نداء الإيمان | التاريخ(هجرى - ميلادى ) | مواقيت الصلاة واتجاه القبلة | موجز الصحافة | إلى كل المسلمات | قرأت لك
إطلاق سراح الترابي.. وتفكيك أزمات السودان
رضا عبد الودود / القاهرة     27/5/1426        
04/07/2005
كل الشواهد على الساحة السودانية تقول: إن السودان اليوم بات أكثر تصميماً على صياغة سلام ثابت ومستقر؛ إذ تتدافع الجهود التي نجحت إلى حد ما في وقف عجلة التدافع الأمريكي والغربي (الخارجي) على السودان، وبدت الخبرات السياسية في التفاعل الهادئ والتعاطي مع أزمات الداخل السوداني الملتهبة وتفكيكها واحدة تلو الأخرى.
وبدت عجلة الإنجازات في الدوران مجدداً بعد إنجاز اتفاق السلام مع الجنوبيين واتفاق الشمال مع التجمع الديمقراطي المعارض -بالرغم من المخاوف المثارة حولهم- ثم الولوج بهدوء مع موضوع دارفور؛ حيث أوقفت معظم أنشطة الجماعات المنفلتة، ثم جاء التطور الأبرز في الملف السوداني يوم الخميس الماضي بإطلاق سراح الدكتور حسن الترابي رئيس حزب المؤتمر الشعبي، ورفع الحظر عن نشاط الحزب وكل مقارّاته وصحيفته، وعن جميع ممتلكات الترابي. ونفى الترابي وجود أي صفقات أو شروط مقابل الإفراج عنه.
وجاء الإفراج عن الترابي بعد ساعات قليلة من خطاب للرئيس السوداني عمر البشير الخميس الماضي، ألقاه بمناسبة ذكرى انقلاب 1989 الذي دخل من خلاله سدة الرئاسة، وأعلن فيه قراراً بالإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين.
الترابي الرقم الصعب
ويشكل الترابي أزمة للنظام السوداني، سواء أكان جزءًا من النظام أم خارجاً عنه، فهو واضع الدستور الأخير قبل تعديله بعد اتفاقية السلام، وهو صانع طبقة الحكم في الخرطوم.
وجاءت تلك الخطوة في إطار سعي الحكومة الخروج بالمجتمع السوداني من حالة الاحتقان السياسي التي فرضتها حالة الطوارئ المفروضة على الساحة السودانية بفعل الحرب الجنوبية الممتدة منذ 1983، والتمرّدات المتلاحقة في غرب السودان في دارفور ومع قبائل البجا ودعاة الحروب والتوترات من إرتيريا، وتستكمل الحكومة تلك الخطوات بإلغاء حالة الطوارئ المزمع اتخاذ قرار بشأنه عقب توقيع قرنق والبشير على الدستور الجديد وبدء الفترة الانتقالية لمدة ثلاث سنوات، ويكون قرنق فيها نائباً أول للبشير ابتداءً من يوم التاسع من يوليو الجاري.
وكان الترابي حليفاً للرئيس البشير ومنظِّر انقلاب 1989 قبل أن يقع خلاف بينه وبين البشير، قرر على إثره البشير في أواخر 1999 حل المجلس الوطني (البرلمان) الذي كان يرأسه الترابي واعتقاله في فبراير 2001، كما قرر إغلاق حزبه (المؤتمر الوطني الشعبي)، بعد أن أبرم اتفاقاً منفصلاً مع الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة جون قرنق لتصعيد المعارضة ضد حكومة البشير لإسقاطها، وقت أن كانت في حالة حرب مع قوات جون قرنق في الجنوب.
وأفرجت السلطات السودانية عن الترابي بعد أكثر من عامين من الاعتقال والإقامة الجبرية في 13-10-2003 ، ثم اعتقل مرة أخرى في مارس 2004 بتهمة التخطيط لقلب نظام الحكم.
وعلى الرغم من أن السلطات السودانية لم توجه له أي اتهامات رسمية، ولم يمثل أمام القضاء، فإنها اتهمت عدداً من أعضاء حزب المؤتمر الشعبي بالتورط في محاولة انقلاب، كما ربطت السلطات بين حزب المؤتمر الشعبي والتمرّد في دارفور بعد أن تعاطف معه الترابي علناً.
وُلِد الترابي سنة 1932 لعائلة كبيرة في منطقة "كسلا" عُرفت بالعراقة في العلم والدين، وتدرج في سلك التعليم حتى حصل على شهادة عليا في القانون، ثم نال الماجستير من جامعة لندن، والدكتوراه من جامعة السوربون، وأجاد الإنجليزية والفرنسية والألمانية.
وبعد عودته للسودان تولى الترابي عمادة كلية الحقوق بجامعة الخرطوم، ثم جاءته فرصة تولي القيادة الفكرية والحركية للحركة الإسلامية في السودان بعد أن استقال "الرشيد الطاهر" المراقب العام للإخوان المسلمين من منصبه سنة 1964.
إلا أنه تبقى الكثير من المخاوف التي تحيط بدور الترابي في الفترة القادمة، خاصة في المرحلة الانتقالية؛ إذ جاءت أول تصريحات للدكتور الترابي عقب الإفراج عنه غير مطمئنة؛ فهو قد انتقد بشدة سيطرة النظام الحاكم واحتكاره للسلطة في البلاد، لأن البلاد تشهد تراجعاً للحريات التي وصفها بأنها "محجورة". كما انتقد الترابي الدستور الانتقالي الجديد المرتقب التوقيع عليه يوم 9-7-2005، وقال: "إن الدستور الجديد لم يعط مجالاً للحريات أصلاً".
وأضاف: إن الصحف ما تزال مراقبة، والأحزاب مقيدة، والتظاهرات التي تقع في كل أنحاء العالم موقوفة في السودان.
والقراءة المتأنية لتلك الآراء والتصريحات التي أطلقها الترابي تعبر عن كثير من التطورات التي ستشهدها الساحة السودانية خلال المرحلة المقبلة؛ إذ ستنتقل الصراعات على السلطة والثروة من مستوى جبهوي إلى مستوى آخر طبقي وفئوي؛ فقد أكد الترابي أن تركيزه في المرحلة المقبلة سيكون حول حرية الصحافة والتعبير وعدالة توزيع الثروات لكل الطبقات، الأمر الذي يثير الكثير من الحساسيات.
ما وراء الإفراج
ولعل إطلاق سراح الترابي يعكس ثقة الرّئيس عمر البشير في قوة نظامه وقدرة حكومته على احتواء أي تهديد من الترابي، كما أنه اختبار لقدرة الخرطوم للحصول على التأييد من التيار الإسلامي لمعاهدة السلام بين الحكومة ومتمردي الجنوب.
فمن المحتمل أن يكون زعيم المعارضة (الترابي) قد وافق على دعم مبادرة سلام الرئيسِ، وكذا علاقات الخرطوم "الواعدة" مع واشنطن. وأما الرئيس البشير، فبعد أن فاوض حول الهدنة مع متمرّدي الجنوب وكسب الثقة الأمريكية، فإنه من المتوقع أن ينتقل الآن إلى إعادة بعث العلاقة، وترتيب الوضع مع المعارضين له بقوة، ليتمكن في المدى القريب من تقوية نظامه.
ومن المحتمل أن يراهن الرئيس السوداني على أنه إذا كسب الترابي، فإنه
يستطيع الفوز بتعاون تيار واسع من المعارضين في السودان، ويمكنه بهذا احتواء تهديداتهم لحكومته وتعزيز معاهدة السلام المدعومة من قبل الولايات المتحدة، وقد تأمن واشنطن جانب البشير في مساعيه لاستعطاف المعارضة الإسلامية، إلا أنها ستراقب الأحداث في الخرطوم بعناية خلال الأشهر القادمة.
ويحتاج الرئيس السوداني إلى تكاتف ودعم مختلف التوجهات السياسية المحلية خلال الفترة الانتقالية التي تستغرق ست سنوات، ليتم بعدها إجراء استفتاء لتقرير مصير الجنوب، وفي هذا الإطار جاءت تصريحات وزير الخارجية مصطفى إسماعيل عثمان يوم الأربعاء الماضي على هامش اجتماعات الدورة الـ(32) لوزراء خارجية المؤتمر الإسلامي المنعقدة في صنعاء، وذلك بأن حكومة بلاده انتهجت سياسة الحوار مع كافة الفصائل السودانية في الداخل والخارج ولا رجعة فيها، ومن ثم فإن من حق الترابي التفاوض مع الحكومة وتقريب وجهات النظر لتقوية الجبهة الداخلية التي تفكّكت بسبب الحروب والمؤامرات الخارجية.

موقع الإسلام اليوم    09/07/2005