لبحث عن شركاء جدد في الشرق الأوسط ليس مفاجئا أن يكون هناك عدد كبير من البلدان الغربية الباحثة عن شركاء وأصدقاء جدد في المنطقة، فأكثر الأفكار التي أصبحت سائدة في بريطانيا وأميركا خلال الأسابيع الأخيرة، عبر الكثير من المحاضرات، هو أن غالبية البلدان الغربية الديمقراطية، بحاجة إلى العثور على تحالف استراتيجي مع الأحزاب الإسلاموية في الشرق الأوسط. بل ان بعض المحاضرين اختصر ذلك إلى حد جعله مقصورا على المنظمات الشيعية المنتشرة من المحيط الهندي وحتى الشرق الأوسط. لكن هذا يعد رأيا سيئا ويجب تحذير الديمقراطيات الغربية منه، مثلما يجب القول إن الشيعة استفادوا من التعددية في المنطقة. ففي أفغانستان ضمنوا لأنفسهم مشاركة في الحكم للمرة الأولى. وفي العراق أصبحوا الشريك الأساسي في الحكومة الجديدة، وهذا يعكس الثقل الديمغرافي لهم. وفي لبنان فتح خروج الوحدات السورية من أراضيه فتح أبوابا جديدة للشيعة الذين يمثلون أكبر جالية بين سائر الجاليات الأخرى هناك. ما يعنيه كل ذلك هو أن أولئك الناس الذين حرموا من المشاركة العادلة في الحكم، أصبحت لديهم الآن الفرصة كي يعاملوا كمواطنين كاملي الحقوق في بلدانهم. لكن ذلك يجب ألا يعني أن أولئك الذين أبعدوا لأنهم شيعة، يجب اعتبارهم الآن حلفاء وحيدين للديمقراطيات الغربية لنفس السبب بالضبط. فكما يقول تعبير أميركي إنه ليس هناك تبرير لـ«تمييز إيجابي» في حالة الشيعة، يكون ليس هناك تبرير لفرض «تمييز سلبي» ضدهم. ما يجب على الديمقراطيات الغربية وواشنطن أن تقوم به هو الإصرار على طبيعة ساحة اللعب السياسية، بمعنى أن لا يقصى أي طرف عنها على أساس العقيدة الدينية أو بسبب خلفية اثنية مختلفة. لكن ما الذي يمكن قوله حول الفكرة الأوسع المتمثلة بالتحالف مع الأحزاب الإسلاموية بشكل عام؟ إنها فكرة حمقاء وخطرة في آن واحد. فأولا، يجب التذكر أن وجود الأحزاب الإسلاموية الأولى جاء بفضل الأنظمة الحاكمة، التي كانت اما تشجع إنشاءها، أو تساعد على ظهورها، من خلال سحق الأحزاب والحركات السياسية غير الدينية. وأولئك الذين يزعمون أن البديل للاستبداد هو الحكم الإسلاموي، عليهم أن يتعلموا أكثر من تاريخ الشرق الأوسط. فقبل عقود قليلة فقط لم يكن هناك أي حزب إسلاموي ذي أهمية كبيرة في أي بلد من العالم المسلم، بينما ظلت الأحزاب غير الدينية تقدم طيفيا غنيا بالألوان من حيث الطبيعة السياسية لهذا البلد المسلم أو ذاك، فهناك على سبيل المثال اندونيسيا وباكستان وإيران وتركيا ومصر. وللعلم، فقد طُرحت فكرة لعب الورقة الإسلاموية أولا عام 1954 من قبل جون فوستر دالس وزير الخارجية الأميركية آنذاك، وذلك منطلق فرض «حجر على المعتدي» الذي هو الاتحاد السوفياتي. وتم إحياء الفكرة في سبعينات القرن الماضي من قبل زبيغنيو برجنسكي مستشار الأمن القومي للرئيس جيمي كارتر، الذي كان يحلم بإقامة حزام «أخضر» حول الاتحاد السوفياتي. وكانت النتيجتان الوحيدتان اللتان تحققتا بناء على هذه الاستراتيجية، هما دعم كارتر لآية الله الخميني في إيران والمجاهدين في أفغانستان. وفي الكثير من بلدان الشرق الأوسط مثل الجزائر ومصر وإيران، برزت الأحزاب الإسلاموية إلى الوجود بعد أن أغلقت النخب الحاكمة الباب أمام كل الحركات السياسية الأخرى. ففي إيران عام 1979 على سبيل المثال، دخل الإسلامويون من خلال الباب الذي فتحه الشاه لهم عن طريق منع المعارضة السياسية. والشاهد أنه وكلما سُمح للقوى السياسية الأخرى أن تعمل بشكل طبيعي إلى حد ما، فشل الإسلامويون في الهيمنة على المشهد السياسي. واتضح ذلك في عدد من الانتخابات التي جرت في عدد من البلدان المسلمة، حيث فشلت الأحزاب الإسلاموية في الفوز بأكثر من 13% من الأصوات. ففي اندونيسيا ظلت حصتهم من الأصوات لا تتجاوز 17%. وفي باكستان والسودان لم يتمكن الإسلامويون قط من الفوز بالسلطة إلا عبر مشاركة الحكام العسكريين فيها. ففي الانتخابات الرئاسية التي جرت في الجزائر حصل المرشح الإسلاموي على أصوات تقل عن 1% من عدد جميع الناخبين.وفي الأردن تمكن الإسلامويون من الحصول على حوالي 25% من الأصوات عبر عدة انتخابات متلاحقة.وفي أفغانستان حصل ما يقرب من 10 أحزاب إسلاموية على 3.2% من الأصوات في الانتخابات الرئاسية الأولى التي جرت هناك. وفي الأسبوع الماضي حصل تنظيم حماس في قطاع غزة والضفة الغربية على 33% من الأصوات في الانتخابات المحلية، وهو أقل بكثير عما حصلت عليه حركة فتح التي استطاعت أن تكسب 60% من الناخبين. لكن ماذا حول العراق؟ وهل يجب اعتبار الائتلاف العراقي الموحد المدعوم من قبل آية الله العظمى علي محمد السيستاني كيانا إسلامويا؟ الجواب هو: لا. إذ على الرغم من أن المكونات الأساسية لهذا الائتلاف الذي حصل على 42% من الأصوات الانتخابية هي تنظيمات إسلاموية، لكن بيانها الانتخابي الذي تنافست وفقه في الانتخابات مع الأطراف الأخرى هو ليس بأي حال من الأحوال إسلامويا. أما بالنسبة لإيران فإن انتخاباتها لا تقدم أي باروميتر لقياس الرأي العام، لأنه ليس هناك مكان لأي مرشح لا توافق عليه السلطات هناك. في كل ذلك تمثل تركيا حالة خاصة. فحينما تقف أحزابها الإسلاموية على أرضية دينية فإنها لم تحصل على أكثر من 13% من الأصوات في سلسلة من الانتخابات المتلاحقة خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي. لكن حزب العدالة والتقدم استطاع مع ذلك أن يحصل على 34% من الأصوات في انتخابات عام 2003. ويضم هذا الحزب مجموعات إسلاموية وشعبوية مختلفة. ويمكن القول إن هذا الحزب قد طرح نفسه وكأنه حزب علماني محافظ ينتمي إلى يمين الوسط أكثر من أن يكون حركة إسلاموية تسعى لإجراء تحول راديكالي في المجتمع. لكن حتى مع ذلك فإن الأحزاب التركية العلمانية الأخرى قد حصلت عى 66% من الأصوات، ولو أنها ذهبت إلى الانتخابات كقائمة واحدة لما وصل حزب العدالة والتقدم للسلطة. خلال فترة حكم الرئيس بوش الثانية ستكون هناك انتخابات في معظم بلدان الشرق الأوسط ففي الشهر المقبل ستجرى الانتخابات الرئاسية في إيران بينما سيختار لبنان أول برلمان له بعد مغادرة السوريين لأراضيه. ومن المتوقع أن تجري الانتخابات النيابية في غزة والضفة الغربية في يوليو المقبل. بعد ذلك ستجري في مصر واليمن لانتخاب رئيسيهما، بينما من المتوقع أن تجري سوريا والجزائر انتخاباتهما المحلية. أما السودان فهو ملتزم أيضا بإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية خلال الأشهر القليلة المقبلة. إذن فمع من يمكن لواشنطن والديمقراطيات الكبرى أن تتحالف أو تختار حليفها؟ الجواب هو: لا أحد بشكل خاص. فكل ما تحتاج إليه الديمقراطيات الأساسية هو الإصرار على انتخابات نزيهة وحرة ثم القبول بحكم الشعوب. وقد أظهرت تجربة حزب العدالة والتقدم التركي أن على أميركا والبلدان الديمقراطية الكبرى أن تعمل مع أي حزب يفوز بالحكم في حالة وصوله عبر قنوات شرعية وديمقراطية. من المؤكد أنه ليس هناك أي ضمان من أن تحقيق انتخابات حرة في المنطقة سينتج أوتوماتيكيا أنظمة قريبة لأميركا. بل إنه من الممكن أن تبرز في المنطقة بعض الأنظمة الديمقراطية التي قد تحاول لعب ورقة المعاداة لبوش، إذا لم تصبح معادية لأميركا مثلما هو الحال مع جاك شيراك وجيرهارد شرودر، لكي تقوي من مواقعها السياسية. كل ذلك غير مهم على الأمد البعيد. فما هو مهم هو أن الأنظمة الديمقراطية لن تسمح للمنظمات الإرهابية باستخدام أراضيها ومصادرها للقيام بعمليات مسلحة ضد الأمم الأخرى.