نداء الإيمان | التاريخ(هجرى - ميلادى ) | مواقيت الصلاة واتجاه القبلة | موجز الصحافة | إلى كل المسلمات | قرأت لك
الإرهاب إذ يأكل ابناءه
سلامة نعمات      الحياة     - 09/07/05//
أم المهازل العربية هي ان الذين يطالبون اميركا، ليلاً ونهارا، بالتدخل لتسوية النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي، هم أنفسهم الذين يطالبونها بالانسحاب من العراق، وكأنهم قادرون على حل المشكلة العراقية، بعدما فشلوا في حل المشكلة الفلسطينية! بل كأن المفترض ان تعمل أميركا أجيرة في خدمة مصالحهم، بغض النظر عن مصالحها. الاشقاء العرب، الذين لا يملكون مساعدة حكومة فلسطينية منتخبة على ضبط تنظيمات وعصابات متمردة على شرعية السلطة، يريدون من اميركا ان تنسحب من العراق، والا تقلق من استقواء عصابات الاجرام على المؤسسات والقيادات العراقية الشرعية المنتخبة.
كان من الممكن ان يتفهم المرء هذا الجموح العربي، والنزعة العارمة، لإنهاء الوجود الاميركي في العراق، لو انه كان معروفا لدينا كيف سيملأ الاشقاء العرب الفراغ الامني الذي سينشأ عن ذلك. فهل سيبعثون بقوات عربية - اسلامية للحلول محل القوات الاميركية والحليفة بعد مغادرتها كما فعلوا عندما باركوا الدخول السوري الى لبنان في العام 1976، بحجة ضبط الاوضاع؟ ام ان المقصود هو ان يسلم الاميركيون والعراقيون زمام السيطرة في العراق للقتلة والمجرمين من ما هب ودب؟ طبعا ليس هناك عراقيون كثر سيقبلون بدخول قوات عربية او اسلامية الى أراضيهم. فالتواطؤ العربي مع نظام صدام معروف، والتواطؤ ضد الديموقراطية معروف اكثر، ومن الصعب على العراقيين ان يقتنعوا بأن أي تدخل عربي سيكون في مصلحتهم. ولعله يكفيهم التدخل السوري في لبنان مثالا على ما يمكن ان يسفر عنه تدخل الاشقاء!
الحال هي انه، على رغم اخطاء الاميركيين وخطاياهم، ليس في العراق انتفاضة شعبية عارمة ضد الاميركيين، شبيهة بتلك التي شهدناها في ساحة الشهداء في بيروت في 14 آذار (مارس) الماضي ضد الوجود السوري. هناك غالبية عراقية ساحقة شاركت في الانتخابات التي عمل الاميركيون على ضمان أمنها، فيما تقتصر «المقاومة» للديموقراطية على مجموعات ارهابية من بقايا النظام المخلوع وعملائه من «الاشقاء» العرب الاكثر حماسة لتحرير العراق من العراقيين منهم لتحرير فلسطين من الاسرائيليين. إذ كيف يمكن تفسير ضبط الحدود العربية مع اسرائيل ضد تسلل «الاشقاء» الانتحاريين، فيما لا يمكن ضبط الحدود مع العراق على رغم الجهود التي تبذلها الدولة الاعظم في العالم؟ اين هم الانتحاريون «الاشقاء» من الاحتلال الاسرائيلي؟
اللعبة باتت مكشوفة، ولعلها مسألة وقت قبل ان يدفع اصحاب هذه اللعبة الخطرة ثمناً باهظاً، فالعراقيون، المضطرون اليوم لضبط أدائهم بسبب الوجود الاميركي والاجنبي، قد يجدون انفسهم في حل من التزامهم هذا في حال انسحاب القوات الحليفة من العراق. فإلى جانب فقدان الجماعات الارهابية الغطاء السياسي الذي يقدمه الوجود الاميركي، فإن الانسحاب الاميركي سيعني ان العراق سيلعب وفق اللعبة الشرق اوسطية الاصيلة، والتي لا علاقة لها بإحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. معروف ان «المجاهدين» الافغان العرب، بعد انسحاب الجيش السوفياتي، عادوا الى بلادهم ليمارسوا هواياتهم المفضلة التي تعلموها في معسكرات التدريب في افغانستان، فشهدنا وما زلنا نشهد التفجيرات الارهابية في العالم العربي من مشرقه الى مغربه، بحجة محاربة العدو الداخلي بعد العدو الخارجي. يخطئ من يعتقد ان ثمة ارهاباً محبباً وآخر منبوذاً، فالأرهاب ملة واحدة... وسيعود ليأكل ابناءه.

جريدة الحياة    09/07/2005