لم تكن مسلمة .. لكنها تبدو هكذا . في مارس الماضي ، وفي الوقت الذي بدأت تحتشد فيه الجيوش الأمريكية خارج بغداد ، دلفت سيدة وهي ترتدي برقعاً داكناً إلى الغرفة الدراسية الضيقة في حي "كوينز' بمدينة نيويورك . الفصل الذي كانت تخاطبه كان منظماً من ِقبل المركز الأمريكي لتبشير العالم ، ويجتمع فيه طلبة متحمسون من المسيحيين البروتستانت التبشيريين ، يدرسون في كيفية التبشير في الدول الأجنبية . كان "شفيره" ذات الملابس السوداء تحاول شرح معتقداتها ببسالة بقلم : ديفيد بان بيما- * ** ترجمه : تامر المغربي هجمة غربية جديدة في عصر الهوان وبلهجة إنجليزية متقطعة ، قالت ملمّحةً إلى أحداث 11 سبتمبر مباشرة ، "إن العنف ليس في قلب كل المسلمين ، أنا آسفة أن أناساً قد ماتوا ، أنا أريد السلام لأولادي وأعتقد أنكم تريدون السلام .." حدّثتهم عن أركان الإسلام الخمسة ، وذكّرت مستمعيها أن الحرب المقدسة لم تكن ضمن تلك الأركان ، وأن "لدينا صفات كثيرة مشتركة" هكذا قالت . لكنها تساءلت عن الثالوث : "الإله الأب زائد الإله ماري يساوي الإله الابن ؟ " بعد استماعه بصبر ، سارع أحد الطلاب بالإجابة وقد أثاره ذلك التفسير . هنا نزعت "شفيرة" زيها ، واعترفت بأنها "ليست مسلمة حقيقية مطلقاً" ، إنها في الواقع مسيحية تزاول التبشير في الأراضي المسلمة منذ زمن طويل ، وكانت مكلفة بشرح كيفية الأداء التبشيري في العديد من المحاضرات ، ضمن مائة وخمسين محاضرة "تطلعية" تجرى سنوياً ، وذكرت لهم اسمها الحقيقي . (استخدمت الأسماء المستعارة طوال كتابة هذا المقال لسلامة التبشيريين العاملين في المناطق المحتمل أن تكون عدوانية أو العائدين إليها ، وسيشار إليهم بعلامتي الاقتباس في الاستخدام الأول ، كما ستحذف أسماء مناطق عدة .) وعلى مدى الثلاث ساعات التالية ، وضعت "بربارا" غير "المبرقعة" قائمة من المقارنات بين يسوع ومحمد ، (لقد بعث يسوع من الموت وهو حي ، لكن محمداً قد مات) ، وقائمة لما يجب أن يفعل وما لا يجب أن يفعل لإرشاد المسلمين (استمع إلى قصتهم ، ولا تناقشهم عن إسرائيل) . ثم عرضت على الشاشة مقولة جون أشكروفت المدعي العام الأمريكي : "إن الإسلام هو دين يريد منك الرب فيه أن ترسل ابنك للموت من أجله ، بينما المسيحية هي الإيمان حيث يرسل الرب ابنه للموت من أجلك" . وذكر أشكروفت بعدما نُشر تعليقه في أواخر عام 2001 أن ما قاله ، إنما يقصد به الإرهابيين ، وليس الاتجاه السائد بين المسلمين العاديين . لكن يبدو أن "بربارا" تجاهلت هذا القول ، حيث أكدت أن "الإسلام هو الإرهابي ، والمسلمون هم الضحية" . وانتهت المحاضرة بالصلوات حيث قال أحدهم مشيراً إلى العراق : "نحن نندب الخسائر في الأرواح هناك" ، وعقبت بربارا قائلة : "نحن نصلي من أجل أن يُسحق سلاح الدمار الشامل الحقيقي وهو الإسلام ، يا رب ، نحن نعلن أن دمك يكفي للغفران لكلٍ من المسلمين والمسيحيين ، إنه يكفي" . لقد انهمك الأمريكيون – في برنامج سريع – لتعلم الإسلام وجغرافيته وأتباعه طيلة واحد وعشرين شهر حتى الآن (تاريخ نشر المقال في يونيو 2002- المترجم) . ولم يكن من قبل موضوعاً يُهتم به ، لكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول لم تترك خياراً . فقد استمر الجيش الأمريكي– أثناء العمل في دولتين – في دراسة الشيوخ وأمثال آية الله الخميني ، بالإضافة إلى العادات السنّية والفصائل الشيعية . وبرغم ذلك ، فإن ثمة فئةً واحدة أخذت تفكر بعمق في المسلمين لأكثر من عقد ، وجيش هذه الفئة غير مسلح ، وجنوده غير مأجورين في كثير من الأحيان ، ويقع معسكرهم في أماكن مثل فصول حي "كوينز" الدراسية ، وليس لهم أي رابط رسمي بالحكومة الأمريكية (قد يكون ذلك باستثناء التشويه غير المتعمد للصورة الأمريكية) . أحد قواعد التنصير في إفريقيا لكن قواتهم المتقدمة دخلت في الشهور القليلة الماضية أرض المعركة العراقية التي لا تزال مشتعلة ، ونواياهم هي تشكيل مستقبل شعبه أثناء تواجد القوات الأمريكية فيه . لمدة قرن من الزمان ، لم توقظ فكرة تنصير المسلمين مثل هذه الحماسة لدى المسيحيين المحافظين . فالتبشيريون يسارعون لما أصبح يعرف بآخر صيحة تبشير ، متأثرين بالاحتياجات المادية للمسلمين والاحتياجات الروحانية (المفترضة) ، مقتنعين بأن المسلمين من أكثر الشعوب التي لم يصلوا إليها تعداداً ، والتي يجب أن تسمع الإنجيل قبل عودة المسيح . وتشير الإحصاءات من مركز دراسة المسيحية العالمية في معهد "جوردن – كنويل" اللاهوتي لدراسة الأديان بجنوب هاملتون في "ماستشوستس" أن عدد الجماعات التبشيرية في الدول الإسلامية ما بين عامي 1982 و2001 ، وصل للضِعف تقريباً ، حيث بلغ أكثر من 27,000 بعد أن كان 15,000 . ويوجد ما يقرب من مبشر أمريكي واحد من كل اثنين ، كما يوجد مبشر واحد من كل ثلاثة مبشرين يتبع الطائفة الإنجيلية التبشيرية . ويقول "جورج براسويل" الابن ، أستاذ التبشير بمعهد "التعميد الجنوبي الشرقي اللاهوتي" لدراسة الأديان : "لدينا الآن جماعات أكثر من أي وقت مضى يذهبون لأناس كالمسلمين" ، ويبدو أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول ، لم تكن إلا لشحن ذلك الدافع . لقد تصادف دوي تلك الحركة ، مع تصاعد القيود على الجهود التبشيرية من قبل الأنظمة الحاكمة في الدول ذات الأغلبية المسلمة ، وتفاقم العداء المسلح للغرب ، واشتداد التوتر الناتج عن ذلك بشكل مفجع في بعض الأحيان ، حيث شهد العامان الماضيان الحجز والحبس لأمريكيين من الجماعات التبشيرية في أفغانستان أثناء حكم طالبان ، كما شهدا الاغتيالات التي بدت ناتجة عن دافع ديني من أربعة آخرين في اليمن ولبنان . وتوحي محاولة التفجير غير المتقنة لعائلة تبشيرية هولندية ألمانية الشهر الماضي في طرابلس بلبنان ، أن الخطر لم تخمد جذوته بعد . ويقول "ستان جوثري" مؤلف كتاب "التبشير" في الألفية الثالثة : "لقد بدأ الناس في إحصاء الغرامة ، فإنك قد ُتقتل إن تواجدت في المكان غير المناسب وفي الوقت غير المناسب ، وكانت الجماعات التبشيرية دائماً ما تفكر في إمكان حدوث ذلك ، لكن الأمر أصبح الآن حقيقياً أكثر" . وقد طرحت مثل هذه المخاوف أسئلة أخرى ، وبخاصة مع دخول التبشيريين البروتستانت في أفغانستان والعراق على أثر دخول الجيوش الأمريكية . فالوفود الجديدة تريد خيراً ، فقد خصصوا– بالإضافةً للإنجيل المسيحي الذي يعتبرونه أثمن هدية يقدمونها – معونة بملايين الدولارات ، وساعات لا تحصى من العمل الخيري . لكن بعض العاملين في هذا المجال في منظمات مسيحية أكثر تحرراً ، يدّعون أن طريقة بعض التبشيريين الهجومية ، قد تضع كل المؤسسات الخيرية في خطر ، مثلما كان الأمر عندما أغضبت أعمال الجماعات التبشيرية حكومة طالبان منذ عامين ، ما أدى لإغلاق جميع المعونات المسيحية في كابول . يتهم المنتقدون المسلمون التبشيريين بالكذب بشأن هويّاتهم ودينهم كوسيلة لبلوغ أهدافهم . وبينما تستمر جذوة التوتر بين الإسلام والغرب ، بدأ بعض المهتمين بالشرق الأوسط ، في السؤال عما إذا كان التبشيريون الذين يدعون حب المسلمين في الوقت الذي يحتقرون الإسلام ، هم من نوع سفراء النوايا الحسنة غير المعينين رسمياً ، والذين تحتاج إليهم الولايات المتحدة بشدة في منطقة تفرط في الخطابة عن الحرب المقدسة . ويقول القس المعمِّد "تشارلز كيمبول" الذي كان مديراً لمكتب الجمعية القومية لكنائس الشرق الأوسط خلال الثمانينيات : "القضية ليست هي الإخلاص أو التعهد بإيمان شخصٍ ما .. وإنما القضية أن المنطقة في مرحلة محورية ومتقلبة ، وإن الوقت غير مناسب لقدوم الجماعات إليها مرتدين صورة المسيح على أكمامهم ، حيث يبدون وكأن أحدهم دخل في غرفة مليئة بالمتفجرات ممسكاً بعود ثقاب مشتعل" . لكن ما هي نسبة العاملين المسيحيين المتدينين الذين يتصرفون بمثل هذه الطريقة ؟ . إن من أحد الأسباب التي تجعل من الصعب معرفة ذلك ، هو أن الحماس كثيراً ما يهدأ بعد انقضاء فترة على وجودهم داخل البلد . لقد أرسلت طوائف دينية ذات سطوة مثل أعضاء كنيسة "البرسبيتاريين" و كنسية "الميثوديين" منذ قرنين ، الآلاف من التبشيريين إلى الشرق الأوسط ، وكما الحال مع المبشرين الحاليين ، بدءوا متلهفين على مباشرة أعمال التنصير . لكنهم ارتضوا ، مع مرور الوقت ، الالتزام بجدول أعمال أكثر تواضعاً ، ومتماشياً مع القوانين المحلية التي تعارض التحول عن الدين ، وركزوا على بناء مؤسسات تعليمية وخيرية لتوفير المعونات الإنسانية . ومثل هذه الجماعات لا تزال تمثل أغلب التواجد التبشيري في المنطقة وهم يتمتعون بعلاقات مثمرة و جيدة – و إن كانت محدودة – مع السكان والسلطات . . وحتى في نطاق الموجة التبشيرية البروتستانتية الراهنة هناك قطاع عريض من الأساليب والأخلاقيات ، حيث نجد بعض التبشيريين يضعون نصب أعينهم ، القيم الأساسية في تقديم الجهد والمال للمسلمين المحتاجين ، مع الاحتفاظ بحقهم في التبشير . وعلى صعيد أخر نجد آخرين يقومون عن بعد ، بإغراق الأهالي في سيل من البرامج المسيحية في التلفاز والراديو وعشرات الآلاف من المنشورات والإعلانات المطبوعة ، بوش .. رسول العناية الصليبية التي تروج لمناهج مسيحية بالمراسلة ، على أمل أن تنبت بعض البذور وتتشعب . ويتخذ المبشرون البروتستانت أعمالاً غير دينية ستاراً لتجنب شبهة التطفل ، لدخول عشرات الدول المسلمة التي ترفض إعطاء تصريح الدخول تحت مسمي "عامل ديني" . ويُبدي الكثير منهم حساسية مرهفة ، فلا يدعون إلي الرب إلا مع الذين استطاعوا أن يقيموا معهم صداقات حميمة . وفي الوقت ذاته ، لا تزال توجد جماعات ليست بصغيرة تثير المتاعب ، لأنها جاهلة سياسياً ومتغطرسة دينياً . فمثل هذه الجماعات تقوم بتقديم أشرطة الكاسيت والمنشورات ودعوة المارة لمشاهدة فيلم عن حياة يسوع ، ونشر الدعوة بين الصغار أثناء تقديم اللعب إليهم لاجتذابهم . صحيح أن مثل هذه النشاطات لا تثير الانتباه في الشارع الأمريكي العادي ، لكنها قد تؤدي إلى العنف في المجتمعات التي تمزج فيها الدولة مع المسجد ، والتي تعتبر تجريح الإسلام جريمة ، وأن الارتداد عنه نتيجة تلك النشاطات التبشيرية يولد ردود فعل عنيفة من الشعب . فكلما زادت جرأة المبشرين في الدعوة ، كلما أثاروا حفيظة المواطنين ، فسواء كانت أفعالهم متعمدة أم لا ، فإنها تثير الجدل في جنبات المجتمع التبشيري . ويرى بعض المتخصصين أن هفواتهم هي نتيجة وجود الكنائس اللاطائفية التي تفتقد الموارد اللازمة لإعداد برامج تدريبية ملائمة . كما يري البعض الأخر أن المسيئون منهم ، ما هم إلا هواة يقضون وقتاً قصيراً في المنطقة ، فلا يشهدون سلسلة الانتقام التي تولدها أساليبهم الاستفزازية . وفي هذا الصدد يقول "روبرت سايبل" ، وهو تبشيري إنجيلي ووزير فوق العادة للحريات الدينية الدولية لدى وزارة الخارجية الأمريكية حتى عام 2000 : "إن المحاولات الجيدة أكثر من المحاولات السيئة ، فالمذاهب الرئيسة تسلك الطريق الصحيح في أغلب الأحيان ، لكن ما اكتشفته أنا هو أن حسني النية قد أضرّوا في كثير من الأحيان بالرسالة التي يريدون توجيهها للناس ، بسبب انتهاجهم لأساليب غير ملائمة ، ما يؤدي لاضطهاد الفكر التبشيري بسببهم ، كما يجعل البعض يتمنى لو أنهم لم يأتوا إلى تلك البلاد أبداَ" . يقول "جوش" وهو أحد المبشرين الجدد ممن لا يستخدمون أساليب حمقاء : "أنا لا يمكن أن أقدم على فعل أحمق مثل وعظ الناس بطريقة سافرة في الطريق العام ، أو أن أقدّم لمن لا أعرفه منشورات دينية" ، ومع ذلك ، فقد يصاب جوش بقِلة الصبر في بعض الأحوال ، وبخاصة أنه أمضى ثمانية أشهر في تلك المهمة وهو مازال شاباَ في الرابعة والعشرون من عمره . ويمضي هذا الشاب متحدثاً عن نفسه قائلا : 'أنا بطبيعتي قليل الصبر ، ولذلك فإن تطلعاتي قد توقعني في المأزق". ويعمل "جوش" في عاصمة إحدى الدول العربية المزدانة بالنخيل ، وعلى الرغم من أنه ابن لأحد مبشري مذهب "تجمعات بنتاكوستال اللاهوتية" ما جعله ينشأ في الخارج ، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي يعمل فيها وحيداَ ولمدة طويلة ، حيث تجده متجولاَ في أحياء الطبقة الوسطى بالمدينة وهو يقضي حوائج عمله الصباحي كعامل في المجتمع المسيحي بالمدينة ، ومتسائلاً في سريرته عمن سيقابل في هذا اليوم . يقول جوش أنه يفضل أن يُحدث قائدي سيارات الأجرة عن المسيح حيث أن تمكنهم من الإنجليزية أفضل من تمكنه هو من العربية . ويستهدف جوش أيضاَ ثلاثة شبان يعملون في محل نجارة لأنهم في مثل عمره ، والأجيال الشابة في مثل هذا العمر يكونون متأثرين جداَ بالثقافة الغربية ، وتكون رؤوسهم ممتلئة بالأسئلة التي تبحث عن إجابات ، الأمر الذي يسهل معه التأثير عليهم . ويمر جوش بأحداث متباينة، فبعض الأحداث تجعله في قمة النشوى ، كتلك المرة حين أثنى عليه صبي من الحي قائلا :"إنك مسلم صالح .. أقصد مسيحي صالح" ، فيحس جوش بأنه ناجح في عمله من حيث التأثير على المسلمين . وفي أحيان أخرى تجده كما يقول هو : "تحت ضغط نفسي هائل ، فأنا رجل واحد ، ماذا يمكن أن أفعل حتى أساعد كل هؤلاء الناس؟" . لكنه يتذكر مع كل صباح سبب وجوده في هذا المكان ، عندما يرتفع صوت المؤذن لينادي لصلاة الفجر في الساعة الرابعة . في ذلك الوقت يصلي جوش ويدعوا للمصلين الذين لبوا نداء الآذان ، بأن ينوّر المسيح بصيرتهم ويتواصلون مع إلى الرب حيث يقول : "أنا أدعو لهم ألا يؤثر فيهم صوت الآذان ، وألا يصل إلى قلوبهم ، وأن أستطيع إبعادهم عن ذلك الجو الديني المتعسف" . إن النظرة الدينية البحتة توضح أن جوش وأمثاله من رسل المسيحية ، يتصورون أنهم يطبقون تعاليم المسيح المكتوبة في إنجيل "متّى" المعروفة بالتفويض العظيم والذي ورد فيه : "اذهب وكون أتباعاً من كل الأمم ، وعمّدهم باسم الأب والابن والروح القُدس ، وعلمهم أن يطيعوا كل ما أمرتك به" ويعتبر البعض أن هؤلاء المسيحيين الذين اهتموا بالتبشير منذ العصور الوسطى ، هم من أهم المساهمين في نقل الثقافة بين الحضارات المختلفة . ففي القرن الماضي تركت الطرق الرئيسية البروتستانتية والكاثوليكية في الولايات المتحدة وعظ الجهلاء ، وسلكت الجانب الاجتماعي من الإنجيل ، فقامت بمساعدة المعوزين ، حيث أصبح عبء الجانب التبشيري ، يقع بذلك على عاتق المذهب الإنجيلي التبشيري . لكن بالنسبة للكنائس البروتستانتية المتحفظة ، فإن معظمهم يبعثون بالنشء الجديد في مهام تبشيرية قصيرة ، أو يستضيفون أفواجاً من المبشرين المغتربين الذين دائماَ ما يتحدثون عن الأماكن المثيرة التي زاروها أو الناس الذين غيروا معتقداتهم . هؤلاء العائدون من الرحلات التبشيرية يمثّلون قدوة للإنجيليين التبشيريين في فلسفتهم القائمة على الانتشار بلا هوادة ، والتي يجعلون منها محوراَ لحياتهم ." "بث سترييتر" واحدة من هؤلاء المبشرين ، وهي تعمل مستشارة طبية في بلدة "موراجا" بولاية كاليفورنيا . وكانت "سترييتر" قد سافرت إلى مصر بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في رحلة تبشيرية قصيرة ، صاحبها فيها زوجها وابناها . تقول سترييتر: "عندما يرسخ في وجدانك أن حب المسيح هو أقيم هدية للبشرية ، فإنك ترغب في أن تجد أماكن وأناسا لكي يتعرفوا على تلك الحقيقة ، وهذا ما يدفعنا للذهاب إلى أماكن غريبة وظروف صعبة" . في حقبة السبعينيات كانت أمريكا اللاتينية هي حلبة الصراع التبشيري بين البروتستانت والكاثوليك ، وكلٌ منهما يريد أن يستحوذ على قلوب الفقراء ، أما المبشرين الأكثر جرأة فكانوا يذهبون إلى أفريقيا وبلدان الستار الحديدي . ثم بدأ انتباه الجماعات التبشيرية يتحول بعدما نادى مسئول الإستراتيجية التبشيرية "روبرت ونتر" عام 1974 ، بأن الواجب هو وعظ الشعوب التي لم يصل إليها نداء المسيح من قبل ، عوضاً عن المناطق التي وصل إليها المد المسيحي . تلك الإستراتيجية كان لها سحر خاص في قلوب من قرءوا النص في إنجيل متّى حرفياً ، فتصوروا أن بداية النهاية المنتظرة ستبدأ عندما تتحول كل الأمم إلى المسيحية . و في عام 1989 أوضح المبشر الأرجنتيني الأصل "لويس بوش" ، أن 97% من السكان الذين لم تصل إليهم الدعوة المسيحية ، يعيشون في المنطقة ما بين خطي عرض 10 و 40 ، كما أنه أوضح أيضاً أن هذه الشريحة الدولية المهولة ، تعيش في فقر مدقع ، وأن أغلبية السكان مقهورون وعن الإسلام بخاصة قال بوش : "إن الإسلام ينتشر من وسط منطقته الواقعة بين خطيّ عرض 10-40 بقوة ، ليصل إلى كل البقاع الأرض ، ولذلك فإننا إحدى المتهمات بالتنصير في أفغانستان لابد أن نستخدم نفس الإستراتيجية ونغزوه في عقر داره بتعاليم الإنجيل الحقة التي تحرر العقول". وكان من نتيجة أفكار بوش ، أن قام العديد من المبشرين بحشد أنفسهم في هذه المنطقة ، لكن اكتشفوا بأنهم لن يقابلوا بالحفاوة . إن الإسلام هو الوحيد من بين الأديان السماوية الثلاثة الذي يتصدى بحزم للمرتدين ، فحكم الشريعة هو قتل المرتد . و على الرغم من أن هذا الحكم لا ينفّذ في كثير من البلدان الإسلامية ، إلا أن من الطبيعي أن يواجه المرتد بالاضطهاد . ومع ذلك فإن الاضطهاد وحده لن يكون كافيا لمنع العمل التبشيري ، حيث يعتبره المبشرون الثمن الذي يدفعوه من أجل تبليغ الدعوة . لكن ما عطّل جهود المبشرين ، هو ما قامت به معظم الدول الإسلامية من منع تدريجي لإصدار تأشيرات لمن يعملون بالمجال الديني ، فأصبحت المنظمات المبنية علي تعيين مبشرين براتب شهري عاجزة عن أداء عملها التبشيري . ولجأت تلك المنظمات إلى حل يطلق عليه "صناعة الخيام" نسبة إلى الحواريّ "بولس" ، الذي كان يكسب قُوته من هذا العمل أثناء تنقله في حوض البحر المتوسط لنشر أنباء ظهور المسيح . وقد اتبع المبشرون المعاصرون نهج بولس و لم يُعلنوا عن حقيقتهم كمبشرين ، وإنما آثروا أن يعملوا في مجالات أخرى مثل المساعدات الإنسانية أو مجالات التنمية أو أي مجال يكون فيه البلد المقصود مفتقراً إلى الخبرات ، وفي تلك الأثناء يقومون بالوعظ بشكل غير رسمي . أما بالنسبة لمواقع المبشرين على الإنترنت ، فنجد إعلانات عن مجالات عمل عديدة ، فهذه وظيفة لمهندس ميكانيكي في مدينة عربية كبرى وبائع أجهزة كمبيوتر في بلد مسلم ، وتلك فرصة عمل كمدرس لتعليم الإدارة في كايراجستان وبهذا تصبح مراكز استقطاب المبشرين أشبه بمنتديات التوظيف . وفي كنيسة صغيرة بمدينة "تانيسي" الأمريكية ، يُطمئن منظم الرحلات التبشيرية الحاضرين ، بأنه يكفي لأي شخص أن تكون الإنجليزية هي لغته الأم ، وبأقل مجهود يستطيع ذلك الشخص أن يصبح معلماًً لها في الدول الأخرى التي يعتزمون التبشير فيها . يعرض المنظم رسم كارتون على الشاشة ، ليوضح مميزات عدم الذهاب في رحلة تبشيرية من خلال منظمة رسمية ، و في هذا الكارتون نرى رجلاً عند نقطة تفتيش يلبس عمامة ويحمل خنجراً وهو يستوقف مبشراً يحمل حقيبة ويلبس زياً يوضح نواياه ، ويُشاهد في الوقت ذاته على مرمى البصر رجل غربيّ عند مسجد ويحمل حقيبة أدوات دون أن يوقفه أحد . هذا الكارتون يرمز إلى أن كل من يدخل تلك البلاد معلناً أنه مبشر سيمنع من الدخول إليها ، في حين أن مَن يتظاهر بأنه يعمل في حرفة ، فسيصل إلى هدفه و هو المسجد بسهولة ويسر . ونعرض هنا لنموذج آخر من المبشرين وهما "ساره وهنري" اللذان يتبعان طريقة في التبشير تصلح لإقناع أشد الملحدين .فقد وصل الاثنان إلى دولة في شمال أفريقيا في أوائل الثمانينات حيث يعملون كقادة لفرقة تبشيرية . تقول سارة : "لم نُرِد أن نؤدي وظيفتنا ثم لا نلبث أن نترك المكان ، وإنما أردنا أن نقيم في هذا البلد" ، فقد أسس الاثنان مكتب رحلات ، وأقاموا صداقات عدة . كانوا يتحدثون مع جيرانهم في مختلف موضوعات الحياة مثل السفر و الضرائب و الأولاد ، كما كانوا يذهبون مع الجيران في نزههم و يحتفلون معهم في الأعياد الإسلامية ، والكل يعلم أنهم مسيحيون متدينون ، لكنهم لم يعرضوا دينهم على أحد إلا على صديق كان قد درس المسيحية بالمراسلة ، وجاء لهم ليسألهم عن المسيحية نيابة عن أهله . ولذلك لم يمانعوا في دعوته إلى المسيحية ، ويصر هنري على أن الصديق هو الذي طلب منهم المعرفة ، وقد توطدت العلاقة بين العائلتين حتى تنصّر العديد من مسلمي عائلة الصديق . مثل تلك الحالات ، يقول عنها المبشرون الذين يتبعون مذهب'صناعة الخيام' إنها علاقات تبشيرية . أما هنري فهو يفضل أن يشرح الموضوع في إطار الفرق في المعنى بين كلمتين عربيتين هما التبشير و التنصير . ويقول إن التنصير هو أن تفرض بالقوة المسيحية على أحد ، أما التبشير فهو أن تناقش المسيحية مع الآخرين و تشركهم في معتقداتك . وإذا ما نظرنا مرة أخرى إلى "صناعة الخيام" في أبسط صورها ، نجدها تنص على بيان القديس فرانسيس الذي يقول فيه : "أدع إلى الإنجيل في كل وقت ، و استخدم الدعوة عن طريق الكلمة المسموعة إذا لزم الأمر" . ويعيد أحد المبشرين المخضرمين صياغة البيان قائلا: "كن صديقا لهم ولا تكن مجرد بائعاً لفكرة" . وبالرغم من مميزات الدعوة في الخفاء كما يفعل "صناع الخيام" ، إلا أن تلك الطريقة يمكن أن تؤدي إلى عادات سيئة ، فمنع تأشيرات الدخول للمبشرين يقودهم رأساً إلى خطيئة الكذب ،ولو حتى عند مكتب الجوازات ، حيث يستخدم المبشرون في هذه الحالة رسائل إلكترونية مشفرة أو يهرّبون الاناجيل . ويقول قسيس مغربي متلمساً لهم العذر : "إنهم يفعلون ذلك بوحي من النص السابع في إنجيل جيمس" ، ويقول أخر : "إنهم غير مخطئين ، فليس من المفروض أن يكون هناك خطورة على شخصٍ ما إذا ما أراد أن يسافر إلى بلدٍ و يتمسك بما كفله له نص حقوق الإنسان الذي وصت به الأمم المتحدة ، والذي يعطي الحرية لأي شخص أن يمارس دينه وان يعلمه للآخرين . وفي حين أن أمثال هؤلاء القساوسة يلتمسون العذر لهذا النوع من المبشرين ، إلا أن آخرين يلومونهم عليه ، مثل ما فعل أحد المحاضرين في جامعة كولومبيا العالمية في ولاية كارولينا الجنوبية . تقول مجلة "الأم جونز" نقلا عن هذا المحاضر : إنه يتساءل "هل كان المسيح يكذب؟ " فيجيب الطلبة قائلين لا" فيعود المحاضر ليسأل : "هل المسيح يرفع يده ليقسم على أن يقول الحقيقة ، والحقيقة كاملة ، ولا شئ غير الحقيقة؟" فيجيب الطلبة العشرون مرة أخرى في صوت واحد بالنفي . المحاضر لم ينكر أنه قال هذا الكلام للطلبة ، لكنه يدافع عن نفسه بالقول بأن كلامه ذكر في سياق آخر . من الطرق التبشيرية الأخرى المتبعة هو تمويه المبشرين لعقيدتهم بالإدعاء بأنها نوع من الإسلام ، حيث يقومون بدعوة الناس إلى مسجد المسيح . هؤلاء المبشرون يشهدون شهادة الإسلام بأن لا إله إلا الله و أن محمداُ رسول الله في العلانية ، ويوحون للناس بأنهم نوع من الدراويش أو الصوفيين . ويبرر البعض تلك الأساليب بأنها "قياس تقريبي" للأفكار الجديـدة المطلوب عرضها في إطار مألوف . أما "إبراهيم هوبر" رئيس مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية بواشنطن ، فله تحليل آخر حيث يقول أن هؤلاء الذين يدّعون أنهم مسلمون ، إنما يفعلون ذلك لعلمهم بأنهم إذا قالوا للمسلمين صراحة "نحن نريد أن ننصّركم" فلن ينجحوا في إقناع أحد . أيضا من المعترضين على هذا الأسلوب ، أحد المبشرين من الأردن الذي يقول : إن فكرة "مسجد المسيح" تسبب تعتيماً للفكرة الأصلية ، فلو أن المسلمين يرغبون في المسيح ، فلابد لهم أن يعرفوا جيداُ من هو المسيح . غير أن هذه السرية المحيطة بالعمل التبشيري لا تجد تأييداً من الجميع ، فالمدير التنفيذي لوكالة "جلوبال أوبرتيونيتيز" أو "فرص عالمية" التي تساعد صانعي الخيام "ديفيد إنجليش" يقول : في المملكة العربية السعودية وهي من أكثر البلاد الإسلامية تقييداً للجهود التبشيرية ، يسمح للعامل المسيحي العادي أن يتحدث عن عقيدته ويشرحها إذا ما سئل عنها أثناء عمله العادي . وبرغم ذلك ، هناك قانون يحظر الارتداد عن الإسلام ، ومن ثم فهم غير عادلين ، ولكن على الأقل مسموح بالكلام العادي عن المسيحية وشرحها . ويقول بعض الخبراء ، إن القادة في تلك البلاد يسمحون بالتبشير غير الرسمي كضريبة تؤدى مقابل الاستفادة من الخبرات الغربية في مجالات الحياة . ويقول "داريل أندرسون" أحد أعضاء الكنيسة الإنجيلية الحرة بأمريكا و التي يعمل المبشرون بها في المجالات الطبية و تكنولوجيا المعلومات : "نحن دءوبون في معرفة المجالات التي تفتقدها الحكومات المسلمة ، حتى نبعث لهم متخصصين فيها ، وبعد ذلك نتحدث عن عقيدتنا بحرية ، وبالقدر الذي تسمح به أيدلوجية الحكومة التي تستضيفنا". وفي مقالة كتبها بعد ذلك ، ناشد بوش المسيحيين أن يتسلحوا بإيمانهم بالرب ويحاربوا بأسلحة الحرب الروحانية . وأكد لمجلة التايم أنه لم يقصد حرباً عسكرية . وعن الإسلام بخاصة قال بوش : "إن الإسلام ينتشر من وسط منطقته الواقعة بين خطيّ عرض 10-40 بقوة ، ليصل إلى كل البقاع الأرض ، ولذلك فإننا لابد أن نستخدم نفس الإستراتيجية ونغزوه في عقر داره بتعاليم الإنجيل الحقة التي تحرر العقول". وكان من نتيجة أفكار بوش ، أن قام العديد من المبشرين بحشد أنفسهم في هذه المنطقة ، لكن اكتشفوا بأنهم لن يقابلوا بالحفاوة . إن الإسلام هو الوحيد من بين الأديان السماوية الثلاثة الذي يتصدى بحزم للمرتدين ، فحكم الشريعة هو قتل المرتد . و على الرغم من أن هذا الحكم لا ينفّذ في كثير من البلدان الإسلامية ، إلا أن من الطبيعي أن يواجه المرتد بالاضطهاد . ومع ذلك فإن الاضطهاد وحده لن يكون كافيا لمنع العمل التبشيري ، حيث يعتبره المبشرون الثمن الذي يدفعوه من أجل تبليغ الدعوة . لكن ما عطّل جهود المبشرين ، هو ما قامت به معظم الدول الإسلامية من منع تدريجي لإصدار تأشيرات لمن يعملون بالمجال الديني ، فأصبحت المنظمات المبنية علي تعيين مبشرين براتب شهري عاجزة عن أداء عملها التبشيري . ولجأت تلك المنظمات إلى حل يطلق عليه "صناعة الخيام" نسبة إلى الحواريّ "بولس" ، الذي كان يكسب قُوته من هذا العمل أثناء تنقله في حوض البحر المتوسط لنشر أنباء ظهور المسيح . وقد اتبع المبشرون المعاصرون نهج بولس و لم يُعلنوا عن حقيقتهم كمبشرين ، وإنما آثروا أن يعملوا في مجالات أخرى مثل المساعدات الإنسانية أو مجالات التنمية أو أي مجال يكون فيه البلد المقصود مفتقراً إلى الخبرات ، وفي تلك الأثناء يقومون بالوعظ بشكل غير رسمي . أما بالنسبة لمواقع المبشرين على الإنترنت ، فنجد إعلانات عن مجالات عمل عديدة ، فهذه وظيفة لمهندس ميكانيكي في مدينة عربية كبرى وبائع أجهزة كمبيوتر في بلد مسلم ، وتلك فرصة عمل كمدرس لتعليم الإدارة في كايراجستان وبهذا تصبح مراكز استقطاب المبشرين أشبه بمنتديات التوظيف . وفي كنيسة صغيرة بمدينة "تانيسي" الأمريكية ، يُطمئن منظم الرحلات التبشيرية الحاضرين ، بأنه يكفي لأي شخص أن تكون الإنجليزية هي لغته الأم ، وبأقل مجهود يستطيع ذلك الشخص أن يصبح معلماًً لها في الدول الأخرى التي يعتزمون التبشير فيها . يعرض المنظم رسم كارتون على الشاشة ، ليوضح مميزات عدم الذهاب في رحلة تبشيرية من خلال منظمة رسمية ، و في هذا الكارتون نرى رجلاً عند نقطة تفتيش يلبس عمامة ويحمل خنجراً وهو يستوقف مبشراً يحمل حقيبة ويلبس زياً يوضح نواياه ، ويُشاهد في الوقت ذاته على مرمى البصر رجل غربيّ عند مسجد ويحمل حقيبة أدوات دون أن يوقفه أحد . هذا الكارتون يرمز إلى أن كل من يدخل تلك البلاد معلناً أنه مبشر سيمنع من الدخول إليها ، في حين أن مَن يتظاهر بأنه يعمل في حرفة ، فسيصل إلى هدفه و هو المسجد بسهولة ويسر . ونعرض هنا لنموذج آخر من المبشرين وهما "ساره وهنري" اللذان يتبعان طريقة في التبشير تصلح لإقناع أشد الملحدين .فقد وصل الاثنان إلى دولة في شمال أفريقيا في أوائل الثمانينات حيث يعملون كقادة لفرقة تبشيرية . تقول سارة : "لم نُرِد أن نؤدي وظيفتنا ثم لا نلبث أن نترك المكان ، وإنما أردنا أن نقيم في هذا البلد" ، فقد أسس الاثنان مكتب رحلات ، وأقاموا صداقات عدة . كانوا يتحدثون مع جيرانهم في مختلف موضوعات الحياة مثل السفر و الضرائب و الأولاد ، كما كانوا يذهبون مع الجيران في نزههم و يحتفلون معهم في الأعياد الإسلامية ، والكل يعلم أنهم مسيحيون متدينون ، لكنهم لم يعرضوا دينهم على أحد إلا على صديق كان قد درس المسيحية بالمراسلة ، وجاء لهم ليسألهم عن المسيحية نيابة عن أهله . ولذلك لم يمانعوا في دعوته إلى المسيحية ، ويصر هنري على أن الصديق هو الذي طلب منهم المعرفة ، وقد توطدت العلاقة بين العائلتين حتى تنصّر العديد من مسلمي عائلة الصديق . مثل تلك الحالات ، يقول عنها المبشرون الذين يتبعون مذهب'صناعة الخيام' إنها علاقات تبشيرية . أما هنري فهو يفضل أن يشرح الموضوع في إطار الفرق في المعنى بين كلمتين عربيتين هما التبشير و التنصير . ويقول إن التنصير هو أن تفرض بالقوة المسيحية على أحد ، أما التبشير فهو أن تناقش المسيحية مع الآخرين و تشركهم في معتقداتك . وإذا ما نظرنا مرة أخرى إلى "صناعة الخيام" في أبسط صورها ، نجدها تنص على بيان القديس فرانسيس الذي يقول فيه : "أدع إلى الإنجيل في كل وقت ، و استخدم الدعوة عن طريق الكلمة المسموعة إذا لزم الأمر" . ويعيد أحد المبشرين المخضرمين صياغة البيان قائلا: "كن صديقا لهم ولا تكن مجرد بائعاً لفكرة" . هذا التفاهم غير الرسمي ، سرعان ما يتبخّر في حال سقوط الحكومة ، أو أن يصبح المبشر أكثر جرأة وإصراراً . و قد حدث بالفعل أن اعتقلت قوات طالبان عام 2001 "هيثر مرسر" و "داينا كاري" اللتين تبلغان من العمر 24 و 29 عاماً ، واللتين جاءتا من كنيسة بتكساس للعمل في جماعة "مأوى ألمانيا أو "شلتر جيرماني" في كابول . وكانت الصحافة طيلة ثلاثة أشهر وهي فترة اعتقالهما ، تصر في حوارها مع الرئيس بوش في منزله ، على إعطاء انطباع عن مكتب التنصير الذي أغلقته طالبان أنهما مجرد عاملتا إغاثة تقومان بتقديم مساعدات إنسانية ، وأن الاتهام الموجه إليهما من السلطات بأنهما تقومان بالوعظ والتبشير ، هو اتهام باطل . غير أن "مرسر وكاري" كتبتا في كتابهما "سجناء الأمل " أنهما أقامتا صلاة مسيحية مع مسلمين واستحثتاهم على سماع الإذاعة التبشيرية .. كما عرضتا فيلم 'المسيح' على أسرتين على الأقل . وتقول السيدتان : "لقد كنا نعلم أن الطالبان يمنعون غير المسلمين من التحدث عن دينهم مع الأفغان" ، لكن هذا يعد خرقا للأعراف الدولية من وجهة نظرهما ، حيث أن "من حق الشعب الأفغاني على الأقل ، أن يحظى بفرصة لسماع تعاليم المسيح إن هم أرادوا ذلك ، وأن يكون لهم حرية العقيدة واتخاذ القرار" ، على حد قولهما . وعلى الرغم من أن مشاعرهما كانت نبيلة ، إلا أن ما فعلتاه لم يلق ترحيباً على نطاق واسع من مؤسسات الإغاثة في كابول ، بدئاً من العلمانيين وانتهاء بمبشرين آخرين . يقول "سيبل" السفير السابق للحرية الدينية لدى وزارة الخارجية الأمريكية : "لقد خرقتا كل القواعد ، وأنهما كانتا سيدتين في مجتمع يسوده الرجال ، ولا تعرفان اللغة جيداً ، ولا تعرفان عادات الناس ، كما أن غيرهما من المسيحيين نصحوهما بعدم التبشير . وتوضح 'كاي' المبشرة ذات الثلاثة عشر عاماً من الخبرة في مجال التبشير أن أن ما فعلتاه قد عرقل عملها ، كما تقول : إن "من المؤسف أنهما عانتا ، لكنهما لم تفكرا ، وقامتا بتطبيق أفكارهما المثالية بطريقة خاطئة" . وقد عادت الاتهامات المتبادلة بين جماعات التبشير للظهور مرة أخرى ، بعد حادثة القتل المفجعة التي راحت ضحيتها "بوني ويثرال" ذات الواحد والثلاثين ربيعاً ، والتي كانت تعمل ممرضة مساعدة في عيادة 'اتحاد المسيحيين والمبشرين' للولادة بصيدا بلبنان ، وهي عيادة مدعومة جزئياُ من منظمة "فرانكلين جراهام" المدعوة "ساماريتانز برس". وقد تمت أحداث الجريمة في نوفمبر الماضي عندما أطلق أحدهم النار على رأسها ثلاث مرات أثناء فتحها للعيادة ذات صباح . قد يكون قتلها مجرد عداء لكل ما هو أمريكي ، وأن التخلص من الأمريكيين هو أهم ما ينادي به أمثال أسامة بن لادن ، لكن مجلة النيويورك تايمز أوردت أن أعضاء هذا الاتحاد كانوا يرفعون راية مدون عليها بالعربية : "وقال لهم المسيح : أنا خبز الحياة ومن يتبعني لن يجوع أبداً' مما جعلهم عرضة للتهديدات ، وبخاصة عندما أدانهم الأئمة المسلمون في المدينة ، بسبب توزيعهم منشورات مسيحية تبشيرية للشباب المسلم . وعلى الرغم من أن مثل هذه الأفعال قانونية في لبنان ، إلا أن القادة المسلمين وبعض القادة المسيحيين ، يرون أن فيها تهديداً للسلام الهش القائم بين الطوائف الدينية المختلفة . و لهذا فإن رئيس الأساقفة الكاثوليكي بصيدا برغم إدانته للحادث ، إلا أنه أعلن : "إننا لا نقبل هذا النوع من الدعوة .. هذا أمر غير مقبول بالمرة" . و يروي "سام" أن إستوقفته السلطات الإسرائيلية ذات مرة ، بعدما رأوا عربته من طراز سيتروين مصفوفة إلى جانب طريق فرعي خارج مدينة نابلس بالضفة الغربية ، وعندما أنزلوه من العربة تحت تهديد السلاح ظناً منهم أنهم اكتشفوا خلية إرهابية ، شرح لهم سام أن الفلسطينيين الستة الذين معه ليسوا إلاّ دارسين للإنجيل متخفين خوفا من القتل ، وقد أثار هذا المشهد الجنود . ويدّعي سام أنه هدى أكثر من مائة فلسطيني للمسيحية ، وهو من وجهة نظره ليس بطلاً ، وإنما الأبطال الحقيقيين هم الفلسطينيين الذين اتبعوه . ويقول بعض المرتدين أن زملاءهم في العقيدة وبعض الدبلوماسيين المحليين قد دفعوا ثمن تحولهم إلى المسيحية اعتقالا و ضرباً و تعذيباً على يد السلطات الفلسطينية . وتزعم تلك المصادر ذاتها ، أن أحد هؤلاء المرتدين تم تسليمه إلى مسلحين من حركة فتح الذين قاموا بقتله . ويقول بول مارشال عضو جماعة "بيت الحرية" لحقوق الإنسان : إنه على الرغم من أن التحول إلى المسيحية يعد جريمة في البلاد ذات الأغلبية المسلمة ، إلا أنّ الخطورة تكمن في أقاربهم أو في أحد المواطنين الذين قد يقتلونهم دونما أي تدخل من الحكومة . وفي دراسة أعدها منسق إستراتيجي للجماعات غير المبلغة بالمسيحية في القرن الأفريقي وقدمها للإدارة الدولية لمؤتمر التعميد الجنوبي عام 2001 ، ادعت أن "غالبية المؤمنين بالمسيحية يتم تعقبهم دورياً و استهداهم بالقتل" ، وأن مثل هذه المخاطر تثبت إدعاء المبشرين بأن بعض المسلمين لا ينضمون للمسيحية بسبب الخوف و ليس بسبب قوة العقيدة . لكن مثل هذا الاضطهاد يمثل مشكلة محرجة للمبشرين ، فإذا ما تغاضينا عن الحوادث الأربعة التي تعرض لها المبشرون مؤخراً ، فإن المعتنقين الجدد للمسيحية هم أكثر مَن يتعرضون للخطر المحدِق . لكن الدخول في دين جديد ، يتم باختيار نابع من إرادة الشخص ، ولذلك فإن المسلمين يعلمون قدر المخاطرة . و لكي نقتنع برأي "والي رايك" المنسق في وكالة "سرفينج إن ميشون" ، لابد من أن نشاركه العقيدة حيث يقول : إن أمن معتنق المسيحية وأمانه ، هو أمر في يد الرب و ليس في أيدي البشر ، ولو كان بأيدينا لوقع كثير من المرتدين في مشاكل جمة . كذلك ، فإن ما أوضحته نتائج التقرير المعمداني الذي يقول عن أن المبشرين يحتاجون لصلابة روحانية ، فإذا ما وقع من اجتذبوه في مهلكة ، لم يهرعوا لنجدته خوفاً من الاضطهاد الذي يعطل نمو مملكة الرب . ويتهم البعض المبشرين بأنهم يغفلون باستهتار الأعمال الانتقامية التي قد ينفذها البعض ضد الكنائس المحلية ومنظمات الإغاثة غير المعنية بالتبشير . ويقول "سانّا" وهو مسلم اعتنق المذهب الكاثوليكي ، ويُدرّس تاريخ المسيحية في العالم بجامعة "ييل" : "يأتي هؤلاء الدعاة دون أن يخبروا الكنائس المحلية ، ويثيرون المواطنين ، ثم لا يلبثوا أن يرحلوا عندما تظهر الصعوبات . لماذا يبدءون نزاعاً لن يواجهوا نتائجه القاسية؟ " . ويوضح سايبل أنه تم طرد كل المنظمات المسيحية بعد اعتقال "مرسر" و "كاري" في أفغانستان إلى أن سقط حكم طالبان لكن الأمور تختلف الآن ، فـ "روبرت" مبشر كثير الترحال ، ويريد الآن أن يستقر في ساحة عمل جديدة وهي العراق . فقد انتهى انتظار روبرت بعد أن ظل يعيش متوارياً عن الأنظار في عاصمة بلد مجاور ، ولا يتحدث عن العراق إلا بالرمز . ولكن بعد تحرير بغداد يستطيع الآن أن يذهب إلى ضالته المنشودة . لقد خطّط أن يدخل العراق ضمن مجموعة إغاثة إنسانية مثل مجموعة "صناعة الخيام" ، وأن يقوم بطبع منشورات باللغة العربية في انتظار مساعديه الذين سيأتون لاحقا بطريقتهم الخاصة مكتب التنصير الذي أغلقته طالبان لا يساند جميع المبشرين الحرب ضد العراق ، لكن بالنسبة لروبرت فقد أقتنع بجورج بوش . ويقول روبرت في رسالة إلكترونية : "لا بد من أن نعرف أن الدبلوماسية لا تتعامل مع الشيطان" ، ,هو يعلم تماما أن الزج بالإنجيل في مثل هذا المكان ، وفي مثل هذا التوقيت الحسّاس قد يثير العداء ، ومع ذلك فهو ينظر لهذا الأمر على أنه نتيجة محتومة . ويقول "روبرت" : إنه "متى خرق حصن الشيطان المسمى بالإسلام ، فإنه مع كل نقطة اختراق لهذا الحصن ، سيصاحبها مواجهه عنيفة . ومع أنه يعلم أن نشر المسيحية في العراق سيتسبب في مظاهرات وشغب غير أنه يؤمن بأن من صميم عمله أن يقلب تلك الأمور رأسا على عقب . إن من الضرورة بمكان أن نسأل : هل يوافق الشعب الأمريكي على أعمال مَن هم من شاكلة "روبرت" ؟ . فالمبشرون يتذمرون كثيرا لأن المسلمين يتصورون أن الأمريكيين مروجون لثقافة الخلاعة والفجور ، لكن مع الحملة الشرسة التي يقوم بها المبشرون تزامنا مع الوضع الحساس في الشرق الأوسط ، فإنه من المنتظر أن يتغيّـر مثل هذا التصور ، وأن يرى المسلمون الأمريكيين من منظور آخر . لقد حدثت ضجة بسبب الدور الثلاثي لفرانكلين جراهام ، حيث يسب الإسلام قائلا : "إنه دين مؤذ و شرير جداً "، ومن ناحية أخرى هو محبب لدى إدارة الرئيس بوش حيث أحضروه ليلقي خطبة الجمعة الحزينة في البنتاجون ، و وهو نفس الشخص الذي يُنتظر أن يقوم بترويج المساعدات الإنسانية جنبا إلى جنب مع ترويجه للإنجيل في العراق المحرر . إن جراهام جزء من حملة تبشيرية على العراق تتضمن منظمات تبشيرية إنجيلية ، مثل منظمته و منظمات خيرية غير دعوية . وتكتفي بعض المنظمات التي تذهب هناك بتقديم المساعدات الإنسانية ، كما تقدم أيضاً المساعدات إضافة للدعوة للمسيحية . أما البعض الأخر مثل منظمتي"المجتمع الدولي للإنجيل" و "تعليم أمة كاملة أو داون إحتصاراً" فيكتفي بالدعوة إلى المسيحية فقط . الحركة التبشيرية الإنجيلية لم تحظ بفرصة جيدة منذ عقد من الزمان ، مثل تلك التي حصلت عليها في العراق . ويقول ريتش هايني من منظمة داون : إنه بسبب القصف المستمر من قوات التحالف ، أصبح كثير من المسلمين في شك من دينهـم حتى أنه في مقدورنا أن نقول أن هذه الحرب هي نعمة للمبشرين . لكن مثل هذه التعليقات تثير حنق "كامبل" مؤلف كتاب "عندما يصبح الدين شريرا" ، حيث يقول : "إن هذه المنطقة عانت بما يكفي من ماضي مليء بالحروب الصليبية والاستعمار" . و يقول عزام التميمي مدير معهد الفكر السياسي الإسلامي في لندن "إن مشهد القوة العسكرية الغاشمة وهي تجتاح العراق ، يثير تساؤلات حول النوايا الحقيقة للولايات المتحدة ، هذا بالإضافة إلى أنه يصبح من السهل اعتبار كل ما حدث ، هو بمثابة انتصار للمسيحية الأمريكية وبخاصة في ظل هذا التواجد التبشيري الشرس . فأينما ذهبت تجد من المواطنين من يقول : ألم تسمع عن المبشرين الأمريكيين الموجودين في الأردن بانتظار الذهاب إلى العراق؟ . إن الذين يقولون بهذا هم من الطبقة المتعلمة . في الظروف العادية لم يكونوا ليأبهوا بالتواجد التبشيري ، لكن بعد ما حدث فإن من الصعب عليهم أن لا يظنوا بأن هذه الحرب ، إنما هي صليبية تشنها الإدارة الأمريكية ضد الإسلام . مازال الإنجيليون التبشيريون مصممين على أن رسالتهم مبنية على المحبة . هؤلاء المبشرون على دراية جيدة باحتياجات العالم الإسلامي المادية على عكس المواطن الأمريكي العادي ، وتبشيرهم بالمسيحية ينبع من الدافع النبيل ذاته الذي يدفعهم لتلبية احتياجات العالم الإسلامي المادية . وهناك من يدعي أن جماعات المعونة المسيحية تقدم العون فقط كستار لأعمالهم الدعوية ، لكن مثل هذا القول غير منصف لمن يقدمون خدمات إنسانية ، بل وخدمات بطولية في بعض الأحيان ، لا لشيء إلاّ لأن هذه هو ما أمرهم به المسيح . فقد كان المسيح قدوة في تقديم المأكل والعلاج للآخرين . ولكن مما لا شك فيه ، إنه برغم أن بعض المبشرين يحبون المسلمين ، إلا أنهم يودون لو يردوهم عن الإسلام . وقد عاب البعض على جراهام ما قاله عن أن الإسلام "شرير و مؤذ" ، لكن انتقادهم كان بسبب طريقته في التعبير ، وليس بسبب مضمون الكلام . أما البعض الآخر فيقول : إن جزءاً من الإسلام مخطئ وليس كله ، لكن الغالبية العظمى توافق على التعميم الذي قاله "لويس بوش" عن الإسلام والبوذية والهندوسية حين قال : "إن الشيطان يريد أن يجعل الناس تعساء على قدر المستطاع ولأطول فترة ممكنة" . من المؤكد أن تلك الأيديولوجية تتنافى مع ما قاله الرئيس بوش عن أن الإسلام دين سلام ، ومع زيارته لمسجد العاصمة الأمريكية واشنطن ، ودعوته للقيادات الإسلامية لحضور إفطار رمضان في البيت الأبيض . كما أن تلك الأيديولوجية من شأنها أن تعرقل الجهود الأمريكية لمساندة تيار إسلامي معتدل في الشرق الأوسط . بيد أن الإدارة الأمريكية تنظر إلى ما يحدث من منظور أخر ، فبعض المسؤولين يعترفون بوجود مبشرين من طراز رعاة البقر الذين يقدمون على أفعال غير محسوبة العواقب ، غير أنهم يؤكدون أن الغالبية من المبشرين يقدمون العون للناس ولكن ليس ليُنّصِروهم ، كما يفرح المسلمون في الوقت ذاته بتلك المعونات . لكننا مع ذلك ، نجد متحدثة باسم هيئة المعونة الأمريكية تقول لمراسل موقع "بليفنات" على الإنترنت : إنهم لا يستطيعون السيطرة على المنظمات الخيرية الخاصة ، رداً على تساؤل حول دور جراهام في العراق . كما قال مسئول حكومي لمجلة التايم : إنه بالنظر إلى العلاقة الودية بين الرئيس بوش و اليمين المسيحي ومساندته للمنظمات الخيرية الدينية ، فإنه يكاد من المستحيل أن يمنع البيت الأبيض منظمات الإغاثة المسيحية من الذهاب إلى العراق . الواقع ، إن الجدال الدائر في الولايات المتحدة حول المبشرين في العراق ، قد أثار حوارً مماثلاً في الوسط التبشيري الإنجيلي ، أو بمعنى أصح أثار جولة جديدةً من النقاش الأزلي حول كيفية توصيل المسيحية للآخرين . وفي الاجتماع الذي أعدته الهيئة البحثية "إثيك أند بولوسي سنتر" في الشهر الماضي ، احتدم الجدل ونقد الذات بين الحاضرين وسط إحساس بأن تقديم المسيحية للمسلمين قد وصل إلى مرحلة حرجة . وقال أحد الحاضرين "إذا لم نفلح هذه المرة ، فسنفقد أهميتنا" كما أكد أحد الحضور ويدعى "سيرج داس" من منظمة "كريستيان شاريتي ورلد فيشون إنترناشونال" أن الخلاف الحالي ، ما هو إلا أزمة عابرة . فالقيم التبشيرية لا يجب أن تُقيّم بناء على الأشهر القليلة الماضية ، وإنما بناء على النصف المنقضي من القرن الماضي ، والذي قام المبشرون خلاله بتقديم المساعدات الإنسانية والتنمية والرعاية الصحية للأطفال والاستشفاء والاتصالات . فقد قدموا كل ذلك لأنهم "يحبون الله و يحبون الجار" . ولا يزال الحوار مع داس الذي يقول إنه في بعض الأحيان يستطيع المبشر التحدث بحرية عن عقيدته ، بينما يلتزم في أحيان أخرى بالصمت والكتمان ، وهنا يجب أن نتحلى بالحكمة . وفي نهاية المطاف ، فإن الحكمة تأتي من السماء . لقد نادى المؤذن للصلاة مرتين ، وجوش المبشر الذي يعمل في مهمته الأولى ينظر من نافذته ليرى إمرأة عجوزاً محنيةً ومتشحةً بعباءة مموجة ، تمشي ببطيء في اتجاه تل قريب . هذا المشهد أسرى القشعريرة في جسد جوش ، حيث أمتزج حماس الشباب برغبته في هداية الآخرين .. ويقينه بأن العناية الإلهية ستصل إلى هؤلاء الناس . ويقول "جوش" إنه حين يرى مثل هذه السيدة يتساءل : "ما قصتها ؟ وكيف أساعدها ؟ ، وعندما أحس بالرب في قلبي أجد أنه من الصعب أن أكون في هذا المكان ولا أستطيع أن أتحدث مع الناس وأن أحبهم وأن أتعرف عليهم . في كل يوم أناجي الرب قائلا : استخدمني ، قل ماذا أفعل ، قل لي ماذا أقول" . ** نشر هذا المقال الذي كتبه "ديفيد بان بيما" في مجلة "تايم" (TIME Magazine) الأمريكية في شهر يونيو الماضي ،في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق . ومع أن فكرة وجود حملات تبشيرية أمريكية وغربية في الدول المسلمة ليست بجديدة ، إلا أن عمق التفاصيل وكثرة المعلومات عن أساليب تلك الجماعات هو على درجة كبيرة من الخطورة والأهمية ، ما يدفع بنا لنشر تلك المعلومات على موقع "محيط" ، حتى تتاح لقرائه في كل البلاد العربية والإسلامية فرصة الاطلاع عليها ، وبخاصة علماء المسلمين الذين يقع على عاتقهم عبء التحوط من خطورة هذا العمل والتصدي له .