نداء الإيمان | التاريخ(هجرى - ميلادى ) | مواقيت الصلاة واتجاه القبلة | موجز الصحافة | إلى كل المسلمات | قرأت لك
المرأة والأسرة في التشريع الإسلامي

بقلم:
أ.د. إبراهيم سلقيني
لقد جاء الإسلام ومعه سعادة البشر ورحمتهم ووقايتهم، وتنظيم مجتمعاتهم، فشرع لهم من الدين: النظم والقوانين، ولقنهم من الآداب والأخلاق ما يكفل للإنسان بقاءً سعيداً، وحياة مطمئنة. لم يصادم الإسلام غريزة، ولم يقاوم طبيعة، لكنه هذب الغرائز، وقوّم الطبائع، ليؤلف بذلك جماعات تسودها الفضيلة ويحوطها القصد والاعتدال.
ولقد اعتبر الإسلام الأسرة هي الخلية الأولى في صرح المجتمع، إذا صلحت صلحت الأمة كلها، وإذا فسدت فسدت الأُمة كلها، ولهذه الخطورة نعلم لماذا حبا الإسلام هذه الخلية الحية في جسم الأمة من حماية ورعاية وإحكام، فلقد عالج الإسلام شؤون الأُسرة تفصيلياً، ونزلت في ذلك سورة قرآنية "سورة النساء"، وغيرها من الآيات الكريمة المبثوثة في سور أخرى، تبعتها أحاديث نبوية كريمة فصلت ما أجمل، فعولجت بذلك أحكام الأسرة أدق معالجة وأحسنها.

والأسرة نواة المجتمع، وتقدر سعادة المجتمع بالسعادة التي ترفرف على الأسرة. والاستقرار المنزلي دليل على استقرار المجتمع ورقيه، وكلمة الأسرة في نظام الإسلام أوسع مدى من الأسرة في القوانين الأخرى، فإن الأسرة في الإسلام تشمل الزوجين والأولاد الذين هم ثمرة الزواج وفروعهم، كما تشمل الأصول من الآباء والأمهات فيدخل في هذا الأجداد والجدات، وتشمل أيضاً فروع الأبوين: وهم الإخوة والأخوات وأولادهم، وتشمل أيضاً فروع الأجداد والجدات من الأعمام والعمات وفروعهم... وهكذا كلمة الأسرة تشمل الزوجين وتشمل الأقارب جميعاً سواء منهم الأدنون وغير الأدنين، وهي حيثما سارت أوجدت حقوقاً وأثبتت واجبات، وتتفاوت مراتب هذه الحقوق بمقدار قربها من الشخص وبعدها عنه.
وليست الأسرة في الإسلام مجرد ارتباط صوري بين الرجل والمرأة لإشباع الغرائز، بل هي المحل الأول الذي تعد فيه موازين المجتمع، فهي دعامة لكل ما يتصف به المجتمع من استقامة أو انحراف، وتنظيم أو فوضى، ونستطيع أن نجمل ذلك في الأمور التالية:
أ- الأسرة هي الوسيلة إلى تكاثر المجتمع وبقائه.
ب- المجتمع بناء تؤلفه مجموعة لَبِنات الأسر، فليس معنى رقي المجتمع ونجاحه إلا أن تكون هذه اللَّبِنات قوية متماسكة، وليس معنى فساده إلا أن تتفكك هذه اللبنات، ولا تقوى على الصمود.
ج- الزواج طريق تكوين الأسرة: لقد اعتبر الإسلام أساس العلاقة بين الرجل والمرأة هو الزواج، وكل العلاقات ما عدا الزواج حرام يستوجب أشد العقاب، ولذلك قال تعالى: والذين هم لفروجهم حافظون ( 29 ) إلا على" أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ( 30 ) {المعراج: 29، 30}، والزواج الذي له هذه المرتبة في الشرع الإسلامي: "عقد يفيد حل العشرة بين الرجل والمرأة وتعاونهما مدى الحياة"، ويحد بمقتضى أحكام الشارع ما لكليهما من حقوق وما عليهما من واجبات.
وللعقد شروط وأركان تكفل دوام التفاهم والتعاون، فمن هذه الأركان: أن يتبادل الزوج والزوجة ما يدل على الرضا التام بالعلاقة الزوجية، وهذا ما يسمى بالإيجاب والقبول، وأما الشروط فهي: رضا الولي، والشاهدان، والمهر.
ولقد حث الشرع الرجل على الزواج، حتى لقد اعتبره بعض الفقهاء فرضاً، والأكثرون على أنه سنة، ما دام يعدل مع الزوجة، ويقدر على القيام بحقوقها، إلا إذا كان يخشى على نفسه الوقوع في الزنى، فإنه يكون فرضاً، ولم توجد شريعة حضت على الزواج كما حض عليه الإسلام، ذلك لأن الزواج عماد الأسرة، والأسرة القوية عماد المجتمع.
د- والزوجية في نظر الإسلام لها غايات سامية شريفة فهي:
- لحفظ النوع الإنساني من الفناء.
- إيجاد بيئة اجتماعية مستقرة ينعم فيها الفرد بالسكينة النفسية والمودة القلبية، قال تعالى: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة {الروم: 31}.
ه- للإحصان وتمام التعفف وحفظ النفس عن مواطن الزلل، قال { : "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحفظ للفرج" رواه البخاري ومسلم.
هذا وإن حفظ النوع الإنساني على الوجه الأكمل لا يكون إلا بالزواج، فإن العلاقة بين الرجل والمرأة بغير الزواج لا تنتج نسلاً، وإذا أنتجت نسلاً لا تنتجه قوياً صالحاً للإلف الاجتماعي الذي يجعل من الأسرة لبنة في بناء المجتمع. وإن التجربة العلمية أثبتت أن الولد الذي يعيش بين أبويه يكون أقوى جسماً وعاطفة من الأطفال الذين ينشؤون في الملاجئ، وقد جرت تلك التجارب العلمية ووضعت الموازنات، إذ وجد أطفال بلا مأوى فآوتهم الملاجئ، وقد كتبت كاتبة أوروبية رسالة في نتيجة هذه الدراسة، وقد قررت أن طفل الملجأ في السنة الأولى من حياته ينمو نمواً حسناً، ربما كان خيراً من نمو من يكون بين أبويه في السنة الأولى، بسبب الرعاية الصحية والغذائية المتوافرة في الملاجئ، وعدم توافرها في بعض الأسر، وإذا تجاوز الطفل العام الأول نجد الطفل الذي يكون بين أبويه يفوق ابن الملجأ نمواً. وتقول الكاتبة: "كلما وازنّا بين أطفال الملاجئ الذين تجاوزوا العام الأول وبين أطفال المنازل في مثل سنهم، كانت النتيجة ليست في صالح الأولين". سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى" يتبين لهم أنه الحق {فصلت: 53}.
ولأن المرأة تشكل دعامة أساسية في بناء الأسرة فقد عني الإسلام أتم العناية بإعداد المرأة الصالحة لمشاركة الرجل في بناء صرح المجتمع، على أساس من الدين والفضيلة، والخلق القويم، وفي حدود خصائص الجنسين: الرجل والمرأة، فكوّن شخصيتها، ورفع شأنها، ثم ناط بها من شؤون الحياة ما يتلاءم مع طبيعتها، وما تحسنه، حتى إذا نهضت بأعبائها، أصبحت زوجة صالحة، وأمّاً مربية، ودعامة قوية في صرح المجتمع، إذا صلحت صلح المجتمع كله، وإذا فسدت فسد المجتمع كله.
لقد اعتبر الإسلام المرأة كائناً إنسانياً مكرماً، لا فرق في ذلك بينها وبين الرجل: ولقد كرمنا بني آدم "الإسراء: 70"، فحفظ عليها حريتها، وأجاز لها التصرف كما تشاء في أموالها، ضمن الدائرة المشروعة كالرجل، وجعل لها حقاً في الميراث، فقال تبارك وتعالى: للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون، وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون "سورة النساء: 7"، وجعل لها الحق في أن تملك، وتبيع وتشتري، وتهب وتقبل الهبة، وترهن، وتعقد باسمها العقود، دون حاجة إلى الرجل. ولا يوزن الإسلام في ذلك بأي تشريع حديث، فإن المرأة في فرنسا مثلاً إلى الآن تحيا في حالة أشبه بحالة الرق المدني، فلا يجوز للمتزوجة مثلاً بيع ولا شراء، ولا هبة ولا رهن ولا عقد، إلا بإذن زوجها، وفي أكثر النظم المبتدعة تتخلى المرأة عن اسم أسرتها، وتنسب إلى أسرة زوجها، وهذا عنوان لفقدان الشخصية.
ولو أردت أن أعدد ما منحه الإسلام للمرأة، وما خصها به من مزايا لطال بي المجال، وحسبنا أن نعلم أن المرأة قد تحررت في ظل الإسلام إلى درجة لم تبلغها، ولن تصل إليها في ظل أي فلسفة، أو نظام آخر، ويعرف كل مطلع ذلك، ولا ينكره إلا من خُتم على قلبه، فحُجب عن رؤية الحق والاعتراف به.
كما اعتبر الإسلام المجتمع جهازاً تؤلف المرأة نصفه، أو قل: إن الرجل إحدى رئتي المجتمع، والمرأة هي الرئة الأخرى، بكلتيهما يتنفس المجتمع ويحيا، فالرجل والمرأة في خضم هذه الحياة كمؤسسي شركة أو مصنع، وزعت أعماله المتعددة على العاملين فيه، وكل يقوم بنصيبه، ولكل فيما يعمل علم وحكمة وتدبير، فلا ينكر أحد أن دور المرأة في المجتمع هو غير دور الرجل، ولو كانت مهمتها تشبه مهمة الرجل، لكان المجتمع غير صالح للبقاء، سواء أكان مؤلفاً من الرجال وحدهم، أو من النساء وحدهن، فلابد من اجتماعهما معاً، ليحصل للمجتمع كماله، وهكذا فالمرأة نصف وجودنا الذي نزاحم به ونكاثر ونبني، وهي أيضاً التي تصنع النصف الآخر وتلهمه.
والتشريع الإسلامي من وضع رب العالمين، الذي خلق الرجل والمرأة، وهو العليم الخبير بما يُصلح شأنهما من تشريعات. ولم يكن في تشريعه يميز طائفة على حساب أخرى، أو يميز جنساً أو لوناً على حساب جنس أو لون آخر، فالكل عنده سواء لأنهم عبادُه وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون  56  {الذاريات: 56}.
وفي كثير من الآيات يُجمَع بين الرجال والنساء، فيقول سبحانه: إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما  35  {الأحزاب: 35}.
ويقول عز من قائل: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا  36  {الأحزاب: 36} .
ويقول جل شأنه: من عمل صالحا من ذكر أو أنثى" وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون  97  {سورة النحل: 97}.
ويقول سبحانه: يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى" أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى" أن يكن خيرا منهن {الحجرات : 11} .
ويقول سبحانه: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى" لهم إن الله خبير بما يصنعون  30  وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن {النور : 30، 31}.
هذه الآيات الكريمة تخاطب الرجال والنساء على السواء، وتسوي بينهم في توجيه التكليف إليهم، وتَعِدُ هؤلاء وهؤلاء بالثواب على الامتثال، وعمل الخير، ومن يستعرض أحكام المرأة يجد أن الله تعالى أكرمها وأنقذها من ظلم الجاهلية وكفل لها الحياة الكريمة
@ أستاذ الفقه وأصوله في كلية الدراسات الإسلامية والعربية في دبي - عميد كلية الشريعة بجامعة دمشق، سابقاً.

مجلة أبعاد    30/03/2005