بالمعايير الشرعية التي نصدر عنها ونرجع إليها، هي: تقديم لفضيلة الرحمة على حق العدل. وبالمقاييس الوطنية، هي حرص الوطن على الإصلاح حتى لمن أسرف على نفسه ومجتمعه إلى أقصى حدود الإسراف، ما دام لديه ذرة شجاعة يواجه بها ضلاله، ويستنقذ من خلالها روحه وكرامته ومشاركته في البناء والعطاء تكفيراً عن إسهامه القميء في الهدم والتخريب. أما من زاوية السياسة الحكيمة، فإنها ضربة معلم استحقت ترحيب القريب، وتقدير البعيد... ولسنا نشك - لحظة واحدة - في أن الجميع يدركون أننا نتحدث عن القرار الجريء الذي اتخذه ولاة الأمر - حفظهم الله - بفتح باب التوبة أمام الذين غرَّر بهم قادة الضلالة ومفتو الإرهاب، إذا ثابوا إلى رشدهم، وعادوا إلى حضن مجتمعهم الذي آذوه في أمنه واستقراره، وإذا رجعوا عن غيّهم إلى رحابة الدين الحنيف، الذي شوهوه زوراً وبهتاناً بما لم يستطعه أعداؤه المعلنون.. إن الوجه الأبرز في بهاء الفرصة الأخيرة للتوبة، يتمثل في أنه يجمع الحزم إلى الرحمة.. فلولا أنه جاء بعد أقوى صفعة سددتها أجهزة الأمن إلى فلول الإرهاب، لربما توهم سدنة الخوارج الجدد أنه نجاح لهم!!ولو أنه أسقط الحقوق الخاصة التي انتهكها من يعزم على التوبة، لربما تخيل هؤلاء ما يلائم عقولهم الكليلة ونفوسهم العليلة، ولو لم تكن المهلة محدودة في شهر واحد من تاريخ كلمة خادم الحرمين الشريفين التي ألقاها سمو ولي العهد نيابة عنه - حفظهما الله - لو لم تكن محدودة لأصبح باب التوبة مؤدياً إلى نقيض غايته، لأنه يشجع بذلك على مزيد من الإجرام.. أما تحديد الأمد، وصيانة الحق الخاص، وتوقيت القرار بعد إنجازات معتبرة، فإن ذلك كله دلالة على أن الرسالة رسالة رحمة حازمة، أو رسالة حزم رحيم.. ولأن الرسالة بهذا الحسم وهذا الوضوح، فإنها فعلت فعلها بعد إعلانها بساعات معدودات.. وإذا كانت البداية في شخص واحد، فإنها ستشهد مزيداً من التجاوب بإذن الله خلال المهلة المحددة. وكم كان جميلاً أن يتوازى مع مبادرة الصفح النابع عن ثقة واقتدار، جهد قوي جاء من جهة أهل العلم، إذ أعلن بعض العلماء والدعاة استعدادهم لتحدي أباطيل أهل الضلال علانية على الهواء لتفنيد أراجيفهم بالأدلة الساطعة الناصعة من الكتاب والسنَّة، وتطبيقات السلف الصالح في القرون الثلاثة المفضلة. ولا يتوقع عاقل أن قادة الفتنة سيرجعون عن باطلهم إذا استمعوا إلى كلام العلماء الثقات المؤيد بـ"قال الله، قال رسوله"، لكن فضيلة هذا التحدي العلمي، تأتي من قدرته على تعرية الأكاذيب المفتراة على ديننا الحنيف، في عيون بعض الشباب أحداث الأسنان، ومحدودي العلم، وقليلي الخبرة، لكي يتأكد لهم أن زعماءهم يغررون بهم ويقودونهم إلى التهلكة.. وبهذا وذاك، ينقطع كل عذر، وتنتهي الذرائع، مع أن الحق أبلج والصبح لاح لكل ذي عينين.