نداء الإيمان | التاريخ(هجرى - ميلادى ) | مواقيت الصلاة واتجاه القبلة | موجز الصحافة | إلى كل المسلمات | قرأت لك
ارفع القبعة احتراما
بعد يوم دام في لندن، ومشاهدة ردود فعل الحكومة البريطانية، ووسائل الإعلام، المرئية منها، لا يملك المرء إلا أن يرفع القبعة احتراما لهم على ضبط النفس. الحكومة البريطانية، وابرز أمر فيها خطاب رئيس الوزراء توني بلير الذي أظهر ضبطا للنفس واحتراما للأبرياء من العرب والمسلمين. لم نسمع، أو نر أي اتهامات أو تحريض، أو لغة انفعالية.
شرطة لندن بدورها أول خطوة اتخذتها بعد التفجيرات كانت إرسال ضباط إلى المساجد، والمراكز الإسلامية لتطمينهم. كان ذلك رد الفعل الأولي.
أما على مستوى الإعلام، وكما يفترض بان الإعلام مسؤولية، لم نر مهرجين، أو محرضين. لم يخرج احد يوجه أصابع الاتهام لجنس بشري على حساب آخر، لم يوجه احد انتقادا للعرب أو المسلمين. كان ضبط النفس على مستوى عال. كنت أتابع وسائل الإعلام البريطانية ويدي على قلبي، وفي ذاكرتي أحداث 11 سبتمبر، وكيف تعامل معها بعض من الإعلام الأميركي، وكيف يتعامل بعض من إعلامنا العربي مع الأحداث والمصائب التي نواجهها، فالتوقيت كان صعبا بالفعل. المشاعر متقدة، الخوف يلف المدينة، أي محاولة للعب على عواطف الناس كانت ستؤدي إلى نتائج وخيمة.
ليست الحكومة أو وسائل الإعلام وحسب، سأروي هنا تجربة حدثت لي مع سائق تاكسي يوم التفجيرات، وأرويها لانني أتململ من سائقي لندن في العادة. فعل الرجل كل ما بوسعه لتهدئتي وأنا أحاول الوصول إلى مدرسة أطفالي، خصوصا عندما أبلغنا رجال الشرطة أن ليس بمقدورنا الدخول بالسيارة لأن المنطقة مغلقة نظرا للاشتباه بمتفجرات. قال لي السائق «لا تقلق، نوقف السيارة ونذهب سيرا على الأقدام لنأتي بهم». سألني «ما هي وظيفتك؟» أجبته، فبادر إلى فتح المذياع وقال استمع للأخبار ستجد أن الأمور تسير على خير ما يرام. وكانت شبكة الهاتف تعطلت حينذاك.
بعد أن اطمأننت على أولادي وسارت الأمور على ما يرام، قلت في نفسي الحمد لله على الحكمة والعقل، وأكبرت لهم ضبط النفس. ففي 24 ساعة عاد الهدوء إلى لندن وعادت الحياة إلى طبيعتها. اكتب شاكرا، وأمام عيني عرب ومسلمون كادوا أن يكونوا ضحايا لو كان هناك انفعال. وللأسف في كل مرة يحدث فيها عمل إرهابي من هذا النوع يصبح الناس العاديون ضحاياه.
يوم صباح لندن الدامي تأكد لي أن على الحكومات، أيا كانت، أن تتصرف كحكومة تقود لا تقاد من الشارع. وأن على الإعلام ألا يسكب الزيت على النار. وبالطبع سيبيع ويشاهد وينجح. يوم تفجيرات لندن امتلأت المقاهي والمقاصف، كل الناس تريد مشاهدة التلفاز، فقط اسألوا أنفسكم ماذا لو كانت وسائل إعلامهم محرضة، وانفعالية، وعاطفية، وفتحت الفضاء لكل من هب ودب؟ لكانت الحالة مأساوية بالفعل. لم يتحدثوا عن العراق، وأفغانستان وغيرها وإلا لأصبحوا الجناح الإعلامي لتنظيم «القاعدة»

جريدة الشرق الأوسط    09/07/2005