ورد النيل يطرح علفا
حازم يونس**
أزهار ورد النيل الجميلة التي كانت أحد أسباب استخدامه مع الزينة
ورد النيل مشكلة تهدد المجاري المائية في 50 دولة من بينها دول حوض نهر النيل، ورغم قدم هذه المشكلة فإن كافة الطرق التي استخدمت لمكافحته لم تفلح في القضاء عليه نهائيا، من هنا جاء الاتجاه الذي تزعمته د/ هدى الحسيني رئيسة البحوث بمعهد بحوث الإنتاج الحيواني التابع لمركز البحوث الزراعية بمصر لإنتاج أعلاف منه، ليكون ذلك بمثابة حافز للمواطنين لاصطياد هذا النبات واستخدامه في تغذية الحيوانات.
يقول د. أحمد عبد الوهاب أستاذ تلوث البيئة بجامعة الزقازيق: إن ورد النيل هو أحد الحشائش المائية السائدة في نهر النيل خاصة مصر وكينيا وأوغندا وتنزانيا وبنين والسودان، وينتشر أيضا في الولايات المتحدة الأمريكية وجزيرة جاوة وأستراليا.
وقد دخل مصر في عهد الخديوي توفيق الذي جلبه لتزيين البرك المائية، وتسرب من قصوره إلى نهر النيل.
وتكمن مشكلة هذا النبات كما يؤكد د/ أحمد أن النبتة الواحدة تنتج في الشهر الواحد 48 ألف نبات بما يشبه سرطانا خرافيا يؤدي إلى تبخير كميات هائلة من المياه قدرتها الدراسات الحديثة في مصر بـ 3 مليارات متر مكعب من المياه وهو ما يكفي لزراعة 100 فدان جديدة. كما أنه يسد الترع والمصارف تماما، ويعوق الملاحة والري، ويأوي العديد من القواقع خاصة قواقع البلهارسيا والزواحف والثعابين، ويؤدي إلى نقص الأكسجين الذائب في المياه بما يهدد حياة الأسماك والكائنات البحرية.
وفي محاولة يائسة للاستفادة من ورد النيل أصبح يستخدم مؤخرا في الصيد الجائر للأسماك، وذلك عن طريق تحديد المساحة المراد التعدي عليها بأخشاب طويلة، ووضع نبات ورد النيل داخلها لينمو ويتكاثر بصورته السرطانية، ليتم بعدها نقل الدواجن والحيوانات الميتة إلى داخل المياه، ووضعها أسفل ورد النيل فتكون عاملا لجذب الأسماك التي يسهل حينئذ صيدها دون النظر إلى التلوث الناتج عن وجود هذه الحيوانات النافقة داخل المياه.
اختلفت الطرق والمكافحة واحدة
الصيد الجائر باستخدام ورد النيل
ولمكافحة انتشار ورد النيل تلجأ بعض الدول ومن بينها نيجيريا إلى المكافحة الميكانيكية، بينما تلجأ أخرى ومنها بنين إلى المكافحة البيولوجية، فيما تلجأ دول أخرى من بينها مصر إلى الجمع بين الاثنين. وعن المكافحة الميكانيكية يقول د/ يحيى فياض أستاذ المكافحة البيولوجية بالمركز القومي للبحوث بالقاهرة إنها تتم بواسطة بعض الماكينات التي تقوم باجتثاث ورد النيل وتفتيته، وقد كلفت هذه الماكينات نيجيريا 1.75 مليون دولار في الثمانينيات.
أما المكافحة البيولوجية فتتم باستخدام الأعداء الطبيعيين للنبات من الحشرات، وقد ابتكر حديثا "بيترنو نشفاندر" الخبير بالمعهد الدولي للزراعة المدارية ببنين طريقة استخدام الخنافس التي يتم وضعها على ورد النيل لتأكله، وقد سجلت هذه الطريقة نجاحا ملحوظا يفوق المكافحة الميكانيكية، إلا أنها لم تنجح في القضاء عليه نهائيا؛ ذلك لسهولة تكاثره الخضري بالتجزئة فأي جزء ينفصل منه يتكاثر ويصبح نباتا جديدا.
كافح الورد واجن الثمار
وحيث إن مشكلة ورد النيل من الصعب عمليا القضاء عليها نهائيا، هذا بالإضافة إلى أن ذلك يكلف الدول أموالا طائلة قدرتها إحصائيات وزارة الموارد المائية المصرية بـ 150 مليون جنيه مصري سنويا، لذلك كان لا بد من البحث عن جوانب إيجابية لهذا النبات وهو ما فكرت فيه د/ هدى الحسيني بمعهد بحوث الإنتاج الحيواني. حيث تمكنت الباحثة من إنتاج أعلاف حيوانية منه لتضرب عصفورين بحجر، فمن ناحية كافحت انتشار النبات برفعه من المجاري المائية عبر خلق حافز للمواطنين لاصطياده، ومن ناحية أخرى ساهمت في سد الفجوة العلفية بمصر في ظل اتجاه عام لتقليص مساحات البرسيم لصالح تحقيق اكتفاء ذاتي من القمح.
تقول د/ هدى إنه بعد إجراء العديد من الدراسات حول ورد النيل وجد أنه يحتوي على نسبة عالية من البروتين الخام تصل إلى 13.6%، كما يحتوي على العديد من العناصر الغذائية المختلفة مثل الألياف 24.8%، والبوتاسيوم 3.29%، والكالسيوم 1.43%، والماغنيسيوم 1.16%، والحديد 0.17%، بالإضافة 1.5% دهون وهي عناصر مفيدة جدا لتغذية الحيوان.
4 سيناريوهات للتحول
محاولة رفع ورد النيل يدويا
ولإنتاج الأعلاف من ورد النيل توجد 4 صور حيث يصعب تقديمه للحيوان بصورته الطازجة لاحتوائه على نسبة من العناصر الثقيلة بالإضافة إلى بعض المواد القلوية المهيجة. الصورة الأولى هي "الدريس"، ويجهز بفصل الجذور واستبعادها مع الإبقاء على الأوراق والسيقان وتجفيفها بواسطة الشمس لمدة تتراوح ما بين 20 إلى 30 يوما مع التقليب كل يومين، وبعد ذلك يمكن إحلالها في غذاء الحيوان محل جزء من دريس البرسيم بنسبة لا تزيد عن 50%. وقد وجد تشابه كبير بين دريس ورد النيل ودريس البرسيم من حيث المكونات الغذائية.
أما الصورة الثانية فهي استخلاص البروتينات من النبات عن طريق عملية العصر؛ حيث إن العصير الناتج يحتوي على جزء من البروتين والكربوهيدرات الذائبة، وهذه المواد يمكن استخلاصها وتستخدم كإضافات بروتينية في أعلاف الدواجن، أما مخلفات عملية العصر فيمكن إدخالها في علائق الأغنام بنسبة لا تزيد على 40%.
أما الصورة الثالثة فتتمثل في إدخال ورد النيل إلى الأعلاف المتكاملة المستخدمة في تسمين العجول أو تغذية ماشية اللبن، ويجب ألا تزيد نسبته في هذه الأعلاف عن 50%.
وأخيرا الصورة الرابعة وهي حفظه واستخدامه في صورة أعلاف غير تقليدية "سيلاج" والذي يجهز باستبعاد الجذور وتقطيع النباتات إلى قطع من 3 إلى 5 سم ثم تترك في الهواء لتجف حتى تصل نسبة الرطوبة بها من 65 إلى 60%، ويفضل خلط ورد النيل في هذه الحالة مع بعض المواد الخشنة الأخرى بنسبة 20% كما يتم إضافة المولاس بنسبة من 5 إلى 10% من وزن المخلوط الكلي.
احذر احترس.. ثم أقدم
وحتى يمكن استخدام ورد النيل في تغذية الحيوانات، وتوجد عدة ضوابط وشروط حددها د/ محمد نويتو الأستاذ بالشعبة البيطرية بالمركز القومي للبحوث عندما سألناه عن تقييمه لاستخدام ورد النيل كعلف للحيوانات، ومن هذه الضوابط عدم استخدام ورد النيل كمصدر غذائي وحيد للحيوانات بل يجب تقديمه للحيوانات مع المواد العلفية الأخرى بنسبة لا تسبب ضررا للحيوان، كما أنه يقدم للحيوان بصورة متدرجة حتى لا يتسبب في حدوث اضطرابات معوية له.
ويجب عند التغذية به إضافة نسبة من العليقة المركزة لا تقل عن 60% حتى لا يحدث فقد في وزن جسم الحيوان، وعدم إعطاء دريس ورد النيل للحملان الصغيرة بعد الفطام مباشرة بل يجب الانتظار حتى مرور 6 أشهر. وأخيرا يجب التخلص من الجذور واستبعادها من عملية التغذية؛ لأن العناصر الثقيلة والسامة تتركز بها.
وباتباع تلك الضوابط يمكن استخدام ورد النيل كعلف آمن للحيوانات يسد جزءا من الفجوة العلفية، ويوفر على الدول المبالغ الضخمة التي تنفق على مكافحته.