نداء الإيمان | التاريخ(هجرى - ميلادى ) | مواقيت الصلاة واتجاه القبلة | موجز الصحافة | إلى كل المسلمات | قرأت لك
لماذا غاب الأدب العربي عن الساحة العالمية?
كتب :عبد الفتاح مغاوري
أعلن تقرير رسمي صادر عن اليونسكو مؤخرًا أن حجم الأعمال الأدبية والفكرية المترجمة من اللغة العربية إلي اللغات الأجنبية لا يتجاوز واحدًا من عشرة بالمائة من الأعمال المترجمة عالميًا! فما السبب في ذلك? هل السبب قلة الإمكانات المادية كما يروج المسئولون, علي الرغم من أن أقل إنفاق علي الحفلات الخارجية أو الداخلية أو المؤتمرات المظهرية يكفي لترجمة مئات الأعمال الجادة التي تقدم فكرنا للآخر? ثم ما الأعمال القليلة التي يمكن ترجمتها, وما معايير اختيارها? وعلي من تقع مسئولية ترجمة الأعمال الجادة إذا تنصل منها المسئولون?! وأخيرًا: من الذي يسهم في تصحيح صورتنا لدي الغرب?
«ثقافة وفكر» تناقش -في التحقيق التالي- القضية مع المتخصصين للوقوف علي الأسباب والحلول.
في البداية يؤكد المترجم الدكتور محمد عناني -أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة- صحة التقرير, ويرجع السبب الأول لهذا الوضع المؤسف أن الأمة, العربية لا تهتم بالثقافة, باعتبارها عنصرًا حيويًا من عناصر حياة الأمة وهذه ليست تهمة ألقيها جزافًا بل أوجه الاتهام المباشر -والكلام للدكتور عناني- إلي الإدارة الثقافية في جامعة الدول العربية» فماذا تم تحقيقه من الاهتمام بتوصيل الصوت العربي إلي العالم بجميع اللغات?! وهم يتذرعون بحجة دائمة هي ضعف الإمكانات.. وهذا الكلام غير صحيح» فالإمكانات.. موجودة, فلدينا المترجمون ودور النشر والمال ولا يزعمن أحد أن طبع الكتاب بلغة أجنبية أغلي من الطباعة بالعربية, كما أن أجر المترجم لا يتجاوز إنفاقات حفل عشاء رسمي تقيمه أي جهة رسمية! ويتابع: من الغريب أنه قبل ثورة 52 كانت هناك مشاركات لدور نشر أوروبية مع نظيراتها العربية وتمت ترجمة نماذج من الأدب العربي آنذاك فتمت ترجمة إبراهيم عبد القادر المازني, وحياة محمد.. لمحمد حسين هيكل».. ولكن الآن يختلفون في أمور غريبة, مثلاً لو تم عمل ترجمات, فما الكتب التي تترجم? هل المصرية أو السورية أو اليمنية وهكذا? علي الرغم من أن الأمر لا يحتاج إلي هذه الفئوية, بل لابد من وجود أي اختيارات للتواجد وبعد ذلك نبدأ في التدقيق ونضع معايير واضحة للاختيار.
اتهام مباشر
ويضيف الدكتور محمد عناني: إنني أوجه الاتهام المباشر إلي القائمين علي المجلس الأعلي للثقافة في مصر» إذ نري احتكار الدكتور جابر عصفور للاختيار في الترجمة من الآداب الأجنبية إلي العربية, فلماذا لا يكون المشروع القومي للترجمة ذا اتجاهين للترجمة: من العربية وإليها? وعن تجربته الشخصية يقول: لقد قمت بترجمة بعض الكتب لأدباء مصريين ونشرتها في الولايات المتحدة الأمريكية بمجهودي الفردي, ومع ذلك تلقي القارئ الأمريكي هذا بقبول.. وفي أثناء إشرافي علي لجنة الترجمة بالهيئة العامة للكتاب ترجمت 75 عنوانًا أدبيًا, وقد اخترت الأعلام ولكن المشكلة أن كل شخص يري في نفسه علمًا.. فبدأوا يهاجمونني, فللأسف في مصر بدلاً من أن نشد علي يد المجتهد نهاجمه» ولهذا تظل الجامعة العربية هي الأمل لهذا الأمر» لأنها تمثل جميع الدول.
ثلاثة أسباب
من جانبه, يري الدكتور حامد أبو أحمد -عميد كلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر- أن تراجع الترجمة من العربية له أسباب حضارية وسياسية واقتصادية, فالأسباب الحضارية تتمثل في شعور الآخر بالحاجة إلي هذه الترجمة, وأنه يستفيد بها, فيوم أن يشعر الغرب بأنه في حاجة إلينا سيسعي إلي ترجمة أعمالنا الفكرية والأدبية, وعندما نسهم إسهامات فعالة في الرصيد الحضاري المعاصر وننتقل إلي قاعدة علمية عربية يختلف الأمر, أما الأسباب السياسية فهي المتغيرات الموجودة دائمًا التي تعزز أشياء أقل أهمية من الثقافة, بالإضافة إلي المشكلات الاقتصادية التي تحول دون ترجمة أعمالنا .
مؤسسة متخصصة
ويوضح طلعت الشايب -المترجم بالمجلس الأعلي للثقافة- أن عدم وجود مؤسسة تقوم بهذا العمل هو أهم الأسباب, بالإضافة إلي عدم وجود عدد كافي من المترجمين الذين يحسنون الترجمة من العربية إلي اللغات الأخري, علي عكس الترجمة إلي العربية, كما أن من المشكلات أنه ليست هناك خريطة واضحة للجمهور المستهدف بالترجمة من العربية إلي اللغات الأخري, فماذا نترجم للآخرين إذا كنا نعتمد عليهم في معظم نتاج العقل البشري في العلم والتكنولوجيا والمعلوماتية.. إلي آخر علوم العصر?!
ويتفق الدكتور وجدي زيد -مدير مركز اللغات الأجنبية بجامعة القاهرة- مع الرأي السابق, في عدم وجود مترجمين علي مستوي عالي في اللغة المترجم إليها, خاصة في الكتب الأدبية» لأنه غالبًا ما يكون لها أكثر من دلالة.. فهي تحتاج إلي مترجم متمكن من اللغة تمامًا أقرب إلي صاحب اللغة الأصلية.
أزمة الاختيار
ويضيف الدكتور وجدي: إذا تم تجاوز أزمة القدرة علي الترجمة تأتي أزمة الاختيار» لأنه لا توجد معايير ثابتة بل تحكمها المصالح والشللية, ومما يدل علي ذلك أنه في عام 1998 أردنا ترجمة مادة في المسرح العربي لتدريسها في أمريكا, وبالتالي حدثت مهازل في المجلس الأعلي للثقافة, فمن يري اختيار مسرحيات نعمان عاشور ومن يري ألفريد فرج.. وغيرهما, وهناك مشكلة أخري, وهي: انخفاض العائد المادي من الترجمة» فالمترجم لابد له من مقومات تحفزه علي الترجمة. فوجود الإنسان القادر علي الترجمة والإمكانات التي يحتاج إليها يسمحان بالترجمة طالما توافرت الإرادة, وإن استطعنا إحداث نهضة فكرية وعلمية سنجد الآخرين يسعون إلي كتاباتنا وترجمتها.
الأدب العربي القديم
ويقول الدكتور محمد السعيد جمال الدين -عضو لجنة الترجمة بالمجلس الأعلي للثقافة-: إن الأدب العربي القديم كان أكثر تأثيرًا في الآداب الأوروبية» فقد تمت ترجمة «ألف ليلة وليلة» و«كليلة ودمنة» و«المعراج» وتمت ترجمة دواوين أبي العلاء, والمتنبي, وغيرهم, وفي العصر الحديث نجد أن الأعمال التي ترجمت -مثل أعمال توفيق الحكيم ومحمد حسين هيكل- لأنها كانت تعبر عن قيم إنسانية, ولكن الآن الأدب يعبر عن البيئة المحلية, ولكنا لدينا أعمال جديرة بالترجمة مثل كتاب الدكتور جمال حمدان «عبقرية المكان» الذي ترجمته الدكتورة رجاء ياقوت إلي الفرنسية, رغم أنه ربما لا يهم القارئ الفرنسي, والواقع أن الأعمال الإبداعية التي تعبر عن الذات والإنسانية تجد طريقها إلي القبول إذا تُرجمت, أما إذا كانت مسخًا وتعبر عن بيئة أخري أو ترتمي في أحضان النظريات النقدية والفلسفية التي يقول بها الآخرون فلا يهتم بها أحد, أما ما يتعلق بالأعمال الفكرية التي ترتبط بالحوار الحضاري وتقديم فكرنا إلي الآخرين فهذا واجب المترجمين العرب» فلابد من تقديم أفكارنا التي تعتبر في أكثر الأحيان ردودًا حاسمة علي بعض المستشرقين المغرضين عندما تتاح للقارئ المنصف.
حلول كثيرة
وعن أهم الحلول المطروحة, يقول المترجم طلعت الشايب: إنه لابد من الإعداد الجيد لجيل قادر من المترجمين, والاعتراف بوظيفة المحرر, وعدم الاستغناء عنها, وحسن اختيار المادة المترجمة, ولابد أن تكون البيئة المستهدفة واضحة, وأن يكون ذلك في إطار مؤسسي.
ويقترح الدكتور محمد عناني تولي الإدارة الثقافية بالجامعة العربية هذه المهمة, وأن تسهم المؤسسات الثقافية في الدول العربية بالقدر المناسب مثل أن يقوم المجلس الأعلي للثقافة في مصر -ضمن المشروع القومي للترجمة- بالترجمة من العربية أيضًا.
ويوضح الدكتور محمد السعيد جمال الدين أنه لابد من تكوين مؤسسة عربية لها مجلس استشاري, علي أن يتم الإنفاق من خلاله علي سلسلة من الأعمال تتم ترجمتها وتكون لها أهداف محددة تعبر عن هويتنا, وأن يتم إعداد المترجمين والتعاون مع المترجمين الأجانب, وأن يكون مشروع الترجمة أصلاً وليس الهدف منه استرضاء القارئ الغربي بقدر ما هو توصيل الأمر الواقع والرؤي الفكرية لهذه الأمة وثوابتها ومتغيراتها.

جريدة آفاق عربية    24/04/2005