها استطراق العبودية في الناس ، فحينما ينادى للصلاة مثلاً ترى الجميع سواسية : الغني والفقير ، والرئيس والمرؤوس ، الوزير مثلاً والخفير ، الكل راكع أو ساجد ، الكل خاضع لله متذلل لله فقير لله ، الكل عبيد لله بعد أن خلعوا أقدارهم ، عندما خلعوا نعالهم، ففي ساحة الرحمن يتساوى الجميع وتتجلى لنا هذه المساواة بصور أوضح في مناسك الحج.
والأهم من هذا أن الرئيس أو الكبير لا يأنف ، ولا يرى غضاضة في أن يراه مرؤوسه وهو في هذا الموقف وفي هذا الخضوع والتذلل ، لماذا؟ لأن الخضوع هنا والتذلل لله ، وهذا عين العزة والشرف والكرامة.
ثم يقول تعالى:{ إنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ ولَنْ تَبْلُغَ الجِبَالَ طُولاً(37)} سورة الإسراء.
في هذه العبارة نلحظ إشارة توبيخ وتقريع ، كأن الحق سبحانه وتعالى يقول لهؤلاء المتكبرين ، ولأصحاب الكبرياء الكاذب : كيف تتكبرون وتسيرون فخراً وخيلاء بشيء موهوب لكم غير ذاتي فيكم؟
فأنتم بهذا التكبر والتعالي لن تخرقوا الأرض ، بل ستظل صلبة تتحداكم ، وهي أدنى أجناس الوجود وتداس بالأقدام. وكذلك الجبال وهي أيضاً جماد ستظل أعلى منكم قامة ولن تطاولوها . والحق سبحانه وتعالى يوبخ عبده المؤمن المكرم ليبقي له على التكريم في :{ولا تمش في الأرض مرحاً ....(37)}.
وحينما أراد الحق سبحانه وتعالى أن يوبخ أهل التكبر الكاذب أتى بأدنى أجناس الوجود بالأرض والجبال وهي جماد ؛ لكنه قد يسمو على الإنسان ويفضل عليه .
والناظر لأجناس الكون : الجماد والنبات والحيوان والإنسان ، يجد الإنسان ينتفع بكل هذه الأجناس فالجماد ينفع النبات ، والحيوان والنبات ينفع الحيوان والإنسان ، والحيوان ينفع الإنسان ، وهكذا جميع الأجناس مسخرة في خدمة الإنسان فما وظيفتك أنت أيها الإنسان؟ ومن تخدم؟
لا بد أن يكون لك دور في الكون ووظيفة في الحياة ، وإلا كانت الأرض والحجر أفضل منك ، فابحث لك عن مهمة في الوجود.
وفي فلسفة الحج أمر عجيب ، فالجماد الذي هو أدنى الأجناس نجد له مكانة ومنزلة ، فالكعبة حجر يطوف الناس من حوله ، وفي ركنها الحجر الأسود الذي سن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تقبيله وهو حجر ، وعليه يتزاحم الناس ويتشرفون بتقبيله والتمسح به .
وهذا مظهر من مظاهر استطراق العبودية في الكون ، فالإنسان المخدوم الأعلى لجميع الأجناس يرى الشرف والكرامة في تقبيل حجر.
وكذلك النبات يحرم قطعه ، وإياك أن تمتد يدك إليه ، وكذلك الحيوان يحرم صيده . فهذه الأشياء التي تخدمني أتى الوقت الذي أخدمها وأقدسها ، وجعلها الحق سبحانه وتعالى مرة في العمر لنلمح الأصل ، ولكي لا يغتر الإنسان بإنسانيته ، وليعلم أن العبودية لله تعالى تسري في الكون كله .
فإياك أيها الإنسان أن تخدش هذه الاستطراق العبودي في الكون بمرح أو خيلاء أو تعالٍ.

مجلة بنت نت    07/04/2005