mozilla/4.5 (compatible; httrack 3.0x; windows 98) المكتبة الإسلامية - الإتقان في علوم القرآن - الإتقان في علوم القرآن
 
  الإتقان في علوم القرآن  
   الإتقان في علوم القرآن   
   ( 23 من 30 )  
  السابق   الآيات القرآنية   الفهرس   التالي  
  
 

 النوع التاسع والخمسون في فواصل الآي

الفاصلة كلمة آخر الآية كقافية الشعر وقرينة السجع‏.‏

وقال الداني‏:‏ كلمة آخر الجملة‏.‏

قال الجعبري وهوخلاف المصطلح ولا دليل له في تمثيل سيبويه بيوم يأتي وما كنا نبغي وليسا رأس الآية لأن مراده الفواصل اللغوية لا الصناعية‏.‏

وقال القاضي أبو بكر‏:‏ الفواصل حروف متشاكلة في المقاطع يقع بها إفهام المعاني‏.‏

وفرق الداني بين الفواصل ورؤوس الآي فقال‏:‏ الفاصلة هي الكلام المنفصل عما بعده والكلام المنفصل قد يكون رأس آية وغير رأس وكذلك الفواصل يكن رؤوس آية وغيرها وكل رأس آية فاصلة وليس كل فاصلة رأس آية‏.‏

قال‏:‏ ولأجل كون معنى الفاصلة هذا ذكر سيبويه في تمثيل القوافي‏:‏ يوم يأت وما كنا نبغي وليسا رأس آية بإجماع مع‏:‏ إذ يسر وهورأس آية باتفاق‏.‏

وقال الجعبري‏:‏ لمعرفة الفواصل طريقان‏:‏ توقيفي وقياسي‏.‏

أما التوقيفي فما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم وقف عليه دائمًا تحققن أنه فاصلة وما وصله دائمًا تحققن أنه ليس بفاصلة وما وقف عليه مرة ووصله مرة أخرى احتمل الوقف أن يكون لتعريف الفاصلة أولتعريف الوقف التام أوللاستراحة والوصل أن يكون غير فاصلة أوفاصلة وصلها لتقدم تعريفها‏.‏

وأما القياسي ما ألحق من المحتمل غير المنصوص بالمنصوص لمناسب ولا محذور في ذلك لأنه لا زيادة فيه ولا نقصان وإنما غايته أنه محل فصل أووصل والوقف على كل كلمة كلمة جائز ووصل القرآن كله جائز فاحتاج القياس إلى طريق تعرفه فنقول‏:‏ فاصلة الآية كقرينة السجعة في النثر وقافية البيت في الشعر وما يذكر من عيوب القافية من اختلاف الحركة والإشباع والتوجيه فليس بعيب في الفاصلة وجاز الانتقال في الفاصلة والقرينة قافية الأرجوزة من نوع إلى آخر بخلاف قافية القصيدة‏.‏

ومن ثم ترى ترجعون مع علي والميعاد مع الثواب والطارق مع الثاقب والأصل في الفاصلة والقرينة المتجردة في الآية والسجعة المساواة ومن ثم أجمع العادون على ترك عد آيات بآخرين ولا الملائكة المقربون في النساء وكذب بها الأولون بسبحان ولتبشر به المتقين بمريم ولعلهم يتقون بطه ومن الظلمات إلى النور وإن الله على كل شيء قدير بالطلاق حيث لم يشاكل طرفيه وعلى ترك عد أفغير دين الله يبغون ‏{‏أفحكم الجاهلية يبغون‏}‏ وعدوا نظائرها للمناسبة نحو‏:‏ يا أولي الألباب بآل عمران وعلى الله كذبا بالكهف والسلوى بطه‏.‏

وقال غيره‏:‏ تقع الفاصلة عند الاستراحة بالخطاب لتحسين الكلام بها وهي الطريقة التي يباين القرآن بها سائر الكلام وتسمى فواصل لأنه ينفصل عنده الكلامان وذلك أن آخر الآية فصل بينها وبين ما بعدها واخذ من قوله تعالى كتاب فصلت آياته ولا يجوز تسميتها قوافي إجماعًا لأن الله تعالى لما سلب عنه اسم الشعر وجب سلب القافية عنه أيضًا لأنها منه وخاصة به في الاصطلاح وكما بمنع استعمال القافية فيه يمتنع استعمال الفاصلة في الشعر لأنها صفة لكتاب الله تعالى فلا تتعداه‏.‏

وهل يجوز استعمال السجع في القرآن خلاف الجمهور على المنع لأن أصله من السجع الطير فشرف القرآن أن يستعار لشيء منه لفظ أصله مهمل ولأجل تشريفه عن مشاركة غيره من الكلام الحادث في وصفه بذلك ولأن القرآن من صفاته تعالى فلا يجوز وصفه بصفة لم يرد الإذن بها‏.‏

قال الرماني في إعجاز القرآن‏:‏ ذهب الأشعرية إلى امتناع أن يقال في القرآن سجع وفرقوا بأن السجع هو الذي في نفسه ثم يحال المعنى عليه والفواصل التي تتبع المعاني ولا تكون مقصودة في نفسها‏.‏

قال‏:‏ ولذلك كانت الفواصل بلاغة واسجع عيبًا‏.‏

وتبعه على ذلك القاضي أبو بكر الباقلاني ونقله عن نص أبي الحسن الأشعري وأصحابنا كلهم قال‏:‏ وذهب كثير من غير الأشاعرة إلى إثبات السجع في القرآن وزعموا أن ذلك مما يبين به فصل الكلام وأنه من الأجناس التي يقع بها التفاضل في البيان والفصاحة كالجناس والالتفات ونحوهما‏.‏

قال‏:‏ وأقوى ما استدلوا به الاتفاق على أن موسى أفضل من هارون لمكان السجع قيل في موضع هارون وموسى ولما كانت الفواصل في موضع آخر بالواووالنون قيل موسى وهارون‏.‏

قالوا‏:‏ وهذا يفارق أمر الشعر لأنه لا يجوز أن يقع في الخطاب إلا مقصودًا إليه وإذا وقع غير مقصود إليه كان دون القدر الذي نسميه شعرًا وذلك القدر مما يتفق وجوده من المفحم كما يتفق وجوده من الشاعر‏.‏وأما ما جاء في القرآن من السجع فهوكثير لا يصح أن يتفق غير مقصود إليه وبنوا الأمر في ذلك على تحديد معنى السجع فقال أهل اللغة‏:‏ هوموالاة الكلام على حد واحد‏.‏

وقال ابن دريد‏:‏ سجعت الحمامة معناه‏:‏ رددت صوتها‏.‏

قال الاضي‏:‏ وهاذا غير صحيح ولوكان القرآن سجعًا لكان غير خارج عن أساليب كلامهم ولوكان داخلًا فيها لم يقع بذلك إعجاز‏.‏

ولوجاز ا يقال هوسجع معجز لجاز أن يقولوا شعر معجز وكيف والسجع مما كان تألفه الكهان من العرب‏.‏

ونفيه من القرآن أجدر بأن يكون حجة من نفي الشعر لأن الكهانة تنافي النبوات بخلاف الشعر‏.‏

وقد قال صلى الله عليه وسلم أسجع كسجع الكهان فجعله مذمومًا‏.‏

وقال‏:‏ وما توهموا أنه سجع باطل لأن مجيئه على صورته لا يقتضي كونه هو لأن السجع يتبع المعنى فيه اللفظ الذي يؤدي السجع وليس كذلك ما اتفق مما هوفي معنى السجع من القرآن لأن اللفظ وقع فيه تابعًا للمعنى‏.‏

وفرق بين أن ينتظم الكلام في نفسه بألفاظه التي تؤدي المعنى المقصود منه وبين أن يكون المعنى منتظمًا دون اللفظ ومتى ارتبط المعنى بالسجع كان إفادة السجع كإفادة غيره ومتى انتظم في المعنى بنفسه دون السجع كان مستجلبًا لتحسين الكلام دون تصحيح المعنى‏.‏

قال‏:‏ وللسجع منهج محفوظ وطريق مضبوط من أخلّ به وقع الخلل في كلامه ونسب إلى الخروج عن الفصاحة كما أن الشاعر إذا خرج عن الوزن المعهود كان مخطئًا وأنت ترى فواصل القرآن متفاوتة بعضها متداني المقاطع وبعضها يمتد حتى يتضاعف طوله عليه وترد الفاصلة في ذلك الوزن الأول بعد كلام كثير وهذا في السجع غير مرضي ولا محمود‏.‏

قال‏:‏ وأما ذكر من تقديم موسى على هارون في موضع وتأخيره عنه في موضع لمكان السجع وتساوي مقاطع الكلام فليس بصحيح بل القاعدة فيع إعادة القصة الواحدة بألفاظ مختلفة تؤدي معنى واحدًا وذلك الأمر الصعب تظهر فيه الفصاحة وتتبين فيه البلاغة ولهذا أعيدت كثير من القصص على ترتيبات متفاوتة تنبيهًا بذلك على عجزهم عن الإتيان بمثله مبتدأ به ومتكررًا ولوأمكنهم المعارضة لقصدوا تلك القصة وعبروا عنها بألفاظ لم تؤد إلى تلك المعاني ونحوها فعلى هذا القصد بتقديم بعض الكلمات على بعض وتأخيرها إظهار الإعجاز دون السجع إلى أن قال‏:‏ فبان بذلك أن الحروف الواقعة في الفواصل متناسبة مع النظائر التي تقع في الأسجاع لا تخرجها عن حدها ولا تدخلها في باب السجع وقد بينا انهم يذمون كل سجع خرج عن اعتدال الأجزاء فكان بعض مصاريعه كلمتين وبعضها أربع كلمات ولا يرون ذلك فصاحة بل يرونه عجزًا فلوفهموا اشتمال القرآن على السجع لقالوا نحن نعارضه بسجع معتدل يريد في الفصاحة على طريقة القرآن أه كلام القاضي في كتاب الإعجاز‏.‏

ونقل صاحب عروس الأفراح عنه أنه ذهب في الانتصار إلى جواز تسمية الفواص سجعًا‏.‏

وقال الخفاجي في سر الفصاحة‏:‏ قول الرماني إن السجع عيب والفواصل غلط فإنه إن أراد بالسجع ما يتبع المعنى وهوغير مقصود بتكلف فذلك بلاغة والفواصل مثله وإن أراد به ما تقع المعاني تابعة له وهومقصود بتكلف فذلك عيب والفواصل مثله وأظن الذي دعاهم إلى تسمية جل ما في القرآن فواص ولم يسموا ما تماثلت حروفه سجعًا رغبتهم في تنزيه القرآن عن الوصف اللاحق بغيره من الكلام الروى عن الكهنة غيرهم وهذا غرض في التسمية قريب والحقيقة ما قلناه‏.‏

قال‏:‏ والتحرير أن الأسجاع حروف متماثلة في مقاطع الفواصل‏.‏

قال‏:‏ فإن قيل‏:‏ إذا كان عندكم أن السجع محمود فهلا ورد القرآن كله مسجوعًا وما الوجه في ورود بعضه مسجوعًا وبعضه غير مسجوع قلنا‏:‏ إن القرآن نزل بلغة العرب وعلى عرفهم وعاداتهم وكان الفصيح منهم لا يكون كلامه كله مسجوعًا لما فيه من أمارات التكلف والاستكراه لاسيما مع طول الكلام فلم يرد كله مسجوعًا جريًا منه على عرقهم في اللطافة الغالبة أوالطبقة العالية من كلامهم ولم يخل من السجع لأنه يحسن في بعض الكلام على الصفة السابقة‏.‏

وقال ابن النفيس‏:‏ يكفي في حسن السجع ورود القرآن به‏.‏

قال‏:‏ ولا يقدح في ذلك خلوة في بعض الآيات لأن الحسن قد يقتضي المقام الانتقال إلى أحسن منه‏.‏

وقال حازم‏:‏ من الناس من يكره تقطيع الكلام إلى مقادير متناسبة الأطراف غير متقاربة في الطول والقصر لما فيه من التكلف إلا ما يقع إلمام به في النادر من الكلام ومنهم من يرى أن التناسب الواقع بإفراغ الكلام في قالب التفقيه وتحليتها بمناسبة المقاطع أكيد جدًا‏.‏

ومنهم وهوالوسط من يرى أن السجع وإن كان زينة للكلام فقد يدعوإلى التكلف فرأى أن لا يستعمل في جملة الكلام وأن لا يخلوالكلام منه جملة وأنه يقبل منه ما اجتلبه الخاطر عفوًا بلا تكلف‏.‏

قال‏:‏ وكيف يعاب السجع على الإطلاق وإنما نزل القرآن على أساليب الفصيح من كلام العرب فوردت الفواصل فيه بإزاء ورود الأسجاع في كلامهم وإنما لم يجئ على أسلوب واحد لأنه لا يحسن في الكلام جميعًا أن يكون مستمرًا على نمط واحد لما فيه من التكلف ولما فيه في الطبع من الملل ولأن الافتتان في ضروب الفصاحة أعلى من الاستمرار على ضرب واحد فلهذا وردت بعض آي القرآن متماثلة المقاطع وبعضها غير متماثلة‏.‏

فصل ألف الشيخ شمس الدين بن الصائغ الحنفي كتبًا سماه أحكام الرأي في أحكام الآي قال فيه اعلم أن المناسبة أمر مطلوب في اللغة العربية يرتكل لها أمور من مخالفة الأصول‏.‏

قال‏:‏ وقد تتبعت الأحكام التي وقعت في آخر الآي مراعاة للمناسبة فعثرت منها على نيف عن الأربعين حكمًا أحدها‏:‏ تقديم المعمول إما على العامل نحو أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قيل ومنه وإياك نستعين أوعلى معمول آخر أصله التقديم نحو ‏{‏لنريك من آياتنا الكبرى‏}‏ إذا أعربنا الكبرى مفعول نرى أوعلى الفاعل نحو لقد جاء آل فرعون النذر ومنه تقديم خبر كان على اسمها نحو ‏{‏ولم يكن له كفوًا أحد‏}‏‏.‏

الثاني‏:‏ تقديم ما هومتأخر في الزمان نحو ‏{‏فلله الآخرة والأولى‏}‏ ولولا مراعاة الفواصل لقدمت الأولى كقوله ‏{‏له الحمد في الأولى والآخرة‏}‏‏.‏

الثالث‏:‏ تقديم الفاضل على الأفضل نحو برب هارون وموسى وتقدم ما فيه‏.‏

الرابع‏:‏ تقديم الضمير على ما يفسره نحو فأوجس في نفسه خيفة موسى‏.‏

الخامس‏:‏ تقديم الصفة الجملة على الصفة المفردة نحو ونخرج له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا‏.‏

السادس‏:‏ حذف ياء المنقوص المعرف نحو ‏{‏الكبير المتعال‏}‏ يوم التناد‏.‏

السابع‏:‏ حذف ياء الفعل غير المجزوم نحو ‏{‏والليل إذا يسر‏}‏‏.‏

الثامن‏:‏ حذف ياء الإضافة نحو ‏{‏فكيف كان عذابي ونذر‏}‏ ‏{‏فكيف كان عقاب‏}‏‏.‏

التاسع‏:‏ زيادة حرف المد نحو‏:‏ الظنونا والرسولا والسبيلا‏.‏

ومنه إبقاؤه مع الجازم نحو ‏{‏لا تخاف دركًا ولا تخشى‏}‏ ‏{‏سنقرئك فلا تنسى‏}‏ على القول بأنه نهي‏.‏

العاشر‏:‏ صرف مال الينصرف نحو قوارير قوارير‏.‏

الحادي عشر‏:‏ إيثار تذكير اسم الجنس كقوله ‏{‏أعجاز نخل منقعر‏.‏

الثاني عشر‏:‏ إيثار تأنيثه نحو أعجاز نخل خاوية ونظير هذين قوله في القمر وكل صغير وكبير مستطر وفي الكهف ‏{‏لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها‏}‏‏.‏

الثالث عشر‏:‏ الاقتصار على أحد الوجهين الجائزين اللذين قرئ بهما في السبع في غير ذلك كقوله تعالى فأولئك تحروا رشدًا ولم يجئ رشدًا في السبع وكذا ‏{‏وهيئ لنا من أمرنا رشدًا‏}‏ لأن الفواصل في السورتين بحركة الوسط وقد جاء في وإن يروا سبيل الرشد وبهذا يبطل ترجيح الفارسي قراءة التحريك بالإجماع عليه فيما تقدم ونظير ذلك قراءة تبت يدا أبي لهب بفتح الهاء وسكونها ولم يقرأ سيصلى نارًا ذات لهب إلا بالفتح لمراعاة الفاصلة‏.‏

الرابع عشر‏:‏ إيراد الجملة التي رد بها ما قبلها على غير وجه المطابقة في الاسمية والفعلية كقوله تعالى ‏{‏ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين‏}‏ ولم يطابق بين قولهم آمنا وبين ما رد به فيقول ولم يؤمنوا أوما آمنوا لذلك‏.‏

الخامس عشر‏:‏ إيراد أحد القسمين غير مطابق للآخر كذلك نحو ‏{‏فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين‏}‏ ولم يقل كذبوا‏.‏

السادس عشر‏:‏ إيراد أحد جزأي الجملتين على غير الوجه الذي أورد نظيرها من الجملة أخرى نحو ‏{‏أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون‏}‏‏.‏

السابع عشر‏:‏ إيثار أغرب اللفظين نحو ‏{‏قسمة ضيزى‏}‏ ولم يقل جائزة ‏{‏لينبذن في الحطمة‏}‏ ولم يقل جهنم أوالنار‏.‏

وقال في المدثر ‏{‏سأصليه سقر‏}‏ وفي سأل ‏{‏إنها لظى‏}‏ وفي القارعة ‏{‏فأمه هاوية‏}‏ لمراعاة فواصل كل سورة‏.‏

الثامن عشر‏:‏ كل من المشركين بموضع نحو ‏{‏وليذكر أولوا الألباب‏}‏ وفي سورة طه ‏{‏إن في ذلك لآيات لأولي النهي‏}‏‏.‏

التاسع عشر‏:‏ حذف المفعول نحو ‏{‏فأما من أعطى واتقى‏}‏ ‏{‏ما ودعك ربك وما قلى‏}‏ ومنه حذف متعلق أفعل التفضيل نحو ‏{‏يعلم السر وأخفى‏}‏ ‏{‏خير وأبقى‏}‏‏.‏

العشرون‏:‏ الاستغناء بالإفراد عن التثنية نحو ‏{‏فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى‏}‏‏.‏

الحادي والعشرون‏:‏ الاستغناء به عن الجمع نحو ‏{‏واجعلنا للمتقين إمامًا‏}‏ ولم يقل أئمة كما قال ‏{‏وجعلناهم أئمة يهدون‏}‏ ‏{‏إن المتقين في جنات ونهر‏}‏ أي أنهار الثاني والعشرون‏:‏ الاستغناء بالتثنية عن الإفراد نحو ‏{‏ولمن خاف مقام ربه جنتان‏}‏ قال الفراء‏:‏ أراد جنًا كقوله ‏{‏فإن الجنة هي المأوى‏}‏ فثنى لأجل الفاصلة‏.‏

قال‏:‏ والقوافي تحتمل من الزيادة والنقصان ما لا يحتمل سائر الكلام ونظير ذلك قول الفراء أيضًا في قوله تعالى ‏{‏إذ انبعث أشقاها‏}‏ فإنها رجلان‏:‏ قدار وآخر معه ولم يقل أشقياها للفاصلة وقد أنكر ذلك ابن قتيبة وأغلظ فيه وقال‏:‏ إنما يجوز في رؤوس الآي زيادة ها السكت أوالألف أوحذف همز أوحرف فإما أن يكون الله وعد بجنتين فنجعلهما جنة واحد لأجل رؤوس الآي معاذ الله وكيف هذا وهويصفها بصفات الاثنين قال ‏{‏ذواتا أفنان‏}‏ ثم قال فيهما‏:‏ وأما ابن الصائغ فإن نقل عن الفراء أنه أراد جنات فأطلق الاثنين على الجمع لأجل الفاصلة ثم قال وهذا غير بعيد قال‏:‏ وإنما عاد الضمير بعد ذلك بصيغة التثنية مراعاة للفظ وهذا هو الثالث والعشرون‏.‏

الرابع والعشرون‏:‏ الاستغناء بالجمع عن الإفراد نحو لا بيع فيه ولا خلال أي ولا خلة كما ففي الآية الأخرى وجمع مراعاة للفاصلة‏.‏

الخامس والعشرون‏:‏ إجراء غير العاقل مجرى العاقل نحو ‏{‏رأيتهم لي ساجدين‏}‏ ‏{‏كل في فلك يسبحون‏}‏ السادس والعشرون‏:‏ إمالة مالا يمال كآي طه والنجم‏.‏

السابع العشرون‏:‏ الإتيان بصيغة المبالغة كقدير وعليم مع ترك ذلك في نحوهوالقادر وعالم الغيب ومنه ‏{‏وما كان ربك نسيًا‏}‏‏.‏

الثامن والعشرون‏:‏ إيثار بعض أوصاف المبالغة على بعض نحو ‏{‏إن هذا لشيء عجاب‏}‏ أوثر على عجيب لذلك‏.‏

التاسع والعشرون‏:‏ الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه نحو ‏{‏ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزمًا وأجل مسمى‏}‏‏.‏

الثلاثون‏:‏ إيقاع الظاهر موقع الضمير نحو ‏{‏والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين‏}‏ وكذا بآية الكهف‏.‏

الحادي والثلاثون‏:‏ وقوع مفعول موقع اعل كقوله ‏{‏حجابًا مستورًا‏}‏ ‏{‏كان وعده مأتيًا‏}‏ أي ساترًا وآنيًا‏.‏

الثاني والثلاثون‏:‏ وقوع فاعل موقع مفعول نحو ‏{‏عيشة راضية‏}‏ ‏{‏ماء دافق‏}‏‏.‏

الثالث والثلاثون الفصل بين الموصوف والصفة نحو ‏{‏أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى‏}‏ إن أعرب أحوى صفة المرعي أي حالًا‏.‏

الرابع والثلاثون‏:‏ إيقاع حرف مكان غيره نحو ‏{‏بأن ربك أوحى لها‏}‏ والأصل إليها

الخامس والثلاثون‏:‏ تأخير الوصف الأبلغ عن الأبلغ ومنه الرحمن الرحيم رءوف رحيم لأن الرأفة أبلغ من الرحمة‏.‏

السادس والثلاثون‏:‏ حذف الفاعل ونيابة المفعول نحو ‏{‏وما لأحد عنده من نعمة تجزى‏}‏‏.‏

السابع والثلاثون‏:‏ إثبات هاء السكت نحو‏:‏ ماليه سلطانيه ماهيه‏.‏

الثامن والثلاثون‏:‏ الجمع بين المجرورات نحو ‏{‏ثم لا تجد لك به علينا وكيلا‏}‏ فإن الأحسن الفصل بينها لا أن مراعاة الفاصلة اقتضت عدمه وتأخير تبيعًا التاسع والثلاثون‏:‏ العدول عن صيغة المضي إلى صيغة الاستقبال نحو ‏{‏ففريقًا كذبتم وفريقًا تقتلون‏}‏ والأصل قتلتم‏.‏

الأربعون‏:‏ تغيير بنية الكلمة نحو ‏{‏طور سينين‏}‏ والأصل سينًا‏.‏

تنبيه قال ابن الصائغ‏:‏ لا يمتنع في توجيه الخروج عن الأصل في الآيات المذكورة أمور أخرى مع وجه المناسبة فإن القرآن العظيم كما جاء في الأثر لا تنقضي عجائبه‏.‏

فصل قال ابن أبي الأصبع‏:‏ لا تخرج فواصل القرآن عن أحد أربعة أشياء‏:‏ التمكين والتصدير والتوشيح والإيغال‏.‏

فالتمكين ويسمى ائتلاف القافية‏:‏ أن يمهد الناثر للقرينة أوالشاعر للقافية تمهيدًا تأتي به القافية أوالقرينة متمكنة في مكانها مستقرة في قرارها مطمئنة في مراضعها غير نافرة ولا قلقة متعلقًا معناها بمعنى الكلام كله تعلقًا تامًا بحيث لوطرحت لاختل المعنى واضطرب الفهم وبحيث لوسكت عنها كمله السامع بطبعه‏.‏

ومن أمثلة ذلك ‏{‏يا شعيب أصلواتك تأمرك أن نترك‏}‏ الآية فإنه لما تقدم في الآية ذكر العبادة وتلاه ذكر التصرف في الأموال اقتضى ذلك ذكر الحلم والرشد على الترتيب لأن الحلم يناسب العبادات والرشد يناسب الأموال‏.‏

وقوله ‏{‏أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون أولم يروا أنا نسوق الماء إلى قوله ‏{‏أفلا تبصرون فأتى في الآية الأولى بيهد لهم وختمها بيسمعون لأن الموعظة فيها مسموعة وهي أخبار القرون‏.‏

وفي الثانية بيروا وختمها بيبصرون لأنها مرئية‏.‏

وقوله ‏{‏لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير‏}‏ فإن الطيف يناسب مالًا يدرك بالبصر والخبير يناسب ما يدركه‏.‏

وقوله ‏{‏ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين‏}‏ إلى قوله ‏{‏فتبارك الله أحسن الخالقين‏}‏ فإن في هذه الفاصلة التمكين التام المناسب لما قبلها وقد بادر بعض الصحابة حين نزل أول الآية إلى ختمها بها قبل أن يسمع آخرها فأخرج ابن أبي حاتم من طريق الشعبي عن زيد بن ثابت قال أملى عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ‏{‏ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين‏}‏ إلى قوله ‏{‏خلقًا آخر‏}‏ قال معاذ بن جبل ‏{‏فتبارك الله أحسن الخالقين‏}‏ فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له معاذ‏:‏ مما ضحكت با رسول الله قال‏:‏ بها ختمت‏.‏

وحكى أن أعرابيًا سمع قارئًا يقرأ‏:‏ ‏{‏فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله غفور رحيم‏}‏ ولم يكن يقرأ القرآن فقال‏:‏ إن كان هذا كلام الله فلا يقول كذا الحكيم لا يذكر الغفران عند الزلل لأنه إغراء عليه‏.‏

تنبيهات‏.‏

الأول قد تجتمع فواصل في موضع واحد ويخالف بينها كأوائل النحل فإنه تعالى بدأ بذكر الأفلاك فقال ‏{‏خلق السموات والأرض بالحق‏}‏ ثم ذكر خلق الإنسان من نطفة ثم خلق الأنعام ثم عجائب النبات فقال ‏{‏هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون‏}‏ فجعل مقطع هذه الآية التفكر فإنه استدلال بحدث الأنواع المختلفة من النبات على وجود الإله القادر المختار ولما كان هنا مظنة سؤال وهوأنه لا يجوز أن يكون المؤثر فيه طبائع الفصول وحركات الشمس والقمر وكان الدليل لا يتم إلا بالجواب عن هذا السؤال كان مجال التفكر والنظر والتأمل باقيًا فأجاب تعالى عنه من وجهين‏.‏

أحدهما‏:‏ أن تغيرات العالم السفلي مربوطة بأحوال الأفلاك فتلك الحركات كيف حصلت فإن كان حصولها بسبب أفلاك أخرى لزم التسلسل وإن كان من الخالق الحكيم فذاك إقرار بوجود الله تعالى وهذا هو المراد بقوله ‏{‏وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون‏}‏ فجعل مقطع هذه الآية العقل وكأنه قيل إن كنت عاقلًا فاعلم أن التسلسل باطل فوجب انتهاء الحركات إلى حركة يكون موجدها غير متحرك وهوالإله القادر المختار‏.‏

والثاني‏:‏ أن نسبة الكواكب والطبائع إلى جميع أجزاء الورقة الواحدة والحبة الواحدة واحدة ثم إنا نرى الورقة الواحدة من الورد أحد وجهيها في غاية الحمرة والآخر في غاية السواد فلوكان المؤثر موجبًا بالذات لامتنع حصول هذا التفاوت في الآثار فعلمنا أن المؤثر قادر مختار وهذا هو المراد من قوله ‏{‏وما ذرأ لكم في الأرض مختلفًا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون‏}‏ كأنه قيل اذكر ما ترسخ في عقلك أن الواجب بالذات والطبع لا يختلف تأثيره فإذا نظرت حصول هذا الاختلاف علمت أ المؤثر ليس هو الطبائع بل الفاعل المختار فلهذا جعل مقطع الآية التذكر ومن ذلك قوله تعالى ‏{‏قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم‏}‏ الآيات فإن الأولى ختمت بقوله ‏{‏لعلكم تعقلون‏}‏ والثانية بقوله ‏{‏لعلكم تذكرون‏}‏ والثالثة بقوله ‏{‏لعلكم تتقون‏}‏ لأن الوصايا التي في الآية الأولى إنما يحمل على تركها عدم العقل الغالب على الهوى لأن الإشراك بالله لعدم استكمال العقل الدال على توحيده وعظمته وكذلك عقوق الوالدين لا يقتضيه العقل لسبق إحسانهما إلى الولد بكل طريق وكذلك قتل الأولاد بالوأد من الإملاق مع وجود الرازق الحي الكريم وكذلك إتيان الفواحش لا يقتضيه عقل وكذا قتل النفس لغيظ أوغضب في القاتل فحسن بعد ذلك يعقلون‏.‏

وأما الثانية فتعلقها بالحقوق المالية والقولية فإن من علم أن له أيتامًا يخلفهم من بعده لا يليق به أن يعامل أيتام غيره إلا بما يجب أن يعامل به أيتامه ومن يكيل أويزن أويشهد لغيره لوكان ذلك الأمر له لم يجب أن يكون فيه خيانة ولا يحسن وكذا من وعد لووعد لم يحب أن يخلف ومن أحب ذلك عامل الناس ليعاملوه بمثله فترك ذلك إنما يكون لغفلة عن تدبر ذلك وتأمله فذلك ناسب الختم بقوله ‏‏لعلكم تذكرون ‏.‏

وأما الثالثة لأن ترك أتباع شرائع الله الدينية مؤد إلى غضبه وإلى عقابه فحسن لعلكم تتقون أي عقاب الله بسببه ومن ذلك قوله في أنعام أيضًا ‏{‏وهو الذي جعل لكم النجوم‏}‏ الآيات فإنه ختم الأولى بقوله ‏{‏لقوم يعلمون‏}‏ والثانية بقوله ‏{‏لقوم يفقهون‏}‏ والثالثة بقوله ‏{‏لقوم يؤمنون‏}‏ وذلك لأن حساب النجوم والاهتداء بها يختص بالعلماء بذلك فناسب ختمه بيعلمون وإنشاء الخالق من نفس واحدة ونقلهم من صلب إلى رحم ثم إلى الدنيا ثم إلى حياة وموت والنظر في ذلك والفكر فيه أدق فناسب ختمه بيفقهون لأن الفقه فهم الأشياء الدقيقة‏.‏

ولما ذكره ما أنعم به على عباده من سعة الأرزاق والأقوات والثمار وأنواع ذلك ناسب ختمه بالإيمان الداعي إلى شكره تعالى على نعمه ومن ذلك قوله تعالى ‏{‏وما هو بقول شاعر قليلًا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلًا ما تذكرون‏}‏ حيث ختم الأولى بتؤمنون والثانية بتذكرون‏.‏

ووجهه أن مخالفة القرآن لنظم الشعر ظاهرة واضحة لا تخفى على أحد فقول من قال شعر كفر وعناد محض فناسب ختمه بقوله ‏{‏قليلًا ما تؤمنون وأما مخالفته لنظم الكهان وألفاظ السجع فيحتاج إلى تذكر وتدبر لأن كلًا منهما نثر فليست مخالفته له في وضوحها لكل أحد كمخالفته الشعر وإنما تظهر بتدبر ما في القرآن من الفصاحة والبلاغة والبدائع والمعاني الأنيقة فحسن ختمه بقوله ‏{‏قليلًا ما تذكرون‏.‏

ومن بديع هذا النوع اختلاف الفاصلتين في موضعين والمحدث عنه واحد لنكتة لطيفة كقوله تعالى في سورة إبراهيم ‏{‏وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار‏}‏ ثم قال في سورة النحل ‏{‏وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم‏}‏ قال ابن المنير‏:‏ كأنه يقول إذا حصلت النعم الكثيرة فأنت آخذها وأنا معطيها فحصل لك عند أخذها وصفان‏:‏ كونك ظلومًا وكونك كفارًا‏:‏ يعني لعدووفائك بشكرها ولي عند إعطائها وصفان وهما أني غفور رحيم أقابل ظلمك بغفراني وكفرك برحمتي فلا أقابل تقصيرك إلا بالتوقير ولا أجازي جفاك إلا بالوفاء‏.‏

وقال غيره‏:‏ إنما خص سورة إبراهيم بوصف المنعم عليه وسورة النحل بوصف المنعم لأنه في سورة إبراهيم في مساق وصف الإنسان وفي سورة النحل في مساق صفات الله وإثبات ألوهيته ونظيره قوله تعالى في سورة الجاثية ‏{‏من عمل صالحًا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون‏}‏ وفي فصلت ختم بقوله ‏{‏وما ربك بظلام للعبيد‏}‏ ونكتة ذلك أن قبل الآية الأولى ‏{‏قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قومًا بما كانوا يكسبون‏}‏ فناسب الختام بفاصلة البعث لأن قبله وصفهم بإنكاره‏.‏

وأما الثانية فالختام بما فيها مناسب أنه لا يضيع عملًا صالحًا ولا يزيد على من عمل سيئًا‏.‏

وقال في سورة النساء ‏{‏إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون لك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثمًا عظيمًا‏}‏ ثم أعادها وختم بقوله ‏{‏ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالًا بعيدًا‏}‏ ونكتة ذلك أن الأولى نزلت في اليهود وهم الذين افتروا على الله ما ليس في كتابه والثانية نزلت في المشركين ولا كتاب لهم وضلالهم أشد ونظيره قوله في المائدة ‏{‏ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون‏}‏ ثم أعادها فقال ‏{‏فأولئك هم الظالمون‏}‏ قال في الثالثة ‏{‏فأولئك هم الفاسقون‏}‏ ونكتته أن الأولى نزلت في أحكام المسلمين والثانية في اليهود والثالثة في النصارى‏.‏

وقيل الأولى فيمن جحد ما أنزل الله والثانية فيمن خالف مع علمه ولم ينكره والثالثة فيمن خالفه جاهلًا‏.‏

وقيل الكافر والظالم والفاسق كلها بمعنى واحد وهوالكفر عبر عنه بألفاظ مختلفة لزيادة الفائدة واجتناب صورة التكرار وعكس هذا اتفاق الفاصلتين والمحدث عنه مختلف كقوله في سورة النور يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم إلى قوله كذلك ‏{‏يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم‏}‏ ثم قال إذ بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك ‏{‏يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم‏}‏‏.‏

التنبيه الثاني من مشكلات الفواصل قوله تعالى ‏{‏إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم‏}‏ فإن قوله ‏{‏وإن تغفر لهم‏}‏ يقتضي أن تكون الفاصلة الغفور الرحيم وكا نقلت عن مصحف أبيّ وبها قرأ ابن شنبوذ وذكر في حكمته أنه لا يغفر لمن استحق العذاب إلا من ليس فوقه أحد يرد عليه حكمه فهوالعزيز‏:‏ أي الغالب والحكيم هو الذي يضع الشيء في محله وقد يخفي وجه الحكمة على بعض الضعفاء في بعض الأفعال فيتوهم أنه خارج عنها وليس كذلك فكان في الوصف بالحكيم احتراس حسن‏:‏ أي وإن تغفر لهم مع استحقاقهم العذاب فلا معترض عليك لأحد في ذلك والحكمة فيما فعلته ونظير ذلك قوله في سورة التوبة ‏{‏أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم‏}‏ وفي سورة الممتحنة ‏{‏واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم‏}‏ وفي غافر ‏{‏ربنا وأدخلهم جنات عدن‏}‏ إلى قوله ‏{‏إنك أنت العزيز الحكيم‏}‏ وفي النور ‏{‏ولولا فضل الله عليكم ورحمته وإن الله تواب حكيم‏}‏ فإن بادئ الرأي يقتضي ثواب رحيم لأن الرحمة مناسبة للتوبة‏:‏ لكن عبر به إشارة إلى فائدة مشروعية اللعان وحكمته وهي الستر عن هذه الفاحشة العظيمة ومن خفي ذلك قوله في سورة البقرة ‏{‏هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم‏}‏ وفي آل عمران ‏{‏قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السموات وما في الأرض والله على كل شيء قدير‏}‏ فإن المتبادر إلى الذهن في آية البقرة الختم بالقدرة وفي آية آل عمران الختم بالعلم‏.‏

والجواب أن آية البقرة لما تضمنت الإخبار عن خلق الأرض وما فيها على حسب حاجات أهلها ومنافعهم ومصالحهم وخلق السموات خلقًا مستويًا محكمًا من غير تفاوت والخالق على الوصف المذكور يجب أن يكون عالمًا بما فعله كليًا وجزئيًا مجملًا ومفصلًا يناسب ختمها بصفة العلم وآية آل عمران لما كانت في سياق الوعيد على موالاة الكفار وكان التعبير بالعلم فيها كناية عن المجازاة بالعقاب والثواب ناسب ختمها بصفة القدرة ومن ذلك قوله ‏{‏وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليمًا غفورًا‏}‏ فالختم بالحلم والمغفرة عقب تسابيح الأشياء غير ظاهر في بادئ الرأي وذكر في حكمته أنه لما كانت الأشياء كلها تسبح ولا عصيان في حقها وأنتم تعصون ختم به مراعاة للمقدر في الآية وهوالعصيان كما جاء في الحديث لولا بهائم رتع وشيوخ ركع وأطفال رضع لصب عليكم العذاب صبًا ولرص رصًا وقيل التقدير حلمًا عن تفريط المسبحين غفورًا لذنوبهم وقيل حليمًا عن المخاطبين الذين لا يفقهون التسبيح بإهمالهم النظر في الآيات والعبر ليعرفوا حقه بالتأمل فيما أودع في مخلوقاته مما يوجب تنزيهه‏.‏

التنبيه الثالث في الفواصل ما لا نظير له في القرآن كقوله عقب الأمر الغض في سورة النور ‏{‏إن الله خبير بما يصنعون‏}‏ وقوله عقب الأمر بالدعاء والاستجابة ‏{‏لعلهم يرشدون‏}‏ وقيل فيه تعريض بليلة القدر حيث ذكر ذلك عقب ذكر رمضان‏:‏ أي لعلهم يرشدون إلى معرفتها‏.‏

وأما التصدير فهوأن تكون تلك اللفظة بعينها تقدمت في أول الآية وتسمى أيضًا رد العجز على الصدر‏.‏

وقال ابن المعتز‏:‏ هوثلاثة أقسام‏.‏

الأول‏:‏ توافق آخر الفاصلة وآخر كلمة في الصدر نحو أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدًا والثاني‏:‏ أن يوافق أول كلمة منه نحو وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب قال إني لعلمكم من القالين الثالث‏:‏ أ يوافق بعض كلماته نحو ‏{‏ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون‏}‏{‏انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلًا ‏}‏{‏قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبًا‏}‏ إلى قوله ‏{‏وقد خاب من افترى‏}‏ ‏{‏فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارًا‏}‏ وأما التوشيح فهوأن يكون في أول الكلام ما يستلزم القافية والفرق بينه وبين التصدير أن هذا دلالته معنوية وذاك لفظية كقوله تعالى ‏{‏إن الله اصطفى آدم‏}‏ الآية فإن اصطفى لا يدل على أن الفاصلة العالمين باللفظ لأن لفظ العالمين غير لفظ اصطفى‏.‏

ولكن بالمعنى لأنه يعلم أن من لوازم اصطفى أن يكون مختارًا على جنسه وجنس هؤلاء المصطفين العالمون وكقوله ‏{‏وآية لهم الليل نسلخ‏}‏ الآية‏.‏

قال ابن أبي الأصبع‏:‏ فإن من كان حافظًا لهذه السورة متفطنًا إلى أن مقاطع آيها النون المرادفة وسمع في صدر الآية انسلاخ النهار من الليل علم أن الفاصلة مظلمون لأن من أسلخ النهار عن ليله أظلم‏:‏ أي دخل في الظلمة ولذلك سمي توشيحًا لأن الكلام لما دل أوله على آخره نزل المعنى منزلة الوشاح ونزل أول الكلام وآخره من زلة لا عاتق والكشح اللذين تحوط عليهما الوشاح‏.‏وأما الإيغال فتقدم في نوع الإطناب‏.‏

فصل قسم البديعيون السجع ومثله الفواصل إلى أقسام‏:‏ مطرف ومتوازي ومرصع ومتوازن ومتماثل‏.‏

فالطرف‏:‏ أن تختلف الفاصلتان في الوزن وتتفقا في حروف السجع نحو مالكم لا ترجعون لله وقارًا وقد خلقكم أطوارًا والمتوازي‏:‏ أن يتفقا وزنًا وتقفية ولم يكن ما في الأولى مقابلًا في الثانية في الوزن والتقفية نحو فيها سرر مرفوعة وأكواب موضوعة‏.‏

والمتوازن‏:‏ أن يتفقا في الوزن دون التقفية نحو ‏{‏ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة‏}‏‏.‏

والمرصع‏:‏ أن يتفقا وزنًا وتقفية ويكون ما في الأولى مقابلًا لما في الثانية كذلك نحو ‏{‏إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم‏}‏{‏إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم‏}‏‏.‏

والمماثل‏:‏ أ يتساويا في الوزن دون التقفية وتكون أفراد الأولى مقابلة لما في الثانية فهوبالنسبة إلى المرصع كالمتوازن بالنسبة إلى المتوازي نحو ‏{‏وآتيناهما الكتاب المستبين وهديناهما الصراط المستقيم‏}‏ فالكتاب والصراط يتوازنان‏.‏

وكذا المستبين والمستقيم واختلفا في الحرف الأخير‏.‏

فصل بقي نوعان متعلقان بالفواصل‏.‏

أحدهما‏:‏ التشريع وسماه ابن أبي الأصبع‏:‏ التوأم وأصله أن يبني الشاعر بيته على وزنين من أوزان العروض فإذا اسقط منها جزءًا أوجزأين صابر الباقي بيتًا من وزن آخر‏.‏

ثم زعم قوم اختصاصه به‏.‏

وقال آخرون‏:‏ بل يكون في النثر بأن يكون مبنيًا على سجعتين لواقتصر على الأولى منهما كان الكلام تامًا مفيدًا وإن ألحقت به السجعة الثانية كان في التمام والإفادة على حاله مع زيادة معنى ما زاد من اللفظ‏.‏

قال ابن أبي الأصبع‏:‏ وقد جاء من هذا الباب معظم سورة الرحمن فإن آياتها لواقتصر فيها على أول الفاصلتين دون فبأي آلاء ربكما تكذبان لكان تامًا وقد كمل بالثانية فأفاد معنى زائدًا من التقرير والتوبيخ‏.‏

قلت‏:‏ التمثيل غير مطابق والأولى أن يمثل بالآيات التي في إثباتها ما يصح أن يكون فاصلة كقوله ‏{‏لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وإن الله قد أحاط بكل شيء علمًا‏}‏ وأشباه ذلك‏.‏

الثاني‏:‏ الاستلزام ويسمى لزوم ما لا يلزم وهوأ يلتزم في الشعر أوالنثر حرفًا أوحرفين فصاعدًا قبل الروي بشرط عدم الكلفة‏.‏

مثال التزام حرف ‏{‏فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر‏}‏ التزم الهاء قبل الراء ومثله ألم نشرح لك صدرك الآيات التزم فيها الراء قبل الكاف فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس التزم فيها النون المشددة قبل السين ‏{‏والليل وما وسق والقمر إذا اتسق‏}‏‏.‏

ومثال التزام حرفين ‏{‏والطور وكتاب مسطور‏}‏ ‏{‏ما أنت بنعمة ربك بمجنون وإن لك لأجرًا غير ممنون‏}‏ ‏{‏بلغت التراقي وقيل من راق وظن أنه الفراق‏}‏‏.‏

ومثال التزام ثلاثة أحرف ‏{‏تذكروا فإذا هم مبصرون‏}‏ ‏{‏وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون‏}‏‏.‏

تنبيهات‏.‏

الأول قال أهل البديع‏:‏ احسن السجع ونحوه ما تساوت قرائنه نحو ‏{‏في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود‏}‏ ويليه ما طالت قرينته الثانية نحو ‏{‏والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى‏}‏ أوالثالثة نحو ‏{‏خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة‏}‏ الآية‏.‏

وقالا ابن الأثير‏:‏ الأحسن في الثانية المساواة وإلا فأطول قليلًا‏.‏

وفي الثالثة أن تكون أطول‏.‏

وقال الخفاجي‏:‏ لا يجوز أن تكون الثانية أقصر من أولى‏.‏

الثاني قالوا أحسن السجع ما كان قصيرًا لدلالته على قوة المنشئ وأقله كلمتان نحو يا أيها المدثر قم فأنذر الآيات والمرسلات عرفًا الآيات ‏{‏والذاريات ذروًا‏}‏ الآيات ‏{‏والعاديات ضبحًا‏}‏ الثالث قال الزمخشري في كشافه القديم‏:‏ لا تحسن المحافظة على الفواصل لمجردها إلا مع بقاء المعاني على سردها على المنهج الذي يقتضيه حسن النظم والتآمه فأما أن يهمل المعاني ويهتم بتحسين الألفاظ وحده غير منظور فيه إلى مؤداه فليس من قبيل البلاغة وبنى ذلك أ التقديم في وبالآخرة هم يوقنون ليس لمجرد الفاصلة بل لرعاية الاختصاص‏.‏

الرابع مبنى الفواصل على الوقف ولهذا ساغ مقابلة المرفوع بالمجرور وبالعكس كقوله ‏{‏إنا خلقناهم من طين لازب‏}‏ مع قوله ‏{‏عذاب واصب‏}‏ و‏{‏شهاب ثاقب‏}‏ وقوله ‏{‏بماء منهمر‏}‏ مع قوله ‏{‏قد قدر‏}‏ و سحر ومستمر وقوله ‏{‏وما لهم من دونه من وال‏}‏ مع قوله ‏{‏وينشئ السحاب الثقال‏}‏‏.‏

الخامس كثر في القرآن ختم الفواصل بحروف المد واللين وإلحاق النون وحكمته وجود التمكن من التطريب بذلك كما قال سيبويه أنهم إذا تمرنوا يلحقون الألف والياء والنون لأنهم أرادوا مد الصوت ويتركون ذلك إذا لم يترنموا وجاء في القرآن على أسهل موقف وأعذب مقطع‏.‏

السادس حروف الفواصل إما متماثلووإما متقاربة‏.‏

فالأولى‏:‏ مثل والطور ‏{‏وكتاب مسطور في رق منشور والبيت المعمور‏}‏‏.‏

والثاني‏:‏ مثل الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ‏{‏ق والقرآن المجيد بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب‏}‏ قال الغمام فخر الدين وغيره‏:‏ وفواصل القرآن لا تخرج عن هذين القسمين بل تنحصر في المتماثلة والمتقاربة‏.‏

قال‏:‏ وبهذا يترجح مذهب الشافعي على مذهب أبي حنيفة في عد الفاتحة سبع آيات مع البسملة وجعل صراط الذين إلى آخرها آية فإن من جعل الآية السادسة أنعمت عليهم مردود بأنه لا يشابه فواصل سائر آيات السورة لا بالمماثلة ولا بالمقاربة ورعاية التشابه في الفواصل لازمة‏.‏

السابع كثر في الفواصل التضمين والإيطاء لأنهما ليسا بعيبين في النثر وإن كانا معيبين في النظم فالتضمين أن يكون ما بعد الفاصلة متعلقًا بها كقوله تعالى وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل ‏.‏

والإيطاء تكرر الفاصلة بلفظها كقوله تعالى في الإسراء ‏{‏هل كنت إلا بشرًا رسولًا‏}‏ وختم بذلك الآيتين بعدها‏.‏

 النوع الستون في فواتح السور

أفردها بالتأليف ابن أبي الأصبع في كتاب سماه الخواطر السوانح في أسرار الفواتح وأنا ألخص هنا ما ذكره مع زوائد من غيره‏:‏ اعلم أن الله تعالى افتتح سور القرآن بعشرة أنواع من الكلام لا يخرج شيء من السور عنها‏.‏

الأول‏:‏ الثناء عليه تعالى والثناء قسمان‏:‏ إثبات لصفات المدح ونفي وتنزيله من صفات النقص‏.‏

فالأول‏:‏ التحميد في خمس سور وتبارك في سورتين‏.‏

والثاني‏:‏ التسبيح في سبع سور‏.‏

قال الكرماني في متشابه القرآن‏:‏ التسبيح كلمة استأثر الله بها فبدأ بالمصدر في بني إسرائيل لأنه الأصل ثم بالماضي في الحديد والحشر لأنه أسبق الزمانين ثم بالمضارع في الجمعة والتغابن ثم بالأمر في الأعلى استيعابًا لهذه الكلمة في جميع جهاتها‏.‏

الثاني‏:‏ حروف التهجي في تسع وعشرين سورة وقد مضى الكلام عليها مستوعبًا في نوع المتشابه ويأتي الإلمام بمناسباتها في نوع المناسبات‏.‏

الثالث‏:‏ النداء في عشر سور‏:‏ خمس بنداء الرسول صلى اله عليه وسلم‏:‏ الأحزاب والطلاق والتحريم والمزمل والمدثر وخمس بنداء الأمة‏:‏ النساء والمائدة والحج والحجرات والممتحنة‏.‏

الرابع‏:‏ الجمل الخبرية نحو ‏{‏يسألونك عن الأنفال‏}‏ ‏{‏براءة من الله‏}‏ ‏{‏أتى أمر الله‏}‏ ‏{‏اقترب للناس حسابهم‏}‏ ‏{‏قد أفلح المؤمنون‏}‏ ‏{‏سورة أنزلناها‏}‏ ‏{‏تنزيل الكتاب‏}‏ الذين كفروا إنا فتحنا اقتربت الساعة الرحمن قد سمع الله الحاقة سأل سائل إنا أرسلنا نوحًا أقسم من موضعين عبس إنا أنزلناه لم يكن القارعة ألهاكم إنا أعطيناك فتلك ثلاث وعشرون صورة‏.‏

الخامس‏:‏ القسم في خمس عشرة سورة أقسم فيها بالملائكة وهي الصافات وسورتان بالأفلاك البروج والطارق وست سور بلوازمها‏:‏ فالنجم قسم بالثريا والفجر بمبدأ النهار والشمس بآية النهار والليل بشطر الزمان والضحى بشطر النهار والعصر بالشطر الآخر أوبجملة الزمان وسورتان بالهواء الذي هوأحد العناصر والذاريات والمرسلات وسورة بالتربة التي هي منها أيضًا وهي الطور وسورة بالنبات وهي والتين وسورة بالحيوان الناطق وهي والنازعات وسورة بالبهيم وهي والعاديات‏.‏

السادس‏:‏ الشرط في سبع سور‏:‏ الواقعة والمنافقون والتكوير والانفطار والانشقاق والزلزلة والنصر‏.‏

السابع‏:‏ الأمر في ست سور‏:‏ قل أوحى اقرأ قل يا أيها الكافرون قل هو الله أحد قل أعوذ المعوذتين‏.‏

الثامن‏:‏ الاستفهام في ست‏:‏ هل أتى عم يتساءلون هل أتاك ألم نشرح ألم تر أرأيت‏.‏

التاسع‏:‏ الدعاء في ثلاث‏:‏ ويل لمطففين ويل لكل همزة تبت‏.‏

العاشر‏:‏ التعليل في لئيلاف قريش‏.‏

هكذا جمع أبوشامة قال‏:‏ وما ذكرناه في قسم الدعاء يجوز أن يذكر مع الخبر وكذا الثناء كله خبر إلا سبح فإنه أثنى على نفسه سبحانه بثبو ت الحمد والسلب لما استفتح السورة والأمر والشرط والتعليل والقسم والد عا حروف التهجي استفهم الخبر وقال أهل البيان‏:‏ من البلاغة حسن الابتداء وهوأن يتأنق في أول الكلام لأنه أول ما يقرع السمع فإن كان محررًا أقبل السامع على الكلام ووعاه وإلا أعرض عنه لوكان الباقي في نهاية الحسن فينبغي أن يؤتى فيه بأعذب لفظ وأجزله وأرقه وأسلسه وأحسنه نظمًا وسبكًا وأصحه معنى وأوضحه وأحلاه من التعقيد والتقديم والتأخير الملبس أوالذي لا يناسب‏.‏

قالوا‏:‏ وقد أتت جميع فواتح السور على أحسن الوجوه وأبلغها وأكملها كالتحميدات وحروف الهجاء والنداء وغير ذلك‏.‏

ومن الابتداء الحسن نوع أخص منه يسمى براعة الاستهلال وهوأن يشتمل أول الكلام على ما يناسب الحال المتكلم فيه ويشير إلى ما سبق الكلام لأجله والعلم الأنثي في ذلك سورة الفاتحة التي هي مطلع القرآن فإنها مشتملة على جميع مقاصده كما قال البيهقي في شعب الإيمان‏:‏ أخبرنا أبو القاسم بن حبيب أنبأنا محمد بن صالح بن هانئ أنبأنا الحسين بن الفضل حدثنا عفان بن مسلم عن الربيع بن صبيح عن الحسن قال‏:‏ أنزل الله تعالى مائة وأربعة كتب أودع علومها أربعة منها‏:‏ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ثم أودع علوم التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ثم أودع علوم القرآن المفصل ثم أودع علوم المفصل فاتحة الكتاب فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير جميع الكتب المنزلة وقد وجه ذلك بأن العلوم التي احتوى عليها القرآن وقامت بها الأديان الأربعة‏:‏ علم الأصول ومداره على معرفة الله تعالى وصفاته وإليه الإشارة برب العالمين الرحمن الرحيم ومعرفة النبوات وإليه الإشارة بالذين أنعمت عليهم ومعرفة المعاد وإليه الإشارة بملك يوم الدين‏.‏

وعلم العبادات وإليه الإشارة بإياك نعبد‏.‏

وعلم السلوك وهوحمل النفس على الآداب الشرعية والانقياد لرب البرية وإليه الإشارة بإياك نستعين إهدنا الصراط المستقيم‏.‏

وعلم القصص وهوالإطلاع على أخبار الأمم السالفة والقرون الماضية ليعلم المطلع على ذلك سعادة من أطاع الله وشقاوة من عصاه وإليه الإشارة بقوله صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين فنبه في الفاتحة على جميع مقاصد القرآن وهذا هو الغاية في براعة الاستهلال مع ما اشتملت عليه من الألفاظ الحسنة والمقاطع المستحسنة وأنواع البلاغة‏.‏

وكذلك أول سورة اقرأ فإنها مشتملة على نظير ما اشتملت عليه الفاتحة من براعة الاستهلال لكونها أول ما أنزل فإن فيها الأمر بالقراءة والبداءة فيها باسم الله وفيه الإشارة على علم الأحكام وفيها ما يتعلق بتوحيد الربوإثبات ذاته وصفاته من صفة ذات وصفة فعل وفي هذه الإشارة إلى أصول الدين وفيها ما يتعلق بالأخبار من قوله ‏{‏علم الإنسان ما لم يعلم‏}‏ ولهذا قيل أنها جديرة أن تسمى عنوان القرآن لأن عنوان الكتاب يجمع مقاصده بعبارة وجيزة في أوله‏.‏

 النوع الحادي والستون في خواتم السور

هي أيضًا مثل الفواتح في الحسن لأنها آخر ما يقرع الأسماع فلهذا جاءت متضمنة للمعاني البديعة مع إيذان السامع بانتهاء الكلام حتى لا يبقى معه للنفوس تشوف إلى ما يذكر بعد لأنها بين أدعية ووصايا وفرائض وتحميد وتهليل ومواعظ ووعد ووعيد إلى غير ذلك كتفصيل جملة المطلوب في خاتمة الفاتحة إذ المطلوب الأعلى الإيمان المحفوظ من المعاصي المسببة لغضب الله والضلال ففصل جملة لك بقوله ‏{‏الذين أنعمت عليهم والمراد المؤمنون ولذلك أطلق الإنعام ولم يقيده ليتناول كل إنعام لأن من أنعم الله عليه بنعمة الإيمان فقد انعم الله عليه بكل نعمة لأنها مستتبعة لجميع النعم‏.‏

ثم وصفهم بقوله ‏{‏غير المغضوب عليهم ولا الضالين‏}‏ يعني أنهم جمعوا بين النعم المطلقة وهي نعمة الإيمان والسلامة وبين السلامة من غضب الله تعالى والضلال المسببين عن معاصيه وتعدى حدوده وكالدعاء الذي اشتملت عليه الآيتان من آخر سورة البقرة وكالوصايا التي ختمت بها سورة آل عمران ‏{‏يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا‏}‏ الآية والفرائض التي ختمت بها سورة النساء وحسن الختم بها لما فيها من أحكام الموت الذي هوآخر أمر كل حي ولأنها آخر ما نزل من الأحكام وكالتبجيل والتعظيم الذي ختمت به المائدة وكالوعد والوعيد الذي ختمت به الأنعام وكالتحريض على العبادة بوصف حال الملائكة الذي ختمت به الأعراف وكالحض على الجهاد وصلة الأرحام التي ختم به الأنفال وكوصف الرسول ومدحه والتهليل الذي ختمت به براءة وتسليته عليه الصلاة والسلام الذي ختم به يونس ومثلها خاتمة هود ووصف القرآن ومدحه الذي ختم به يوسف والوعيد والرد على من كذب الرسول الذي به ختم الرعد‏.‏

ومن أوضح ما آذن بالختام خاتمة إبراهيم ‏{‏هذا بلاغ للناس‏}‏ الآية‏.‏

ومثلها خاتمة الأحقاف وكذا خاتمة الحجر بقوله ‏{‏واعبد ربك حتى يأتيك اليقين‏}‏ وهومفسر بالموت فإنها في غاية البراعة‏.‏

وانظر إلى سورة الزلزلة كيف بدئت بأهوال القيامة وختمت بقوله ‏{‏فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره‏}‏ وانظر إلى براعة آخر آية نزلت وهي قوله ‏{‏واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله وما فيها من الإشعار بالآخرية المستلزمة للوفاة‏.‏

وكذا آخر سورة نزلت وهي سورة النصر فيها الإشعار بالوفاة كما أخرج البخاري من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس أن عمر سألهم عن قوله ‏{‏إذا جاء نصر الله والفتح‏}‏ فقالوا‏:‏ فتح المدائن والقصور‏.‏

قال‏:‏ ما تقول يا ابن عباس قال‏:‏ أجل ضرب لمحمد نعيت له نفسه‏.‏

وأخرج أيضًا عنه قال‏:‏ كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال‏:‏ لم يدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله فقال عمر‏:‏ إنه من قد علمتم ثم دعاهم ذات يوم فقال‏:‏ ما تقولون في قول الله ‏{‏إذا جاء نصر الله والفتح‏}‏ فقال بعضهم‏:‏ أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا جاء نصرنا وفتح علينا وسكت بعضهم فلم يقل شيئًا فقال لي‏:‏ أكذلك تقول يا ابن عباس فقلت‏:‏ لا قال‏:‏ فما تقول قلت‏:‏ هوأجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له قال إذا جاء نصر الله والفتح وذلك علامة أجلك فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابًا فقال عمر‏:‏ إني لا أعلم منها إلا ما تقول‏.‏

 النوع الثاني والستون في مناسبة الآيات والسور

أفرده بالتأليف العلامة أبوجعفر بن الزبير شيخ أبي حيان في كتاب سماه البرهان في مناسبة ترتيب سور القرآن ومن أهل العصر الشيخ برهان الدين البقاعي في كتاب سماه نظم الدرر في تناسب الآي والسور وكتابي الذي صنفته في أسرار التنزيل كافل بذلك جامع لمناسبات السور والآيات مع ما تضمنه من بيان وجوه الإعجاز وأساليب البلاغة وقد لخصت منه مناسبة السور خاصة في جزء لطيف سميته تناسق الدرر في تناسب السور وعلم المناسبة علم شريف قل اعتناء المفسرين به لدقته وممن أكثر منه الإمام فخر الدين فقال في تفسيره‏:‏ أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط‏.‏

وقال ابن العربي في سراج المريدين‏:‏ ارتباط آي القرآن بعضها ببعض حتى يكون كالكلمة الواحدة متسقة المعاني منتظمة المباني علم عظيم لم يتعرض له إلا عالم واحد عمل فيه سورة البقرة ثم فتح الله لنا فيه فلما لم نجد له حملة ورأينا الخلق بأوصاف البطلة ختمنا عليه وجعلناه بيننا وبين الله ورددناه إليه‏.‏

وقال غيره‏:‏ أولم ن أظهر علم المناسبة الشيخ أبو بكر النيسابوري وكان غزير العلم في الشريعة والأدب وكان يقول على الكرسي إذا قرئ عليه‏:‏ لم جعلت هذه الآية إلى جنب هذه وما الحكمة في جعل هذه السورة إلى جنب هذه السورة وكان يزري على علماء بغداد لعدم علمهم بالمناسبة‏.‏وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام‏:‏ المناسبة علم حسن لكن يشترط في حسن ارتباط الكلام أن يقع في أمر متحد مرتبط أوله بآخره فإن وقع على أسباب مختلفة لم يقع فيه ارتباط ومن ربط ذلك فهومتكلف بما لا يقدر عليه إلا بربط ركيك يصان عن مثله حسن الحديث فضلًا عن أحسنه فإن القرآن نزل في نيف وعشرين سنة في أحكام مختلفة شرعت لأسباب مختلفة وما كان كذلك لا يتأتى ربط بعضه ببعض‏.‏

وقال الشيخ ولي الدين الملوي‏:‏ قد وهم من قال‏:‏ لا يطلب للآي الكريمة مناسبة لأنها على حسب الوقائع المفرقة وفصل الخطاب أنها على حسب الوقائع تنزيلًا وعلى حسب الحكمة ترتيبًا وتأصيلًا فالمصحف على وفق ما في اللوح المحفوظ مرتبة سوره كلها وآياته بالتوقيف كما أنزل جملة إلى بيت العزة ومن المعجز البين أسلوبه ونظمه الباهر والذي ينبغي في كل آية أن يبحث أول كل شيء عن كونها مكملة لما قبلها أومستقلة ثم المستقلة ما وجه مناسبتها لما قبلها ففي ذلك علم جم وهكذا فأي السور يطلب وجه اتصالها بما قبلها وما سيقت له أه‏.‏

وقال الإمام الرازي في سورة البقرة‏:‏ ومن تأمل في لطائف نظم هذه السورة وفي بدائع ترتيبها علم أن القرآن كما أنه معجز بحسب فصاحة ألفاظه وشرف معانيه فهوأيضًا بسبب ترتيبه ونظم آياته ولعل الذين قالوا إنه معجز بسبب أسلوبه أرادوا ذلك إلا أني رأيت جمهور المفسرين معرضين على هذه اللطائف غير منتبهين لهذه الأسرار وليس الأمر في هذا الباب إلا كما قيل‏:‏ والنجم تستصغر الأبصار صورته والذنب للطرف لا للنجم في الصغر فصل المناسبة في اللغة‏:‏ المشاكلة والمقاربة ومرجعها في الآيات ونحوها إلى معنى رابط بينها عام أوخاص عقلي أوحسي أوخيالي أوغير ذلك من أنواع العلاقات أوالتلازم الذهين كالسبب والمسبب والعلة والمعلوم والنظيرين والضدين ونحوهم وفائدته جعل أجزاء الكلام بعضها آخذًا بأعناق بعض فيقوى بذلك الارتباط ويصير التأليف حاله حال البناء المحكم المتلائم الأجزاء فنقول ذكر الآية بعد الأخرى إما أن يكون ظاهر الارتباط لتعلق الكلم بعضه ببعض وعدم تمامه بالأولى فواضح وكذلك إذا كانت الثانية للأولى على وجه التأكيد أوالتفسير أوالاعتراض أوالبدل وهذا القسم لا كلام فيه‏.‏

وإما أن لا يظهر الارتباط بل يظهر أن كل جملة مستقلة عن الأخرى وأنها خلاف النوع المبدوء به فإما أن تكون معطوفة على الأولى بحرف من حروف العطف المشركة في الحكم أولًا فإن كانت معطوفة فلا بد أن يكون بينهما جهة جامعة على ما سبق تقسيمه كقوله تعالى يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرف فيها وقوله ‏{‏والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون للتضاد بين القبض والبسط والولوج والخروج والنزول والعروج وشبه التضاد بين السماء والأرض‏.‏

ومما الكلام فيه التضاد ذكر الرحمة بعد ذكر العذاب والرغبة بعد الرهبة وقد جرت عادة القرآن إذا ذكر أحكامًا ذكر بعدها وعدًا ووعيدًا ليكون باعثًا على العمل بما سبق ثم يذكر آيات توحيد وتنزيه ليعلم عظم الآمر والناهي‏.‏

وتأمل سورة البقرة والنساء والمائدة تجده كذلك وإن لم تكن معطوفة فلا بد من دعامة تؤذن باتصال الكلام وهي قرائن معنوية تؤذن بالربط وله أسباب‏.‏أحدها‏:‏ التنظير فإن إلحاق النظير بالنظير من شأن العقلاء كقوله ‏{‏كما أخرجك ربك من بيتك بالحق‏.‏

عقب قوله أولئك هم المؤمنون حقًا فإنه تعالى أمر رسوله أن يمضي لأمره في الغنائم على كره من أصحابه كما مضى لأمره في خروجه من بيته لطلب العير أوللقتال وهم له كارهون والقصد أن كراهتهم لما فعله من قسمة الغنائم ككراهتهم للخروج وقد تبين في الخروج الخير من الظفر والنصر والغنيمة وعز الإسلام فكذا يكون فيما فعله في القسمة فليطيعوا ما أمروا به ويتركوا هوى أنفسهم‏.‏

الثاني‏:‏ المضادة كقوله في سورة البقرة ‏{‏إن الذين كفروا سواء عليهم‏}‏ الآية فإن أول السورة كان حديثًا عن القرآن وأن من شأنه الهداية للقوم الموصوفين بالإيمان فلما أكمل وصف المؤمنين عقب بحديث الكافرين فبينهما جامع وهمي ويسمى بالتضاد من هذا الوجه وحكمته التشويق والثبوت على الأول كما قيل وبضدها تتبين الأشياء فإن قيل‏:‏ هذا جامع بعيد لأن كونه حديثًا عن المؤمنين بالعرض لا بالذات والمقصود بالذات الذي هومساق الكلام إنما هو الحديث عن القرآن لأنه مفتتح القول‏.‏

قيل لا يشترط في الجامع ذلك بل يكفي التعلق على أي وجه كان ويكفي في وجه الربط ما ذكرناه لأن القصد تأكيدًا أمر القرآن والعمل به والحث على الإيمان ولهذا لما فرغ من ذلك قال وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فرجع إلى الأول‏.‏

الثالث‏:‏ الاستطراد كقوله تعالى ‏{‏يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوآتكم وريشًا ولباس التقوى ذلك خير‏}‏ قال الزمخشري‏:‏ هذه الآية واردة على سبيل الاستطراد عقب ذكر بدوالسوات وخصف الورق عليهما إظهارًا للمنة في ما خلق من اللباس ولما في العري وكشف العورة من المهانة والفضيحة وإشعارًا بأن الستر باب عظيم من أبواب التقوى وقد خرجت على الاستطراد قوله تعالى لن يستنكف المسيح أن يكون عبد الله ولا الملائكة المقربون فإن أول الكلام ذكر للرد على النصارى الزاعمين نبوة المسيح ثم استطرد للرد على العرب الزاعمين نبوة الملائكة ويقرب من الاستطراد حتى لا يكادان يفترقان حسن التخلص وهوأن ينتقل مما ابتدئ به الكلام إلى المقصود على وجه سهل يختلسه اختلاسًا دقيق المعنى بحيث لا يشعر السامع بالانتقال من المعنى الأول إلا وقد وقع عليه الثاني لشدة الالتئام بينهما وقد غلط أبو العلاء محمد بن غانم في قوله لم يقع منه في القرآن شيء لما فيه من التكلف وقال‏:‏ إن القرآن إنما ورد على الاقتضاب الذي هوطريقة العرب من الانتقال إلى غير ملائم وليس كما قال‏:‏ ففيه من التخلصات العجيبة ما يحير العقول‏.‏وانظر إلى سورة الأعراف كيف ذكر فيها الأنبياء والقرون الماضية والأمم السالفة ثم ذكر موسى إلا أن قص حكاية السبعين رجلًا ودعائه لهم ولسائر أمته بقوله ‏{‏واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة وجوابه تعالى عنه ثم تخلص بمناقب سيد المرسلين بعد تخلصه لأمته بقوله ‏{‏قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين‏}‏ من صفاتهم كيت وكيت وهم الذين يتبعون الرسول النبي الأمي وأخذ في صفاته الكريمة وفضائله‏.‏

وفي سورة الشعراء حكى قول إبراهيم ولا تحزني يوم يبعثون فتخلص منه إلى وصف المعاد بقوله ‏{‏يوم لا ينفع مال ولا بنون‏}‏ الخ‏.‏

وفي سورة الكهف حكى قول ذي القرنين في السد بعد دكه الذي هومن أشراط الساعة ثم النفخ في السور وذكر الحشر ووصف ما للكفار والمؤمنين‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ الفرق بين التخلص والاستطراد‏:‏ أنك في التخلص تركت ما كنت فيه بالكلية وأقبلت على ما تخلصت إليه وفي الاستطراد تمر بذكر الأمر الذي استطردت إليه مرورًا كالبرق الخاطف ثم تتركه وتعود إلى ما كنت فيه كأنك لم تقصده وإنما عرض عروضًا‏.‏

قيل وبهذا يظهر أن ما في سورتي الأعراف والشعراء من باب الاستطراد لا التخلص لعوده في الأعراف إلى قصة موسى بقوله ‏{‏ومن قوم موسى أمة‏}‏ الخ‏.‏

وفي الشعراء إلى ذكر الأنبياء والأمم‏.‏

ويقرب من حسن التخلص الانتقال من حديث إلى آخر تنشيطًا للسامع مفصولًا بهذا كقوله في سورة ص بعد ذكر الأنبياء هذا ذكر وإنا للمتقين لحسن مآب فإن هذا القرآن نوع الذكر لما أنهى ذكر الأنبياء وهونوع من التنزيل أراد أن يذكر نوعًا آخر وهوذكر الجنة وأهلها‏.‏

ثم لما فرغ قال‏:‏ هذا وإن للطاغين لشر مآب فذكر النار وأهلها‏.‏قال ابن الأثير‏:‏ هذا في هذا المقام من الفصل الذي هواحسن من الوصل وهي علاقة أكيدة بين الخروج من كلام إلى آخر‏.‏

ويقرب منه أيضًا حسن المطلب‏.‏

قال الزنجاني والطيبي وهوأن يخرج إلى الغرض بعد تقدم الوسيلة كقوله ‏{‏إياك نعبد وإياك نستعين قال الطيبي‏:‏ ومما اجتمع حسن التخلص والمطلب معًا قوله حكاية عن إبراهيم فإنه عدولي إلا رب العالمين الذي خلقني فهويهدين إلى قوله ‏{‏رب هب لي حكمًا وألحقني بالصالحين‏.‏

قاعدة قال بعض المتأخرين‏:‏ الأمر الكلي المفيد لعرفان مناسبات الآيات في جميع القرآن هوأنك تنظر الغرض الذي سيقت له السورة وتنظر ما يحتاج إليه ذلك الغرض من المقدمات وتنظر إلى مراتب تلك المقدمات في القرب والبعد من المطلوب وتنظر عند انجرار الكلام في المقدمات إلى ما يستتبعه من استشراف نفس السامع إلى الأحكام واللوازم التابعة له التي تقتضي البلاغة شفاء الغليل بدفع عناء الاستشراف إلى الوقوف عليها فهذا هو الأمر الكلي المهيمن على حكم الربط بين جميع أجزاء القرآن فإذا عقلته تبين لك وجه النظم مفصلًا بين كل آية وآية في كل سورة انتهى‏.‏

تنبيه من الآيات ما أشكلت مناسبتها لما قبلها من ذلك قوله تعالى في سورة القيامة لا تحرك به لسانك لتعجل به الآيات فإن وجه مناسبتها لأول السورة وآخرها عسر جدًا فإن السورة كلها في أحوال القيامة حتى زعم بعض الرافضة أنه سقط من السورة شيء وحتى ذهب القفال فيما حكاه الفخر الرازي أنها نزلت في الإنسان المذكور قبل في قوله ‏{‏ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر‏}‏ قال‏:‏ يعرض عليه كتابه فإذا أخذ في القراءة تلجلج خوفًا فأسرع في القراءة فيقال له‏:‏ لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا أن نجمع عملك وأن نقرأ عليك فإذا قرأناه عليك فاتبع قرآنه بالإقرار بأنك فعلت ثم إن علينا بيان أمر الإنسان وما يتعلق بعقوبته أه‏.‏

وهذا يخالف ما ثبت في الصحيح أنها نزلت في تحريك النبي صلى الله عليه وسلم لسانه حالة نزول الوحي عليه وقد ذكر الأئمة لها مناسبات منها‏:‏ أنه تعالى لما ذكر القيامة وكان من شأن أن يقصر عن العمل لها حب العاجلة وكان من اصل الدين أن المبادرة إلى أفعال الخير مطلوبة فنبه على أنه قد يعترض على هذا المطلوب ما هوأجل منه وهوالإصغاء إلى الوحي وتفهم ما يرد منه والتشاغل بالحفظ قد يصد عن ذلك فأمر بأن لا يبادر إلى التحفظ لأن تحفيظه مضمون على ربه وليصغ إلى ما يرد عليه إلى أن ينقضي فيتبع ما اشتمل عيه ثم لما انقضت الجملة المعترضة رجع الكلام إلى ما يتعلق بالإنسان المبدأ بذكره ومن هومن جنسه فقال كلا وهي كلمة ردع كأنه قال‏:‏ بل أنتم يا بني آدم لكونكم خلقتم من عجل تعجلون في كل شيء ومن ثم تحبون لي العاجلة‏.‏

ومنها‏:‏ أن عادة القرآن إذا ذكر الكتاب المشتمل على عمل العبد حيث يعرض يوم القيامة أردفه بذكر الكتاب المشتمل على الأحكام الدينية في الدنيا التي تنشأ عنها المحاسبة عملًا وتركًا كما قال في الكهف ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه إلا أن قال ‏{‏ولقد صرفنا في هذا القرآن من كل مثل‏}‏ الآية وقال في سبحان فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرأون كتابهم إلا أن قال ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن‏}‏ الآية‏.‏

وقال في طه ‏{‏يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقًا‏}‏ إلا أن قال ‏{‏فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه‏}‏‏.‏

ومنها‏:‏ أن أول السورة لما نزل إلى ولوألقي معاذيره صادف أنه صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة بادر إلى تحفظ الذي نزل وحرك به لسانه من عجلته خشية من تفلته فنزل ‏{‏لا تحرك به لسانك لتعجل به‏}‏ إلى قوله ‏{‏ثم إن علينا بيانه‏}‏ ثم عاد الكلام إلى تكملة ما ابتدئ به‏.‏

قال الفخر الرازي‏:‏ ونحوه ما لو ألقى المدرس على الطالب مثلًا مسئلة فتشاغل الطالب بشيء عرض له فقال له‏:‏ ألق إلى بالك وتفهم ما تقول ثم كمل المسئلة فمن لا يعرف السبب يقول‏:‏ ليس هذا الكلام مناسبًا للمسئلة بخلاف من عرف ذلك‏.‏

ومنها‏:‏ أن النفس لما تقدم ذكرها في أول السورة عدل إلى ذكر نفس المصطفى كأنه قيل هذا شأن النفوس وأنت يا محمد نفسه أشرف النفوس فلتأخذ بأكمل الأحوال‏.‏

ومن ذلك قوله تعالى ‏{‏يسئلونك عن الأهلة‏}‏ الآية فقد يقال‏:‏ أي رابط بين أحكام الأهلة وبين حكم إتيان البيوت وأجيب بأنه من باب الاستطراد لما ذكر أنها مواقيل للحج وكان هذا من أفعالهم في الحج كما ثبت في سبب نزولها ذكر معه من باب الزيادة في الجواب على ما في السؤال كما سئل عن ماء البحر فقال هو الطهور ماؤه الحل ميتته‏.‏

ومن ذلك قوله تعالى ‏{‏ولله المشرق والمغرب‏}‏ الآية فقد يقال ما وجه اتصاله بما قبله وهوقوله ‏{‏ومن أظلم ممن منع مساجد الله‏}‏ الآية وقال الشيخ أبومحمد الجويني في تفسيره‏:‏ سمعت أبا الحسن الدهان يقول‏:‏ وجه اتصاله هوأن ذكر تخريب بيت المقدس قد سبق‏:‏ أي فلا يجر منكم ذلك واستقبلوه فإن له المشرق والمغرب‏.‏

فصل من هذا النوع مناسبة فواتح السور وخواتمها وقد أفردت فيه جزءًا لطيفًا سميته مراصد المطالع في تناسب المقاطع والمطالع وانظر إلى سورة القصص كيف بدئت بأمر موسى ونصرته وقوله ‏{‏فلن أكون ظهيرًا للمجرمين‏}‏ وخروجه من وطنه وختمت بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن لا يكون ظهيرًا للكافرين وتسليته عن إخراجه من مكة وعده بالعود إليها لقوله في أول السورة إنا راد قال الزمخشري‏:‏ وقد جعل الله فاتحة سورة قد أفلح المؤمنون وأورد في خاتمتها أنه لا يفلح الكافرون فشتان ما بين الفاتحة والخاتمة‏.‏

وذكر الكرماني في العجائب مثله وقال‏:‏ في سورة ص بدأها بالذكر وختمها به إن هوإلا ذكر للعالمين في سورة بدأها بقوله ‏{‏ما أنت بنعمة ربك بمجنون‏}‏ وختمها بقوله ‏{‏إنه لمجنون ومنه مناسبة فاتحة السورة لخاتمة ما قبلها حتى أن منها ما يظهر تعلقها به لفظًا كما في فجعلهم كعصف مأكول لئيلاف قريش فقد قال الأخفش اتصالها بها من باب فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوًا وحزنًا وقال الكواشي في تفسير المائدة‏:‏ لما ختم سورة النساء أمر بالتوحيد والعدل بين العباد أكد ذلك بقوله ‏{‏يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود وقال غيره‏:‏ إذا اعتبرت افتتاح كل سورة وجدته في غاية المناسبة لما ختم به السورة قبلها ثم هويخفي تارة ويظهر أخرى كافتتاح سورة الأنعام بالحمد فإنه مناسب لختام المائدة من فصل القضاء كما قال تعالى وقضى بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين وكافتتاح سورة فاطر بالحمد لله فإنه مناسب لختام ما قبلها من قوله ‏{‏وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل‏}‏ كما قال تعالى ‏{‏فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين‏}‏ وكافتتاح سورة الحديد بالتسبيح فإنه مناسب لختام سورة الواقعة بالأمر به وكافتتاح سورة البقرة بقوله ‏{‏الم ذلك الكتاب‏}‏ فإنه إشارة إلى الصراط في قوله ‏{‏إهدنا الصراط المستقيم‏}‏ كأنهم لما سألوا الهداية إلى الصراط قيل لهم ذلك الصراط الذي سألتم الهداية إليه هو الكتاب وهذا معنى حسن يظهر فيه ارتباط سورة البقرة بالفاتحة‏.‏

ومن لطائف سورة الكوثر أنها كالمقابلة للتي قبلها لأن السابقة وصف الله فيها المنافق بأربعة أمور‏:‏ البخل وترك الصلاة والرياء فيها ومنع الزكاة‏.‏

فذكر فيها في مقابلة البخل ‏{‏إنا أعطيناك الكوثر‏}‏ أي الخير الكثير وفي مقابلة ترك الصلاة فصل أي دم عليها وي مقابلة الرياء لربك أي لرضاه لا للناس وفي مقابلة منع الماعون وانحر وأراد به التصدق بلحم الأضاحي‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ لترتيب وضع السور في المصحف أسباب تطلع على أنه توقيفي صادر عن حكيم‏.‏

أحدها‏:‏ بحسب الحروف كما في الحواميم‏.‏

الثاني‏:‏ الموافقة أول السورة لآخر ما قبلها كآخر الحمد في المعنى وأول البقرة‏.‏

الثالث‏:‏ للتوازن في اللفظ كآخر تبت وأول الإخلاص‏.‏الرابع‏:‏ لمشابهة جملة السورة لجملة الأخرى كالضحى وألم نشرح‏.‏

قال بعض الأئمة‏:‏ وسورة الفاتحة تضمنت الإقرار بالربوبية والالتجاء إليه في دين الإسلام والصيانة عن دين اليهودية والنصرانية وسورة البقرة تضمنت قواعد الدين وآل عمران مكملة لمقصودها‏.‏

فالبقرة بمنزلة إقامة الدليل على الحكم وآل عمران بمنزلة الجواب عن شبهات الخصوم ولهذا ورد فيها ذكر المتشابه لما تمسك به النصارى وأوجب الحج في آل عمران وأما في البقرة فذكر أنه مشروع وأمر بإتمامه بعد الشروع فيه‏.‏

وكان خطاب النصارى في آل عمران أكثر كما أن خطاب اليهود في البقرة أكثر لأن التوراة اصل والإنجيل فرع لها والنبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة دعا اليهود وجاهدهم وكان جهاده للنصارى في آخر الأمر كما كان دعاؤه لأهل الشرك قبل أهل الكتاب‏.‏

ولهذا كانت السور المكية فيها الدين الذي اتفق عليه والأنبياء فخوطب به جميع الناس‏.‏

والسور المدنية فيها خطاب من أقر بالأنبياء من أهل الكتاب والمؤمنين فخوطبوا بيا أهل الكتاب يا بني إسرائيل يا أيها الذين آمنوا وأما سورة النساء متضمنة أحكام الأسباب التي بين الناس وهي نوعان‏:‏ مخلوقة لله ومقدورة لهم كالنسب والصهر ولهذا افتتحت بقوله ‏{‏اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها‏}‏ ثم قال ‏{‏واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام‏}‏ فانظر هذه المناسبة العجيبة في الافتتاح وبراعة الاستهلال حيث تضمنت الآية المفتتح بها ما أكثر السورة في أحكامه من نكاح النساء ومحرماته والمواريث المتعلقة بالأرحام فإن ابتداء هذا الأمر كان بخلق آدم ثم خلق زوجه منه ثم بث منهما رجالًا كثيرًا ونساء في غاية الكثرة‏.‏وأما المائدة فسور العقود تضمنت بيان تمام الشرائع ومكملات الدين والوفاء بعهود الرسل وما أخذ على الأمة وبها تم الدين فهي سورة التكميل لأن فيها تحريم الصيد على المحرم الذي هومن تمام الإحرام وتحريم الخمر الذي هومن تمام حفظ العقل والدين وعقوبه المعتدين من السراق والمحاربين الذي هومن تمام حفظ الدماء والأموال وإحلال الطيبات الذي هومن تمام عبادة الله تعالى ولهذا ذكر فيها ما يختص شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كالضوء والتيمم والحكم بالقرآن على كل ذي دين ولهذا أكثر فيها من لفظ الإكمال والإتمام وذكر فيها أن من ارتد عوض الله بخير منه ولا يزال هذا الدين كاملًا ولها أورد أنها آخر ما نزل فيها من إشارات الختم والتمام وهذا الترتيب بين هذه السور الأربع المدنيات من أحسن الترتيب‏.‏

وقال أبوجعفر بن الزبير‏:‏ حكى الخطابي أن الصحابة لما اجتمعوا على القرآن وضعوا سورة القدر عقب العلق استدلوا بذلك على أن المراد بها الكناية في قوله ‏{‏إنا أنزلناه في ليلة القدر‏}‏ الإشارة إلى قوله اقرأ‏.‏

قال القاضي أبو بكر بن العربي‏:‏ وهذا بديع جدًا‏.‏

فصل قال في البرهان‏:‏ ومن ذلك افتتاح السور بالحروف المقطعة واختصاص كل واحدة بما بدئت به حتى لم يكن لترد الم في موضع الر ولا حم في موضع طس‏.‏

قال‏:‏ وذلك أن كل سورة بدئت بحرف منها فإن أكثر كلماتها وحروفها مماثل له فحق لكل سورة منها أن لا يناسبها غير الواردة فيها فلووضع ق موضع ن لعدم التناسب الواجب مراعاته في كلام الله وسورة ق بدئت به لما تكرر فيها من الكلمات بلفظ القاف من ذكر القرآن والخلق وتكرير القول ومراجعته مرارًا والقرب من ابن آدم وتلقى المكيين وقول العتيد والرقيب والسائق والإلقاء في جهنم والتقدم بالوعد وذكر المتقين والقلب والقرون والتنقيب في البلاد وتشقق الأرض وحقوق الوعيد وغير ذلك وقد تكرر في سورة يونس من الكلم الواقع فيها الر مائتا كلمة أوأكثر فلهذا افتتحت بالر واشتملت سورة ص على خصومات متعددة فأولها خصومة النبي صلى الله عليه وسلم مع الكفار وقولهم أجعل الآلهة إلهًا واحدًا ثم اختصام الخصمين عند داود ثم تخاصم أهل النار ثم اختصام الملأ الأعلى ثم تخاصم إبليس في شأن آدم ثم في شأن بنيه وإغوائهم‏.‏

والم جمعت المخارج الثلاثة‏:‏ الخلق واللسان والشفتين على ترتيبها وذلك إشارة إلى البداية التي هي بدء الخلق والنهاية التي هي بدء الميعاد والوسط الذي هو المعاش من التشريع بالأوار والنواهي وكل سورة افتتحت بها فهي مشتملة على الأمور الثلاثة‏.‏

وسورة الأعراف زيد فيها الصاد على الم لما فيها من شرح القصص قصة آدم فمن بعده من الأنبياء ولما فيها من ذكر فلا يكن في صدرك حرج ولهذا قال بعضهم‏:‏ معنى المص‏:‏ ألم نشرح لك صدرك وزيد في الرعد راء لأجل قوله رفع السموات ولأجل ذكر الرعد والبرق وغيرهما‏.‏واعلم أن إعادة القرآن العظيم في ذكر هذه الحروف أن يذكر بعدها ما يتعلق بالقرآن كقوله ‏{‏الم ذلك الكتاب‏}‏‏.‏

الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق ‏{‏المص كتاب أنزل إليك الر تلك آيات الكتاب‏}‏ ‏{‏طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى‏}‏ ‏{‏طسم تلك آيات الكتاب‏}‏ ‏{‏يس والقرآن‏}‏ ‏{‏ص والقرآن‏}‏ ‏{‏حم تنزيل الكتاب‏}‏ ‏{‏ق والقرآن‏}‏ إلا ثلاث سور‏:‏ العنكبوت والروم ون ليس فيها ما يتعلق به وقد ذكرت حكمة ذلك في أسرار التنزيل‏.‏

وقال الحراني في معنى حديث أنزل القرآن على سبعة أحرف‏:‏ زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال‏.‏

واعلم أن القرآن منزل عند انتهاء الخلق وكمال كل الأمر بدا فكان المتحلي به جامعًا لانتهاء كل خلق وكمال كل أمر فلذلك هوصلى الله عليه وسلم قسيم الكون وهوالجامع الكامل ولذلك كان خاتمًا وكتابه كذلك‏.‏

وبدء المعاد من حين ظهوره فاستوفي في صلاح هذه الجوامع الثلاث التي قد خلت في الأولين بداياتها وتمت عنده غاياتها بعثت لأتمم مكارم الأخلاق وهي صلاح الدنيا والدين والمعاد التي جمعها عليه الصلاة والسلام اللهم اصلح لي ديني الذي هوعصمة أمري واصلح لي دنياي التي فيها معاشي واصلح لي آخرتي التي إليها معادي وفي كل صلاح إقدام وإحجام فتصير الثلاثة الجوامع مع ستة هي حروف القرآن الستة ثم وهب حرفًا جامعًا سابعًا فردّ الأزواج له فتمت سبعة‏:‏ فأدنى تلك الحروف هوحرف إصلاح الدنيا فلها حرفان‏:‏ أحدهما حرف الحرام الذي لا تصلح النفس والبدن إلا بالتطهير منه لبعده عن تقويمها‏.‏

والثاني حرف الحلال الذي تصلح النفس والبدن عليه لموافقته تقويمها وأصل هذين الحرفين في التوراة وتمامهما في القرآن‏.‏

ويلي ذلك حرفا صلاح المعاد‏.‏

أحدهما حرف الزجر والنهي الذي لا تصلح الآخرة إلا بالتطهير منه لبعده عن حسناتها‏.‏

والثاني حرف الأمر الذي تصلح الآخرة عليه لتقاضيه لحسناتها وأصل هذين الحرفين في الإنجيل وتمامهما في القرآن‏.‏

ويلي ذلك حرفا صلاح الدين‏:‏ أحدهما حرف المحكم الذي بان للعبد فيه خطاب ربه‏.‏

والثاني حرف المتشابه الذي لا يتبين للعبد فيه خطاب ربه من جهة قصور عقله عن إدراكه فالحروف الخمسة للاستعمال وهذا الحرف السادس للوقوف والاعتراف بالعجز وأصل هذين الحرفين في الكتب المتقدمة كلها وتمامهما في القرآن ويختص القرآن بالحرف السابع الجامع وهوحرف المثل المبين للمثل الأعلى ولما كان هذا الحرف هو الحمد افتتح الله به أم القرآن وجمع فيها جوامع الحروف السبعة التي بثها في القرآن‏.‏

فالآية الأولى تشتمل على حرف الحمد السابع‏.‏

والثانية تشتمل على حرفي الحلال والحرام اللذين أقامت الرحمانية بهما الدنيا والرحيمية الآخرة‏.‏

والثالثة تشتمل على أمر الملك القيم على حرفي الأمر والنهي اللذين يبدأ أمرهما في الدين‏.‏

والرابعة تشتمل على حرفي المحكم في قوله ‏{‏إياك نعبد‏}‏ والمتشابه في قوله ‏{‏وإياك نستعين ولما افتتح أم القرآن بالسابع الجامع الموهوب ابتدئت البقرة بالسادس المعجوز عنه وهوالمتشابه أه كلام الحراني‏.‏

والمقصود منه هو الأخير وبقيته ينبوعنه السمع وينفر عنه القلب ولا تميل إليه النفوس وأنا أستغفر الله من حكايته على أني أقول في مناسبة ابتداء البقرة بالم أحسن ما قال وهوأنه لما ابتدئت الفاتحة بالحرف المحكم الظاهر لكل أحد حيث لا يعذر أحد في فهمه ابتدئت البقرة بمقابله وهوالحرف المتشابه البعيد التأويل أوالمستحيلة‏.‏

فصل ومن هذا النوع مناسبة أسماء السور لمقاصدها وقد تقدم في النوع السابع عشر الإشارة إلى ذلك‏.‏

وفي عجائب الكرماني‏:‏ إنما سميت السور السبع حم على الاشتراك في الاسم لما بينهن من المتشاكل الذي اختصت به وهوأن كل واحدة منها استفتحت بالكتاب أوصفة الكتاب مع تقارب المقادير في الطول والقصر وتشاكل الكلام في النظام‏.‏

فوائد منثورة في المناسبات في تذكرة الشيخ تاج الدين السبكي ومن خطه نقلت‏:‏ سأل الإمام ما الحكمة في افتتاح سورة الإسراء بالتسبيح والكهف بالتحميد وأجاب بأن التسبيح حيث جاء يقدم على التحميد نحو فسبح بحمد ربك سبحان الله والحمد لله‏.‏

وأجاب ابن الزملكاني بأن سورة سبحان لما اشتملت على الإسراء الذي كذب المشركون به النبي صلى الله عليه وسلم وتكذيبه تكذيب لله سبحانه وتعالى أتى بسبحان لتنزيه الله تعالى عما نسب إليه نبيه من الكذب‏.‏

وسورة الكهف لما أنزلت بعد سؤال المشركين عن قصة أصحاب الكهف وتأخر الوحي نزلت مبينة أن الله لم يقطع نعمته عن نبيه ولا عن المؤمنين بل أتم عليهم النعمة بإنزال الكتاب فناسب افتتاحها بالحمد على هذه النعمة‏.‏

في تفسير الخويبي‏:‏ ابتدئت الفاتحة بقوله الحمد لله رب العالمين بوصف أنه مالك جميع المخلوقين وفي الأنعام والكهف وسبأ وفاطر لم يوصف بذلك بل بفرد من أفراد صفاته وهوخلق السموات والأرض والظلمات والنور في الأنعام وأنزل الكتاب في الكهف وملك ما في السموات وما في الأرض في سبأ وخلقهما في فاطر لأن الفاتحة أم القرآن ومطلعه فناسب الإتيان فيها بأبلغ الصفات وأعمها واشملها‏.‏

في العجائب للكرماني‏:‏ إن قيل كيف جاء يسألونك أربع مرات بغير واو يسألونك عن الأهلة يسألونك ماذا ينفقون يسألونك عن الشهر الحرام يسألونك عن الخمر ثم جاء ثلاث مرات بالواو ويسألونك ماذا ينفقون ويسألونك عن اليتامى ويسألونك عن اليتامى ويسألونك عن المحيض قلنا‏:‏ لأن سؤالهم عن الحوادث الأول وقع متفرقًا وعن الحوادث الأخر وقع في وقت واحد فجئ بحرف الجمع دلالة على ذلك‏.‏

فإن قيل‏:‏ كيف جاء ويسألونك عن الجبال فقل وعادة القرآن مجيء قل في الجواب بلا فاء‏.‏

وأجاب الكرماني بأن التقدير‏:‏ لوسئلت عنها فقل‏.‏

فإن قيل‏:‏ كيف جاء ‏{‏وإذا سألك عبادي عني فإني قريب‏}‏ وعادة السؤال يجيء جوابه في القرآن بقل قلنا‏:‏ حذفت للإشارة إلى أن العبد في حال الدعاء في أشرف المقامات لا واسطة بينه وبين مولاه‏.‏

ورد في القرآن سورتان أولهما يا أيها الناس في كل نصف سورة فالتي في النصف الأول تشتمل على شرح المبدأ والتي في الثاني على شرح المعاد‏.‏

  السابق   الآيات القرآنية   الفهرس   التالي