نداء الإيمان | التاريخ(هجرى - ميلادى ) | مواقيت الصلاة واتجاه القبلة | موجز الصحافة | إلى كل المسلمات | قرأت لك
الأغنية الشيعية تعرف الفرح في لبنان
لم يكن الإنشاد الإسلامي في المجتمعات الشيعية يشغل حيزا يذكر في لبنان، لاعتبارات عديدة، يأتي في مقدمتها أن الأدبيات الشيعية كانت على مر التاريخ موغلة الاهتمام والتبحر في ملف الأحزان دون الأفراح، ولذلك فاحت الأدبيات الشيعية بالأهازيج والأشعار والشعارات المستوحاة من مأساة كربلاء، وقد اهتم الشيعة بالمجالس الحسينية ومتفرعاتها أكثر بكثير جدا من الاهتمام الذي بدءوا يولونه لاحقا لأجواء الفرح وما يذكر في مجالس الأنس والترفيه والمناسبات السعيدة.
البدايات
وقد بدأ الالتفات إلى الأناشيد الإسلامية عند الشيعة اللبنانيين بالتزامن من انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية نهاية السبعينيات من القرن الماضي، وما إن بدأ عهد الثمانينيات حتى كان البعض قد تعرف على هذه النماذج المستوردة مباشرة من إيران بطابعها الثوري والحماسي، حيث كانت تلك الأناشيد يومها تهدر بخطاب ثورة المظلوم على الظالم، تحت شعار الحرية والإيمان وكلمات الله أكبر.. ولعلني الآن أستحضر واحدة من الأناشيد الثورية القوية التي عرفت في لبنان في مرحلة البدايات وهي أنشودة تقول كلماتها:
أنا شعب، دماء الثأر تغلي في شراييني
مللت وعود حكامي مللت جمود أيامي
وعشت الخوف والمدفع...
وقد شهدت بدايات الاهتمام بالأناشيد الإسلامية في الساحة الشيعية اللبنانية قدوم بعض المنتدبين من الجمهورية الإيرانية إلى لبنان، حيث كانوا يديرون حلقات الندب التي كانت في غالبيتها ذات طابع حسيني يحكي عن الإيمان والجهاد والشهادة والشهداء وحب القتال في سبيل الله والإسلام، وما زال بعض المهتمين من الشيعة اللبنانيين يمتلكون تسجيلات قديمة لمثل هذه النماذج التي كان من أشهر قائليها الإيرانيان "عساكري" و"هنكران"، وهما اللذان برعا في إدارة حلقات ما سمي "باللطميات والندبيات" الشيعية الحسينية.
ومع بداية النصف الثاني من عقد الثمانينيات، لم يكتف اللبنانيون بمجرد استيراد هذه الأناشيد -مع كل طقوسها المرافقة- إذ كان عليهم أخذ المبادرة بأنفسهم. وبالفعل شهدت تلك السنوات بالتحديد انطلاقة بعض الفرق التي عرفت انطلاقات متواضعة وعلى قدر الحال كما يقولون.
الباكورة مع فرقة الولاية
تعتبر فرقة الولاية أولى الفرق التي بدأت عملها آنذاك في الساحة اللبنانية الشيعية، وقد ضمت مجموعة من الشباب المتدين الذين فكروا في المشروع وبدءوا العمل فيه. كانت الفرقة تتألف أولا من كاتب مهمته إعداد النصوص الملائمة للأداء الإنشادي، ومن فنيين يعرفون تقنيات الصوت والهندسة، ومساعدي منشدين مهمتهم المشاركة في عمل الفرقة.
وعندما خرج الكاسيت الأول إلى الأسواق أحدث ما يشبه الصدمة الإيجابية في الوسط الشيعي المتدين الذي لم يعرف أي بادرة مماثلة سابقة.
كان المضمون ثوريا وكلاسيكيا وحماسيا ورومانسيا حاكما.. عن الشهيد، وأم الشهيد، ومسيرة المقاومة، ورموزها القادة، وعن حب الجهاد وتمني الشهادة... إلخ.
ولعلها كانت من المرات الأولى التي يتجرأ فيها البعض على سماع "أنشودة" تصدح معها الموسيقى، فلا يكون هناك ندب ولا لطم على الصدور أو على الأجساد، كما جرت العادة.
شاعر وثلاثة آلاف قصيدة
وفى حديث الذكريات استدعى الإعلامي اللبناني الشاعر أنور نجم بتليفزيون المنار ذاكرته حينما كان يشغل موقع المدير المسئول لهذه الفرقة وكيف كانت البداية خاصة أن الشاعر أنور نجم يملك اليوم في سوق النشيد الإسلامي حوالي ثلاثة آلاف ومائتين وعشرين (3220) نصا أو نشيدا، كتب كلماتها بالعربية وبعضها بالفرنسية فيما ترجمت له قصائد أخرى، فضلا عما كتب باللهجات العربية المختلفة.
يقول الشاعر أنور نجم: فرقة الولاية بدأت عملها عام 1984، تحديدا بعد ما لمست حاجة المجتمع المتدين إلى حركة موسيقية إنشادية تنسجم مع الطرح الإسلامي ومع حركة المقاومة التي كانت في بدايتها، والتي كانت تفتقر إلى رديف فني يسير في منظومتها؛ لهذا كان التفكير في بدء العمل وإنشاء الفرق الإنشادية التي تحمل الطابع اللبناني ببصماته الخاصة. التقيت بالشاعر والإعلامي أنور نجم فسألته:
* كيف تنظر إلى هذا العمل اليوم مع مرور عشرين سنة تماما عليه وعلى انطلاقته؟
- فأجاب: لم يكن سهلا أبدا، فالعمل في بداياته كان بحاجة على غطاء شرعي قبل كل شيء، في ظل خطاب كان سائدا يحرم الموسيقى بشكل عام. ثم كان علينا العمل للنجاح في خلق مشروع يكون البديل لما هو موجود على الساحة اللبنانية غير المتدينة! وعبر هاتين النقطتين بدأنا وانطلقنا في العمل.
* وهل حققت الفرقة يومها ما يمكن أن يعد إنجازا؟
- على الأقل صار هناك من ينشد للخطاب الإسلامي وللدعوة الإسلامية في ظل سيطرة الخطاب اليساري بكل ألوانه، جاءت الفرقة لتقول: لدينا خطاب آخر وأسلوب آخر... ثم صارت الفرقة تؤرخ لكل حدث سياسي أو جهادي أو ديني رغم اعتمادنا على بدائيات الآلات الموسيقية في ذلك الوقت، ليس لأمر فني، بل للهروب من أي إشكال شرعي قد يوقعنا في حرمة ما أو شبهة ما.. على كل حال فإن فرقة الأناشيد الوحيدة منذ عشرين عاما جعلت كثيرين يحذون حذوها؛ فكثر العدد وتضاعف مرات وما بين الأمس واليوم ثمة أمور تغيرت، وثمة ما بقي على حاله.
مراحل التطور.. بشريا وجغرافيا
في عقد التسعينيات، ومع اقتراب نهاية القرن العشرين بدأت الفرق الموسيقية المتنوعة تحول عملها نحو الاحتراف. تبعا لذلك نشأت العديد من الفرق المختلفة التي حملت أسماء متعددة، وليس أدل على هذه الصورة من أن نذهب إلى محل لبيع اللوازم الإسلامية وأشرطة الكاسيت، حيث تطالعك رفوف مملوءة بعشرات الأسماء وعشرات الفرق.. المنشد فلان.. أو فلان.. والفرقة الفلانية... إلخ، وأكثر من ذلك أن سعت كل مؤسسة لإيجاد فرقتها الخاصة وأناشيدها وشعاراتها الخاصة.
بدا الأمر يشبه عملية التكاثر السريعة بالمقارنة مع سنوات البداية، ومن الأمثلة السريعة في هذا السياق نقرأ: فرقة مؤسسة الشهيد، فرقة جمعية المبرات، فرقة جمعية الإمداد، فرقة الهدى، فرقة الهداية، فرقة الأنوار، فرقة السبطين، فرقة الولاء، فرقة الكوثر، فرقة الإسراء، فرقة شمس الحرية، فرقة النور... إلخ.
وقد تعددت أوجه الموضوع إذا ما نظرنا جغرافيا، فإذا كانت بعض الفرق تتمركز في العاصمة بيروت فإن مناطق لبنانية أخرى مثل الجنوب والشمال والبقاع تزخر هي الأخرى بنماذج مشابهة، من حيث تعدد الفرق الموسيقية والأشخاص المنشدين.
أناشيد الموالد
في السنوات الأولى لانطلاقة تجربة الأناشيد الإسلامية، كان المضمون واحدا.. الحماسة والاستنهاض أو تقديس الجهاد والشهادة.
ولكأن المجتمع برمته انتبه إلى غياب مضمون الفرح الذي قد يكون مطلوبا في بعض الأحيان، ومن هنا انطلق العمل الجديد لإخراج أنماط وأشكال عديدة لما يعرف "بالموالد".
وللحقيقة، فإن المجتمع الشيعي اللبناني عرف ظاهرة "الموالد" حديثا، بعد أن كانت مغيبة تماما في سنوات الحرب الأهلية، ثم في سنوات الاحتلال الصهيوني، وثمة مقولة طريفة في هذا السياق تقول: إن الشيعة خبيرون جدا في أمور الحزن والندب والمصائب لكنهم مقصرون جدا في مسألة الأفراح، ولهذا ليس عجبا أن تعرف ظاهرة الموالد طريقها إلى مجتمعاتهم في الآونة الأخيرة.
ويجب هنا أن ألفت إلى نمطين أو مستويين من النشيد الإسلامي المتعارف عليه:
أولا: المولد النبوي والتواشيح والابتهالات.
ثانيا: النشيد الذي تصاحبه الموسيقى والألحان.
فالمولد النبوي يستقي مادته وكلماته من وحي أجواء النبوة العطرة الطاهرة، فيكون ثناء على آل البيت (رضي الله عنهم) ومدحا لهم وتبركا بهم، وبالإجمال فإن جو المولد النبوي معروف ومتشابه من حيث المادة والمضمون والشكل والأداء، وإن كان غير متجذر في المجتمع الشيعي اللبناني (وحتى ربما العراقي أو الإيراني أو غيرها...) على غرار "الموالد" في المجتمعات السنية.
والشكل الجديد الذي تقدم فيه المولد أو المدائح النبوية اليوم هو شكل حماسي تغلب عليه أهازيج الفرح وغالبا ما يكون ملائما ومتماشيا مع أجوار "الأبكة" اللبنانية، وما يلائمها من صخب وحماس ونشوة، المنشد يؤمن نصا شعريا -عاميا أو فصيحا- ويلقيه بطريقة استعراضية مع "تورس" بعيد الإنشاد والمطالع.. وهكذا...
ثمة إشارة لا بد من ذكرها هنا في مقام الحديث عن خصوصية المولد الشيعي، فهو يركز ويكثر من المدائح العلوية والفاطمية والإمامية مما هي غير شائعة في المولد "السني"، وظاهرة حب الإمام علي (رضي الله عنه) متجذرة في نفوس الشيعة. ونسوق مثالا لهذا كلمات المولد التالي:
ميجانا وميجانا وميجانا .. وغيرك يا حيدر بالشدايد مالنا
برز حيدر لجيش الشرك كلو
نهاهن عن طريق الكفر كلو
زنودو من الطعن ما في يوم كلو
سيفو مهنتو بخر الرقاب
ومكانو بعد طه بالحساب
والصلاة على البني أفضل لنا
وغيرك يا حيدر بالشدايد مالنا
الأناشيد الحماسية
على المستوى الثاني، وإلى جانب ظاهرة الموالد وتواشيحها الخاصة نشأ نوع من الإنشاد الحماسي الذي استلهم مادته وخطابه من خطاب المقاومة الإسلامية وعملياتها العسكرية الناجحة، خصوصا بالوصول إلى منعطف حدث التحرير في أيار 2000.
هذا النوع الثاني من الإنشاد يغلب عليه الطابع الحماسي الجهادي والاستنهاض، خاصة إذا ما علمنا أن مجالاته وساحاته وأمكنة نشوئه هي المناسبات الوطنية الكبرى التي يتم إحياؤها بطابع إسلامي. ونأخذ مثلا على ذلك موسم التحرير والانتصار الذي تحول إلى عيد سنوي تقيم فيه المدن والبلدان احتفالات شعبية ذات طابع وطني وحماسي ديني.
ونقرأ في كلمات بعض الأناشيد ما يلي:
علمني الموت حياة العز
أن أهجر قبري وأقاتل
وأعيش العمر على كفني
ودمائي سالت فلا أبخل
وفي أنشودة أخرى نسمع:
يوم مولدي
يوم أرتدي
حلة زاهية طرزت بالدما
يوم مولدي
يوم ترتدي
أمتي حلة ترتقي للسما
بدورها القدس تتحول إلى كلمة سائدة في أغلب الأناشيد فلا يكاد نشيد يخلو منها، نسمع من كلمات نشيد آخر:
القدس لنا سنحررها ونفكك أليم الأصفاد
سنعيد ببارق عزتها وندك حصون الإلحاد
جاءوها في ليل داج قالوا هي أرض الميعاد
من ألف من جيش غاز تحيل عرين الآساد
ستظل القدس مكبلة في محكم قوم أوغاد
والمسجد يصرخ واغوثا من لي برجال أنجاد؟!
سنميد الأرض بهم ميدا والريح الصر بمرصاد
وحينما تصبح الشهادة والتغني بمعانيها موضوعا للنشيد، فإن الكلمات تكون أكثر حماسة ومدعاة للفخر، وبالتالي يكون المضمون حماسيا والأسلوب ثوريا، قويا غير بكاء، فرحا غير حزين، نسمع نشيدا آخر يقول:
شهيد
ويكفيك ذاك افتخارا
ووهجا
يزيد الوجود اعتبارا
تجيء إلى الموت وحدك
ويضع موتك فينا انتصارا
ترنم في غابة الحق لحنا
وطير تعيد الرنيم جهارا
وتحبو الجبال إليك خشوعا
وتشمخ فخرا بكونك جارا
شهيد ويكفيك ذاك افتخارا...
الدخول إلى سوق المنافسة
قد يكون هذا غيضا من فيض الأناشيد الإسلامية على الساحة الشيعية اللبنانية التي تعلمت كيف تكرس الموضوع كفن قائم بذاته له مؤسساته وأهله العاملون به، فاليوم تزداد الفرق خبرة ومراسا، وتتسع السوق أمام حركة التصدير والاستيراد؛ لأن الظاهرة موجودة في الخليج العربي والبحرين والعراق وسوريا بشكل خاص بالإضافة إلى السعودية والكويت، نظرا لأن اللغة العربية تشكل دور الجامع الأساسي لكل متتبع ومهتم بفن الأنشودة الإسلامية الملتزمة.
والسوق اللبنانية تزدحم اليوم بعشرات الأسماء وعشرات المنشدين وعشرات الفرق، حيث يكفي الزائر أن يقصد محلا لبيع اللوازم الإسلامية ويطلع بنفسه على عينات ونماذج لهذا الفن الذي استطاع أن ينمو بسرعة وأن يتكاثر رغم حداثة سنه في الأوساط والمجتمعات الشيعية اللبنانية.

موقع إسلام أون لاين    19/05/2005