هل يمكن أن يكون الأب والأم سببا في المشكلات النفسية التي تصيب الطفل؟.. وكيف يحدث ذلك.. وما العلاج؟. هذه التساؤلات طرحتها الدكتورة نبيلة عباس الشوربجي ـ أستاذ مساعد علم النفس بكلية الخدمة الاجتماعية جامعة القاهرة في الدراسة التي أجرتها حول هذه القضية وكشفت فيها حقائق خطيرة قد يجهلها معظمنا، إذ أن إصابة أطفالنا بكثير من المشكلات النفسية قد يكون الآباء والأمهات سببا في حدوثها. هل يمكن أن يكون الأب والأم سببا في المشكلات النفسية التي تصيب الطفل؟.. وكيف يحدث ذلك.. وما العلاج؟. هذه التساؤلات طرحتها الدكتورة نبيلة عباس الشوربجي ـ أستاذ مساعد علم النفس بكلية الخدمة الاجتماعية جامعة القاهرة في الدراسة التي أجرتها حول هذه القضية وكشفت فيها حقائق خطيرة قد يجهلها معظمنا، إذ أن إصابة أطفالنا بكثير من المشكلات النفسية قد يكون الآباء والأمهات سببا في حدوثها. في البداية تؤكد الشوربجي على أن رعاية الأطفال في الأسرة مسؤولية كبيرة، لابد لمن يقوم بها أن يكون هدفه العمل على تنشئة هؤلاء الأطفال بشكل سليم دون أي تعقيد أو اضطراب نفسي، وتوضح أن المقصود بالمشكلات النفسية هى تلك التي نواجهها عند تنشئة أطفالنا كالغضب، والعناد، والانطواء، والخوف، والقلق.. والاكتئاب النفسي، وهذه المشكلات موجودة عند جميع الأطفال بلا استثناء، وتنجم عن التفاعل الحادث ما بين شخصية الطفل وشخصية الوالدين والأهل (الأخوة ـ الأخوات ـ الجد ـ الجدة والأقارب)، فالطفل يولد ولديه حاجات ورغبات، فعندما يعلن عن حاجاته فإما أن تلبى حتى يتمكن من خفض التوتر الناشئ عن هذا الاحساس وبالتالي يمكن إزالة عدم الاتزان لديه، ويعود سلوكه إلى حالته الطبيعية وينتهي الأمر، وإما لا فيثور، وينفعل، ويغضب، ويحدث لديه اضطراب نفسي يؤدي إلى عدم الاتزان وعدم السواء في شخصيته ـ ونظرا لأن شخصية الطفل تتعدل بالبيئة، بمعنى أن هذه المشكلات النفسية للأطفال ترجع إلى شخصية الوالدين اللذين يتفاعل الطفل معهما، فإذا كان أحد الوالدين مثلا محروما في صغره من الحب والعطف، وكان شقيا، فمن المحتمل أن يصبح غليظ القلب. مما يكون له أسوأ الأثر في تربية أطفاله، وإن كان ربي بالضرب والقسوة والعقاب، فيطبق الطريقة نفسها على أولاده ـ أي أن للتجارب التي يلاقيها أحد الوالدين في صغره أكبر الأثر في تكوين شخصيته، وبالتالي يطبقها على أولاده في المستقبل. أسباب المشكلات النفسية ـ ما أسباب المشكلات النفسية للأطفال؟ ـ تلعب العوامل العضوية والنفسية والاجتماعية والمدرسية دورا في حدوث تلك المشكلات. فالعوامل العضوية تظهر بوضوح في حالات التخلف العقلي الشديد، والاضطرابات الناجمة عن الوراثة والعوامل الأخرى قبل وأثناء وبعد الولادة، وكذلك في حالات ضعف الخلايا العصبية، والسبب في هذه الحالات غير معروف، وهؤلاء الأطفال يكونون أكثر تعرضا للتوترات والانفعالات، وتظهر في حالة الطفل المعوق الذي يصبح منبوذا من أحد الوالدين، وينال الرعاية الزائدة من الآخر، وهذه العلاقة المضطربة تؤدي إلى اضطرابات انفعالية ومشكلات في شخصية الطفل مستقبلا. ويعتبر الطفل «الخديج» أكثر تعرضا لإصابة المخ عند الولادة، وللاضطرابات السلوكية فيما بعد، وفي بعض الاحيان يحدث هذا بسبب خلل عضوي وظيفي كما في بعض حالات النشاط الزائد. وتلعب العوامل التي تؤثر في الصحة الجسمية والنفسية للحامل دورا كبيرا إذ تؤدي إلى نقص النضج النفسي للطفل. العوامل النفسية أما العوامل النفسية فيقصد بها الجو الانفعالي العائلي، إذ يجب أن يسود المنزل جو عائلي هادئ آمن حتى ينشأ الطفل وليس حوله ما يزعجه أو يبدد شعوره بالأمن والاستقرار، لأن أي خلاف بين الأبوين أو أي مظهر من مظاهر عدم الوئام بين الزوجين يلاحظه الطفل على الفور مهما كان صغير السن، وكل عراك بين الزوجين يدمر اتزانه الانفعالي ويدفعه بلا وعي إلى رد فعل عنيف، فيصبح قلقا مضطربا. وهناك العوامل الوالدية التي تسبب الاضطراب النفسي للطفل منها شخصية كل من الأب والأم ـ فبالنسبة لشخصية الأم توضح الدكتورة الشوربجي أن هناك شخصية الأم القلقة الموسوسة، التي تتصور عن طفلها أسوأ الأشياء كالمغص أو تقلصات بسيطة إذ تعتبره مشكلة كبيرة، وكل ارتفاع في درجة حرارة الطفل كأنه أصيب بالحمى، وخروج الطفل مع أخته للحديقة وتأخره قليلا، فلابد أن يكون قد أصيب بمكروه وعند ذهاب الطفل إلى المدرسة تمنعه من الذهاب إلى الرحلات المدرسية حتى لا يتعرض لأي حادث. والطفل الواقع تحت تأثيرها يصبح شخصية مستهترة تقدم على كل شيء مهما كان خطرا، ليعوض ما حرم منه في الصغر، وإذا تعلم قيادة السيارات أصبح سائقا مستهترا، وهى بذلك تعرض طفلها للأخطار في صباه وفي شبابه، ويصبح أكثر انطواء على النفس من غيره. وهناك الأم المتملكة ـ وتتسم بحب التملك الزائد والغيرة والسيطرة،فهى تريد من طفلها الحب كله والخضوع والاستسلام لها فقط، وتغضب إذا رأت طفلها يحب شخصا آخر غيرها، وتغار إذا أحب الطفل أباه، وهى بتصرفاتها هذه تعرقل نمو طفلها وتعوقه، وتقضى على شخصية طفلها في المستقبل، وتجعله كارها للحياة، بل ويحقد على المجتمع ويأتي بتصرفات شاذة، وهذا السلوك من الأم ليس حبا أو حنانا، وإنما هو نوع من الانحراف العقلي. وهناك الأم الدقيقة التي تحرص دائما على أن تفعل الشيء السليم وتبالغ فيه، ويصبح طفلها ذا شخصية ضعيفة، وحساس إلى درجة مؤلمة، وعصبيا ويصاب بالقلق، وعندما يكبر سينقلب الحال ويصبح في تصرفاته حيال أمه عنيدا مشاكسا، ويحاول أن يتمرد عليها ولا يهمه رضاها، وللأم أن تعرف أنه لابد للطفل أن ينحرف ولو للحظات عن الخط المستقيم حتى يعرف الخطأ والصح، والخير والشر، فهو ليس مثالا للكمال. الأم المتمردة عن الأم المتردة تقول الدكتورة الشوربجي إنها الأم العاجزة عن التحكم في عواطفها وتصرفاتها، وعن وضع نظام عام تسير على مقتضاه فإذا بكى الطفل تذكرت أنها لم تعد له طعامه، و تنسى مواعيد نوم الطفل سواء ليلا أو نهارا، وإنما تذهب به للفراش حسب الظروف، وتتسم شخصيتها بالعصبية والتسرع، ويصبح الطفل عصبيا ويصاب بالجذع، وفقدان الشعور بالأمان والاستقرار، وعندما يكبر يصبح عنيدا. أما الأم المسيطرة فهي التي حرمت من طفولتها من حنان الأم، أو عاشت مع زوجة الأب في حالة طلاقه من أمها، وتعاني من الشعور بالنقص والحرمان من عطف الأم وحنانها، وتحاول مساعدة طفلها ولكن بطريقة شاذة مبالغ فيها تعويضا عن النقص الذي عانت منه في طفولتها. ويصبح طفلها مهزوز الشخصية مضطربا في تصرفاته، وغير حكيم في أعماله، كثير التردد في اختيار الأشياء، ويؤثر ذلك على قدرته في التحصيل والاستيعاب وعلى الذاكرة. الأم غير المكترثة لا تهتم الأم بطفلها إطلاقا، ولا تحاول أن تسد حاجاته ومطالبه من طعام وملبس ونظافة ولعب، ولا تحب طفلها ولا تشعره بالأمان فهي تتحمله فقط، ويصبح الطفل عديم المبالاة ويكره الروابط الاجتماعية، والقسوة تبدو ظاهرة في تصرفاته، وإذا ما كبر أصبح قاسيا على أمه غير متعاطف معها، ولا يشعر تجاهها بشيء من الترابط، ويبدو على الطفل مظاهر التخلف العقلي ويصبح منعزلا منطويا على نفسه. شخصية الأب ومن نماذج الآباء الذين قد يتسببون في إصابة أبنائهم بالمشكلات النفسية أكثر مما تسببه الأم، نذكر: الأب المسيطر يبدو الأب ضعيف الشخصية لأنه تربى وسط عائلته في طفولته مع أب مسيطر على زوجته وأولاده، ويؤكد وجوده بمحاولته للسيطرة على أطفاله وزوجته والتحكم فيهم، وغالبا ما يعاني من مشاكل مع رؤسائه في العمل، فهو بذلك يقضي على شخصية طفله، ويحول دون تطورها فينشأ الطفل خاضعا مستسلما ذليلا، فاقد الثقة في نفسه، ويصبح عنيدا في الكبر. الأب الضعيف يستسلم دائما لمن حوله، لا يحاول أن يبدي رأيا أو نصيحة أو مشورة، لم يتعود على تحمل المسؤولية، وغالبا ما تكون زوجته مسيطرة عليه، وكلمتها يجب أن تطاع على جميع أفراد الأسرة، ويفقد احترامه وهيبته في الأسرة وبذلك يفتقد الطفل في هذه الحالة «للقدوة» ولا يجد من يقلده فيعتمد على تقليد أي شخص آخر بدلا من والده، وغالبا ما يكون الشخص شريرا سواء من المعارف أو من أبطال السينما، لأن الشر في نظره يمثل القوة، ويفتقد الطفل حب وحنان الأب، وينشأ ناقص الشخصية. الأب الغائب الأب الذي تضطر ظروف عمله للتغيب الدائم والطويل عن بيته أو بسبب قضاء وقته جالسا في المقاهي يجعل طفله محروما من «بطل» يقلده وينشأ الطفل ناقص الشخصية، فضلا عن حرمان الطفل من حنان وعطف الأب بكثرة غيابه عن المنزل، وعن ضبطه لأفراد أسرته. الأب الطفل هو الذي يكون على علاقة وثيقة بوالدته ومرتبط بها، وهو دائم الاعتماد على الغير، وخجول يخشي المسؤولية، وهو نتاج أب مهمل وأم شديدة العطف وهو يشبه في سلوكه الأطفال، وحينما يثور غضبه يصبح كسلوك الطفل المدلل ومحاولة إظهار رجولته تدعو إلى السخرية. وتجد زوجته أنها قد تزوجت طفلا بالغا خاضعا ذليلا، فاقد الثقة في نفسه. وتكشف الدكتورة نبيلة الشوربجي عن المشكلات الخاصة التي تنتج عن معاملة الوالدين للطفل ومنها: الطفل الأوحد حيث يتعرض الطفل الأوحد للحماية المفرطة من جانب والديه، فالأم تمنعه من مواجهة المخاطر البسيطة مثل تسلق الأشجار، مما يستمتع به الأطفال الأسوياء، وهى تساعده على ارتداء ملابسه وخلعها، بعد أن يكون من واجبه أن يفعل ذلك بنفسه، وتبدى قلقا بالغا عن صحته وعن تعرضه للبرد، وهو بذلك ينال الاهتمام البالغ، ينال كل ما يطلبه، ويسمح له ما لا يتقبله الآباء عادة ولا يجوز لهم أن يتقبلوه، وكذلك قد يحدث العكس عندما تخشى الأم تدليل ولدها وإفساده فتصبح شديدة في التعامل معه، وبذلك يحرم الطفل من الأخذ والعطاء المألوف في الأسرة، ولذا يمنعانه من التعود على الاستقلال، ونجده يغضب للوقوف في وجه مطالبه في المنزل، لكن غضبه يكون أشد إذا بلغ سنا أكبر. الطفل الذي يولد بعد سنوات طويلة: يتعرض لمشاكل مشابهة لما يتعرض له الطفل الأوحد، لكنه يتعرض أيضا لاحتمال «إفساده» على يدى والديه وعلى يد اخواته، الذين هم أكبر منه سنا، إذ يعاملونه جميعا على أنه طفل صغير لا يكبر، فيتجه إلى التمسك برأيه ومطالبه. طفل الوالدين المسنين يميل إلى التعرض للتدليل والحماية الشديدة خاصة إذا كان الطفل الأوحد، إذ يقل اندماجه مع الأطفال الآخرين المقاربين له في السن إذ أن أصدقاء والديه يكون لهم في الغالب أطفال هم أكبر منه سنا. الطفل الأكبر حيث يتعرض الطفل الأكبر بين طفلين أو ثلاثة إلى مشاكل خاصة به، أولها الغيرة ـ فكما يحدث مع جميع الأطفال عندما يرزق آباؤهم بطفل جديد، يكون علمه بأنه ليس الطفل الأوحد أمرا مؤلما له، وهناك مشاكل أخرى أقل وضوحا، منها أنه قد يتحمل مسؤوليات أكبر مما يناسب سنه مثل رعاية أخيه الأصغر، وإذا ارتكب الطفل الاصغر أخطاء وجه اللوم إلى الأكبر لأنه لم يمنعه عنها، وقد يجد الطفل الأكبر صعوبة في فهم السبب الذي يدفع الآباء إلى التسامح مع الصغير إذ ارتكب أفعالا بينما يتعرض هو للتأنيب عليها، ويكون الوقت الذي يخصصه والده للنزهة واللعب معه أقل مما كان عليه وقت أن كان وحيدا. الطفل الأصغر يميل إلى أن يصبح مدللا وألا يتجاوز طور الطفولة، ولكن يكون من مصلحته أن يجد أخا أو أخوة يلعب معهم كما يحصل على لعبهم، وهو يجد صعوبة في فهم السبب الذي يجعل أخاه الأكبر يلقي معاملة خاصة أو يراه قادرا على فعل أشياء ولا يسمح له بها. الولد بين أسرة من البنات كثيرا ما يكون الولد بين أسرة من عدة بنات موضع عناية شديدة ومحاباة من والديه، وقد يتخذ موقف المسيطر في معاملته للبنات، وقليلا ما يكتسب مثل هذا الصبي سلوك البنات، وتميل تصرفاته إلى الأنوثة. البنت بين أسرة من الصبيان وقد تكون البنت بين أسرة من الصبيان محل رعاية شديدة أو محاباة في المعاملة من جانب الوالدين، شأنها شأن الصبي بين البنات، وقد يظهر عليها الميل إلى ألعاب الصبيان، أو قد تصبح مرفوضة تماما من جانبهم. الطفل الذي ينفصل عن أبوه أو عن أحدهما لا مفر من أن يحدث الطلاق أو الانفصال بين الوالدين مشاكل لدى الأبناء، وينطبق القول نفسه إذا فقد أحد الوالدين بالموت، فمهما يبذل الوالد الباقي من عناية، فلا مفر من أن يفقد الطفل شيئا كثيرا من الحب والرعاية التي كان مفروضا أن يوفرها له الطرف الآخر، ولا تتاح له الفرصة للنمو الصحيح. الطفل الذي تعمل أمه خارج المنزل، فمن الضروري أن تعمل الأم في بعض الأحيان لتوفير المطالب المالية للمنزل، وفي هذه الحالة يترك الطفل في رعاية شخص يحبه، ولتكن الجدة أو شخص آخر يرعاه كالمربية، فالطفل يحتاج إلى أمه في السنوات الثلاث الأولى من ناحية الرعاية والحب، ولكن بعملها هذا يفتقد الطفل الطمأنينة والرعاية والحب والأمان، ويعاني الطفل من الحرمان الذي يترتب عليه حدوث اضطراب في شخصية الطفل وتتمثل في أعراض قلق الانفصال، والتبلد العاطفي والعزلة لدى الطفل.