نداء الإيمان | التاريخ(هجرى - ميلادى ) | مواقيت الصلاة واتجاه القبلة | موجز الصحافة | إلى كل المسلمات | قرأت لك
سُنَّةُ العراق بين السياسة والمقاومة والإرهاب

هل من آخر لليل العراق؟
لا أظن.. فليله كليل الشاعر العربي: «كِلِيني لهمٍّ، يا أميمة، نائلي/ وليلٍ أقاسيه بطيء الكواكب». لقد استوطن الإرهاب العراق. أنهى بوش إرهاب النظام، وفتح أبواب العراق أمام إرهاب المنظمة.
على المدى الطويل، سوف يخسر الإرهاب الانتحاري حربه في العراق، لأنه إرهاب مستورد يرفضه العراقيون ويأباه العرب، ولأنه إرهاب أعمى لا يتمتع بنبل أية مقاومة وطنية تأبى المساس بحياة المدنيين الأبرياء. ألم يخسر العنف الأصولي المصري والجزائري حربه الجهادية عندما خسر تعاطف المجتمع المدني معه؟. لكي يسوِّغَ الزرقاوي جريمة الولوغ في دم العراقيين، أصدر فتوى تجيز قتل المسلمين إذا كان في ذلك وصول إلى «الهدف المعادي»: لكي تقتل أميركيا «كافرا» عليك أن تقتل 25 عراقيا «مؤمنا»! نِعْمَ الجهاد، جهاد واجتهاد الأصولية الانتحارية.
إذا كان الاحتلال قد جلب معه الإرهاب، وعجز عن القضاء عليه، فمن المسؤول عن إيوائه واستمراره، والتستر عليه؟
أصابع الاتهام تتوجه هنا الى سنة العراق. وفي هذا الاتهام شيء كثير من الحقيقة. لقد ملأت الشيعة والأكراد الفراغ الناجم عن خروج أو إخراج السنة من السلطة والسياسة. كنت من أوائل الداعين هنا للسنة الى المشاركة في اللعبة الديمقراطية (الاقتراع والانتخاب). لكن السنة شاءت ارتكاب الخطأ، وراهنت على تنظيمات المقاومة والإرهاب. ربط «الحزب الإسلامي» الاخواني و«هيئة علماء المسلمين» الدينية المشاركة السياسية بإنهاء الاحتلال، وهما يعلمان يقينا بأن خروج القوات الاميركية في هذا الوقت وفي المستقبل المنظور، سيدفع بالعراق الى لجة الحرب الاهلية.
كان من الحكمة المشاركة في السياسة وتسجيل موقف يرفض الاحتلال. لقد أدركت الهيئات السنية الدينية والسياسية متأخرةً فداحة الخطأ المرتكب. ولا شك أن الاعتراف الذي تجلى واضحا في «المؤتمر العام للسنة» المنعقد أخيرا، يشكل ضربة سياسية ومعنوية كبيرة للعنف الديني وللمقاومة البعثية وغير البعثية. أحسب أن الخوف الذي فرضه الإرهاب على هذه الهيئات قد انحسر الآن معظمه، وليس كله.
ربما كان من الصعب على هذه الهيئات معارضة المقاومة والإرهاب معا. لكن كان بإمكان «هيئة علماء المسلمين» والحزب الإخواني الحيلولة من دون استخدام المسجد كمنبر لتحريض السنة على المقاومة والإرهاب، وكمخزن للأسلحة والذخيرة التي استُخدمت في العنف السني الذي حصد، عامدا متعمدا، من الشيعة أكثر مما حصد من الأميركيين والسنة.
الحقيقة أحيانا محزنة، لكن لا بد من مواجهة العناد العراقي بها: هل كانت السنة، مجتمعات وهيئات وزعامات وتنظيمات، تظن أن مبادأة المجتمع الشيعي بعنف طائفي بحت، من اغتيالات وتفجيرات في مدن الشيعة وحُسينياتها (مساجدها) ستمر من دون رد فعل؟ من الأمانة وليس المجاملة، الاعتراف بأن الشيعة صبرت كثيراً كي لا تعكر «مباهج» استلام السلطة، وصدرت دعوات من زعماء دينيين وسياسيين إلى عدم الرد. عندما طفح الكيل تفجرت غرائز الانتقام، فأطلقت العنان للمليشيات الشيعية المدعومة إيرانيا لمبادلة العنف بالعنف، والخطف بالخطف، والقتل بالقتل.
أحسب أن قرارات المؤتمر السني تنطوي على ملامح مشروع سياسي. فقد دعا متأخرا جدا الى رفض «الطائفية والعنصرية والمحاصصة» والى تكافؤ الفرص» في الوظيفة. كل ذلك جيد ورجوع بالعراق وبالسنة الى العقل والمنطق. نعم، «تحرير العراق من الاحتلال» تسجيل لموقف وطني. لكن تأييد «المقاومة» ورفض «الإرهاب» يبدوان لغوا سياسيا خارج العقل والمنطق، عندما يستحيل التمييز بين المقاومة والإرهاب في العراق.
بعد اغتيالات الشيعة للسنة الأخيرة، أحست «الاقلية» السنية بخطر الحرب الدينية الداهم. دعا «المؤتمر السني» الى ميثاق شرف بين الشيعة والكرد والسنة لحماية «الوحدة الوطنية». لكن أليس هذا «المؤتمر طائفيا» شكلا ومضمونا، كحزب «الدعوة» و«المجلس الإسلامي الأعلي» عند الشيعة؟ ألم يكن من الأفضل أن تصدر الدعوة الى «الوحدة الوطنية» من «مؤتمر وطني» بدلا من أن تصدر من مؤتمر طائفي «سني»؟
لجنة سنية جانبية للحوار لا تكفي. حوار على ماذا؟ حوار على إشراك السنة في السياسة؟ حوار على توزيع المقاعد بين الطوائف والأعراق في البرلمان ولجنة الدستور؟ قطب الشيعة الأكبر يدعو الى دستور يحفظ للعراق «هويته الإسلامية».
من يقول للسيد الإيراني أن لا خوف على الإسلام في العراق؟ الخوف الحقيقي على عروبة العراق. لا تأكيد في المؤتمر السني ومن الشيعة، حكومات ومنظمات ومراجع دينية، على هوية العراق العربية! ربما يتركون تأكيد انتماء العراق العربي الى... الأكراد، أو الى الأميركيين الذين أعدوا على الأرجح مشروع الدستور سلفا.
لا شيء عن عروبة العراق. لا كلمة ولا تأكيد من حكومة الجعفري لطمأنة العرب. زار رئيس الحكومة تركيا ولم يطف العواصم العربية. استقبل كمال خرازي. استجاب لمطلب «التدخل» الإيراني بمحاكمة صدام أيضا على حربه ضد إيران. استمع بأدب خجول إلى النفاق الإيراني عن «عدم التدخل» في العراق، والجعفري أول من يعرف ان العراق يعجُّ بوكلاء إيران وعملائها المدسوسين بين عشرات الألوف من أصل إيراني العائدين إلى العراق مع الغزو الأميركي. لا كلمة من عاصمة عربية ولا حتى من جامعة عمرو موسى العربية. لا مطالبة عربية للجنة الدستور بتضمينه نصا صريحا يؤكد هوية العراق العربية، طالما أنه سينص على حقوق الأقليات العنصرية. أصبحت عروبة العراق في الصحافة الأجنبية والعربية قاصرة على «العرب السنة». أليس من الظلم للملايين من شيعة العراق العربية قصر انتمائها على هويتها الطائفية ونفي هويتها القومية؟! لقد تقدم مقتدى الصدر للوساطة بين السنة والشيعة ربما انطلاقا من انتماء أسرته العربي، فيما تعجُّ المرجعيات الشيعية بأسر ذات أصول فارسية. كان الرد على الصدر تفجير مطعم «حبايبنا» في «ديرته» البغدادية أودى بحياة ثمانية وجرح ثمانين من الرواد الشيعة.
لمن تٌُرك الدفاع عن عروبة العراق؟ لبعث العراق؟ للحزب القومي الذي انتهى بحزب العشيرة والعائلة؟ للحزب الذي تسبب بنكبة الاحتلال وبمأساة العروبة في العراق؟ ما زال الدفاع الحزبي عن العروبة ممزوجا، يا للأسف، بعبادة الشخصية. ما زال صدام المشغول بغسيل سرواله «القائد المجاهد» و«حادي نضال الأمة» و«أنموذج النضال الانساني». لم يعتبر الحزب، بعد، بما جرى للمشروع القومي عندما غدر أصحابه بالحرية والديمقراطية والوحدة. لو قبل صدام بالوحدة مع سورية في عام 1979 لكانت الكتلة السنية الضخمة في سورية رديفة للأقلية السنية في العراق في حماية عروبته، ولما انتهت حروب صدام وأخطاؤه الى احتلال العراق، وتوزيعه حسب قسائمه التموينية إلى طوائف وأعراق متناحرة باسم الديمقراطية.
ما زال هناك عقل سياسي وشعبي عربي يدافع بسذاجة عن دكتاتورية صدام وجنونه، ويصدِّق انه اعتقل وهو على أهبة أداء الصلاة! صدام وديعة لدى بوش. إذا رضي بمحاكمته في العراق كان نصيبه الإعدام. إذا دوِّل محاكمته أنقذ رأسه من المقصلة.
لا هذا ولا ذاك. ما أحرى بـ «حادي نضال الأمة» أن يُحال مع سرواله الى مصحة عقلية! ما أحرى أن يخضع لدراسة علمية وطبية. الانجليز أكثر الناس خبرة بزعماء العراق من نوري إلى صدام. علماء «معهد علم النفس» في لندن يؤكدون أن جنون العظمة والسلطة مرض عقلي، مزيج من الوراثة في العائلة ومكتسب من البيئة.

جريدة الشرق الأوسط    31/05/2005