نداء الإيمان | التاريخ(هجرى - ميلادى ) | مواقيت الصلاة واتجاه القبلة | موجز الصحافة | إلى كل المسلمات | قرأت لك
عن الإسلام والإرهاب والضغوط على السعودية

ياسر الزعاترة
حين تحتضن الرياض مؤتمراً دولياً لمكافحة الإرهاب، فإنها تسعى بذلك إلى تبرئة نفسها من تهم إنتاجه وربما تمويله التي انهالت عليها وما زالت تطاردها منذ أن ثبتت مشاركة خمسة عشر سعودياً في هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، لكن الجانب الآخر الذي لا يمكن إنكاره أيضاً هو أن هذا الاحتضان يعبر بدوره عن ارتباط مقولة الإرهاب في طبعتها الحديثة بالإسلام كدين، ولن يقتنع أحد بأن الإرهاب المعني يشمل أيضاً منظمة بادرماينهوف الألمانية أو إيتا الإسبانية، فضلاً عن ثوار التاميل أو متمردي الباسك، فكل هؤلاء لم يدخلوا في الرواية، إما لأنهم من تراث الماضي، أو لأنهم يمثلون نزاعات محلية لا تمس مصالح الآخرين.
مصيبة "الإرهاب الإسلامي" هي أنه يضرب في الرأس، أي الولايات المتحدة، وحين يتألم الرأس فإن على العالم كله أن يردد صرخات الوجع وما يتبعها من تأمين المسكنات الضرورية للتخفيف منه أو إسكاته ومن ثم الحيلولة دون عودته من جديد!!
حين ظل "الإرهاب الإسلامي" حبيس الجزائر لم يلتفت إليه الأمريكان، بل ولا حتى الأوروبيون باستثناء فرنسا التي طالها بعض رذاذه، اللهم إلا ذلك الاهتمام الذي يدخل في باب الفضول المعرفي، وهو ما ينطبق تماماً على الحالة المصرية لولا الخوف من اتساع دائرة العنف وتأثيرها على مصالح الدولة العبرية. وحين كان "الإرهابيون" يضربون في الاتحاد السوفييتي كانوا رسل حرية وسلام يستحقون أجمل التحيات من سادة الولايات المتحدة.
نعود إلى مؤتمر الرياض الذي لا يعني من الناحية السياسية سوى أن المملكة العربية السعودية تريد الخروج من دائرة المتهم إلى دائرة المبتلى الذي يسعى بكل ما أوتي من قوة إلى التخلص من المرض، وهو بذلك يحتاج المساعدة وليس الضغوط والملاحقة.
لكن ذلك لن يكون كافياً، والمسؤولون السعوديون يدركون تماماً أن مؤتمرهم كان لوناً من العلاقات العامة المهمة في كل الأحوال، لكن المطلوب هو شيء آخر، ولو وافقت الرياض صباح الغد على استقبال مسؤول إسرائيلي كبير لما كان من الصحف الأمريكية التي تخصصت في هجائها وتأكيد وقوفها خلف الإرهاب سوى الإشادة بقيادتها الرشيدة ومنهجها المنفتح، وهو ما ينطبق على مزيد من مساعدة الاحتلال الأمريكي في العراق على الخروج من مأزقه.
يتحدثون عن دعم السعودية للوهابية التي تنتج الإرهاب، لكنهم يتناسون أن الوهابية موجودة منذ زمن بعيد، فلماذا لم تنتج "الارهاب" من قبل، فيما يتناسون أيضاً أن ثمة تياراً من ذات اللون "الوهابي"، لكنه على النقيض من حيث الوجهة، إذ لا شغل له سوى التشكيك بالجهاد في العراق وفلسطين والمطالبة بترك مسائل السياسة لولي الأمر، حتى لو نصّبه المحتلون الأمريكان، فضلاً عن مهاجمة كل القوى والتيارات الإسلامية المشتغلة بالسياسة، حتى لو رفضت كل أشكال العنف الداخلي والخارجي باستثناء المقاومة المشروعة ضد المحتلين كما في فلسطين والعراق.
يتحدثون أيضاً عن مقال هنا أو تصريح هناك تشتم فيه رائحة لا يحبونها، لكنهم يتجاهلون أن وسائل إعلام يمولها سعوديون لا تزال الأشد وطأة على تيارات المقاومة في فلسطين والعراق، فضلاً عن مطاردتها لظاهرة الإسلام السياسي في كل مكان وزمان.
لا شك أن للسعودية مشكلتها القائمة مع ظاهرة العنف، لكن ما تابعناه إلى الآن لا يشير بحال من الأحوال إلى أنا إزاء خروج على الدولة بالمعنى المعروف للكلمة، وإذا ما استثنينا أعمالاً شاذة استهدفت مصالح رسمية، فإن مجمل ما جرى كان استهدافاً لمصالح أجنبية اعتقاداً من منفذيه بأنه نوع من الجهاد ضد الولايات المتحدة يدعو إليه أسامة بن لادن. وفي كل الأحوال فإننا أمام ظاهرة محدودة هي في طور التراجع والانتهاء، ليس بسبب الفعل الأمني على أهميته، وإنما بفضل العلماء العقلاء الذين يعرفون كيف يعالجون الموقف، وليس أولئك الذين يساوون بين قتل الأجنبي المستأمن في شوارع الرياض وقتل المحتلين في بغداد والموصل، بل وقطاع غزة في بعض الأحيان.
مشكلة السعودية الحقيقية هي مع الضغوط الأمريكية التي تريد منها تغيير منظومتها السياسية والدينية بدعوى إنتاجها للكراهية والإرهاب، وقبل ذلك وبعده، تلك الضغوط التي تريد منها لوناً سياسياً متماهياً مع المصالح الأمريكية والرؤى الصهيونية للمنطقة، ومن هنا لا خيار أمام القيادة السعودية سوى الرفض لأن التراجع لن يكون حلاً مع غطرسة أمريكية لا حدود لجشعها، ولا أمل في اعترافها بأن سياساتها هي التي تقف خلف ظاهرة "الإرهاب" وليس الأفكار أو المناهج الإسلامية، مع أن لفكر الإقصاء واحتكار الحقيقة الدينية دور في ذلك، حتى لو لم يصنع سوى العنف الفكري، فكيف به حين يرعى العنف الأعمى الذي لا يفقه لغة الموازنة بين المصالح والمفاسد؟
لولا الهجمة الأمريكية على الأمة لكان فكر العنف في طور الانتهاء في إطاره الداخلي، ففي مصر خرجت المراجعات الشهيرة لتضع حداً لمسلسل طويل من الدم، وفي الجزائر وصل مشروع العنف الأعمى إلى طريقه المسدود بعد أن عزل على الصعيد الشعبي، فيما كانت القوى الإسلامية في معظم أنحاء العالم العربي والإسلامي قد وصلت إلى قناعة أكيدة بلا جدوى العنف في التغيير، ونقول لا جدوى وليس عدم جواز، اللهم إلا حين يؤخذ الجواز من عدمه من زاوية غلبة المفاسد على المصالح. وهي مسألة مهمة يدركها العقلاء ممن يعالجون أسباب العنف برؤية كلية وليس بالاقتصار على حديث الأفكار والفتاوى، تلك التي لا يمكن اتفاقها على رؤية واحدة في قضايا من هذا النوع.
لا شك أن للعنف الداخلي أسبابه ممثلة في الفساد والقمع واستهداف الدين ومظاهره، لكن الإرهاب الذي يعنيه الأمريكان إنما نتج عن استهدافهم هم للأمة وهويتها ومصالحها، وإلا فهل كانوا يظنون أن أمة مدججة بالكرامة لم تعرف الاستسلام للذل في يوم من الأيام يمكن أن تسكت على احتلال إحدى أهم حواضرها، فضلاً عن الانحياز المطلق لعدوها الذي احتل قدسها ودنس أقصاها؟!

جريدة الشرق القطرية    28/02/2005