نداء الإيمان | التاريخ(هجرى - ميلادى ) | مواقيت الصلاة واتجاه القبلة | موجز الصحافة | إلى كل المسلمات | قرأت لك
الغـزوات النبـوية الكبرى :غزوة بدر الكبرى (2)

بعد أن اتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم كل الوسائل المادية الممكنة للنصر في حدود الطاقة البشرية ، بات ليلته يتضرع إلى الله تعالى أن ينصره ، ومن دعائه كما جاء في رواية عند مسلم : ( اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم آت ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل السلام لا تعبد في الأرض) وتقول الرواية : ( فما زال يهتف بربه حتى سقط رداؤه عن منكبيه. فأتاه أبوبكر ، فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه ، وقال : يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك ، فأنزل الله عز وجل : ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين).

ومما رواه البخاري من دعائه في ذلك اليوم : ( اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك ، اللهم إن تشأ لا تعبد بعد اليوم) ، وتقول الرواية : ( فأخذ أبو بكر بيده فقال : حسبك يا رسول الله ، ألححت على ربك ، وهو يثب في الدرع فخرج وهو يقول : (سيهزم الجمع ويولون الدبر).

وروى ابن حاتم بإسناده إلى عكرمة أنه قال : لما نزلت ( سيهزم الجمع ويولون الدبر) ، قال عمر : أي جمع يهزم ؟ أي جمع يغلب ؟ قال عمر : فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع ، وهو يقول : (سيهزم الجمع ويولون الدبر)) فعرفت تأويلها يومئذ.

وفي صباح يوم الجمعة ، السابع عشر من رمضان – السنة الثانية من الهجرة وعندما تراءى الجمعان ، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه قائلاً : (اللهم فنصرك الذي وعدتني ، اللهم أحنهم الغداة).

وعندما وقف المسلمون في صفوف القتال ، أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم في تعديل صفوفهم وفي يده قدح ، فطعن به سواد بن غزية في بطنه ، لأنه كان متنصلا من الصف ، وقال له : ( استو يا سواد ، فقال سواد : يا رسول الله : أوجعتني فأقدني ، فكشف عن بطنه ؟ قال : استقد ، فاعتنقه سواد وقبل بطنه ، فقال : ما حملك على هذا يا سواد ؟ قال : يا رسول الله ، قد حضر ما ترى ، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدك جلدي). فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير.

ثم أخذ في توجيههم في أمر الحرب ، قائلا : إذا أكثبوكم – أي قربوا منكم - فارموهم واستبقوا نبلكم. ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم. وحرضهم على القتال ، قائلا : ( والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة ) ، وفي رواية عند مسلم أنه عندما دنا المشركون قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض). عندما سمع ذلك عمير بن الحمام الأنصاري ، قال : يا رسول الله ! أجنة عرضها السموات والأرض ؟ قال : ( نعم) قال : بخ بخ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما يحملك على قولك بخ بخ) قال : لا ، والله ! يا رسول الله ! إلا رجاءه أن أكون من أهلها. قال : ( فإنك من أهلها ) ، فأخرج تمرات من قرنه ، فجعل يأكل منهن. ثم قال : لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة. قال : فرمى بما كان معه من التمر ، ثم قاتلهم حتى قتل.

وقال عوف بن الحارث – بن عفراء - : يا رسول الله ، ما يضحك الرب من عبده ، قال : (غمسه يده في العدو حاسراً ) ، فنزع درعا كانت عليه ، فقذفها ، ثم أخذ سيفه فقاتل حتى قتل.

وطلب الرسول صلى الله عليه وسلم من أصحابه ، قبل بدء المعركة ، ألا يقتلوا نفرا من بني هاشم وغيرهم لأنهم خرجوا مكرهين ، وسمى منهم أبا البختري بن هشام – الذي كان ممن سعى لنقض صحيفة المقاطعة ولم يؤذ النبي صلى الله عليه وسلم – والعباس بن عبدالمطلب. وعندما سمع أبو حذيفة ذلك قال : (أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخوننا وعشيرتنا ونترك العباس ، والله لئن لقيته لألحمنه – أو لألجمنه – بالسيف) ، فبلغت مقالته رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لعمر : ( يا أبا حفص ؟ أيضرب وجه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بالسيف ؟ ) فقال عمر : يا رسول الله ، دعني فلأضرب عنقه بالسيف ، فوالله لقد نافق). فكان أبو حذيفة يقول : (ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ ، ولا أزال منها خائفاً إلا أن تكفرها عني الشهادة) ، فقتل يوم اليمامة شهيداً.

وقبل ابتداء القتال خرج الأسود بن عبدالأسد المخزومي ، فقال : ( أعاهد الله لأشربن من حوضهم ، أو لأهدمنه ، أو لأموتن دونه) ، وتصدى له حمزة ، وضربه ضربة أطارت قدمه بنصف ساقه ، ثم حبا إلى الحوض مضرجا بدمائه ليبر قسمه ، واتبعه حمزة فضربه حتى قتله في الحوض.

المبارزة:

بعد هذا خرج ثلاثة فرسان قريش يطلبون المبارزة وهو عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة والوليد بن عتبة ، فخرج لهم ثلاثة من شباب الأنصار وهم عوف ومعوذ ابنا الحارث – وأمهما عفراء – وعبدالله بن رواحة ، فلم يقبل فرسان قريش بغير بني أعمامهم من المهاجرين ، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم عبيدة بن الحارث وحمزة وعلي أن يبارزوهم. وكان حمزة لعتبة ، وعبيدة للوليد ، وعلي لشيبة. وقتل علي وحمزة صاحبيهما وأعانا عبيدة على قتل الوليد ، واحتملا عبيدة الذي أثخنه الوليد بالجراح. وفي هؤلاء الستة نزل قول الله تعالى : (هذان خصمان اختصموا في ربهم ، فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يُصب من فوق رؤوسهم الحميم).
ثم طلب الرسول صلى الله عليه وسلم من علي أن يناوله كفا من حصى ، فناوله ذلك ، فرمى به وجه القوم ، فما بقي أحد من القوم إلا امتلأت عيناه من الحصباء ، فنزلت الآية الكريمة (وما رميت إذ ميت ولكن الله رمى).

والملائكة تشهد بدراً :

ونزل المسلمون ساحة المعركة بقوة إيمانية كبيرة ، وشدوا على المشركين ، وأخذوا في اقتطاف رؤوسهم، وأمدهم الله بالملائكة لينصرهم على عدوهم ، كما في قوله تعالى : (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة) الآيات ، و (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين) و (إذ يوحى ربك إلى الملائكة أني معكم ، فثبتوا الذين آمنوا ، سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب). الآية .

وكما روى من الأحاديث في هذا الشأن. فقد روى مسلم في هذا : ( بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في إثر رجل من المشركين أمامه ، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول : أقدم حيزوم ، فنظر إلى المشرك أمامه ، فخر مستلقيا ، فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه ، وشق وجهه كضربة السوط ، فاخضر ذلك أجمع. فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : (صدقت. ذلك من مدد السماء الثالثة). وروى أحمد أن رجلا من الأنصار قصير القامة جاء بالعباس أسيراً ، فقال العباس : ( يا رسول الله ، إن هذا والله ما أسرني ، لقد أسرني رجل أجلح من أحسن الناس وجها ، على فرس أبلق ، ما أراه في القوم) ، فقال الأنصاري : (أنا أسرته يا رسول الله. فقال : (اسكت ، فقد أيدك الله تعالى بملك كريم). وروي الأموي أن الرسول صلى الله عليه وسلم خفق خفقة في العريش ثم انتبه ، فقال : ( أبشر أبا بكر ، أتاك نصر الله ، هذا جبريل معتجر بعمامة ، آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع ، أتاك نصر الله وعدته).

ورويت أحاديث في مشاركة الملائكة المسلمين يوم بدر ولم تصرح بالقتال. فقد روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر : (هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب) ، وقال في رواية أخرى : (جاء جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما تعدون أهل بدر فيكم ؟ قال : من أفضل المسلمين أو كلمة نحوها – قال : وكذلك من شهد بدراً من الملائكة). وروى الحاكم أنه كانت على الزبير يوم بدر عمامة صفراء معتجر بها ، فنزلت الملائكة عليهم عمائم صفر.

لقد أكرم الله عباده المؤمنين يوم بدر ببعض الكرامات. فقد روى أن عكاشة بن محصن قاتل بسيفه يوم بدر حتى انقطع في يده ، فأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم جذلاً من حطب ليقاتل به ، فإذا هو في يده سيفاً طويلاً شديد المتن أبيض الحديدة ، فقاتل به يوم ذاك وفي المعارك الأخرى التي شهدها بعد ذلك ، وآخرها يوم اليمامة – أحد أيام حروب الردة – حين قتل شهيداً.

وعندما رأى إبليس – وكان في صورة سراقة بن مالك – ما تفعل الملائكة والمؤمنين بالمشركين ، فر ناكصاً على عقبيه ، حتى ألقى بنفسه في البحر.

مصرع الطغاة :

أ) أبو جهل : روى البخاري ومسلم من حديث عبد الرحمن بن عوف أنه قال : ( إني لفي الصف يوم بدر إذ التفت ، فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن ، فكأني لم آمن بمكانهما ، إذ قال لي أحدهما سراً من صاحبه : يا عم ، أرني أبا جهل ، فقلت : يا ابن أخي ، فما تصنع به ؟ قال : أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا ، فتعجبت لذلك. قال : وغمزني الآخر فقال لي مثلها ، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس ، فقلت : ألا تريان ؟ هذا صاحبكما الذي تسألاني عنه ، قال : فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه ، ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أيكما قتله ؟ فقال كل واحد منهما : أنا قتلته ، قال : هل مسحتما سيفكما ؟ فقالا : لا . فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السيفين ، فقال : كلاكما قتله ، وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح ، والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء).

وروى ابن إسحاق ، من حديث معاذ بن الجموح أنه قال : ( سمعت القوم وأبو جهل في مثل الحرجة – أي الشجرة الكثيرة الأغصان - ، وهم يقولون : أبو الحكم لا يخلص إليه ، قال : فلما سمعتها جعلته من شأني ، فصمدت نحوه ، فلما أمكنني حملت عليه ، فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه … وضربني ابنه عكرمة على عاتقي ، فطرح يدي ، فتعلقت بجلدة من جنبي ، وأجهضني القتال عنه ، فلقد قاتلت عامة يومي وإني لأسحبها خلفي ، فلما آذتني وضعت عليها قدمي ، ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها ، ثم مر بأبي جهل – وهو عقير – معوذ بن عفراء – فضربه حتى ثبته فتركه وبه رمق ، وقاتل معوذ حتى قتل).

وروى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : عندما انجلت المعركة : ( من ينظر ما صنع أبو جهل ؟ فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد ، قال : أنت أبوجهل ؟ قال : فأخذ بلحيته ، قال : وهل فوق رجل قتلتموه أو رجل قتله قومه ؟ ) وفي رواية أحمد أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذهب مع ابن مسعود ليرى جسد أبي جهل ، وقال : ( كان هذا فرعون هذه الأمة ) . وفي رواية ابن إسحاق إن أبا جهل قال لابن مسعود عندما جثا عليه : (لقد ارتقيت مرتقى صعباً يا رويعي الغنم).

ب) أمية بن خلف : تمكن عبد الرحمن بن عوف من أسر أمية ، وعندما رآه بلال معه ، قال : ( رأس الكفر أمية بن خلف ، لا نجوت إن نجا ) ،وحاول عبد الرحمن أن يثنيه عن عزمه فلم يستطع ، بل استنفر بلال الأنصار فلحقوا به معه وقتلوه على الرغم من أن ابن عوف ألقى عليه نفسه وأمية بارك.
وعندما طرح قتلى المشركين في القليب ، لم يطرح معهم ، لأنه انتفخ في درعه فملأها ، وعندما ذهبوا ليحركوه تفرقت أعضاؤه ، فتركوه في مكانه ، وألقوا عليه ما غيبه من الحجارة والتراب .

ج) العاص بن هشام بن المغيرة : كان العاص بن هشام بن المغيرة خال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ولذا حرص عمر على قتله ، فقتله حتى يعلم أن ليس في قلبه ولاء إلا لله وحده.

لقد انجلت معركة بدر عن نصر كبير للمسلمين. إذ قتلوا سبعين من المشركين ، وأسروا سبعين ، ولم يقتل من المسلمين سوى أربعة عشر رجلا ، ستة من قريش وثمانية من الأنصار.


السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية ، للدكتور مهدي رزق الله ، ص 347

موقع التاريخ    27/03/2003