نداء الإيمان | التاريخ(هجرى - ميلادى ) | مواقيت الصلاة واتجاه القبلة | موجز الصحافة | إلى كل المسلمات | قرأت لك
كيف يطبق الزرقاوي «التترّس» كدليل لإدانته ؟

د.عبدالحميد الأنصاري

ضحايا عمليات الزرقاوي في العراق بلغت سبعة آلاف مدني عراقي قتيل وعشرين ألف جريح في مقابل 1500 عسكري من القوات الدولية، فماذا يقول الزرقاوي في تسويغ عملياته؟ وماذا يقول عن ضحاياه من العراقيين؟
لقد نقّب الزرقاوي في بطون كتب التراث الفقهي ليخرج علينا في تسجيل صوتي، بُث عبر شبكة الإنترنت، ليقول ـ لما كثرت النقمة عليه، واتسعت دائرة منتقديه حتى من الأصوليين ـ ان الشريعة الإسلامية تجيز عملياته ولو ترتب عليها سقوط مدنيين مسلمين، لأن الواجب ـ شرعاً ـ مقاتلة العدو (الأميركي) بغض النظر عن سقوط قتلى مسلمين.
ومهما يكن عددهم، فلا مسؤولية عليه، ولا حرج ولا تأنيب ضمير، وفي النهاية فهؤلاء «شهداء» لأنهم قتلوا بغير ذنب ولكن حظهم العاثر أوقعهم في المكان الخطأ. ويدلّل الزرقاوي على أن عملياته جائزة من الناحية الشرعية بأن دفع الضرر العام مقدم على دفع الضرر الخاص، وحفظ الدين مقدم على حفظ النفس.
ومن ناحية أخرى فقد أباح الفقهاء استهداف العدو اذا تتّرس بمسلمين (أي اتخذهم دروعاً بشرية) أو احتمى بمن يحرم قصدهم بالقتل كالنساء والأطفال، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما نصب المجانيق على الطائف وذلك اثناء حصاره لهم بعد غزوة حنين، ومعلوم ان حصونهم لا تخلو من نساء أو ذراري، وعندما سئل عليه الصلاة والسلام عن حكم هؤلاء الأبرياء، قال «هم من آبائهم» وكذلك فعل بعض الصحابة في حروبهم.
حجة الزرقاوي الشرعية، إذن، «مفهوم التترّس»، فهل حقاً قال الفقهاء بمفهوم التترس؟ وما ضوابطه؟ وهل ما يفعله الزرقاوي من قبيل هذا المفهوم؟ وكيف يطبقه كدليل لإدانته؟ نعم تكلم الفقهاء القدامى عن تترس العدو بالنساء والأطفال، وعن حكم نصب المجانيق على العدو تدمير حصونهم وقد يكون فيها أبرياء يصابون من جراء القذف.
ولكنهم اختلفوا في مدى الجواز الشرعي لتلك العمليات فهناك من أباح بإطلاق وهناك من منع بإطلاق وهناك من توسط وفصّل. ولا نريد هنا وفي هذه المقالة غير المتخصصة ان نستغرق في بحث فقهي مفصل، ولكن الخلاصة التي ينتهي إليها الباحث في هذه المسألة والتي يطمئن إليها الضمير هي:
ان جمهور الفقهاء الذين قالوا بمفهوم التترس، وأباحوا استهداف العدو ولو سقط قتلى أبرياء قيدوا هذه العملية بجملة قيود دقيقة منها:
1 ـ أن لا توجد وسيلة أخرى للتغلب على العدو إلا تلك الوسيلة.
2 ـ ان يكون قتل من لا يجوز قتلهم قد جاء تبعاً، كأثر جانبي للقتال.
3 ـ ان يستخدم العدو تلك الوسيلة ضد المسلمين.
 4 ـ أن يراعي المسلمون إلى أقصى درجة تجنيب المسالمين. والمدنيين من النساء والأطفال قذائفهم وذلك عبر دقة التصويب والتسديد.
 هذا هو مفهوم التترس عند الفقهاء وتلك ضوابطه. فهل الضحايا من المدنيين العراقيين الذين يسقطون يومياً نتيجة عمليات الزرقاوي وجماعته من قبيل مفهوم التترس؟أشك في وجود عاقل يقول بذلك يضعف، ولا أتصور انسانا لديه أدنى حس بالإنسانية يؤيد أعمال الزرقاوي في العراق! وكل الوقائع والدلائل في الساحة العراقية تكذب مفهوم الزرقاوي للتترس.
 فأولاً لا يعقل أن تضحي بسبعة آلاف مدني عراقي بريء من أجل أن تقتل 1500 جندي أميركي وأجنبي!!
 وثانياً: من قال أن هؤلاء الضحايا من العراقيين هم ضحايا عمليات التترس؟ جماعة الزرقاوي أساتذة في تفخيخ السيارات التي تنفجر في سوق مكتظة بالبشر وفي اغتيال أساتذة بالجامعات (60 استاذاً) وفي استهداف المؤسسات والمراكز الحكومية وفي تدمير المرافق الحيوية وخطوط أنابيب البترول وفي التفجير بالأحزمة الناسفة في صفوف المجندين العراقيين البائسين وفي وضع قنابل موقوته في صناديق الانتخابات والبريد وفي المحلات، فهل هؤلاء الذين قتلوا وجرحوا هم ضحايا التترس؟
 وثالثاً: لم نشهد القوات الدولية أو الحكومية تحتمي بدروع بشرية من المدنيين العراقيين مطلقاً، لم نجد مشهداً واحداً ينطبق عليه مفهوم التترس من قبل الجنود الأميركيين أو قوات الأمن العراقية.
 ولكن وفي كل الحوادث وفي كل المشاهد، جماعة الزرقاوي هي التي تحتمي بالمدنيين وبالنساء وبالأطفال وبالمساجد وببيوت الأهالي كما في «الفلوجة» وفي «القائم» وغيرهما، لم نجد مشهداً واحداً لعصابة الزرقاوي تقاتل وجهاً لوجه القوات الدولية. فمن يستخدم الدروع البشرية؟ القوات الدولية والعراقية أم الزرقاوي وجماعته؟
 جماعة الزرقاوي لجأت مؤخراً إلى اتخاذ أطفال دروعاً بشرية في «تلعفر» ولم تتورع عن استخدام كلاب مفخخة ومن غير رحمة أو شفقة بالحيوان!! وهناك تقرير لمعهد بريطاني عن وجود ألف خبير في تفخيخ السيارات بالعراق وهم يتعاونون مع الزرقاوي في استهداف الضحايا الأبرياء وبخاصة من الشيعة، فهل هؤلاء ضحايا التترس؟!
 ألم يكدس الزرقاوي وجماعته الأسلحة والذخائر في بيوت الله في «الفلوجة» وتحصنوا بها ضد القوات المهاجمة حتى إذا استهدفوا، صرخوا مولولين وقامت قيامة فتاوى المشايخ هنا وهناك منددة بضرب بيوت الله؟! أيترك المجرمون يعيثون فساداً ويهلكون الحرث والنسل وينشرون الرعب ويرهبون حتى إذا أتاهم العذاب من حيث لا يحتسبون اتخذوا بيوت الله وبيوت الآمنين تروساً آمنة.
 قيل: دعوهم وكفوا عنهم، ها هو الزرقاوي بنفسه يسوغ فعلته بمفهوم التترس فلماذا لا يجوز للقوات الدولية والعراقية أن تعامله بمفهومه نفسه؟! أجهد الزرقاوي نفسه منقباً عن مفهوم «التترس» لتبرير أعماله ضد أعدائه وما درى أنه بذلك قدم بنفسه دليل إدانته إذ أهدى إلى أعدائه سلاحاً يستخدمونه ضده .
 وهو بذلك حجج المدافعين عنه وعن جماعته والذين ينتقدون القوات الدولية والعراقية من جراء وقوع ضحايا مدنيين نتيجة لأعمالهم ضد الجماعات المسلحة في العراق، فإذا كان الزرقاوي يبيح قتل المدنيين مادام قصده العدو الأميركي والمتعاونين معه فلماذا لا يباح لهؤلاء أيضاً ما يباح للزرقاوي نفسه؟!
 أود في النهاية أن أقول إنه لا علاقة لمفهوم التترس بالمعنى الفقهي القديم والذي أجازه بعض الفقهاء وفي حالات محدودة وفي سياق اجتماعي وعسكري مختلف تماماً عما نحن فيه، حيث كانت آلات ووسائل الرمي محدودة الأثر مقارنة بالصواريخ والقذائف والقنابل والفخاخ التي تفتك بالمئات.
 لا علاقة للمفهوم بعمليات الزرقاوي مطلقاً فما يقوم به الزرقاوي وجماعته وفي تحالف وثيق مع بقايا النظام السابق كما أكدته رسالة نادرة لعزة الدوري، إجرام عظيم في حق الشعب العراقي، وكلامه نوع من المغالطة المكشوفة التي تسيء إليه، وهو بهذا الفقه المغلوط لمفهوم التترس يجرم مرتين، يقتل الآمنين ثم يفتري على الله كذباً.
 هذا الدين الذي يقول «لا تقتلوا امرأة ولا صبياً، ولا كبيراً هرماً، ولا تقطعن شجراً مثمراً أو نخلاً، ولا تخربن عامراً، ولا تعقرن شاة إلا لمأكلة، ولا تحرقن ولا تغرقن».

جريدة البيان    31/05/2005