الحديث عن المتاجرة بالقضية الفلسطينية مستهلك، الا انه يبقى صحيحاً على رغم استهلاكه. وأقول للقادة العرب في قمتهم، حاضرين معتذرين، ألا يتعبوا أنفسهم ويتعبونا، فلا سلام مع هذه الحكومة الاسرائيلية اليوم أو غداً. في اسرائيل حكومة يقودها مجرم حرب معروف، وتضم مجرمي حرب مثله، وأعداء للسلام من كل نوع. آرييل شارون موّل توسيع المستوطنات وبناء مزيد منها، وهو وزير زراعة في أوائل الثمانينات، واليوم نسمع ان وزير الدفاع شاؤول موفاز أقر توسيع مستوطنة، وان وزير شؤون القدس والشتات اليهودي ناتان شارانسكي، موّل سراً من طريق وزارته توسيع المستوطنات، فيما الرئيس بوش يستقبله للحديث عن الديموقراطية والحرية. كلهم آرييل شارون، وموفاز مثله في قتل طالبات المدارس، وشارانسكي لا يكتفي بسرقة أرض الفلسطينيين، وإنما يسرق أفكار الرئيس بوش عن الديموقراطية والحرية في خطابات مذاعة، ثم يحاول ان يبيعها له كأنه اخترعها. وفي حين ان ما سبق معروف، فانني أهدي القادة العرب قصة أقل ذيوعاً، ففيما كان وزراء خارجيتهم يعدون للقمة يوم الجمعة الماضي، نشرت "يديعوت اخرونوت" خبراً في ملحق لها اسمه "سبعة أيام" تحدث فيه الثمانيني يوفال نأمان شريك غيئولا كوهين في حزب "تحية" المتطرف (تحية تعني البعث بالعربية) عن "نبتة النيل". وباختصار فالاستخبارات الفرنسية بلغت نأمان ان رئيس الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية يهوشفاط هركابي زار بلداً على منابع النيل له علاقات وثيقة مع اسرائيل، بعد ان اكتشف الخبراء الاسرائيليون نبتة تنمو بسرعة في مياه الأنهار، ويمكن نشرها في روافد النيل لتجفيف شريان حياة مصر. هل كان هذا ما فكر فيه آرييل شارون وهو في شرم الشيخ. أقول للقادة العرب: لا تتعبوا، ولا تتبادلوا سفراء، ولا ترسلوا وزراء خارجية ولا تستقبلوا وزراءهم. لن يكون هناك سلام مع هذه الحكومة الاسرائيلية وفيها من هم أكثر تطرفاً من نأمان وكوهين وموشي شامير (عضو الكنيست الثالث في حينه عن "تحية"). واذا كان كن لفنغستون يقول ان شارون مجرم حرب يمارس التطهير الاثني ضد الفلسطينيين، ويهين الاسلام ويشوه صورته، فهل يمكن ان رأي القادة العرب فيه أفضل من رأي رئيس بلدية لندن؟ وزير خارجية اسرائيل سيلفان شالوم، في مثل تطرف شارون، ويحاول منافسته تطرفا أملاً بخلافته في زعامة ليكود مع انه لا يملك المؤهلات. وهو صرح اخيراً بأن عشر دول عربية ستستأنف أو تعيد العلاقات مع اسرائيل. شالوم يكذب، وتصريحه مكرر، وفي حين انني لا أعتقد ان عشر دول عربية تفكر بعلاقات مع حكومة مجرمي حرب، فإن هناك أخباراً عن دولة او اثنتين دخلتا غزلاً مكشوفاً مع الاسرائيليين. لا اريد ان أحارب طواحين هواء، وأفهم ان هناك معاهدة سلام مع كل من مصر والأردن، فهما على الحدود مع اسرائيل، وفي غياب السلام هناك خطر الحرب. ولو بدأت سورية أو لبنان غداً مفاوضات للسلام لما اعترضت بسبب تقديري العوامل الجغرافية. غير انني لا افهم ان يعيد المغرب الاتصالات أو ان تدعو تونس، عن بعد ألف ميل أو أكثر، السفاح شارون الى مؤتمر تكنولوجيا، وكأنه بيل غيتس، وانما أربط ذلك بالحاجة الى استرضاء الولايات المتحدة. والحكومة العربية، أي حكومة وليس تونس وحدها، تحاول استرضاء واشنطن لسببين لا ثالث لهما: الاول طلب مساعدة مالية، والثاني طلب "السترة" بمعنى ان تسكت الحكومة الأميركية عن الضغط عليها في مجال الديموقراطية وحقوق الانسان وما الى ذلك. ورب ضارة نافعة. فدعوة آرييل شارون الى زيارة تونس، البلد الذي احتضن القضية الفلسطينية في رئاستي الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، أيقظت الشارع التونسي من سباته، وقامت اعتصامات وتظاهرات عكست وطنية هذا الشارع، وتعاملت قوى الأمن بقسوة مع المتظاهرين، ومنعت المستشفيات من معالجة مصابة يعرفها التونسيون جيداً. واذا كانت تونس أخطأت بدعوة شارون، فقد أخطأ الأردن بمحاولة تعديل مبادرة السلام العربية، بما يسمح بالتطبيع قبل السلام. علاقتي بالأردن من عمر وعيي المهني والسياسي، وهي من المتانة ان أرفض فكرة التطبيع قبل السلام، لنها ستقضي على فرص السلام، وهذه غير موجودة أصلاً مع حكومة شارون. ولماذا تطلب أي حكومة اسرائيلية سلاماً في مقابل الارض اذا كانت حصلت على ما تريد من دون أي تنازل؟ زاد من خطأ المبادرة الأردنية ان الوزير السيد هاني الملقي لم يوفق في عرضها والدفاع عنها، مما جعلني أتذكر أيام عبدالاله الخطيب ومروان المعشر، وديبلوماسيتهما المعروفة. المبادرة العربية لسنة 2002 هي الحد الأدنى للمطالب العربية، وهي تبقى العرض العربي الوحيد (المقبول عربياً) على طاولة المفاوضات. وهي تتفق مع "خريطة الطريق"، ومع موقف الرئيس بوش نفسه عن دولة فلسطينية مستقلة، متواصلة وقابلة للحياة، جنباً الى جنب مع اسرائيل. وواجب كل دولة عربية دعم الحد الأدنى لا الالتفاف حوله. وهذا يعيدني الى المتاجرة بالقضية، مع ما في العبارة من استهلاك، فلا يجوز لكل دولة عربية بحاجة الى مساعدة أميركية أو صفح ان تفعل ذلك على حساب القضية الفلسطينية. هناك حكومة ارهابية في اسرائيل تقتل وتدمر، والتعاطي معها لا يسهل حل القضية او يقربه، وانما يجعلها تزداد تشدداً لانتفاء الحاجة الى تنازلات طالما ان الجانب الآخر يقدمها كلها. هذا هو الوضع مع حكومة شارون، لا اسرائيل او الاسرائيليين، وكل حديث آخر متاجرة أو جهل، والنتيجة واحدة.