نداء الإيمان | التاريخ(هجرى - ميلادى ) | مواقيت الصلاة واتجاه القبلة | موجز الصحافة | إلى كل المسلمات | قرأت لك
ليت مبارك يفعلها
ليت الاستفتاء في مصر على الدستور لم يتم، او تم بما يرضي المعارضة أيضا. فالتعديل ان لم يحظ بالتوافق سيظل مصدرا للتنازع السياسي لا الاستقرار، بما يضعف المجتمع السياسي كله، وهذا ما يخشى منه مستقبلا. واذا كان التعديل مطلبا، فما فائدة إجرائه ان لم يلب طلاب التعديل؟
سيقال، النتيجة جاءت ان اغلبية المستفتين قالوا نعم، لكن اغلبية المتابعين، بمن فيهم الجهات الاجنبية ، التي كانت طرفا في المشكلة والضغوط، قالت انه ناقص. وبسببه عادت السلطات الرسمية للمربع الأول، حيث تتهم باحتكار السلطات، واقصاء كل المعارضات.
أنا على قناعة من ان المصريين لو استفتوا في مناخ حر، وسمح للمرشحين من المعارضة بالمنافسة الحقة، سيختارون حسني مبارك رئيسا مرة أخرى. فمبارك، والحق يقال، انه رغم سلطاته الكبيرة، عرف بانه اكثر تسامحا، وصبرا، مقارنة بمن سبقوه، وحتى مقارنة بمن ينافسه اليوم. ولا اظن ان المصريين في السنوات القليلة المقبلة يعرفون رجلا اكثر حضورا على الساحة، يمكن ان يعطونه صوتهم غير مبارك، على الأقل سيحصل على الأغلبية المطلوبة، اي واحد وخمسين في المائة.
وربما لا يشعر المصريون باهمية مصر، بالقدر الذي يعرفه العرب خارجها، على حركة المنطقة. فهي دولة كاسحة التأثير، كونها تماما في المنتصف الجغرافي في المستطيل العربي، وذات حجم سكاني مهول، وانتشار ثقافي في كل المنطقة وعلى مدار الساعة. تاريخيا، عرف بأن كل توجه في مصر جذب وراءه بقية المجتمعات العربية. فمصر عندما قام انقلابها في عام 52 ، اشتعلت شرارة الانقلابات في المنطقة، ويوم ظهر ان العسكر صاروا في سدة الحكم، تراكضت كتائب العسكر العرب لاعتلاء السلطة، وعندما تبنت القاهرة الاشتراكية، صارت معظم الخريطة العربية حمراء، وعندما ابعدت السوفييت، ضعف موقعهم وأفل نفوذهم اقليميا، ويوم قربت الاميركيين زاد نفوذهم، وحينما وقعت سلاما مع اسرائيل، انتهت الحرب العربية الرسمية.
واليوم مصر مسئولة بشكل او بآخر عن تنامي المد الاسلامي المسيس، بسبب نشاط جماعة الاخوان المسلمين، ومسئولة عن تنامي العداء لاميركا ثقافيا بفعل نشاط المعارضة المصرية. وهذا ما دفع البعض للاستنكار على واشنطن، عندما قيل انها تريد غزو العراق للتأثير على المنطقة. وقد نبهت الى انها ضلت الطريق، فبغداد لم تعد مركزا منذ سقوط الدولة العباسية.
واذا كان للرئيس مبارك ان يخلف تركة بعده ، فامامه اصلاح النظام السياسي ، وليكن ذلك في ظل حكمه، لا بعد غيابه. فتطوير النظام المصري نحو البرلمانية الحقة، والحكومة الممثلة للناس، والمحاسبة الشفافة، والحريات المحمية دستوريا، هي اعظم ما يستطيع ان يفعله الرئيس في ولايته الأخيرة هذه.
فبذلك سيضمن لمصر قرنا من الاستقرار، ولنفسه مكانة كبيرة في التاريخ، وللمنطقة منارة تدل الناس على تطوير سياسي سلمي سلس بناء. وسيكون بمثل ذلك الإنجاز أهم من محمد علي، وأكبر من سعد زغلول، وأعظم من عبد الناصر.
مصر تحتاج من المصريين، سواء في داخل السلطة الصبورة او المعارضة المتعقلة، الى التعاون على صياغة نظام لا يتسرب اليه الماء.

جريدة الشرق الأوسط    29/05/2005