نداء الإيمان | التاريخ(هجرى - ميلادى ) | مواقيت الصلاة واتجاه القبلة | موجز الصحافة | إلى كل المسلمات | قرأت لك
وسطية أهل السنة والجماعة وطريقتهم
بقلم الدگتور: علي بن فهد أبا بطين *
لقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار، ولا ينجو منها إلا واحدة، فقال في الحديث الصحيح (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قال من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي). وهذه الفرقة الناجية هم أهل السنة والجماعة الذين توسطوا فرق وطوائف هذه الأمة بين الإفراط والتفريط وبين الغلو والجفاء، فهم وسط في جميع أمور الدين وأحكامه، ومن ذلك الأصول الأربع العظيمة التي ضل فيها كثير من الفرق والطوائف فحادوا عن الطريق المستقيم الذي أوصى الله به عباده وأمرهم بلزومه وحذرهم من مخالفته، فقال سبحانه: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون (153)} [الأنعام].
وهذه الأصول هي:
الأول: نصوص الوعد والوعيد: فأهل السنة والجماعة وسط في هذا الأصل بين طائفتين ضالتين، الأولى: طائفة الخوارج وهم الوعيدية الذين يكفرون المسلم بمطلق الذنوب والمعاصي ويخلدونه في النار ويستبيحون دمه وماله ويستبيحون الخروج على الأئمة والولاة، فهم بهذا يأخذون بنصوص الوعيد ويتركون نصوص الوعد، وسموا بذلك لخروجهم على أمير المؤمنين الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
والثانية: طائفة المرجئة الذين يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية، فيجعلون مرتكب الكبيرة مؤمنا كامل الإيمان ولا يستحق دخول النار أبدا، فالإيمان عندهم تصديق بالقلب وإقرار باللسان ولا يدخل فيه العمل، فيتساوى عندهم العدل والفاسق في الإيمان، ويرون أنه لا يجوز التكفير مطلقا حتى ولو ارتكب الإنسان كل النواقض، فهم يأخذون بنصوص الوعد ويتركون نصوص الوعيد. وأما أهل السنة والجماعة فهم وسط في هذا، حيث يجمعون بين نصوص الوعد ونصوص الوعيد، فلا يكفرون المسلم بمطلق المعاصي والكبائر ولا يخرجونه عن مسمى الإيمان، فالأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي، فهو عندهم مؤمن بإيمانه فاسق بمعصيته تحت مشيئة الله، فليس هو مؤمن كامل الإيمان كما تقوله المرجئة وليس بكافر خارج عن الإيمان كما تقوله الخوارج، ولا يحكمون على مسلم بالكفر إلا إذا ارتكب ناقضا من نواقض الإسلام المتفق عليها عند العلماء بشروطها المعلومة، فهم يجمعون في الإيمان بين القول والاعتقاد والعمل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وهذا هو المذهب الصحيح الذي دلت عليه نصوص الشريعة. والمتأمل لواقع هاتين الطائفتين (الخوارج والمرجئة) يجد أن انتشار فكر إحداهما في أي مجتمع كان يؤدي ضمنا إلى انتشار فكر الأخرى، لأنهما طائفتان متقابلتان في الفكر، فانتشار فكر الإرجاء مثلا الذي يغلق باب الردة، ويعتبر فكرا مقابلا للفكر الخارجي، يؤدي ضمنا إلى انتشار الفكر المقابل فكر الخوارج الذي يفتح باب الردة على مصراعيه. ومن هنا يتضح جليا ضرورة نشر المنهج القويم - منهج أهل السنة والجماعة - واجتثاث أصول هذه الأفكار الضالة وقطع دابرها لئلا تزل الأقدام ويقع ما لا تحمد عاقبته في العاجل والآجل.
الثاني: الأسماء والصفات: فأهل السنة والجماعة وسط في هذا بين طوائف التعطيل الذين أنكروا صفات الله تعالى وجحدوها، وطوائف التمثيل الذين أثبتوا الصفات مع تمثيلها بصفات المخلوقين، فأهل السنة توسطوا في ذلك فأثبتوا أسماء الله وصفاته على الوجه اللائق به من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل عملا بقوله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (11)} [الشورى].
الثالث: القضاء والقدر: فأهل السنة والجماعة وسط فيه بين طائفتي الجبرية والقدرية، فالجبرية غلوا في هذا الأصل، فنفوا إرادة العبد ومشيئته في أفعاله، فهم يعتقدون أن العبد مجبر على أفعاله ليس له مشيئة واختيار، والقدرية بضدها أنكروا مشيئة الله واعتقدوا أن العبد مستقل بإرادته ومشيئته ليس لمشيئة الله أثر عليه. وأما أهل السنة والجماعة فهم وسط في هذا الباب يثبتون مشيئة الله وإرادته ويثبتون مشيئة العبد واختياره في أفعاله، ويعتقدون أن مشيئة العبد واقعة بمشيئة الله تعالى مستدلين لذلك بقوله سبحانه: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين (29)} [التكوير].
الرابع: أهل البيت والصحابة رضي الله عنهم: فأهل السنة والجماعة توسطوا واعتدلوا في ذلك، فهم يحبون مؤمن أهل البيت لإيمانه ولقرابته من النبي صلى الله عليه وسلم، ويحبون الصحابة جميعهم ويعرفون لهم قدرهم وينزلون كل واحد منزلته التي يستحقها من غير إفراط ولا تفريط.
هذا من جهة وسطية أهل السنة والجماعة، وأما طريقتهم في سيرتهم وعملهم فهي:
1 - التمسك بالكتاب والسنة عملا بقوله تعالى: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله  (153)} [الأنعام].  وبقوله صلى الله عليه وسلم: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي).
2 - الاجتماع وعدم التفرق والاختلاف امتثالا لأمره سبحانه، حيث قال: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا  (103)} [آل عمران]. وقال:{ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات  (105)} [آل عمران].
3 - لزوم السمع والطاعة للأئمة وولاة الأمور ما لم يأمروا بمعصية وإن جاروا، والنصح لهم وإقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد معهم أبرارا كانوا أو فجارا، لأن في طاعتهم تجتمع الكلمة ويتحد الصف وتتآلف القلوب ويعم الأمن وتقام الحدود وتظهر شعائر الإسلام، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه في موعظته البليغة (أوصيكم بالسمع والطاعة) وقال أيضا: (على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية).
4 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه الحصن الحصين والسياج المنيع والدرع المتين الذي يحفظ الله به الأمة ويدفع به عنها النقم والفتن، فهو وسيلة حفظ المجتمع وصلاحه واستقامته ولهذا أمر الله به وأوجبه فقال: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون (104)} [آل عمران].
5 - النصح لعموم الأمة وبث روح المحبة والألفة والتعاون بين المسلمين ممتثلين في ذلك قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا)، والأحاديث الواردة في ذلك.
6 - الدعوة إلى مكارم الأخلاق كالصدق والبر والإحسان إلى الخلق وحسن الجوار وغيرها، والنهي عن مساوئها كالكذب والعقوق وإساءة الخلق والظلم والعدوان.
أسأل الله سبحانه أن يجمع كلمتنا على الحق والهدى وأن يهدينا صراطه المستقيم وأن يوفق ولاة أمرنا لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين وأن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء ومكروه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
* عضو هيئة التدريس بالگلية التقنية ببريدة.

مجلة الدعوة    19/05/2005