ديات الخطأ
ديات الرجال الأحرار المسلمين
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ} فَأَحْكَمَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي تَنْزِيلِ كِتَابِهِ أَنَّ عَلَى قَاتِلِ الْمُؤْمِنِ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ وَأَبَانَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمْ الدِّيَةُ فَكَانَ نَقْلُ عَدَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ عَدَدٍ لاَ تَنَازُعَ بَيْنَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَضَى بِدِيَةِ الْمُسْلِمِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ فَكَانَ هَذَا أَقْوَى مِنْ نَقْلِ الْخَاصَّةِ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الْخَاصَّةِ وَبِهِ نَأْخُذُ فَفِي الْمُسْلِمِ يُقْتَلُ خَطَأً مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَلاَ إنَّ فِي قَتِيلِ الْعَمْدِ الْخَطَأَ بِالسَّوْطِ أَوْ الْعَصَا مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ مُغَلَّظَةً مِنْهَا أَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلاَدُهَا) أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ أَوْسٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ أَلاَ: (إنَّ فِي قَتِيلِ الْخَطَأِ شِبْهِ الْعَمْدِ قَتِيلِ السَّوْطِ أَوْ الْعَصَا الدِّيَةَ مُغَلَّظَةً مِنْهَا أَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلاَدُهَا) أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْم عَنْ أَبِيهِ أَنَّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: (فِي النَّفْسِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ) أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فِي الدِّيَاتِ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: (فِي النَّفْسِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ) قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فَقُلْت لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَفِي شَكٍّ أَنْتُمْ مِنْ أَنَّهُ كِتَابُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقَالَ لاَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ وَأَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ ابْنِ شِهَابٍ وَعَنْ مَكْحُولٍ وَعَطَاءٍ قَالُوا أَدْرَكْنَا النَّاسَ عَلَى أَنَّ دِيَةَ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ فَقَوَّمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه تِلْكَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى أَلْفَ دِينَارٍ أَوْ اثْنَيْ عَشْرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَصَابَهُ مِنْ الْأَعْرَابِ فَدِيَتُهُ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ لاَ يُكَلَّفُ الْأَعْرَابِيُّ الذَّهَبَ وَلاَ الْوَرِقَ، وَدِيَةُ الْأَعْرَابِيِّ إذَا أَصَابَهُ أَعْرَابِيٌّ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَدِيَةُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ لاَ دِيَةَ غَيْرَهَا كَمَا فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- [قَالَ]: فَإِنْ أَعْوَزَتْ الْإِبِلُ فَقِيمَتُهَا وَقَدْ وُضِعَ هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
دية المعاهد
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُعَاهَدِ يُقْتَلُ خَطَأً بِدِيَةٍ مُسَلَّمَةٍ إلَى أَهْلِهِ وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أَنْ لاَ يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ مَعَ مَا فَرَّقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْكَمَ عَلَى قَاتِلِ الْكَافِرِ إلَّا بِدِيَةٍ وَلاَ أَنْ يُنْقَصَ مِنْهَا إلَّا بِخَبَرٍ لاَزِمٍ فَقَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنهما فِي دِيَةِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ بِثُلُثِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَقَضَى عُمَرُ فِي دِيَةِ الْمَجُوسِيِّ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَذَلِكَ ثُلُثَا عُشْرِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ تُقَوَّمُ الدِّيَةُ اثْنَيْ عَشْرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَلَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا قَالَ فِي دِيَاتِهِمْ أَقَلَّ مِنْ هَذَا وَقَدْ قِيلَ: إنَّ دِيَاتِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا فَأَلْزَمْنَا قَاتِلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ الْأَقَلَّ مِمَّا اُجْتُمِعَ عَلَيْهِ فَمَنْ قَتَلَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا خَطَأً، وَلِلْمَقْتُولِ ذِمَّةٌ بِأَمَانٍ إلَى مُدَّةٍ أَوْ ذِمَّةٌ بِإِعْطَاءِ جِزْيَةٍ أَوْ أَمَانِ سَاعَةٍ فَقَتَلَهُ فِي وَقْتِ أَمَانِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَيْهِ ثُلُثُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَذَلِكَ ثَلاَثٌ وَثَلاَثُونَ مِنْ الْإِبِلِ وَثُلُثٌ، وَمَنْ قَتَلَ مَجُوسِيًّا أَوْ وَثَنِيًّا لَهُ أَمَانٌ فَعَلَيْهِ ثُلُثَا عُشْرِ دِيَةِ مُسْلِمٍ وَذَلِكَ سِتُّ فَرَائِضَ وَثُلُثَا فَرِيضَةِ مُسْلِمٍ وَأَسْنَانُ الْإِبِلِ فِيهِمْ كَهِيَ فِي دِيَاتِ الْمُسْلِمِينَ إذَا كَانَ قَتَلَهُمْ عَمْدًا أَوْ عَمْدَ خَطَأٍ فَخُمُسَا دِيَةِ الْمَقْتُولِ خَلِفَتَانِ وَثَلاَثَةُ أَخْمَاسٍ نِصْفَيْنِ: نِصْفٌ حِقَاقٌ وَنِصْفٌ جِذَاعٌ فَإِذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً مَحْضًا فَالدِّيَةُ أَخْمَاسٌ: خَمْسٌ بَنَاتُ مَخَاضٍ وَخَمْسٌ بَنَاتُ لَبُونٍ وَخَمْسٌ بَنُو لَبُونٍ ذُكُورٍ وَخَمْسٌ حِقَاقٌ وَخَمْسٌ جِذَاعٌ، وَدِيَاتُ نِسَائِهِمْ عَلَى أَنْصَافِ دِيَاتِ رِجَالِهِمْ كَمَا تَكُونُ دِيَاتُ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنْصَافِ دِيَاتِ رِجَالِهِمْ وَإِذَا قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قُضِيَ عَلَيْهِمْ بِمَا وَصَفْت يُقْضَى بِهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى عَوَاقِلِ مَنْ جَرَى عَلَيْهِ الْحُكْمُ وَقَدْ وَصَفْت هَذَا فِي الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ وَإِذَا قُتِلَ لَهُمْ عَبْدٌ عَلَى دِينِهِمْ فَدِيَتُهُ ثَمَنُهُ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَإِنْ بَلَغَ دِيَاتِ مُسْلِمٍ [قَالَ]: وَإِذَا كَانَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قَاتِلاً لِمُسْلِمٍ قَتْلاً لاَ قِصَاصَ فِيهِ قُضِيَ عَلَيْهِ بِدِيَةِ مُسْلِمٍ كَامِلَةٍ عَلَى عَاقِلَتِهِ إنْ كَانَ قَتْلُهُ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ كَمَا يُقْضَى عَلَى عَاقِلَةِ الْمُسْلِمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ يَجْرِي عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ فَفِي مَالِهِ وَإِنْ قَتَلَهُ عَمْدًا فَاخْتَارَ وَرَثَتُهُ الْعَقْلَ فَفِي مَالِ الْجَانِي كَمَا قُلْنَا فِي الْمُسْلِمِينَ الْإِبِلُ أَوْ قِيمَتُهَا إنْ لَمْ تُوجَدْ فِي الْجِنَايَةِ وَالدِّيَةُ وَالْإِبِلُ لاَ غَيْرُهَا مَا كَانَتْ الْإِبِلُ مَوْجُودَةً حَيْثُ كَانَتْ عَاقِلَةُ الْجَانِي وَالْمَحْكُومِ لَهُمْ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: يَعْقِلُ عَوَاقِلُ الذِّمِّيِّينَ إذَا كَانُوا مِمَّنْ يَجْرِي عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ الْعَقْلَ عَنْ جِنَايَتِهِمْ الْخَطَأَ كَمَا تَعْقِلُ عَوَاقِلُ الْمُسْلِمِينَ.
دية المرأة
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَدِيمًا وَلاَ حَدِيثًا فِي أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ وَذَلِكَ خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ فَإِذَا قَضَى فِي الْمَرْأَةِ بِدِيَةٍ فَهِيَ خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ وَإِذَا قُتِلَتْ عَمْدًا فَاخْتَارَ أَهْلُهَا دِيَتَهَا فَدِيَتُهَا خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ أَسْنَانُهَا أَسْنَانُ دِيَةِ عَمْدٍ وَسَوَاءٌ قَتَلَهَا رَجُلٌ أَوْ نَفَرٌ أَوْ امْرَأَةٌ لاَ يُزَادُ فِي دِيَتِهَا عَلَى خَمْسِينَ مِنْ الْإِبِلِ وَجِرَاحُ الْمَرْأَةِ فِي دِيَتِهَا كَجِرَاحِ الرَّجُلِ فِي دِيَتِهِ لاَ تَخْتَلِفُ، فَفِي مُوضِحَتِهَا نِصْفُ مَا فِي مُوضِحَةِ الرَّجُلِ وَفِي جَمِيعِ جِرَاحِهَا بِهَذَا الْحِسَابِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ فِي دِيَةِ الْمَرْأَةِ سِوَى مَا وَصَفْت مِنْ الْإِجْمَاعِ أَمْرٌ مُتَقَدِّمٌ؟ فَنَعَمْ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ ابْنِ شِهَابٍ وَعَنْ مَكْحُولٍ وَعَطَاءٍ قَالُوا أَدْرَكْنَا النَّاسَ عَلَى أَنَّ: (دِيَةَ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ) فَقَوَّمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ تِلْكَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى أَلْفَ دِينَارٍ أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدِيَةُ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ إذَا كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ سِتَّةُ آلاَفِ دِرْهَمٍ فَإِذَا كَانَ الَّذِي أَصَابَهَا مِنْ الْأَعْرَابِ فَدِيَتُهَا خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ وَدِيَةُ الْأَعْرَابِيَّةِ إذَا أَصَابَهَا الْأَعْرَابِيُّ خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ وَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً أَوْطَأَ امْرَأَةً بِمَكَّةَ فَقَضَى فِيهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه بِثَمَانِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَثُلُثٍ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: ذَهَبَ عُثْمَانُ إلَى التَّغْلِيظِ لِقَتْلِهَا فِي الْحَرَمِ.
دية الخنثى
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: إذَا بَانَ الْخُنْثَى ذَكَرًا حُكِمَ لَهُ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يُحْكَمْ فَدِيَتُهُ دِيَةُ الرَّجُلِ وَإِذَا بَانَ أُنْثَى فَدِيَتُهُ دِيَةُ امْرَأَةٍ وَإِذَا كَانَ مُشْكِلاً فَدِيَتُهُ دِيَةُ امْرَأَةٍ فَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَلَمْ يَمُتْ حَتَّى بَانَ ذَكَرًا فَدِيَتُهُ دِيَةُ رَجُلٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَنَى عَلَيْهِ جُرْحٌ فَبَرَأَ مِنْهُ فَأُعْطِيَ أَرْشَهُ وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى أَنَّهُ أُنْثَى ثُمَّ بَانَ ذَكَرًا أُتِمَّ لَهُ أَرْشَ جُرْحِ رَجُلٍ وَإِذَا اخْتَلَفَ وَرَثَةُ الْخُنْثَى وَالْجَانِي فَقَالَ الْجَانِي: هُوَ امْرَأَةٌ أَوْ مُشْكِلٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى الْخُنْثَى أَوْ وَرَثَتِهِ الْبَيِّنَةُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرٌ وَلَوْ مَاتَ الْخُنْثَى فَاخْتَلَفَتْ وَرَثَتُهُ وَالْجَانِي فَأَقَامَ وَرَثَتُهُ الْبَيِّنَةَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرٌ وَالْجَانِي الْبَيِّنَةَ بِمَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ أُنْثَى طُرِحَتْ الْبَيِّنَتَانِ مَعًا فِي قَوْلِ مَنْ طَرَحَ الْبَيِّنَتَيْنِ إذَا تَكَافَأَتَا وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْجَانِي، وَلَوْ كَانَ هَذَا وَالْخُنْثَى حَيٌّ ثُمَّ عَايَنَهُ الْحَاكِمُ فَرَآهُ ذَكَرًا قَضَى لَهُ بِأَرْشِ ذَكَرٍ وَلَوْ كَانَتْ بَيِّنَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ أَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ كَمَا تُقْبَلُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَلَيْسَ مَا أَدْرَكَ الْحَاكِمُ عِيَانَهُ وَأَدْرَكَهُ الشُّهُودُ وَكَانَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ يَوْمَ يَشْهَدُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ حَتَّى يَكُونَ يُمْكِنُ الْحَاكِمُ أَنْ يَبْتَدِئَ أَنْ يُرِيَهُ الشُّهُودَ فَيَشْهَدُونَ مِنْهُ عَلَى عِيَانٍ ثُمَّ آخَرِينَ بَعْدُ فَتَتَوَاطَأُ شَهَادَاتُهُمْ عَلَيْهِ وَيُدْرِكُ الْحَاكِمُ الْعِيَانَ فِيهِ كَشَهَادَةٍ فِي أَمْرٍ غَائِبٍ عَنْ الْحَاكِمِ لاَ يُدْرِكُ فِيهِ مِثْلَ هَذَا وَلاَ يَشْهَدُ مِنْهَا إلَّا عَلَى أَمْرٍ مُنْقِضٍ لاَ يَسْتَأْنِفُ الشُّهُودُ عِلْمَهُ وَلاَ غَيْرُهُمْ.
دية الجنين
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: (أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ رَمَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ) أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَضَى فِي الْجَنِينِ يُقْتَلُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ فَقَالَ الَّذِي قَضَى عَلَيْهِ كَيْفَ أَغْرَمُ مَا لاَ شَرِبَ وَلاَ أَكَلَ وَلاَ نَطَقَ وَلاَ اسْتَهَلَّ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنَّمَا هَذَا مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ) أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَضَى فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لِحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ ثُمَّ إنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا وَالْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا)، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ أَذْكَرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْجَنِينِ شَيْئًا فَقَامَ حَمَلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ فَقَالَ: (كُنْت بَيْنَ جَارِيَتَيْنِ لِي فَضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِمُسَطَّحٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهِ بِغُرَّةٍ،) فَقَالَ عُمَرُ " إنْ كِدْنَا أَنْ نَقْضِيَ فِي مِثْلِ هَذَا بِآرَائِنَا ".
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ فِي الْجَنِينِ وَالْمَرْأَةِ الَّتِي قَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي جَنِينِهَا بِغُرَّةِ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ فَإِذَا كَانَ الْجَنِينُ حُرًّا مُسْلِمًا بِإِسْلاَمِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ أَوْ هُمَا فَفِيهِ غُرَّةٌ كَامِلَةٌ فَإِنْ كَانَ جَنِينَ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ مِنْ مُشْرِكٍ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًا أَوْ جَنِينَ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ لَقِيطٍ مِنْ زَوْجٍ عَبْدٍ أَوْ حُرٍّ أَوْ زِنًا فَفِيهِ غُرَّةٌ كَامِلَةٌ؛ لِإِسْلاَمِهِ وَحُرِّيَّتِهِ بِإِسْلاَمِ أُمِّهِ وَحُرِّيَّتِهَا، وَكَذَلِكَ جَنِينُ الْأَمَةِ يَطَؤُهَا سَيِّدُهَا بِمِلْكٍ صَحِيحٍ أَوْ مِلْكٍ فَاسِدٍ أَوْ يَمْلِكُ شِقْصًا مِنْهَا، وَكَذَلِكَ جَنِينُ الْأَمَةِ يَنْكِحُهَا وَيَغُرُّ بِأَنَّهَا حُرَّةٌ؛ لِأَنَّ مَنْ سَمَّيْت لاَ يُرَقُّ بِحَالٍ وَمَا قُلْت لاَ يُرَقُّ بِحَالٍ فَفِيهِ غُرَّةٌ كَامِلَةٌ، وَأَيُّ جَنِينٍ جَعَلْته مُسْلِمًا بِكُلِّ حَالٍ بِإِسْلاَمِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ جَعَلْته جَنِينَ مُسْلِمٍ. وَأَقَلُّ مَا يَكُونُ بِهِ السِّقْطُ جَنِينًا فِيهِ غُرَّةٌ أَنْ يَتَبَيَّنَ مِنْ خَلْقِهِ شَيْءٌ يُفَارِقُ الْمُضْغَةَ أَوْ الْعَلَقَةَ أُصْبُعٌ أَوْ ظُفْرٌ أَوْ عَيْنٌ أَوْ مَا بَانَ مِنْ خَلْقِ ابْنِ آدَمَ سِوَى هَذَا كُلِّهِ فَفِيهِ غُرَّةٌ كَامِلَةٌ وَإِنْ جَنَى جَانٍ عَلَى امْرَأَةٍ فَجَاءَتْ مَكَانَهَا أَوْ بَعْدُ بِجَنِينٍ فَقَالَتْ هَذَا الَّذِي أَلْقَيْت وَأَنْكَرَ الْجَانِي لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بِيَمِينِهِ وَلاَ تَلْزَمُهُ الْجِنَايَةُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عَلَيْهِ رَجُلاَنِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ بِأَنَّهَا أَلْقَتْ هَذَا أَوْ أَلْقَتْ جَنِينًا فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهَا أَلْقَتْ شَيْئًا وَلَمْ يُثْبِتُوا الشَّيْءَ وَجَاءَتْ بِجَنِينٍ فَقَالَتْ: هَذَا هُوَ وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ الَّذِي أَلْقَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي عَلَيْهَا مَعَ يَمِينِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَلْقَتْهُ فَدَفَنَتْهُ وَلَمْ تُثْبِتْهُ الشُّهُودُ جَنِينًا بِأَنْ يَتَبَيَّنَ فِيهِ خَلْقُ آدَمِيٍّ وَلَمْ تَخْتَلِفْ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ عَنْ الْجَنِينِ ذَكَرٌ هُوَ أَوْ أُنْثَى فَإِذَا أَلْقَتْهُ الْمَرْأَةُ مَيِّتًا فَسَوَاءٌ ذُكْرَانُ الْأَجِنَّةِ وَإِنَاثُهُمْ فِي أَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ غُرَّةَ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، وَفِي: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَضَى فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْجَنِينِ غَيْرُ الْحُكْمِ فِي أُمِّهِ وَإِذَا أَلْقَتْ الْمَرْأَةُ جَنِينًا مَيِّتًا وَعَاشَتْ أُمُّهُ فَدِيَةُ الْجَنِينِ مَوْرُوثَةٌ كَمَا يُورَثُ لَوْ أَلْقَتْهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ يَرِثُهُ أَبَوَاهُ مَعًا أَوْ أُمُّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ تَرِثُهُ مَعَ مَنْ وَرِثَهُ مَعَهَا وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَّا مِنْ الضَّرْبِ الَّذِي سَقَطَ بِهِ الْجَنِينُ فَلاَ شَيْءَ لَهَا فِي الضَّرْبِ؛ لِأَنَّ الْأَلَمَ وَإِنْ وَقَعَ عَلَيْهَا فَالتَّلَفُ وَقَعَ عَلَى جَنِينِهَا فِي جَوْفِهَا. وَإِنْ جَرَحَهَا جُرْحًا لَهُ أَرْشٌ أَوْ فِيهِ حُكُومَةٌ فَلَهَا أَرْشُ الْجِرَاحِ وَالْحُكُومَةِ فِيهِ دُونَ مَا فِي الْجَنِينِ؛ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ عَلَيْهَا، وَدِيَةُ الْجَنِينِ مَوْرُوثَةٌ لَهَا وَلِأَبِيهِ أَوْ وَرَثَتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَبُوهُ حَيًّا مَعَهَا [قَالَ]: وَبِهَذَا قُلْنَا إذَا أَلْقَتْ الْمَرْأَةُ أَجِنَّةً مَوْتَى قَبْلَ مَوْتِهَا وَبَعْدَهُ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَفِي كُلِّ جَنِينٍ مِنْهُمْ غُرَّةٌ وَلَهَا مِيرَاثُهَا مِمَّا أَلْقَتْهُ وَهِيَ حَيَّةٌ وَمَا أَلْقَتْهُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَمْ تَرِثْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ وَهِيَ تَرِثُهُ وَلَمْ يَرِثْهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ حَيًّا فَيَرِثُهَا وَإِنَّمَا يَرِثُ الْأَحْيَاءُ وَإِذَا أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ يَجْمَعُهُمَا شَيْءٌ مِنْ خِلْقَةِ الْإِنْسَانِ لَمْ يَلْزَمْ عَاقِلَتَهُ إلَّا دِيَةُ جَنِينٍ وَاحِدٍ وَذَلِكَ أَنْ تُلْقِيَ بَدَنَيْنِ مُفْتَرَقَيْنِ فِي رَأْسٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي رَقَبَتَيْنِ مُفْتَرِقَتَيْ الصَّدْرَيْنِ وَالْيَدَيْنِ وَيَجْمَعُهُمَا رِجْلاَنِ أَوْ أَرْبَعَةُ أَرْجُلٍ إلَّا أَنَّهُمَا لاَ يُفَرَّقَانِ بِأَنْ خُلِقَا فِي الْجِلْدَةِ الْعُلْيَا أَوْ فِيهَا أَوْ فِي أَكْثَرَ مِنْهَا فَإِنْ خَرَجَا فِي جِلْدَةِ بَطْنٍ فَشُقَّتْ عَنْهُمَا وَبَقِيَا بِبَدَنَيْنِ مُتَفَرِّقَيْنِ فَهُمَا جَنِينَانِ فِيهِمَا غُرَّتَانِ وَلَوْ كَانَا نَاقِصَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا إذَا بَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ خِلْقَةِ الْإِنْسَانِ شَيْءٌ فَهُمَا جَنِينَانِ إذَا خُلِقَا مُتَفَرِّقَيْنِ. وَإِذَا أَلْقَتْ الْجَنِينَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ مَكَانَهُ فَفِيهِ دِيَةُ حُرٍّ كَامِلَةٌ إنْ كَانَ ذَكَرًا فَمِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَخَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ وَلاَ تُعْرَفُ حَيَاةُ الْجَنِينِ إلَّا بِرَضَاعٍ أَوْ اسْتِهْلاَلٍ أَوْ نَفَسٍ أَوْ حَرَكَةٍ لاَ تَكُونُ إلَّا حَرَكَةَ حَيٍّ، وَإِذَا أَلْقَتْهُ فَادَّعَتْ حَيَاتَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي فِي أَنَّهَا أَلْقَتْهُ مَيِّتًا وَعَلَى وَارِثِ الْجَنِينِ الْبَيِّنَةُ فَإِنْ أَقَرَّ الْجَانِي عَلَى الْجَنِينِ أَنَّهُ خَرَجَ حَيًّا وَأَنْكَرَتْ عَاقِلَتُهُ خُرُوجَهُ حَيًّا وَأَقَرَّتْ بِخُرُوجِهِ مَيِّتًا أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِخُرُوجِهِ وَلَمْ تُثْبِتْ لَهُ مَوْتًا وَلاَ حَيَاةً ضَمِنَتْ الْعَاقِلَةُ دِيَةَ الْجَنِينِ مَيِّتًا وَضَمِنَ الْجَانِي تَمَامَ دِيَةِ نَفْسٍ حَيَّةٍ إنْ كَانَ ذَكَرًا ضَمِنَ تِسْعَةَ أَعْشَارٍ وَنِصْفِ عُشْرِ دِيَةِ رَجُلٍ وَذَلِكَ خَمْسٌ وَتِسْعُونَ مِنْ الْإِبِلِ فَإِذَا كَانَ أُنْثَى فَتِسْعَةُ أَعْشَارِ دِيَةِ أُنْثَى وَذَلِكَ خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ مِنْ الْإِبِلِ. [قَالَ]: وَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ خَرَجَ حَيًّا وَبَيِّنَةٌ أَنَّهُ سَقَطَ مَيِّتًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَيِّنَةِ الَّتِي شَهِدَتْ عَلَى الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّ الْحَيَاةَ قَدْ تَكُونُ فَلاَ يَعْلَمُهَا شُهُودٌ حَاضِرُونَ وَيَعْلَمُهَا آخَرُونَ فَيَشْهَدُونَ عَلَى أَنَّهُ خَرَجَ مَيِّتًا بِأَنَّهُمْ رَأَوْهُ خَارِجًا لَمْ يَعْلَمُوا حَيَاتَهُ، وَلَوْ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ قَامَتْ عَلَى الْجَانِي بِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ خَرَجَ حَيًّا وَقَامَتْ أُخْرَى بِأَنَّهُ قَالَ خَرَجَ مَيِّتًا وَلَيْسَ هَذَا وَلاَ الْبَابُ قَبْلَهُ تَضَادًّا فِي الشَّهَادَةِ يَسْقُطُ بِهِ كُلَّهَا [قَالَ]: وَإِذَا أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ أَحَدَهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ أَوْ مَعًا فَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى أَنَّهُمْ سَمِعُوا لِأَحَدِ الْجَنِينَيْنِ صَوْتًا أَوْ رَأَوْا لَهُ حَرَكَةَ حَيَاةٍ وَلَمْ يُثْبِتُوا أَيَّهُمَا كَانَ الْحَيَّ قُبِلَتْ شَهَادَاتُهُمْ وَلَزِمَ عَاقِلَةَ الْجَانِي دِيَةُ جَنِينٍ حَيٍّ وَدِيَةُ جَنِينٍ مَيِّتٍ، فَإِنْ كَانَا ذَكَرَيْنِ لَزِمَتْ الْعَاقِلَةُ فِي الْحَيِّ دِيَةُ نَفْسِ رَجُلٍ، وَإِنْ كَانَتَا أُنْثَيَيْنِ لَزِمَتْ الْعَاقِلَةَ دِيَةُ أُنْثَى، وَإِنْ كَانَا ذَكَرًا وَأُنْثَى لَزِمَتْ الْعَاقِلَةَ دِيَةُ أُنْثَى؛ لِأَنَّهَا الْيَقِينُ وَلَمْ أُعْطِ وَارِثَ الْجَنِينِ الْفَضْلَ بَيْنَ دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ بِالشَّكِّ [قَالَ]: وَإِنْ أَقَرَّ الْجَانِي أَنَّ الَّذِي خَرَجَ حَيًّا ذَكَرٌ أَعْطَتْ الْعَاقِلَةُ دِيَةَ أُنْثَى وَالْجَانِي تَمَامَ دِيَةِ رَجُلٍ وَهُوَ نِصْفُ دِيَةِ رَجُلٍ خَمْسِينَ مِنْ الْإِبِلِ وَيَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ دِيَةُ جَنِينٍ غُرَّةٌ مَعَ دِيَةِ الْحَيِّ، وَلَوْ ضَرَبَ رَجُلٌ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا ثُمَّ مَاتَتْ وَأَلْقَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ وَرِثَتْ الْمَرْأَةُ الْجَنِينَ الَّذِي خَرَجَ قَبْلَ مَوْتِهَا وَوَرِثَهَا الْجَنِينُ الَّذِي خَرَجَ حَيًّا بَعْدَ مَوْتِهَا وَوَرِثَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَرَثَتُهُ غَيْرُهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَرِثْهُ. وَلَوْ أَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَتْ وَمَاتَ فَاخْتَلَفَ وَرَثَتُهَا وَوَرَثَةُ الْجَنِينِ فَقَالَ وَرَثَةُ الْجَنِينِ: مَاتَتْ قَبْلَ مَوْتِ الْجَنِينِ فَوَرِثَهَا وَقَالَ: وَرَثَتُهَا مَاتَتْ بَعْدَ الْجَنِينِ فَوَرِثَتْهُ لَمْ يَرِثْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَكَانُوا كَالْقَوْمِ يَمُوتُونَ لاَ يُدْرَى أَيُّهُمْ مَاتَ أَوَّلاً وَيَرِثُهُمْ وَرَثَتُهُمْ الْأَحْيَاءُ بَعْدَ يَمِينِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ [قَالَ]: وَإِذَا أَلْقَتْ الْمَرْأَةُ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ جَنَى عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ وَلَيْسَ عَلَى الْجَانِي عَلَيْهِ حِينَ أُجْهِضَتْ أُمُّهُ دِيَةُ جَنِينٍ وَفِيهِ حُكُومَةٌ لِأُمِّهِ خَاصَّةً بِقَدْرِ الْأَلَمِ عَلَيْهَا فِي الْإِجْهَاضِ الَّذِي هُوَ شَبِيهٌ بِالْجُرْحِ [قَالَ]: وَلَوْ قَتَلَهُ الْجَانِي عَلَيْهِ عَمْدًا أَوْ جَرَحَ أُمَّهُ جُرْحًا لاَ أَرْشَ لَهُ كَانَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ وَفِي مَالِهِ حُكُومَةٌ لِأُمِّهِ وَلَوْ قَتَلَهُ خَطَأً كَانَتْ دِيَةُ النَّفْسِ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَكَذَلِكَ أُمُّهُ إنْ كَانَتْ هِيَ الْقَاتِلَةُ خَطَأً فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهَا وَإِنْ كَانَتْ قَتَلَتْهُ عَمْدًا فَدِيَتُهُ فِي مَالِهَا. وَكَذَلِكَ أَبُوهُ وَآبَاؤُهُ وَأُمَّهَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لاَ يُقَادُ وَلَدٌ مِنْ وَالِدٍ وَلاَ يَرِثُ الْجَنِينَ وَاحِدٌ مِنْ الْقَاتِلِينَ قَتَلَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَسَوَاءٌ فِي أَنَّ دِيَةَ الْجَنِينِ دِيَةُ نَفْسٍ حَيَّةٍ إذَا عَرَفَ حَيَاةَ الْجَنِينِ خَرَجَ لِتَمَامٍ أَوْ أُجْهِضَ قَبْلَ التَّمَامِ [قَالَ]: وَالْمَرْأَةُ الَّتِي قَضَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِدِيَةِ الْجَنِينِ عَلَى عَاقِلَتِهَا عَمَدَتْ ضَرْبَ الْمَرْأَةِ بِعَمُودِ بَيْتِهَا فَإِذَا جَنَى الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ عَلَى حَامِلٍ فَأَجْهَضَتْ جَنِينًا مَيِّتًا أَوْ حَيًّا فَمَاتَ وَكَانَتْ جِنَايَتُهُ بِسَيْفٍ أَوْ بِمَا يَكُونُ بِمِثْلِهِ الْقَوَدُ فَلاَ قَوَدَ فِي الْجَنِينِ، وَإِنْ خَلَصَ أَلَمُ الْجِنَايَةِ إلَى الْجَنِينِ فَأَجْهَضَتْهُ فَجِنَايَتُهُ فِي غَيْرِ حُكْمِ الْعَمْدِ الْمَقْصُودِ بِهِ قَصْدُ مَنْ يُقَادُ لاَ حَائِلَ دُونَهُ وَإِذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ فَلَهَا الْقَوَدُ. وَإِنْ أَرَادَ وَرَثَتُهَا الدِّيَةَ فَفِي مَالِ الْجَانِي إذَا كَانَ ضَرَبَهَا بِمَا يُقَادُ مِنْ مِثْلِهِ وَإِنْ كَانَ لاَ يُقَادُ مِنْ مِثْلِهِ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ هَذَا يُشْبِهُ الْخَطَأَ الْعَمْدَ الَّذِي حَكَمَ فِيهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسَوَاءٌ فِيمَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُ لاَ يُقَادُ مِنْ الْجَانِي عَلَى أُمِّ الْجَنِينِ لِيُجْهِضَ الْجَنِينَ حَيًّا ثُمَّ يَمُوتَ الْجَنِينُ عَمْدَ بَطْنِهَا أَوْ فَرْجِهَا أَوْ ظَهْرِهَا بِضَرْبٍ لِيَقْتُلَ وَلَدَهَا أَوْ أَرَادَهُمَا عَمْدًا؛ لِأَنَّ وَقْعَ الْجِنَايَةِ بِالْأُمِّ دُونَ الْجَنِينِ.
جنين المرأة الحرة
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا جَنَى رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَعَلَى عَاقِلَتِهِ غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ يُؤَدُّونَ أَيَّهُمَا شَاءُوا مِنْ أَيِّ جِنْسٍ شَاءُوا وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُؤَدُّوا مَا فِيهِ عَيْبٌ يَرُدُّ مِنْهُ لَوْ بِيعَ وَلاَ خَصِيًّا؛ لِأَنَّهُ نَاقِصٌ عَنْ غُرَّةٍ وَإِنْ زَادَ ثَمَنُهُ بِالْخِصَاءِ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَكَمَ بِالْغُرَّةِ مِنْ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ وَلاَ خُصْيَانِ نَعْلَمُهُمْ بِبِلاَدِهِ. وَلَهُمْ أَنْ يُؤَدُّوا الْغُرَّةَ مُسْتَغْنِيَةً بِنْتَ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانٍ وَلاَ يُؤَدُّونَهَا فِي سِنٍّ دُونَ هَذَا السِّنِّ؛ لِأَنَّهَا لاَ تَسْتَغْنِي بِنَفْسِهَا دُونَ هَذِهِ السِّنِّ وَلاَ يُخَيَّرُ الْمَوْلُودُ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ إلَّا فِي هَذِهِ السِّنِّ وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْأَمَةِ وَوَلَدِهَا فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهَا صَغِيرَةٌ إلَّا بِهَذِهِ السِّنِّ وَقِيمَةُ الْغُرَّةِ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ وَذَلِكَ فِي الْعَمْدِ وَعَمْدِ الْخَطَأِ قِيمَةُ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ خُمُسَاهَا وَهُوَ بَعِيرَانِ قِيمَةُ خَلِفَتَيْنِ أَقَلَّ الْخَلِفَاتِ وَثَلاَثَةُ أَخْمَاسِهَا وَهُوَ قِيمَةُ ثَلاَثِ جِذَاعٍ وَحِقَاقٍ نِصْفَيْنِ مِنْ إبِلِ عَاقِلَةِ الْجَانِي فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ إبِلٌ فَمِنْ إبِلِ بَلَدِهِ أَوْ أَقْرَبِ الْبُلْدَانِ مِنْهُ.
وَإِذَا كَانَتْ جِنَايَةُ الرَّجُلِ عَلَى جَنِينِ الْمَرْأَةِ وَرَمَى غَيْرَ أُمِّهِ فَأَصَابَ أُمَّهُ فَدِيَةُ الْجَنِينِ عَلَى عَاقِلَتِهِ غُرَّةٌ، تُؤَدِّي عَاقِلَتُهُ أَيَّ غُرَّةٍ شَاءُوا غَيْرَ مَا وَصَفْت أَنْ لَيْسَ لَهُمْ أَدَاؤُهُ وَقِيمَتُهَا نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ رَجُلٍ مِنْ دِيَاتِ الْخَطَأِ [قَالَ]: وَهَذَا هَكَذَا فِي جَنِينِ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ أَوْ الْكِتَابِيَّةِ مِنْ سَيِّدِهَا يَجْنِي عَلَيْهَا الْحَرْبِيُّ الَّذِي لَهُ أَمَانٌ وَجَنِينُ الذِّمِّيَّةِ يُجْنَى عَلَيْهَا مِنْ الْمُسْلِمِ الْحُرِّ وَفِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ إذَا جَنَى عَلَى بَعْضِ أَجِنَّةِ مَنْ سَمَّيْت لاَ يَخْتَلِفُ فِي الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ. [قَالَ]: فَيُؤَدِّي فِي الْخَطَأِ عَلَى أُمِّ الْجَنِينِ غُرَّةً، قِيمَتُهَا قِيمَةُ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ أَخْمَاسِ قِيمَةِ بِنْتِ مَخَاضٍ وَقِيمَةُ بِنْتِ لَبُونٍ وَقِيمَةُ ابْنِ لَبُونٍ ذَكَرٍ وَقِيمَةُ حِقَّةٍ وَقِيمَةُ جَذَعَةٍ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُؤَدُّوا غُرَّةَ هَرِمَةٍ وَلاَ ضَعِيفَةٍ عَنْ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يُرَادُ لَهُ الرَّقِيقُ الْعَمَلُ وَإِنَّمَا يَحْكُمُ لِلنَّاسِ بِمَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ لاَ بِمَا لاَ يَنْفَعُهُمْ ضَعِيفُهُ وَإِذَا مُنِعَتْ مِنْ أَنْ تُؤَدِّيَ غُرَّةً مَعِيبَةً عَيْبًا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ فَالْعَيْبُ بِالْكِبَرِ أَكْبَرُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي تُرَدُّ بِهَا.
وَإِذَا جَنَى الرَّجُلُ عَلَى جَنِينٍ فَخَرَجَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَقَالَ مَاتَ مِنْ حَادِثٍ كَانَ بَعْدَ الْجِنَايَةِ مِنْ غَيْرِي وَقَالَ وَرَثَتُهُ: مَاتَ مِنْ الْجِنَايَةِ فَإِنْ كَانَ مَاتَ مَكَانَهُ مَوْتًا يُعْلَمُ فِي الظَّاهِرِ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ إلَّا مِنْ الْجِنَايَةِ فَفِيهِ دِيَةُ نَفْسٍ حَيَّةٍ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَإِنْ قِيلَ قَدْ عَاشَ مُدَّةً وَإِنْ قَلَّتْ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَاتَ مِنْ غَيْرِ الْجِنَايَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي وَعَاقِلَتِهِ. وَعَلَى وَرَثَةِ الْجَنِينِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ الْجِنَايَةِ، وَأَقْبَلُ عَلَى مَوْتِهِ مَا أَقْبَلُ عَلَى أَنَّهُ وَلَدٌ فَأَقْبَلُ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ وَرَجُلاً وَامْرَأَتَيْنِ إذَا كَانُوا عُدُولاً وَلاَ أَقْبَلُ فِيهِمْ وَارِثًا لَهُ [قَالَ الرَّبِيعُ]: وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ: إنِّي لاَ أَقْبَلُ عَلَيْهِ إلَّا شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ لِلرِّجَالِ النَّظَرُ إلَيْهِ إذَا أَمْكَنَهُمْ أَنْ يُخْرِجُوهُ حَيًّا بَعْدَ مَا يُولَدُ فَأَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُمْ أَنْ يُخْرِجُوهُ لِسُرْعَةِ مَوْتِهِ قَبِلْت عَلَيْهِ شَهَادَةَ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فَيَشْهَدْنَ عَلَى مَوْتِهِ بَعْدَ الْحَيَاةِ.
وَإِذَا خَرَجَ حَيًّا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَقَتَلَهُ رَجُلٌ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ كَيْفَ خَرَجَ إذَا عُرِفَتْ حَيَاتُهُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا مُفْرِطًا وَإِنْ خَرَجَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَقَتَلَهُ إنْسَانٌ عَمْدًا فَأَرَادَ وَرَثَتُهُ الْقَوَدَ فَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ يَعِيشُ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلاَثَةَ أَوْ الْيَوْمَ فَفِيهِ الْقَوَدُ.
وَإِذَا شَهِدَ رِجَالٌ أَنَّهُ جَنَى عَلَى امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا وَلَمْ يُثْبِتُوا أَحَيًّا أَمْ مَيِّتًا فَقَالَ الْجَانِي: أَلْقَتْهُ مَيِّتًا وَغَيَّبَتْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَوْ أَقَرَّ هُوَ بِأَنَّهُ خَرَجَ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا فَمَاتَ لَزِمَهُ فِي مَالِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا اعْتِرَافٌ إذَا لَمْ تُصَدِّقْهُ عَاقِلَتُهُ وَلَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ.
وَلَوْ جَنَى جَانٍ عَلَى امْرَأَةٍ فَقَالَتْ: أَلْقَيْت جَنِينًا وَقَالَ الْجَانِي: لَمْ تُلْقِ شَيْئًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَاءَتْ بِجَنِينٍ مَكَانَهَا مَيِّتًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ تَأْتِيَ بِجَنِينِ غَيْرِهَا.
وَلَوْ خَرَجَ الْجَنِينُ حَيًّا فَقَتَلَهُ غَيْرُ الْجَانِي عَلَى أُمِّهِ عَمْدًا قُتِلَ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْجَانِي عَلَى أُمِّهِ شَيْءٌ وَلَوْ قَتَلَهُ الْجَانِي عَلَى أُمِّهِ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ إنْ شَاءَ الْوَرَثَةُ وَحُكُومَةٌ فِي مَالِهِ بِجُرْحٍ إنْ أَصَابَ أُمَّهُ لاَ أَرْشَ لَهُ مَعْلُومٌ لِأُمِّهِ دُونَ وَرَثَةِ الْجَنِينِ.
وَإِذَا جَنَى عَلَى الْمَرْأَةِ فَأَلْقَتْ مَكَانَهَا جَنِينًا مَيِّتًا فَعَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي دِيَتُهُ وَلاَ يُصَدَّقُ وَلاَ يُصَدَّقُونَ أَنَّ إجْهَاضَهَا بِغَيْرِ جِنَايَةٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا مِنْ جِنَايَتِهِ.
وَإِذَا جَنَى عَلَى الْمَرْأَةِ فَأَلْقَتْ مَكَانَهَا جَنِينًا مَيِّتًا فَعَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي دِيَتُهُ وَلاَ يُصَدَّقُ وَلاَ يُصَدَّقُونَ أَنَّ إجْهَاضَهَا بِغَيْرِ جِنَايَةٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا مِنْ جِنَايَتِهِ.
وَلَوْ كَانَتْ تُطْلَقُ فَجَنَى عَلَيْهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَقَالَ أَلْقَتْهُ مِنْ غَيْرِ جِنَايَتِي لَزِمَ عَاقِلَتَهُ دِيَةُ الْجَنِينِ كَمَا لَوْ كَانَ مَرِيضًا فِي السِّيَاقِ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ لَزِمَهُ عَمْدًا كَانَ أَوْ خَطَأً؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعِيشُ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ يَمُوتُ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تُطْلَقُ ثُمَّ يَذْهَبُ الطَّلْقُ عَنْهَا فَتُقِيمُ أَيَّامًا لاَ تَلِدُ.
وَلَوْ كَانَتْ تُطْلَقُ فَجَنَى عَلَيْهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَقَالَ أَلْقَتْهُ مِنْ غَيْرِ جِنَايَتِي لَزِمَ عَاقِلَتَهُ دِيَةُ الْجَنِينِ كَمَا لَوْ كَانَ مَرِيضًا فِي السِّيَاقِ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ لَزِمَهُ عَمْدًا كَانَ أَوْ خَطَأً؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعِيشُ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ يَمُوتُ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تُطْلَقُ ثُمَّ يَذْهَبُ الطَّلْقُ عَنْهَا فَتُقِيمُ أَيَّامًا لاَ تَلِدُ.
وَإِذَا جَنَى الرَّجُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالْقَوَابِلُ عِنْدَهَا أَوْ لَسْنَ عِنْدَهَا وَهِيَ تُرَى تُطْلِقُ أَوْ لاَ تُطْلِقُ وَالْحَبَلُ بِهَا ظَاهِرٌ فَمَاتَتْ وَسَكَنَتْ حَرَكَةُ مَا فِي بَطْنِهَا ضَمِنَ الْأُمَّ وَلَمْ يَضْمَنْ الْجَنِينَ مِنْ قِبَلِ أَنِّي عَلَى غَيْرِ إحَاطَةٍ بِهِ أَنَّهُ جَنِينٌ مَاتَ بِجِنَايَتِهِ.
وَلَوْ خَرَجَ مِنْهَا شَيْءٌ يَبِينُ فِيهِ خَلْقُ إنْسَانٍ مِنْ رَأْسٍ أَوْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ مَاتَتْ أُمُّ الْجَنِينِ وَلَمْ تُخْرِجُ بَقِيَّةُ الْجَنِينِ ضَمِنَ الْأُمَّ وَالْجَنِينَ؛ لِأَنِّي قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ جَنَى عَلَى جَنِينٍ فِي بَطْنِهَا بِخُرُوجِ بَعْضِهِ وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ خُرُوجِ بَعْضِهِ وَكُلِّهِ فِي عِلْمِي بِأَنَّهُ جَنَى عَلَى جَنِينٍ، أَلاَ تَرَى أَنَّهَا لَوْ أَلْقَتْ كَالْمُضْغَةِ يَبِينُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ الْإِنْسَانِ ضَمَّنْتُهُ جِنَايَتُهُ عَلَى جَنِينٍ كَامِلٍ وَيَضْمَنُ مَتَى خَرَجَ مِنْهَا شَيْءٌ يَبِينُ بِهِ أَنَّهُ جَنَى عَلَى جَنِينٍ قَبْلَ مَوْتِهَا أَوْ بَعْدَهُ.
وَلَوْ خَرَجَ مِنْ فَرْجِ امْرَأَةٍ رَأْسَا جَنِينَيْنِ أَوْ أَرْبَعَةُ أَيْدٍ لِجَنِينَيْنِ وَلَمْ يَخْرُجْ مَا بَقِيَ أَغْرَمْته جِنَايَةً عَلَى جَنِينٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنِّي لاَ أَدْرِي لَعَلَّهُ يَجْمَعُ الرَّأْسَيْنِ شَيْءٌ مِنْ خِلْقَةِ الْإِنْسَانِ فَيَكُونَانِ فِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْهُمَا كَجَنِينٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُمْكِنُ فِيهِمَا وَإِذَا قَضَيْتُ بِدِيَةٍ فِي جَنِينٍ خَرَجَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ أَوْ خَرَجَ مَيِّتًا فَعَلَى الْجَانِي عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ.
[قَالَ]: وَإِذَا جَنَى عَلَى امْرَأَةٍ فَخَرَجَ مِنْهَا بَدَنَانِ فِي رَأْسٍ أَوْ جَمَعَ جَنِينَيْنِ شَيْءٌ وَاحِدٌ مِنْ خِلْقَةِ آدَمِيٍّ فَاللَّازِمُ لَهُ فِيهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُعْتِقَ اثْنَيْنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ خَرَجَ رَأْسَانِ مِنْ فَرْجِ امْرَأَةٍ ثُمَّ مَاتَتْ وَلَمْ يَتَتَامَّ خُرُوجُهُمَا فَيُعْرَفَانِ لَمْ أَقْضِ فِيهِمَا إلَّا بِدِيَةِ جَنِينٍ وَاحِدٍ وَلَزِمَ الْجَانِي عِتْقُ رَقَبَةٍ وَكَانَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَتَيْنِ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَوْكَدُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ الرَّأْسَيْنِ مِنْ بَدَنَيْنِ مُفْتَرِقَيْنِ مَا لَمْ يَعْلَمْ اجْتِمَاعَهُمَا بِمُعَايَنَتِهِ.
وَلَوْ اضْطَرَبَ شَيْءٌ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فَمَاتَتْ أَحْبَبْتُ لِلْجَانِي أَنْ لاَ يَدَعَ أَنْ يُعْتِقَ وَيَحْتَاطَ فَيُعْتِقَ رَقَبَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا وَلاَ يَبِينُ أَنْ يَلْزَمَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْهُ وَلَدًا وَإِذَا مَاتَتْ الْأُمُّ وَجَنِينُهَا أَعْتَقَ بِمَوْتِ الْأُمِّ رَقَبَةً وَبِمَوْتِ جَنِينِهَا أُخْرَى.
جنين الذمية
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -: وَإِذَا كَانَ الذِّمِّيَّانِ الزَّوْجَانِ الْحُرَّانِ عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ فَجَنَى عَلَى جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْهُمْ زَوْجُهَا عَلَى دِينِهَا فَخَرَجَ مَيِّتًا فَدِيَتُهُ عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ، وَإِنْ كَانَا مُخْتَلِفَيْ الدِّينِ فَحُكْمُهُ لِأَكْثَرِهِمَا دِيَةً أَجْعَلُ دِيَتَهُ أَبَدًا لِخَيْرِ أَبَوَيْهِ وَأَجْعَلُ دِيَتَهُ بِحُكْمِ الْمُسْلِمِ مِنْ أَبَوَيْهِ إنْ كَانَ مِنْهُمَا مُسْلِمٌ، مِثْلُ أَنْ تَكُونَ ذِمِّيَّةٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَتَكُونَ دِيَةُ جَنِينٍ مُسْلِمٍ، وَمِثْلُ أَنْ تَكُونَ الْمُسْلِمَةُ أَسْلَمَتْ عِنْدَ ذِمِّيٍّ فَتُجْعَلُ دِيَةُ جَنِينِهَا دِيَةُ جَنِينِ مُسْلِمَةٍ، وَمِثْلَ أَنْ تَكُونَ أَمَةً تُوطَأُ بِمِلْكِ سَيِّدِهَا فَتَكُونَ دِيَةُ جَنِينِهَا نِصْفَ عُشْرِ دِيَةِ أَبِيهِ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ حُرٌّ بَحْرِيَّة أَبِيهِ وَلاَ يَكُونَ مِلْكًا لِأَبِيهِ.
وَلَوْ كَانَ أَبُوهُ مَمْلُوكًا أَوْ مُكَاتَبًا وَطِئَ أَمَةً لَهُ فَجَنَى عَلَى جَنِينِهِ مِنْ أَمَةٍ لَهُ قَبْلَ عِتْقِ أَبِيهِ كَانَ فِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لاَ فَضْلَ فِي الْحُكْمِ فِي الدِّيَةِ لِأَبِيهِ عَلَى أُمِّهِ بِالْحُرِّيَّةِ. وَهَكَذَا لَوْ كَانَتْ مَجُوسِيَّةٌ أَوْ وَثَنِيَّةٌ عِنْدَ نَصْرَانِيٍّ جَعَلْتُ فِي جَنِينِهَا مَا فِي جَنِينِ النَّصْرَانِيَّةِ تَحْتَ النَّصْرَانِيِّ؛ لِمَا وَصَفْتُ وَسَوَاءٌ جَنَى عَلَى جَنِينِ الذِّمِّيَّةِ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ أَوْ حَرْبِيٌّ يُحْكَمُ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِدِيَتِهِ إنْ كَانَتْ عَاقِلَتُهُ مِمَّنْ يَجْرِي عَلَيْهِ الْحُكْمُ وَإِلَّا حُكِمَ بِدِيَتِهِ فِي مَالِ الْجَانِي [قَالَ]: وَهَكَذَا جَنِينُ الْأَمَةِ الْكَافِرَةِ يَطَؤُهَا سَيِّدُهَا بِمِلْكٍ أَوْ يَنْكِحُهَا مُسْلِمٌ وَلاَ يَعْلَمُ أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ وَتَقُولُ إنَّهَا حُرَّةٌ فَفِيهِ دِيَةُ جَنِينِ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ.
وَلَوْ أَنَّ ذِمِّيَّةً حَمَلَتْ فَجَنَى عَلَيْهَا جَانٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَقَالَتْ: هُوَ مِنْ زِنًا بِمُسْلِمٍ كَانَتْ فِيهِ دِيَةُ جَنِينِ نَصْرَانِيَّةِ عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَلْحَقُ بِالزِّنَا نَسَبُهُ.
وَلَوْ جَنَى رَجُلٌ عَلَى نَصْرَانِيَّةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَقَالَتْ: كَانَ أَبُوهُ مُسْلِمًا وَقَالَ الْجَانِي: بَلْ كَانَ ذِمِّيًّا أَوْ لاَ نَعْرِفُ لَهُ أَبًا لَزِمَهُ جَنِينُ نَصْرَانِيَّةٍ وَيَحْلِفُ مَا كَانَ أَبُوهُ مُسْلِمًا.
[قَالَ]: وَلَوْ اشْتَرَكَ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ فِي ظَهْرِ حُرَّةٍ بِنِكَاحِ شُبْهَةٍ فَجَنَى رَجُلٌ عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا جَعَلْتُ عَلَى الْقَاتِلِ جَنِينَ ذِمِّيَّةٍ مِنْ ذِمِّيٍّ فَإِنْ أُلْحِقَ الْجَنِينُ بِمُسْلِمٍ أَتْمَمْتُ عَلَيْهِ جَنِينَ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ وَإِنْ هُوَ أُشْكِلَ فَلَمْ يَبِنْ لِأَيِّهِمَا هُوَ لَمْ أَجْعَلْ عَلَيْهِ إلَّا الْأَقَلَّ حَتَّى أَعْرِفَ الْأَكْثَرَ.
جنين الأمة
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالْأَمَةُ الْمُكَاتَبَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمُعْتَقَةُ إلَى أَجَلٍ وَغَيْرُ الْمُعْتَقَةِ سَوَاءٌ أَجِنَّتُهُنَّ أَجِنَّةُ إمَاءٍ إذَا لَمْ تَكُنْ أَجِنَّتُهُنَّ أَحْرَارًا بِمَا وَصَفْتُ مِنْ أَنْ يَطَأَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ مَالِكٌ لَهَا حُرٌّ أَوْ زَوْجٌ حُرٌّ غَرَّتْهُ بِأَنَّهَا حُرَّةٌ فَفِي جَنِينِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إذَا خَرَجَ مَيِّتًا عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ يَوْمَ جَنَى عَلَيْهَا [قَالَ]: وَإِنَّمَا قُلْتُ هَذَا؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا كَانَ فِي قَضَائِهِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنْ لاَ يُفَرَّقَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ الْأَجِنَّةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْجَنِينِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ الْمَمَالِيكِ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَتَّفِقَ الْحُكْمُ فِيهِمَا بِحَالٍ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ وَمَنْ قَالَ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ إذَا كَانَ ذَكَرًا نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَإِذَا كَانَ أُنْثَى عُشْرُ قِيمَتِهَا لَوْ كَانَتْ حَيَّةً فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا جَمَعَ بَيْنَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- [قَالَ]: وَإِذَا جَنَى عَلَى الْأَمَةِ فَأَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ مِنْ الْإِجْهَاضِ فَفِيهِ قِيمَتُهُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى كَمَا يُقْتَلُ فَيَكُونُ فِيهِ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ.
جنين الأمة تعتق والذمية تسلم
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَإِذَا جَنَى الرَّجُلُ عَلَى الْأَمَةِ الْحَامِلِ جِنَايَةً فَلَمْ تُلْقِ جَنِينَهَا حَتَّى عَتَقَتْ أَوْ عَلَى الذِّمِّيَّةِ جِنَايَةً فَلَمْ تُلْقِ جَنِينَهَا حَتَّى أَسْلَمَتْ فَفِي جَنِينِهَا مَا فِي جَنِينِ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَيْهَا كَانَتْ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ فَيَضْمَنُ الْأَكْثَرَ مِمَّا فِي جِنَايَتِهِ عَلَيْهَا.
وَإِذَا ضَرَبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَأَقَامَتْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ أَلْقَتْ جَنِينًا فَقَالَتْ: أَلْقَيْته مِنْ الضَّرْبَةِ وَقَالَ: لَمْ تُلْقِهِ مِنْهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ أَنَّهَا لَمْ تَزَلْ ضَمِنَةً مِنْ الضَّرْبَةِ أَوْ لَمْ تَزَلْ تَجِدُ الْأَلَمَ مِنْ الضَّرْبَةِ حَتَّى أَلْقَتْ الْجَنِينَ فَإِذَا جَاءَتْ بِهَذَا أُلْزِمَتْ عَاقِلَتُهُ عَقْلَ الْجَنِينِ وَإِذَا ضَرَبَهَا فَأَقَامَتْ عَلَى ذَلِكَ لاَ تَجِدُ شَيْئًا ثُمَّ أَلْقَتْ جَنِينًا لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تُلْقِيهِ بِلاَ جِنَايَةٍ وَإِنَّمَا يَكُونُ جَانِيًا عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَنْفَصِلْ عَنْهَا أَلَمُ الْجِنَايَةِ حَتَّى تُلْقِيَهُ وَلَوْ أَقَامَتْ بِذَلِكَ أَيَّامًا.
وَإِذَا كَانَتْ الْأَمَةُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَجَنَى عَلَيْهَا أَحَدُهُمَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا ثُمَّ أَلْقَتْ مِنْ الْجِنَايَةِ جَنِينًا فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا لِأَدَاءِ قِيمَتِهَا ضَمِنَ جَنِينَ حُرَّةٍ وَكَانَتْ مَوْلاَتُهُ وَكَانَ لِشَرِيكِهِ فِيهَا نِصْفُ قِيمَةِ الْأُمِّ وَلاَ شَيْءَ لَهُ فِي الْجَنِينِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَلاَؤُهُ وَوَرِثَتْ أُمُّهُ ثُلُثَ دِيَتِهِ وَقَرَابَةُ مَوْلاَهُ الَّذِي جَنَى عَلَيْهِ الثُّلُثَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسَبٌ يَرِثُهُ وَلاَ يَرِثُ مِنْهُ الْمَوْلَى شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَجْنِي عَلَى جَنِينِ امْرَأَتِهِ تَضْمَنُ عَاقِلَتُهُ دِيَتَهُ وَتَرِثُ أُمُّهُ الثُّلُثَ وَإِخْوَتُهُ مَا بَقِيَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إخْوَةٌ فَقَرَابَةُ أَبِيهِ وَلاَ يَرِثُهُ أَبُوهُ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ وَإِذَا أَلْقَتْ الْجَنِينَ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَلِشَرِيكِهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ أُمَّةِ؛ لِأَنَّهُ جَنِينُ أَمَةٍ.
وَإِذَا جَنَى الرَّجُلُ عَلَى أَمَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا ثُمَّ عَتَقَتْ فَأَلْقَتْ جَنِينًا ثَانِيًا فَفِي الْأَوَّلِ عُشْرُ قِيمَةِ أَمَةٍ لِسَيِّدِهَا وَفِي الْآخَرِ مَا فِي جَنِينِ حُرٍّ يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ مَعَهَا.
حلول الدية
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: فَالْقَتْلُ ثَلاَثَةُ وُجُوهٍ: عَمْدٌ مَحْضٌ، وَعَمْدٌ خَطَأٌ، وَخَطَأٌ مَحْضٌ، فَأَمَّا الْخَطَأُ فَلاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ عَلِمْتُهُ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَضَى فِيهِ بِالدِّيَةِ فِي ثَلاَثِ سِنِينَ [قَالَ]: وَذَلِكَ فِي مُضِيِّ ثَلاَثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ مَاتَ الْقَتِيلُ فَإِذَا مَاتَ الْقَتِيلُ وَمَضَتْ سَنَةٌ حَلَّ ثُلُثُ الدِّيَةِ ثُمَّ إذَا مَضَتْ سَنَةٌ ثَانِيَةٌ حَلَّ الثُّلُثُ الثَّانِي ثُمَّ إذَا مَضَتْ سَنَةٌ ثَالِثَةٌ حَلَّ الثُّلُثُ الثَّالِثُ وَلاَ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إلَى يَوْمِ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ وَلاَ إبْطَاءٍ بِبَيِّنَةٍ إنْ لَمْ تُثْبِتْ زَمَانًا وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بَعْدَ سَنَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ الْقَتِيلِ أَخَذُوا مَكَانَهُمْ بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ حَلَّتْ عَلَيْهِمْ [قَالَ]: وَاَلَّذِي أَحْفَظُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْخَطَأِ الْعَمْدِ هَكَذَا وَذَلِكَ أَنَّهُمَا مَعًا مِنْ الْخَطَأِ الَّذِي لاَ قِصَاصَ فِيهِ بِحَالٍ فَأَمَّا الْعَمْدُ إذَا قُبِلَتْ فِيهِ الدِّيَةُ وَعُفِيَ عَنْ الْقَتْلِ فَالدِّيَةُ كُلُّهَا حَالَّةٌ فِي مَالِ الْقَاتِلِ، وَكَذَلِكَ الْعَمْدُ الَّذِي لاَ قَوَدَ فِيهِ، مِثْلُ أَنْ يَقْتُلَ الرَّجُلُ ابْنَهُ الْمُسْلِمَ أَوْ غَيْرَ الْمُسْلِمِ عَمْدًا وَهَكَذَا صَنَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه فِي ابْنِ قَتَادَةَ الْمُدْلِجِيِّ أَخَذَ مِنْهُ الدِّيَةَ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ وَالدِّيَةُ فِي الْعَمْدِ فِي مَالِ الْجَانِي وَفِي الْخَطَأِ الْمَحْضِ وَالْخَطَأِ الْعَمْدِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي مُضِيِّ ثَلاَثِ سِنِينَ كَمَا وَصَفْتُ وَمَا لَزِمَ الْعَاقِلَةَ مِنْ دِيَةِ جُرْحٍ وَكَانَ الثُّلُثُ فَمَا دُونَهُ فَعَلَيْهَا أَنْ تُؤَدِّيَهُ فِي مُضِيِّ سَنَةٍ مِنْ يَوْمِ جُرِحَ الْمَجْرُوحُ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فَعَلَيْهَا أَنْ تُؤَدِّيَ الثُّلُثَ فِي مُضِيِّ سَنَةٍ وَمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مِمَّا قَلَّ أَوْ كَثُرَ أَدَّتْهُ فِي فِي مُضِيِّ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ إلَى الثُّلُثَيْنِ فَمَا جَاوَزَ الثُّلُثَيْنِ فَهُوَ فِي مُضِيِّ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَهَذَا مَعْنَى السَّنَةِ وَمَا لَمْ يَخْتَلِفْ النَّاسُ فِيهِ فِي أَصْلِ الدِّيَةِ.
أسنان الإبل في العمد وشبه العمد
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: نَصُّ السُّنَّةِ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ الْخَطَأِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ مِنْهَا أَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلاَدُهَا وَالْخَلِفَةُ هِيَ الْحَامِلُ مِنْ الْإِبِلِ وَقَلَّمَا تَحْمِلُ الْأَثْنِيَةُ فَصَاعِدًا فَأَيُّ نَاقَةٍ مِنْ إبِلِ الْعَاقِلَةِ حَمَلَتْ فَهِيَ خَلِفَةٌ وَهِيَ تُجْزِي فِي الدِّيَةِ مَا لَمْ تَكُنْ مَعِيبَةً [قَالَ]: وَلاَ يُجْزِي فِي الْأَرْبَعِينَ إلَّا الْخَلِفَةُ وَإِذَا رَآهَا أَهْلُ الْعِلْمِ فَقَالُوا هَذِهِ خَلِفَةٌ ثَنِيَّةٌ أَجْزَأَتْ فِي الدِّيَةِ وَجُبِرَ مَنْ لَهُ الدِّيَةُ عَلَى قَبُولِهَا فَإِنْ أَزَلَقَتْ قَبْلُ تُقْبَضُ لَمْ تَجُزْ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُدْفَعْ خَلِفَةً فَإِنْ أُجْهِضَتْ بَعْدَمَا تُقْبَضُ فَقَدْ أَجْزَأَتْ وَإِنْ دُفِعَتْ وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: هِيَ خَلِفَةٌ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهَا غَيْرُ خَلِفَةٍ فَلِأَهْلِ الْقَتِيلِ رَدُّهَا وَأَخْذُهُمْ بِخَلِفَةٍ غَيْرِهَا وَإِنْ غَابَ أَهْلُ الْقَتِيلِ عَلَيْهَا فَقَالُوا: لَمْ تَكُنْ خَلِفَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ مَعَ أَيْمَانِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا خَلِفَةٌ إلَّا بِالظَّاهِرِ [قَالَ الرَّبِيعُ]: وَهَذَا عِنْدِي إذَا قَبَضُوهَا بِغَيْرِ رُؤْيَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا قَالُوا فِي الْبُدُنِ: لَيْسَتْ خَلِفَةً فَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: هِيَ خَلِفَةٌ أَلْزَمُوهَا حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ خَلِفَةً وَالسِّتُّونَ الَّتِي مَعَ الْأَرْبَعِينَ الْخَلِفَةُ ثَلاَثُونَ حِقَّةً وَثَلاَثُونَ جَذَعَةً وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ قَوْلُ عَدَدٍ مِمَّنْ لَقِيت مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمُفْتِينَ أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ قُلْت لِعَطَاءٍ تَغْلِيظُ الْإِبِلِ فَقَالَ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ مِنْ الْأَصْنَافِ كُلِّهَا مِنْ كُلِّ صِنْفٍ ثُلُثُهُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَالتَّغْلِيظُ كَمَا قَالَ عَطَاءٌ فَيُؤْخَذُ فِي مُضِيِّ كُلِّ سَنَةٍ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَثُلُثُ خَلِفَةٍ وَعَشْرُ جِذَاعٍ وَعَشْرُ حِقَاقٍ وَيُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ ثُلُثَ نَاقَةٍ يَكُونُ شَرِيكًا لَهُ بِهَا لاَ يُجْبَرُ عَلَى قِيمَةٍ إنْ كَانَ يَجِدُ الْإِبِلَ. وَمِثْلُ هَذَا أَسْنَانُ دِيَةِ الْعَمْدِ إذَا زَالَ فِيهِ الْقِصَاصُ بِأَنْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْقَاتِلِ قِصَاصٌ وَذَلِكَ مِثْلُ الرَّجُلِ يَقْتُلُ ابْنَهُ أَوْ يَقْتُلُ وَهُوَ مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِهِ بِغَيْرِ سُكْرٍ أَوْ صَبِيٍّ، وَهَكَذَا أَسْنَانُ الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَذِي الرَّحِمِ، وَمَنْ غَلُظَتْ فِيهِ الدِّيَةُ لاَ يُزَادُ عَلَى هَذَا فِي عَدَدِ الْإِبِلِ إنَّمَا الزِّيَادَةُ فِي أَسْنَانِهَا وَدِيَةُ الْعَمْدِ حَالَّةٌ كُلُّهَا فِي مَالِ الْقَاتِلِ.
سنان الإبل في الخطأ
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله وَإِذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي قَتْلِ الْعَمْدِ الْخَطَأِ مُغَلَّظَةٌ مِنْهَا أَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بَعْضِهَا أَوْلاَدُهَا فَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ دِيَةَ الْخَطَأِ الَّذِي لاَ يَخْلِطُهُ عَمْدٌ مُخَالَفَةٌ هَذِهِ الدِّيَةَ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا فَأُلْزِمَ الْقَاتِلُ عَدَدَ مِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ بِالسُّنَّةِ ثُمَّ مَا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ وَلاَ أُلْزِمُهُ مِنْ أَسْنَانِ الْإِبِلِ إلَّا أَقَلَّ مَا قَالُوا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ الْإِبِلِ يَلْزَمُ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ فَدِيَةُ الْخَطَأِ أَخْمَاسٌ - عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ ذَكَرٍ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ وَرَبِيعَةَ وَبَلَغَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ دِيَةُ الْخَطَأِ عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ ذَكَرٍ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً.
في تغليظ الدية
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله وَتَغْلِيظُ الدِّيَةِ فِي الْعَمْدِ وَالْعَمْدِ الْخَطَأِ وَالْقَتْلِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْبَلَدِ الْحَرَامِ وَقَتْلِ ذِي الرَّحِمِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْعَمْدِ غَيْرِ الْخَطَأِ لاَ تَخْتَلِفُ وَلاَ تُغَلَّظُ فِيمَا سِوَى هَؤُلاَءِ. وَإِذَا أَصَابَ ذَا رَحِمٍ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْبَلَدِ الْحَرَامِ وَهِيَ مَكَّةُ دُونَ الْبُلْدَانِ لَمْ يَزِدْ فِي التَّغْلِيظِ عَلَى مَا وَصَفْتُ قَلِيلُ التَّغْلِيظِ وَكَثِيرُهُ فِي الدِّيَةِ سَوَاءٌ فَإِذَا قُوِّمَتْ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ قُوِّمَتْ عَلَى مَا يَجِبُ مِنْ تَغْلِيظِهَا [قَالَ]: وَتُغَلَّظُ فِي الْجِرَاحِ دُونَ النَّفْسِ صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا بِقَدْرِهَا فِي السِّنِّ كَمَا تُغَلَّظُ فِي النَّفْسِ فَلَوْ شَجَّ رَجُلٌ رَجُلاً مُوضِحَةً عَمْدًا فَأَرَادَ الْمَشْجُوجُ الدِّيَةَ أَخَذَ مِنْ الشَّاجِّ خَلِفَتَيْنِ وَجَذَعَةً وَنِصْفَ جَذَعَةٍ وَحِقَّةً وَنِصْفَ حِقَّةٍ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ نِصْفُ حِقَّةٍ؟ قُلْتُ يَكُونُ شَرِيكًا فِيهَا عَلَى نِصْفِهَا وَلِلْجَانِي النِّصْفُ كَمَا يَكُونُ الْبَعِيرُ بَيْنَهُمَا وَهَذَا هَكَذَا فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ مِمَّا لَهُ أَرْشٌ بِاجْتِهَادٍ لاَ يَخْتَلِفُ فَلَوْ شَجَّهُ هَاشِمَةً كَانَتْ لَهُ فِيهَا عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَعُ خَلِفَاتٍ وَثَلاَثُ حِقَاقٍ وَثَلاَثُ جِذَاعٍ، وَلَوْ شَجَّهُ مُنَقِّلَةً كَانَتْ لَهُ فِيهَا خَمْسَ عَشْرَةَ سِتُّ خَلِفَاتٍ وَأَرْبَعُ جِذَاعٍ وَنِصْفٍ وَأَرْبَعُ حِقَاقٍ وَنِصْفٍ، وَلَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ كَانَتْ لَهُ خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ عِشْرُونَ خَلِفَةً وَخَمْسَ عَشْرَةَ جَذَعَةً وَخَمْسَ عَشَرَ حِقَّةً، وَإِذَا وَجَبَتْ لَهُ الدِّيَةُ خَطَأً فَكَانَ أَرْشُ شَجَّةٍ مُوضِحَةٍ أُخِذَتْ مِنْهُ عَلَى حِسَابِ أَصْلِ الدِّيَةِ كَمَا وَصَفْتُ فِي الْعَمْدِ فَتُؤْخَذُ فِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ بِنْتُ مَخَاضٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ وَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٍ وَحِقَّةٌ وَجَذَعَةٌ.
أي الإبل على العاقلة؟
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله: قَدْ حَفِظْتُ عَنْ عَدَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ قَالُوا: لاَ يُكَلَّفُ أَحَدٌ غَيْرَ إبِلِهِ وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهُ دُونَهَا كَانَ مَذْهَبُهُمْ أَنَّ إبِلَهُ إنْ كَانَتْ حِجَازِيَّةً لَمْ يُكَلَّفْ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهَا وَإِنْ كَانَتْ مُهْرِيَّةً لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ مَا هُوَ شَرٌّ مِنْهَا ثُمَّ هَكَذَا مَا كَانَ بَيْنَ الْحِجَازِيَّةِ وَالْمُهْرِيَّةِ مِنْ مُرْتَفِعِ الْإِبِلِ وَمُنْخَفِضِهَا وَبِهَذَا أَقُولُ. وَهَكَذَا إنْ كَانَتْ إبِلُهُ عَوَادِيَ أَوْ أَوْرَاكَ أَوْ خَمِيصَةً، وَإِذَا كَانَ بِبَلَدٍ وَلاَ إبِلَ لَهُ كُلِّفَ إبِلَ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ إبِلٌ كُلِّفَ إبِلَ أَقْرَبِ الْبُلْدَانِ بِهِ مِمَّا يَلِيهِ وَيُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الْإِبِلَ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَضَى عَلَيْهِ بِهَا فَإِذَا كَانَتْ مَوْجُودَةً بِحَالٍ كَلِفَهَا كَمَا يُكَلَّفُ مَا سِوَاهَا مِنْ الْحُقُوقِ الَّتِي تَلْزَمُهُ إذَا وُجِدَتْ وَإِذَا سَأَلَ الَّذِي لَهُ الدِّيَةُ غَيْرَ الْإِبِلِ أَوْ سَأَلَهَا الَّذِي عَلَيْهِ الدِّيَةُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيُجْبَرَانِ عَلَى الْإِبِلِ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَى الرِّضَا بِغَيْرِ الْإِبِلِ فَيَجُوزُ لَهُمَا صَرْفُهَا إلَى مَا تَرَاضَيَا بِهِ كَمَا يَجُوزُ صَرْفُ الْحُقُوقِ إلَى مَا يَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهِ. فَإِنْ كَانَتْ إبِلُ الْجَانِي وَإِبِلُ عَاقِلَتِهِ هِيَ مُبَايِنَةٌ لِإِبِلِ غَيْرِهِمْ فَإِنْ أَتَتْ عَلَيْهَا السَّنَةُ فَتَبْقَى عِجَافًا أَوْ مَرْضَى أَوْ جُرْبًا فَإِذَا كَانَ هَكَذَا قِيلَ لِلْجَانِي إنْ أَدَّيْتَ إلَيْهِ إبِلاً صِحَاحًا شَرْوَى إبِلِكَ أَوْ خَيْرًا مِنْهَا جُبِرَ عَلَى قَبُولِهَا مِنْكَ وَأَنْتَ مُتَطَوِّعٌ بِالْفَضْلِ عَنْ إبِلِكَ وَإِبِلِ عَاقِلَتِكَ وَإِنْ أَرَدْت أَنْ تُؤَدِّيَ شَرًّا مِنْ إبِلِكَ وَإِبِلِ عَاقِلَتِكَ لَمْ يَكُنْ لَك وَلاَ لَهُمْ أَنْ تُؤَدُّوا إلَّا شَرْوَاهَا مَا كَانَتْ مَوْجُودَةً فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ قِيلَ أَدِّ قِيَمَ صِحَاحٍ غَيْرِ مَعِيبَةٍ مِثْلَ إبِلِكَ وَإِذَا حَكَمْنَا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ حَكَمْنَا بِهَا عَلَى الْأَغْلَبِ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ الَّذِي بِهِ الْجَانِي إنْ كَانَ دَرَاهِمَ فَدَرَاهِمَ وَإِنْ كَانَ دَنَانِيرَ فَدَنَانِيرَ وَلَمْ يَحْكُمْ بِقِيمَةِ نَجْمٍ مِنْهَا إلَّا بَعْدَمَا يَحِلُّ عَلَى صَاحِبِهِ فَإِذَا قَوَّمْنَاهُ أَخَذْنَاهُ بِهِ مَكَانَهُ فَإِنْ أَعْسَرَ بِهِ أَوْ مَطَلَ حَتَّى يَجِدَ إبِلاً دَفَعَ الْإِبِلَ وَأُبْطِلَتْ الْقِيمَةُ فَإِذَا حَلَّ نَجْمٌ آخَرُ قُوِّمَتْ الْإِبِلُ قِيمَةَ يَوْمِهَا.
إعواز الإبل
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله: وَعَامٌّ فِي أَهْلِ الْعِلْمِ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَضَ الدِّيَةَ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ) ثُمَّ قَوَّمَهَا عُمَرُ رضي الله عنه عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَالْعِلْمُ مُحِيطٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ عُمَرَ لاَ يُقَوِّمُهَا إلَّا قِيمَةَ يَوْمِهَا وَلَعَلَّهُ قَوَّمَ الدِّيَةَ الْحَالَّةَ كُلَّهَا فِي الْعَمْدِ، وَإِذَا قَوَّمَهَا عُمَرُ قِيمَةَ يَوْمِهَا فَاتِّبَاعُهُ أَنْ تُقَوَّمَ كُلَّمَا وَجَبَتْ عَلَى إنْسَانٍ قِيمَةَ يَوْمِهَا كَمَا لَوْ قُوِّمَتْ إبِلُ رَجُلٍ أَتْلَفَهَا رَجُلٌ شَيْئًا ثُمَّ أَتْلَفَ آخَرُ بَعْدَهَا مِثْلَهَا قُوِّمَتْ بِسُوقِ يَوْمِهَا وَلَوْ قُوِّمَتْ سَرِقَةً لِيَقْطَعَ صَاحِبُهَا شَيْئًا ثُمَّ سَرَقَ بَعْدَهَا آخَرُ مِثْلَهَا قُوِّمَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قِيمَةَ يَوْمِهَا وَلَعَلَّ عُمَرَ أَنْ لاَ يَكُونَ قَوَّمَهَا إلَّا فِي حِينٍ وَبَلَدٍ هَكَذَا قِيمَتُهَا فِيهِ حِينَ أَعْوَزَتْ وَلاَ يَكُونُ قَوَّمَهَا إلَّا بِرِضًا مِنْ الْجَانِي وَوَلِيِّ الْجِنَايَةِ كَمَا يُقَوِّمُ مَا أَعْوَزَ مِنْ الْحُقُوقِ اللَّازِمَةِ غَيْرَهَا وَمَا تَرَاضَى بِهِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَعَلَيْهِ. أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ ابْنِ شِهَابٍ وَمَكْحُولٍ وَعَطَاءٍ. قَالُوا: أَدْرَكْنَا النَّاسَ عَلَى أَنَّ دِيَةَ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ الْحُرِّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ فَقَوَّمَ عُمَرُ رضي الله عنه عَلَى أَهْلِ الْقُرَى أَلْفَ دِينَارٍ أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَصَابَهُ مِنْ الْأَعْرَابِ فَدِيَتُهُ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ لاَ يُكَلَّفُ الْأَعْرَابِيُّ الذَّهَبَ وَلاَ الْوَرِقَ. [قَالَ]: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّ عُمَرَ لَمْ يُقَوِّمْ الدِّيَةَ عَلَى مَنْ يَجِدُ الْإِبِلَ وَلَمْ يُقَوِّمْهَا إلَّا عِنْدَ الْإِعْوَازِ، أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لاَ يُكَلَّفُ الْأَعْرَابِيَّ ذَهَبًا وَلاَ وَرِقًا لِوُجُودِ الْإِبِلِ وَأَخَذَ الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ مِنْ الْقَرَوِيِّ لِإِعْوَازِ الْإِبِلِ فِيمَا أَرَى - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْحَقَّ لاَ يَخْتَلِفُ فِي الدِّيَةِ. أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقَوِّمُ الْإِبِلَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ وَعَدْلَهَا مِنْ الْوَرِقِ وَيَقْسِمُهَا عَلَى أَثْمَانِ الْإِبِلِ فَإِذَا غَلَتْ رَفَعَ فِي قِيمَتِهَا وَإِذَا هَانَتْ نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا عَلَى أَهْلِ الْقُرَى وَالثَّمَنُ مَا كَانَ). أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ قَضَى أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه عَلَى أَهْلِ الْقُرَى حِينَ كَثُرَ الْمَالُ وَغَلَتْ الْإِبِلُ فَأَقَامَ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ بِسِتِّمِائَةِ دِينَارٍ إلَى ثَمَانِمِائَةِ دِينَارٍ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عَلَى النَّاسِ أَجْمَعِينَ أَهْلِ الْقُرَى وَأَهْلِ الْبَادِيَةِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ عَلَى الْأَعْرَابِيُّ وَالْقَرَوِيُّ أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ قُلْتُ لِعَطَاءٍ الدِّيَةُ الْمَاشِيَةُ أَوْ الذَّهَبُ؟ قَالَ كَانَتْ الْإِبِلَ حَتَّى كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَقَوَّمَ الْإِبِلَ بِعِشْرِينَ وَمِائَةٍ كُلِّ بَعِيرٍ فَإِنْ شَاءَ الْقَرَوِيُّ أَعْطَى مِائَةَ نَاقَةٍ وَلَمْ يُعْطِ ذَهَبًا كَذَلِكَ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ فَتُؤْخَذُ الْإِبِلُ مَا وُجِدَتْ وَتُقَوَّمُ عِنْدَ الْإِعْوَازِ عَلَى مَا وَصَفْت؛ لِأَنَّ مَنْ لَزِمَهُ شَيْءٌ لَمْ يُقَوَّمْ عَلَيْهِ وَهُوَ يُوجَدُ مِثْلُهُ، أَلاَ تَرَى أَنَّ مَنْ لَزِمَهُ صِنْفٌ مِنْ الْعُرُوضِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ إلَّا هُوَ فَإِنْ أَعْوَزَ مَا لَزِمَهُ مِنْ الصِّنْفِ أُخِذَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ يَلْزَمُ صَاحِبَهُ. وَقَدْ يَحْتَمِلُ تَقْوِيمَ الْإِبِلِ أَنْ يَكُونَ أَعْوَزَ مِنْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فَقُوِّمَتْ عَلَيْهِ أَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً عِنْدَ غَيْرِهِ بِبَلَدِهِ فَقُوِّمَتْ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. وَمَا رُوِيَ مِمَّا وَصَفْتُ مِنْ تَقْوِيمِ مَنْ قَوَّمَ الدِّيَةَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - عَلَى مَا ذَهَبْت إلَيْهِ [قَالَ]: وَالدِّيَةُ لاَ تُقَوَّمُ إلَّا بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ كَمَا لاَ يُقَوَّمُ غَيْرُهَا إلَّا بِهِمَا. وَلَوْ جَازَ أَنْ نُقَوِّمَهَا بِغَيْرِهَا جَعَلْنَا عَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ الْبَقَرَ وَعَلَى أَهْلِ الشَّاةِ الشَّاةَ فَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ كَمَا رُوِيَتْ عَنْهُ قِيمَةُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ. وَجَعَلْنَا عَلَى أَهْلِ الطَّعَامِ الطَّعَامَ وَعَلَى الْخَيْلِ الْخَيْلَ وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ الْحُلَلَ بِقِيمَةِ الْإِبِلِ وَلَكِنَّ الْأَصْلَ كَمَا وَصَفْتُ الْإِبِلَ فَإِذَا أَعْوَزَ فَالْقِيمَةُ قِيمَةُ مَا لاَ يُوجَدُ مِمَّا وَجَبَ عَلَى صَاحِبِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ [قَالَ]: وَإِنْ وَجَدَتْ الْعَاقِلَةُ بَعْضَ الْإِبِلِ أَخَذَ مِنْهَا مَا وُجِدَ وَقِيمَةُ مَا لَمْ تَجِدْ إذَا لَمْ تَجِدْ الْوَفَاءَ مِنْهُ بِحَالٍ. وَإِنَّمَا تُقَوَّمُ إبِلُ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مِمَّا تَعْقِلُهَا الْعَاقِلَةُ قُوِّمَتْ إبِلُهَا وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يَعْقِلُهَا الْجَانِي قُوِّمَتْ إبِلُهُ إنْ اخْتَلَفَتْ إبِلُهُ وَإِبِلُ الْعَاقِلَةِ.
العيب في الإبل
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله: وَلاَ يَكُونُ لِلَّذِي عَلَيْهِ الدِّيَةُ أَنْ يُعْطِيَ فِيهَا بَعِيرًا مَعِيبًا عَيْبًا يُرَدُّ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ الْعَيْبِ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَضَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ بِصِفَةٍ فَبَيَّنَ أَنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ فِيهِ مَعِيبًا كَمَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِدِينَارٍ فَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ مَعِيبًا. وَكَذَلِكَ الطَّعَامُ يَقْضِي بِهِ عَلَيْهِ وَغَيْرُهُ لاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ مَعِيبًا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَهَذَا أَكْثَرُ مِنْ حَدِيثِ الْخَاصَّةِ وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْعَاقِلَةَ الْعَصَبَةُ وَهُمْ الْقَرَابَةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَقَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهما بِأَنْ يَعْقِلَ عَنْ مَوَالِي صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَقَضَى لِلزُّبَيْرِ بِمِيرَاثِهِمْ؛ لِأَنَّهُ ابْنُهَا. [قَالَ]: وَعِلْمُ الْعَاقِلَةِ أَنْ يُنْظَرَ إلَى الْقَاتِلِ وَالْجَانِي مَا دُونَ الْقَتْلِ مِمَّا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ مِنْ الْخَطَأِ فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ لِأَبِيهِ حَمَلَ عَلَيْهِمْ جِنَايَتَهُمْ عَلَى مَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ فَإِنْ احْتَمَلُوهَا لَمْ تُرْفَعْ إلَى بَنِي جَدِّهِ وَهُمْ عُمُومَتُهُ فَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلُوهَا رُفِعَتْ إلَى بَنِي جَدِّهِ فَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلُوهَا رُفِعَتْ إلَى بَنِي جَدِّ أَبِيهِ ثُمَّ هَكَذَا تُرْفَعُ إذَا عَجَزَ عَنْهَا أَقَارِبُهُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِهِ وَلاَ تُرْفَعُ إلَى بَنِي أَبٍ وَدُونَهُمْ أَقْرَبُ مِنْهُمْ حَتَّى يَعْجِزَ عَنْهَا مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُمْ كَأَنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ جَنَى فَحَمَلَتْ جِنَايَتَهُ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ فَلَمْ تَحْمِلْهَا بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ فَتُرْفَعُ إلَى بَنِي قُصَيٍّ فَإِنْ لَمْ تَحْمِلْهَا رُفِعَتْ إلَى بَنِي كِلاَبٍ فَإِنْ لَمْ تَحْمِلْهَا رُفِعَتْ إلَى بَنِي مُرَّةَ فَإِنْ لَمْ تَحْمِلْهَا رُفِعَتْ إلَى بَنِي كَعْبٍ فَإِنْ لَمْ تَحْمِلْهَا رُفِعَتْ إلَى بَنِي لُؤَيٍّ فَإِنْ لَمْ تَحْمِلْهَا رُفِعَتْ إلَى بَنِي غَالِبٍ فَإِنْ لَمْ تَحْمِلْهَا رُفِعَتْ إلَى بَنِي مَالِكٍ فَإِنْ لَمْ تَحْمِلْهَا رُفِعَتْ إلَى بَنِي النَّضْرِ فَإِنْ لَمْ تَحْمِلْهَا رُفِعَتْ إلَى بَنِي كِنَانَةَ كُلِّهَا ثُمَّ هَكَذَا حَتَّى تَنْفَدَ قَرَابَتُهُ أَوْ تُحْتَمَلُ الدِّيَةُ [قَالَ]: وَمَنْ فِي الدِّيوَانِ، وَمَنْ لَيْسَ فِيهِ مِنْ الْعَاقِلَةِ سَوَاءٌ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلاَ دِيوَانَ حَتَّى كَانَ الدِّيوَانُ حِينَ كَثُرَ الْمَالُ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه.
ما تحمل العاقلة من الدية ومن يحملها منهم
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْمَرْأَةَ وَالصَّبِيَّ إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ لاَ يَحْمِلاَنِ مِنْ الْعَقْلِ شَيْئًا وَكَذَلِكَ الْمَعْتُوهُ عِنْدِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَلاَ يَحْمِلُ الْعَقْلَ إلَّا حُرٌّ بَالِغٌ وَلاَ يَحْمِلُهَا مِنْ الْبَالِغِينَ فَقِيرٌ فَإِذَا قَضَى بِهَا وَرَجُلٌ فَقِيرٌ فَلَمْ يَحِلَّ نَجْمٌ مِنْهَا حَتَّى أَيْسَرَ أُخِذَ بِهَا وَإِنْ قَضَى بِهَا وَهُوَ غَنِيٌّ ثُمَّ حَلَّتْ وَهُوَ فَقِيرٌ طُرِحَتْ عَنْهُ إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى حَالِهِ يَوْمَ يَحِلُّ. وَإِنَّمَا يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَكْتُبَ إذَا حَكَمَ أَنَّهَا عَلَى مَنْ احْتَمَلَ مِنْ عَاقِلَتِهِ يَوْمَ يَحِلُّ كُلُّ نَجْمٍ مِنْهَا. فَإِنْ عَقَلَ رَجُلٌ نَجْمًا ثُمَّ أَفْلَسَ فِي الثَّانِي تُرِكَ مِنْ أَنْ يَعْقِلَ ثُمَّ إنْ أَيْسَرَ فِي الثَّالِثِ أَخَذَ بِذَلِكَ النَّجْمَ وَإِنْ حَلَّ النَّجْمُ وَهُوَ مِمَّنْ يَعْقِلُ ثُمَّ مَاتَ أُخِذَ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ بِالْحُلُولِ وَالْيُسْرِ وَالْحَيَاةِ. وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنْ لاَ يَحْمِلَ أَحَدٌ مِنْ الدِّيَةِ إلَّا قَلِيلاً وَأَرَى عَلَى مَذْهَبِهِمْ أَنْ يَحْمِلَ مَنْ كَثُرَ مَالُهُ وَشُهِرَ مِنْ الْعَاقِلَةِ إذَا قُوِّمَتْ الدِّيَةُ نِصْفَ دِينَارٍ، وَمَنْ كَانَ دُونَهُ رُبُعَ دِينَارٍ وَلاَ يُزَادُ عَلَى هَذَا وَلاَ يُنْقَصُ عَنْ هَذَا يَحْمِلُونَ إذَا عَقَلُوا الْإِبِلَ عَلَى قَدْرِ هَذَا حَتَّى يَشْتَرِكَ النَّفَرُ فِي بَعِيرٍ فَيَقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ أَحَدٌ بِأَكْثَرَ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ.
عقل الموالي
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله: وَلاَ تَعْقِلُ الْمَوَالِي مَنْ أَعْلَى وَهُمْ الْمُعْتَقُونَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْمَوَالِي وَلِلْمُعْتَقِينَ قَرَابَةٌ تَحْتَمِلُ الْعَقْلَ. وَإِنْ كَانَتْ لَهُ قَرَابَةٌ تَحْتَمِلُ بَعْضَ الْعَقْلِ عَقَلَتْ الْقَرَابَةُ وَإِذَا نَفِدَ عَقَلَ الْمَوَالِيَ الْمُعْتَقُونَ فَإِنْ عَجَزُوا هُمْ وَعَوَاقِلُهُمْ عَقَلَ مَا بَقِيَ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ لاَ تَعْقِلُ الْمَوَالِي الْمُعْتَقُونَ عَنْ الْمَوْلَى الْمُعْتَقِ وَلِلْمَوْلَى الْمُعْتَقِ قَرَابَةٌ تَحْتَمِلُ الْعَقْلَ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ قَرَابَةٌ تَحْتَمِلُ بَعْضَ الْعَقْلِ بُدِئَ بِهِمْ فَإِنْ عَجَزُوا عَقَلَ عَنْهُ مَوْلاَهُ الَّذِي أَعْتَقَهُ. ثُمَّ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ كَمَا يَعْقِلُونَ عَنْ مَوْلاَهُ الَّذِي أَعْتَقَهُ لَوْ جَنَى. وَهَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْ الْجَانِينَ قَرَابَةٌ عَقَلَ عَنْهُ الْمَوَالِي مَنْ أَعْلَى وَأَسْفَلَ عَلَى مَا وَصَفْتُ وَإِنْ كَانَ لِلْمَوْلَى الْمُعْتَقِ مَوَالٍ مِنْ فَوْقَ وَمَوَالٍ مِنْ أَسْفَلَ لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ مَوَالِيهِ مِنْ أَسْفَلَ وَعَقَلَ عَنْهُ مَوَالِيهِ مِنْ فَوْقَ فَإِنْ عَجَزُوا وَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ عَاقِلَةٌ عَقَلَ عَنْهُ مَوَالِيهِ مِنْ أَسْفَلَ وَإِنَّمَا جَعَلْتُ مَوَالِيهِ مِنْ فَوْقَ يَعْقِلُونَ عَنْهُ، وَمَنْ فَوْقَهُمْ مِنْ مَوَالِيهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ عَصَبَةٌ وَأَهْلُ مِيرَاثِهِ مِنْ دُونِ مَوَالِيهِ مِنْ أَسْفَلَ وَلَمْ أَجْعَلْ عَلَى الْمَوَالِي مِنْ أَسْفَلَ عَقْلاً بِحَالٍ حَتَّى لاَ يُوجَدَ نَسَبٌ وَلاَ مَوَالٍ مِنْ فَوْقَ بِحَالٍ ثُمَّ يَحْمِلُونَهُ فَإِنَّهُ يَعْقِلُ عَنْهُمْ لاَ لِأَنَّهُمْ وَرَثَةٌ؛ وَلَكِنَّهُمْ يَعْقِلُونَ عَنْهُ كَمَا يَعْقِلُ عَنْهُمْ [قَالَ]: وَالسَّائِبَةَ مُعْتِقٌ كَالْمُعْتِقِ غَيْرِ السَّائِبَةِ.
عقل الحلفاء
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَلاَ يَعْقِلُ الْحَلِيفُ بِالْحِلْفِ وَلاَ يَعْقِلُ عَنْهُ بِحَالٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَضَى بِذَلِكَ خَبَرٌ لاَزِمٌ وَلاَ أَعْلَمُهُ. وَلاَ يَعْقِلُ الْعَدِيدَ وَلاَ يَعْقِلُ عَنْهُ وَلاَ يَرِثُ وَلاَ يُورَثُ وَإِنَّمَا يَعْقِلُ بِالنَّسَبِ وَالْوَلاَءِ الَّذِي هُوَ نَسَبٌ وَمِيرَاثُ الْحَلِيفِ وَالْعَقْلِ عَنْهُ مَنْسُوخٌ وَإِنَّمَا ثَبَتَ مِنْ الْحِلْفِ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَةُ وَالْيَدُ وَاحِدَةً لاَ غَيْرَ ذَلِكَ.
عقل من لا يعرف نسبه
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ أَعْجَمِيًّا وَكَانَ نُوبِيًا فَجَنَى فَلاَ عَقْلَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ النُّوبَةِ حَتَّى يَكُونُوا يُثْبِتُونَ أَنْسَابَهُمْ إثْبَاتَ أَهْلِ الْإِسْلاَمِ، وَمَنْ ثَبَتَ نَسَبُهُ قَضَيْتُ عَلَيْهِ بِالْعَقْلِ بِالنَّسَبِ، فَأَمَّا إنْ أَثْبَتُوا قُرَاهُمْ وَكَانُوا يَقُولُونَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْقَرْيَةِ أَهْلُ النَّسَبِ لَمْ أَقْضِ عَلَيْهِمْ بِالْعَقْلِ بِحَالٍ إلَّا بِإِثْبَاتِ النَّسَبِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ قَبِيلَةٍ أَعْجَمِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ تَثْبُتْ أَنْسَابُهُمْ وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْ أَعْجَمِيٍّ أَوْ لَقِيطٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلاَءٌ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَعْقِلُوا عَنْهُ لِمَا يَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مِنْ وِلاَيَةِ الدِّينِ وَإِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ مَالَهُ إذَا مَاتَ، وَمَنْ انْتَسَبَ إلَى نَسَبٍ فَهُوَ مِنْهُ إلَّا أَنْ تَثْبُتَ بَيِّنَةٌ قَاطِعَةٌ بِمَا تَقْطَعُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْحُقُوقِ بِخِلاَفِ ذَلِكَ وَلاَ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى دَفْعِ نَسَبٍ بِالسَّمَاعِ وَإِذَا حَكَمْنَا عَلَى أَهْلِ الْعَهْدِ وَالْمُسْتَأْمَنِينَ فِي الْعَقْلِ حَكَمْنَا عَلَيْهِمْ حُكْمَنَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ يَلْزَمُ ذَلِكَ عَوَاقِلُهُمْ الَّذِينَ يَجْرِي حُكْمُنَا عَلَيْهِمْ فَإِذَا كَانَتْ عَاقِلَةً لاَ يَجْرِي حُكْمُنَا عَلَيْهَا أَلْزَمْنَا الْجَانِيَ ذَلِكَ وَمَا عَجَزَتْ عَنْهُ عَاقِلَةٌ إنْ كَانَتْ لَهُ أَلْزَمْنَاهُ فِي مَالِهِ دُونَ غَيْرِ عَاقِلَتِهِ مِنْهُمْ وَلاَ نَقْضِي بِهِ عَلَى أَهْلِ دِينِهِ إذَا لَمْ يَكُونُوا عَصَبَةً لَهُ؛ لِأَنَّهُمْ لاَ يَرِثُونَهُ وَلاَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِقَطْعِ الْوِلاَيَةِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَأَنَّهُمْ لاَ يَأْخُذُونَ مَالَهُ عَلَى الْمِيرَاثِ إنَّمَا يَأْخُذُونَهُ فَيْئًا.
أين تكون العاقلة؟
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالْعَاقِلَةُ النَّسَبُ فَإِذَا جَنَى الرَّجُلُ بِمَكَّةَ وَعَاقِلَتُهُ بِالشَّامِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَضَى خَبَرٌ يَلْزَمُ بِخِلاَفِ الْقِيَاسِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَكْتُبَ حَاكِمُ مَكَّةَ إلَى حَاكِمِ الشَّامِ فَيَأْخُذُ عَاقِلَتُهُ بِالْعَقْلِ وَلاَ يَحْمِلُهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَى عَاقِلَتِهِ بِمَكَّةَ بِحَالٍ وَلَهُ عَاقِلَةٌ بِأَبْعَدَ مِنْهَا، وَإِنْ امْتَنَعَتْ عَاقِلَتُهُ مِنْ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ جُوهِدُوا حَتَّى يُؤْخَذَ مِنْهُمْ كَمَا يُجَاهِدُونِ عَلَى كُلِّ حَقٍّ لَزِمَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِمْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْ غَيْرِهِمْ وَكَانَ كَحَقٍّ عَلَيْهِمْ غَلَبُوا عَلَيْهِ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِمْ أَخَذَ مِنْهُمْ [قَالَ]: وَقَدْ قِيلَ: يَحْمِلُهُ عَاقِلَةُ الرَّجُلِ بِبَلَدِهِ ثُمَّ أَقْرَبُ الْعَوَاقِلِ بِهِمْ وَلاَ يُنْتَظَرُ بِالْعَقْلِ غَائِبٌ يَقْدُمُ وَلاَ رَجُلٌ بِبَلَدٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ بِكِتَابٍ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. وَإِنْ كَانَتْ الْعَاقِلَةُ حَاضِرَةً فَغَابَ مِنْهُمْ رَجُلٌ يَحْتَمِلُ الْعَقْلَ أَخَذَ مِنْ مَالِهِ مَا يَلْزَمُهُ وَإِذَا كَانَتْ الْعَاقِلَةُ كَثِيرًا يَحْتَمِلُ الْعَقْلَ بَعْضُهُمْ عَلَى مَا وَصَفْتُ أَنَّ الرَّجُلَ يَحْتَمِلُ مِنْ الْعَقْلِ وَيَفْضُلُ وَكَانُوا حُضُورًا بِالْبَلَدِ وَأَمْوَالُهُمْ فَقَدْ قِيلَ يَأْخُذُ الْوَالِي مِنْ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ لَزِمَ الْكُلَّ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَفُضَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَسْتَوُوا فِيهِ وَإِنْ قَلَّ كُلُّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ مَنْ يَحْضُرُ مِنْ الْعَاقِلَةِ يَحْتَمِلُ الْعَقْلَ وَمِنْهُمْ جَمَاعَةٌ غُيَّبٌ عَنْ الْبَلَدِ فَقَدْ قِيلَ يُؤْخَذُ مِنْ الْحُضُورِ دُونَ الْغُيَّبِ عَنْ الْبَلَدِ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْتُ فِي مِثْلِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَمَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا قَالَ الْجِنَايَةُ مِنْ غَيْرِ مَنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ وَكُلٌّ يَلْزَمُهُ اسْمُ عَاقِلَةٍ رَأْيُهُمْ أُخِذَ مِنْهُ فَهُوَ مُفْضٍ عَلَيْهِ مِمَّا أُخِذَ مِنْهُ وَلاَ يُؤْخَذُ حَاضِرٌ بِغَائِبٍ غَيْرِهِ [قَالَ]: وَلاَ أَرُدُّ الَّذِي أَخَذْت مِنْهُ عَلَى مَنْ لَمْ آخُذْ مِنْهُ وَهَذَا يُشْبِهُ مَذَاهِبَ كَثِيرَةٍ لِأَهْلِ الْعِلْمِ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَالَ لَوْ تَغَيَّبَ بَعْضُ الْعَاقِلَةِ وَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ ثُمَّ أُخِذَ الْعَقْلَ مِمَّنْ بَقِيَ ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ وَقِيلَ ذَلِكَ فِيهِ لَوْ كَانَ حَاضِرًا وَامْتَنَعَ مِنْ أَنْ يُؤَدِّيَ الْعَقْلَ وَإِذَا كَانَتْ إبِلُ الْعَاقِلَةِ مُخْتَلِفَةً أَدَّى كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مِنْ إبِلِهِ وَيُجْبَرُونَ عَلَى أَنْ يَشْتَرِكَ النَّفَرُ فِي الْبَعِيرِ بِقَدْرِ مَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ الْعَقْلِ وَإِذَا جَنَى الْحُرُّ عَلَى الْحُرِّ خَطَأً فَمَا لَزِمَهُ مِنْ دِيَةٍ أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ وَإِنْ قَلَّتْ جَعَلْتهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَإِذَا جَنَى الْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ خَطَأً فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تَحْمِلَهُ الْعَاقِلَةُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهَا جِنَايَةُ حُرٍّ عَلَى نَفْسٍ مُحَرَّمَةٍ. وَالثَّانِي لاَ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ؛ لِأَنَّهُ قِيمَةٌ لاَ دِيَةٌ، وَإِذَا جَنَى الْحُرُّ جِنَايَةَ عَمْدٍ لاَ قِصَاصَ فِيهَا بِحَالٍ مِثْلَ أَنْ يَقْتُلَ ذِمِّيًّا أَوْ وَثَنِيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ لاَ تَضْمَنُ الْعَاقِلَةُ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ إذَا جَنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ جَائِفَةً أَوْ مَا لاَ قِصَاصَ فِيهِ فَهُوَ فِي مَالِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ، وَإِذَا جَنَى الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ جِنَايَةَ خَطَأٍ ضَمِنَتْهَا الْعَاقِلَةُ، وَإِنْ جَنَيَا عَمْدًا فَقَدْ قِيلَ تَعْقِلُهَا الْعَاقِلَةُ كَالْخَطَأِ فِي ثَلاَثِ سِنِينَ وَقِيلَ لاَ تَعْقِلُهَا الْعَاقِلَةُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنَّمَا قَضَى أَنْ تَحْمِلَ الْعَاقِلَةُ الْخَطَأَ فِي ثَلاَثِ سِنِينَ وَيَدْخُلُ هَذَا أَنَّا إنْ قَضَيْنَا بِهِ عَمْدًا إلَى ثَلاَثِ سِنِينَ فَإِنَّمَا يَقْضِي بِدِيَةِ الْعَمْدِ حَالَّةً وَإِنْ قَضَيْنَا بِهَا حَالَّةً فَلَمْ يَقْضِ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِدِيَةٍ إلَّا فِي ثَلاَثِ سِنِينَ وَلاَ تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ جِنَايَةَ عَمْدٍ بِحَالٍ.
جماع الديات فيما دون النفس
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْم عَنْ أَبِيهِ: (أَنَّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَفِي الْأَنْفِ إذَا أُوعِيَ جَدْعًا مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ النَّفْسِ وَفِي الْجَائِفَةِ مِثْلُهَا وَفِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ وَفِي الْيَدِ خَمْسُونَ وَفِي الرِّجْلِ خَمْسُونَ وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ).
باب دية الأنف
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله: وَفِيمَا قُطِعَ مِنْ الْمَارِنِ فَفِيهِ مِنْ الدِّيَةِ بِحِسَابِ الْمَارِنِ إنْ قُطِعَ نِصْفُهُ فَفِيهِ النِّصْفُ أَوْ ثُلُثُهُ فَفِيهِ الثُّلُثُ [قَالَ]: وَيُحْسَبُ بِقِيَاسِ مَارِنِ الْأَنْفِ نَفْسِهِ وَلاَ يَفْضُلُ وَاحِدَةٌ مِنْ صَفْحَتَيْهِ عَلَى وَاحِدَةٍ وَلاَ رَوْثَتُهُ عَلَى شَيْءٍ لَوْ قُطِعَ مِنْ مُؤَخَّرِهِ وَلاَ الْحَاجِزُ مِنْ مَنْخِرَيْهِ مِنْهُ عَلَى مَا سِوَاهُ، وَإِنْ كَانَ أَوْعَيْت الرَّوْثَةُ إلَّا الْحَاجِزَ كَانَ فِيمَا أَوْعَيْت سِوَى الْحَاجِزِ مِنْ الدِّيَةِ بِحِسَابِ مَا ذَهَبَ مِنْهُ وَإِذَا شُقَّ فِي الْأَنْفِ شَقٌّ ثُمَّ الْتَأَمَ فَفِيهِ حُكُومَةٌ فَإِذَا شُقَّ فَلَمْ يَلْتَئِمْ فَتَبَيَّنَ انْفِرَاجُهُ أُعْطِيَ مِنْ دِيَةِ الْمَارِنِ بِقَدْرِ مَا ذَهَبَ مِنْهُ وَحُكُومَةٌ إنْ لَمْ يَذْهَبْ مِنْهُ شَيْءٌ [قَالَ]: قَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ عِنْدَ أَبِي كِتَابٌ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهِ: (وَفِي الْأَنْفِ إذَا قُطِعَ الْمَارِنُ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: حَدِيثُ ابْنِ طَاوُسٍ فِي الْأَنْفِ أَبْيَنُ مِنْ حَدِيثِ آلِ حَزْمٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَنْفَ هُوَ الْمَارِنُ؛ لِأَنَّهُ غُضْرُوفٌ يَقْدِرُ عَلَى قَطْعِهِ بِلاَ قَطْعٍ لِغَيْرِهِ وَأَمَّا الْعَظْمُ فَلاَ يَقْدِرُ عَلَى قَطْعِهِ إلَّا بِمُؤْنَةٍ وَضَرَرٍ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ قَطْعٍ أَوْ كَسْرٍ أَوْ أَلَمٍ شَدِيدٍ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَفِي الْمَارِنِ الدِّيَةُ وَمَذْهَبُ مَنْ لَقِيت أَنَّ فِي الْمَارِنِ الدِّيَةَ وَإِذَا قُطِعَ بَعْضُ الْمَارِنِ فَأُبِينَ فَأَعَادَهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرُهُ فَالْتَأَمَ فَفِيهِ عَقْلٌ تَامٌّ كَمَا يَكُونُ لَوْ لَمْ يَعُدْ وَلَوْ لَمْ يَلْتَئِمْ وَلَوْ قُطِعَتْ مِنْهُ قِطْعَةٌ فَلَمْ تُوعَبْ وَتَدَلَّتْ فَأُعِيدَتْ فَالْتَأَمَتْ كَانَ فِيهَا حُكُومَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُجْدَعْ إنَّمَا الْجَدْعُ الْقَطْعُ، وَإِذَا ضَرَبَ الْأَنْفَ فَاسْتُحْشِفَ حَتَّى لاَ يَتَحَرَّكَ غُضْرُوفُهُ وَلاَ الْحَاجِزُ بَيْنَ مَنْخِرَيْهِ وَلاَ يَلْتَقِي مَنْخِرَاهُ فَفِيهِ حُكُومَةٌ لاَ أَرْشٌ تَامٌّ، وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ فِي هَذَا عَمْدًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ قَوَدٌ وَلَوْ خُلِقَ هَكَذَا أَوْ جُنِيَ عَلَيْهِ فَصَارَ هَكَذَا، ثُمَّ قَطَعَ كَانَتْ فِيهِ حُكُومَةٌ أَكْثَرُ مِنْ حُكُومَتِهِ إذَا اُسْتُحْشِفَ وَمَا أَصَابَهُ مِنْ هَذَا الِاسْتِحْشَافِ وَبَقِيَ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ فَفِيهِ حُكُومَةٌ بِقَدْرِ مَا أَصَابَ مِنْ الِاسْتِحْشَافِ وَإِنَّمَا مَنَعَنِي أَنْ أَجْعَلَ اسْتِحْشَافَهُ كَشَلَلِ الْيَدِ أَنَّ فِي الْيَدِ مَنْفَعَةً تَعْمَلُ وَلَيْسَ فِي الْأَنْفِ أَكْثَرُ مِنْ الْجَمَالِ أَوْ سَدُّ مَوْضِعِهِ وَأَنَّهُ مَجْرَى لِمَا يَخْرُجُ مِنْ الرَّأْسِ وَيَدْخُلُ فِيهِ فَكُلُّ ذَلِكَ قَائِمٌ فِيهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ نَقَصَ الِانْضِمَامُ أَنْ يَكُونَ عَوْنًا عَلَى مَا يَدْخُلُ الرَّأْسَ مِنْ السَّعُوطِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْعَلَ فِيهِ إذَا اُسْتُحْشِفَ ثُمَّ قُطِعَ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ وَقَدْ جَعَلْتُ فِي اسْتِحْشَافِهِ حُكُومَةً وَهُوَ نَاقِصٌ بِمَا وَصَفْتُ.
الدية على المارن
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَإِذَا قُطِعَ مِنْ الْعَظْمِ الْمُتَّصِلِ بِالْمَارِنِ شَيْءٌ مِنْ الْمَارِنِ كَانَتْ فِيهِ حُكُومَةٌ مَعَ دِيَةِ الْمَارِنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قُطِعَ دُونَ الْمَارِنِ فَصَارَ جَائِفًا وَصَارَ الْمَارِنُ مُنْقَطِعًا مِنْهُ فَإِنَّمَا فِيهِ حُكُومَةٌ، وَهَكَذَا لَوْ قُطِعَ مَعَهُ مِنْ مَحَاجِرِ الْعَيْنَيْنِ وَالْحَاجِبَيْنِ وَالْجَبْهَةِ شَيْءٌ لاَ يُوَضِّحُ كَانَتْ فِيهِ حُكُومَةٌ، وَلَوْ أَوْضَحَ شَيْءٌ مِمَّا قُطِعَ مِنْ جِلْدِهِ وَلَحْمِهِ كَانَتْ فِيهِ مُوضِحَةٌ أَوْ هَشْمٌ كَانَتْ فِيهِ هَاشِمَةٌ، وَكَذَلِكَ مُنَقِّلَةٌ وَلَوْ قَطَعَ ذَلِكَ قَطْعًا كَانَتْ فِيهِ حُكُومَةٌ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ أَزْيَدُ مِنْ الْمُنَقِّلَةِ وَلاَ يَبِينُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَأْمُومَةٌ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَصِلُ إلَى دِمَاغٍ وَالْوُصُولُ إلَى الدِّمَاغِ يَقْتُلُ كَمَا يَكُونُ وُصُولُ الْجَائِفَةِ إلَى الْجَوْفِ يَقْتُلُ.
كسر الأنف وذهاب الشم
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله وَإِذَا كُسِرَ الْأَنْفُ ثُمَّ جُبِرَ فَفِيهِ حُكُومَةٌ وَلَوْ جُبِرَ أَعْوَجُ كَانَتْ فِيهِ الْحُكُومَةُ بِقَدْرِ عَيْبِ الْعِوَجِ، وَلَوْ ضُرِبَ الْأَنْفُ فَلَمْ يُكْسَرْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُكُومَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجُرْحٍ وَلاَ كَسْرِ عَظْمٍ وَلَوْ كُسِرَ الْأَنْفُ أَوْ لَمْ يُكْسَرْ فَانْقَطَعَ عَنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يَشُمَّ رِيحَ شَيْءٍ بِحَالٍ فَقَدْ قِيلَ فِيهِ الدِّيَةُ، وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَهُ لَوْ جُدِعَ وَذَهَبَ عَنْهُ الشَّمُّ فَجَعَلَ فِيهِ الدِّيَةَ وَفِي الْجَدْعِ دِيَةٌ [قَالَ]: وَإِنْ كَانَ ذَهَبَ الشَّمُّ عَنْهُ فِي وَقْتِ الْأَلَمِ ثُمَّ يَعُودُ إلَيْهِ بَعْدُ انْتَظَرْته حَتَّى يَأْتِيَ ذَلِكَ الْوَقْتُ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ أُعْطِيَ وَرَثَتُهُ الدِّيَةَ وَإِنْ جَاءَ وَقَالَ: لاَ أَشُمُّ شَيْئًا أُعْطِيَ الدِّيَةَ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ مَا يَجِدُ رَائِحَةَ شَيْءٍ بِحَالٍ، وَإِنْ قَالَ أَجِدُ رِيحَ مَا اشْتَدَّتْ رَائِحَتُهُ وَحَدَّتْ وَلاَ أَجِدُ رِيحَ مَا لاَنَتْ رَائِحَتُهُ وَقَدْ كُنْت أَجِدُهَا فَكَانَ يُعْلَمُ لِذَلِكَ قَدْرٌ جُعِلَ فِيهِ بِقَدْرِهِ. وَإِنْ كَانَ لاَ يُعْلَمُ لَهُ قَدْرٌ وَلاَ أَحْسِبُهُ يُعْلَمُ فَفِيهِ حُكُومَةٌ بِقَدْرِ مَا يَصِفُ مِنْهُ وَيَحْلِفُ فِيهِ كُلِّهِ، وَإِنْ قُضِيَ لَهُ بِالدِّيَةِ ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ يَجِدُ رَائِحَةً قُضِيَ عَلَيْهِ بِرَدِّ الدِّيَةِ وَإِنْ مَرَّ بِرِيحٍ مَكْرُوهَةٍ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ فَقِيلَ وَقَدْ وَجَدَ الرَّائِحَةَ وَلَمْ يُقِرَّ بِأَنَّهُ وَجَدَهَا لَمْ يَرُدَّ الدِّيَةَ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَدْ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ وَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا مِنْ الرِّيحِ وَيَضَعُهَا حَاكًّا لَهُ وَمُمْتَخِطًا وَعَبَثًا وَمُحَدِّثًا نَفْسَهُ وَمِنْ غُبَارٍ أَوْ غَيْرِهِ.
الدية في اللسان
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله: وَإِذَا قُطِعَ اللِّسَانُ قَطْعًا لاَ قَوَدَ فِيهِ خَطَأٌ فَفِيهِ الدِّيَةُ وَهُوَ فِي مَعْنَى الْأَنْفِ وَمَعْنَى مَا قَضَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهِ بِدِيَةٍ مِنْ تَمَامِ خِلْقَةِ الْمَرْءِ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَرْءِ مِنْهُ إلَّا وَاحِدٌ وَمَعَ أَنَّهُ لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ حَفِظْت عَنْهُ مِمَّنْ لَقِيَتْهُ فِي أَنَّ فِي اللِّسَانِ إذَا قُطِعَ الدِّيَةَ وَاللِّسَانُ مُخَالِفٌ لِلْأَنْفِ فِي مَعَانٍ مِنْهَا أَنَّهُ الْمُعَبِّرُ عَمَّا فِي الْقَلْبِ وَأَنَّ أَكْثَرَ مَنْفَعَتِهِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ الْمَنْفَعَةُ بِمَعُونَتِهِ عَلَى إمْرَارِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَإِذَا جُنِيَ عَلَى اللِّسَانِ فَذَهَبَ الْكَلاَمُ مِنْ قَطْعٍ أَوْ غَيْرِ قَطْعٍ فَفِيهِ الدِّيَةُ تَامَّةً وَلاَ أَحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ لَقِيَتْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذَا خِلاَفًا. وَإِذَا قُطِعَ مِنْ اللِّسَانِ شَيْءٌ لاَ يُذْهِبُ الْكَلاَمَ قِيسَ ثُمَّ كَانَ فِيمَا قُطِعَ مِنْهُ بِقَدْرِهِ مِنْ اللِّسَانِ فَإِنْ قُطِعَ حَذِيَّةٌ مِنْ اللِّسَانِ تَكُونُ رُبُعَ اللِّسَانِ فَذَهَبَ مِنْ كَلاَمِهِ قَدْرَ رُبُعِ الْكَلاَمِ فَفِيهِ رُبُعُ الدِّيَةِ وَإِنْ ذَهَبَ أَقَلُّ مِنْ رُبُعِ الْكَلاَمِ فَفِيهِ رُبُعُ الدِّيَةِ وَإِنْ ذَهَبَ نِصْفُ كَلاَمِهِ فَفِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ أَجْعَلُ عَلَيْهِ الْأَكْثَرَ مِنْ قِيَاسِ مَا أُذْهِبَ مِنْ كَلاَمِهِ أَوْ لِسَانِهِ وَإِذَا ذَهَبَ بَعْضُ كَلاَمِ الرَّجُلِ اُعْتُبِرَ عَلَيْهِ بِأُصُولِ الْحُرُوفِ مِنْ التَّهَجِّي فَإِنْ نَطَقَ بِنِصْفِ التَّهَجِّي وَلَمْ يَنْطِقْ بِنِصْفِهِ فَلَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَكَذَلِكَ مَا نَطَقَ بِهِ مِمَّا زَادَ أَوْ نَقَصَ عَلَى النِّصْفِ فَفِيهِ بِحِسَابِهِ، وَسَوَاءٌ كُلُّ حَرْفٍ أَذْهَبَهُ مِنْهُ خَفَّ عَلَى اللِّسَانِ وَقَلَّ هِجَاؤُهُ أَوْ ثَقُلَ عَلَى اللِّسَانِ وَكَثُرَ هِجَاؤُهُ كَالشِّينِ وَالصَّادِ وَالْأَلِفِ وَالتَّاءِ وَالرَّاءِ سَوَاءٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ مِنْ الْعَدَدِ وَلاَ يَفْضُلُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ فِي ثِقَلٍ وَخِفَّةٍ وَأَيُّ حَرْفٍ مِنْهَا لَمْ يُفْصِحْ بِهِ حِينَ يَنْطِقُ بِهِ كَمَا يَنْطِقُ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُجْنَى عَلَيْهِ وَإِنْ خَفَّ لِسَانُهُ لاََنْ يَنْطِقَ بِغَيْرِهِ يُرِيدُهُ فَهُوَ كَمَا لَمْ يَخِفَّ لِسَانُهُ بِأَنْ يَنْطِقَ بِهِ لَهُ أَرْشُهُ مِنْ الْعَقْلِ تَامًّا مِثْلَ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَنْطِقَ بِالرَّاءِ فَيَجْعَلَهَا بَاءً أَوْ لاَمًا وَمَا فِي هَذَا الْمَعْنَى. [قَالَ]: وَإِنْ نَطَقَ بِالْحَرْفِ مُبِينًا لَهُ غَيْرَ أَنَّ لِسَانَهُ ثَقُلَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ يُجْنَى عَلَيْهِ فَفِيهِ حُكُومَةٌ وَإِنْ جَنَى عَلَى رَجُلٍ كَانَ أَرَتَّ أَوْ لاَ يُفْصِحُ بِحَرْفٍ أَوْ كَانَ لِسَانُهُ يَخِفُّ بِهِ فَزَادَ فِي خِفَّتِهِ وَنَقَصَ عَنْ إفْصَاحِهِ بِهِ أَوْ زَادَ فِي رَتَّتِهِ أَوْ لَثَغِهِ عَلَى مَا كَانَ فِي الْحَرْفِ فَفِيهِ حُكُومَةٌ لاَ أَرْشُ الْحَرْفِ تَامًّا، وَإِذَا جَنَى عَلَى لِسَانِ الْمُبَرْسَمِ الثَّقِيلِ وَهُوَ يُفْصِحُ بِالْكَلاَمِ فَفِيهِ مَا فِي لِسَانِ الْفَصِيحِ الْخَفِيفِ، وَكَذَلِكَ إذَا جُنِيَ عَلَى لِسَانِ الْأَعْجَمِيِّ وَهُوَ يَنْطِقُ بِلِسَانِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا جُنِيَ عَلَى لِسَانِ الصَّبِيِّ وَقَدْ حَرَّكَهُ بِبُكَاءٍ أَوْ بِشَيْءٍ يُعَبِّرُهُ اللِّسَانُ فَبَلَغَ أَنْ لاَ يَنْطِقَ فَفِيهِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ الْعَامَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ الْأَلْسِنَةَ نَاطِقَةٌ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا لاَ تَنْطِقُ وَإِنْ بَلَغَ أَنْ يَنْطِقَ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ وَلاَ يَنْطِقَ بِبَعْضِهَا كَانَ لَهُ مِنْ الدِّيَةِ بِقَدْرِ مَا لاَ يَنْطِقُ بِهِ وَإِذَا جَنَى عَلَى لِسَانِ رَجُلٍ كَانَ يَنْطِقُ بِهِ ثُمَّ أَصَابَهُ مَرَضٌ فَذَهَبَ مَنْطِقُهُ أَوْ عَلَى لِسَانِ الْأَخْرَسِ فَفِيهِمَا حُكُومَةٌ وَإِذَا جَنَى الرَّجُلُ عَلَى لِسَانِ الرَّجُلِ فَقَالَ جَنَيْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَبْكَمُ أَوْ يُفْصِحُ بِبَعْضِ الْكَلاَمِ وَلاَ يُفْصِحُ بِبَعْضٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ كَانَ يَنْطِقُ فَإِذَا جَاءَ بِذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْجَانِي إلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَمَنْ كَانَ لَهُ لِسَانٌ نَاطِقٌ فَهُوَ يَنْطِقُ حَتَّى يَعْلَمَ خِلاَفَ ذَلِكَ، وَهَكَذَا لَوْ قَالَ جَنَيْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَعْمَى فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ كَانَ يُبْصِرُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْجَانِي أَنَّهُ حَدَثَ عَلَى بَصَرِهِ ذَهَابٌ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَلَوْ عُرِفَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِبُكْمٍ أَوْ عَمًى ثُمَّ ادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ أَنَّ بَصَرَهُ صَحَّ وَأَنَّ لِسَانَهُ فَصَحَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْجَانِي وَكُلِّفُوا هُمْ وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَادَ إلَيْهِ بَصَرُهُ وَأَفْصَحَ بَعْدَ الْبَكَمِ فَإِنْ خُلِقَ لِلِسَانٍ طَرَفَانِ فَقَطَعَ رَجُلٌ أَحَدَ طَرَفَيْهِ فَإِنْ أَذْهَبَ الْكَلاَمَ فَفِيهِ الدِّيَةُ وَإِنْ ذَهَبَ بَعْضُهُ فَفِيهِ مِنْ الدِّيَةِ بِحِسَابِ مَا ذَهَبَ مِنْهُ، وَإِنْ أَذْهَبَ الْكَلاَمَ أَوْ بَعْضَهُ فَأُخِذَتْ لَهُ الدِّيَةُ ثُمَّ نَطَقَ بَعْدَهَا رَدَّ مَا أُخِذَ لَهُ مِنْ الدِّيَةِ، وَإِنْ نَطَقَ بِبَعْضِ الْكَلاَمِ الَّذِي ذَهَبَ وَلَمْ يَنْطِقْ بِبَعْضٍ رَدَّ مِنْ الدِّيَةِ بِقَدْرِ مَا نَطَقَ بِهِ مِنْ الْكَلاَمِ. [قَالَ]: وَإِنْ قُطِعَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ وَلَمْ يَذْهَبْ مِنْ الْكَلاَمِ شَيْءٌ فَإِنْ كَانَ الطَّرَفَانِ مُسْتَوِيِي الْمَخْرَجِ مِنْ حَيْثُ افْتَرَقَا كَانَ فِيهِ مِنْ الدِّيَةِ بِقِيَاسِ اللِّسَانِ رُبْعًا كَانَ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ كَانَ الْمَقْطُوعُ زَائِلاً عَنْ حَدِّ مَخْرَجِ اللِّسَانِ وَلَمْ يَذْهَبْ مِنْ الْكَلاَمِ شَيْءٌ فَفِيهِ حُكُومَةٌ وَإِنْ كَانَتْ الْحُكُومَةُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِهِ مِنْ قِيَاسِ اللِّسَانِ لَمْ يَبْلُغْ بِحُكُومَتِهِ قَدْرَ قِيَاسِ اللِّسَانِ، وَإِنْ قَطَعَ الطَّرَفَانِ جَمِيعًا وَذَهَبَ الْكَلاَمُ فَفِيهِ الدِّيَةُ وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ فِي حُكْمِ الزَّائِدِ مِنْ اللِّسَانِ جَعَلَ فِيهِ دِيَةً وَحُكُومَةً بِقَدْرِ الْأَلَمِ وَإِذَا قَطَعَ الرَّجُلُ مِنْ بَاطِنِ اللِّسَانِ شَيْئًا فَهُوَ كَمَا قَطَعَ مِنْ ظَاهِرِهِ وَفِيهِ مِنْ الدِّيَةِ بِقَدْرِ مَا مَنَعَ مِنْ الْكَلاَمِ فَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ كَلاَمًا فَفِيهِ مِنْ الدِّيَةِ بِحِسَابِ اللِّسَانِ. وَإِذَا قَطَعَ الرَّجُلُ مِنْ اللِّسَانِ شَيْئًا لَمْ يَمْنَعْ الْكَلاَمَ أَوْ يَمْنَعْ بَعْضَ الْكَلاَمِ وَلاَ يَمْنَعُ بَعْضَهُ كَانَ فِيهِ الْأَكْثَرُ مِمَّا مَنَعَ مِنْ الْكَلاَمِ أَوْ قِيَاسِ اللِّسَانِ.
اللهاة
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله: وَإِذَا قَطَعَ الرَّجُلُ لَهَاةَ الرَّجُلِ عَمْدًا فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِصَاصِ مِنْهَا فَفِيهَا الْقِصَاصُ وَإِنْ كَانَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِصَاصِ مِنْهَا أَوْ أَقْطَعَهَا خَطَأً فَفِيهَا حُكُومَةٌ.
دية الذكر
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا قَطَعَ الذَّكَرَ فَأَوْعَبَ فَفِيهِ الدِّيَةُ تَامَّةً؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْأَنْفِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ خِلْقَةِ الْمَرْءِ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَرْءِ مِنْهُ إلَّا وَاحِدٌ وَلَمْ أَعْلَمْ خِلاَفًا فِي أَنَّ فِي الذَّكَرِ إذَا قُطِعَ الدِّيَةُ تَامَّةً وَقَدْ يُخَالِفُ الْأَنْفَ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ وَإِذَا قُطِعَتْ حَشَفَتُهُ فَأُوعِبَتْ فَفِيهَا الدِّيَةُ تَامَّةً. وَلَمْ أَعْلَمْ فِي هَذَا بَيْنَ أَحَدٍ لَقِيَتْهُ خِلاَفًا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا ذَكَرُ الشَّيْخِ الْفَانِي الَّذِي لاَ يَأْتِي النِّسَاءَ إذَا كَانَ يَنْقَبِضُ وَيَنْبَسِطُ وَذَكَرُ الْخَصِيِّ وَاَلَّذِي لَمْ يَأْتِ امْرَأَةً قَطُّ وَذَكَرُ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ عُضْوٌ أُبِينَ مِنْ الْمَرْءِ سَالِمٌ وَلَمْ تَسْقُطْ فِيهِ الدِّيَةُ بِضَعْفٍ فِي شَيْءٍ مِنْهُ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ دِيَةٌ تَامَّةٌ بِأَنْ يَكُونَ بِهِ كَالشَّلَلِ فَيَكُونَ مُنْبَسِطًا لاَ يَنْقَبِضُ أَوْ مُنْقَبِضًا لاَ يَنْبَسِطُ فَأَمَّا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ قُرْحٍ فِيهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ عُيُوبِهِ جُذَامٍ أَوْ بَرَصٍ أَوْ عِوَجِ رَأْسٍ فَلاَ تَسْقُطُ الدِّيَةُ فِيهِ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذَا وَالْقَوْلُ فِي أَنَّ الذَّكَرَ يَنْقَبِضُ وَيَنْبَسِطُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ فَلاَ أُكَلِّفُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ كَانَ يَنْقَبِضُ وَيَنْبَسِطُ وَعَلَى الْجَانِي الْبَيِّنَةُ إنْ ادَّعَى بِخِلاَفِ مَا قَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ وَإِذَا جَنَى الرَّجُلُ عَلَى ذَكَرِ الرَّجُلِ فَجَافَهُ فَالْتَأَمَ فَفِيهِ حُكُومَةٌ. وَكَذَلِكَ إذَا جَرَحَهُ أَيَّ جُرْحٍ كَانَ فَلَمْ يَشُلَّهُ فَفِيهِ حُكُومَةٌ فَإِنْ أَشَلَّهُ فَفِيهِ الدِّيَةُ تَامَّةً.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا جُنِيَ عَلَى ذَكَرِ الْأَشَلِّ فَفِيهِ حُكُومَةٌ وَإِذَا جَنَى عَلَيْهِ فَقَطَعَ مِنْهُ حِذْيَةً حَتَّى يُبِينَهَا فَإِنْ كَانَتْ مِنْ نَفْسِ الذَّكَرِ دُونَ الْحَشَفَةِ ثُمَّ أَعَادَهَا فَالْتَأَمَتْ أَوْ لَمْ يُعِدْهَا فَسَوَاءٌ فِيهَا بِقَدْرِ حِسَابِهَا مِنْ الذَّكَرِ وَيُقَاسُ الذَّكَرُ فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ مَعًا فِي طُولِهِ وَعَرْضِهِ فِيهِ الْحَشَفَةُ وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي الْحَشَفَةِ فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا إنَّ الْحِسَابَ فِي الْجِنَايَةِ بِالْقِيَاسِ مِنْ الْحَشَفَةِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَتِمُّ فِي الْحَشَفَةِ لَوْ قُطِعَتْ وَحْدَهَا؛ لِأَنَّ الَّذِي يَلِي الْجِمَاعَ هِيَ فَإِذَا ذَهَبَتْ فَسَدَ الْجِمَاعُ وَالثَّانِي أَنَّ فِيهَا بِحِسَابِ الذَّكَرِ كُلِّهِ وَلَوْ قُطِعَ مِنْ الذَّكَرِ حِذْيَةٌ أَوْ جَافَهَا فَكَانَ الْمَاءُ وَالْبَوْلُ يَنْصَبُّ مِنْهَا كَانَ فِيهَا الْأَكْثَرُ مِمَّا ذَهَبَ مِنْ الذَّكَرِ بِالْقِيَاسِ أَوْ الْحُكُومَةِ فِي نَقْصِ ذَلِكَ وَعَيْبِهِ فِي الذَّكَرِ وَفِي ذَكَرِ الْعَبْدِ ثَمَنُهُ كَمَا فِي ذَكَرِ الْحُرِّ دِيَتُهُ وَلَوْ زَادَ قَطْعُ الذَّكَرِ ثَمَنَ الْعَبْدِ أَضْعَافًا وَلَوْ جَنَى رَجُلٌ عَلَى ذَكَرِ رَجُلٍ فَقَطَعَ حَشَفَتَهُ ثُمَّ جَنَى عَلَيْهِ آخَرُ فَقَطَعَ مَا بَقِيَ مِنْهُ كَانَ فِي حَشَفَتِهِ الدِّيَةُ وَفِيمَا بَقِيَ حُكُومَةٌ وَفِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ الدِّيَةُ تَامَّةً؛ لِأَنَّهُ ذَكَرٌ بِكَمَالِهِ وَالْأُنْثَيَانِ غَيْرُ الذَّكَرِ. وَإِذَا جَنَى الرَّجُلُ عَلَى ذَكَرِ الرَّجُلِ فَلَمْ يُشْلَلْ وَانْقَبَضَ وَانْبَسَطَ وَذَهَبَ جِمَاعُهُ لَمْ تَتِمَّ فِيهِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ الذَّكَرَ مَا كَانَ سَالِمًا فَالْجِمَاعُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ إلَّا مِنْ حَادِثٍ فِي غَيْرِ الذَّكَرِ وَلَكِنَّهُ لَوْ انْقَبَضَ فَلَمْ يَنْبَسِطْ أَوْ انْبَسَطَ فَلَمْ يَنْقَبِضْ كَانَ هَذَا شَلَلاً وَكَانَتْ فِيهِ الدِّيَةُ تَامَّةً.
ذكر الخنثى
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا قُطِعَ ذَكَرُ الْخُنْثَى وُقِفَ فَإِنْ كَانَ رَجُلاً فَكَانَ قَطْعُ ذَكَرِهِ عَمْدًا، فَفِيهِ الْقَوَدُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الدِّيَةَ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَفِيهِ الدِّيَةُ تَامَّةً وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَفِي ذَكَرِهِ حُكُومَةٌ وَإِنْ مَاتَ مُشْكِلاً فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي أَنَّهُ أُنْثَى مَعَ يَمِينِهِ وَفِيهِ حُكُومَةٌ وَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى وَرَثَةِ الْخُنْثَى يَحْلِفُونَ أَنَّهُ بَانَ ذَكَرًا قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ وَفِيهِ الدِّيَةُ تَامَّةً وَلاَ يُقْبَلُ قَوْلُ وَرَثَتِهِ بِأَنَّهُ بَانَ ذَكَرًا وَلاَ الْجَانِي بِأَنَّهُ بَانَ أُنْثَى إلَّا بِأَنْ يَصِفَ الْحَالِفُ مِنْهُمْ مَا إذَا كَانَ يَصِفُ قُضِيَ بِهِ عَلَى مَا يَقُولُ وَإِنْ قَالُوا مَعًا بَانَ وَلَمْ يَصِفُوا أَوْ وَصَفُوا فَأَخْطَئُوا وُقِفَ حَتَّى يُعْلَمَ فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ فَفِيهِ حُكُومَةٌ. وَإِنْ عَدَا رَجُلٌ عَلَى خُنْثَى مُشْكِلٍ فَقَطَعَ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَيْهِ وَشَفْرَيْهِ عَمْدًا فَسَأَلَ الْخُنْثَى الْقَوَدَ قِيلَ إنْ شِئْت وَقَفْنَاكَ فَإِنْ بِنْت ذَكَرًا أَقَدْنَاك بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَجَعَلْنَا لَك حُكُومَةً فِي الشَّفْرَيْنِ وَإِنْ بِنْت أُنْثَى فَلاَ قَوَدَ لَكَ عَلَيْهِ وَجَعَلْنَا لَكَ دِيَةَ امْرَأَةٍ تَامَّةً فِي الشَّفْرَيْنِ وَحُكُومَةً فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَإِنْ مِتَّ قَبْلَ أَنْ تَبِينَ فَلَكَ دِيَةُ امْرَأَةٍ تَامَّةٌ وَحُكُومَةٌ؛ لِأَنَّا عَلَى إحَاطَةٍ مِنْ أَنَّكَ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى فَأَعْطَيْنَاك دِيَةَ أُنْثَى بِالشَّفْرَيْنِ وَحُكُومَةً بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَلَوْ كُنْت ذَكَرًا أَعْطَيْنَاكَ دِيَةَ رَجُلٍ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَحُكُومَةً بِالشَّفْرَيْنِ فَكَانَ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَيْنَاك أَوَّلاً فَيُدْفَعُ إلَيْكَ مَا لاَ يُشَكُّ أَنَّهُ لَكَ وَإِنْ كَانَ لَكَ أَكْثَرُ مِنْهُ وَلاَ يَدْفَعُ إلَيْكَ مَا لاَ يَدْرِي لَعَلَّ لَكَ أَقَلَّ مِنْهُ وَهَكَذَا لَوْ كَانَ الْجَانِي عَلَى هَذَا الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ امْرَأَةٌ لاَ يَخْتَلِفُ وَلَوْ أَرَادَ الْقَوَدَ لَمْ يُقَدْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أُنْثَى فَيُقَادَ فِي الشَّفْرَيْنِ. وَتَكُونَ لَهُ حُكُومَةٌ فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ أَوْ يَبِينَ ذَكَرًا فَيَكُونَ لَهُ دِيَتَانِ فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَحُكُومَةٌ فِي الشَّفْرَيْنِ وَلاَ يَكُونَ لَهُ قَوَدٌ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِذَكَرٍ وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ قَطَعَتْ لَهُ شَفْرَيْنِ فَإِنَّمَا قَطَعَتْ شَفْرَيْنِ زَائِدَيْنِ فِي خِلْقَتِهِ إنْ كَانَ ذَكَرًا لاَ شَفْرَيْنِ كَشَفْرَيْهَا اللَّذَيْنِ هُمَا مِنْ تَمَامِ خِلْقَتِهَا وَلَوْ جَنَى عَلَيْهِ خُنْثَى مُشْكِلٌ مِثْلُهُ كَانَ هَكَذَا لاَ يُقَادُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْجَانِي وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مَعًا فَإِذَا كَانَا ذَكَرَيْنِ فَفِيهِمَا الْقَوَدُ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى فَلاَ قَوَدَ وَإِذَا جَنَى الرَّجُلُ عَلَى الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ فَقَطَعَ لَهُ ذَكَرًا وَأُنْثَيَيْنِ وَشَفْرَيْنِ فَسَأَلَ عَقْلَ أَقَلِّ مَالِهِ أَعْطَيْته إيَّاهُ ثُمَّ إنْ بَانَتْ لَهُ زِيَادَةٌ زِيدَتْ وَذَلِكَ إنْ أَعْطَيْته دِيَةَ امْرَأَةٍ فِي الشَّفْرَيْنِ وَحُكُومَةً فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ فَتَبَيَّنَ ذَكَرًا فَأَزِيدُهُ دِيَةَ رَجُلٍ وَنِصْفَ دِيَتِهِ حَتَّى أُتِمَّ لَهُ بِالْأُنْثَيَيْنِ دِيَةً وَبِالذَّكَرِ دِيَةً وَأَنْظُرُ فِي حُكُومَةِ الذَّكَرِ الَّتِي أُخِذَتْ لَهُ أَوَّلاً وَالْأُنْثَيَيْنِ فَإِذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ حُكُومَةِ الشَّفْرَيْنِ رَدَدْت عَلَى الْجَانِي مَا زَادَتْ حُكُومَةُ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ عَلَى دِيَةِ الشَّفْرَيْنِ ثُمَّ جَعَلْتهَا قِصَاصًا مِنْ الدِّيَةِ وَالنِّصْفِ الَّذِي زِدْته إيَّاهَا. [قَالَ]: وَلَوْ جَنَى رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ عَلَى خُنْثَى مُشْكِلٍ فَقَطَعَا الذَّكَرَ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَالشَّفْرَيْنِ فَسَأَلَ الْخُنْثَى الْقَوَدَ كَانَ كَجِنَايَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْأُنْثَى وَلاَ يُقَادُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ ذَكَرًا فَيُقَادَ مِنْ الذَّكَرِ، وَيُحْكَمُ لَهُ عَلَى الْمَرْأَةِ بِالْأَرْشِ أَرْشِ امْرَأَةٍ أَوْ يَتَبَيَّنُ امْرَأَةً فَيُقَادُ مِنْ الْمَرْأَةِ وَيُحْكَمُ عَلَى الرَّجُلِ بِالْأَرْشِ، أَرْشِ امْرَأَةٍ وَلَوْ خُلِقَ لِرَجُلٍ ذَكَرَانِ أَحَدَهُمَا يَبُولُ مِنْهُ وَالْآخَرُ لاَ يَبُولُ مِنْهُ فَأَيُّهُمَا بَالَ مِنْهُ فَهُوَ الذَّكَرُ الَّذِي يَقْضِي بِهِ وَتَكُونُ فِيهِ الدِّيَةُ وَفِي الَّذِي لاَ يَبُولُ مِنْهُ حُكُومَةٌ وَإِنْ بَالَ مِنْهُمَا جَمِيعًا فَأَيُّهُمَا كَانَ مَخْرَجُهُ أَشَدَّ اسْتِقَامَةً عَلَى مَخْرَجِ الذَّكَرِ فَهُوَ الذَّكَرُ وَإِنْ كَانَا مُسْتَوِيَيْنِ مَعًا فَأَبْقَاهُمَا الذَّكَرَ فَإِنْ أَشْكَلاَ فَلاَ قَوَدَ لَهُ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكُومَةٌ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ دِيَةِ ذَكَرٍ.
دية العينين
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ: (الْكِتَابَ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَفِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ وَفِي الْيَدِ خَمْسُونَ وَفِي الرِّجْلِ خَمْسُونَ).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَفِي الْحَدِيثِ مَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْنِي خَمْسِينَ مِنْ الْإِبِلِ [قَالَ]: وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مِنْ تَمَامِ خِلْقَةِ الْإِنْسَانِ وَكَانَ يَأْلَمُ بِقَطْعِهِ مِنْهُ فَكَانَ فِي الْإِنْسَانِ مِنْهُ اثْنَانِ فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَيْنُ الْعَمْشَاءُ الْقَبِيحَةُ الضَّعِيفَةُ الْبَصَرِ وَالْعَيْنُ الْحَسَنَةُ التَّامَّةُ الْبَصَرِ وَعَيْنُ الصَّبِيِّ وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالشَّابِّ إنْ ذَهَبَ بَصَرُ الْعَيْنِ فَفِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ أَوْ بُخِقَتْ أَوْ صَارَتْ قَائِمَةً مِنْ الْجِنَايَةِ فَفِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَإِذَا ذَهَبَ بَصَرُهَا وَكَانَتْ قَائِمَةً فَبُخِقَتْ فَفِيهَا حُكُومَةٌ وَلَوْ كَانَ عَلَى سَوَادِ الْعَيْنِ بَيَاضٌ مُتَنَحٍّ عَنْ النَّاظِرِ ثُمَّ فُقِئَتْ الْعَيْنُ كَانَتْ دِيَتُهَا كَامِلَةً وَلَوْ كَانَ الْبَيَاضُ عَلَى بَعْضِ النَّاظِرِ كَانَ فِيهَا مِنْ الدِّيَةِ بِحِسَابِ مَا صَحَّ مِنْ النَّاظِرِ وَأُلْغِيَ مَا يُغَطَّى مِنْ النَّاظِرِ وَلَوْ كَانَ الْبَيَاضُ رَقِيقًا يُبْصِرُ مِنْ وَرَائِهِ وَلاَ يَمْنَعُ شَيْئًا مِنْ الْبَصَرِ وَلَكِنَّهُ يَكِلُهُ كَانَ كَالْعِلَّةِ مِنْ غَيْرِهِ وَكَانَ فِيهَا الدِّيَةُ تَامَّةً وَإِذَا نَقَصَ الْبَيَاضُ الْبَصَرَ وَلَمْ يَذْهَبْ كَانَ فِيهِ مِنْ الدِّيَةِ بِحِسَابِ نُقْصَانِهِ، وَعِلَلُ الْبَصَرِ وَقِيَاسُ نَقْصِهِ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ الْعَمْدِ وَسَوَاءٌ الْعَيْنُ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى وَعَيْنُ الْأَعْوَرِ وَعَيْنُ الصَّحِيحِ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ الدِّيَةُ تَامَّةٌ وَإِنَّمَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْعَيْنِ بِخَمْسِينَ وَهِيَ نِصْفُ الدِّيَةِ وَعَيْنُ الْأَعْوَرِ لاَ تَعْدُو أَنْ تَكُونَ عَيْنًا وَإِذَا فَقَأَ الرَّجُلُ عَيْنَ الرَّجُلِ فَقَالَ فَقَأْتهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ وَقَالَ الْمَفْقُوءَةُ عَيْنُهُ إنْ كَانَ حَيًّا أَوْ أَوْلِيَاؤُهُ إنْ كَانَ مَيِّتًا فَقَأَهَا صَحِيحَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْفَاقِئِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الْمَفْقُوءَةُ عَيْنُهُ أَوْ أَوْلِيَاؤُهُ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ أَبْصَرَ بِهَا فِي حَالٍ فَإِذَا جَاءُوا بِهَا بِأَنَّهُ كَانَ يُبْصِرُ بِهَا فِي حَالٍ فَهِيَ صَحِيحَةٌ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ كَانَ يُبْصِرُ بِهَا فِي الْحَالِ الَّتِي فَقَأَهَا فِيهِ حَتَّى يَأْتِيَ الْفَاقِئُ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ فَقَأَهَا قَائِمَةً وَهَكَذَا إذَا فَقَأَ عَيْنَ الصَّبِيِّ فَقَالَ فَقَأْتهَا وَلاَ يُبْصِرُ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُ فَقَأَهَا وَقَدْ أَبْصَرَ فَعَلَيْهِمْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ أَبْصَرَ بِهَا بَعْدَ أَنْ وُلِدَ وَيَسَعُ الشُّهُودُ الشَّهَادَةَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُبْصِرُ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ إذَا رَأَوْهُ يُتْبِعُ الشَّيْءَ بِبَصَرِهِ وَتَطْرِفُ عَيْنَاهُ وَيَتَوَقَّاهُ وَهَكَذَا إنْ أَصَابَ الْيَدَ فَقَالَ أَصَبْتهَا شَلَّاءَ وَقَالَ الْمُصَابَةُ يَدُهُ صَحِيحَةً فَعَلَى الْمُصَابَةِ يَدُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهَا كَانَتْ فِي حَالٍ تَنْقَبِضُ وَتَنْبَسِطُ فَإِذَا جَاءَ بِهَا فَهِيَ عَلَى الصِّحَّةِ حَتَّى يَأْتِيَ الْجَانِي بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهَا شُلَّتْ بَعْدَ الِانْقِبَاضِ وَالِانْبِسَاطِ وَأَصَابَهَا شَلَّاءَ وَهَكَذَا إذَا قَطَعَ ذَكَرَ الرَّجُلِ أَوْ الصَّبِيِّ فَقَالَ قَطَعْته أَشَلَّ أَوْ قَالَ قَدْ قُطِعَ بَعْضُهُ فَعَلَى الْمَقْطُوعِ ذَكَرُهُ أَوْ أَوْلِيَاؤُهُ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ كَانَ يَتَحَرَّكُ فِي حَالٍ فَإِذَا جَاءَ بِهَا فَهِيَ عَلَى الصِّحَّةِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ أَشَلُّ بَعْدَ الصِّحَّةِ وَإِذَا أَصَابَ عَيْنَ الرَّجُلِ الْقَائِمَةَ فَفِيهَا حُكُومَةٌ.
دية أشفار العينين
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله: وَإِذَا قَطَعَ جُفُونَ الْعَيْنَيْنِ حَتَّى يَسْتَأْصِلَهَا فَفِيهَا الدِّيَةُ كَامِلَةٌ فِي كُلِّ جَفْنٍ رُبُعُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا أَرْبَعَةٌ فِي الْإِنْسَانِ وَهِيَ مِنْ تَمَامِ خِلْقَتِهِ وَمِمَّا يَأْلَمُ بِقَطْعِهِ قِيَاسًا عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَعَلَ فِي بَعْضِ مَا فِي الْإِنْسَانِ مِنْهُ وَاحِدٌ الدِّيَةُ وَفِي بَعْضِ مَا فِي الْإِنْسَانِ مِنْهُ اثْنَانِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَلَوْ فَقَأَ الْعَيْنَيْنِ وَقَطَعَ جُفُونَهُمَا كَانَ فِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي الْجُفُونِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَيْنِ غَيْرُ الْجُفُونِ وَلَوْ نَتَفَ أَهْدَابَهُمَا فَلَمْ تَنْبُتْ كَانَ فِيهَا حُكُومَةٌ وَلَيْسَ فِي شَعْرِ الشَّفْرِ أَرْشٌ مَعْلُومٌ؛ لِأَنَّ الشَّعْرَ بِنَفْسِهِ يَنْقَطِعُ فَلاَ يَأْلَمُ بِهِ صَاحِبُهُ وَيَنْبُتُ وَيَقِلُّ وَيَكْثُرُ وَلاَ يُشْبِهُ مَا يَجْرِي فِيهِ الدَّمُ وَتَكُونُ فِيهِ الْحَيَاةُ فَيَأْلَمُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِمَا نَالَهُ مِمَّا يُؤْلَمُ وَمَا أُصِيبَ مِنْ جُفُونِ الْعَيْنَيْنِ فَفِيهِ مِنْ الدِّيَةِ بِحِسَابِهِ.
دية الحاجبين واللحية والرأس
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله وَإِذَا نَتَفَ حَاجِبَا الرَّجُلِ عَمْدًا فَلاَ قَوَدَ فِيهِمَا فَإِنْ قَطَعَ جِلْدَتَهُمَا حَتَّى يَذْهَبَ الْحَاجِبَانِ فَكَانَ يُقْدَرُ عَلَى قَطْعِ الْجِلْدِ كَمَا قَطَعَ فَفِيهَا الْقَوَدُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْعَقْلَ فَإِنْ شَاءَ فَهُوَ فِي مَالِ الْجَانِي، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ قَطَعَهُمَا عَمْدًا وَالْقِصَاصُ لاَ يُسْتَطَاعُ فِيهِمَا فَفِيهِمَا حُكُومَةٌ فِي مَالِ الْجَانِي وَفِيهِمَا حُكُومَةٌ إذَا قَطَعَهُمَا خَطَأً إلَّا أَنْ يَكُونَ حِينَ قَطَعَ جِلْدَهُمَا أَوْضَحَ عَنْ الْعَظْمِ فَيَكُونُ فِيهِمَا الْأَكْثَرُ مِنْ مُوضِحَتَيْنِ أَوْ حُكُومَةٍ وَهَكَذَا اللِّحْيَةُ وَالشَّارِبَانِ وَالرَّأْسُ يُنْتَفُ لاَ قَوَدَ فِي النَّتْفِ وَقَدْ قِيلَ فِيهِ حُكُومَةٌ إذَا نَبَتَ وَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ فَفِيهِ حُكُومَةٌ أَكْثَرُ مِنْهَا وَإِنْ قُطِعَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ بِجِلْدَتِهِ كَمَا وَصَفْت فِي الْحَاجِبَيْنِ فَفِيهِ الْأَكْثَرُ مِنْ حُكُومَةِ الشَّيْنِ وَمُوضِحَةٌ أَوْ مَوَاضِحُ إنْ أَوْضَحَ مُوضِحَةً أَوْ مَوَاضِحَ بَيْنَهُنَّ صِحَّةٌ مِنْ الرَّأْسِ أَوْ اللِّحْيَةِ لَمْ تُوضَحْ أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ سَأَلْت عَطَاءً عَنْ الْحَاجِبِ يَشِينُ قَالَ مَا سَمِعْت فِيهِ بِشَيْءٍ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله فِيهِ حُكُومَةٌ بِقَدْرِ الشَّيْنِ وَالْأَلَمِ أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ قُلْت لِعَطَاءٍ حَلْقُ الرَّأْسِ لَهُ قَدْرٌ؟ قَالَ لَمْ أَعْلَمْ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: لاَ قَدْرَ فِي الشَّعْرِ مَعْلُومٌ وَفِيهِ إذَا لَمْ يَنْبُتْ أَوْ نَبَتَ مَعِيبًا حُكُومَةٌ بِقَدْرِ الْأَلَمِ أَوْ الْأَلَمِ وَالشَّيْنِ.
دية الأذنين
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فِي الْأُذُنَيْنِ إذَا اصْطَلَمَتَا فَفِيهَا الدِّيَةُ قِيَاسًا عَلَى مَا قَضَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهِ بِالدِّيَةِ مِنْ الِاثْنَيْنِ فِي الْإِنْسَانِ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ فِي الْأُذُنِ إذَا اُسْتُوْعِبَتْ نِصْفُ الدِّيَةِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا اُصْطُلِمَتْ الْأُذُنَانِ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ وَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَإِنْ ذَهَبَ سَمْعُهُمَا وَلَمْ يَصْطَلِمَا فَفِي السَّمْعِ الدِّيَةُ وَإِنْ ضُرِبَتَا فَاصْطُلِمَتَا وَذَهَبَ السَّمْعُ فَفِي الْأُذُنَيْنِ الدِّيَةُ وَالسَّمْعِ الدِّيَةُ وَالْأُذُنَانِ غَيْرُ السَّمْعِ [قَالَ]: وَإِنْ كَانَتْ الْأُذُنَانِ مُسْتَحْشِفَتَيْنِ بِهِمَا مِنْ الِاسْتِحْشَافِ مَا بِالْيَدِ مِنْ الشَّلَلِ وَذَلِكَ أَنْ تَكُونَا إذَا حُرِّكَتَا لَمْ تَتَحَرَّكَا لِيَبَسٍ أَوْ غُمِزَتَا بِمَا يُؤْلِمُ لَمْ تَأْلَمَا فَقَطَعَهُمَا فَفِيهِمَا حُكُومَةٌ لاَ دِيَةٌ تَامَّةٌ وَإِنْ ضَرَبَهُمَا إنْسَانٌ صَحِيحَتَيْنِ فَصَيَّرَهُمَا إلَى هَذِهِ الْحَالِ فَفِيهِمَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ دِيَتَهُمَا تَامَّةٌ كَمَا تَتِمُّ دِيَةُ الْيَدِ إذَا شُلَّتْ. وَالثَّانِي أَنَّ فِيهِمَا حُكُومَةً؛ لِأَنَّهُ لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِمَا فِي حَرَكَاتِهِمَا كَالْمَنْفَعَةِ فِي حَرَكَةِ الْيَدِ إنَّمَا هُمَا جَمَالٌ فَالْجَمَالُ بَاقٍ وَإِذَا قُطِعَ مِنْ الْأُذُنِ شَيْءٌ فَفِيهِ بِحِسَابِهِ مِنْ أَعْلاَهَا كَانَ أَوْ أَسْفَلِهَا بِحِسَابِهِ مِنْ الْقِيَاسِ فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ لاَ فِي إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى، وَإِنْ كَانَ قَطْعُ بَعْضِهِ أَشْيَن مِنْ بَعْضٍ لَمْ أَزِدْ فِيهِ لِلشَّيْنِ وَلاَ أَزِيدُ لِلشَّيْنِ فِيمَا جَعَلْت فِيهِ أَرْشًا مَعْلُومًا شَيْئًا فِي مَمْلُوكٍ وَلاَ حُرٍّ، أَلاَ تَرَى أَنَّهُ إذَا قِيلَ فِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ فَلَوْ لَمْ يَشِنْ بِالْمُوضِحَةِ حُرٌّ وَلَمْ يَنْقُصْ ثَمَنُ مَمْلُوكٍ فَأَعْطَيْت الْحُرَّ خَمْسًا وَالْمَمْلُوكَ نِصْفَ عُشْرِ قِيمَتِهِ بِلاَ شَيْنٍ كُنْت أَعْطَيْت الْحُرَّ مَا وُقِّتَ لَهُ مِنْ اسْمِ الْمُوضِحَةِ فِيمَا أُصِيبَ بِهِ وَالْعَبْدُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ فَإِذَا أَعْطَيْتهمَا بِمَالٍ لاَ يَشِينُ وَلاَ يَنْقُصُ الثَّمَنَ فَإِنْ شَانَ وَنَقَصَ الثَّمَنُ لَمْ يَجُزْ أَنْ أَزِيدَهُمَا شَيْئًا فَأَكُونَ قَدْ أَعْطَيْتهمَا مَرَّةً عَلَى مَا وُقِّتَ لَهُمَا مِنْ الْجِرَاحِ وَمَرَّةً عَلَى الشَّيْنِ فَيَكُونُ هَذَا حُكْمًا مُخْتَلِفًا.
دية الشفتين
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ وَسَوَاءٌ الْعُلْيَا مِنْهُمَا وَالسُّفْلَى وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا جَعَلْت فِيهِ الدِّيَةَ مِنْ شَيْئَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ فَالدِّيَةُ فِيهِ عَلَى الْعَدَدِ لاَ يُفَضَّلُ أَيْمَنُ مِنْهُ عَلَى أَيْسَرَ وَلاَ أَعْلَى مِنْهُ عَلَى أَسْفَلَ وَلاَ أَسْفَلَ عَلَى أَعْلَى وَلاَ يُنْظَرُ إلَى مَنَافِعِهِ وَلاَ إلَى جَمَالِهِ إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى عَدَدِهِ وَمَا قُطِعَ مِنْ الشَّفَتَيْنِ فَبِحِسَابِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ قُطِعَ مِنْ الشَّفَتَيْنِ شَيْءٌ ثُمَّ قُطِعَ بَعْدَهُ شَيْءٌ كَانَ عَلَيْهِ فِيمَا قُطِعَ بِحِسَابِ مَا قُطِعَ. وَفِي الشَّفَتَيْنِ الْقَوَدُ إذَا قُطِعَتَا عَمْدًا. وَسَوَاءٌ الشَّفَتَانِ الْغَلِيظَتَانِ وَالرَّقِيقَتَانِ وَالتَّامَّتَانِ وَالْقَصِيرَتَانِ إذَا كَانَ قِصَرُهُمَا مِنْ خِلْقَتِهِمَا وَإِنْ أَصَابَ إنْسَانٌ شَفَتَيْنِ فَيَبِسَتَا حَتَّى تَصِيرَا مُقَلَّصَتَيْنِ لاَ تَنْطَبِقَانِ عَلَى الْأَسْنَانِ أَوْ اسْتَرْخَتَا حَتَّى تَصِيرَ لاَ تُقَلَّصَانِ عَنْ الْأَسْنَانِ إذَا كَشَّرَ أَوْ ضَحِكَ أَوْ عَمَدَ تَقْلِيصَهُمَا فَفِيهِمَا الدِّيَةُ تَامَّةٌ فَإِنْ أَصَابَهُمَا جَانٍ فَكَانَتَا مُقَلَّصَتَيْنِ عَنْ الْأَسْنَانِ بَعْضَ التَّقْلِيصِ لاَ تَنْطَبِقَانِ عَلَيْهَا كُلِّهَا وَتَرْتَفِعَانِ إلَى فَوْقَ أَوْ كَانَتَا مُسْتَرْخِيَتَيْنِ تَنْطَبِقَانِ عَلَى الْأَسْنَانِ وَلاَ تَتَقَلَّصَانِ إلَى فَوْقَ كَمَا تُقَلَّصُ الصَّحِيحَتَانِ كَانَ فِيهِمَا مِنْ الدِّيَةِ بِحِسَابِ مَا قَصَرَتَا عَنْ بُلُوغِهِ مِمَّا يَبْلُغُهُ الشَّفَتَانِ السَّالِمَتَانِ يَرَى ذَلِكَ أَهْلُ الْبَصَرِ بِهِ. ثُمَّ يَحْكُمُونَ فِيهِ إنْ كَانَ نِصْفًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ. وَإِنْ شَقَّ فِيهِمَا شَقًّا ثُمَّ الْتَأَمَ أَوْ لَمْ يَلْتَئِمْ وَلَمْ يُقَلَّصْ عَنْ الْأَسْنَانِ فَفِيهِ حُكُومَةٌ وَإِنْ قُلِّصَ عَنْ الْأَسْنَانِ شَيْئًا حَتَّى يَكُونَ كَمَا قُطِعَ مِنْهُمَا فَإِنْ كَانَ إذَا مُدَّ الْتَأَمَ وَإِذَا أُرْسِلَ عَادَ فَهَذَا انْقِبَاضٌ لِافْتِرَاقِ الشَّفَةِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ قَطَعَهُ فَأَبَانَهُ مِنْهَا فَلَيْسَ فِيهِ عَقْلٌ مَعْلُومٌ وَفِيهِ حُكُومَةٌ بِقَدْرِ الشَّيْنِ وَالْأَلَمِ وَلَوْ قَطَعَ مِنْ الشَّفَةِ بِشَيْءٍ كَانَ فِيهَا بِحِسَابِ مَا قَطَعَ وَالشَّفَةُ كُلُّ مَا زَايَلَ جِلْدَ الذَّقَنِ وَالْخَدَّيْنِ مِنْ أَعْلَى وَأَسْفَلَ مُسْتَدِيرًا بِالْفَمِ كُلِّهِ مِمَّا ارْتَفَعَ عَنْ الْأَسْنَانِ وَاللِّثَةِ فَإِذَا قُطِعَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ طُولاً حُسِبَ طُولُهُ وَعَرْضُهُ وَطُولُ الشَّفَةِ الَّتِي قُطِعَ مِنْهَا الْعُلْيَا كَانَتْ أَوْ السُّفْلَى ثُمَّ كَانَ فِيهِ بِحِسَابِ الشَّفَةِ الَّتِي قُطِعَ مِنْهَا.
دية اللحيين
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالْأَسْنَانُ الْعُلْيَا ثَابِتَةٌ فِي عَظْمِ الرَّأْسِ وَالْأَسْنَانُ السُّفْلَى ثَابِتَةٌ فِي عَظْمِ اللَّحْيَيْنِ مُلْتَصِقَتَيْنِ فَإِذَا قُلِعَ اللَّحْيَانِ مِنْ أَسْفَلَ مَعًا فَفِيهِمَا الدِّيَةُ تَامَّةٌ وَإِنْ قُلِعَ أَحَدُهُمَا وَثَبَتَ الْآخَرُ فَفِي الْمَقْلُوعِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ وَسَقَطَ الْآخَرُ مَعَهُ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ مَعًا وَفِي الْأَسْنَانِ الَّتِي فِيهِمَا فِي كُلِّ سِنٍّ مَعَ الدِّيَةِ فِي اللَّحْيَيْنِ وَلَيْسَتْ تُشْبِهُ الْأَسْنَانَ الْيَدُ فِيهَا الْأَصَابِعُ فِي الْكَفِّ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْكَفِّ وَالْيَدِ بِالْأَصَابِعِ فَإِذَا ذَهَبَتْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا كَبِيرُ مَنْفَعَةٍ وَاللَّحْيَانِ إذَا ذَهَبَا ذَهَبَتْ الْأَسْنَانُ وَهُمَا وِقَايَةُ اللِّسَانِ وَمَنْعًا لِمَا يَدْخُلُ الْجَوْفَ وَرَدُّ الطَّعَامِ حَتَّى يَصِلَ إلَى الْجَوْفِ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ دُونَ الْأَسْنَانِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا سِنٌّ فَذَهَبَا كَانَتْ فِيهِمَا الدِّيَةُ لِمَا وَصَفْت وَإِنْ ضُرِبَا فَيَبِسَا حَتَّى لاَ يَنْفَتِحَا وَلاَ يَنْطَبِقَا كَانَتْ فِيهِمَا الدِّيَةُ وَكَذَلِكَ لَوْ انْفَتَحَا فَلَمْ يَنْطَبِقَا أَوْ انْطَبَقَا فَلَمْ يَنْفَتِحَا كَانَتْ فِيهِمَا الدِّيَةُ وَلاَ شَيْءَ فِي الْأَسْنَانِ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ عَلَى الْأَسْنَانِ بِشَيْءٍ إنَّمَا جَنَى عَلَى اللَّحْيَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ مَنْفَعَةُ الْأَسْنَانِ قَدْ ذَهَبَتْ إذَا لَمْ يَتَحَرَّكْ اللَّحْيَانِ وَإِنْ ضُرِبَ اللَّحْيَانِ فَشَأْنُهُمَا وَهُمَا يَنْطَبِقَانِ وَيَنْفَتِحَانِ فَفِيهِمَا حُكُومَةٌ بِقَدْرِ الشَّيْنِ لاَ يَبْلُغُ بِهَا دِيَةً.
دية الأسنان
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ: (أَنَّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي السِّنِّ خَمْسٌ) أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلَمْ أَرَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلاَفًا فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَضَى فِي السِّنِّ بِخَمْسٍ وَهَذَا أَكْثَرُ مِنْ خَبَرِ الْخَاصَّةِ وَبِهِ أَقُولُ فَالثَّنَايَا وَالرَّبَاعِيَاتُ وَالْأَنْيَابُ وَالْأَضْرَاسُ كُلُّهَا ضِرْسُ الْحُلُمِ وَغَيْرُهُ أَسْنَانٌ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا إذَا قُلِعَ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ لاَ يَفْضُلُ مِنْهَا سِنٌّ عَلَى سِنٍّ. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي غَطَفَانَ بْنِ طَرِيفٍ الْمُرِّيَّ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ بَعَثَهُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُ مَاذَا فِي الضِّرْسِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فِيهِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ. قَالَ فَرَدَّنِي إلَيْهِ مَرْوَانُ فَقَالَ أَتَجْعَلُ مُقَدَّمَ الْفَمِ مِثْلَ الْأَضْرَاسِ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَوْ لَمْ تَعْتَبِرْ ذَلِكَ إلَّا بِالْأَصَابِعِ عَقْلُهَا سَوَاءٌ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَهَذَا كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى [قَالَ]: وَالدِّيَةُ الْمُؤَقَّتَةُ عَلَى الْعَدَدِ لاَ عَلَى الْمَنَافِعِ. [قَالَ]: وَفِي سِنِّ مَنْ قَدْ ثَغَرَ وَاسْتُخْلِفَ لَهُ مِنْ بَعْدِ سُقُوطِ أَسْنَانِ اللَّبِنِ فَفِيهَا عَقْلُهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ فَإِنْ نَبَتَ بَعْدَ ذَلِكَ رَدَّ مَا أَخَذَ مِنْ الْعَقْلِ وَقَدْ قِيلَ لاَ يَرُدُّ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَسْنَانِ اللَّبِنِ فَإِنْ اُسْتُخْلِفَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ. وَإِذَا أَثْغَرَ الرَّجُلُ وَاسْتُخْلِفَتْ أَسْنَانُهُ فَكَبِيرُهَا وَمُتَرَاصِفُهَا وَصَغِيرُهَا وَتَامُّهَا وَأَبْيَضُهَا وَحَسَنُهَا سَوَاءٌ فِي الْعَقْلِ كَمَا يَكُونُ ذَلِكَ سَوَاءٌ فِيمَا خُلِقَ مِنْ الْأَعْيُنِ وَالْأَصَابِعِ الَّتِي يَخْتَلِفُ حُسْنُهَا وَقُبْحُهَا. وَأَمَّا إذَا نَبَتَتْ الْأَسْنَانُ مُخْتَلِفَةً يَنْقُصُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ نَقْصًا مُتَبَايِنًا نَقَصَ مِنْ أَرْشِ النَّاقِصَةِ بِحِسَابِ مَا نَقَصَتْ عَنْ قَرِينَتِهَا وَذَلِكَ مِثْلُ الثَّنِيَّةِ تَنْقُصُ عَنْ الَّتِي هِيَ قَرِينَتُهَا، مِثْلُ أَنْ تَكُونَ كَنِصْفِهَا أَوْ ثُلُثَيْهَا أَوْ أَكْثَرَ فَإِذَا تَفَاوَتَ النَّقْصُ فِيهِمَا فَنُزِعَتْ النَّاقِصَةُ مِنْهُمَا فَفِيهَا مِنْ الْعَقْلِ بِقَدْرِ نَقْصِهَا عَنْ الَّتِي تَلِيهَا وَإِنْ كَانَ نَقْصُهَا عَنْ الَّتِي تَلِيهَا مُتَقَارِبًا كَمَا يَكُونُ فِي كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ كَنَقْصِ الْأُشُرِ وَدُونِهِ فَنُزِعَتْ فَفِيهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَهَكَذَا هَذَا فِي كُلِّ سِنٍّ نَقَصَتْ عَنْ نَظِيرَتِهَا كَالرَّبَاعِيَتَيْنِ تَنْقُصُ إحْدَاهُمَا عَنْ خِلْقَةِ الْأُخْرَى وَلاَ تُقَاسُ الرَّبَاعِيَةُ بِالثَّنِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ الرَّبَاعِيَةَ أَقْصَرُ مِنْ الثَّنِيَّةِ وَلاَ أَعْلَى الْفَمِ مِنْ الثَّنَايَا وَغَيْرِهَا بِأَسْفَلِهِ؛ لِأَنَّ ثَنِيَّةَ أَعْلَى الْفَمِ غَيْرُ ثَنِيَّةِ أَسْفَلِهِ. وَتُقَاسُ الْعُلْيَا بِالْعُلْيَا وَالسُّفْلَى بِالسُّفْلَى عَلَى مَعْنَى مَا وَصَفْت. وَلَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ ثَنِيَّتَانِ فَكَانَتْ إحْدَاهُمَا مَخْلُوقَةً خِلْقَةَ ثَنَايَا النَّاسِ تَفُوتُ الرَّبَاعِيَةُ فِي الطُّولِ بِأَكْثَرَ مِمَّا تَطُولُ بِهِ الثَّنِيَّةُ الرَّبَاعِيَةَ وَالثَّنِيَّةُ الْأُخْرَى تَفُوتُهَا فَوْتًا دُونَ ذَلِكَ فَنُزِعَتْ الَّتِي هِيَ أَطْوَلُ كَانَ فِيهَا أَرْشُهَا تَامًّا، وَفَوْتُهَا لِلْأُخْرَى التَّامَّةِ كَالْعَيْبِ فِيهَا أَوْ غَيْرِ الزِّيَادَةِ. وَسَوَاءٌ ضُرِبَتْ الزَّائِدَةُ أَوْ أَصَابَتْ صَاحِبَتُهَا عِلَّةٌ فَزَادَتْ طُولاً أَوْ نَبَتَتْ هَكَذَا فَإِذَا أُصِيبَتْ هَذِهِ الطَّائِلَةُ أَوْ الَّتِي تَلِيهَا الْأُخْرَى فَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَإِذَا أُصِيبَ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ شَيْءٌ فَفِيهَا بِقِيَاسِهَا وَيُقَاسُ السِّنُّ عَمَّا ظَهَرَ مِنْ اللِّثَة مِنْهَا. فَإِذَا أَصَابَ اللِّثَةَ مَرَضٌ فَانْكَشَفَتْ عَنْ بَعْضِ الْأَسْنَانِ بِأَكْثَرَ مِمَّا انْكَشَفَتْ بِهِ عَنْ غَيْرِهَا فَأُصِيبَتْ سِنُّ مِمَّا انْكَشَفَتْ عَنْهَا اللِّثَةُ فَيَبِسَتْ السِّنُّ بِمَوْضِعِ اللِّثَةِ قَبْلَ انْكِشَافِهَا، فَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْجَانِي فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يُمْكِنُ مِثْلُهُ وَإِذَا قَالَ مَا لاَ يُمْكِنُ مِثْلُهُ لَمْ يَكُنْ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَأُعْطِيَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَلَى قَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ لِثَتِهِ لَمْ يَنْكَشِفْ عَمَّا بَقِيَ مِنْ أَسْنَانِهِ وَإِنْ انْكَشَفَتْ اللِّثَةُ عَنْ جَمِيعِ الْأَسْنَانِ فَهَكَذَا أَيْضًا إذَا عَلِمَ أَنَّ بِاللِّثَةِ مَرَضًا يَنْكَشِفُ مِثْلُهَا بِمِثْلِهِ فَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ فَاخْتَلَفَ الْجَانِي وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ هَكَذَا خُلِقَتْ وَقَالَ الْجَانِي بَلْ هَذَا عَارِضٌ مِنْ مَرَضٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ إنْ كَانَ ذَلِكَ يَكُونُ فِي خَلْقِ الْآدَمِيِّينَ. وَإِنْ كَانَ لاَ يَكُونُ فِي خَلْقِ الْآدَمِيِّينَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي حَتَّى يَدَّعِيَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي خَلْقِ الْآدَمِيِّينَ وَلَوْ خُلِقَتْ لِرَجُلٍ أَسْنَانٌ قِصَارٌ كُلُّهَا مِنْ أَعْلَى وَالسُّفْلَى طِوَالٌ أَوْ قِصَارٌ مِنْ أَسْفَلَ وَالْعُلْيَا طِوَالٌ أَوْ قِصَارٌ فَسَوَاءٌ وَلاَ تُعْتَبَرُ أَعَالِي الْأَسْنَانِ بِأَسَافِلِهَا فِي كُلِّ سِنٍّ قُلِعَتْ مِنْهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مُقَدَّمُ الْفَمِ مِنْ أَعْلَى طَوِيلاً وَالْأَضْرَاسُ قِصَارٌ أَوْ مُقَدَّمُ الْفَمِ قَصِيرًا وَالْأَضْرَاسُ طِوَالٌ كَانَتْ فِي كُلِّ سِنٍّ أُصِيبَتْ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَيُعْتَبَرُ بِمُقَدَّمِ الْفَمِ عَلَى مُقَدَّمِهِ فَلَوْ نَقَصَتْ ثَنَايَا رَجُلٍ عَنْ رَبَاعِيَتِهِ نُقْصَانًا مُتَفَاوِتًا كَمَا وَصَفْت نَقَصَ مِنْ دِيَةِ النَّاقِصِ مِنْهَا بِقَدْرِهِ أَوْ كَانَتْ ثَنِيَّتُهُ تَنْقُصُ عَنْ رَبَاعِيَتِهِ نُقْصَانًا بَيِّنًا فَأُصِيبَتْ إحْدَاهُمَا فَفِيهَا بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْهَا أَوْ كَانَتْ رَبَاعِيَتُهُ تَنْقُصُ عَنْ ثَنِيَّتِهِ نُقْصَانًا لاَ تَنْقُصُهُ الرَّبَاعِيَاتُ فَيَصْنَعُ فِيهِمَا هَكَذَا، وَكَذَلِكَ يَصْنَعُ فِي الْأَضْرَاسِ يَنْقُصُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ وَإِنَّمَا قُلْت هَذَا فِي الْأَسْنَانِ إنْ اخْتَلَفَتْ وَلَمْ أَقُلْهُ لَوْ خُلِقَتْ كُلُّهَا قِصَارًا؛ لِأَنَّ الِاخْتِلاَفَ هَكَذَا لاَ يَكُونُ فِي الظَّاهِرِ إلَّا مِنْ مَرَضٍ حَادِثٍ عِنْدَ اسْتِخْلاَفِ الَّذِي يَثْغَرُ أَوْ جِنَايَةٍ عَلَى الْأَسْنَانِ تَنْقُصُهَا. وَإِذَا كَانَتْ الْأَسْنَانُ مُسْتَوِيَةَ الْخَلْقِ وَمُتَقَارِبَةً فَالْأَغْلَبُ أَنَّ هَذَا فِي الظَّاهِرِ مِنْ نَفْسِ الْخِلْقَةِ بِلاَ مَرَضٍ كَمَا تَكُونُ نَفْسُ الْخِلْقَةِ بِالْقِصَرِ [قَالَ]: وَلَوْ خُلِقَتْ الْأَسْنَانُ طِوَالاً فَجَنَى عَلَيْهَا جَانٍ فَكَسَرَهَا مِنْ أَطْرَافِهَا فَانْتَقَصَ مِنْهَا حَتَّى يَبْقَى مَا لَوْ نَبَتَ لِرَجُلٍ كَانَ مِنْ الْأَسْنَانِ تَامًّا فَجَنَى عَلَيْهَا إنْسَانٌ بَعْدَ هَذَا جِنَايَةً كَانَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ سِنٍّ مِنْهَا بِحِسَابِ مَا بَقِيَ مِنْهَا وَيُطْرَحُ عَنْهُ بِحِسَابِ مَا ذَهَبَ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجَانِي وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فِيمَا ذَهَبَ مِنْهَا قَبْلَ الْجِنَايَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ مَا أَمْكَنَ أَنْ يَصْدُقَ.
ما يحدث من النقص في الأسنان
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَإِذَا ذَهَبَ حَدُّ السِّنِّ أَوْ الْأَسْنَانِ بكلال لاَ تُكْسَرُ ثُمَّ جَنَى عَلَيْهَا فَفِيهَا أَرْشُهَا تَامًّا، وَذَهَابُ أَطْرَافِهَا كَلَّالٍ لاَ يَنْقُصُ فَإِذَا ذَهَبَ مِنْ أَطْرَافِهَا مَا جَاوَزَ الْحَدَّ أَوْ مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ مِنْهَا نَقَصَ عَنْ الْجَانِي عَلَيْهَا بِقَدْرِ مَا ذَهَبَ مِنْهَا وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً سَحَلَ سِنَّ رَجُلٍ أَوْ ضَرَبَهَا فَأَذْهَبَ حَدَّهَا أَوْ شَيْئًا مِنْهَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ عَقْلِ السِّنِّ بِحِسَابِ مَا ذَهَبَ مِنْهَا وَإِذَا أَخَذَ لِشَيْءٍ مِنْ حَدِّهَا أَرْشًا ثُمَّ جَنَى عَلَيْهَا جَانٍ بَعْدَ أَخْذِهِ الْأَرْشَ نَقَصَ عَنْ الْجَانِي مِنْ أَرْشِهَا بِحِسَابِ مَا نَقَصَ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ إنْ جَنَى عَلَيْهَا رَجُلٌ فَعَفَا لَهُ عَنْ الْأَرْشِ وَإِذَا وَهِيَ فَمُ الرَّجُلِ مِنْ مَرَضٍ أَوْ كِبَرٍ فَاضْطَرَبَتْ أَسْنَانُهُ أَوْ بَعْضُهَا فَرَبَطَهَا بِذَهَبٍ أَوْ لَمْ يَرْبِطْهَا بِهِ فَقَلَعَ رَجُلٌ الْمُضْطَرِبَةَ مِنْهَا فَقَدْ قِيلَ فِيهَا عَقْلُهَا تَامًّا وَقِيلَ فِيهَا حُكُومَةٌ أَكْثَرُ مِنْ الْحُكُومَةِ فِيهَا لَوْ ضَرَبَهَا رَجُلٌ فَاضْطَرَبَتْ ثُمَّ ضَرَبَهَا آخَرُ فَقَلَعَهَا وَإِذَا ضَرَبَهَا رَجُلٌ فَنَغَضَتْ انْتَظَرَ بِهَا قَدْرَ مَا يَقُولُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهَا أَنَّهَا إذَا تُرِكَتْ فَلَمْ تَسْقُطْ لَمْ تَسْقُطْ إلَّا مِنْ حَادِثٍ بَعْدَهُ فَإِنْ سَقَطَتْ فَعَلَيْهِ أَرْشُهَا تَامًّا وَإِنْ لَمْ تَسْقُطْ فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ وَلاَ يَتِمُّ فِيهَا عَقْلُهَا حَتَّى تَسْقُطَ وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً نَغَضَتْ سِنُّهُ ثُمَّ أَثْبَتَهَا فَثَبَتَتْ حَتَّى لاَ يُنْكِرَ شِدَّتَهَا وَلاَ قُوَّتَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْجَانِي عَلَيْهَا شَيْءٌ وَلَوْ نُزِعَتْ بَعْدُ كَانَ فِيهَا أَرْشُهَا تَامًّا فَإِنْ قَالَ لَيْسَتْ فِي الشِّدَّةِ كَمَا كَانَتْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلَهُ فِيهَا حُكُومَةٌ عَلَى الَّذِي أَنْغَضَهَا وَحُكُومَةٌ عَلَى النَّازِعِ وَقِيلَ: أَرْشُهَا تَامًّا وَلَوْ نَدَرَتْ سِنُّ رَجُلٍ حَتَّى يَخْرُجَ سِنْخُهَا فَلاَ تُعَلَّقُ بِشَيْءٍ ثُمَّ أَعَادَهَا فَثَبَتَتْ ثُمَّ قَلَعَهَا رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْجَانِي الْآخَرِ أَرْشٌ وَلاَ حُكُومَةٌ وَلَمْ يَكُنْ لِلَّذِي أَعَادَهَا إعَادَتُهَا؛ لِأَنَّهَا مَيِّتَةٌ وَهَكَذَا لَوْ وَضَعَ سِنَّ شَاةٍ أَوْ بَهِيمَةٍ مِمَّا يُذَكَّى أَوْ سِنَّ غَيْرِهِ مَكَانَ سِنٍّ لَهُ انْقَلَعَتْ فَقَلَعَهَا رَجُلٌ لَمْ يَبِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ حُكُومَةٌ وَقَدْ قِيلَ فِي هَذَا حُكُومَةٌ وَهَكَذَا لَوْ وَضَعَ مَكَانَهَا سِنَّ ذَهَبٍ أَوْ سِنَّ مَا كَانَ وَإِذَا قُلِعَتْ سِنُّ رَجُلٍ بَعْدَمَا يَثْغَرُ فَفِيهَا أَرْشُهَا تَامًّا فَإِنْ نَبَتَتْ بَعْدَ أَخْذِهِ الْأَرْشَ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا وَلَوْ جَنَى عَلَيْهَا جَانٍ آخَرُ فَقَلَعَهَا وَقَدْ نَبَتَتْ صَحِيحَةً لاَ يُنْكِرُ مِنْهَا قُوَّةً وَلاَ لَوْنًا كَانَ فِيهَا أَرْشُهَا تَامًّا وَهَكَذَا لَوْ قُطِعَ لِسَانُ رَجُلٍ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ فَأَخَذَ لَهُ أَرْشًا ثُمَّ نَبَتَ لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا مِنْ الْأَرْشِ فَإِنْ نَبَتَ صَحِيحًا كَمَا كَانَ قَبْلَ الْقَطْعِ فَجَنَى عَلَيْهِ جَانٍ فَفِيهِ الْأَرْشُ أَيْضًا تَامًّا وَإِنْ نَبَتَ السِّنُّ وَاللِّسَانُ مُتَغَيِّرَيْنِ عَمَّا كَانَا عَلَيْهِ مِنْ فَصَاحَةِ اللِّسَانِ أَوْ قُوَّةِ السِّنِّ أَوْ لَوْنِهَا ثُمَّ قُلِعَتْ فَفِيهَا حُكُومَةٌ.
العيب في ألوان الأسنان
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَإِذَا نَبَتَتْ أَسْنَانُ الرَّجُلِ سُودًا كُلُّهَا أَوْ ثَغَرَتْ سُودًا أَوْ مَا دُونَ السَّوَادِ مِنْ حُمْرَةٍ أَوْ خُضْرَةٍ أَوْ مَا قَارَبَهَا وَكَانَتْ ثَابِتَةً لاَ تُنْغِضُ وَكَانَ يَعَضُّ بِمُقَدَّمِهَا وَيَمْضُغُ بِمُؤَخَّرِهَا بِلاَ أَلَمٍ يُصِيبُهُ فِيمَا عَضَّ أَوْ مَضَغَ عَلَيْهِ مِنْهَا فَجَنَى إنْسَانٌ عَلَى سِنٍّ مِنْهَا فَفِيهَا أَرْشُهَا تَامًّا وَإِنْ نَبَتَتْ بِيضًا ثُمَّ ثَغَرَتْ فَنَبَتَتْ سُودًا أَوْ حُمْرًا أَوْ خُضْرًا سُئِلَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهَا فَإِنْ قَالُوا لاَ يَكُونُ هَذَا إلَّا مِنْ حَادِثِ مَرَضٍ فِي أُصُولِهَا فَجَنَى جَانٍ عَلَى سِنٍّ مِنْهَا فَفِيهَا حُكُومَةٌ لاَ يُبْلَغُ بِهَا عَقْلُ سِنٍّ فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ أَوْ قَالُوا تَسْوَدُّ مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ فَجَنَى إنْسَانٌ عَلَى سِنٍّ مِنْهَا فَفِيهَا أَرْشُهَا تَامًّا وَهَكَذَا إذَا نَبَتَتْ بِيضًا فَاسْوَدَّتْ مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ وَإِذَا نَبَتَتْ بِيضًا فَجَنَى عَلَيْهَا جَانٍ فَاسْوَدَّتْ وَلَمْ تَنْقُصْ قُوَّتُهَا فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ، وَكَذَلِكَ إنْ اخْضَرَّتْ أَوْ احْمَرَّتْ وَتَنْقُصُ كُلُّ حُكُومَةٍ فِيهَا عَنْ السَّوَادِ؛ لِأَنَّ السَّوَادَ أَشْبَهُ وَإِنْ اصْفَرَّتْ مِنْ الْجِنَايَةِ جُعِلَ فِيهَا أَقَلُّ مِنْ كُلِّ مَا جُعِلَ فِي غَيْرِهَا وَإِذَا انْتَقَصَتْ قُوَّتُهَا مَعَ تَغَيُّرِ لَوْنِهَا زِيدَ فِي حُكُومَتِهَا وَلَوْ أَنَّ إنْسَانًا نَبَتَتْ أَسْنَانُهُ بِيضًا ثُمَّ أَكَلَ شَيْئًا يُحَمِّرُهَا أَوْ يُسَوِّدُهَا أَوْ يُخَضِّرُهَا ثُمَّ جَنَى عَلَيْهَا جَانٍ فَقَلَعَ مِنْهَا سِنًّا فَفِيهَا أَرْشُهَا تَامًّا؛ لِأَنَّ بَيِّنًا أَنَّ هَذَا مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ وَإِذَا جَنَى رَجُلٌ عَلَى سِنِّ رَجُلٍ فَاسْوَدَّتْ مَكَانَهَا فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ، وَكَذَلِكَ إنْ آلَمَهَا ثُمَّ اسْوَدَّتْ بَعْدُ أَوْ دَمِيَتْ ثُمَّ اسْوَدَّتْ بَعْدُ وَإِنْ أَقَامَتْ مُدَّةً لَمْ تَسْوَدَّ ثُمَّ اسْوَدَّتْ بَعْدُ سُئِلَ أَهْلُ الْعِلْمِ فَإِنْ قَالُوا: هَذَا لاَ يَكُونُ إلَّا مِنْ جِنَايَةِ الْجَانِي فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ إذَا ادَّعَى ذَلِكَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ وَحَلَفَ وَإِنْ قَالُوا قَدْ يَحْدُثُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي مَعَ يَمِينِهِ وَلاَ حُكُومَةَ عَلَيْهِ [وَقَالَ] فِي الْأَسْنَانِ وَالْأَضْرَاسِ مَنْفَعَةٌ بِالْمَضْغِ وَحَبْسِ الطَّعَامِ وَالرِّيقِ وَاللِّسَانِ وَجَمَالٌ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَجْنِيَ الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ فَتَسْوَدَّ سِنُّهُ وَتَبْقَى لَمْ يَذْهَبْ مِنْهَا شَيْءٌ إلَّا حُسْنُ اللَّوْنِ فَأَجْعَلُ فِيهَا الْأَرْشَ تَامًّا؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ بِهَا أَكْثَرُ مِنْ الْجَمَالِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ جَمَالِهَا أَيْضًا سَدُّ مَوْضِعِهَا وَلَيْسَتْ كَالْيَدِ تُشَلُّ فَتَذْهَبُ الْمَنْفَعَةُ مِنْهَا وَلاَ كَالْعَيْنِ تُطْفَأُ فَتَذْهَبُ الْمَنْفَعَةُ مِنْهَا، أَلاَ تَرَى أَنَّ الْيَدَ إذَا شُلَّتْ ثُمَّ قُطِعَتْ أَوْ الْعَيْنُ إذَا طَفِئَتْ فَفُقِئَتْ لَمْ يَكُنْ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إلَّا حُكُومَةٌ وَإِنَّمَا زَعَمْت أَنَّ السَّوَادَ إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ مَرَضٍ فِي السِّنِّ يُنْقِصُهَا لاَ يَنْقُصُ عَقْلَهَا أَنَّى جَعَلْت ذَلِكَ كَالزَّرَقِ والشهولة وَالْعَمَشِ وَالْعَيْبُ فِي الْعَيْنِ لاَ يَنْقُصُ عَقْلَهَا؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِي كُلِّ طَرَفٍ فِيهِ عَمَلٌ وَجَمَالٌ أَكْثَرُ مِنْ الْجَمَالِ وَإِذَا جَنَى الرَّجُلُ عَلَى السِّنِّ السَّوْدَاءِ الَّتِي سَوَادُهَا مِنْ مَرَضٍ مَعْلُومٍ نَقَصَ عَنْهُ مِنْ عَقْلِهَا بِقَدْرِ ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْت.
أسنان الصبي
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَإِذَا نُزِعَتْ سِنُّ الصَّبِيِّ لَمْ يَثْغَرْ انْتَظَرَ بِهِ فَإِنْ أَثْغَرَ فُوهُ كُلُّهُ وَلَمْ تَنْبُتْ السِّنُّ الَّتِي نُزِعَتْ فَفِيهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَإِذَا نَبَتَتْ بِطُولِ الَّتِي نَظِيرَتُهَا أَوْ مُتَقَارِبَةً فَفِيهَا حُكُومَةٌ وَإِنْ نَبَتَتْ نَاقِصَةَ الطُّولِ عَنْ الَّتِي تُقَارِبُهَا نَقْصًا مُتَفَاوِتًا كَمَا وَصَفْت أُخِذَ لَهُ مِنْ أَرْشِهَا بِقَدْرِ نَقْصِهَا وَإِنْ نَبَتَتْ غَيْرَ مُسْتَوِيَةِ النَّبْتَةِ بِعِوَجٍ كَانَ إلَى دَاخِلِ الْفَمِ أَوْ خَارِجِهِ أَوْ فِي شِقٍّ كَانَتْ فِيهَا حُكُومَةٌ وَإِنْ نَبَتَتْ سَوْدَاءَ أَوْ حَمْرَاءَ أَوْ صَفْرَاءَ فَفِيهَا حُكُومَةٌ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَا فِي الْحُكُومَةِ بِقَدْرِ كَثْرَةِ شَيْنِ السَّوَادِ عَلَى الْحُمْرَةِ وَالْحُمْرَةِ عَلَى الصُّفْرَةِ وَإِنْ نَبَتَتْ قَصِيرَةً عَنْ الَّتِي تَلِيهَا بِمَا تَفُوتُ بِهِ سِنٌّ مِمَّا يَلِيهَا فَفِيهَا بِقَدْرِ مَا نَقَصَهَا وَسَوَاءٌ كَانَ النَّقْصُ فِي جَمِيعِ السِّنِّ أَوْ بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ وَإِنْ نَبَتَتْ مَفْرُوقَةَ الطَّرَفَيْنِ فَفِيهَا بِحِسَابِ مَا نَقَصَ مِمَّا بَيْنَ الْفَرْقَيْنِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ نَاقِصَةَ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَلَيْسَ فِي شَيْنِهَا شَيْءٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَإِنْ نَبَتَتْ سِنُّهُ وَنَبَتَتْ لَهُ سِنٌّ زَائِدَةٌ مَعَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي نَبَاتِ السِّنِّ الزَّائِدَةِ شَيْءٌ وَإِنْ مَاتَ الْمَنْزُوعَةُ سِنَّهُ وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ مِنْ فِيهِ شَيْءٌ فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ فِي سِنِّهِ حُكُومَةً؛ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ أَنْ لَوْ عَاشَ نَبَتَتْ، وَالثَّانِي: إنَّ فِيهَا خَمْسًا فِي الْإِبِلِ وَلاَ يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِيهَا حَتَّى يَسْتَخْلِفَ وَإِنْ اسْتَخْلَفَ مِنْ فِيهِ مَا إلَى جَنْبِ سِنِّهِ الْمَنْزُوعَةِ ثُمَّ مَاتَ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ مَا إلَى جَنْبِهَا اُسْتُخْلِفَ وَعَاشَ الْمَنْزُوعَةُ سِنُّهُ مُدَّةً لاَ تُبْطِئُ السِّنُّ الْمَنْزُوعَةُ إلَى مِثْلِهَا فَفِيهَا عَقْلُهَا تَامًّا فِي الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ مَاتَ فِي وَقْتٍ تُبْطِئُ السِّنُّ الْمَنْزُوعَةُ إلَى مِثْلِهَا أَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا تَقَدَّمَتْ الْأُخْرَى بِأَنْ ثَغَرَتْ قَبْلَهَا كَانَتْ فِيهَا حُكُومَةٌ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ فِي سِنِّ الصَّبِيِّ إذَا مَاتَ قَبْلَ تَمَامِ نَبَاتِ سِنِّهِ حُكُومَةٌ وَدِيَةٌ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ وَإِذَا ثَغَرَتْ سِنٌّ فَطَلَعَتْ فَلَمْ يَلْتَئِمْ طُلُوعُهَا حَتَّى تَسْتَوِيَ بِنَظِيرَتِهَا حَتَّى قَلَعَهَا رَجُلٌ آخَرُ انْتَظَرَ بِهَا فَإِنْ نَبَتَتْ فَفِيهَا حُكُومَةٌ أَكْثَرُ مِنْ حُكُومَتِهَا لَوْ قُلِعَتْ قَبْلَ تَثْغَرَ وَإِنْ لَمْ تَنْبُتْ فَفِيهَا عَقْلُهَا تَامًّا وَقَدْ قِيلَ فِيهَا مِنْ الْعَقْلِ بِقَدْرِ مَا أَصَابَ مِنْهَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا نُزِعَتْ سِنُّ الصَّبِيِّ فَاسْتَخْلَفَ فُوهُ وَلَمْ تَسْتَخْلِفْ فَأَخَذَ لَهَا أَرْشَهَا ثُمَّ نَبَتَتْ رَدَّ الْأَرْشَ وَإِذَا قُلِعَتْ سِنُّ الصَّبِيِّ فَطَلَعَ بَعْضُهَا ثُمَّ مَاتَ الصَّبِيُّ قَبْلَ يَلْتَئِمَ طُلُوعُهَا فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ مِنْهَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ يَلْزَمُهُ دِيَتُهَا إذَا مَاتَ قَبْلَ طُلُوعِهَا وَحُكُومَةٌ فِي قَوْلِ مَنْ لاَ يُلْزِمُهُ فِي ذَلِكَ إلَّا حُكُومَةً.
السن الزائدة
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا قُلِعَتْ السِّنُّ الزَّائِدَةُ فَفِيهَا حُكُومَةٌ وَإِذَا اسْوَدَّتْ فَفِيهَا أَقَلُّ مِنْ الْحُكُومَةِ الَّتِي فِي قَلْعِهَا.
قلع السن وكسرها
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: إذَا كُسِرَتْ السِّنُّ مِنْ مَخْرَجِهَا فَقَدْ تَمَّ عَقْلُهَا وَكَذَا لَوْ قَلَعَهَا مِنْ سِنْخِهَا فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَإِنْ كُسِرَتْ فَتَمَّ عَقْلُهَا ثُمَّ نَزَعَ إنْسَانٌ سِنْخَهَا فَفِيمَا نَزَعَ مِنْهَا حُكُومَةٌ وَإِنْ كَسَرَ إنْسَانٌ نِصْفَ سِنِّ رَجُلٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ نَزَعَ آخَرُ السِّنَّ مِنْ سِنْخِهَا فَفِيهَا بِحِسَابِ مَا بَقِيَ ظَاهِرًا مِنْ السِّنِّ وَحُكُومَةُ السِّنْخِ وَإِنَّمَا تَسْقُطُ الْحُكُومَةُ فِي السِّنْخِ إذَا تَمَّ عَقْلُ السِّنِّ وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ وَاحِدَةً فَنُزِعَتْ بِهَا السِّنُّ مِنْ السِّنْخِ وَإِذَا ضَرَبَ رَجُلٌ السِّنَّ فَصَدَعَهَا فَفِيهَا حُكُومَةٌ بِقَدْرِ الشَّيْنِ وَالنَّقْصِ لَهَا وَإِذَا كَسَرَ الرَّجُلُ مِنْ سِنِّ الرَّجُلِ شَيْئًا مِنْ ظَاهِرِهَا أَوْ بَاطِنِهَا أَوْ مِنْهُمَا جَمِيعًا فَفِي ذَلِكَ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ السِّنِّ كَأَنَّهُ أَشْظَاهَا مِنْ ظَاهِرٍ أَوْ بَاطِنٍ وَلَمْ يَقْصِمْ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَشْظَاهَا مِنْهُ بِهَا قِيسَ طُولُ مَا أَشْظَى مِنْهَا وَعَرْضُهُ فَكَانَ رُبُعَ السِّنِّ فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ ثُمَّ قِيسَ بِمَا يَلِيهِ فَكَانَ نِصْفَ ظَاهِرِ السِّنِّ وَكَانَ فِيهِ ثَمَنَ مَا فِي السِّنِّ وَعَلَى هَذَا الْحِسَابِ يَصْنَعُ بِمَا جَنَى عَلَيْهِ مِنْهَا فَإِنْ أَشْظَاهَا حَتَّى تَهَدَّمَ مَوْضِعُهُ مِنْ السِّنِّ قِيسَ ذَلِكَ بِالطُّولِ وَالْعَرْضِ وَلَمْ يَنْظُرْ فِيهِ إلَى أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ الَّذِي هَدَمَهُ مِنْ السِّنِّ أَوْ أَشْظَاهُ أَرَقَّ مِمَّا سِوَاهُ مِنْ السِّنِّ وَلاَ أَغْلَظَ.
حلمتي الثديين
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَكُلُّ مَا قُلْت الدِّيَةُ أَوْ نِصْفُهَا أَوْ رُبُعُهَا إذَا أُصِيبَ مِنْ رَجُلٍ فَأُصِيبَ مِنْ امْرَأَةٍ فَفِيهِ مِنْ دِيَةِ الْمَرْأَةِ بِحِسَابِهِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ لاَ تُزَادُ فِيهِ الْمَرْأَةُ عَلَى قَدْرِهِ مِنْ أَرْشِهَا عَلَى الرَّجُلِ وَلاَ الرَّجُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا كَانَا سَوَاءً فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَلاَ يَخْتَلِفُ شَيْءٌ مِنْ الْمَرْأَةِ وَلاَ الرَّجُلِ إلَّا الثَّدْيَيْنِ فَإِذَا أُصِيبَتْ حَلَمَتَا ثَدْيَيْ الرَّجُلِ أَوْ قُطِعَ ثَدْيَاهُ فَفِيهِمَا حُكُومَةٌ وَإِذَا أُصِيبَتْ حَلَمَتَا ثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ أَوْ اصْطَلَمَ ثَدْيَاهَا فَفِيهِمَا الدِّيَةُ تَامَّةٌ؛ لِأَنَّ فِي ثَدْيَيْهَا مَنْفَعَةَ الرَّضَاعِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي ثَدْيَيْ الرَّجُلِ وَلِثَدْيَيْهَا جَمَالٌ وَلِوَلَدِهَا فِيهِمَا مَنْفَعَةٌ وَعَلَيْهَا بِهِمَا شَيْنٌ لاَ يَقَعُ ذَلِكَ الْمَوْقِعَ مِنْ الرَّجُلِ فِي جَمَالِهِ وَلاَ شَيْنَ عَلَيْهِ كَهِيَ، وَإِذَا ضَرَبَ ثَدْيَ امْرَأَةٍ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ مُرْضِعًا فَوَلَدَتْ فَلَمْ يَأْتِ لَهَا لَبَنٌ فِي ثَدْيِهَا الْمَضْرُوبِ وَحَدَثَ فِي الَّذِي لَمْ يُضْرَبْ أَوْ لَمْ يَحْدُثْ لَهَا لَبَنٌ فِي ثَدْيَيْهَا مَعًا لَمْ يُلْزَمْ الضَّارِبُ بِأَنْ لَمْ يُحْدِثْ اللَّبَنَ فِي ثَدْيَيْهَا إلَّا أَنْ يَقُولَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ هَذَا لاَ يَكُونُ إلَّا مِنْ جِنَايَتِهِ فَيُجْعَلُ فِيهِ حُكُومَةٌ وَإِذَا ضَرَبَ ثَدْيَاهَا وَفِيهِمَا لَبَنٌ فَذَهَبَ اللَّبَنُ فَلَمْ يَحْدُثْ بَعْدَ الضَّرْبِ فَفِيهِمَا حُكُومَةٌ أَكْثَرُ مِنْ الْحُكُومَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا لاَ دِيَةٌ تَامَّةٌ. فَإِنْ ضُرِبَ ثَدْيَاهَا فَعَابَا وَلَمْ يَسْقُطَا فَفِيهِمَا حُكُومَةٌ وَلَوْ ضُرِبَا فَمَاتَا وَلاَ يُعْرَفُ مَوْتُهُمَا إلَّا بِأَنْ لاَ يَأْلَمَا إذَا أَصَابَهُمَا مَا يُؤْلِمُ الْجَسَدَ فَفِيهِمَا دِيَتُهُمَا تَامَّةٌ وَفِي أَحَدِهِمَا - إذَا أَصَابَهُ ذَلِكَ - نِصْفُ دِيَتِهِمَا، وَإِذَا اسْتَرْخَيَا فَكَانَا إذَا رَدَّ طَرَفَاهُمَا عَلَى آخِرِهِمَا لَمْ يَنْقَبِضْ كَانَتْ فِي هَذَا حُكُومَةٌ هِيَ أَكْثَرُ مِنْ الْحُكُومَةِ فِيمَا سِوَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ مَعَ هَذَا أَنْ لاَ يَأْلَمَا إذَا أَصَابَهُمَا مَا يُؤْلِمُ كَانَ مَوْتًا وَعَيْبًا، وَلَوْ قَطَعَ ثَدْيَ الْمَرْأَةِ فَجَافَهَا كَانَتْ فِيهِ نِصْفُ دِيَتِهَا وَدِيَةُ جَائِفَةٍ وَلَوْ قُطِعَتْ ثَدْيَاهَا فَجَافَهُمَا كَانَتْ فِيهِمَا دِيَتُهُمَا وَدِيَةُ جَائِفَتِهِمَا، وَلَوْ فَعَلَ هَذَا بِرَجُلٍ كَانَتْ فِي ثَدْيَيْهِ حُكُومَةٌ وَفِي جَائِفَتِهِ جَائِفَةٌ وَقَدْ قِيلَ فِي ثَدْيِيِّ الرَّجُلِ الدِّيَةُ.
النكاح على أرش الجناية
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَإِذَا شَجَّتْ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ مُوضِحَةً أَوْ جَنَتْ عَلَيْهِ جِنَايَةً غَيْرَ مُوضِحَةٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَتَزَوَّجَهَا عَلَى الْجِنَايَةِ كَانَ النِّكَاحُ ثَابِتًا وَالْمَهْرُ بَاطِلاً وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَعَلَى عَاقِلَتِهَا أَرْشُهَا فِي الْخَطَأِ وَلاَ يَجُوزُ الْمَهْرُ مِنْ جِنَايَةٍ خَطَأٍ وَلاَ عَمْدٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ جِنَايَةَ الْخَطَأِ تَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ وَتُقْبَلُ إبِلُهُمْ مِنْهَا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ إبِلُهُمْ وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ أَسْنَانٌ مَعْلُومَةٌ، فَإِذَا أَدُّوا أَعْلَى مِنْهَا فِي السِّنِّ وَمَا يَصْلُحُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ مَا عَلَيْهِمْ قُبِلَ مِنْهُمْ وَهَذَا كُلُّهُ لاَ يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ، وَالْمَهْرُ لاَ يَصْلُحُ إلَّا بِمَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا فَنَكَحَهَا عَلَيْهَا جَازَ النِّكَاحُ وَبَطَلَ الْمَهْرُ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا يَلْزَمُهَا بِالْجِنَايَةِ إبِلٌ فَأَيُّ إبِلٍ أَدَّتْهَا مِنْ إبِلِ الْبَلَدِ بِسِنٍّ مَعْلُومَةٍ قُبِلَتْ وَهَذَا لاَ يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ، فَإِذَا نَكَحَتْ عَلَى الْجِنَايَةِ فِي الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا، وَإِذَا نَكَحَهَا عَلَى جِنَايَةِ عَمْدٍ بَطَلَ الْقَوَدُ؛ لِأَنَّهُ عَفْوٌ عَنْ الْقَوَدِ فَلاَ سَبِيلَ إلَى قَتْلِهَا وَإِنْ صَارَتْ الْجِنَايَةُ نَفْسًا وَلاَ إلَى الْقَوَدِ مِنْهَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْجِرَاحَةِ وَتُؤْخَذُ مِنْهَا الدِّيَةُ فِي الْعَمْدِ حَالَّةً وَمِنْ عَاقِلَتِهَا فِي الْخَطَأِ وَلَهَا فِي مَالِهِ مَهْرُ مِثْلِهَا.