بقلم : سكينة فؤاد تبدو الكتابة في هذه اللحظات المصيرية مهمة بالغة الصعوبة, فالنفس تعاف ما يجب أن يكتب ويوصف به ما حدث الأربعاء الماضي بالشارع المصري.. انتهاكات وممارسات لم يستطعها المحتلون والغزاة... بأي ديمقراطية نتشدق اذا كان من يختلف يضرب ويسحل ويغتصب؟! الأقوياء والواثقون والمحترمون يحتمون بمحبة الشعوب وتأييدها.. وبالعصي والسفلة يحتمي الخائفون.. لحظات أليمة في تاريخنا, فالمخططات الخارجية تستكمل أجندتها والإصرار يستحكم لإطفاء بصيص نور لإصلاح يأتي من الداخل.. استخدام التخويف والترهيب لمواصلة فرض الارادة الواحدة أصبح مستحيلا.. إنه إهدار لكرامة مصر وكرامة تاريخ طويل من النضال السياسي والوطني, وشهادة موثقة بدماء المصريين بنفاد زمن الصلاحية لجميع أصحاب المحاولة. * في بيانه أمام مجلس الشوري, أعلن رئيس الوزراء عجز الحكومة والقطاع الخاص, بمفرده, عن تعيين الخريجين, وبدا غائبا المفتاح السحري الذي يقدمه تعظيم برامج حقيقية للتنمية في إطار مشروعات قومية ومنتجة ودائمة تحقق استثمارا جادا لرأس المال, الذي تمثله الثروات الطبيعية التي نمتلك ولرأس المال البشري الباحث عن فرص للعمل.. المدهش أن خطط ومناهج المشروعات التي تحقق هذه الاستثمارات متوافرة لدي العديد من علمائنا, وفوق هذه السطور نشرت نماذج منها, وبعضها جمع ونشر في كتب مثل كتاب تحديث الزراعة.. انقاذ المستقبل تأليف أستاذ الهندسة الزراعية بجامعة الزقازيق د. زكريا الحداد.. والعديد من الانجازات والابداعات العلمية تفيض بها جامعاتنا ومراكز أبحاثنا, منها مركز البحوث الزراعية ولكنها مشروعات تحتاج الي التطبيق والنشر علي أوسع نطاق, ولكن لأنه في مواقع كثيرة تتولي قيادات تجهل قيمة هذا العلم, فقد عجزنا علي أن ندير به مشروعات قومية لانقاذ شبابنا وأعلنا عليهم العجز وأهدر هذا العلم وضيعت أموال المنح في النهب المنظم, أو عاد بعضها لمانحيها لعدم استخدامها وضيعت أغلب أموال الصناديق في مرتبات أبناء المحاسيب, أو في التقرب لآبائهم, أو في مشروعات وهمية وهامشية بدلا من أن تستثمر في نشر بنية أساسية تسهل عمران صحارينا واستيطان الشباب لها, وتنهي حصار المصريين داخل ربما ما لا يتجاوز بكثير5% من مساحة أراضيهم.. ونرجو أن تدلنا قياسات علمية دقيقة عما تبقي, وهل حدثت اضافات حقيقية بعد إهدار وتجريف والبناء فوق أخصب أراضينا, التي كان يجب أن تكون أيضا عصبا لعمليات التنمية.. لا أتحدث عن الزراعة بالتحديد ولكن عن مأساة شباب ورأسمال بشري وطبيعي, وعلماء وعلم وطني يقدمون آفاقا بلا حدود لعمليات تنمية حقيقية تنقل شبابنا من قهر وظلم وإظلام البطالة الي خطوط العمل والانتاج وتوفر لهم احزمة الأمان, التي يتطلع إليها كل شاب في وطنه, وفي مجال الزراعة وحده قدمت العديد من هذه المشروعات والمناهج, موضحة أدق تفاصيل وأرقام الخطط وبما يتيح توفير مئات الآلاف من فرص العمل الجاد والدائم, علاوة علي مضاعفة دخول المزارعين وزيادة ومضاعفة الانتاجية في جميع محاصيلنا الاستراتيجية, وتوفير مليارات من الأمتار المكعبة من المياه التي تتيح استصلاح ملايين الأفدنة الجديدة دون أعباء مائية...لقد ضربت مثال بمجال واحد فقط, بينما مثله لاشك يتوافر في جميع المجالات, ثم نعلن الفقر والعجز عن تشغيل الشباب أو نتركهم لأعمال طفيلية أو هامشية مثل بيع زجاجات المياه الغازية وتوصيل كروت الاتصال أو المعاشات للمنازل, أو في عمالة مؤقتة مثل تعبيد الطرق والتي كانت تقوم بها عمالة غير مؤهلة واستبدلتها الدول المتقدمة بأحدث التقنيات. * يا د. نظيف أدعوك الي توجيه نداء الي علماء مصر في جميع جامعاتنا ومراكز أبحاثها, من يملكون خططا ومناهج تحقق استثمارات جادة وعلمية لرأسمالنا الشبابي وثرواتنا الطبيعية, علي أن يحملوا ممسئوليات التطبيق واستكمال الانجاز حتي لاتزرع في طرقهم المشاكل والعقبات والاتهامات فبقدر الجهل والتسلط والفردية المتفشيه يحارب العلم واصحابه الحقيقيين والذين يستطيعون ان يضيفو ا محورا من أهم محاور تشغيل الشباب وازدهار الدخل القومي وتأمين المستقبل.. ان لدي مصر قاعدة محترمة من العلم والعلماء الوطنيين, يخنقهم ويحاصر ابداعاتهم وانجازاتهم العلمية وفرص الانقاذ التي تحققها هذه الابداعات سوء اختيار التنفيذيين الذين لا يحسنون ادارت وادراك قيمة هذا العلم ويستسلمون لحفنة من المستوظفين الذين عليهم العديد من علامات الاستفهام, أو لحفنة ممن يستخدمون علمهم وخبراتهم أسوأ استخدام؟! ولتبلور واحدة من اخطر اشكالياتنا في حجم الغني الذي نمتلك من ثرواتنا الطبيعية والبشرية, وفي علمائنا وفي عجز وجهالة أغلب الادارة التي تكلف بإدارة هذه الثروات, والتي يبدو انه يتم اختيارها بقاعدة ان الاسوء هو الافضل. فإذا كان هناك بحث جاد عن حلول لما يقع تحته المصريون الآن من أزمات سياسية ومادية واقتصادية واجتماعية.. فيجب اطلاق سراح هذا العلم ودعوته لمهمة وطنية للانقاذ العاجل, وتحريره من ادارات الجهل والعجز التي تحيا وتزدهر علي ادارة المشكلات دون اتخاذ الخطوات الجادة لوضع حل لها.. وربما تخشي أن تموت بكشف حجم عجزها من خلال اثبات ما نمتلك من قدرات وامكانات وفكر وبشر ومشروعات قادرة علي تحقيق الانقاذ. * يبقي سؤال لأدعياء الحكمة والبحث عن الحلول في مشروعات وهمية لا تقوم عليها أي مصداقية, ما هو المنتظر من شاب تكدح أسرته ليتعلم, ويعاني هو الأمرين لينهي دراسات ثقيلة وعقيمة ويحصل علي شهادة تثبت التجربة العملية أنها لم تؤهله لشيء علي الاطلاق, ثم يبحث عن ثقب ابرة ينفذ منه الي كسب لقمة عيش في أي مجال, ثم يعلن أنه لا فرص عمل في الحكومة ولا في القطاع الخاص, وليس لدي بابا أو ماما ولامال ولا جاه يورث أو يشفع... أين يذهب..الي المريخ.. أو الي باطن الأرض يحتمي بها.. أو الي طريق ثالث؟! * هل كان الصحابي الجليل أبوذر الغفاري إرهابيا عندما قال: عجبت لمن لم يجد قوت يومه... ولم يخرج شاهرا سيفه علي الناس؟!! * إذا كان المشهد الوطني يبدو كأننا ازاء قيامة من قيامات وبعث الأمم, فلنجعل العودة الي الأرض لزراعة فسيلة, أو لزراعة حبات القمح المقدسة والحامية والمباركة.. وإعلان جماعة القمح مشروعنا الذي اجتمعت الارادة الشعبية حوله, والذي عطلته فنون السفسطة وإهدار واتهام وايقاف مشروعات الانقاذ.. فلنجعل الجمعية والجماعة والقمح وتحقيق الاعتماد علي الذات واحدا من مشروعات لملمة الجرح واللحمة الوطنية والاعداد للمستقبل واستقرارا واستقلال يليق بالمصريين.