بقلم : محمد التهامي والآن بعد القيل والقال الذي ملأ الآذان وضاقت به الفضائيات حول اصلاح أمورنا وادعاء الأخذ بيدنا, وهل هو تلقائي منطلق من ذات تحس بالحاجة إليه وتسعي لإدراكه, أم هو اجباري مفروض كما يفرض الدواء بالعصي, وتفاقمت ههذه القضية الشكلية التي نتصارع حولها, حتي كادت تنسينا الاصلاح نفسه وكيفية الوصول إليه. ووسائل الاصلاح كثيرة الوجوه متعددة الزوايا, وتحتاج الي التمعن لترتيب اولوياتها التي يحتمها الواقع, ومجريات الأمور والتدافع العالمي العام الي الأمام, الذي نحاول أن نتشبث به ليجرنا معه. والمتأمل في حياتنا المعاصرة, وما نعانيه فيها من أعباء وما نواجهه من مطالب ملحة, وما نمتلكه من ووسائل وامكانات وما نستطيعه من تسيير للأمور, يجد أننا نضطر الي التقصير في أمر في غاية الأهمية واللزوم, وهو البحث العلمي الذي يهييء قاطرة التقدم ويكفل لو نجحنا فيه حل الكثير من المشكلات ومواجهة الكثير من المطالب. فقد نشر في الصحف( المصور24 يونيو2005), ان نصيب البحث العلمي عندنا من ايرادات الميزانية هذا العام(0,026%) مع أنه في الدول النامية جميعها تقريبا في حدود(0,3%) ولا يسهم القطاع الخاص عندنا إلا بنسبة ضئيلة جدا, مع ان القطاع الخاص في اليابان مثلا يسهم بـ80% من نفقات البحث العلمي وفي أمريكا62%. والظاهرة الوحيدة الإيجابية عندنا في البحث العلمي, هي أن لدينا عددا كبيرا من الباحثين والباحثات في التخصصات المختلفة, والغريب أن هذه الميزة تنقلب عيبا حيث إن غالبية المبالغ المخصصة للبحث العلمي تنفق في الباب الأول أي المرتبات, أما الأجهزة ووسائل وأدوات البحث فنصيبها لايذكر ومراكز البحث في الجامعات المختلفة وفي المؤسسات المتعددة لا رابط بينها تقريبا, وتسويق الابحاث يشوبه الاضطراب ويحتاج الي تنسيق, ولذلك فالحاجة ماسة جدا الي مشروعات عامة مدروسة قائمة علي استراتيجية شاملة تخطط علي أساسها مشروعات البحث العلمي الكبيرة والصغيرة في مختلف الأماكن, حيث تتلاقي الحاجة اليها مع المقدرة علي انتاجها بشكل متعاون متكامل منسق لا يهدر الطاقة, ولا يعجز عن سد الحاجة ولا يتكرر الانتاج الواحد حيث لا حاجة إليه, ولا يتقاصر, حيث تشتد هذه الحاجة, ولا تمتليء الاسواق وتضيق بالمنتج في ناحية بينما تشتد الحاجة إليه في ناحية أخري, فهذه هي اولويات الحركة الواعية في سبيل التقدم. نقول ذلك ونلح عليه في وقت قادت فيه توجيهات الرئيس مجموعات العمل في ارقي مستويات البحث من وزارة التعليم العالي والدولة للبحث العلمي, الي المجلس الأعلي للبحث العلمي والمجمع الوطني للعلوم والتكنولوجيا, وأكاديمية البحث العلمي والجامعات والمراكز المختلفة, وقد وجب أن تصل هذه الهيئات عالية القدر بأسرع وقت ممكن الي وضع ورقة تنفيذ الاستراتيجية العلمية الشاملة التي أشرنا إليها. ولا يخفي أن المال هو هم الضرورات الملحة في هذا السبيل, والواجب أن نبادر بحملة اعلامية مستنيرة شاملة تعمل علي اشاعة الوعي العام بين الشعب كله بأنه يجب أن نشد علي البطون وان نوفر بكل السبل الأموال اللازمة والكافية لتمويل البحث العلمي الذي سيوفر لنا جميعا أسباب الرفاهية في المستقبل القريب. وعلي سبيل المثال المتواضع, لماذا لا ندرس توجيه بعض حصيلة الزكاة للبحث العلمي الذي سيوفر الزاد والزواد لكل المحتاجين من الفقراء والمساكين, وابناء السبيل, فمن ناحية نحن شعب متدين جدا منذ القدم والآلاف المؤلفة منا ـ دون شعوب الأرض ـ تحج وتعتمر سنويا ونحن نقبل علي الزكاة راضين وخاصة اذا علمنا أنها ستنفق لصالح المسلمين جميعا, وفي مجال مصارف الزكاة حيز واسع للحركة الواعية بدأها سيدنا عمر بن الخطاب منذ زمن طويل, حين ألغي سهم المؤلفة قلوبهم لما تطور المجتمع الاسلامي وتخلص منهم, ولدينا علماء كبار يفخر بهم العصر ويعتز العلم وتستضيء المسيرة. ولا يعني هذا أننا نمول البحث العلمي من حصيلة الزكاة فقط, ولكنها تفتح الباب للمتبرعين في كل المواقع, خاصة من اصحاب رءوس الأموال وشركات الانتاج والمصانع التي يقوم العمل فيها ويتقدم, ويتفوق علي اكتافه البحث العلمي, وقد أشرنا سابقا أن البحث العلمي في اليابان يقوم80% من ميزانيته علي أكتاف رجال الأعمال.