نداء الإيمان | التاريخ(هجرى - ميلادى ) | مواقيت الصلاة واتجاه القبلة | موجز الصحافة | إلى كل المسلمات | قرأت لك
تعديل بلا تعديل
تعديل بلا تعديل
كتب :د. الشافعي محمد بشير *
من مأثوراتنا الشعبية الإيمانية عندما تتأزم الأمور ويشتد الكرب ولا نجد له حلاً فإننا نسلم أمرنا لله ونقول في النهاية: «ربنا يعدًّلها».. وذلك بإزالة الغُمة وحل الأزمة ورفع الكرب الشديد.. أي أن تعديل الحال سيكون للأفضل وليس للأسوأ..
وكان ذلك حال شعب مصر عندما اشتد به الكرب وتأزمت أموره وساءت أحواله السياسية والاقتصادية والمعيشية اليومية بصفة خاصة.. وقال المنصفون إن ذلك كله يرجع إلي خلل في منظومة الحكم التي أفرزت جماعة ضغط أو جماعة مصالح لم تتغير كثيرًا منذ تنظيم الاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي إلي حزب مصر ثم ما يسمي ظلمًا بالحزب الوطني الديمقراطي.. فحلقات السبحة الحكمية في حبل الحاكم لم تتغير كثيرًا منذ عبد الناصر والرئيس السادات والرئيس مبارك.. سواء بالأشخاص أو الفكر والمنهج والمصلحة الشخصية التي تصل إلي حد القتال الشرس للدفاع عنها ولو وصلت البلاد إلي حد الخراب..
وهذا ما شاهدناه في الأيام الأخيرة منذ أن أعلن الرئيس مبارك ضرورة تعديل المادة 76 من الدستور ليصبح اختيار رئيس الجمهورية بالانتخاب وليس بالاستفتاء... فاستبشرنا خيرًا بعد طول معاناة بسبب رفض أقطاب الحكم أي تعديل في الدستور أو إصلاح للنظام السياسي.. ونشر أقطاب المعارضة المقالات التي ترحب بمبادرة الرئيس حيث استُقبلت أيضًا بكثير من الارتياح عند دعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان علي المستوي الوطني والدولي.. وانتظرنا الحوار حول شروط الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية بحيث لا تكون شروطًا تعجيزية لا تؤدي إلي إصلاح دستوري وسياسي حقيقي.. واستبشرنا أكثر عندما وُجهت الدعوة لرؤساء الأحزاب القائمة لإجراء الحوار مع أقطاب الحزب الوطني الحاكم حول شروط الترشيح لرئاسة الجمهورية.. وزاد الأمر بسطة وانشراحًا بدعوة أساتذة القانون الدستوري في الجامعات المصرية للإدلاء بآرائهم حول تعديل المادة 76 من الدستور وما يرتبط بها من شروط للترشيح لمنصب رئيس الجمهورية.. وكان المتشائمون ينظرون لذلك العرض السياسي ويقولون.. إنها مسرحية هزلية لأنها ستنتهي بإسدال الستار عند النهاية المحزنة.. وهي كنس القصة والسيناريو بمقشة أقطاب الحزب الحاكم.. وكذا نحن مع المتفائلين ولسان حالنا يردد دائمًا الجملة المأثورة المذكورة في صدر هذا المقال: «ربك يعدّلها»..
ولكن أقطاب الحزب الحاكم.. وهم ورثة الاتحاد القومي والاتحاد الاشتراكي وحزب مصر الذين قادوا البلاد للخراب الذي يعيشه شعب مصر.. فلا حرية في ظل قانون الأحكام العسكرية المسمي قانون الطوارئ المطبق منذ ربع قرن بكل البطش والبغي والقهر بشهادة مئات آلاف المعتقلين الداخلين والخارجين والباقين مع العذاب المهين.. ولا ديمقراطية في ظل تزوير الاستفتاءات والانتخابات التي أبقت علي رموز بغيضة كريهة في مقاعدها عشرين سنة وأكثر... ولا شفافية وطهارة وذمة وطنية في إدارة مقدرات البلاد وثرواتها فشاع السلب والنهب وكانت المحصلة عجزًا رهيبًا في موازنة البلاد وتدني الاستثمارات لفقدان الثقة في أهل الحكم فزادت البطالة وزاد الشقاء والغلاء والبلاء بأهل البلاد..
هؤلاء.. أقطاب الحزب الحاكم الذين قادوا حوار تعديل المادة 76 مع رؤساء الأحزاب وأساتذة الجامعات.. استخفوا بنا جميعًا وداسوا علي كل الأوراق.. وسطَّروا ورقتهم السوداء فقط التي تقول إن أي مرشح لرئاسة الجمهورية يجب أن يحصل علي تزكية (250) -مائتين وخمسين- نائبًا في مجلسي الشعب والشوري والمجالس المحلية.. والكل يعرف أن هذا هو شرط الاستحالة لكل مرشح من خارج الحزب الحاكم الذي يسيطر علي مجلسي الشعب والشوري والمجالس المحلية.. ليس بعمله الشريف وعرق جبينه وإنما بالتزوير الفظ الفج في الانتخابات.. ولعلنا نذكر آخر انتخابات لمجلس الشعب عندما سقط رموز الحزب الوطني في الجولة الأولي من الانتخابات.. فزلزلت الأرض زلزالها تحت أقدام أقطاب الحزب الوطني.. وبدا لهم بل تحقق لديهم أن طوفان الانتخابات النزيهة بإشراف القضاء سوف يجرفهم خارج الحكم.. فركبوا ظهر قانون الطوارئ وحوّلوا دوائر الانتخابات إلي ثكنات عسكرية بحشود الأمن المركزي لمنع من يريدون منعه من الوصول إلي قاضي الانتخابات مستعينين بجيش آخر من البلطجية لإرهاب الناخبين المعروف عنهم مشايعتهم لمرشحي المعارضة.. ومع ذلك لم يحصل الحزب الحاكم علي الأغلبية التي يصمم عليها فاستجلب الذين نجحوا في الانتخابات كمستقلين وضمهم إلي قائمة نواب الحزب ليصبح الوطني الحاكم بالإضافة إلي الأغلبية الكاسحة لنوابه أيضًا في المجالس المحلية بالمحافظات.. وبالتزوير أيضًا.
فكيف لمرشح مستقل لانتخابات رئيس الجمهورية أن يحصل علي موافقة مائتين وخمسين نائبًا من مجلسي الشعب والشوري والمجالس المحلية?.. أليس هذا مصادرة علي المطلوب كما يقول أهل الشرع والقانون?
ماذا يريد أقطاب الحزب الحاكم لمصر وشعبها? المزيد من اليأس والغيظ والانسحاب من الحياة السياسية الوطنية إلي ساحة العنف الذي تلوّح به الأيام السوداء?
لقد أفرغوا التعديل الدستوري من مضمونه ومأموله.. وأصبح تعديلاً بلا تعديل.. ومع ذلك سنظل القائلين: «ربك يعدلها».
* أستاذ القانون الدولي -جامعة القاهرة

جريدة آفاق عربية    22/05/2005