في مغرب دينه الإسلام ويعــترف بحقـوق الإنسـان توجد إدارات رسمية ومؤسسات غير حكومية تمنع الحجاب..
نسوة تشبثن بستر أجسادهن ووضع غطاء على رؤوسهن وفق ما أمر به الله تعالى، لكن لم يجدن سوى الصد والإقصاء كلما بحثن عن عمل يناسب مؤهلاتهن العلمية، ومنهن من عشقن العمل العسكري أو المجال الأمني، ولما اقتنعن بأن يرتدين لباساً ساتراً فوجدن أنفسهن في ورطة قوانين تجاوزتها دول غربية، وأخريات طردن من شركات خاصة بعد أن عملن لمدة لا يستهان بها، هذه الشريحة تتمنى أن يأتي يوم يرفع هذا التمييز ضدهن ويكون المقياس المحدد لعملهن هو الكفاءة والمهنية، وليس اللباس وشكله.
فيما يلي نستعرض معاناة بعضهن، ونعرض تصريحات بعض المهتمين بالموضوع.
يرفضون تشغيلي بسبب الحجاب
مغربيات مسلمات اقتنعن بارتداء الحجاب، لكنهن لم يجدن سوى الصد والإقصاء كلما طرقن باب عمل يناسب مؤهلاتهن العلمية.
تقول فاطمة خريجة مدرسة ''علوم الإعلام بالرباط'': «توصلت باستدعاء من شركة خاصة بمدينة الدار البيضاء لإجراء مقابلة بهدف التوظيف، غير أن سكرتيرة مدير المؤسسة أخبرتني أنه من الأفضل ألا أقابله وأنا مرتدية الحجاب، لأن الرفض سيكون مصيري».
وتنقل الضحية عن السكرتيرة قولها: «إنهم لم يكونوا على علم بأنك (الضحية) محجبة، لأن ملف الترشيح لم يكن يحتوي على صورة، ولو علموا بذلك لما طلبوا منك المجيء».
معاناة خريجة معهد علوم الإعلام لم تنته عند هذا الحد فقط، بل تجاوزتها إلى حالات عديدة من رفض طلبات عملها بسبب الزي الشرعي، تؤكد الفتاة ذلك بقولها: "ما تزال معاناتي مستمرة، إذ يتم رفضي من قبل البنوك والمؤسسات الخاصة بسبب الحجاب".
عائشة فتاة أخرى حرمت من حقها في الظفر بمنصب شغل يعينها على قسوة العيش، ليس بسبب كفاءتها، فصاحب الشركة قد شهد لها بذلك، بل لأنها أرادت أن تكون حرة في اختيار نمط لباسها الموافق لما يدعو إليه الدين الحنيف.
تروي لنا زينب قصة مساومة ذلك الأسباني لها من أجل قبول ملف ترشيحها شريطة نزعها الحجاب، تقول الضحية الثانية: «قدمت ملف عملي لشركة فلاحية يسيرها مواطن أسباني بإقليم اشتوكة آيت بها، فاستدعيت لأجل العمل، وعندما أجريت معه مقابلة، بعد أن اطلع على ملفي، قال لي إنه مستعد لأن يشغلني بمبلغ مادي كبير، كما أنه مستعد أن يوقع عقد عمل منذ تلك اللحظة، غير أنه يشترط أن أنزع حجابي، فأجبته بأن الأرزاق بيد الله، ولن أعصي أمر ربي لأجل هذا العمل»، وتضيف زينب في مروءة عالية: «تركت هذا العمل وانصرفت رغم أنني كنت في ظروف مادية سيئة»، إصرار زينب على عدم الرضوخ لطلبات أرباب الشركات بشأن نزع الحجاب جعلها تظفر أخيراً بعمل بعد شريط طويل من المعاناة، تؤكد زينب ذلك في حديثها إلينا بالقول: «تكرر أمر رفضي مع شركات أخرى إلى أن عملت بإحداهن». وتخبرنا المتحدثة ذاتها أن إقليم اشتوكة أيت بها، وغيره من الأقاليم، يشهد على رفض العديد من الشركات تشغيل الفتاة المحجبة، ليس لانعدام الكفاءة، ولكن بسبب الحجاب، وتختم زينب حديثها بصرخة مدوية في وجه المسؤولين والحقوقيين والجمعيات النسائية «أين حقوق المرأة التي ينادون بها، ومن للفتيات اللاتي يعانين في بلد مسلم؟».
رفضت نزع الحجاب فطردوني
أقدمت العديد من الشركات، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وهجمات 16 مايو الإرهابية بالدار البيضاء، على طرد عاملات، ليس على خلفية ارتكابهن أخطاء مهنية أو أخلاقية، بل لأنهن ''محجبات''، فلا ''المحجبة'' التي هي بصدد البحث عن عمل تحظى بالمساواة أمام الشركات المشغلة، ولا ''المحجبة'' العاملة تسلم من قرارات الطرد والتعسف، كلهن ''مخيفات'' وكلهن غير ''مواطنات''.
تسرد فاطمة، عاملة سابقة بشركة خاصة بالدار البيضاء، حكاية طردها وزميلات أخريات لها من العمل بعد رفضهن طاعة رب الشركة وعصيان رب الخلائق أجمعين، فتقول: «فوجئت باستدعائي من لدن إدارة الشركة التي كنت أعمل بها، وتوجد بمدينة الدار البيضاء، والتي طلبت مني نزع الحجاب لأكون قدوة لزميلاتي، لأنني كنت أكبرهن سناً، كما كنت أحظى بالتقدير والاحترام داخل هذه الشركة، غير أنني ـ تتابع فاطمة ـ رفضت طلب الإدارة وقلت لهم إنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».
وتؤكد فاطمة أن عشرات من زميلاتها في العمل القديم جوبهن بالطلب نفسه، فاستجاب بعضهن اضطراراً، فيما امتنعت أخريات بإصرار وقوة، فكان مآلهن المغادرة. تقول فاطمة: «من بعدي نودي على عشرين عاملة، واحدة تلو الأخرى، وخيرتهن الإدارة بين العمل والحجاب، فمنهن من استجابت لطــــــلب الإدارة، ومنهن من طردت من العمل».
فاطمة في نهاية تصريحها لنا استنكرت ما فعلته إدارة الشركة، وتساءلت عن حق النساء المغربيات في ارتداء ما شئن: «إنني أقول بهذه المناسبة إنه من حقنا كنساء أن نرتدي أي لباس شئنا.. ولماذا لا تحاسب الفتيات اللاتي يرتدين لباساً يخالف دين الدولة المغربية»، واستطردت فاطمة بالقول «نحن نشعر وكأننا في بلد غير مسلم مادامت فريضة الحجاب تحارب علناً ولا من مغيث أمام المسؤولين» ثم أطلقتها مدوية: «إلى متى هذا الوضع؟».
لم تكن العاصمة الاقتصادية أو إقليم اشتوكة أيت باها وحدهما اللذان عرفا نماذج من طرد العاملات بسبب الحجاب، بل ومدينة تمارة المتاخمة للعاصمة الرباط هي الأخرى سجلت تسريح الكثير من الفتيات، فقد وجهت عشر سيدات متضررات شكاية إلى النائب البرلماني شكيب بناني عن المدينة نفسها، يؤكدن فيها أن مدير الشركة قام بطردهن من العمل بعد إصرارهن على ارتداء الحجاب، في وقت قبلت بعض زميلاتهن التخلي عن الحجاب ليتم التراجع عن قرار طردهن، وذكرت العاملات في رسالتهن أن الفقر والحاجة كانا دافعين قويين لحمل هؤلاء النسوة على نزع حجابهن، مثلما هو الأمر بالنسبة لمن يرغمن على مزاولة أنشطة غير شرعية من شأنها أن تمس بكرامة الإنسان».
ميادين محظورة على المحجبات
كثير من الفتيات المغربيات اللاتي يرتدين الحجاب يردن ولوج الأكاديميات أو المدارس العسكرية، ومعاهد تدريب الشرطة والقوات المساعدة والوقاية المدنية، ومؤسسات تكوين مضيفات بالطائرات وغيرها من المؤسسات الأمنية، لمقاسمة زميلات لهن غير محجبات هم الدفاع عن حوزة البلاد وأداء واجب من واجبات المواطنة إلى جانب الرجال، وكثير من هؤلاء الفتيات تحدوهن رغبة جامحة في دخول مدارس لتكوين أطر المستقبل كالمدرسة المحمدية للمهندسين ومدرسة تكوين أطر وزارة الداخلية، لكن أحلامهن وأحلام ذويهن، تكسرت على واقع تلزم فيه هذه المؤسسات التكوينية المستفيدين بالانضباط لنظام داخلي لا يترك الحرية للفتيات في ارتداء الحجاب.
تؤكد إحدى الطالبات بالمدرسة المحمدية للمهندسين بالرباط أنها ترتدي الحجاب خارج المدرسة، فيما تكون مجبرة على نزعه في الداخل مخافة أن يصيبها مكروه، أو أن تجد نفسها وراء أسوار المؤسسة وقد حطم مستقبلها إلى الأبد، وتضيف الطالبة أنها تعيش واقعين اثنين، أولهما داخل المدرسة، حيث تكون بدون حجاب، وثانيهما حيث تتمتع بهذا الحق.
وغير بعيد عن معاناة هذه الطالبة تعيش إحدى الأمهات بين رغبتها الجامحة في أن ترتدي ابنتها الحجاب، وبين قناعتها التامة، وهي زوجة لأحد ضباط الصف، في أن هذا الحجاب سيقف حاجزاً أمام تحقيق حلم فلذة كبدها في ولوج الأكاديمية العسكرية، تقول الأم المسكينة بعبارات مؤلمة: «أريد أن تكون ابنتي محجبة، لكنني أرغب أيضاً في أن تصير ضابطاً في القوات المسلحة الملكية»، مضيفة بالقول «إنني في حيرة من أمري».
ومما يقوي شكوك الفتيات والعائلات وتخوفاتهن من أن ترفض طلبات ولوج هذه المدارس العسكرية والأمنية بسبب الحجاب إلى واقع معيش، شهادة إحدى الموظفات بالأمن الوطني، التي أكدت أنها وقعت على دورية تمنعها من ارتداء الحجاب، عقب أحداث 16 مايو.
تقول الموظفة «اشتريت لباس الحجاب لأرتديه غير أنه وبعد أحداث 16 مايو وقعنا على دورية تحول دون ذلك»، وتتابع الموظفة حديثها إلينا بالقول: «أنا مازلت أنتظر يوماً يسمح فيه للمرأة المغربية بكل الميادين أن تلتزم بفرض إسلامي هو (الحجاب)».
وتشير الموظفة إلى أنها تعرف صديقات لها «يرغبن في ارتداء الحجاب، غير أن الالتزام بالزي النظامي يقف حاجزاً دون ترجمة ذلك»، ولم تنف وجود موظفات في الأمن الوطني يرتدين الحجاب، وقالت: «هذا لا يعني عدم وجود محجبات موظفات في الأمن الوطني، غير أنهن يلبس اللباس المدني فقط»