نداء الإيمان | التاريخ(هجرى - ميلادى ) | مواقيت الصلاة واتجاه القبلة | موجز الصحافة | إلى كل المسلمات | قرأت لك
أين حضارتنا؟‏!‏
أين حضارتنا؟‏!‏
بقلم : محمد التهامي
تتوارث الشعوب مع خطوات الزمن وتوالي الأجيال ما توافر لديها من أسباب الحضارة ومقومات الحياة‏,‏ والطبيعي والمنطقي أن تضيف الأجيال اللاحقة إلي الموروث عن الأجيال السابقة ما تستطيعه من تنمية محلية أو استغذاء من الخارج يتيحه أي ظرف من الظروف‏.‏ وعلي هذا المنوال تسير الحياة الطبيعية في كل زمان ومكان اللهم إلا إذا اعترض طريقها ما يحيد به فتهتز الصلة بين السابق واللاحق وينتابها ما يؤثر فيها وقد يصل بها إلي الانقطاع والتغيير جزئيا أو كليا‏.‏
والبديهي أن تعمل الأجيال اللاحقة علي تجاوز هذا الانقطاع وعلي عقد الصلة مع التراث الحضاري الذي يجري في دم الشعب حتي يستقيم عود الحضارة ويستوي علي ساقه خاصة ان هذا التراث الشعبي المصري الماضي يحمل حضارة شامخة تركت بصماتها وآثارها وملامحها في العلوم والفنون المتفوقة والريادية في مجال الحضارة العالمية في وقتها وبعد وقتها حتي الآن‏.‏
واذا عدنا بعد هذا الايضاح إلي حضارتنا المصرية القديمة وبحثنا عن شواهدها الأن خاصة تلك الشواهد التي يمكن نقلها كالمسلات واوراق البردي فسنجدها في أغلبها مرصوصة ومعروضه في ميادين ومتاحف العالم كله وفي أقسام المصريات في كل جامعات الدول الأجنبية في أوروبا وأمريكا وان الذي نعلمه عنها في أغلبه مترجم إلينا عن اللغات الأجنبية‏,‏ وعن باحثين يعلمون أو لا يعلمون شيئا عن كنه هذه الحضارة الغاليه ومابقي من اوراق البردي عندنا ـ علي سوء الحفظ ـ لايعلم عنه شيئا إلا القلة القليلة جدا من علمائنا الذين يعدون علي أصابع اليد الواحدة‏.‏ وكانت النتيجة ان العلم الذي توافر لدينا عن هذه الحضارة كله خطأ في خطأ والدليل علي ذلك ان الذي يقر في أذهاننا الأن أن هذه الحضارة كانت تقوم علي قوة الحاكمين وبطشهم واستبدادهم وظلمهم للشعب وليس أدل علي خطأ هذا وكذبه من أنه لو كان الأمر كذلك لما استطاعت هذه الحضارة
ان تنجب علماء في الهندسة والتشييد والطب والتخنيط والفلك يفعلون الأعاجيب الماثلة في مختلف الآثار والتي يحار فيها كبار العلماء المحدثين المتخصصين في أكبر دول العالم كأمريكا واليابان ولما استطاع الفنانون الفراعنه العباقرة نحت ورسم التماثيل الجميلة التي تدهش المشاهدين من كل مكان‏.‏
لقد صدقنا هذا الكذبة حتي بلغ الأمر بأمير الشعراء أحمد شوقي أن حاول الاعتذار عن هذا الظلم المتوهم فيقول‏:‏ إلا أنه يبيض وجه الظلم منه ويشرق‏.‏
وكان أولي بأميرالشعراء ان يستمع إلي قول الشاعر الحديث الذي أدرك الحقيقة فقال‏:‏ـ
هذي الحضارة ما نمت أغراسها أبدا ولا طابت لها أثمار
إلا لدي شعب عماد حياته العدل والشوري والاستقرار
والعلم‏,‏ إن العلم منذ وجوده كانت له في‏(‏ عين شمس‏)‏ الدار
وأما الخطأ القاتل الآخر للشخصية المصرية فهو المتمثل في أن البعض يظن ان التشبث بالعلم وبالحضارة الفرعونية يتعارض مع التشبث بالقومية العربية‏,‏ مع ان القومية المصرية قوامها العنصران الفرعونية والعربية وان العنصرين يتعانقان ويمتزجان في طبيعية وفطرية وحميمية يكفل لهما ولغيرهما من العناصر الايجابية التلاقي والتفاعل في صياغة الشخصية المصرية التي قيض الله لها من العناصر الايجابية مايجعلها لو أحسنت الاستثمار الإيجابي لكل هذه العناصرـ في موقع تحسدها عليه غيرها من الدول‏.‏ ورحم الله استاذنا الدكتور طه حسين الذي قال في كتابه مستقبل الثقافة في مصرلأولئك المصريين الذين يجهلون أو يتجاهلون اللغة العربية‏:‏ ان اللغة العربية هي لغة مصرية وعربية في نفس الوقت‏.‏

جريدة الأهرام    13/05/2005