نداء الإيمان | التاريخ(هجرى - ميلادى ) | مواقيت الصلاة واتجاه القبلة | موجز الصحافة | إلى كل المسلمات | قرأت لك
ماذا يقول شباب الأردن عن قتل الرهائن أمام الكاميرا؟

فتحت الفضائيات ساحاتها لأبطال «أشرطة الفيديو» الذين يظهرون بزيهم القاتم ملثمين ومسلحين، وقد أحاطوا برهائن يحتجزونهم في مشهد بصري تتصاعد حبكته مع تعالي صوت المتحدث باسم الجماعة الخاطفة، مطالباً حكومات الرهائن بسحب قواتها العسكرية، وإيقاف نشاطات شركاتها اللوجستية الجاثمة على أرض العراق منذ سقوطه في التاسع من شهر نيسان( إبريل) عام 2003.

يختلف شباب متابعون للشأن العراقي حول طريقة تفسير الظاهرة وقياس فعاليتها.

فبينما يرى مؤيدون أن «الأشرطة المسجلة استراتيجية مقاومة مشروعة»، يعتبرها معارضون» مبرراً تستخدمه قوات الاحتلال الأميركي لإراقة المزيد من الدم العراقي».

ويرجح شباب متحمسون لبثها أن تلك الأشرطة المسجلة سياسة ينتهجها عراقيون مسكونون بهاجس إلحاق أكبر قدر من الخوف في الطرف الآخر لهزيمته من ناحية وتعميق شعورها «الزائف» بالطمأنينة من ناحية أخرى، انطلاقاً من أن الخوف المتبادل هو العامل المشترك في موقف العداء بين قوات التحالف والمقاومة التي تعتقد بأن أفضل وسيلة للتغلب على الخوف هو تصديره للمعتدي في شكل مكثف.

هكذا اختارت المقاومة اللجوء إلى العمليات «الإرهابية» التي تعجز القوة العسكرية المنظمة عن التصدي لها وصولاً الى فرط عقد التحالف وكسر شوكته، فيتعقد الموقف ويتبارى الطرفان في ميدان ترويع الآخر في الوقت الذي يخشى بطشه.

في المقابل، يرى شباب لا يفضلون بثها أن الخطف لن يجبر الولايات المتحدة على حزم أمتعتها والخروج من العراق، خصوصاً أن قرار شنها الحرب على العراق كلفها كثيراً. هذا عدا عن أنها لن تترك المنطقة قبل أن تحقق أهدافها المعلنة والمتمثلة في تقديم «أنموذج ديموقراطي» لدول المنطقة، والمبطنة منها وأبرزها السيطرة على النفط العراقي.

ويؤكدون على أن عمليات الاختطاف وعرض أشرطة فيديو لرهائن «يتوسلون» تعمق العزلة السياسية للمقاومة العراقية وتلبسها ثوب الإرهاب ما يكلفها الكثير سياسياً، ويدلف بها إلى صراع معقد ذي إسناد ديني يجدد توتر العلاقة بين الإسلام والغرب.

ويبدو أن الإنجازات التي أحرزتها ورقة الاختطاف وأبرزها انسحاب القوات الفيليبينية من العراق قبل موعدها المقرر استجابة لمطالب خاطفي «دي لا كروز» فضلاً عن توقف نشاط شركات تعمل مع قوات التحالف، أججت شهية الخاطفين، فتزايدت أعمال الخطف كماً ونوعاً حتى استهدفت الرجل الثالث في السفارة المصرية الذي أطلق سراحه الخاطفون بعد أن أهدوه خنجراً ومسبحة.

وطالت قائمة المطالب بعدما كانت اقتصرت على «المطالب السياسية» (كحث الحكومات على سحب قواتها المشاركة مع التحالف، والمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين العراقيين في سجون الاحتلال، ودفع تعويضات مالية للمتضررين من عملياته العسكرية) لتشمل مطالب تتعلق بقطع الإمدادات عن قوات التحالف لمحاولة تضييق الخناق عليها، وحض فرنسا على العدول عن قرار منع الحجاب على أراضيها.

وفي السياق ذاته، يقول عبدالرحمن الدلة (25 عاماً): «من حق المقاومة العراقية إتباع الطريق الذي تراه مناسباً لتحرير بلادها «، منكراً على «أي جهة كانت فرض رؤيتها على المقاومين الذين يتصدون لأكبر قوة في العالم بأسلحة خفيفة».

فيما يرى إبراهيم مساعيد (28 عاماً) أن عرض مشاهد جز الأعناق يؤلب الرأي العام ضد المقاومين، خصوصاً بعدما سارعت قوات التحالف لربط الخاطفين بتنظيم «القاعدة» ممثلاً بأبي مصعب الزرقاوي المتهم بالضلوع بتفجيرات راح ضحيتها آلاف الأرواح.

ولا يستبعد مراقبون وجود القاعدة في العراق، خصوصاً أن جماعة «أنصار الإسلام» امتداد لها، فضلاً عن أن التنظيم يعتمد على «تكنيك» يجعله مجرد مظلة تضم تحتها «خلايا عنقودية» اصطلح على تسميته بـ»الخلايا النائمة»، معتبرين أن «البيئة العراقية بيئة محفزة لتنشيطها».

وتجزم الصديقتان العراقيتان تانيا وأفنان اللتان قدمتا للإقامة في الأردن مع إرهاصات الحرب على العراق أن «من الصعب البت في مسألة فعالية بث أشرطة الخاطفين أو تقويمها الآن في ظل الانفلات الأمني والتخبط السياسي اللذين تغرق فيهما العراق»، ذاهبة إلى أن من السابق لأوانه الحكم على «استراتيجية أشرطة الخاطفين».

ويقول سمير (23عاماً) إن «لكل حرب ظروفها وأدواتها التي تناسبها»، معتبراً أن «توظيف التكنولوجيا (الفيديو والإنترنت) في حرب المقاومين أمر مشروع بل حاجة ملحة لتقليص الفجوة التقنية بينهم وبين قوات التحالف».

وكان أول ظهور لجماعة تختطف رهينة في الإعلام من نصيب جماعة «المقاومة الإسلامية الوطنية» في حين صدر أول تسجيل عالي الجودة والاحتراف عن جماعة «أنصار الإسلام» التي تلقت معسكراتها التدريبية شمال العراق ضربات موجعة، مع بداية الحرب.

وبحسب الإعلامي ياسر أبو هلالة فإن «لجوء المقاومة العراقية الى تسجيل أشرطة فيديو لرهائنها ضمن مشهدية بصرية مرعبة إنما هو رد فعل طبيعي للقوة المنفلتة التي مارستها قوات الاحتلال ضد العراقيين، فمن عادة المغلوب أن يقلد الغالب».

ويضيف أبو هلالة: «إن الخاطفين أشخاص يؤمنون بأن ممارسة العنف هي أقصر طريق لتحقيق الأهداف السياسية»، انطلاقاً من فكرة أن «الحرب سياسة مكثفة».

ويوضح أبو هلالة أن «الولايات المتحدة اختارت حرب الصورة منذ لحظة سقوط العراق التي عبرت عنها صور السقوط الدرامي للتمثال البرونزي للرئيس المخلوع صدام حسين في ساحة الفردوس وسط حشود من الناس يهتفون ويصفقون».

ويذكر أبو هلالة مدير مكتب قناة الجزيرة الإخبارية في عمان التي تعرضت مرات لانتقادات حادة مـــن الإدارة الأميركـــية، وجاء آخرها على لسان وزير الخارجية الأمـــيركي كولن باول الذي اعتبرها «محرضة للمشاعر المنحطة في منطقة الشرق الأوسط، بأن «قناة الأسيوشيتد برس (AP) الأميركية كانت أول محطة تبث شريط اختطاف الرهينة الأميركي نيكولاس بيرغ الذي نفذ فيه الخاطفون تهديدهم وقطعوا رأسه».

وعلى رغم تحفظه على بث الأشرطة، من دون توليفها وقص المشاهد «المؤذية منها كمشهد قطع الرأس» يستبعد أبو هلالة أن «تتوقف الفضائيات عن بث تلك الأشرطة، خصوصاً أن جماعات الخطف تحمّل مواقعها على الانترنت الذي تستحيل السيطرة عليه، التسجيلات الكاملة لعمليات احتجاز الرهائن، ما يمكنها من إيصال رسائلها المسجلة للعلن من دون حاجة الى فضائية تبثها».

ويقول أن «عمليات الاختطاف وتسجيلاتها من تجليات المقاومة التي أفرزت حركات وتنظيمات وطورت أساليب تنوعت بين المواجهة القتالية والمسيرات والتظاهرات وفضح سلوك المحتل وتجاوزاته لا سيما ما حدث في سجن أبو غريب وصولاً إلى دحره وفق عقيدتهم الدفاعية».

ويلفت أبو هلالة إلى أن «انتهاج بعض جماعات المقاومة أسلوب الاختطاف يدل على وجود الجماعة ويومئ إلى ثقلها في الساحة العراقية».

وعن استخدام أسلوب قطع الرأس تحديداً لقتل الرهينة، يقول أبو هلالة إن الجماعات الخاطفة وآخرها «الرايات السود» تتبنى الخطاب الديني وتؤمن بتطبيقه حرفياً من خلال «جز رأس العدو بالسيف» تلمساً لما يحمل السيف من دلالات محفوظة في ذاكرة الثقافة العربية.

ويهاجم أستاذ القانون الدولي في الجامعة الأردنية الدكتور غسان الجندي «الطريقة الوحشية التي يقتل بها الرهائن»، لائماً الفضائيات على بث مثل تلك الأشرطة «الدامية».

ويتهم الفضائيات التي تتسابق على عرض أشرطة «القتلة» بأنها أصبحت «أدوات لنشر ثقافة الكراهية والعنف القائم على إسناد ديني ما يزيد من تعقيد موقف المقاومة العراقية التي ينظر إليها الغرب على أنها عصابات تخطف وتقتل الأبرياء بدم بارد».

واستهجن الجندي ربط «الأسلوب الهمجي» الذي تقتل به الجماعات الخاطفة رهائنها بالإسلام بدءاً من استخدام لوحات كتب عليها آيات من القرآن الكريم تظهر كخلفيات في موقع تصوير الشريط، انتهاء بطريقة القتل (قطع الرأس) التي تعتبرها «عدالة السماء»، مؤكداً أن» تلك الأعمال تضعف شرعية المقاومة وتسيء اليها».

ويفند الجندي «حجة الضغط» من طريق التهديد بقتل أحد الأجانب المتواجدين على أرض العراق سواء لأهداف عسكرية أو لوجستية لتأليب الرأي العام في الدولة التي ينتمي إليها المختطف، معتقداً أن مثل هذه الأشرطة تسهم في تأجيج حال العداء بين المسلمين والغرب وربما فتحت باب «الانتقام من الجاليات الإسلامية المقيمة في دولة تعرض أحد رعاياها للقتل في العراق».

ويؤكد الجندي «ضرورة أن يفهم العراقيون أن الغرب لا يرى المشهد العراقي من المنظور العربي الذي يعتبر قوات التحالف احتلالاً، بل على العكس فهم يرون أنهم منقذون جاؤوا ليخلصوا العراق من حكم شمولي ديكتاتوري»، ناصحاً الفضائيات بالتركيز على صور الدمار التي تخلفها عمليات قوات التحالف العسكرية على مواقع في العراق متذرعة بورود معلومات استخباراتية عن تواجد «إرهابيين» فيها.

ويركز الجندي على أن «صور الدمار والقتل تؤثر في الرأي العام العالمي وتحرّض منظماته غير الحكومية على تشكيل قوى ضاغطة باتجاه إعادة النظر بتواجد جيوشها في العراق على رغم إعادة تسليم السلطة أكثر من صور قطع الرؤوس».

وعن تفسير ظهور الرهائن ببدلة برتقالية اللون بعد انتهاء المهلة إيذاناً بتنفيذ التهديد، يقول خبير في الشأن العراقي آثر عدم ذكر اسمه أن تلك الجماعات تسعى للتأكيد أنها «جماعة منظمة مؤسسية وليست عشوائية متخبطة»، ذاهباً إلى أن «اللون البرتقالي ارتبط بمعتقلي غوانتانامو، وربما أرادت الجماعات الخاطفة الإشارة إلى أن المقاومة قوة ضاربة تعتقل أعداءها وتعاقبهم شأنها شأن الولايات المتحدة التي تحتجز معتقلي حربها على الإرهاب ببدلاتهم البرتقالية في غوانتانامو».

جريدة الحياة    22/03/2005