سورة ص
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم.
أخبرنا أبو القاسم بن أبي نصر الخزامي قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن حمدويه قال: أخبرنا أبو بكر بن دارم الحافظ قال: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا أبي قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي قال: حدثنا سفيان عن الأعمش عن يحيى بن عمارة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: مرض أبو طالب فجاءت قريش وجاء النبي صلى الله عليه وسلم وعند رأس أبي طالب مجلس رجل فقام أبو جهل كي يمنعه من ذلك فشكوه إلى أبي طالب فقال: يا ابن أخي ما تريد من قومك قال: يا عم إنما أريد منهم كلمة تذل لهم بها العرب وتؤدي إليهم الجزية بها العجم قال: كلمة واحدة قال ما هي قال: لا إله إلا الله فقالوا: أجعل الآلهة إلهاً واحداً قال فنزل فيهم القرآن {ص وَالقُرآَنِ ذي الذِّكرِ بَل الَّذينَ كَفَروا في عِزَّةٍ وَشِقاقِ} حتى بلغ {إِن هَذا إِلّا اِختِلاقٌ}.
قال المفسرون: لما أسلم عمر بن الخطاب شق ذلك على قريش وفرح المؤمنون قال الوليد بن المغيرة لهلاص قريش وهم الصناديد والأشراف: امشوا إلى أبي طالب فأتوه فقالوا له: أنت شيخنا وكبيرنا قد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء وإنا أتيناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك فأرسل أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدعاه فقال: يا ابن أخي هؤلاء قومك يسألونك ذا السؤال فلا تمل كل الميل على قومك قال: وماذا يسألوني قالوا: ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتعطوني كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم فقال أبو جهل: لله أبوك لنعطينكها وعشر أمثالها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قولوا لا إله إلا الله فنفروا من ذلك فقاموا فقالوا {أَجَعَلَ الآَلِهَةَ إِلَهاً واحِداً} كيف يسع الخلق كلهم إله واحد فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآيات {كَذَّبت قَبلَهُم قَومُ نُوحٍ}.
سورة الزمر
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم قوله تعالى {أَمَن هُوَ قانِتٌ آَناءَ اللَّيلِ} الآية.
قال ابن عباس في رواية عطاء: نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
وقال ابن عمر: نزلت في عثمان بن عفان.
وقال مقاتل: نزلت في عمار بن ياسر.
قوله تعالى {وَالَّذينَ اِجتَنَبوا الطّاغوتَ أن يَعبُدوها} الآية.
قال ابن زيد: نزلت في ثلاثة أنفار كانوا في الجاهلية يقولون لا إله إلا الله وهم زيد بن عمرو وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي.
قوله تعالى {فَبَشِّر عِبادِ الَّذينَ يَستَمِعونَ القَولَ فَيَتَّبِعونَ أَحسَنَهُ} قال عطاء عن ابن عباس: إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وصدقه فجاء عثمان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وسعيد بن زيد وسعد بن أبي وقاص فسألوه فأخبرهم بإيمانه فآمنوا ونزلت فيهم {فَبَشِّر عِبادِ الَّذينَ يَستَمِعونَ القَولَ} قال: يريد من أبي بكر {فَيَتَّبِعونَ أَحسَنَهُ}.
قوله تعالى {أَفَمَن شَرَحَ اللهُ صَدرَهُ لِلِإسلامِ فَهوَ عَلى نُورٍ مِن رَّبِّهِ} الآية: نزلت في حمزة وعلي وأبي لهب وولده فعلي وحمزة ممن شرح الله صدره وأبو لهب وأولاده الذين قست قلوبهم عن ذكر الله وهو قوله تعالى {فَويلٌ لِلّقاسِيَةِ قُلوبُهُم مِن ذِكرِ اللهِ}.
قوله تعالى " الله نزل أحسن الحديث " الآية.
أخبرنا عبد القاهر بن طاهر البغدادي قال: أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال: أخبرنا جعفر بن محمد الفريابي قال: أخبرنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا عمرو بن محمد القرشي قال: أخبرنا خلاد الصفار عن عمرو بن قيس الملائي عن عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد عن سعد قالوا: يا رسول الله لو حدثتنا فأنزل الله تعالى {اللهُ نَزَّلَ أَحسَنَ الحَديثِ}.
قوله تعالى {قُل يا عِبادِيَ الَّذينَ أَسرَفوا عَلى أَنفُسِهِم لا تَقنَطوا مِن رَحمَةِ اللهِ} الآية.
قال ابن عباس: نزلت في أهل مكة قالوا: يزعم محمد أن من عبد الأوثان وقتل النفس التي حرم الله لم يغفر له فكيف نهاجر ونسلم وقد عبدنا مع الله إلهاً آخر وقتلنا النفس التي حرم الله فأنزل وقال ابن عمر: نزلت هذه الآية في عياش بن ربيعة والوليد بن الوليد ونفر من المسلمين كانوا أسلموا ثم فتنوا وعذبوا فافتتنوا وكنا نقول: لا يقبل الله من هؤلاء صرفاً ولا عدلاً أبداً قوم أسلموا ثم تركوا دينهم بعذاب عذبوا به فنزلت هذه الآيات وكان عمر كاتباً فكتبها إلى عياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد وأولئك النفر فأسلموا وهاجروا.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد السراج قال: أخبرنا محمد بن محمد بن الحسن الكازروني قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز قال: أخبرنا القاسم بن سلام قال: أخبرنا الحجاج عن ابن جريج قال: حدثني يعلى بن مسلم أنه سمع سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس أن ناساً من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا ثم أتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تدعو إليه لحسن إن تخبرنا لما علمناه كفارة فنزلت هذه الآية {يا عِبادِيَ الَّذينَ أَسرَفوا عَلى أَنفُسِهِم} رواه البخاري عن إبراهيم بن موسى عن هشام بن يوسف عن ابن جريج.
أخبرنا أبو إسحاق المقريء قال: أخبرنا الحسين بن محمد بن العلاء قال: أخبرنا يونس بن بكير قال: أخبرنا محمد بن إسحاق قال: أخبرنا نافع عن عمر أنه قال: لما اجتمعنا إلى الهجرة انبعثت أنا وعياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص بن وائل فقلنا: الميعاد بيننا المناصف ميقات بني غفار فمن حبس منكم لراياتها فقد حبس فليمض صاحبه فأصبحن عندها أنا وعياش وحبس عنا هشام وفتن وافتتن فقدمنا المدينة فكنا نقول: ما الله بقابل من هؤلاء توبة قوم عرفوا الله ورسوله ثم رجعوا عن ذلك لبلاء أصابهم من الدنيا فأنزل الله تعالى {يا عِبادي الَّذينَ أَسرَفوا} إلى قوله {أَلَيسَ في جَهَنَمُ مَثوى لِلمُتَكَبِرينَ} قال عمر: فكتبتها بيدي ثم بعثت بها فقال هشام: فلما قدمت علي خرجت بها إلى ذي طوى فقلت: اللهم فهمنيها فعرفت أنها أنزلت فينا فرجعت فجلست على بعيري فلحقت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويروى أن هذه الآية نزلت في وحشي قاتل حمزة رحمة الله عليه ورضوانه وذكرنا ذلك في أخر سورة الفرقان.
قوله تعالى {وَما قَدَروا اللهَ حَقَّ قَدرِهِ}.
أخبرنا أبو بكر الحارثي قال: أخبرني أبو الشيخ الحافظ قال: أخبرنا ابن أبي عاصم قال: أخبرنا ابن نمير قال: أخبرنا معاوية عن الأعمش عن علقمة عن عبد الله قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل من أهل الكتاب فقال: يا أبا القاسم بلغك أن الله يحمل الخلائق على أصبع والأرضين على أصبع والشجر على أصبع والثرى على أصبع فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه فأنزل الله تعالى {وَما قَدَروا اللهَ حَقَّ قَدرِهِ} الآية.
ومعنى هذا أن الله تعالى يقدر على قبض الأرض وجميع ما فيها من الخلائق والشجر قدرة أحدنا ما يحمله بأصبعه فخوطبنا بما نتخاطب فيما بيننا لنفهم ألا ترى أن الله تعالى قال {وَالأَرضُ جَميعاً قَبضَتُهُ يَومَ القِيامَةِ} أي يقبضها بقدرته.
سورة حم السجدة (فصلت)
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم.
قوله تعالى {وَما كُنتُم تَستَتِرونَ أَن يَشهَدَ عَلَيكُم سَمعَكُم} الآية.
أخبرنا الأستاذ أبو منصور البغدادي قال: أخبرنا إسماعيل بن نجيد قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم بن سعد قال: أخبرنا أمية بن بسطام قال: أخبرنا يزيد بن زريع قال: أخبرنا روح بن القاسم عن منصور عن مجاهد عن أبي معمر عن ابن مسعود في هذه الآية {وَما كُنتُم تَستَتِرونَ أَن يَشهَدَ عَلَيكُم سَمعُكُم وَلا أَبصارُكُم} الآية.
قال: كان رجلان من ثقيف وختن لهما من قريش أو رجلان من قريش وختن لهما من ثقيف في بيت فقال بعضهم: أترون لله يسمع نجوانا أو حديثنا فقال بعضهم: قد سمع بعضه ولم يسمع بعضه فقالوا: لئن كان يسمع بعضه لقد سمع كله فنزلت هذه الآية {وَما كُنتُم تَستَتِرونَ أَن يَشهَدَ عَلَيكُم} الآية.
رواه البخاري عن الحميدي ورواه أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الفقيه قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن علي الحيري قال: أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال: أخبرنا أبو خيثمة قال: أخبرنا محمد بن حازم قال: أخبرنا الأعمش عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال: كنت مستتراً بأستار الكعبة فجاء ثلاثة أنفار كثير شحم بطونهم قليل فقه قلوبهم قرشي وختناه ثقفيان أو ثقفي وختناه قرشيان فتكلموا بكلام لم أفهمه فقال بعضهم: أترون الله سمع كلامنا هذا فقال الآخر إذا رفعنا أصواتنا سمع وإذا لم نرفع لم يسمع.
وقال الآخر: إن سمع منه شيئاً سمعه كله.
قال: فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزل عليه {وَما كُنتُم تَستَتِرونَ أَن يَشهَدَ عَلَيكُم سَمعُكُم وَلا أَبصارُكُم وَلا جُلودُكُم} إلى قوله تعالى {فَأَصبَحتُم مِن الخاسِرينَ}.
قوله عز وجل {إِنَّ الَّذينَ قالوا رَبُّنا اللهُ ثُمَّ اِستَقاموا} الآية.
قال عطاء عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في أبي بكر رضي الله عنه وذلك أن المشركين قالوا: ربنا الله والملائكة بناته وهؤلاء شفعاؤنا عند الله فلم يستقيموا وقالت اليهود: ربنا الله وعزير ابنه ومحمد عليه الصلاة والسلام ليس بنبي فلم يستقيموا وقال أبو بكر رضي الله عنه: ربنا الله وحده لا شريك له ومحمد صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله واستقام.
سورة الشورى
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم.
قوله تعالى {قُل لا أَسأَلُكُم عَلَيهِ أَجراً إِلّا المَوَدَّةَ في القُربى} قال ابن عباس: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كانت تنوبه نوائب وحقوق وليس في يده لذلك سعة فقال الأنصار: إن هذا الرجل قد هداكم الله تعالى به وهو ابن أختكم وتنوبه نوائب وحقوق وليس في يده لذلك سعة فاجمعوا له من أموالكم ما لا يضركم فأتوه به ليعينه على ما ينوبه ففعلوا ثم أتوا به فقالوا: يا رسول الله إنك ابن أختنا وقد هدانا الله تعالى على يديك وتنوبك نوائب وحقوق وليس لك عندنا سعة فرأينا أن نجمع لك من أموالنا فنأتيك به فتستعين على ما ينوبك وهو هذا فنزلت هذه الآية.
وقال قتادة: اجتمع المشركون في مجمع لهم فقال بعضهم لبعض: أترون محمداً عليه الصلاة والسلام يسأل على ما يتعاطاه أجراً فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى {وَلَو بَسَطَ اللهُ الرِزقَ لِعِبادِهِ لَبَغوا في الأَرضِ} الآية.
نزلت في قوم من أهل الصفة تمنوا سعة الدنيا والغنى.
قال خباب بن الأرت: فينا نزلت هذه الآية وذلك أنا بطرنا إلى أموال قريظة والنضير فتمنيناها فأنزل الله تبارك تعالى هذه الآية.
قال: أخبرنا أبو عثمان المؤذن قال: أخبرنا أبو علي الفقيه قال: أخبرنا أبو محمد بن معاذ قال: أخبرنا الحسين بن الحسن بن حرب قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا حيوة قال: أخبرني أبو هانئ الخولاني أنه سمع عمرو بن حريث يقول: إنما نزلت هذه الآية في أصحاب الصفة {وَلَو بَسَطَ اللهُ الرِزقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوا في الأَرضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مّا يَشاءُ} وذلك أنهم قالوا: لو أن لنا الدنيا فتمنوا الدنيا.
قوله تعالى {وَما كانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِمُهُ اللهَ إِلا وَحياً} الآية.
وذلك أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبياً كما كلم الله موسى ونظر إليه فإنا لن نؤمن بك حتى تفعل ذلك فقال: لم ينظر موسى إلى الله وأنزلت الآية.
سورة الزخرف
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم.
قوله تعالى {وَلَمّا ضُرِبَ اِبنُ مَريَمَ مَثَلاً} الآية.
أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم النصراباذي قال: أخبرنا إسماعيل بن نجيد قال: أخبرنا محمد بن الحسن بن الخليل قال: حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا شيبان بن عبد الرحمن عن عاصم بن أبي النجود عن ابن رزين عن أبي يحيى مولى ابن عفراء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لقريش: يا معشر قريش لا خير في أحد يعبد من دون الله قالوا: أليس تزعم أن عيسى كان عبداً نبياً وعبداً صالحاً فإن كان كما تزعم فهو كآلهتهم فأنزل الله تعالى {وَلَمّا ضُرِبَ اِبنُ مَريَمَ مَثَلاً} الآية.
وذكرنا هذه القصة ومناظرة ابن الزبعري مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر سورة الأنبياء عند قوله تعالى {إِنَكُم وَما تَعبُدونَ مِن دونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ}.
سورة الدخان
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم.
قوله تعالى {ذُق إِنَّكَ أَنتَ العَزيزُ الكَريمُ} قال قتادة: نزلت في عدو الله أبي جهل وذلك أنه قال: أيوعدني محمد والله لأنا أعز من بين جبليها فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أبو بكر الحارثي قال: أخبرنا عبد الله بن حيان قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا أسباط عن أبي بكر الهذلي عن عكرمة قال: لقي النبي صلى الله عليه وسلم أبا جهل فقال أبو جهل: لقد علمت أني أمنع أهل البطحاء وأنا العزيز الكريم قال: فقتله الله يوم بدر وأذله وعيره بكلمته ونزل فيه {ذُق إِنَّكَ أَنتَ العَزيزُ الكَريمُ}.
سورة الجاثية
بسم الِلَّهِ الرحمن الرحيم.
قوله تعالى {قُل لِّلَّذينَ آَمَنوا يَغفِروا لِلَّذينَ لا يَرجونَ أَيّامَ اللهِ} قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد عمر بن الخطاب خاصة وأراد بالذين لا يرجون أيام الله عبد الله بن أبي وذلك أنهم نزلوا في غزاة بني المصطلق على بئر يقال لها المريسيع فأرسل عبد الله غلامه ليستقي الماء فأبطأ عليه فلما أتاه قال: ما حبسك قال: غلام عمر قعد على قف البئر فما ترك أحداً يستقي حتى ملأ قرب النبي وقرب أبي بكر وملأ لمولاه فقال عبد الله: ما مثلنا ومثل هؤلاء إلا كما قيل: سمن كلبك يأكلك فبلغ قوله عمر رضي الله عنه فاشتمل بسيفه يريد التوجه إليه فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أبو إسحاق الثعالبي قال: أخبرنا الحسين بن محمد بن عبد الله قال: حدثنا موسى بن محمد بن علي قال: أخبرنا الحسن بن علي أنه قال: حدثنا إسماعيل بن عيسى العطار قال: حدثنا محمد بن زياد اليشكري عن ميمون بن مهران عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية {مَن ذا الَّذي يُقرِضُ اللهَ قَرضاً حَسَناً} قال يهودي بالمدينة يقال له فنحاص: احتاج رب محمد فلما سمع عمر بذلك اشتمل على سيفه وخرج في طلبه فجاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن ربك يقول {قُل لِّلَّذينَ آَمَنوا يَغفِروا لِلَّذينَ لا يَرجونَ أَيّامَ اللهِ} واعلم أن عمر قد اشتمل على سيفه وخرج في طلب اليهودي فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه فلما جاء قال: يا عمر ضع سيفك قال: صدقت يا رسول الله أشهد أنك أرسلت بالحق قال: فإن ربك يقول {قُل لِلَّذينَ آَمَنوا يَغفِروا لِلَّذينَ لا يَرجونَ أَيّامَ اللهِ} قال: لا جرم والذي بعثك بالحق ولا يرى الغضب في وجهي.
سورة الأحقاف
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم.
قوله تعالى {وَما أَدري ما يُفعَلُ بي وَلا بِكُمِ} الآية.
قال الثعلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: لما اشتد البلاء بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أنه يهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء فقصها على أصحابه فاستبشروا بذلك ورأوا فيها فرجاً مما هم فيه من أذى المشركين ثم إنهم مكثوا برهة لا يرون ذلك فقالوا: يا رسول الله متى نهاجر إلى الأرض التي رأيت فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى {وَما أَدري ما يُفعَلُ بي وَلا بِكُمِ} يعني لا أدري أخرج إلى الموضع الذي رأيته في منامي أولا ثم قال: إنما هو شيء رأيته في منامي ما أتبع إلا ما يوحى إلي.
قوله تعالى {حَتّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَربَعينَ سَنَةً} الآية.
قال ابن عباس في رواية عطاء: أنزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه وذلك أنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان عشرة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عشرين سنة وهم يريدون الشام في التجارة فنزلوا منزلاً فيه سدرة فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظلها ومضى أبو بكر إلى راهب هناك يسأله عن الدين فقال له: من الرجل الذي في ظل السدرة فقال: ذاك محمد بن عبد الله بن عبد المطلب فقال: هذا والله نبي وما استظل تحتها أحد بعد عيسى بن مريم إلا محمد نبي الله فوقع في قلب أبي بكر اليقين والتصديق وكان لا يفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسفاره وحضوره فلما نبئ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة وأبو بكر ابن ثمان وثلاثين سنة أسلم وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغ أربعين سنة قال {رَبِّ أَوزِعني أَن أَشكُرَ نِعمَتَكَ الَّتي أَنعَمتَ عَلَيَّ}.
سورة الفتح
أخبرنا محمد بن إبراهيم الداركي قال: أخبرنا والدي قال: أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي قال: أخبرنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني قال: أخبرنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قال: نزلت سورة الفتح قوله تعالى {إِنّا فَتَحنا لَكَ فَتحاً مُّبيناً} أخبرنا منصور بن أبي منصور الساماني قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الفامي قال: أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي قال: أخبرنا أبو الأشعث قال: أخبرنا المعتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يحدث عن قتادة عن أنس قال: لما رجعنا من غزوة الحديبية وقد حيل بيننا وبين نسكنا فنحن بين الحزن والكآبة أنزل الله عز وجل {إِنّا فَتَحنا لَكَ فَتحاً مُّبيناً} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أنزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا وما فيها كلها.
وقال عطاء عن ابن عباس: إن اليهود شمتوا بالنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين لما نزل قوله {وَما أَدري ما يُفعَلُ بي وَلا بِكُمِ} وقالوا: كيف نتبع رجلاً لا يدري ما يفعل به فاشتد ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى {إِنّا فَتَحنا لَكَ فَتحاً مُّبيناً لِّيَغفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَما تَأَخَّرَ}.
قوله عز وجل {لِّيُدخِلَ المُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ جَنّاتٍ} الآية.
أخبرنا سعيد بن محمد المقري قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد المديني قال: أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن السقطي قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا همام عن قتادة عن أنس قال: لما نزلت {إِنّا فَتَحنا لَكَ فَتحاً مُّبيناً لِّيَغفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَما تَأَخَّرَ} قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: هنيئاً لك يا رسول الله ما أعطاك الله فما لنا فأنزل الله تعالى {لِّيُدخِلَ المُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ جَنّاتٍ تَجري مِن تَحتِها الأَنهارُ} الآية.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الفقيه قال: أخبرنا أبو عمر بن أبي حفص قال: أخبرنا أحمد بن علي الموصلي قال: أخبرنا عبد الله بن عمر قال: أخبرنا يزيد بن زريع قال: أخبرنا سعيد عن قتادة عن أنس قال: أنزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم {إِنّا فَتَحنا لَكَ فَتحاً مُّبيناً} عند رجوعه من الحديبية نزلت وأصحابه مخالطون الحزن وقد حيل بينهم وبين نسكهم ونحروا الهدي بالحديبية فلما أنزلت هذه الآية قال لأصحابه: لقد أنزلت علي آية خير من الدنيا جميعها فلما تلاها النبي صلى الله عليه وسلم قال رجل من القوم: هنيئاً مريئاً يا رسول الله قد بين الله ما يفعل بك فماذا يفعل بنا فأنزل الله تعالى {لِّيُدخِلَ المُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ جَنّاتٍ} الآية.
قوله عز وجل {وَهُوَ الَّذي كَفَّ أَيدِيَهُم عَنكُم وَأَيدِيَكُم عَنهُم} الآية.
أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عيسى بن عمرويه قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: أخبرنا مسلم قال: حدثني عمرو الناقد قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا أحمد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن ثمانين رجلاً من أهل مكة هبطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من جبل التنعيم متسلحين يريدون غرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأخذهم أسراء فاستحياهم فأنزل الله {وَهُوَ الَّذي كَفَّ أَيدِيَهُم عَنكُم وَأَيدِيَكُم عَنهُم بِبَطنِ مَكَّةَ مِن بَعدِ أَن أَظفَرَكُم عَلَيهِم}.
وقال عبد الله بن مغفل الهوني: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية في أصل الشجرة التي قال الله في القرآن فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا ثلاثون شاباً عليهم السلاح فثاروا في وجوهنا فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ الله تعالى بأبصارهم وقمنا إليهم فأخذناهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل جئتم في عهد أحد وهل جعل لكم أحد أماناً قالوا: اللهم لا فخلى سبيلهم فأنزل الله تعالى {وَهُوَ الَّذي كَفَّ أَيدِيَهُم عَنكُم} الآية.
سورة الحجرات
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم.
قوله تعالى {يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تُقَدِّموا بَينَ يَدي اللهِ وَرَسولِهِ}.
أخبرنا أبو نصر محمد بن إبراهيم قال: أخبرنا عبيد الله بن محمد العكبري قال: أخبرنا عبيد الله بن محمد البغوي قال: أخبرنا الحسن بن محمد الصباح قال: أخبرنا حجاج بن محمد قال: أخبرنا ابن جريج قال: حدثني ابن أبي مليكة أن عبد الله بن الزبير أخبره أنه قدم ركب من بني تميم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: أمر القعقاع بن معبد وقال عمر: بل أمر الأقرع بن حابس فقال أبو بكر: ما أردت إلا خلافي وقال عمر: ما أردت خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فنزل في ذلك قوله تعالى {يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تُقَدِّموا بَينَ يَدي اللهِ وَرَسولِهِ} إلى قوله {وَلَو أََنَّهُم صَبَروا حَتّى تَخرُجَ إِلَيهِم} رواه البخاري عن الحسن بن محمد الصباح.
قوله عز وجل {يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَرفَعوا أَصواتَكُم فَوقَ صَوتِ النَبِيِّ} الآية.
نزلت في ثابت بن قيس بن شماس كان في أذنه وقر وكان جهوري الصوت وكان إذا كلم إنساناً جهر بصوته فربما كان يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتأذى بصوته فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أحمد بن إبراهيم المزكي قال: أخبرنا عبيد الله بن محمد الزاهد قال: أخبرنا أبو القاسم البغوي قال: أخبرنا قطر بن نسير قال: أخبرنا جعفر بن سليمان الضبعي قال: أخبرنا ثابت عن أنس: لما نزلت هذه الآية {لا تَرفَعوا أَصواتَكُم فَوقَ صَوتِ النَبِيِّ} قال ثابت بن قيس: أنا الذي كنت أرفع صوتي فوق صوت النبي وأنا من أهل النار فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هو من أهل الجنة.
رواه مسلم عن قطر بن نسير وقال ابن أبي مليكة: كاد الخيران أن يهلكا: أبو بكر وعمر رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه ركب بني تميم فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس وأشار الآخر برجل آخر فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي وقال عمر: ما أردت خلافك وارتفعت أصواتهما في ذلك فأنزل الله تعالى {لا تَرفَعوا أَصواتَكُم} الآية.
وقال ابن الزبير: فما كان عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه.
قوله تعالى {إِنَّ الَّذينَ يَغُضّونَ أَصواتَهُم عِندَ رَسولِ اللهِ} الآية.
قال عطاء عن ابن عباس: لما نزل قوله تعالى {لا تَرفَعوا أَصواتَكُم} تألى أبو بكر أن لا يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كأخي السرار فأنزل الله تعالى في أبي بكر {إِنَّ الَّذينَ يَغُضّونَ أَصواتَهُم عِندَ رَسولِ اللهِ}.
أخبرنا أبو بكر القاضي قال: حدثنا محمد بن يعقوب قال: حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد قال: حدثنا حسن بن عمر الأحمسي قال: حدثنا مخارق عن طارق عن أبي بكر قال: لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم {إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى} قال أبو بكر: فآليت على نفسي أن لا أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كأخي السرار.
قوله تعالى {إِنَّ الَّذينَ يُنادونَكَ مِن وَراءِ الحُجُراتِ أَكثَرُهُم لا يَعقِلونَ}.
أخبرنا أحمد بن عبيد الله المخلدي قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن زياد الدقاق قال: حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: حدثنا محمد بن يحيى العتكي قال: حدثنا المعتمر بن سليمان قال: حدثنا داود الطفواي قال: حدثنا أبو مسلم البجلي قال: سمعت زيد بن أرقم يقول: أتى ناس النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا ينادونه وهو في الحجرة يا محمد يا محمد فأنزل الله تعالى {إِنَّ الَّذينَ يُنادونَكَ مِن وَراءِ الحُجُراتِ أَكثَرُهُم لا يَعقِلونَ}.
وقال محمد بن إسحاق وغيره: نزلت في جفاة بني تميم قدم وفد منهم على النبي صلى الله عليه وسلم فدخلوا المسجد فنادوا النبي صلى الله عليه وسلم من وراء حجرته أن أخرج إلينا يا محمد فإن مدحنا زين وإن ذمنا شين فآذى ذلك من صياحهم النبي صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فقالوا: إنا جئناك يا محمد نفاخرك ونزل فيهم {إِنَّ الَّذينَ يُنادونَكَ مِن وَراءِ الحُجُراتِ أَكثَرُهُم لا يَعقِلونَ} وكان فيهم الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن والزبرقان بن بدر وقيس بن عاصم.
وكانت قصة هذه المفاخرة على ما أخبرناه أبو إسحاق أحمد بن محمد المقريء قال: أخبرنا الحسن بن محمد بن الحسن السدوسي قال: حدثني محمد بن صالح بن هانئ قال: حدثنا الفضل بن محمد بن المسيب قال: حدثنا قاسم بن أبي شيبة قال: حدثنا معلى بن عبد الرحمن قال: حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن عمرو بن الحكم عن جابر بن عبد الله قال: جاء بنو تميم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنادوا على الباب يا محمد اخرج إلينا فإن مدحنا زين وإن ذمنا شين فسمعهم النبي صلى الله عليه وسلم فخرج عليهم وهو يقول: إنما ذلكم الله الذي مدحه زين وذمه شين فقالوا: نحن ناس من بني تميم جئنا بشاعرنا وخطيبنا نشاعرك ونفاخرك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بالشعر بعثت ولا بالفخار أمرت ولكن هاتوا فقال الزبرقان بن بدر لشاب من شبانهم قم فاذكر فضلك وفضل قومك فقام فقال: الحمد لله الذي جعلنا خير خلقه وآتانا أموالاً نفعل فيها ما نشاء فنحن من خير أهل الأرض ومن أكثرهم عدة ومالاً وسلاحاً فمن أنكر علينا قولنا فليأت بقول هو أحسن من قولنا وفعال هي خير من فعالنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس قم فأجب فقام فقال: الحمد لله أحمده وأستعينه وأومن به وأتوكل عليه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله دعا المهاجرين والأنصار من بني عمه أحسن الناس وجوهاً وأعظمهم أحلاماً فأجابوا فالحمد لله الذي جعلنا أنصاره ووزراء رسوله وعزا لدينه فنحن نقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله فمن قالها منع منا نفسه وماله ومن أباها قتلناه وكان رغمه من الله تعالى علينا هيناً أقول قولي هذا وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات فقال الزبرقان بن بدر لشاب من شبانهم قم يا فلان فقل أبياتاً تذكر فيها فضلك وفضل قومك فقام الشاب فقال:
نَحنُ الكِرامُ فَلا حَيٌّ يُفاخِرُنا ** فينا الرُؤوسُ وَفينا يُقسِمُ الرَبعُ
إِذا أَبَينا فَلا يَأبى لَنا أَحَدٌ ** إِنّا كَذَلِكَ عِندَ الفَخرِ نَرتَفِعُ
قال: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حسان بن ثابت فانطلق إليه الرسول فقال: وما يريد مني وقد كنت عنده قال: جاءت بنو تميم بشاعرهم وخطيبهم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس فأجابهم وتكلم شاعرهم فأرسل إليك تجيبه فجاء حسان فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيبه فقال حسان:
نَصَرنا رَسولَ اللَهِ وَالدينُ عَفوَةٌ ** عَلى الرَغمِ سارَ مِن مَعدٍ وَحاضِرِ
أَلَسنا نَخوضُ المَوتَ في حَومَةِ الوَغى ** إِذا طابَ وِردُ المَوتِ بَينَ العَساكِرِ
وَنَضرِبُ هامَ الدارِعينَ وَنَنتَمي ** إِلى حَسَبٍ مِن جُرمِ غَسّانَ قاهِرِ
فَلَولا حَياءُ اللَهِ قُلنا تَكَرُّماً ** عَلى الناسِ بِالحَقَّينِ هَل مِن مُنافِرِ
فَأَحياؤُنا مِن خَيرِ مَن وَطِئَ الحَصى ** وَأَمواتُنا مِن خَيرِ أَهلِ المَقابِرِ
قال: فقام الأقرع بن حابس فقال: إني والله لقد جئت لأمر ما جاء له هؤلاء وقد قلت شعراً فاسمعه فقال: هات فقال:
أَتَيناكَ كَيما يَعرِفُ الناسُ فَضلَنا ** إِذا فاخَرونا عِندَ ذِكرِ المَكارِمِ
وَإِنّا رُؤوسُ الناسِ مِن كُلِّ مَعشَرٍ ** وَأَن لَيسَ في أَرضِ الحِجازِ كَوارِمِ
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم يا حسان فأجب فقال:
بَني دارِمٍ لا تَفخَروا إِنَّ فَخرَكُم ** يَعودُ وَبالاً عِندَ ذِكرِ المَكارِمِ
هَبَلتُم عَلَينا تَفخَرونَ وَأنتُمُ ** لَنا خَولٌ مِن بَينِ ظِئرٍ وَخادِمِ
وَأَفضَلُ ما نِلتُم مِن المَجدِ وَالعُلى ** رَدافَتَنا مِن بَعدِ ذِكرِ الأَكارِمِ
فَإِن كُنتُم جِئتُم لِحَقنِ دِمائِكُم ** وَأَموالِكُم أَن تُقَسَموا في المَقاسِمِ
فَلا تَجعَلوا للَهِ نَداً وَأَسلِموا ** وَلا تَفخَروا عِندَ النَبِيِّ بِدارِمِ
وَإِلا وَرَبُ البَيتِ مَالَت أَكُفَنا ** عَلى هامِكُم بِالمُرهَفاتِ الصَوارِمِ
قال: فقام الأقرع بن حابس فقال: إن محمداً المولى إنه والله ما أدري ما هذا الأمر تكلم خطيبنا فكان خطيبهم أحسن قولاً وتكلم شاعرنا فكان شاعرهم أشعر ثم دنا من النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما نصرك ما كان قبل هذا ثم أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكساهم وارتفعت الأصوات وكثر اللغط عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية {لا تَرفَعوا أَصواتَكُم فَوقَ صَوتِ النَبِيِّ} إلى قوله {وَأَجرٌ عَظيمٌ}.
قوله عز وجل {يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا إِن جاءَكُم فاسِقٌ بِنَبأ فَتَبَيَنوا} الآية.
نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق مصدقاً وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية فلما سمع القوم تلقوه تعظيماً لله تعالى ولرسوله فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله فهابهم فرجع من الطريق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن بني المصطلق قد منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلي فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أن يغزوهم فبلغ القوم رجوعه فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: سمعنا برسولك فخرجنا نتلقاه ونكرمه ونؤدي إليه ما قبلنا من حق الله تعالى فبدا له في الرجوع فخشينا أن يكون إنما رده من الطريق كتاب جاءه منك بغضب غضبته علينا وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله فأنزل الله تعالى {يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا إِن جاءَكُم فاسِقٌ بِنَبأ فَتَبَيَنوا} يعني الوليد بن عقبة.
أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الشاذياخي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن زكريا الشيباني قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولي قال: أخبرنا سعيد بن مسعود قال: أخبرنا محمد بن سابق قال: أخبرنا عيسى بن دينار قال: أخبرنا أبي أنه سمع الحارث بن ضرار يقول: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني إلى الإسلام فدخلت في الإسلام وأقررت ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها فقلت: يا رسول الله أرجع إلى قومي فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة فمن استجابني جمعت زكاته فترسل لأبان كذا وكذا لآتيك بما جمعت من الزكاة فلما جمع الحرث بن ضرار وبلغ الأبان الذي أراد أن يبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم احتبس عليه الرسول فلم يأته فظن الحرث أن قد حدث فيه سخطة من الله ورسوله فدعا سروات قومه فقال لهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان وقت لي وقتاً ليرسل إلي ليقبض ما كان عندي من الزكاة وليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطه فانطلقوا فنأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فرق فرجع فقال: يا رسول الله إن الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم البعث إلى الحارث وأقبل الحارث بأصحابه فاستقبل البعث وقد فصل من المدينة فلقيهم الحارث فقالوا: هذا الحارث فلما غشيهم قال لهم إلى من بعثتم قالوا: إليك قال: ولم قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كنا بعث إليك الوليد بن عقبة فرجع إليه فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله قال: والذي بعث محمداً بالحق ما رأيته ولا أتاني فلما أن دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منعت الزكاة وأردت قتل رسولي قال: لا والذي بعثك ما رأيت رسولك.
ولا أتاني ولا أقبلت إلا حين احتبس علي رسولك خشية أن يكون سخط من الله ورسوله قال: فنزلت في الحجرات {يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا إِن جاءَكُم فاسِقٌ بِنَبأ فَتَبَيَّنوا أَن تُصيبوا قَوماً بِجَهالَةٍ فَتُصبِحوا عَلى ما فَعَلتُم نادِمينَ} إلى قوله تعالى {فَضلاً مِّنَ اللهِ وَنِعمَةً واللهُ عَليمٌ حَكيمٌ}.
قوله تعالى {وَإِن طائِفَتانِ مِنَ المُؤمِنينَ اِقتَتَلوا} الآية.
أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر النحوي قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن سنان المقري قال: أخبرنا أحمد بن علي الموصلي قال: أخبرنا إسحاق بن إسرائيل قال: أخبرنا معتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يحدث عن أنس قال: قلت يا نبي الله لو أتيت عبد الله بن أبي فانطلق إليه النبي صلى الله عليه وسلم فركب حماراً وانطلق المسلمون يمشون وهي أرض سبخة فلما أتاه النبي صلى الله عليه وسلم قال: إليك عني فوالله لقد آذاني نتن حمارك فقال رجل من الأنصار - لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحاً منك فغضب لعبد الله رجل من قومه وغضب لكل واحد منهما أصحابه وكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال فبلغنا أنه أنزلت فيهم {وَإِن طائِفَتانِ مِنَ المُؤمِنينَ اِقتَتَلوا فَأَصلِحوا بَينَهُما} رواه البخاري عن مسدد ورواه مسلم عن محمد بن عبد الأعلى كلاهما عن المعتمر.
قوله عز وجل {يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا يَسخَر قَومٌ مِّن قَومٍ} الآية.
نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وذلك أنه كان في أذنه وقر فكان إذا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أوسعوا له حتى يجلس إلى جنبه فيسمع ما يقول فجاء يوماً وقد أخذ الناس مجالسهم فجعل يتخطى رقاب الناس ويقول: تفسحوا تفسحوا فقال له رجل: قد أصبت مجلساً فاجلس فجلس ثابت مغضباً فغمز الرجل فقال: من هذا فقال: أنا فلان فقال ثابت ابن فلانة وذكر أماً كانت له يعير بها في الجاهلية فنكس الرجل رأسه استحياء فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى {وَلا نِساءٌ مِّن نِّساءٍ عَسى أَن يَكُنَّ خَيراً مِّنهُنَّ} نزلت في امرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم سخرتا من أم سلمة وذلك أنها ربطت حقويها بسبنية وهي ثوب أبيض وسدلت طرفها خلفها فكانت تجره فقالت عائشة لحفصة انظري ما تجر خلفها كأنه لسان كلب فهذا كان سخريتها.
وقال أنس: نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم عيرن أم سلمة بالقصر.
وقال عكرمة عن ابن عباس: إن صفية بنت حيي بن أخطب أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن النساء يعيرنني ويقلن يا يهودية بنت يهوديين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلا قلت: إن أبي هارون وإن عمي موسى وإن زوجي محمد فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى {وَلا تَنابَزوا بِالأَلقابِ} قال: أخبرنا أبو عبد الله بن عطية قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم المروزي قال: أخبرنا حفص بن غياث عن داود بن هند عن الشعبي عن أبي جبيرة بن الضحاك عن أبيه وعمومته قالوا: قدم علينا النبي عليه الصلاة والسلام فجعل الرجل يدعو للرجل ينبزه فيقال يا رسول الله إنه يكرهه فنزلت {وَلا تَنابَزوا بِالأَلقابِ}.
قوله تعالى {يا أَيُّها الناسُ إِنّا خَلَقناكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثى} الآية.
قال ابن عباس: نزلت في ثابت بن قيس وقوله في الرجل الذي لم يفسح له ابن فلانة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من الذاكر فلانة فقام ثابت فقال: أنا يا رسول الله فقال: انظر في وجوه القوم فنظر فقال: ما رأيت يا ثابت فقال: رأيت أبيض وأحمر وأسود قال: فإنك لا تفضلهم إلا في الدين والتقوى فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال مقاتل: لما كان يوم فتح مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً حتى أذن على ظهر الكعبة فقال عتاب بن أسيد بن أبي العيص: الحمد لله الذي قبض أبي حتى لا ير هذا اليوم.
وقال الحارث بن هشام: أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذناً وقال سهيل بن عمرو: إن يرد الله شيئاً يغيره وقال أبو سفيان: إني لا أقول شيئاً أخاف أن يخبر به رب السماء فأتى جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما قالوا فدعاهم وسألهم عما قالوا فأقروا فأنزل الله تعالى هذه الآية وزجرهم عن التفاخر بالأنساب والتكاثر بالأموال أخبرنا أبو حسان المزكي قال: أخبرنا هارون بن محمد الاستراباذي قال: أخبرنا أبو محمد إسحاق بن محمد الخزاعي قال: أخبرنا أبو الوليد الأزرقي قال: حدثني جدي قال: أخبرنا عبد الجبار بن الورد المكي قال: أخبرنا ابن أبي مليكة قال: لما كان يوم الفتح رقي بلال ظهر الكعبة فقال بعض الناس: يا عباد الله أهذا العبد الأسود يؤذن على ظهر الكعبة فقال بعضهم: إن يسخط الله هذا يغيره فأنزل الله تعالى {يا أَيُّها الناسُ إِنّا خَلَقناكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثى} وقال يزيد بن الشخير: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ببعض الأسواق بالمدينة وإذا غلام أسود قائم ينادى عليه بياع فمن يزيد وكان الغلام يقول: من اشتراني فعلى شرط قيل: ما هو قال: لا يمنعني من الصلوات الخمس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتراه رجل على هذا الشرط وكان يراه رسول الله صلى الله عليه وسلم عند كل صلاة مكتوبة ففقده ذات يوم فقال لصاحبه أين الغلام فقال: محموم يا رسول الله فقال لأصحابه: قوموا بنا نعوده فقاموا معه فعادوه فلما كان بعد أيام قال لصاحبه: ما حال الغلام فقال: يا رسول الله الغلام قورب به فقام ودخل عليه وهو في نزعاته فقبض على تلك الحال فتولى رسول الله صلى الله عليه وسلم غسله وتكفينه ودفنه فدخل على أصحابه من ذلك أمر عظيم فقال المهاجرون: هاجرنا ديارنا وأموالنا وأهلينا فلم ير أحد منا في حياته ومرضه وموته ما لقي هذا الغلام.
وقالت الأنصار: آويناه ونصرناه وواسيناه بأموالنا فآثر علينا عبداً حبشياً فأنزل الله تبارك وتعالى {يا أَيُّها الناسُ إِنّا خَلَقناكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثى} يعني أن كلكم بنو أب واحد وامرأة واحدة وأراهم فضل التقوى بقوله تعالى {إِنَّ أَكرَمُكُم عِندَ اللهِ أَتقاكُم}.
قوله تعالى {قالَتِ الأَعرابُ آَمَنّا} الآية.
نزلت في أعراب من بني أسد بن خزيمة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في سنة جدبة وأظهروا الشهادتين ولم يكونوا مؤمنين في السر وأفسدوا طرق المدينة بالعذرات وأغلوا أسعارها وكانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتيناك بالأثقال والعيال ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان فأعطنا من الصدقة وجعلوا يمنون عليه فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.