نداء الإيمان | التاريخ(هجرى - ميلادى ) | مواقيت الصلاة واتجاه القبلة | موجز الصحافة | إلى كل المسلمات | قرأت لك
الشاعر الطبيب عبدالله السعيد: انبجست ينابيع الشعر من وجداني بعد اغتصاب ما تبقى من فلسطين

محمد شلال الحناحنة 
صدر للشاعر الإسلامي د.عبدالله السعيد ستة وخمسون كتاباً، منها سبعة عشر ديواناً من الشعر، وفي أمسية أدبية له في المكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي العالمية في الأردن، التقته المجتمع فحدثنا عن كثير من همومه الأدبية والوجدانية، فكان هذا الحوار:
 هل تحدثنا عن "طولكرم" تلك المدينة الفلسطينية المحتلة، ماذا تمثِّل في ذاكرتك الشعرية؟!
<< مسقط رأسي قرية "ذنّابة" إذ ولدت فيها عام 1930م، وهي الآن ضاحية من ضواحي مدينة طولكرم، تحفها من جميع أرجائها البساتين النضرة، تتهادى فيها يمنة ويسرة أفنان كثيرة من الأشجار من أعناب، وعنَّاب ولوز ورمان وتين وزيتون، وبرتقال، وعرائس النرجس، وبعد أن تخرجت في جامعة القاهرة سنة 1954م، عملتُ في الدمام في السعودية في عيادتي الخاصة طبيب أسنان ثلاثين عاماً، وذات يوم إذا بلهيب النوى واللوعة، وحرقة الشوق لقريتي التي اغتصبت بغياً وعدواناً سنة 1967، قذفت حمماً في صدري، فانبجست ينابيع الشعر من كوامن نفسي ووجداني، فقلت أوَّل مطلع قصيدة لي سنة 1967، وسميتها "رسالة إلى جرح"
يا إخوتي وطني انسلبْ
فدمي فداه لقد وجبْ
ثم نظمت قصائد عديدة في هذا المضمار، وأنا أنفث زفرات حرَّى تحسراً على وطني: قريتي، ومدينتي طولكرم، وكُلّ بلادي الحزينة التي تئن بجراحات عميقة وهي تحت نير الاحتلال اليهودي الحاقد.
 تتميز سيرتك الطبية والأدبية بالازدهار إذ صدر لك سبعة عشر ديواناً من الشعر العمودي، ورواية شعرية. هل تزيدنا إيضاحاً لهذه السيرة؟!
<< هذا بعون الله وتوفيقه، لقد ألَّفتُ خمسةً وستين كتاباً، وصدر منها ستة وخمسون، منها سبعة عشر ديواناً من الشعر، وسيصدر ديواني الجديد قريباً بعنوان "الأرض المباركة" بإذن الله، وكذلك صدرت لي رواية شعرية بعنوان "صامدون"، ومن دواويني: تأملات، ومناجاة، السيرة النبوية، صرخة شعب، نطق الحجر، انتفاضة الأقصى المبارك، حماة القدس، ومن الكتب الطبية والعلمية: السواك والعناية بالأسنان، من الإعجاز الطبي في القرآن الكريم الرطب والنخلة، الرضاعة الطبيعية، ومن الإعجاز في الأحاديث النبوية الشريفة: الحبة السوداء، الطب النفسي، زيت الشجرة المباركة، العسل، الحجر الصحي، علم الوراثة، وكذلك لي من الكتب: المستشفيات الإسلامية، الطب ورائداته المسلمات، الممرضات المسلمات الخالدات، الزهراوي "وهو تحقيق بالعربية لمخطوطة التصريف لمن عجز عن التأليف فيما يتعلق بطب وجراحة الفم والأسنان".
 من هنا ألا يمكن أن نقرأ بإيجاز ديوانك "مناجاة"؟!
<< صدر هذا الديوان عن مكتبة المنار "الأردن الزرقاء" وصدرت طبعته الثانية عن دار العلم للنشر في مدينة رام الله في فلسطين، ويحوي أربعمئة وتسعة وأربعين بيتاً على بحر واحد هو الكامل وقافية واحدة هي الرائية، ومن قصائد الديوان: الحمد، التسبيح، التقوى، الدنيا، الإيمان، وغيرها، وفي الديوان تلك المعاني الإسلامية، من تقلب الأحوال، وأن السعادة ليست بالمال، فقد يزيد المال الإنسان تعاسة وشقاء إن فقد الإيمان بالله، والعاقل المؤمن لا يغره شبابه وفتوته ونعيمه فكلها فانية كالأزهار تكون في قمة شذاها وجمالها عند تفتحها وسرعان ما تذوي وتذبل فأقول:
يفنى الورى بنهاية الأعمار
إن الدنى ليست بدار قرار
ما ازداد جامع ثروة إلا أسى
يلقى العناق بالفتر والإكثار
ما أجمل الأزهار عند ظهورها
لكن أتبقى بهجة الأنوار
وكان لقصيدة الأم أثر عميق في نفسي، فهي تستحق كل تبجيل وتقدير وإحسان: وقضى" ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا (الإسراء:23)، فهي التي حملتني وهناً على وهن، ووضعتني كرهاً وذاقت شتى أنواع العناء، وهدهدتني صغيراً، وأرشدتني الصراط المستقيم كبيراً، وبرضائها أصبح الدرب لي منيراً ففي ذلك إرضاء لله وهدايته وتوفيقه، وبموتها الذي أحزنني كثيراً، زحف الدجى ورمى عليَّ سدوله فقلت عند رثائها:
أمر الإله الواحد القهار
دوماً على كُل البرايا ساري
وهب الحياة لخلقه فأرادها
هل من مرد من قضا الجبار
أمي كعيني لا أرى لما اختفت
فالأم كالأنوار للأبصار
أمي كروحي هل أعيش بدونها
برضائها ألقى رضا الغفَّار
يا رب أكرمها وأسكنها الجنان
مع التقاة وزمرة الأبرار
وبإيجاز فالديوان زاخر بالمناجاة الإيمانية والدعاء والاستغفار واللجوء إلى الله من إنسان شاعر ضعيف مرهف.
 دعني أسأل: أنت طبيب في الأصل، ما الذي تصبو إليه بدراستك في السيرة النبوية الشريفة؟!
<< إن الذي أصبو إليه هو إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى، والاقتداء برسول الله، رسول العالمين ص، وتقوية الإيمان في النفوس والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وعمل الصالحات والحث على الاستعانة بذكر الله دائماً، والانتصار للحق، وقهر الظالمين، من خلال مهنة الطب التي أعمل فيها منذ عشرات السنين، ومن خلال موهبتي الأدبية وشاعريتي، فقد ألفت كتباً في الإعجاز النبوي الشريف، من خلال الطب النبوي، كما نظمت السيرة النبوية كاملة في أجزاء ثلاثة على فترات مختلفة "العصر المكي، الهجرة النبوية، العصر المدني"، وتحوي ألفين وأربعمائة بيت من الشعر العمودي، على بحر واحد، وهو الوافر، وقافية واحدة هي النونية، وأسأل الله الأجر والمثوبة، وأن يكون عملي خالصاً لله، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
 إذن هل هناك توافق بين عبدالله السعيد الأديب وعبدالله السعيد الطبيب؟
<< الأدب والطب توأمان، بل روحان في جسد واحد، وبهذا فقد جاء في المعجم الوسيط: "الأدب هو ما أنتجه العقل الإنساني من ضروب المعرفة الجميل من النظم والنثر"، والطبيب صاحب علم ومعرفة وخصوصاً طبيب الأسنان الذي يحب كل شيء جميل، لأن من اختصاصه تقويم الأسنان إذا اعوجّت، ليظهر وجه الإنسان كما أمر الله سبحانه وتعالى: في أحسن تقويم (4)(التين)، والشعر قبس من الشعور، وهو عاطفة تذوب بفكرة وضَّاءة، وهو زينة المجالس، ويحيي في النفوس الفضائل، وذو حكمة وهذه كلها من صفات الطبيب الفاضل الناجح، وكان الأقدمون يدعون الطبيب حكيماً، وقال ص: "إن من الشعر لحكمة"، ومن البديهي أن للطبيب إحساساً مرهفاً، لأنه يومياً يحسّ بمعاناة وآلام مرضاه، ومن واجبه الإنسانيّ والمهني إزالة تلك الأوجاع والإحساس بها، وبذلك تقوى حساسية الطبيب وتتسامى مشاعره وإذا تفجَّرت، انبجس منها الشعر، ومن هذا المنطلق فلا عجب، من أن يظهر من الأطباء شعراء ذوو بلاغة وحكمة، ولقد ألفت بهذا الخصوص كتاباً بعنوان: "من مشاهير الأطباء الشعراء"، ولذا فهنالك توافق تام بين أدبي وشاعريتي ومهنتي الطبية.
 نلت عدّة جوائز أدبية، ما أثر هذا الفوز في أدبك ونفسك؟
<< بفضل الله وعونه نلتُ تسع جوائز، منها الجائزة الأولى في مسابقة الجمعية العلمية الفلسطينية لأبدع قصيدة عام 1996م، وجائزة الكتاب العالميين من ماليزيا، ودرع مهرجان مؤتة للثقافة والفنون في الأردن عام 1999م، وغيرها، مما كان له الأثر العظيم في تطور شعري، كما أسعدني وأراحني.

مجلة المجتمع    29/02/2004