باب الدين مع الصدقة
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يَقُولُ: " هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيُؤَدِّ دَيْنَهُ حَتَّى تَحْصُلَ أَمْوَالُكُمْ فَتُؤَدُّونَ مِنْهَا الزَّكَاةَ ".
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَحَدِيثُ عُثْمَانَ يُشْبِهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمَرَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ قَبْلَ حُلُولِ الصَّدَقَةِ فِي الْمَالِ فِي قَوْلِهِ " هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ " يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: هَذَا الشَّهْرُ الَّذِي إذَا مَضَى حَلَّتْ زَكَاتُكُمْ كَمَا يُقَالُ شَهْرُ ذِي الْحِجَّةِ، وَإِنَّمَا الْحِجَّةُ بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامٍ مِنْهُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَإِذَا كَانَتْ لِرَجُلٍ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَقَضَى مِنْ الْمِائَتَيْنِ شَيْئًا قَبْلَ حُلُولِ الْمِائَتَيْنِ، أَوْ اسْتَعْدَى عَلَيْهِ السُّلْطَانُ قَبْلَ مَحَلِّ حَوْلِ الْمِائَتَيْنِ فَقَضَاهَا فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَوْلَ حَالَ وَلَيْسَتْ مِائَتَيْنِ.
قال: وَإِنْ لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِالْمِائَتَيْنِ إلَّا بَعْدَ حَوْلِهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهَا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ يَقْضِي عَلَيْهِ السُّلْطَانُ بِمَا بَقِيَ مِنْهَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَهَكَذَا لَوْ اسْتَعْدَى عَلَيْهِ السُّلْطَانُ قَبْلَ الْحَوْلِ فَوَقَفَ مَالَهُ وَلَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاتَهَا ثُمَّ يَدْفَعَ إلَى غُرَمَائِهِ مَا بَقِيَ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلَوْ قَضَى عَلَيْهِ السُّلْطَانُ بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْحَوْلِ ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْغُرَمَاءُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ؛ لِأَنَّ الْمَالَ صَارَ لِلْغُرَمَاءِ دُونَهُ قَبْلَ الْحَوْلِ، وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ أَنَّ عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةَ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ كَانَ مِنْهُ وَمِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَوْ طَرَأَ لَهُ مَالٌ غَيْرُ هَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ هَذَا الْمَالَ وَأَنْ يُقْضِيَ الْغُرَمَاءَ مِنْ غَيْرِهِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ فِي مَالٍ، فَقَدْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ مِنْ مَالِهِ إلَى مَنْ جَعَلَهَا لَهُ فَلاَ يَجُوزُ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَالٍ كَانَ فِي يَدِهِ فَاسْتُحِقَّ بَعْضُهُ فَيُعْطِي الَّذِي اسْتَحَقَّهُ وَيَقْضِي دَيْنَهُ مِنْ شَيْءٍ إنْ بَقِيَ لَهُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَهَكَذَا هَذَا فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ وَالْمَاشِيَةِ كُلِّهَا لاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَالِفَ بَيْنَهَا بِحَالٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِمَّا قَدْ جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ فِي كُلِّهِ إذَا بَلَغَ مَا وُصِفَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصَّدَقَةَ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَهَكَذَا هَذَا فِي صَدَقَةِ الْإِبِلِ الَّتِي صَدَقَتُهَا مِنْهَا وَاَلَّتِي فِيهَا الْغَنَمُ وَغَيْرُهَا كَالْمُرْتَهِنِ بِالشَّيْءِ فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الرَّهْنِ مَا فِيهِ وَلِغُرَمَاءِ صَاحِبِ الْمَالِ مَا فَضَلَ عَنْهُ وَفِي أَكْثَرَ مِنْ حَالِ الْمُرْتَهِنِ، وَمَا وَجَبَ فِي مَالٍ فِيهِ الصَّدَقَةُ مِنْ إجَارَةِ أَجِيرٍ وَغَيْرِهَا أُعْطِيَ قَبْلَ الْحَوْلِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ قِرَاضًا فَاشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً تَسْوَى أَلْفَيْنِ وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهَا فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ السِّلْعَةَ تُزَكَّى كُلُّهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ مِلْكِ مَالِكِهَا لاَ شَيْءَ فِيهَا لِلْمُقَارِضِ حَتَّى يُسَلِّمَ رَأْسَ الْمَالِ إلَى رَبِّ الْمَالِ وَيُقَاسِمَهُ الرِّبْحَ عَلَى مَا تَشَارَطَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ، أَوْ قَبْلَ الْحَوْلِ فَلَمْ يَقْتَسِمَا الْمَالَ حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ.
قال: وَإِنْ بَاعَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ وَسَلَّمَ إلَى رَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ وَاقْتَسَمَا الرِّبْحَ ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ فَفِي رَأْسِ مَالِ رَبِّ الْمَالِ وَرِبْحِهِ الزَّكَاةُ، وَلاَ زَكَاةَ فِي حِصَّةِ الْمُقَارِضِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ مَالاً لَمْ يَحُلْ عَلَيْهِ الْحَوْلُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَ رَأْسَ مَالِ رَبِّ الْمَالِ إلَيْهِ وَلَمْ يَقْتَسِمَا الرِّبْحَ حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ صَدَّقَ رَأْسَ مَالِ رَبِّ الْمَالِ وَحِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ وَلَمْ يَصَّدَّقْ مَالَ الْمُقَارِضِ، وَإِنْ كَانَ شَرِيكًا بِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ حَادِثٌ فِيهِ وَلَمْ يَحُلْ عَلَيْهِ حَوْلٌ مِنْ يَوْمِ مَلَكَهُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلَوْ اسْتَأْخَرَ الْمَالُ سِنِينَ لاَ يُبَاعُ زَكَّى كُلَّ سَنَةٍ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَبَدًا حَتَّى يُسَلِّمَ إلَى رَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ، فَأَمَّا مَا لَمْ يُسَلِّمْ إلَى رَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ فَهُوَ مِنْ مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ فِي هَذَا الْقَوْلِ لاَ يَخْتَلِفُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ حُرًّا مُسْلِمًا، أَوْ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَالْعَامِلُ نَصْرَانِيًّا، أَوْ مُكَاتَبًا، فَهَكَذَا يُزَكِّي مَا لَمْ يَأْخُذْ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ، وَإِذَا أَخَذَ رَأْسَ مَالِهِ زَكَّى جَمِيعَ مَالِهِ وَلَمْ يُزَكِّ مَالَ النَّصْرَانِيِّ وَلاَ الْمُكَاتَبِ مِنْهُ، هُوَ أَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَالْقَوْلُ الثَّانِي، إذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ قِرَاضًا فَاشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً تَسْوَى أَلْفًا فَحَالَ الْحَوْلُ عَلَى السِّلْعَةِ فِي يَدَيْ الْمُقَارِضِ قَبْلَ بَيْعِهَا قُوِّمَتْ، فَإِذَا بَلَغَتْ أَلْفَيْنِ أُدِّيَتْ الزَّكَاةُ عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّهَا حِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ وَوُقِفَتْ زَكَاةُ خَمْسِمِائَةٍ، فَإِنْ حَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ ثَانٍ، فَإِنْ بَلَغَتْ الْأَلْفَيْنِ زُكِّيَتْ الْأَلْفَانِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَالَ عَلَى الْخَمْسِمِائَةِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ صَارَتْ لِلْمُقَارِضِ فَإِنْ نَقَصَتْ السِّلْعَةُ فَلاَ شَيْءَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَلاَ الْمُقَارِضِ يَتَرَاجَعَانِ بِهِ مِنْ الزَّكَاةِ، وَإِنْ زَادَتْ حَتَّى تَبْلُغَ فِي عَامٍ مُقْبِلٍ ثَمَنَ ثَلاَثَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ زُكِّيَتْ ثَلاَثَةُ آلاَفٍ كَمَا وَصَفْت وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْفَضْلُ فِيهَا إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ لِلْمُقَارِضِ نِصْفُهَا وَحَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ مِنْ يَوْمِ صَارَ لِلْمُقَارِضِ فِيهَا فَضْلٌ زُكِّيَتْ؛ لِأَنَّ الْمُقَارِضَ خَلِيطٌ بِهَا، فَإِنْ نَقَصَتْ السِّلْعَةُ حَتَّى تَصِيرَ إلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ زُكِّيَتْ أَلْفٌ وَلاَ تَعْدُو الزَّكَاةُ الْأُولَى أَنْ تَكُونَ عَنْهُمَا مَعًا، فَهُمَا لَوْ كَانَا خَلِيطَيْنِ فِي مَالٍ أَخَذْنَا الزَّكَاةَ مِنْهُمَا مَعًا، أَوْ عَنْ رَبِّ الْمَالِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُقَارِضُ حُرًّا مُسْلِمًا، أَوْ عَبْدًا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الْقِرَاضِ فَكَانَ مَالُهُ مَالَ سَيِّدِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمُقَارِضُ مِمَّنْ لاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ كَأَنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا زُكِّيَتْ حِصَّةُ الْمُقَارِضِ الْمُسْلِمِ وَلَمْ تُزَكَّ حِصَّةُ الْمُقَارِضِ النَّصْرَانِيِّ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ نَمَاءَهَا لَوْ سَلِمَ كَانَ لَهُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَهَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُقَارِضُ مُكَاتَبًا فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ لِمُسْلِمٍ وَلاَ تُزَكَّى حِصَّةُ الْعَامِلِ النَّصْرَانِيِّ وَالْمُكَاتَبِ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لاَ زَكَاةَ عَلَيْهِمَا فِي أَمْوَالِهِمَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَرَبُّ الْمَالِ نَصْرَانِيٌّ وَالْعَامِلُ فِي الْمَالِ مُسْلِمٌ، فَاشْتَرَى سِلْعَةً بِأَلْفٍ فَحَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ وَهِيَ ثَمَنُ أَلْفَيْنِ فَلاَ زَكَاةَ فِيهَا، وَإِنْ حَالَ عَلَيْهَا أَحْوَالٌ؛ لِأَنَّهَا مَالُ نَصْرَانِيٍّ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ الْعَامِلُ إلَى النَّصْرَانِيِّ رَأْسَ مَالِهِ فَيَكُونُ مَا فَضَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّصْرَانِيِّ فَيُزَكِّي نَصِيبَ الْعَامِلِ الْمُسْلِمِ مِنْهُ إذَا حَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ وَلاَ يُزَكِّي نَصِيبَ النَّصْرَانِيِّ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي، فَإِنَّهُ يُحْصِي ذَلِكَ وَلاَ يَكُونُ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ، فَإِذَا حَالَ حَوْلٌ، فَإِنْ سَلِمَ لَهُ فَضْلُهَا أَدَّى زَكَاتَهُ كَمَا يُؤَدِّي زَكَاةَ مَا مَرَّ عَلَيْهِ مِنْ السِّنِينَ مُنْذُ كَانَ لَهُ فِي الْمَالِ فَضْلٌ.
قال: وَإِذَا كَانَ الشِّرْكُ فِي الْمَالِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ صَدَّقَ الْمُسْلِمُ مَالَهُ صَدَقَةَ الْمُنْفَرِدِ لاَ صَدَقَةَ الشَّرِيكِ وَلاَ الْخَلِيطِ فِي الْمَاشِيَةِ وَالنَّاضِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ، إنَّمَا يُجْمَعُ فِي الصَّدَقَةِ مَا فِيهِ كُلِّهِ صَدَقَةٌ، فَأَمَّا أَنْ يُجْمَعَ فِي الصَّدَقَةِ مَا لاَ زَكَاةَ فِيهِ فَلاَ يَجُوزُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ قِرَاضًا فَاشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً تَسْوَى أَلْفَيْنِ وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهَا فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ السِّلْعَةَ تُزَكَّى كُلُّهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ مِلْكِ مَالِكِهَا لاَ شَيْءَ فِيهَا لِلْمُقَارِضِ حَتَّى يُسَلِّمَ رَأْسَ الْمَالِ إلَى رَبِّ الْمَالِ وَيُقَاسِمَهُ الرِّبْحَ عَلَى مَا تَشَارَطَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ، أَوْ قَبْلَ الْحَوْلِ فَلَمْ يَقْتَسِمَا الْمَالَ حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ.
قال: وَإِنْ بَاعَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ وَسَلَّمَ إلَى رَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ وَاقْتَسَمَا الرِّبْحَ ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ فَفِي رَأْسِ مَالِ رَبِّ الْمَالِ وَرِبْحِهِ الزَّكَاةُ، وَلاَ زَكَاةَ فِي حِصَّةِ الْمُقَارِضِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ مَالاً لَمْ يَحُلْ عَلَيْهِ الْحَوْلُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَ رَأْسَ مَالِ رَبِّ الْمَالِ إلَيْهِ وَلَمْ يَقْتَسِمَا الرِّبْحَ حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ صَدَّقَ رَأْسَ مَالِ رَبِّ الْمَالِ وَحِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ وَلَمْ يَصَّدَّقْ مَالَ الْمُقَارِضِ، وَإِنْ كَانَ شَرِيكًا بِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ حَادِثٌ فِيهِ وَلَمْ يَحُلْ عَلَيْهِ حَوْلٌ مِنْ يَوْمِ مَلَكَهُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلَوْ اسْتَأْخَرَ الْمَالُ سِنِينَ لاَ يُبَاعُ زَكَّى كُلَّ سَنَةٍ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَبَدًا حَتَّى يُسَلِّمَ إلَى رَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ، فَأَمَّا مَا لَمْ يُسَلِّمْ إلَى رَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ فَهُوَ مِنْ مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ فِي هَذَا الْقَوْلِ لاَ يَخْتَلِفُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ حُرًّا مُسْلِمًا، أَوْ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَالْعَامِلُ نَصْرَانِيًّا، أَوْ مُكَاتَبًا، فَهَكَذَا يُزَكِّي مَا لَمْ يَأْخُذْ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ، وَإِذَا أَخَذَ رَأْسَ مَالِهِ زَكَّى جَمِيعَ مَالِهِ وَلَمْ يُزَكِّ مَالَ النَّصْرَانِيِّ وَلاَ الْمُكَاتَبِ مِنْهُ، هُوَ أَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَالْقَوْلُ الثَّانِي، إذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ قِرَاضًا فَاشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً تَسْوَى أَلْفًا فَحَالَ الْحَوْلُ عَلَى السِّلْعَةِ فِي يَدَيْ الْمُقَارِضِ قَبْلَ بَيْعِهَا قُوِّمَتْ، فَإِذَا بَلَغَتْ أَلْفَيْنِ أُدِّيَتْ الزَّكَاةُ عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّهَا حِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ وَوُقِفَتْ زَكَاةُ خَمْسِمِائَةٍ، فَإِنْ حَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ ثَانٍ، فَإِنْ بَلَغَتْ الْأَلْفَيْنِ زُكِّيَتْ الْأَلْفَانِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَالَ عَلَى الْخَمْسِمِائَةِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ صَارَتْ لِلْمُقَارِضِ فَإِنْ نَقَصَتْ السِّلْعَةُ فَلاَ شَيْءَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَلاَ الْمُقَارِضِ يَتَرَاجَعَانِ بِهِ مِنْ الزَّكَاةِ، وَإِنْ زَادَتْ حَتَّى تَبْلُغَ فِي عَامٍ مُقْبِلٍ ثَمَنَ ثَلاَثَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ زُكِّيَتْ ثَلاَثَةُ آلاَفٍ كَمَا وَصَفْت وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْفَضْلُ فِيهَا إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ لِلْمُقَارِضِ نِصْفُهَا وَحَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ مِنْ يَوْمِ صَارَ لِلْمُقَارِضِ فِيهَا فَضْلٌ زُكِّيَتْ؛ لِأَنَّ الْمُقَارِضَ خَلِيطٌ بِهَا، فَإِنْ نَقَصَتْ السِّلْعَةُ حَتَّى تَصِيرَ إلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ زُكِّيَتْ أَلْفٌ وَلاَ تَعْدُو الزَّكَاةُ الْأُولَى أَنْ تَكُونَ عَنْهُمَا مَعًا، فَهُمَا لَوْ كَانَا خَلِيطَيْنِ فِي مَالٍ أَخَذْنَا الزَّكَاةَ مِنْهُمَا مَعًا، أَوْ عَنْ رَبِّ الْمَالِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُقَارِضُ حُرًّا مُسْلِمًا، أَوْ عَبْدًا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الْقِرَاضِ فَكَانَ مَالُهُ مَالَ سَيِّدِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمُقَارِضُ مِمَّنْ لاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ كَأَنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا زُكِّيَتْ حِصَّةُ الْمُقَارِضِ الْمُسْلِمِ وَلَمْ تُزَكَّ حِصَّةُ الْمُقَارِضِ النَّصْرَانِيِّ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ نَمَاءَهَا لَوْ سَلِمَ كَانَ لَهُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَهَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُقَارِضُ مُكَاتَبًا فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ لِمُسْلِمٍ وَلاَ تُزَكَّى حِصَّةُ الْعَامِلِ النَّصْرَانِيِّ وَالْمُكَاتَبِ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لاَ زَكَاةَ عَلَيْهِمَا فِي أَمْوَالِهِمَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَرَبُّ الْمَالِ نَصْرَانِيٌّ وَالْعَامِلُ فِي الْمَالِ مُسْلِمٌ، فَاشْتَرَى سِلْعَةً بِأَلْفٍ فَحَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ وَهِيَ ثَمَنُ أَلْفَيْنِ فَلاَ زَكَاةَ فِيهَا، وَإِنْ حَالَ عَلَيْهَا أَحْوَالٌ؛ لِأَنَّهَا مَالُ نَصْرَانِيٍّ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ الْعَامِلُ إلَى النَّصْرَانِيِّ رَأْسَ مَالِهِ فَيَكُونُ مَا فَضَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّصْرَانِيِّ فَيُزَكِّي نَصِيبَ الْعَامِلِ الْمُسْلِمِ مِنْهُ إذَا حَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ وَلاَ يُزَكِّي نَصِيبَ النَّصْرَانِيِّ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي، فَإِنَّهُ يُحْصِي ذَلِكَ وَلاَ يَكُونُ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ، فَإِذَا حَالَ حَوْلٌ، فَإِنْ سَلِمَ لَهُ فَضْلُهَا أَدَّى زَكَاتَهُ كَمَا يُؤَدِّي زَكَاةَ مَا مَرَّ عَلَيْهِ مِنْ السِّنِينَ مُنْذُ كَانَ لَهُ فِي الْمَالِ فَضْلٌ.
قال: وَإِذَا كَانَ الشِّرْكُ فِي الْمَالِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ صَدَّقَ الْمُسْلِمُ مَالَهُ صَدَقَةَ الْمُنْفَرِدِ لاَ صَدَقَةَ الشَّرِيكِ وَلاَ الْخَلِيطِ فِي الْمَاشِيَةِ وَالنَّاضِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ، إنَّمَا يُجْمَعُ فِي الصَّدَقَةِ مَا فِيهِ كُلِّهِ صَدَقَةٌ، فَأَمَّا أَنْ يُجْمَعَ فِي الصَّدَقَةِ مَا لاَ زَكَاةَ فِيهِ فَلاَ يَجُوزُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ قِرَاضًا فَاشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً تَسْوَى أَلْفَيْنِ وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهَا فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ السِّلْعَةَ تُزَكَّى كُلُّهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ مِلْكِ مَالِكِهَا لاَ شَيْءَ فِيهَا لِلْمُقَارِضِ حَتَّى يُسَلِّمَ رَأْسَ الْمَالِ إلَى رَبِّ الْمَالِ وَيُقَاسِمَهُ الرِّبْحَ عَلَى مَا تَشَارَطَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ، أَوْ قَبْلَ الْحَوْلِ فَلَمْ يَقْتَسِمَا الْمَالَ حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ.
قال: وَإِنْ بَاعَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ وَسَلَّمَ إلَى رَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ وَاقْتَسَمَا الرِّبْحَ ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ فَفِي رَأْسِ مَالِ رَبِّ الْمَالِ وَرِبْحِهِ الزَّكَاةُ، وَلاَ زَكَاةَ فِي حِصَّةِ الْمُقَارِضِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ مَالاً لَمْ يَحُلْ عَلَيْهِ الْحَوْلُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَ رَأْسَ مَالِ رَبِّ الْمَالِ إلَيْهِ وَلَمْ يَقْتَسِمَا الرِّبْحَ حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ صَدَّقَ رَأْسَ مَالِ رَبِّ الْمَالِ وَحِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ وَلَمْ يَصَّدَّقْ مَالَ الْمُقَارِضِ، وَإِنْ كَانَ شَرِيكًا بِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ حَادِثٌ فِيهِ وَلَمْ يَحُلْ عَلَيْهِ حَوْلٌ مِنْ يَوْمِ مَلَكَهُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلَوْ اسْتَأْخَرَ الْمَالُ سِنِينَ لاَ يُبَاعُ زَكَّى كُلَّ سَنَةٍ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَبَدًا حَتَّى يُسَلِّمَ إلَى رَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ، فَأَمَّا مَا لَمْ يُسَلِّمْ إلَى رَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ فَهُوَ مِنْ مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ فِي هَذَا الْقَوْلِ لاَ يَخْتَلِفُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ حُرًّا مُسْلِمًا، أَوْ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَالْعَامِلُ نَصْرَانِيًّا، أَوْ مُكَاتَبًا، فَهَكَذَا يُزَكِّي مَا لَمْ يَأْخُذْ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ، وَإِذَا أَخَذَ رَأْسَ مَالِهِ زَكَّى جَمِيعَ مَالِهِ وَلَمْ يُزَكِّ مَالَ النَّصْرَانِيِّ وَلاَ الْمُكَاتَبِ مِنْهُ، هُوَ أَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَالْقَوْلُ الثَّانِي، إذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ قِرَاضًا فَاشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً تَسْوَى أَلْفًا فَحَالَ الْحَوْلُ عَلَى السِّلْعَةِ فِي يَدَيْ الْمُقَارِضِ قَبْلَ بَيْعِهَا قُوِّمَتْ، فَإِذَا بَلَغَتْ أَلْفَيْنِ أُدِّيَتْ الزَّكَاةُ عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّهَا حِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ وَوُقِفَتْ زَكَاةُ خَمْسِمِائَةٍ، فَإِنْ حَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ ثَانٍ، فَإِنْ بَلَغَتْ الْأَلْفَيْنِ زُكِّيَتْ الْأَلْفَانِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَالَ عَلَى الْخَمْسِمِائَةِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ صَارَتْ لِلْمُقَارِضِ فَإِنْ نَقَصَتْ السِّلْعَةُ فَلاَ شَيْءَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَلاَ الْمُقَارِضِ يَتَرَاجَعَانِ بِهِ مِنْ الزَّكَاةِ، وَإِنْ زَادَتْ حَتَّى تَبْلُغَ فِي عَامٍ مُقْبِلٍ ثَمَنَ ثَلاَثَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ زُكِّيَتْ ثَلاَثَةُ آلاَفٍ كَمَا وَصَفْت وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْفَضْلُ فِيهَا إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ لِلْمُقَارِضِ نِصْفُهَا وَحَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ مِنْ يَوْمِ صَارَ لِلْمُقَارِضِ فِيهَا فَضْلٌ زُكِّيَتْ؛ لِأَنَّ الْمُقَارِضَ خَلِيطٌ بِهَا، فَإِنْ نَقَصَتْ السِّلْعَةُ حَتَّى تَصِيرَ إلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ زُكِّيَتْ أَلْفٌ وَلاَ تَعْدُو الزَّكَاةُ الْأُولَى أَنْ تَكُونَ عَنْهُمَا مَعًا، فَهُمَا لَوْ كَانَا خَلِيطَيْنِ فِي مَالٍ أَخَذْنَا الزَّكَاةَ مِنْهُمَا مَعًا، أَوْ عَنْ رَبِّ الْمَالِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُقَارِضُ حُرًّا مُسْلِمًا، أَوْ عَبْدًا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الْقِرَاضِ فَكَانَ مَالُهُ مَالَ سَيِّدِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمُقَارِضُ مِمَّنْ لاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ كَأَنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا زُكِّيَتْ حِصَّةُ الْمُقَارِضِ الْمُسْلِمِ وَلَمْ تُزَكَّ حِصَّةُ الْمُقَارِضِ النَّصْرَانِيِّ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ نَمَاءَهَا لَوْ سَلِمَ كَانَ لَهُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَهَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُقَارِضُ مُكَاتَبًا فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ لِمُسْلِمٍ وَلاَ تُزَكَّى حِصَّةُ الْعَامِلِ النَّصْرَانِيِّ وَالْمُكَاتَبِ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لاَ زَكَاةَ عَلَيْهِمَا فِي أَمْوَالِهِمَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَرَبُّ الْمَالِ نَصْرَانِيٌّ وَالْعَامِلُ فِي الْمَالِ مُسْلِمٌ، فَاشْتَرَى سِلْعَةً بِأَلْفٍ فَحَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ وَهِيَ ثَمَنُ أَلْفَيْنِ فَلاَ زَكَاةَ فِيهَا، وَإِنْ حَالَ عَلَيْهَا أَحْوَالٌ؛ لِأَنَّهَا مَالُ نَصْرَانِيٍّ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ الْعَامِلُ إلَى النَّصْرَانِيِّ رَأْسَ مَالِهِ فَيَكُونُ مَا فَضَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّصْرَانِيِّ فَيُزَكِّي نَصِيبَ الْعَامِلِ الْمُسْلِمِ مِنْهُ إذَا حَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ وَلاَ يُزَكِّي نَصِيبَ النَّصْرَانِيِّ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي، فَإِنَّهُ يُحْصِي ذَلِكَ وَلاَ يَكُونُ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ، فَإِذَا حَالَ حَوْلٌ، فَإِنْ سَلِمَ لَهُ فَضْلُهَا أَدَّى زَكَاتَهُ كَمَا يُؤَدِّي زَكَاةَ مَا مَرَّ عَلَيْهِ مِنْ السِّنِينَ مُنْذُ كَانَ لَهُ فِي الْمَالِ فَضْلٌ.
قال: وَإِذَا كَانَ الشِّرْكُ فِي الْمَالِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ صَدَّقَ الْمُسْلِمُ مَالَهُ صَدَقَةَ الْمُنْفَرِدِ لاَ صَدَقَةَ الشَّرِيكِ وَلاَ الْخَلِيطِ فِي الْمَاشِيَةِ وَالنَّاضِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ، إنَّمَا يُجْمَعُ فِي الصَّدَقَةِ مَا فِيهِ كُلِّهِ صَدَقَةٌ، فَأَمَّا أَنْ يُجْمَعَ فِي الصَّدَقَةِ مَا لاَ زَكَاةَ فِيهِ فَلاَ يَجُوزُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الرَّجُلَ عَلَى أَنْ يَرْعَى غَنَمَهُ بِشَاةٍ مِنْهَا بِعَيْنِهَا فَهِيَ مِلْكٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ، فَإِنْ قَبَضَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ فَهِيَ لَهُ وَلاَ زَكَاةَ عَلَى الرَّجُلِ فِي مَاشِيَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ بَعْدَ شَاةِ الْأَجِيرِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْأَجِيرُ الشَّاةَ حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ فَفِي غَنَمِهِ الصَّدَقَةُ، عَلَى الشَّاةِ حِصَّتُهَا مِنْ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّهُ خَلِيطٌ بِالشَّاةِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَهَكَذَا هَذَا فِي الرَّجُلِ يَسْتَأْجِرُ بِتَمْرِ نَخْلَةٍ بِعَيْنِهَا، أَوْ نَخَلاَتٍ لاَ يَخْتَلِفُ إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْإِجَارَةَ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَإِنْ اُسْتُؤْجِرَ بِشَيْءٍ مِنْ الزَّرْعِ قَائِمٍ بِعَيْنِهِ لَمْ تَجُزْ الْإِجَارَةُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ كَمَا لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَضَى خَبَرٌ لاَزِمٌ بِجَوَازِ بَيْعِهِ فَتَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ كَالشَّاةِ بِعَيْنِهَا وَتَمْرِ النَّخْلَةِ وَالنَّخَلاَتِ بِأَعْيَانِهِنَّ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِنْ كَانَ اسْتَأْجَرَهُ بِشَاةٍ بِصِفَةٍ، أَوْ تَمْرٍ بِصِفَةٍ، أَوْ بَاعَ غَنَمًا فَعَلَيْهِ الصَّدَقَةُ فِي غَنَمِهِ وَتَمْرِهِ وَزَرْعِهِ وَيُؤْخَذُ بِأَنْ يُؤَدِّيَ إلَى الْأَجِيرِ وَالْمُشْتَرِي مِنْهُ الصِّفَةَ الَّتِي وَجَبَتْ لَهُ مِنْ مَالِهِ الَّذِي أُخِذَتْ مِنْهُ الزَّكَاةُ، أَوْ غَيْرِهِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَسَوَاءٌ كَانَتْ لَهُ عُرُوضٌ كَثِيرَةٌ تَحْمِلُ دَيْنَهُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ غَيْرُ الْمَالِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الرَّجُلَ عَلَى أَنْ يَرْعَى غَنَمَهُ بِشَاةٍ مِنْهَا بِعَيْنِهَا فَهِيَ مِلْكٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ، فَإِنْ قَبَضَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ فَهِيَ لَهُ وَلاَ زَكَاةَ عَلَى الرَّجُلِ فِي مَاشِيَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ بَعْدَ شَاةِ الْأَجِيرِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْأَجِيرُ الشَّاةَ حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ فَفِي غَنَمِهِ الصَّدَقَةُ، عَلَى الشَّاةِ حِصَّتُهَا مِنْ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّهُ خَلِيطٌ بِالشَّاةِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَهَكَذَا هَذَا فِي الرَّجُلِ يَسْتَأْجِرُ بِتَمْرِ نَخْلَةٍ بِعَيْنِهَا، أَوْ نَخَلاَتٍ لاَ يَخْتَلِفُ إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْإِجَارَةَ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَإِنْ اُسْتُؤْجِرَ بِشَيْءٍ مِنْ الزَّرْعِ قَائِمٍ بِعَيْنِهِ لَمْ تَجُزْ الْإِجَارَةُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ كَمَا لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَضَى خَبَرٌ لاَزِمٌ بِجَوَازِ بَيْعِهِ فَتَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ كَالشَّاةِ بِعَيْنِهَا وَتَمْرِ النَّخْلَةِ وَالنَّخَلاَتِ بِأَعْيَانِهِنَّ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِنْ كَانَ اسْتَأْجَرَهُ بِشَاةٍ بِصِفَةٍ، أَوْ تَمْرٍ بِصِفَةٍ، أَوْ بَاعَ غَنَمًا فَعَلَيْهِ الصَّدَقَةُ فِي غَنَمِهِ وَتَمْرِهِ وَزَرْعِهِ وَيُؤْخَذُ بِأَنْ يُؤَدِّيَ إلَى الْأَجِيرِ وَالْمُشْتَرِي مِنْهُ الصِّفَةَ الَّتِي وَجَبَتْ لَهُ مِنْ مَالِهِ الَّذِي أُخِذَتْ مِنْهُ الزَّكَاةُ، أَوْ غَيْرِهِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَسَوَاءٌ كَانَتْ لَهُ عُرُوضٌ كَثِيرَةٌ تَحْمِلُ دَيْنَهُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ غَيْرُ الْمَالِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الرَّجُلَ عَلَى أَنْ يَرْعَى غَنَمَهُ بِشَاةٍ مِنْهَا بِعَيْنِهَا فَهِيَ مِلْكٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ، فَإِنْ قَبَضَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ فَهِيَ لَهُ وَلاَ زَكَاةَ عَلَى الرَّجُلِ فِي مَاشِيَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ بَعْدَ شَاةِ الْأَجِيرِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْأَجِيرُ الشَّاةَ حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ فَفِي غَنَمِهِ الصَّدَقَةُ، عَلَى الشَّاةِ حِصَّتُهَا مِنْ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّهُ خَلِيطٌ بِالشَّاةِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَهَكَذَا هَذَا فِي الرَّجُلِ يَسْتَأْجِرُ بِتَمْرِ نَخْلَةٍ بِعَيْنِهَا، أَوْ نَخَلاَتٍ لاَ يَخْتَلِفُ إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْإِجَارَةَ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَإِنْ اُسْتُؤْجِرَ بِشَيْءٍ مِنْ الزَّرْعِ قَائِمٍ بِعَيْنِهِ لَمْ تَجُزْ الْإِجَارَةُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ كَمَا لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَضَى خَبَرٌ لاَزِمٌ بِجَوَازِ بَيْعِهِ فَتَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ كَالشَّاةِ بِعَيْنِهَا وَتَمْرِ النَّخْلَةِ وَالنَّخَلاَتِ بِأَعْيَانِهِنَّ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِنْ كَانَ اسْتَأْجَرَهُ بِشَاةٍ بِصِفَةٍ، أَوْ تَمْرٍ بِصِفَةٍ، أَوْ بَاعَ غَنَمًا فَعَلَيْهِ الصَّدَقَةُ فِي غَنَمِهِ وَتَمْرِهِ وَزَرْعِهِ وَيُؤْخَذُ بِأَنْ يُؤَدِّيَ إلَى الْأَجِيرِ وَالْمُشْتَرِي مِنْهُ الصِّفَةَ الَّتِي وَجَبَتْ لَهُ مِنْ مَالِهِ الَّذِي أُخِذَتْ مِنْهُ الزَّكَاةُ، أَوْ غَيْرِهِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَسَوَاءٌ كَانَتْ لَهُ عُرُوضٌ كَثِيرَةٌ تَحْمِلُ دَيْنَهُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ غَيْرُ الْمَالِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَقَامَ عَلَيْهِ غُرَمَاؤُهُ فَقَالَ: قَدْ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، وَقَالَ الْغُرَمَاءُ: لَمْ يَحُلْ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَيُخْرِجُ مِنْهَا الزَّكَاةَ وَيَدْفَعُ مَا بَقِيَ مِنْهَا إلَى غُرَمَائِهِ إذَا كَانَ لَهُمْ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا بَقِيَ مِنْهَا، أَوْ أَكْثَرُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلَوْ كَانَتْ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَقَالَ: قَدْ حَالَتْ عَلَيْهَا أَحْوَالٌ وَلَمْ أُخْرِجْ مِنْهَا الزَّكَاةَ وَكَذَّبَهُ غُرَمَاؤُهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَيُخْرِجُ مِنْهُ زَكَاةَ الْأَحْوَالِ ثُمَّ يَأْخُذُ غُرَمَاؤُهُ مَا بَقِيَ مِنْهَا بَعْدَ الزَّكَاةِ أَبَدًا أَوْلَى بِهَا مِنْ مَالِ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهَا أَوْلَى بِهَا مِنْ مِلْكِ مَالِكِهَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلاً أَلْفَ دِرْهَمٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، أَوْ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَسَوَاءٌ، وَإِذَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الدَّرَاهِمِ الْمَرْهُونَةِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ، أَوْ بَعْدَهُ فَسَوَاءٌ، وَيُخْرِجُ مِنْهَا الزَّكَاةَ قَبْلَ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَهَكَذَا كُلُّ مَالٍ رُهِنَ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ.
باب زكاة الدين
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ لِرَجُلٍ غَائِبٍ عَنْهُ فَهُوَ كَمَا تَكُونُ التِّجَارَةُ لَهُ غَائِبَةً عَنْهُ الْوَدِيعَةُ وَفِي كُلٍّ زَكَاةٌ.
قال: وَإِذَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الزَّكَاةَ فِي الْحَوْلِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْعَلَ زَكَاةَ مَالِهِ إلَّا فِي حَوْلٍ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لاَ يَعْدُو أَنْ يَكُونَ فِيهِ زَكَاةٌ وَلاَ يَكُونُ إلَّا كَمَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ لاَ يَكُونُ فِيهِ زَكَاةٌ فَيَكُونُ كَالْمَالِ الْمُسْتَفَادِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَحَالَ عَلَيْهِ حَوْلٌ وَرَبُّ الْمَالِ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ بِحُضُورِ رَبِّ الدَّيْنِ وَمِلاَئِهِ وَأَنَّهُ لاَ يَجْحَدُهُ وَلاَ يَضْطَرُّهُ إلَى عَدْوَى فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ، أَوْ زَكَاتَهُ كَمَا يَكُونُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي الْوَدِيعَةِ هَكَذَا، وَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ غَائِبًا، أَوْ حَاضِرًا لاَ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ إلَّا بِخَوْفٍ، أَوْ بِفَلَسٍ لَهُ إنْ اسْتَعْدَى عَلَيْهِ وَكَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ غَائِبًا حَسَبَ مَا احْتَبَسَ عِنْدَهُ حَتَّى يُمْكِنَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ، فَإِذَا قَبَضَهُ أَدَّى زَكَاتَهُ لِمَا مَرَّ عَلَيْهِ مِنْ السِّنِينَ لاَ يَسَعُهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَهَكَذَا الْمَاشِيَةُ تَكُونُ لِلرَّجُلِ غَائِبَةً لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا بِنَفْسِهِ وَلاَ يُقْدَرُ لَهُ عَلَيْهَا، وَهَكَذَا الْوَدِيعَةُ وَالْمَالُ يَدْفِنُهُ فَيَنْسَى مَوْضِعَهُ لاَ يَخْتَلِفُ فِي شَيْءٍ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِنْ كَانَ الْمَالُ الْغَائِبُ عَنْهُ فِي تِجَارَةٍ يَقْدِرُ وَكِيلٌ لَهُ عَلَى قَبْضِهِ حَيْثُ هُوَ، قُوِّمَ حَيْثُ هُوَ وَأُدِّيَتْ زَكَاتُهُ وَلاَ يَسَعُهُ إلَّا ذَلِكَ وَهَكَذَا الْمَالُ الْمَدْفُونُ وَالدَّيْنُ، وَكُلَّمَا قُلْت لاَ يَسَعُهُ إلَّا تَأْدِيَةُ زَكَاتِهِ بِحَوْلِهِ وَإِمْكَانِهِ لَهُ، فَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ وَبَعْدَ الْحَوْلِ وَقَدْ أَمْكَنَهُ فَزَكَاتُهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَهَكَذَا كُلُّ مَالٍ لَهُ يَعْرِفُ مَوْضِعَهُ وَلاَ يَدْفَعُ عَنْهُ فَكُلَّمَا قُلْت لَهُ يُزَكِّيهِ فَلاَ يَلْزَمُهُ زَكَاتُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ فَهَلَكَ الْمَالُ قَبْلَ أَنْ يُمْكِنَهُ قَبْضُهُ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا مَضَى مِنْ زَكَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الَّتِي فِيهَا الزَّكَاةُ هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يُمْكِنَهُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَإِنْ غَصَبَ مَالاً فَأَقَامَ فِي يَدَيْ الْغَاصِبِ زَمَانًا لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ ثُمَّ أَخَذَهُ، أَوْ غَرِقَ لَهُ مَالٌ فَأَقَامَ فِي الْبَحْرِ زَمَانًا ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِ، أَوْ دُفِنَ مَالٌ فَضَلَّ مَوْضِعَهُ فَلَمْ يَدْرِ أَيْنَ هُوَ ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِ فَلاَ يَجُوزُ فِيهِ إلَّا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ أَنْ لاَ يَكُونَ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ لِمَا مَضَى وَلاَ إذَا قَبَضَهُ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ حَوْلٌ مِنْ يَوْمِ قَبَضَهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَغْلُوبًا عَلَيْهِ بِلاَ طَاعَةٍ مِنْهُ كَطَاعَتِهِ فِي السَّلَفِ وَالتِّجَارَةِ وَالدَّيْنِ، أَوْ يَكُونَ فِيهِ الزَّكَاةُ إنْ سَلِمَ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ لِمَا مَضَى عَلَيْهِ مِنْ السِّنِينَ. [قَالَ الرَّبِيعُ]: الْقَوْلُ الْآخَرُ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي؛ لِأَنَّ مَنْ غُصِبَ مَالُهُ، أَوْ غَرِقَ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ، هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيُّ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَهَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ أَصْلُهُ مَضْمُونٌ، أَوْ أَمَانَةٌ فَجَحَدَهُ إيَّاهُ وَلاَ بَيِّنَةَ لَهُ عَلَيْهِ، أَوْ لَهُ بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ بِأَيِّ وَجْهٍ مَا كَانَ الْأَخْذُ. [قَالَ الرَّبِيعُ]: فَإِذَا أَخَذَهُ زَكَّاهُ لِمَا مَضَى عَلَيْهِ مِنْ السِّنِينَ، هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَإِنْ هَلَكَ مِنْهُ مَالٌ فَالْتَقَطَهُ مِنْهُ رَجُلٌ، أَوْ لَمْ يَدْرِ اُلْتُقِطَ، أَوْ لَمْ يُلْتَقَطْ، فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ هَذَا وَيَجُوزُ أَنْ لاَ يَكُونَ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الْمُلْتَقِطَ يَمْلِكُهُ بَعْدَ سَنَةٍ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَهُ إلَيْهِ إنْ جَاءَهُ، وَيُخَالِفُ الْبَابَ قَبْلَهُ بِهَذَا الْمَعْنَى.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَكُلُّ مَا أَقْبَضَ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي قُلْت عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ زَكَّاهُ إذَا كَانَ فِي مِثْلِهِ زَكَاةٌ لِمَا مَضَى ثُمَّ كُلَّمَا قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا فَكَذَلِكَ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا عَرَّفَ الرَّجُلُ اللُّقَطَةَ سَنَةً ثُمَّ مَلَكَهَا فَحَالَ عَلَيْهَا أَحْوَالٌ وَلَمْ يُزَكِّهَا ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهَا فَلاَ زَكَاةَ عَلَى الَّذِي وَجَدَهَا، وَلَيْسَ هَذَا كَصَدَاقِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالِكًا قَطُّ حَتَّى جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِنْ أَدَّى عَنْهَا زَكَاةً مِنْهَا ضَمِنَهَا لِصَاحِبِهَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَالْقَوْلُ فِي أَنْ لاَ زَكَاةَ عَلَى صَاحِبِهَا الَّذِي اعْتَرَفَهَا، أَوْ أَنَّ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ فِي مَقَامِهَا فِي يَدَيْ غَيْرِهِ كَمَا وَصَفْت أَنْ تَسْقُطَ الزَّكَاةُ فِي مَقَامِهَا فِي يَدَيْ الْمُلْتَقِطِ بَعْدَ السَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ أُبِيحَ لَهُ أَكْلُهَا بِلاَ رِضًا مِنْ الْمُلْتَقِطِ، أَوْ يَكُونُ عَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهَا مَالُهُ وَكُلُّ مَا قَبَضَ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي قُلْت عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ زَكَّاهُ إذَا كَانَ فِي مِثْلِهِ زَكَاةٌ لِمَا مَضَى، فَكُلَّمَا قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا فَكَذَلِكَ، وَإِنْ قَبَضَ مِنْهُ مَا لاَ زَكَاةَ فِي مِثْلِهِ فَكَانَ لَهُ مَالٌ، أَضَافَهُ إلَيْهِ، وَإِلَّا حَسَبَهُ، فَإِذَا قَبَضَ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مَعَهُ، أَدَّى زَكَاتَهُ لِمَا مَضَى عَلَيْهِ مِنْ السِّنِينَ.
باب الذي يدفع زكاته فتهلك قبل أن يدفعها إلى أهلها
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَإِذَا أَخْرَجَ رَجُلٌ زَكَاةَ مَالِهِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ فَهَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى أَهْلِهَا لَمْ تُجْزِ عَنْهُ، وَإِنْ حَلَّتْ زَكَاةُ مَالِهِ زَكَّى مَا فِي يَدَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَلَمْ يَحْسُبْ عَلَيْهِ مَا هَلَكَ مِنْهُ مِنْ الْمَالِ فِي هَذَا كُلِّهِ، وَسَوَاءٌ فِي هَذَا زَرْعُهُ وَثَمَرُهُ، إنْ كَانَتْ لَهُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِنْ أَخْرَجَهَا بَعْدَمَا حَلَّتْ فَهَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى أَهْلِهَا،، فَإِنْ كَانَ لَمْ يُفَرِّطْ وَالتَّفْرِيطُ أَنْ يُمْكِنَهُ بَعْدَ حَوْلِهَا دَفْعُهَا إلَى أَهْلِهَا، أَوْ الْوَالِي فَتَأَخَّرَ، لَمْ يَحْسُبْ عَلَيْهِ مَا هَلَكَ وَلَمْ تُجْزِ عَنْهُ مِنْ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَزِمَهُ شَيْءٌ لَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ إلَّا بِدَفْعِهِ إلَى مَنْ يَسْتَوْجِبُهُ عَلَيْهِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَرَجَعَ إلَى مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ كَانَ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ زَكَاةٌ زَكَّاهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ زَكَاةٌ لَمْ يُزَكِّهِ كَأَنْ حَلَّ عَلَيْهِ نِصْفُ دِينَارٍ فِي عِشْرِينَ دِينَارًا فَأَخْرَجَ النِّصْفَ فَهَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى أَهْلِهِ فَبَقِيَتْ تِسْعَةَ عَشَرَ وَنِصْفٌ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ إحْدَى وَعِشْرُونَ دِينَارًا وَنِصْفٌ فَهَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى أَهْلِهِ فَبَقِيَتْ تِسْعَةَ عَشَرَ وَنِصْفٌ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ إحْدَى وَعِشْرُونَ دِينَارًا وَنِصْفٌ فَأَرَادَ أَنْ يُزَكِّيَهَا فَيُخْرِجُ عَنْ الْعِشْرِينَ نِصْفًا وَعَنْ الْبَاقِي عَنْ الْعِشْرِينَ رُبُعَ عُشْرِ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ مَا زَادَ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَالطَّعَامِ كُلِّهِ عَلَى مَا يَكُونُ فِيهِ الصَّدَقَةُ فَفِيهِ الصَّدَقَةُ بِحِسَابِهِ، فَإِنْ هَلَكَتْ الزَّكَاةُ وَقَدْ بَقِيَ عِشْرُونَ دِينَارًا وَأَكْثَرُ فَيُزَكِّي مَا بَقِيَ بِرُبُعِ عُشْرِهِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَهَذَا هَكَذَا مِمَّا أَنْبَتَتْ الْأَرْضُ وَالتِّجَارَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الصَّدَقَةِ وَالْمَاشِيَةِ إلَّا أَنَّ الْمَاشِيَةَ تُخَالِفُ هَذَا فِي أَنَّهَا بِعَدَدٍ وَأَنَّهَا مَعْفُوٌّ عَنْهَا بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ، فَإِنْ حَالَ عَلَيْهِ حَوْلٌ، هُوَ فِي سَفَرٍ فَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَسْتَحِقُّ السُّهْمَانَ، أَوْ هُوَ فِي مِصْرَ فَطَلَبَ فَلَمْ يَحْضُرْهُ فِي سَاعَتِهِ تِلْكَ مَنْ يَسْتَحِقُّ السُّهْمَانَ، أَوْ سُجِنَ، أَوْ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ، فَكُلُّ هَذَا عُذْرٌ، لاَ يَكُونُ بِهِ مُفَرِّطًا، وَمَا هَلَكَ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ الْحَوْلِ لَمْ يُحْسَبْ عَلَيْهِ فِي الزَّكَاةِ كَمَا لاَ يُحْسَبُ مَا هَلَكَ قَبْلَ الْحَوْلِ، وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُهُ إذَا حُبِسَ مَنْ يَثِقُ بِهِ فَلَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ، أَوْ وَجَدَ أَهْلَ السُّهْمَانِ فَأَخَّرَ ذَلِكَ قَلِيلاً، أَوْ كَثِيرًا، هُوَ يُمْكِنُهُ فَلَمْ يُعْطِهِمْ بِوُجُودِ الْمَالِ وَأَهْلِ السُّهْمَانِ فَهُوَ مُفَرِّطٌ وَمَا هَلَكَ مِنْ مَالِهِ فَالزَّكَاةُ لاَزِمَةٌ لَهُ فِيمَا بَقِيَ فِي يَدَيْهِ مِنْهُ كَأَنْ كَانَتْ لَهُ عِشْرُونَ دِينَارًا فَأَمْكَنَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاتَهَا فَأَخَّرَهَا فَهَلَكَتْ الْعِشْرُونَ فَعَلَيْهِ نِصْفُ دِينَارٍ يُؤَدِّيهِ مَتَى وَجَدَهُ، لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاتَهُ فَلَمْ يَفْعَلْ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ سِنِينَ ثُمَّ هَلَكَ أَدَّى زَكَاتَهُ لِمَا فَرَّطَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ مِائَةُ شَاةٍ فَأَقَامَتْ فِي يَدِهِ ثَلاَثَ سِنِينَ وَأَمْكَنَهُ فِي مُضِيِّ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ أَدَاءُ زَكَاتِهَا فَلَمْ يُؤَدِّهَا أَدَّى زَكَاتَهَا لِثَلاَثِ سِنِينَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ أَدَاءُ زَكَاتِهَا حَتَّى هَلَكَتْ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِي السَّنَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فَرَّطَ فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ فِيهِمَا.
باب المال يحول عليه أحوال في يدي صاحبه
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: وَإِذَا كَانَتْ لِرَجُلٍ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ فَحَالَ عَلَيْهَا أَحْوَالٌ وَهِيَ فِي يَدِهِ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا فَعَلَيْهِ فِيهَا زَكَاةُ عَامٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ فِي أَعْيَانِهَا، وَإِنْ خَرَجَتْ مِنْهَا شَاةٌ فِي السَّنَةِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ خَمْسٌ تَجِبُ فِيهِنَّ الزَّكَاةُ. [قَالَ الرَّبِيعُ]: وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ عَلَيْهِ فِي كُلِّ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ أَقَامَتْ عِنْدَهُ أَحْوَالاً أَدَاءَ زَكَاتِهَا فِي كُلِّ عَامٍ أَقَامَتْ عِنْدَهُ شَاةٌ فِي كُلِّ عَامٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُخْرِجُ الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِهَا عَنْهَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً، أَوْ ثَلاَثُونَ مِنْ الْبَقَرِ، أَوْ عِشْرُونَ دِينَارًا، أَوْ مِائَتَا دِرْهَمٍ أَخْرَجَ زَكَاتَهَا لِعَامٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ زَكَاتَهَا خَارِجَةٌ مِنْ مِلْكِهِ مَضْمُونَةٌ فِي يَدِهِ لِأَهْلِهَا ضَمَانَ مَا غَصْبَ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: لَوْ كَانَتْ إبِلُهُ سِتًّا فَحَالَ عَلَيْهَا ثَلاَثَةُ أَحْوَالٍ وَبَعِيرٌ مِنْهَا يَسْوَى شَاتَيْنِ فَأَكْثَرَ أَدَّى زَكَاتَهَا لِثَلاَثَةِ أَحْوَالٍ؛ لِأَنَّ بَعِيرًا مِنْهَا إذَا ذَهَبَ بِشَاتَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ كَانَتْ عِنْدَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ فِيهَا زَكَاةٌ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: لَوْ كَانَتْ عِنْدَهُ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ شَاةً، أَوْ وَاحِدٌ وَعِشْرُونَ دِينَارًا فَحَالَتْ عَلَيْهِ ثَلاَثَةُ أَحْوَالٍ أُخِذَتْ مِنْ الْغَنَمِ ثَلاَثُ شِيَاهٍ؛ لِأَنَّ شَاتَيْنِ يَذْهَبَانِ وَيَبْقَى أَرْبَعُونَ فِيهَا شَاةٌ وَأُخِذَتْ مِنْهُ زَكَاةُ الدَّنَانِيرِ دِينَارٌ وَنِصْفٌ وَحِصَّةُ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَذْهَبُ وَيَبْقَى فِي يَدِهِ مَا فِيهِ زَكَاةٌ وَهَكَذَا لَوْ كَانَتْ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً أَوَّلَ سَنَةٍ ثُمَّ زَادَتْ شَاةٌ فَحَالَتْ عَلَيْهَا سَنَةٌ ثَانِيَةٌ وَهِيَ إحْدَى وَأَرْبَعُونَ ثُمَّ زَادَتْ شَاةٌ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ فَحَالَتْ عَلَيْهَا سَنَةٌ وَهِيَ اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ شَاةً كَانَتْ فِيهَا ثَلاَثُ شِيَاهٍ؛ لِأَنَّ السَّنَةَ لَمْ تَحُلْ إلَّا وَرَبُّهَا يَمْلِكُ فِيهَا أَرْبَعِينَ شَاةً.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَعَلَى هَذَا هَذَا الْبَابُ كُلُّهُ فِيهِ الزَّكَاةُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: لَوْ كَانَتْ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً فَحَالَ عَلَيْهَا أَحْوَالٌ وَلَمْ تَزِدْ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاتَهَا لِمَا مَضَى عَلَيْهَا مِنْ السِّنِينَ وَلاَ يَبِينُ لِي أَنْ نُجْبِرَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا الْأَرْبَعُونَ شَاةً فَحَالَتْ عَلَيْهَا ثَلاَثَةُ أَحْوَالٍ أَنْ يُؤَدِّيَ ثَلاَثَ شِيَاهٍ. [قَالَ الرَّبِيعُ]: وَفِي الْإِبِلِ إذَا كَانَتْ عِنْدَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ فَحَالَ عَلَيْهَا أَحْوَالٌ كَانَتْ عَلَيْهِ فِي كُلِّ حَوْلٍ شَاةٌ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَيْسَتْ مِنْ عَيْنِهَا إنَّمَا تَخْرُجُ مِنْ غَيْرِهَا وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِلْغَنَمِ الَّتِي فِي عَيْنِهَا الزَّكَاةُ.
باب البيع في المال الذي فيه الزكاة
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: لَوْ بَاعَ رَجُلٌ رَجُلاً مِائَتَيْ دِرْهَمٍ بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ بَيْعًا فَاسِدًا فَأَقَامَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي شَهْرًا ثُمَّ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ مَلَكَهَا الْبَائِعُ فَفِيهَا الزَّكَاةُ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ وَهِيَ مَرْدُودَةٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَهَكَذَا كُلُّ مَالٍ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ فَبِيعَ بَيْعًا فَاسِدًا مِنْ مَاشِيَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا زُكِّيَ عَلَى أَصْلِ مِلْكِ الْمَالِكِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ، لَوْ كَانَ الْبَائِعُ بَاعَهَا بَيْعًا صَحِيحًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلاَثًا وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي، أَوْ لَمْ يَقْبِضْهَا فَحَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ مِنْ يَوْمِ مَلَكَهَا الْبَائِعُ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ خُرُوجُهَا مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ حَتَّى حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَلِمُشْتَرِيهَا رَدُّهَا لِلنَّقْصِ الَّذِي دَخَلَ عَلَيْهَا بِالزَّكَاةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي مَعًا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ فَاخْتَارَ إنْفَاذَ الْبَيْعِ بَعْدَمَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ الزَّكَاةَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَتِمَّ إلَّا بَعْدَ الْحَوْلِ وَلَمْ يَتِمَّ خُرُوجُهَا مِنْ مِلْكِهِ بِحَالٍ.
قال: وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الزَّكَاةَ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْحَوْلَ حَالَ وَهِيَ مِلْكٌ لَهُ، وَإِنَّمَا لَهُ خِيَارُ الرَّدِّ إنْ شَاءَ دُونَ الْبَائِعِ. [قَالَ الرَّبِيعُ]: وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَطْؤُهَا فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ دُونَ الْبَائِعِ فَلَمَّا كَانَ أَكْثَرُ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي كَانَتْ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ إذَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ اشْتَرَاهَا وَقُبِضَتْ وَسَقَطَتْ الزَّكَاةُ عَنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ صَحِيحٍ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: لَوْ بَاعَ الرَّجُلُ صِنْفًا مِنْ مَالٍ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ قَبْلَ حَوْلِهِ بِيَوْمٍ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ فِيهِ بِالْخِيَارِ يَوْمًا، فَاخْتَارَ إنْفَاذَ الْبَيْعِ بَعْدَ يَوْمٍ، وَذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ كَانَتْ فِي الْمَالِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَتِمَّ حَتَّى حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مِلْكِهِ وَكَانَ لِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ بِنَقْصِ الزَّكَاةِ مِنْهُ، لَوْ اخْتَارَ إنْفَاذَ الْبَيْعِ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ الْحَوْلُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ زَكَاةٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ تَمَّ قَبْلَ حَوْلِهِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَهَكَذَا كُلُّ صِنْفٍ مِنْ الْمَالِ بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ الصَّدَقَةُ فِيهِ وَبَعْدَهُ مِنْ دَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ وَمَاشِيَةٍ لاَ اخْتِلاَفَ فِيهَا وَلاَ عَلَيْهِ بِفَرْقٍ بَيْنَهَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا بَاعَ دَنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ، أَوْ دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ، أَوْ بَقَرًا بِغَنَمٍ، أَوْ بَقَرًا بِبَقَرٍ، أَوْ غَنَمًا بِغَنَمٍ، أَوْ إبِلاً بِإِبِلٍ، أَوْ غَنَمٍ فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ فَأَيُّ هَذَا بَاعَ قَبْلَ حَوْلِهِ فَلاَ زَكَاةَ عَلَى الْبَائِعِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحُلْ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فِي يَدِهِ وَلاَ عَلَى الْمُشْتَرِي حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ حَوْلٌ مِنْ يَوْمِ مَلَكَهُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَسَوَاءٌ إذَا زَالَتْ عَيْنُ الْمَالِ مِنْ الْإِبِلِ، أَوْ الذَّهَبِ بِإِبِلٍ، أَوْ ذَهَبٍ، أَوْ بِغَيْرِهَا لاَ اخْتِلاَفَ فِي ذَلِكَ، فَإِذَا بَاعَ رَجُلٌ رَجُلاً نَخْلاً فِيهَا تَمْرٌ، أَوْ تَمْرًا دُونَ النَّخْلِ فَسَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا هِيَ فِي التَّمْرِ دُونَ النَّخْلِ، فَإِذَا مَلَكَ الْمُشْتَرِي الثَّمَرَةَ بِأَنْ اشْتَرَاهَا بِالنَّخْلِ، أَوْ بِأَنْ اشْتَرَاهَا مُنْفَرِدَةً شِرَاءً يَصِحُّ، أَوْ وُهِبَتْ لَهُ وَقَبَضَهَا، أَوْ أُقِرَّ لَهُ بِهَا، أَوْ تُصُدِّقَ بِهَا عَلَيْهِ، أَوْ أُوصِيَ لَهُ بِهَا، أَوْ أَيِّ وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْمِلْكِ صَحَّ لَهُ مِلْكُهَا بِهِ، فَإِذَا صَحَّ لَهُ مِلْكُهَا قَبْلَ أَنْ تُرَى فِيهَا الْحُمْرَةُ، أَوْ الصُّفْرَةُ، وَذَلِكَ الْوَقْتُ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ بَيْعُهَا عَلَى أَنْ يُتْرَكَ حَتَّى يَبْلُغَ، فَالزَّكَاةُ عَلَى مَالِكِهَا الْآخَرِ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ زَكَاتِهَا أَنْ تُرَى فِيهَا حُمْرَةٌ، أَوْ صُفْرَةٌ فَيَخْرُصُ ثُمَّ يُؤْخَذُ ذَلِكَ تَمْرًا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَإِنْ مَلَكَهَا بَعْدَمَا رُئِيَتْ فِيهَا حُمْرَةٌ، أَوْ صُفْرَةٌ فَالزَّكَاةُ فِي التَّمْرِ مِنْ مَالِ مَالِكِهَا الْأَوَّلِ، لَوْ لَمْ يَمْلِكْ الزَّكَاةَ الْمَالِكُ الْآخَرُ خُرِصَتْ الثَّمَرَةُ قَبْلَ تَمَلُّكِهَا، أَوْ لَمْ تُخْرَصْ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلاَ يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِي هَذَا فِي أَيِّ وَجْهٍ مَلَكَ بِهِ الثَّمَرَةَ بِحَالٍ فِي الزَّكَاةِ وَلاَ فِي غَيْرِهَا إلَّا فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ، هُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ الثَّمَرَةَ بَعْدَمَا يَبْدُو صَلاَحُهَا فَيَكُونُ الْعُشْرُ فِي الثَّمَرَةِ لاَ يَزُولُ وَيَكُونُ الْبَيْعُ فِي الثَّمَرَةِ مَفْسُوخًا كَمَا يَكُونُ لَوْ بَاعَهُ عَبْدَيْنِ أَحَدُهُمَا لَهُ وَالْآخَرُ لَيْسَ لَهُ مَفْسُوخًا وَلَكِنَّهُ يَصِحُّ، لاَ يَصِحُّ غَيْرُهُ إذَا بَاعَهُ عَلَى تَرْكِ الثَّمَرَةِ أَنْ يَبِيعَهُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الثَّمَرَةِ إنْ كَانَتْ تُسْقَى بِعَيْنٍ، أَوْ كَانَتْ بَعْلاً وَتِسْعَةُ أَعْشَارِهَا وَنِصْفُ عُشْرِهَا إنْ كَانَتْ تُسْقَى بِغَرْبٍ وَيَبِيعُهُ جَمِيعَ مَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ غَيْرُهُ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ، لَوْ تَعَدَّى الْمُصَدِّقُ فَأَخَذَ مِمَّا لَيْسَتْ فِيهِ الصَّدَقَةُ وَزَادَ فِيمَا فِيهِ الصَّدَقَةُ فَأَخَذَ أَكْثَرَ مِنْهَا لَمْ يَرْجِعْ فِيهِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ وَكَانَتْ مَظْلِمَةً دَخَلَتْ عَلَى الْمُشْتَرِي.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: لَوْ كَانَ لِوَاحِدٍ حَائِطٌ فِيهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَبَاعَ ثَمَرَهُ مِنْ وَاحِدٍ، أَوْ اثْنَيْنِ بَعْدَمَا يَبْدُو صَلاَحُهَا فَفِيهِ الزَّكَاةُ كَمَا وَصَفْت فِي مَالِ الْبَائِعِ نَفْسِهِ، لَوْ بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يَقْطَعَ مِنْ وَاحِدٍ، أَوْ اثْنَيْنِ فَفِيهِ الصَّدَقَةُ وَالْبَيْعُ فِيهِ فَاسِدٌ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِنْ اسْتَهْلَكَ الْمُشْتَرِي الثَّمَرَةَ كُلَّهَا أَخَذَ رَبُّ الْحَائِطِ بِالصَّدَقَةِ، وَإِنْ أَفْلَسَ أَخَذَ مِنْ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهَا بِمَا اشْتَرَى مِنْ ثَمَنِهَا الْعُشْرَ، وَرَدَّ مَا بَقِيَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ، وَإِنْ لَمْ يُفْلِسْ الْبَائِعُ أَخَذَ بِعُشْرِهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ سَبَبَ هَلاَكِهَا. وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي غُرَمَاءُ فَكَانَ ثَمَنُ مَا اسْتَهْلَكَ مِنْ الْعُشْرِ عَشَرَةً وَلاَ يُوجَدُ مِثْلُهُ وَثَمَنُ عُشْرِ مِثْلِهِ عِشْرُونَ يَوْمَ تُؤْخَذُ الصَّدَقَةُ اشْتَرَى بِعَشَرَةٍ نِصْفَ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّهُ ثَمَنُ الْعُشْرِ الَّذِي اسْتَهْلَكَهُ، هُوَ لَهُ دُونَ الْغُرَمَاءِ وَكَانَ لِوَلِيِّ الصَّدَقَةِ أَنْ يَكُونَ غَرِيمًا يَقُومُ مَقَامَ أَهْلِ السُّهْمَانِ فِي الْعَشَرَةِ الْبَاقِيَةِ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَإِنْ بَاعَ رَبُّ الْحَائِطِ ثَمَرَتَهُ وَهِيَ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ مِنْ رَجُلَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهَا عَلَى أَنْ يَقْطَعَاهَا كَانَ الْبَيْعُ جَائِزًا، فَإِنْ قَطَعَاهَا قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهَا، فَلاَ زَكَاةَ فِيهَا، وَإِنْ تَرَكَاهَا حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا؛ فَفِيهَا الزَّكَاةُ، فَإِنْ أَخَذَهُمَا رَبُّ الْحَائِطِ بِقَطْعِهَا فَسَخْنَا الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ فِيهَا فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَقْطَعَ فَيَمْنَعَ الزَّكَاةَ وَهِيَ حَقٌّ لِأَهْلِهَا وَلاَ أَنْ تُؤْخَذَ بِحَالِهَا تِلْكَ وَلَيْسَتْ الْحَالَ الَّتِي أَخَذَهَا فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ ثَمَرَةٌ فِي نَخْلَةٍ وَقَدْ شَرَطَ قَطْعَهَا وَلاَ يَكُونُ فِي هَذَا الْبَيْعِ إلَّا فَسْخُهُ، لَوْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِتَرْكِهَا حَتَّى تُجَدَّ فِي نَخْلَةٍ وَرَضِيَ الْمُشْتَرِيَانِ لَمْ يَرْجِعَا عَلَى الْبَائِعِ بِالْعُشْرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَقْبَضَهُمَا جَمِيعَ مَا بَاعَهُمَا مِنْ الثَّمَرَةِ وَلاَ عُشْرَ فِيهِ، وَعَلَيْهِمَا أَنْ يُزَكِّيَا بِمَا وَجَبَ مِنْ الْعُشْرِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: لَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَتَرَكَهَا الْمُشْتَرِيَانِ حَتَّى بَدَا صَلاَحُهَا فَرَضِيَ الْبَائِعُ بِتَرْكِهَا وَلَمْ يَرْضَهُ الْمُشْتَرِيَانِ كَانَ فِيهَا قَوْلاَنِ [أَحَدُهُمَا]: أَنْ يُجْبَرَا عَلَى تَرْكِهَا وَلاَ يُفْسَخُ الْبَيْعُ بِمَا وَجَبَ فِيهَا مِنْ الصَّدَقَةِ [وَالثَّانِي]: أَنْ يُفْسَخَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُمَا شَرَطَا الْقَطْعَ ثُمَّ صَارَتْ لاَ يَجُوزُ قَطْعُهَا بِمَا اُسْتُحِقَّ مِنْ الصَّدَقَةِ فِيهَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: لَوْ رَضِيَ أَحَدُ الْمُشْتَرِيَيْنِ إقْرَارَهَا وَالْبَائِعُ وَلَمْ يَرْضَهُ الْآخَرُ جُبِرَا فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَلَى إقْرَارِهَا وَفِي الْقَوْلِ الْآخَرِ يُفْسَخُ نَصِيبُ الَّذِي لَمْ يَرْضَ وَيُقَرُّ نَصِيبُ الَّذِي رَضِيَ وَكَانَ كَرَجُلٍ اشْتَرَى نِصْفَ الثَّمَرَةِ وَإِذَا رَضِيَ إقْرَارَهَا ثُمَّ أَرَادَ قَطْعَهَا قَبْلَ الْجِدَادِ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَطْعُهَا كُلِّهَا، وَلاَ فَسْخَ لِلْبَيْعِ إذَا تَرَكَ رَدَّهُ مَرَّةً لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهُ بَعْدَهَا، وَكُلُّ هَذَا إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ مُشَاعًا قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ حَائِطٌ فِي ثَمَرِهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَبَاعَ رَجُلاً مِنْهُ نَخَلاَتٍ بِأَعْيَانِهِنَّ وَآخَرُ نَخَلاَتٍ بِأَعْيَانِهِنَّ بَعْدَمَا يَبْدُو صَلاَحُهُ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ إلَّا أَنْ يَبِيعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تِسْعَةَ أَعْشَارِهِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الْبَيْعُ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُ الثَّمَرَةِ عَلَى أَنْ يَقْطَعَاهَا فَقَطَعَا مِنْهَا شَيْئًا وَتَرَكَا شَيْئًا حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ، فَإِنْ كَانَ فِيمَا يَبْقَى خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَفِيهِ الصَّدَقَةُ وَالْبَيْعُ فِيهِ كَمَا وَصَفْت فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الثَّمَرَةِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ لاَ يُفْسَخُ وَيُؤْخَذُ بِأَنْ يَقْطَعَهَا إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ الْبَائِعُ بِتَرْكِهَا لَهُمَا، وَإِنْ قَطَعَا الثَّمَرَةَ بَعْدَمَا يَبْدُو صَلاَحُهَا فَقَالاَ: لَمْ يَكُنْ فِيهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمَا مَعَ أَيْمَانِهِمَا وَلاَ يُفْسَخُ الْبَيْعُ فِي هَذَا الْحَالِ، فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى شَيْءٍ أُخِذَ بِالْبَيِّنَةِ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ قُبِلَ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ فِيمَا طَرَحَ عَنْ نَفْسِهِ بِهِ الصَّدَقَةَ، أَوْ بَعْضَهَا إذَا لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِخِلاَفِ مَا قَالَ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَمْرٍ يَطْرَحُ عَنْهُ الصَّدَقَةَ، أَوْ بَعْضَهَا وَأَقَرَّ بِمَا يُثْبِتُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةَ، أَوْ يَزِيدُهَا أَخَذْت بِقَوْلِهِ لِأَنِّي إنَّمَا أَقْبَلُ بَيِّنَتَهُ إذَا كَانَتْ كَمَا ادَّعَى فِيمَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، فَإِذَا أَكْذَبَهَا قَبِلْت قَوْلَهُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ أَثْبَتَ عَلَيْهِ مِنْ بَيِّنَتِهِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ الْحَائِطُ لَمْ يُمْنَعْ قَطْعُ ثَمَرِهِ مِنْ حِينِ تَطْلُعُ إلَى أَنْ تُرَى فِيهِ الْحُمْرَةُ، فَإِذَا رُئِيَتْ فِيهِ الْحُمْرَةُ مُنِعَ قَطْعُهُ حَتَّى يُخْرَصَ، فَإِنْ قَطَعَهُ قَبْلُ يُخْرَصَ بَعْدَمَا يُرَى فِيهِ الْحُمْرَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا قَطَعَ مِنْهُ، وَإِنْ أَتَى عَلَيْهِ كُلِّهِ مَعَ يَمِينِهِ، إلَّا أَنْ يُعْلَمَ غَيْرُ قَوْلِهِ بِبَيِّنَةِ أَهْلِ مِصْرِهِ فَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْهُ بِالْبَيِّنَةِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا أَخَذْت بِبَيِّنَتِهِ، أَوْ قَوْلِهِ أُخِذَ بِتَمْرٍ وَسَطٍ سِوَى ثَمَرِ حَائِطِهِ حَتَّى يُسْتَوْفَى مِنْهُ عُشْرُهُ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهُ ثَمَنُهُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَهَذَا إنْ خُرِصَ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهُ أُخِذَ بِتَمْرٍ مِثْلِ وَسَطِ تَمْرِهِ.
باب ميراث القوم المال
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: وَإِذَا وَرِثَ الْقَوْمُ الْحَائِطَ فَلَمْ يَقْتَسِمُوا وَكَانَتْ فِي ثَمَرِهِ كُلِّهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَعَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ؛ لِأَنَّهُمْ خُلَطَاءُ يَصَّدَّقُونَ صَدَقَةَ الْوَاحِدِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَإِنْ اقْتَسَمُوا الْحَائِطَ مُثْمِرًا قَسْمًا يَصِحُّ فَكَانَ الْقَسْمُ قَبْلَ أَنْ يُرَى فِي الثَّمَرَةِ صُفْرَةٌ، أَوْ حُمْرَةٌ فَلاَ صَدَقَةَ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي نَصِيبِهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ وَعَلَى مَنْ كَانَ فِي نَصِيبِهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَإِنْ اقْتَسَمُوا بَعْدَمَا يُرَى فِيهِ صُفْرَةٌ، أَوْ حُمْرَةٌ صُدِّقَ كُلُّهُ صَدَقَةَ الْوَاحِدِ إذَا كَانَتْ فِي جَمِيعِهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ أُخِذَتْ مِنْهُ الصَّدَقَةُ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ مَحَلِّ الصَّدَقَةِ أَنْ يُرَى الْحُمْرَةُ وَالصُّفْرَةُ فِي الْحَائِطِ، خُرِصَ الْحَائِطُ، أَوْ لَمْ يُخْرَصْ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ جَعَلْت صَدَقَةَ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ اللَّذَيْنِ يُخْرَصَانِ أَوَّلاً وَآخِرًا دُونَ الْمَاشِيَةِ وَالْوَرِقِ وَالذَّهَبِ، وَإِنَّمَا أَوَّلُ مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ عِنْدَك وَآخِرُهُ الْحَوْلُ دُونَ الْمُصَدَّقِ؟ قِيلَ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: لَمَّا خُرِصَتْ الثِّمَارُ مِنْ الْأَعْنَابِ وَالنَّخْلِ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ طَابَتْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لاَ يَخْرُصُهَا وَلاَ زَكَاةَ لَهُ فِيهَا، وَلَمَّا قَبَضَهَا تَمْرًا وَزَبِيبًا عَلِمْنَا أَنَّ آخِرَ مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ مِنْهَا أَنْ تَصِيرَ تَمْرًا، أَوْ زَبِيبًا عَلَى الْأَمْرِ الْمُتَقَدِّمِ، فَإِنْ قَالَ: مَا يُشْبِهُ هَذَا؟ قِيلَ: الْحَجُّ لَهُ أَوَّلٌ وَآخَرَانِ، فَأَوَّلُ آخريه رَمْيُ الْجَمَرَاتِ وَالْحَلْقُ، وَآخِرُ آخريه زِيَارَةُ الْبَيْتِ بَعْدَ الْجَمْرَةِ وَالْحَلْقِ، وَلَيْسَ هَكَذَا الْعُمْرَةُ وَلاَ الصَّوْمُ وَلاَ الصَّلاَةُ كُلُّهَا لَهَا أَوَّلٌ وَآخِرٌ وَاحِدٌ وَكُلٌّ كَمَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: لَوْ اقْتَسَمُوا وَلَمْ تُرَ فِيهِ صُفْرَةٌ وَلاَ حُمْرَةٌ ثُمَّ لَمْ يَقْتَرِعُوا عَلَيْهِ حَتَّى يُعْلَمَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُ، أَوْ لَمْ يَتَرَاضَوْا حَتَّى يَعْلَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَقَّهُ حَتَّى يُرَى فِيهِ صُفْرَةٌ، أَوْ حُمْرَةٌ كَانَتْ فِيهِ صَدَقَةُ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ الْقَسْمَ لَمْ يَتِمَّ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِ الصَّدَقَةِ فِيهِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَالْقَوْلُ قَوْلُ أَرْبَابِ الْمَالِ فِي أَنَّهُمْ اقْتَسَمُوا قَبْلَ أَنْ يُرَى فِيهِ صُفْرَةٌ، أَوْ حُمْرَةٌ إلَّا أَنْ تَقُومَ فِيهِ بَيِّنَةٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَاقْتَسَمَهُ اثْنَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: اقْتَسَمْنَاهُ قَبْلَ أَنْ تُرَى فِيهِ حُمْرَةٌ، أَوْ صُفْرَةٌ وَقَالَ الْآخَرُ: بَعْدَمَا رُئِيَتْ فِيهِ أُخِذَتْ الصَّدَقَةُ مِنْ نَصِيبِ الَّذِي أَقَرَّ أَنَّهُمَا اقْتَسَمَاهُ بَعْدَمَا حَلَّتْ فِيهِ الصَّدَقَةُ بِقَدْرِ مَا يَلْزَمُهُ وَلَمْ تُؤْخَذْ مِنْ نَصِيبِ الَّذِي لَمْ يُقِرَّ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: لَوْ اقْتَسَمَا الثَّمَرَةَ دُونَ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهَا كَانَ الْقَسْمُ فَاسِدًا وَكَانُوا فِيهِ عَلَى الْمِلْكِ الْأَوَّلِ.
قال: لَوْ اقْتَسَمَاهُ بَعْدَمَا يَبْدُو صَلاَحُهُ كَانَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ كَمَا يَكُونُ عَلَى الْوَاحِدِ فِي الْحَالَيْنِ مَعًا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا وَرِثَ الرَّجُلُ حَائِطًا فَأَثْمَرَ، أَوْ أَثْمَرَ حَائِطُهُ وَلَمْ يَكُنْ بِالْمِيرَاثِ أُخِذَتْ الصَّدَقَةُ مِنْ ثَمَرِ الْحَائِطِ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَرِثَ مَاشِيَةً، أَوْ ذَهَبًا، أَوْ وَرِقًا فَلَمْ يَعْلَمْ، أَوْ عَلِمَ فَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، أُخِذَتْ صَدَقَتُهَا؛ لِأَنَّهَا فِي مِلْكِهِ وَقَدْ حَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ، وَكَذَلِكَ مَا مَلَكَ بِلاَ عِلْمِهِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ مَالٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلاَمِ وَهَرَبَ، أَوْ جُنَّ، أَوْ عَتِهَ، أَوْ حُبِسَ لِيُسْتَتَابَ، أَوْ يُقْتَلَ فَحَالَ الْحَوْلُ عَلَى مَالِهِ مِنْ يَوْمِ مَلَكَهُ فَفِيهَا قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ فِيهَا الزَّكَاةَ؛ لِأَنَّ مَالَهُ لاَ يَعْدُو أَنْ يَمُوتَ عَلَى رِدَّتِهِ فَيَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ وَمَا كَانَ لَهُمْ فَفِيهِ الزَّكَاةُ، أَوْ يَرْجِعَ إلَى الْإِسْلاَمِ فَيَكُونَ لَهُ فَلاَ تُسْقِطُ الرِّدَّةُ عَنْهُ شَيْئًا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنْ لاَ يُؤْخَذَ مِنْهَا زَكَاةٌ حَتَّى يُنْظَرَ، فَإِنْ أَسْلَمَ تَمَلَّكَ مَالَهُ وَأُخِذَتْ زَكَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ سَقَطَ عَنْهُ الْفَرْضُ، وَإِنْ لَمْ يُؤْجَرْ عَلَيْهَا، وَإِنْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ زَكَاةٌ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُشْتَرَكٌ مَغْنُومٌ، فَإِذَا صَارَ لِإِنْسَانٍ مِنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ كَالْفَائِدَةِ وَيَسْتَقْبِلُ بِهِ حَوْلاً ثُمَّ يُزَكِّيهِ، لَوْ أَقَامَ فِي رِدَّتِهِ زَمَانًا كَانَ كَمَا وَصَفْت، إنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلاَمِ أُخِذَتْ مِنْهُ صَدَقَةُ مَالِهِ، وَلَيْسَ كَالذِّمِّيِّ الْمَمْنُوعِ الْمَالِ بِالْجِزْيَةِ وَلاَ الْمُجَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِ غَيْرِ الذِّمِّيِّ الَّذِي لَمْ تَجِبْ فِي مَالِهِ زَكَاةٌ قَطُّ، أَلاَ تَرَى أَنَّا نَأْمُرُهُ بِالْإِسْلاَمِ، فَإِنْ امْتَنَعَ قَتَلْنَاهُ وَأَنَّا نَحْكُمُ عَلَيْهِ فِي حُقُوقِ النَّاسِ بِأَنْ نُلْزِمَهُ، فَإِنْ قَالَ: فَهُوَ لاَ يُؤْجَرُ عَلَى الزَّكَاةِ، قِيلَ: وَلاَ يُؤْجَرُ عَلَيْهَا وَلاَ غَيْرِهَا مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ الَّتِي تَلْزَمُهُ وَيَحْبِطُ أَجْرُ عَمَلِهِ فِيمَا أَدَّى مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ، وَكَذَلِكَ لاَ يُؤْجَرُ عَلَى أَنْ يُؤْخَذَ الدَّيْنُ مِنْهُ فَهُوَ يُؤْخَذُ.
باب ترك التعدي على الناس في الصدقة
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: " مُرَّ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه بِغَنَمٍ مِنْ الصَّدَقَةِ فَرَأَى فِيهَا شَاةً حَافِلاً ذَاتَ ضَرْعٍ " فَقَالَ عُمَرُ: " مَا هَذِهِ الشَّاةُ؟ " فَقَالُوا: شَاةٌ مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ عُمَرُ: " مَا أَعْطَى هَذِهِ أَهْلُهَا وَهُمْ طَائِعُونَ لاَ تَفْتِنُوا النَّاسَ لاَ تَأْخُذُوا حَزَرَاتِ الْمُسْلِمِينَ نَكِّبُوا عَنْ الطَّعَامِ ".
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: تَوَهَّمَ عُمَرُ أَنَّ أَهْلَهَا لَمْ يَتَطَوَّعُوا بِهَا وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِمْ فِي الصَّدَقَاتِ ذَاتَ دَرٍّ فَقَالَ هَذَا، لَوْ عَلِمَ أَنَّ الْمُصَدِّقَ جَبَرَ أَهْلَهَا عَلَى أَخْذِهَا لَرَدَّهَا عَلَيْهِمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَانَ شَبِيهًا أَنْ يُعَاقِبَ الْمُصَدِّقَ، وَلَمْ أَرَ بَأْسًا أَنْ تُؤْخَذَ بِطِيبِ أَنْفُسِ أَهْلِهَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَقَدْ بَلَغَنَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ مُصَدِّقًا إيَّاكُمْ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ) وَفِي كُلِّ هَذَا دَلاَلَةٌ عَلَى أَنْ لاَ يُؤْخَذَ خِيَارُ الْمَالِ فِي الصَّدَقَةِ، وَإِنْ أُخِذَ فَحَقٌّ عَلَى الْوَالِي رَدُّهُ وَأَنْ يَجْعَلَهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُصَدِّقِ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى بِأَخْذِهِ حَتَّى يَرُدَّهُ عَلَى أَهْلِهِ، وَإِنْ فَاتَ ضَمِنَهُ الْمُصَدِّقُ وَأَخَذَ مِنْ أَهْلِهِ مَا عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يَرْضَوْا بِأَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ فَضْلَ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ فَيَرُدَّهَا الْمُصَدِّقُ وَيَنْفُذَ مَا أَخَذَ هُوَ مِمَّا هُوَ فَوْقَ ذَلِكَ لِمَنْ قُسِمَ لَهُ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلاَنِ مِنْ أَشْجَعَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ يَأْتِيهِمْ مُصَدِّقًا فَيَقُولُ لِرَبِّ الْمَالِ: أَخْرِجْ إلَيَّ صَدَقَةَ مَالِك فَلاَ يَقُودُ إلَيْهِ شَاةً فِيهَا وَفَاءٌ مِنْ حَقِّهِ إلَّا قَبِلَهَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَسَوَاءٌ أَخَذَهَا الْمُصَدِّقُ وَلَيْسَ فِيهَا تَعَدٍّ، أَوْ قَادَهَا إلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ وَهِيَ وَافِيَةٌ، وَإِنْ قَالَ الْمُصَدِّقُ لِرَبِّ الْمَالِ: أَخْرِجْ زَكَاةَ مَالِك فَأَخْرَجَ أَكْثَرَ مِمَّا عَلَيْهِ، فَإِنْ طَابَ بِهِ نَفْسًا بَعْدَ عِلْمِهِ، أَخَذَهُ مِنْهُ وَإِلَّا أَخَذَ مِنْهُ مَا عَلَيْهِ، وَلاَ يَسَعُهُ أَخْذُهُ إلَّا حَتَّى يُعْلِمَهُ أَنَّ مَا أَعْطَاهُ أَكْثَرُ مِمَّا عَلَيْهِ.
باب غلول الصدقة
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ : فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الصَّدَقَاتِ وَكَانَ حَبْسُهَا حَرَامًا ثُمَّ أَكَّدَ تَحْرِيمَ حَبْسِهَا فَقَالَ عَزَّ وَعَلَا {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ} الْآيَةَ وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} إلَى قَوْلِهِ {مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَسَبِيلُ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا فَرَضَ مِنْ الصَّدَقَةِ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ أَخْبَرَنَا جَامِعُ بْنُ أَبِي رَاشِدٍ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَعْيَنَ سَمِعَا أَبَا وَائِلٍ يُخْبِرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يَقُولُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (مَا مِنْ رَجُلٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ إلَّا جُعِلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعٌ أَقْرَعُ يَفِرُّ مِنْهُ ، هُوَ يَتْبَعُهُ حَتَّى يُطَوِّقَهُ فِي عُنُقِهِ ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}) أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ ، هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْكَنْزِ فَقَالَ هُوَ الْمَالُ الَّذِي لَا تُؤَدَّى مِنْهُ الزَّكَاةُ . [قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَهَذَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا عُذِّبُوا عَلَى مَنْعِ الْحَقِّ فَأَمَّا عَلَى دَفْنِ أَمْوَالِهِمْ وَحَبْسِهَا فَذَلِكَ غَيْرُ مُحَرَّمٍ عَلَيْهِمْ ، وَكَذَلِكَ إحْرَازُهَا وَالدَّفْنُ ضَرْبٌ مِنْ الْإِحْرَازِ ، لَوْلَا إبَاحَةُ حَبْسِهَا مَا وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ فِي حَوْلٍ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ حَتَّى تُحْبَسَ حَوْلًا ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : " مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يَطْلُبُهُ حَتَّى يُمْكِنَهُ يَقُولُ أَنَا كَنْزُك " أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : (اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ عَلَى صَدَقَةٍ فَقَالَ اتَّقِ اللَّهَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ لَا تَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِبَعِيرٍ تَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِك لَهُ رُغَاءٌ ، أَوْ بَقَرَةٍ لَهَا خُوَارٌ ، أَوْ شَاةٍ لَهَا ثُؤَاجٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَإِنَّ ذَا لِكَذَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إي وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ : وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَا أَعْمَلُ عَلَى اثْنَيْنِ أَبَدًا).
باب ما يحل للناس أن يعطو من أموالهم
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} الآيَةَ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ تَأْخُذُونَهُ لِأَنْفُسِكُمْ مِمَّنْ لَكُمْ عَلَيْهِ حَقٌّ فَلاَ تُنْفِقُوا مَا لاَ تَأْخُذُونَ لِأَنْفُسِكُمْ، يَعْنِي لاَ تُعْطُوا مِمَّا خَبُثَ عَلَيْكُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَعِنْدَكُمْ طَيِّبٌ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَحَرَامٌ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ أَنْ يُعْطِيَ الصَّدَقَةَ مِنْ شَرِّهَا وَحَرَامٌ عَلَى مَنْ لَهُ تَمْرٌ أَنْ يُعْطِيَ الْعُشْرَ مِنْ شَرِّهِ، وَمَنْ لَهُ الْحِنْطَةُ أَنْ يُعْطِيَ الْعُشْرَ مِنْ شَرِّهَا، وَمَنْ لَهُ ذَهَبٌ أَنْ يُعْطِيَ زَكَاتَهَا مِنْ شَرِّهَا، وَمَنْ لَهُ إبِلٌ أَنْ يُعْطِيَ الزَّكَاةَ مِنْ شَرِّهَا إذَا وَلِيَ إعْطَاءَهَا أَهْلَهَا، وَعَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَحَرَامٌ عَلَيْهِ إنْ غَابَتْ أَعْيَانُهَا عَنْ السُّلْطَانِ فَقَبِلَ قَوْلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ شَرِّهَا وَيَقُولَ: مَالُهُ كُلُّهُ هَكَذَا، قَالَ الرَّبِيعُ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إذَا أَتَاكُمْ الْمُصَدِّقُ فَلاَ يُفَارِقُكُمْ إلَّا عَنْ رِضًا).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُوفُوهُ طَائِعِينَ وَلاَ يَلْوُوهُ لاَ أَنْ يُعْطُوهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَا لَيْسَ عَلَيْهِمْ فَبِهَذَا نَأْمُرُهُمْ وَنَأْمُرُ الْمُصَدِّقَ.
باب الهدية للوالي بسبب الولاية
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: (اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاً مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ إلَيَّ فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ عَلَى بَعْضِ أَعْمَالِنَا فَيَقُولُ هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ إلَيَّ؟ فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ، أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لاَ؟ فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهَا شَيْئًا إلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ إنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إبْطَيْهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ: هَلْ بَلَّغْت، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْت؟) أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: بَصُرَ عَيْنِي وَسَمِعَ أُذُنِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسَلُوا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، يَعْنِي مِثْلَهُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَيَحْتَمِلُ قَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ تَحْرِيمَ الْهَدِيَّةِ إذَا لَمْ تَكُنْ الْهَدِيَّةُ لَهُ إلَّا بِسَبَبِ السُّلْطَانِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْهَدِيَّةَ لِأَهْلِ الصَّدَقَاتِ إذَا كَانَتْ بِسَبَبِ الْوِلاَيَةِ لِأَهْلِ الصَّدَقَاتِ كَمَا يَكُونُ مَا تَطَوَّعَ بِهِ أَهْلُ الْأَمْوَالِ مِمَّا لَيْسَ عَلَيْهِمْ لِأَهْلِ الصَّدَقَاتِ لاَ لِوَالِي الصَّدَقَاتِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا أَهْدَى وَاحِدٌ مِنْ الْقَوْمِ لِلْوَالِي هَدِيَّةً، فَإِنْ كَانَتْ لِشَيْءٍ يَنَالُ بِهِ مِنْهُ حَقًّا، أَوْ بَاطِلاً، أَوْ لِشَيْءٍ يُنَالُ مِنْهُ حَقٌّ، أَوْ بَاطِلٌ، فَحَرَامٌ عَلَى الْوَالِي أَنْ يَأْخُذَهَا؛ لِأَنَّ حَرَامًا عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعْجِلَ عَلَى أَخْذِهِ الْحَقَّ لِمَنْ وَلِيَ أَمْرَهُ، وَقَدْ أَلْزَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَخْذَ الْحَقِّ لَهُمْ وَحَرَامٌ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ لَهُمْ بَاطِلاً وَالْجُعْلُ عَلَيْهِ أَحْرَمُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ أَخَذَ مِنْهُ لِيَدْفَعَ بِهِ عَنْهُ مَا كَرِهَ، أَمَّا أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُ بِالْهَدِيَّةِ حَقًّا لَزِمَهُ فَحَرَامٌ عَلَيْهِ دَفْعُ الْحَقِّ إذَا لَزِمَهُ، وَأَمَّا أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُ بَاطِلاً فَحَرَامٌ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُ بِكُلِّ حَالٍ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِنْ أَهْدَى لَهُ مِنْ غَيْرِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ وِلاَيَتِهِ فَكَانَتْ تَفَضُّلاً عَلَيْهِ، أَوْ شُكْرَ الْحُسْنِ فِي الْمُعَامَلَةِ فَلاَ يَقْبَلُهَا، وَإِنْ قَبِلَهَا كَانَتْ فِي الصَّدَقَاتِ، لاَ يَسَعُهُ عِنْدِي غَيْرُهُ إلَّا أَنْ يُكَافِئَهُ عَلَيْهِ بِقَدْرِهَا فَيَسَعُهُ أَنْ يَتَمَوَّلَهَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِنْ كَانَ مِنْ رَجُلٍ لاَ سُلْطَانَ لَهُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِالْبَلَدِ الَّذِي لَهُ بِهِ سُلْطَانٌ شُكْرًا عَلَى حُسْنِ مَا كَانَ مِنْهُ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَجْعَلَهَا لِأَهْلِ الْوِلاَيَةِ إنْ قَبِلَهَا، أَوْ يَدَعَ قَبُولَهَا فَلاَ يَأْخُذَ عَلَى الْحُسْنِ مُكَافَأَةً، وَإِنْ قَبِلَهَا فَتَمَوَّلَهَا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ عِنْدِي، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ وَقَدْ أَخْبَرَنَا مُطَرِّفُ بْنُ مَازِنٍ عَنْ شَيْخٍ ثِقَةٍ سَمَّاهُ لاَ يَحْضُرُنِي ذِكْرُ اسْمِهِ أَنَّ رَجُلاً وَلِيَ عَدَنَ فَأَحْسَنَ فِيهَا فَبَعَثَ إلَيْهِ بَعْضُ الْأَعَاجِمِ بِهَدِيَّةٍ حَمْدًا لَهُ عَلَى إحْسَانِهِ فَكَتَبَ فِيهَا إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَأَحْسَبُهُ قَالَ قَوْلاً مَعْنَاهُ: تُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَفْوَانَ الْجُمَحِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ (لاَ تُخَالِطُ الصَّدَقَةُ مَالاً إلَّا أَهْلَكَتْهُ).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ خِيَانَةَ الصَّدَقَةِ تُتْلِفُ الْمَالَ الْمَخْلُوطَ بِالْخِيَانَةِ مِنْ الصَّدَقَةِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَمَا أَهْدَى لَهُ ذُو رَحِمٍ، أَوْ ذُو مَوَدَّةٍ كَانَ يُهَادِيهِ قَبْلَ الْوِلاَيَةِ لاَ يَبْعَثُهُ لِلْوِلاَيَةِ فَيَكُونُ إعْطَاؤُهُ عَلَى مَعْنًى مِنْ الْخَوْفِ، فَالتَّنَزُّهُ أَحَبُّ إلَيَّ وَأَبْعَدُ لِقَالَةِ السَّوْءِ، وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَقْبَلَ وَيَتَمَوَّلَ إذَا كَانَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَا أُهْدِيَ، أَوْ وُهِبَ لَهُ.
باب ابتياع الصدقة
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَالَ: سَمِعْت طَاوُوسًا وَأَنَا وَاقِفٌ عَلَى رَأْسِهِ يُسْأَلُ عَنْ بَيْعِ الصَّدَقَةِ قَبْلَ أَنْ تُقْبَضَ فَقَالَ طَاوُوسٌ: وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ مَا يَحِلُّ بَيْعُهَا قَبْلَ أَنْ تُقْبَضَ، وَلاَ بَعْدَ أَنْ تُقْبَضَ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدَّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ فُقَرَاءِ أَهْلِ السُّهْمَانِ، فَتُرَدُّ بِعَيْنِهَا وَلاَ يُرَدُّ ثَمَنُهَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِنْ بَاعَ مِنْهَا الْمُصَدِّقُ شَيْئًا لِغَيْرِ أَنْ يَقَعَ لِرَجُلٍ نِصْفُ شَاةٍ، أَوْ مَا يُشْبِهُ هَذَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهَا، أَوْ يَقْسِمَهَا عَلَى أَهْلِهَا لاَ يُجْزِيهِ إلَّا ذَلِكَ.
قال: وَأَفْسَخُ بَيْعَ الْمُصَدِّقِ فِيهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ إذَا قَدَرْت عَلَيْهِ وَأَكْرَهُ لِمَنْ خَرَجْت مِنْهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْ يَدِ أَهْلِهَا الَّذِي قُسِمَتْ عَلَيْهِمْ وَلاَ أَفْسَخُ الْبَيْعَ إنْ اشْتَرَوْهَا مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا كَرِهْت ذَلِكَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ رَجُلاً حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَرَآهُ يُبَاعُ أَنْ لاَ يَشْتَرِيَهُ وَأَنَّهُ يُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ، أَوْ صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ) وَلَمْ يَبِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَرَّمَ شِرَاءَ مَا وَصَفْت عَلَى الَّذِي خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ فَأَفْسَخُ فِي الْبَيْعِ وَقَدْ تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِصَدَقَةٍ عَلَى أَبَوَيْهِ ثُمَّ مَاتَا فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَخْذِ ذَلِكَ بِالْمِيرَاثِ فَبِذَلِكَ أَجَزْت أَنْ يَمْلِكَ مَا خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ بِمَا يَحِلُّ بِهِ الْمِلْكُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلاَ أَكْرَهُ لِمَنْ اشْتَرَى مِنْ يَدِ أَهْلِ السُّهْمَانِ حُقُوقَهُمْ مِنْهَا إذَا كَانَ مَا اشْتَرَى مِنْهَا مِمَّا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ فِي صَدَقَتِهِ وَلَمْ يَتَصَدَّقْ بِهِ مُتَطَوِّعًا، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ، أَوْ ابْنِ طَاوُوسٍ أَنَّ طَاوُوسًا وَلِيَ صَدَقَاتِ الرَّكْبِ لِمُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ فَكَانَ يَأْتِي الْقَوْمَ فَيَقُولُ: زَكُّوا يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ مِمَّا أَعْطَاكُمْ اللَّهُ فَمَا أَعْطَوْهُ قَبِلَهُ ثُمَّ يَسْأَلُهُمْ " أَيْنَ مَسَاكِينُهُمْ؟ " فَيَأْخُذُهَا مِنْ هَذَا وَيَدْفَعُهَا إلَى هَذَا وَأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ لِنَفْسِهِ فِي عَمَلِهِ وَلَمْ يَبِعْ وَلَمْ يَدْفَعْ إلَى الْوَالِي مِنْهَا شَيْئًا، وَأَنَّ الرَّجُلَ مِنْ الرَّكْبِ كَانَ إذَا وَلَّى عَنْهُ لَمْ يَقُلْ لَهُ: هَلُمَّ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَهَذَا يَسَعُ مِنْ وَلِيِّهِمْ عِنْدِي وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَحْتَاطَ لِأَهْلِ السُّهْمَانِ فَيَسْأَلُ وَيُحَلِّفُ مَنْ اُتُّهِمَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَثُرَ الْغُلُولُ فِيهِمْ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْتَاطَ وَلاَ يُحَلِّفَ وَلاَ يَلِيَ حَتَّى يَكُونَ يَضَعُهَا مَوَاضِعَهَا، فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ يَضَعُهَا مَوَاضِعَهَا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.
باب ما يقول المصدق إذا أخذ الصدقة لمن يأخذها منه
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيِّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} الآيَةَ.
قال: وَالصَّلاَةُ عَلَيْهِمْ الدُّعَاءُ لَهُمْ عِنْدَ أَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنْهُمْ.
قال: فَحَقَّ عَلَى الْوَالِي إذَا أَخْذ صَدَقَةَ امْرِئٍ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقُولَ: آجَرَك اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْت وَجَعَلَهَا لَك طَهُورًا وَبَارَكَ لَك فِيمَا أَبْقَيْت " وَمَا دَعَا لَهُ بِهِ أَجْزَأَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
باب كيف تعد الصدقة وكيف توسم
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ حَضَرْت عَمِّي مُحَمَّدَ بْنَ الْعَبَّاسِ تُؤْخَذُ الصَّدَقَاتُ بِحَضْرَتِهِ يَأْمُرُ بِالْحِظَارِ فَيُحْظَرُ وَيَأْمُرُ قَوْمًا فَيَكْتُبُونَ أَهْلَ السُّهْمَانِ ثُمَّ يَقِفُ رِجَالٌ دُونَ الْحِظَارِ قَلِيلاً ثُمَّ تُسَرَّبُ الْغَنَمُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالْحِظَارِ فَتَمُرُّ الْغَنَمُ سِرَاعًا وَاحِدَةٌ وَاثْنَتَانِ وَفِي يَدِ الَّذِي يَعُدُّهَا عَصًا يُشِيرُ بِهَا وَيَعُدُّ بَيْنَ يَدَيْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ وَصَاحِبُ الْمَالِ مَعَهُ، فَإِنْ قَالَ أَخْطَأَ أَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ حَتَّى يَجْتَمِعَا عَلَى عَدَدٍ ثُمَّ يَأْخُذُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بَعْدَمَا يَسْأَلُ رَبَّ الْمَالِ: هَلْ لَهُ مِنْ غَنَمٍ غَيْرِ مَا أَحْضَرَهُ؟ فَيَذْهَبُ بِمَا أَخَذَ إلَى الْمِيسَمِ فَيُوسَمُ بِمِيسَمِ الصَّدَقَةِ، هُوَ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَتُوسَمُ الْغَنَمُ فِي أُصُولِ آذَانِهَا وَالْإِبِلُ فِي أَفْخَاذِهَا ثُمَّ تَصِيرُ إلَى الْحَظِيرَةِ حَتَّى يُحْصَى مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَجْمَعِ ثُمَّ يُفَرِّقُهَا بِقَدْرِ مَا يَرَى.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَهَكَذَا أُحِبُّ أَنْ يَفْعَلَ الْمُصَدِّقُ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه: إنَّ فِي الظَّهْرِ نَاقَةً عَمْيَاءَ فَقَالَ " أَمِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ أَمْ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ؟ " فَقَالَ أَسْلَمُ: بَلْ مِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ وَقَالَ: إنْ عَلَيْهَا مِيسَمَ الْجِزْيَةِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عُمَرَ رضي الله تعالى عنه كَانَ يَسِمُ وَسْمَيْنِ، وَسْمَ جِزْيَةٍ، وَوَسْمَ صَدَقَةٍ. وَبِهَذَا نَقُولُ.
باب الفضل في الصدقة
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ عَجْلاَنَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْت أَبَا الْقَاسِمِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: (وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ عَبْدٍ يَتَصَدَّقُ بِصَدَقَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا طَيِّبًا وَلاَ يَصْعَدُ إلَى السَّمَاءِ إلَّا طَيِّبٌ إلَّا كَانَ كَأَنَّمَا يَضَعُهَا فِي يَدِ الرَّحْمَنِ فَيُرَبِّيهَا لَهُ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فُلُوَّهُ حَتَّى إنَّ اللُّقْمَةَ لِتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّهَا لَمِثْلُ الْجَبَلِ الْعَظِيمِ، ثُمَّ قَرَأَ {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ} أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (مَثَلُ الْمُنْفِقِ وَالْبَخِيلِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ، أَوْ جُنَّتَانِ مِنْ لَدُنْ ثُدِيِّهِمَا إلَى تَرَاقِيهِمَا، فَإِذَا أَرَادَ الْمُنْفِقُ أَنْ يُنْفِقَ سَبَغَتْ عَلَيْهِ الدِّرْعُ، أَوْ مَرَّتْ حَتَّى تُخْفِيَ بَنَانَهُ وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ، وَإِذَا أَرَادَ الْبَخِيلُ أَنْ يُنْفِقَ تَقَلَّصَتْ وَلَزِمَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَوْضِعَهَا حَتَّى تَأْخُذَ بِعُنُقِهِ، أَوْ تَرْقُوَتِهِ فَهُوَ يُوَسِّعُهَا وَلاَ تَتَّسِعُ) أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: " فَهُوَ يُوَسِّعُهَا وَلاَ تَتَوَسَّعُ ".
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: حَمِدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الصَّدَقَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ، فَمَنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يُكْثِرَ مِنْهَا فَلْيَفْعَلْ.
باب صدقة النافلة على المشرك
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّهِ (أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ أَتَتْنِي أُمِّي رَاغِبَةً فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَأَصِلُهَا؟ قَالَ نَعَمْ).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُتَصَدَّقَ عَلَى الْمُشْرِكِ مِنْ النَّافِلَةِ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْفَرِيضَةِ مِنْ الصَّدَقَةِ حَقٌّ، وَقَدْ حَمِدَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْمًا فَقَالَ {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ} الآيَةَ.
باب اختلاف زكاة ما لا يملك
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: وَإِذَا سَلَّفَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِائَةَ دِينَارٍ فِي طَعَامٍ مَوْصُوفٍ، أَوْ غَيْرِهِ سَلَفًا صَحِيحًا فَالْمِائَةُ مِلْكٌ لِلْمُسَلَّفِ وَيُزَكِّيهَا كَانَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهَا يُؤَدِّي دَيْنَهُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ يُزَكِّيهَا لِحَوْلِهَا يَوْمَ قَبَضَهَا، لَوْ أَفْلَسَ بَعْدَ الْحَوْلِ وَالْمِائَةُ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ بِعَيْنِهَا زَكَّاهَا وَكَانَ لِلَّذِي لَهُ الْمِائَةُ أَخْذُ مَا وَجَدَ مِنْهَا وَاتِّبَاعُهُ بِمَا يَبْقَى عَنْ الزَّكَاةِ وَعَمَّا تَلِفَ مِنْهَا.
وَهَكَذَا لَوْ أَصْدَقَ رَجُلٌ امْرَأَةً مِائَةَ دِينَارٍ فَقَبَضَتْهَا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فِي يَدَيْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا زَكَّتْ الْمِائَةَ وَرَجَعَ عَلَيْهَا بِخَمْسِينَ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَالِكَةً لِلْكُلِّ، وَإِنَّمَا انْتَقَضَ الْمِلْكُ فِي خَمْسِينَ بَعْدَ تَمَامِ مِلْكِهَا لَهَا حَوْلاً، وَهَكَذَا لَوْ لَمْ تَقْبِضْهَا وَحَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ فِي يَدِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَجَبَتْ عَلَيْهَا فِيهَا الزَّكَاةُ إذَا قَبَضَتْ الْخَمْسِينَ مِنْهُ أَدَّتْ زَكَاةَ الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي مِلْكِهَا وَكَانَتْ كَمَنْ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مِائَةُ دِينَارٍ فَقَبَضَ خَمْسِينَ بَعْدَ الْحَوْلِ وَأَبْرَأَهُ مِنْ خَمْسِينَ، هُوَ قَادِرٌ عَلَى أَخْذِهَا مِنْهُ، يُزَكِّي مِنْهَا مِائَةً.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ مِنْ يَوْمِ نَكَحَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا إلَّا زَكَاةُ الْخَمْسِينَ إذَا حَالَ الْحَوْلُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَقْبِضْهَا وَلَمْ يَحُلْ الْحَوْلُ حَتَّى انْتَقَضَ مِلْكُهَا فِي الْخَمْسِينَ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: لَوْ أَكْرَى رَجُلٌ رَجُلاً دَارًا بِمِائَةِ دِينَارٍ أَرْبَعَ سِنِينَ فَالْكِرَاءُ حَالٌّ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ إلَى أَجَلٍ، فَإِذَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ أَكْرَى الدَّارَ أَحْصَى الْحَوْلَ وَعَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ دِينَارًا وَالِاخْتِيَارُ لَهُ وَلاَ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يُزَكِّيَ الْمِائَةَ، فَإِنْ تَمَّ حَوْلٌ ثَانٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ عَنْ خَمْسِينَ دِينَارًا لِسَنَتَيْنِ يَحْتَسِبُ مِنْهَا زَكَاةَ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ الَّتِي أَدَّاهَا فِي أَوَّلِ سَنَةٍ، ثُمَّ إذَا حَالَ حَوْلٌ ثَالِثٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ لِثَلاَثِ سِنِينَ يَحْتَسِبُ مِنْهَا مَا مَضَى مِنْ زَكَاتِهِ عَنْ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ وَالْخَمْسِينَ، فَإِذَا مَضَى حَوْلٌ رَابِعٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ مِائَةً لِأَرْبَعِ سِنِينَ يَحْتَسِبُ مِنْهَا كُلَّ مَا أَخْرَجَ مِنْ زَكَاتِهِ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا. [قَالَ الرَّبِيعُ وَأَبُو يَعْقُوبَ]: عَلَيْهِ زَكَاةُ الْمِائَةِ. [قَالَ الرَّبِيعُ]: سَمِعْت الْكِتَابَ كُلَّهُ إلَّا أَنِّي لَمْ أُعَارِضْ بِهِ مِنْ هَا هُنَا إلَى آخِرِهِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: لَوْ أَكْرَى بِمِائَةٍ فَقَبَضَ الْمِائَةَ ثُمَّ انْهَدَمَتْ الدَّارُ انْفَسَخَ الْكِرَاءُ مِنْ يَوْمِ تَنْهَدِمُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ إلَّا فِيمَا سَلِمَ لَهُ مِنْ الْكِرَاءِ قَبْلَ الْهَدْمِ وَلِهَذَا قُلْت لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ الْمِائَةَ حَتَّى يَسْلَمَ الْكِرَاءُ فِيهَا وَعَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ مَا سَلِمَ مِنْ الْكِرَاءِ مِنْهُ، وَهَكَذَا إجَارَةُ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَكْرَاهُ الْمَالِكُ مِنْ غَيْرِهِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِنَّمَا فَرَّقْت بَيْنَ إجَارَةِ الْأَرْضِينَ وَالْمَنَازِلِ وَالصَّدَاقِ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ شَيْءٌ تَمَلَّكَتْهُ عَلَى الْكَمَالِ، فَإِنْ مَاتَتْ، أَوْ مَاتَ الزَّوْجُ، أَوْ دَخَلَ بِهَا، كَانَ لَهَا بِالْكَمَالِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا رَجَعَ إلَيْهَا بِنِصْفِهِ، وَالْإِجَارَاتُ لاَ يُمْلَكُ مِنْهَا شَيْءٌ بِكَمَالِهِ إلَّا بِسَلاَمَةِ مَنْفَعَةِ مَا يَسْتَأْجِرُهُ مُدَّةً فَيَكُونُ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الْإِجَارَةِ فَلَمْ نُجِزْ إلَّا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا بِمَا وَصَفْت.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَمِلْكُ الرَّجُلِ نِصْفَ الْمَهْرِ بِالطَّلاَقِ يُشْبِهُ مِلْكَهُ الشُّفْعَةَ تَكُونُ مِلْكًا لِلَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ حَتَّى تُؤْخَذَ مِنْ يَدَيْهِ.
قال: وَكِتَابَةُ الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدُ يُخَارِجُ وَالْأَمَةُ فَلاَ يُشْبِهُ هَذَا هَذَا لاَ يَكُونُ عَلَيْهِ وَلاَ عَلَى سَيِّدِهِ فِيهِ زَكَاةٌ، وَإِنْ ضَمِنَهُ مُكَاتَبُهُ، أَوْ عَبْدُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ السَّيِّدُ وَيَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ قَبَضَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَيْنٍ لاَزِمٍ لِلْمُكَاتَبِ وَلاَ الْعَبْدِ وَلاَ الْأَمَةِ، فَلَيْسَ يَتِمُّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ بِحَالٍ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَمَا كَانَ فِي ذِمَّةِ حُرٍّ فَمِلْكُهُ قَائِمٌ عَلَيْهِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَهَكَذَا كُلُّ مَا مَلَكَ مِمَّا فِي أَصْلِهِ صَدَقَةٌ تِبْرٌ، أَوْ فِضَّةٌ، أَوْ غَنَمٌ، أَوْ بَقَرٌ، أَوْ إبِلٌ. فَأَمَّا مَا مَلَكَ مِنْ طَعَامٍ، أَوْ تَمْرٍ، أَوْ غَيْرِهِ فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ، إنَّمَا الزَّكَاةُ فِيمَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ بِأَنْ تَكُونَ أَخْرَجَتْهُ، هُوَ يَمْلِكُ مَا أَخْرَجَتْ فَيَكُونُ فِيهِ حَقٌّ يَوْمَ حَصَادِهِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَمَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ فَأُدِّيَتْ زَكَاتُهُ ثُمَّ حَبَسَهُ صَاحِبُهُ سِنِينَ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ زَكَاتَهُ إنَّمَا تَكُونُ بِأَنْ تُخْرِجَهُ الْأَرْضُ لَهُ يَوْمَ تُخْرِجُهُ، فَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ بِحَالٍ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ لِتِجَارَةٍ، فَأَمَّا إنْ نَوَيْت بِهِ التِّجَارَةَ، هُوَ مِلْكٌ لِصَاحِبِهِ بِغَيْرِ شِرَاءٍ فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَإِذَا أَوْجَفَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْعَدُوِّ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَجُمِعَتْ غَنَائِمُهُمْ فَحَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ قَبْلَ أَنْ تُقْسَمَ، فَقَدْ أَسَاءَ الْوَالِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ، وَلاَ زَكَاةَ فِي فِضَّةٍ مِنْهَا وَلاَ ذَهَبٍ وَلاَ مَاشِيَةٍ حَتَّى تُقْسَمَ، يَسْتَقْبِلُ بِهَا بَعْدَ الْقَسْمِ حَوْلاً؛ لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ لاَ تَكُونُ مِلْكًا لِوَاحِدٍ دُونَ صَاحِبِهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ مَلَكُوهُ بِشِرَاءٍ وَلاَ مِيرَاثٍ فَأَقَرُّوهُ رَاضِينَ فِيهِ بِالشَّرِكَةِ، وَإِنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَمْنَعَهُ قَسْمَهُ إلَى أَنْ يُمْكِنَهُ وَلِأَنَّ فِيهَا خُمُسًا مِنْ جَمِيعِهَا قَدْ يَصِيرُ فِي الْقَسْمِ فِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ فَلَيْسَ مِنْهَا مَمْلُوكٌ لِأَحَدٍ بِعَيْنِهِ بِحَالٍ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: لَوْ قُسِمَتْ فَجُمِعَتْ سِهَامُ مِائَةٍ فِي شَيْءٍ بِرِضَاهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مَاشِيَةً، أَوْ شَيْئًا مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَمْ يَقْتَسِمُوهُ بَعْدَ أَنْ صَارَ لَهُمْ حَتَّى حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ زَكَّوْهُ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ مَلَكُوهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَدُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْغَنِيمَةِ، لَوْ قَسَمَ ذَلِكَ الْوَالِي بِلاَ رِضَاهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُمْ ذَلِكَ، لَوْ قَسَمَهُ وَهُمْ غُيَّبٌ وَدَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ فَحَالَ عَلَيْهِ حَوْلٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ فِيهِ زَكَاةٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهُ، وَلَيْسَ لِلْوَالِي جَبْرُهُمْ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَبِلُوهُ وَرَضُوا بِهِ مَلَكُوهُ مِلْكًا مُسْتَأْنَفًا وَاسْتَأْنَفُوا لَهُ حَوْلاً مِنْ يَوْمِ قَبِلُوهُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: لَوْ عَزَلَ الْوَالِي سَهْمَ أَهْلِ الْخُمُسِ ثُمَّ أَخْرَجَ لَهُمْ سَهْمَهُمْ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، فَإِنْ كَانَ مَاشِيَةً لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ فِيهِ الصَّدَقَةُ؛ لِأَنَّهُ لِقَوْمٍ مُتَفَرِّقِينَ لاَ يَعْرِفُهُمْ فَهُوَ كَالْغَنِيمَةِ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ لاَ يُحْصَوْنَ، وَإِذَا صَارَ إلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ شَيْءٌ اسْتَأْنَفَ بِهِ حَوْلاً، وَكَذَلِكَ الدَّنَانِيرُ وَالتِّبْرُ وَالدَّرَاهِمُ فِي جَمِيعِ هَذَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا جَمَعَ الْوَالِي الْفَيْءَ ذَهَبًا، أَوْ وَرِقًا فَأَدْخَلَهُ بَيْتَ الْمَالِ فَحَالَ عَلَيْهِ حَوْلٌ، أَوْ كَانَتْ مَاشِيَةً فَرَعَاهَا فِي الْحِمَى فَحَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ فَلاَ زَكَاةَ فِيهَا؛ لِأَنَّ مَالِكِيهَا لاَ يُحْصَوْنَ وَلاَ يُعْرَفُونَ كُلُّهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ، وَإِذَا دَفَعَ مِنْهُ شَيْئًا إلَى رَجُلٍ اسْتَقْبَلَ بِهِ حَوْلاً.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: لَوْ عَزَلَ مِنْهَا الْخُمُسَ لِأَهْلِهِ كَانَ هَكَذَا؛ لِأَنَّ أَهْلَهُ لاَ يُحْصَوْنَ، وَكَذَلِكَ خُمُسُ الْخُمُسِ، فَإِنْ عَزَلَ مِنْهَا شَيْئًا لِصِنْفٍ مِنْ الْأَصْنَافِ فَدَفَعَهُ إلَى أَهْلِهِ فَحَالَ عَلَيْهِ فِي أَيْدِيهِمْ حَوْلٌ قَبْلَ أَنْ يَقْتَسِمُوهُ صَدَّقُوهُ صَدَقَةَ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُمْ خُلَطَاءُ فِيهِ، وَإِنْ اقْتَسَمُوهُ قَبْلَ الْحَوْلِ، فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِمْ فِيهِ.
باب زكاة الفطر
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ ذَكَرٍ وَأُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ)، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِمَّنْ يُمَوَّنُونَ). أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: (كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ وَفِي حَدِيثِ نَافِعٍ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَفْرِضْهَا إلَّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ مُوَافَقَةٌ لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّهُ جَعَلَ الزَّكَاةَ لِلْمُسْلِمِينَ طَهُورًا وَالطَّهُورُ لاَ يَكُونُ إلَّا لِلْمُسْلِمِينَ وَفِي حَدِيثِ جَعْفَرٍ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَضَهَا عَلَى الْمَرْءِ فِي نَفْسِهِ وَمَنْ يُمَوِّنُ قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَفِي حَدِيثِ نَافِعٍ دَلاَلَةُ سُنَّةٍ بِحَدِيثِ جَعْفَرٍ إذْ فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَالْعَبْدُ لاَ مَالَ لَهُ، وَبَيَّنَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنَّمَا فَرَضَهَا عَلَى سَيِّدِهِ وَمَا لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ أَنَّ عَلَى السَّيِّدِ فِي عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَهُمَا مِمَّنْ يُمَوِّنُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَعَلَى كُلِّ رَجُلٍ لَزِمَتْهُ مُؤْنَةُ أَحَدٍ حَتَّى لاَ يَكُونَ لَهُ تَرْكُهَا أَدَاءُ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْهُ، وَذَلِكَ مَنْ جَبَرْنَاهُ عَلَى نَفَقَتِهِ مِنْ وَلَدِهِ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ الزَّمْنَى الْفُقَرَاءِ وَآبَائِهِ وَأُمَّهَاتِهِ الزَّمْنَى الْفُقَرَاءِ وَزَوْجَتِهِ وَخَادِمٍ لَهَا، فَإِنْ كَانَ لَهَا أَكْثَرُ مِنْ خَادِمٍ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُزَكِّيَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْهُ وَلَزِمَهَا تَأْدِيَةُ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَمَّنْ بَقِيَ مِنْ رَقِيقِهَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ فِي رَقِيقِهِ الْحُضُورِ وَالْغُيَّبِ رَجَا رَجْعَتَهُمْ، أَوْ لَمْ يَرْجُ إذَا عَرَفَ حَيَاتَهُمْ؛ لِأَنَّ كُلًّا فِي مِلْكِهِ، وَكَذَلِكَ أُمَّهَاتُ أَوْلاَدِهِ وَالْمُعْتَقُونَ إلَى أَجَلٍ مِنْ رَقِيقِهِ وَمَنْ رَهَنَ مِنْ رَقِيقِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ هَؤُلاَءِ فِي مِلْكِهِ، وَإِنْ كَانَ فِيمَنْ يُمَوِّنُ كَافِرٌ لَمْ يَلْزَمْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَطْهُرْ بِالزَّكَاةِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَرَقِيقُ رَقِيقِهِ رَقِيقُهُ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ عَنْهُمْ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَإِنْ كَانَ وَلَدُهُ فِي وِلاَيَتِهِ لَهُمْ أَمْوَالٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ عَنْهُمْ زَكَاةَ الْفِطْرِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ فَيُخْرِجَهَا مِنْ مَالِهِ عَنْهُمْ فَتُجْزِي عَنْهُمْ، فَإِذَا تَطَوَّعَ حُرٌّ مِمَّنْ يُمَوِّنُ الرَّجُلُ فَأَخْرَجَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ امْرَأَتِهِ كَانَتْ، أَوْ ابْنٍ لَهُ، أَوْ أَبٍ، أَوْ أُمٍّ أَجْزَأَ عَنْهُمْ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْهُمْ ثَانِيَةً، فَإِنْ تَطَوَّعُوا بِبَعْضِ مَا عَلَيْهِمْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ الْبَاقِيَ عَنْهُمْ مِنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ.
قال: وَمَنْ قُلْت يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ عَنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ، فَإِذَا وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ، أَوْ كَانَ أَحَدٌ فِي مِلْكِهِ، أَوْ عِيَالِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ نَهَارِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَغَابَتْ الشَّمْسُ لَيْلَةَ هِلاَلِ شَوَّالٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهُ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ، وَإِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ مِنْ لَيْلَةِ الْفِطْرِ ثُمَّ وُلِدَ بَيْنَهُمْ، أَوْ صَارَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِي عِيَالِهِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ فِي عَامِهِ ذَلِكَ عَنْهُ، وَكَانَ فِي سُقُوطِ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْهُ كَالْمَالِ يَمْلِكُهُ بَعْدَ الْحَوْلِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُزَكِّيَ عَنْهُ مِنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُ مِنْهُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ فَأَهَلَّ هِلاَلُ شَوَّالٍ وَلَمْ يَخْتَرْ إنْفَاذَ الْبَيْعِ ثُمَّ أَنْفَذَهُ فَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى الْبَائِعِ. [قَالَ الرَّبِيعُ]: وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ فَأَهَلَّ هِلاَلُ شَوَّالٍ وَالْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَاخْتَارَ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ إجَازَةَ الْبَيْعِ، أَوْ رَدَّهُ فَهُمَا سَوَاءٌ وَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى الْبَائِعِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: لَوْ بَاعَ رَجُلٌ رَجُلاً عَبْدًا عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ فَأَهَلَّ هِلاَلُ شَوَّالٍ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ الرَّدَّ، أَوْ الْأَخْذَ كَانَتْ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ اخْتَارَ رَدَّ الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَخْتَارَهُ قَبْلَ الْهِلاَلِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، أَوْ الْبَائِعِ إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى مَنْ يَمْلِكُهُ فَأَجْعَلُ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَيْهِ.
[قَالَ]: لَوْ غَصَبَ رَجُلٌ عَبْدَ رَجُلٍ كَانَتْ زَكَاةُ الْفِطْرِ فِي الْعَبْدِ عَلَى مَالِكِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ وَشَرَطَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ نَفَقَتَهُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَيُؤَدِّي زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ رَقِيقِهِ الَّذِي اشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ وَيُؤَدِّي عَنْهُمْ زَكَاةَ التِّجَارَةِ مَعًا وَعَنْ رَقِيقِهِ لِلْخِدْمَةِ وَغَيْرِهَا وَجَمِيعِ مَا يَمْلِكُ مِنْ خَدَمٍ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِنْ وَهَبَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ عَبْدًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ حَتَّى أَهَلَّ شَوَّالٌ وَقَفْنَا زَكَاةَ الْفِطْرِ، فَإِنْ أَقْبَضَهُ إيَّاهُ فَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ فَالزَّكَاةُ عَلَى الْوَاهِبِ، لَوْ قَبَضَهُ قَبْلَ اللَّيْلِ ثُمَّ غَابَتْ الشَّمْسُ، هُوَ فِي مِلْكِهِ مَقْبُوضًا لَهُ كَانَتْ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ، لَوْ رَدَّهُ مِنْ سَاعَتِهِ.
قال: وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا مَلَكَ بِهِ رَجُلٌ رَجُلاً عَبْدًا، أَوْ أَمَةً.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا أَعْتَقَ رَجُلٌ نِصْفَ عَبْدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ وَلَمْ يَكُنْ مُوسِرًا فَبَقِيَ نِصْفُهُ رَقِيقًا لِرَجُلٍ فَعَلَيْهِ فِي نِصْفِهِ نِصْفُ زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ مَا يَقُوتُ نَفْسَهُ لَيْلَةَ الْفِطْرِ وَيَوْمَهُ وَيُؤَدِّي النِّصْفَ عَنْ نَفْسِهِ فَعَلَيْهِ أَدَاءُ زَكَاةِ النِّصْفِ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ مَا اكْتَسَبَ فِي يَوْمِهِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ مَالاً قِرَاضًا فَاشْتَرَى بِهِ رَقِيقًا فَأَهَلَّ شَوَّالٌ قَبْلَ أَنْ يُبَاعُوا فَزَكَاتُهُمْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: لَوْ مَاتَ رَجُلٌ لَهُ رَقِيقٌ فَوَرِثَهُ وَرَثَتُهُ قَبْلَ هِلاَلِ شَوَّالٍ ثُمَّ أَهَلَّ هِلاَلُ شَوَّالٍ وَلَمْ يَخْرُجْ الرَّقِيقُ مِنْ أَيْدِيهِمْ فَعَلَيْهِمْ فِيهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ بِقَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ مِنْهُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: لَوْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَدَعَ نَصِيبَهُ مِنْ مِيرَاثِهِ لَزِمَهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ مِلْكُهُ لَهُ بِكُلِّ حَالٍ، لَوْ أَنَّهُ مَاتَ حِينَ أَهَلَّ هِلاَلُ شَوَّالٍ وَوَرِثَهُ وَرَثَتُهُ كَانَتْ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهُ وَعَمَّنْ يَمْلِكُ فِي مَالِهِ مُبْدَاةً عَلَى الدَّيْنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمِيرَاثِ وَالْوَصَايَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: لَوْ مَاتَ رَجُلٌ فَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ، أَوْ بِعَبِيدٍ، فَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ بَعْدَ هِلاَلِ شَوَّالٍ فَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْ الرَّقِيقِ فِي مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ قَبْلَ شَوَّالٍ فَلَمْ يُرِدْ الرَّجُلُ الْوَصِيَّةَ وَلَمْ يَقْبَلْهَا، أَوْ عَلِمَهَا، أَوْ لَمْ يَعْلَمْهَا حَتَّى أَهَلَّ شَوَّالٌ فَصَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْهُمْ مَوْقُوفَةٌ، فَإِذَا أَجَازَ الْمُوصَى لَهُ قَبُولَ الْوَصِيَّةِ فَهِيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمْ خَارِجُونَ مِنْ مِلْكِ الْمَيِّتِ، وَإِنَّ وَرَثَتَهُ غَيْرُ مَالِكِينَ لَهُمْ، فَإِنْ اخْتَارَ رَدَّ الْوَصِيَّةِ فَلَيْسَتْ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْهُمْ، وَعَلَى الْوَرَثَةِ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مَوْقُوفِينَ عَلَى مِلْكِهِمْ، أَوْ مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: لَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ قَبُولَهُمْ، أَوْ رَدَّهُمْ قَامَ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ فِي اخْتِيَارِ قَبُولِهِمْ، أَوْ رَدِّهِمْ، فَإِنْ قَبِلُوهُمْ فَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهُمْ فِي مَالِ أَبِيهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ بِمِلْكِهِ مَلَكُوهُمْ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعُوا بِهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَهَذَا إذَا أُخْرِجُوا مِنْ الثُّلُثِ وَقَبِلَ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ، فَإِنْ لَمْ يُخْرَجُوا مِنْ الثُّلُثِ فَهُمْ شُرَكَاءُ الْوَرَثَةِ فِيهِمْ، وَزَكَاةُ الْفِطْرِ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِ الْوَرَثَةِ وَوَصِيَّةِ أَهْلِ الْوَصَايَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: لَوْ أَوْصَى بِرَقَبَةِ عَبْدٍ لِرَجُلٍ وَخِدْمَتِهِ لِآخِرِ حَيَاتِهِ، أَوْ وَقْتًا فَقَبِلاَ، كَانَتْ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ، لَوْ لَمْ يَقْبَلْ كَانَتْ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ رَقَبَتَهُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: لَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَتَرَكَ رَقِيقًا، فَإِنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي مَالِهِ عَنْهُمْ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ شَوَّالٍ زَكَّى عَنْهُمْ الْوَرَثَةُ؛ لِأَنَّهُمْ فِي مِلْكِهِمْ حَتَّى يُخْرَجُوا بِأَنْ يُبَاعُوا بِالْمَوْتِ، أَوْ الدَّيْنِ وَهَؤُلاَءِ يُخَالِفُونَ الْعَبِيدَ يُوصَى بِهِمْ، الْعَبِيدُ يُوصَى بِهِمْ خَارِجُونَ بِأَعْيَانِهِمْ مِنْ مَالِهِ إذَا قَبِلَ الْوَصِيَّةَ الْمُوصَى لَهُ وَهَؤُلاَءِ إنْ شَاءَ الْوَرَثَةُ لَمْ يُخْرَجُوا مِنْ مَالِهِ بِحَالٍ إذَا أَدَّوْا الدَّيْنَ، فَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ مُكَاتَبٌ كَاتَبَهُ كِتَابَةً فَاسِدَةً، فَهُوَ مِثْلُ رَقِيقِهِ يُؤَدِّي عَنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَإِنْ كَانَتْ كِتَابَتُهُ صَحِيحَةً فَلَيْسَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ مَالِهِ وَبَيْعِهِ وَلاَ عَلَى الْمُكَاتَبِ زَكَاةُ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ تَامِّ الْمِلْكِ عَلَى مَالِهِ، وَإِنْ كَانَتْ لِرَجُلٍ أُمُّ وَلَدٍ، أَوْ مُدَبَّرَةٌ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ فِيهِمَا مَعًا؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لَهُمَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: لَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَتَرَكَ رَقِيقًا، فَإِنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي مَالِهِ عَنْهُمْ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ شَوَّالٍ زَكَّى عَنْهُمْ الْوَرَثَةُ؛ لِأَنَّهُمْ فِي مِلْكِهِمْ حَتَّى يُخْرَجُوا بِأَنْ يُبَاعُوا بِالْمَوْتِ، أَوْ الدَّيْنِ وَهَؤُلاَءِ يُخَالِفُونَ الْعَبِيدَ يُوصَى بِهِمْ، الْعَبِيدُ يُوصَى بِهِمْ خَارِجُونَ بِأَعْيَانِهِمْ مِنْ مَالِهِ إذَا قَبِلَ الْوَصِيَّةَ الْمُوصَى لَهُ وَهَؤُلاَءِ إنْ شَاءَ الْوَرَثَةُ لَمْ يُخْرَجُوا مِنْ مَالِهِ بِحَالٍ إذَا أَدَّوْا الدَّيْنَ، فَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ مُكَاتَبٌ كَاتَبَهُ كِتَابَةً فَاسِدَةً، فَهُوَ مِثْلُ رَقِيقِهِ يُؤَدِّي عَنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَإِنْ كَانَتْ كِتَابَتُهُ صَحِيحَةً فَلَيْسَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ مَالِهِ وَبَيْعِهِ وَلاَ عَلَى الْمُكَاتَبِ زَكَاةُ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ تَامِّ الْمِلْكِ عَلَى مَالِهِ، وَإِنْ كَانَتْ لِرَجُلٍ أُمُّ وَلَدٍ، أَوْ مُدَبَّرَةٌ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ فِيهِمَا مَعًا؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لَهُمَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَيُؤَدِّي وَلِيُّ الْمَعْتُوهِ وَالصَّبِيِّ عَنْهُمَا زَكَاةَ الْفِطْرِ وَعَمَّنْ تَلْزَمُهُمَا مُؤْنَتُهُ كَمَا يُؤَدِّي الصَّحِيحُ عَنْ نَفْسِهِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلاَ يَقِفُ الرَّجُلُ عَنْ زَكَاةِ عَبْدِهِ الْغَائِبِ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ مُنْقَطِعَ الْخَبَرِ عَنْهُ حَتَّى يَعْلَمَ مَوْتَهُ قَبْلَ هِلاَلِ شَوَّالٍ، فَإِنْ فَعَلَ فَعَلِمَ أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ شَوَّالٍ لَمْ يُؤَدِّ عَنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَيْقِنْ أَدَّى عَنْهُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا غَابَ الرَّجُلُ عَنْ بَلَدِ الرَّجُلِ، لَمْ يَعْرِفْ مَوْتَهُ وَلاَ حَيَاتَهُ فِي سَاعَةِ زَكَاةِ الْفِطْرِ فَلْيُؤَدِّ عَنْهُ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ غِلْمَانِهِ الَّذِينَ بِوَادِي الْقُرَى وَخَيْبَرَ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَكُلُّ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ شَوَّالٌ وَعِنْدَهُ قُوتُهُ وَقُوتُ مَنْ يَقُوتُهُ يَوْمَهُ وَمَا يُؤَدِّي بِهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْهُ وَعَنْهُمْ أَدَّاهَا عَنْهُمْ وَعَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا مَا يُؤَدِّي عَنْ بَعْضِهِمْ أَدَّاهَا عَنْ بَعْضٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا سِوَى مُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَتِهِمْ يَوْمَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ وَلاَ عَلَى مَنْ يَقُوتُ عَنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَإِنْ كَانَ أَحَدٌ مِمَّنْ يَقُوتُ وَاجِدًا لِزَكَاةِ الْفِطْرِ لَمْ أُرَخِّصْ لَهُ أَنْ يَدَعَ أَدَاءَهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَلاَ يَبِينُ لِي أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ عَلَى غَيْرِهِ فِيهِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَيَأْخُذَهَا إذَا كَانَ مُحْتَاجًا وَغَيْرَهَا مِنْ الصَّدَقَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ وَغَيْرِهَا، وَكُلُّ مُسْلِمٍ فِي الزَّكَاةِ سَوَاءٌ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلَيْسَ عَلَى مَنْ لاَ عَرَضَ لَهُ وَلاَ نَقْدَ وَلاَ يَجِدُ قُوتَ يَوْمِهِ أَنْ يَسْتَسْلِفَ زَكَاةً.
باب زكاة الفطر الثاني
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ [قَالَ الشَّافِعِيُّ]: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ ذَكَرٍ وَأُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله لاَ زَكَاةَ فِطْرٍ إلَّا عَلَى مُسْلِمٍ، وَعَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُزَكِّيَ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ لَزِمَهُ مُؤْنَتُهُ صِغَارًا، أَوْ كِبَارًا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَيَلْزَمُهُ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ وَخَادِمٍ لَهَا لاَ أَكْثَرَ مِنْهَا وَيَلْزَمُ امْرَأَتَهُ تَأْدِيَةُ الزَّكَاةِ عَمَّنْ بَقِيَ مِنْ رَقِيقِهَا وَيَلْزَمُ مَنْ كَانَ لَهُ رَقِيقٌ حُضُورًا، أَوْ غُيَّبًا كَانُوا لِلتِّجَارَةِ، أَوْ لِخِدْمَةٍ رَجَا رُجُوعَهُمْ، أَوْ لَمْ يَرْجُهُ إذَا عَرَفَ حَيَاتَهُمْ أَنْ يُزَكِّيَ عَنْهُمْ، وَكَذَلِكَ يُزَكِّي عَنْ رَقِيقِ رَقِيقِهِ وَيُزَكِّي عَنْ أُمَّهَاتِ الْأَوْلاَدِ وَالْمُعْتَقِينَ إلَى أَجَلٍ، وَلاَ زَكَاةَ عَلَى أَحَدٍ فِي عَبْدٍ كَافِرٍ وَلاَ أَمَةٍ كَافِرَةٍ، وَمَنْ قُلْت تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ، فَإِذَا وُلِدَ، أَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ، أَوْ عِيَالِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ نَهَارِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَغَابَتْ الشَّمْسُ لَيْلَةَ هِلاَلِ شَوَّالٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهُ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ، وَإِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ثُمَّ وُلِدَ لَهُ، أَوْ ثَارَ أَحَدٌ فِي عِيَالِهِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ، وَذَلِكَ كَمَالٍ يَمْلِكُهُ بَعْدَ الْحَوْلِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ إذَا كَانَ عِنْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ ثُمَّ حَلَّ هُوَ عِنْدَه.
, وَإِذَا اشْتَرَى رَجُلٌ عَبْدًا عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ فَأَهَلَّ شَوَّالٌ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ الرَّدَّ، أَوْ الْأَخْذَ فَاخْتَارَ الرَّدَّ، أَوْ الْأَخْذَ فَالزَّكَاةُ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ بَيْعُهُ وَلَمْ يَكُنْ الْخِيَارُ إلَّا لَهُ، فَالْبَيْعُ لَهُ، وَإِنْ اخْتَارَ رَدَّهُ بِالشَّرْطِ فَهُوَ كَمُخْتَارٍ رَدَّهُ بِالْعَيْبِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، أَوْ الْبَائِعِ إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى مَنْ يَمْلِكُهُ فَأَجْعَلُ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَيْهِ.
, لَوْ غَصَبَ رَجُلٌ عَبْدًا كَانَتْ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى مَالِكِهِ.
, لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلٌ عَبْدًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ نَفَقَتَهُ كَانَتْ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ.
, وَإِنْ وَهَبَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ عَبْدًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ حَتَّى أَهَلَّ شَوَّالٌ وَقَفْنَا زَكَاةَ الْفِطْرِ، فَإِنْ أَقْبَضَهُ إيَّاهُ زَكَّاهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُقْبِضْهُ زَكَّاهُ الْوَاهِبُ، وَإِنْ قَبَضَهُ قَبْلَ اللَّيْلِ ثُمَّ غَابَتْ الشَّمْسُ فَرَدَّهُ فَعَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا مَلَّكَ بِهِ رَجُلٌ رَجُلاً عَبْدًا، أَوْ أَمَةً.
لَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَلَهُ رَقِيقٌ فَوَرِثَهُ وَرَثَتُهُ قَبْلَ هِلاَلِ شَوَّالٍ ثُمَّ أَهَلَّ شَوَّالٌ وَلَمْ يَخْرُجْ الرَّقِيقُ مِنْ أَيْدِيهِمْ فَعَلَيْهِمْ فِيهِمْ زَكَاةُ الْفِطْرِ بِقَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ، لَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَدَعَ نَصِيبَهُ مِنْ مِيرَاثِهِ بَعْدَمَا أَهَلَّ شَوَّالٌ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَزِمَهُ بِكُلِّ حَالٍ.
وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ، أَدَّى الَّذِي لَهُ فِيهِ الْمِلْكُ بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُ وَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُؤَدِّيَ مَا بَقِيَ وَلِلْعَبْدِ مَا كَسَبَ فِي يَوْمِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَا يَقُوتُهُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَلَيْلَتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَضْلُ مَا يَقُوتُ نَفْسَهُ لَيْلَةَ الْفِطْرِ وَيَوْمَهُ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ.
وَإِذَا اشْتَرَى الْمُقَارِضُ رَقِيقًا فَأَهَلَّ شَوَّالٌ وَهُمْ عِنْدَهُ فَعَلَى رَبِّ الْمَالِ زَكَاتُهُمْ.
, وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ حِينَ أَهَلَّ شَوَّالٌ فَالزَّكَاةُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ مُبَدَّاةٌ عَلَى الدَّيْنِ وَالْوَصَايَا يُخْرِجُ عَنْهُ وَعَمَّنْ يَمْلِكُ وَيُمَوِّنُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ.
لَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ، فَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ بَعْدَ هِلاَلِ شَوَّالٍ وَخَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ فَالزَّكَاةُ عَلَى السَّيِّدِ فِي مَالِهِ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ هِلاَلِ شَوَّالٍ فَالزَّكَاةُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ إنْ قَبِلَ الْوَصِيَّةَ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهَا، أَوْ عَلِمَهَا، أَوْ لَمْ يَعْلَمْهَا فَالزَّكَاةُ مَوْقُوفَةٌ، فَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَهُ فَالزَّكَاةُ عَلَيْهِ، وَإِنْ رَدَّهُ فَعَلَى الْوَرَثَةِ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ عَنْ الْعَبْدِ، وَإِنْ لَمْ يُخْرَجْ مِنْ الثُّلُثِ فَهُوَ شَرِيكٌ لِلْوَرَثَةِ إنْ قَبِلَ الْوَصِيَّةَ وَالزَّكَاةُ عَلَيْهِمْ كَهِيَ عَلَى الشُّرَكَاءِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ قَبُولَهُمْ، أَوْ رَدَّهُمْ فَوَرَثَتُهُ يَقُومُونَ مَقَامَهُ، فَإِنْ اخْتَارُوا قَبُولَهُ فَعَلَيْهِمْ زَكَاةُ الْفِطْرِ فِي مَالِ أَبِيهِمْ.
لَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِرَقَبَةِ عَبْدٍ وَخِدْمَتِهِ لِآخِرِ حَيَاةِ الْمُوصَى لَهُ فَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ، لَوْ لَمْ يَقْبَلْ الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ كَانَتْ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى الْوَرَثَةِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِنْ مَاتَ رَجُلٌ وَلَهُ رَقِيقٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ بَعْدَ هِلاَلِ شَوَّالٍ فَالزَّكَاةُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ عَنْهُ وَعَنْهُمْ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْهِلاَلِ فَالزَّكَاةُ عَلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُمْ فِي مِلْكِهِمْ حَتَّى يُخْرَجُوا فِي الدَّيْنِ.
وَلاَ يُؤَدِّي الرَّجُلُ عَنْ مُكَاتَبِهِ إذَا كَانَتْ كِتَابَتُهُ صَحِيحَةً وَلاَ عَلَى الْمُكَاتَبِ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْ نَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَتْ كِتَابَتُهُ فَاسِدَةً فَهُوَ مِثْلُ رَقِيقِهِ فَيُؤَدِّي عَنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَيُؤَدِّي وَلِيُّ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ عَنْهُمَا وَعَمَّنْ تَلْزَمُهُمَا مُؤْنَتُهُ كَمَا يُؤَدِّي الصَّحِيحُ.
وَكُلُّ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ هِلاَلُ شَوَّالٍ وَعِنْدَهُ قُوتُهُ وَقُوتُ مَنْ يَقُوتُهُ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ وَمَا يُؤَدِّي بِهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْهُمْ وَعَنْهُ أَدَّاهَا عَنْهُ وَعَنْهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا مَا يُؤَدِّي بِهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْهُ، أَوْ عَنْ بَعْضِهِمْ أَدَّاهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا قُوتُهُ وَقُوتُهُمْ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ وَاجِدٌ لِلْفَضْلِ عَنْ قُوتِ يَوْمِهِ أَدَّى عَنْ نَفْسِهِ إذَا لَمْ يُؤَدِّ عَنْهُ وَلاَ يَتَبَيَّنُ لِي أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ عَلَى غَيْرِهِ فِيهِ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُؤَدِّيَ الرَّجُلُ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَيَأْخُذَهَا وَغَيْرَهَا مِنْ الصَّدَقَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ وَالتَّطَوُّعِ وَكُلُّ مُسْلِمٍ فِي الزَّكَاةِ سَوَاءٌ وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ لاَ شَيْءَ عِنْدَهُ أَنْ يَسْتَسْلِفَ زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَإِنْ وَجَدَ مَنْ يُسَلِّفَهُ، لَوْ أَيْسَرَ بَعْدَ هِلاَلِ شَوَّالٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا قَدْ زَالَ هُوَ غَيْرُ وَاجِدٍ، لَوْ أَخْرَجَهَا كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا بَاعَ الرَّجُلُ عَبْدًا بَيْعًا فَاسِدًا فَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَهَنَهُ رَهْنًا فَاسِدًا، أَوْ صَحِيحًا فَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى مَالِكِهِ.
وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ عَبْدًا فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهَا زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ، فَإِنْ زَوَّجَهَا حُرًّا فَعَلَى الْحُرِّ الزَّكَاةُ إذَا خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، فَإِنْ لَمْ يُخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَعَلَى السَّيِّدِ الزَّكَاةُ، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ الْحُرُّ مُعْسِرًا فَعَلَى سَيِّدِ الْأَمَةِ الزَّكَاةُ.
وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَمَةً، أَوْ عَبْدًا وَلاَ مَالَ لِوَلَدِهِ غَيْرُهُ فَلاَ يَتَبَيَّنُ أَنْ تَجِبَ الزَّكَاةُ عَلَى أَبِيهِ؛ لِأَنَّ مُؤْنَتَهُ لَيْسَتْ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرْضِعًا، أَوْ مَنْ لاَ غِنَى بِالصَّغِيرِ عَنْهُ فَيَلْزَمُ أَبَاهُ نَفَقَتُهُمْ وَالزَّكَاةُ عَنْهُمْ، وَإِنْ حَبَسَهُمْ أَبُوهُ لِخِدْمَةِ نَفْسِهِ، فَقَدْ أَسَاءَ وَلاَ يَتَبَيَّنُ أَنَّ عَلَيْهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِيهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِمَّنْ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ كَانَ لِابْنِهِ مَالٌ أَدَّى مِنْهُ عَنْ رَقِيقِ ابْنِهِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ لِابْنِهِ مُرْضِعًا فَلَيْسَ عَلَى أَبِيهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهَا، وَلَيْسَ لِغَيْرِ وَلِيِّ الصَّبِيِّ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهُ زَكَاةَ فِطْرٍ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا بِغَيْرِ أَمْرِ حَاكِمٍ ضَمِنَ.
باب مكيلة زكاة الفطر
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ)، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: (كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ) أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ سَمِعَ عِيَاضَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ يَقُولُ: إنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: (كُنَّا نُخْرِجُ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُ ذَلِكَ حَتَّى قَدِمَ مُعَاوِيَةُ حَاجًّا، أَوْ مُعْتَمِرًا فَخَطَبَ النَّاسَ فَكَانَ فِيمَا كَلَّمَ النَّاسَ بِهِ أَنْ قَالَ إنِّي أَرَى: مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلاَ يُخْرَجُ مِنْ الْحِنْطَةِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ إلَّا صَاعٌ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَالثَّابِتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التَّمْرُ وَالشَّعِيرُ وَلاَ أَرَى أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ عَزَا أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَضَهُ، إنَّمَا عَزَا أَنَّهُمْ كَانُوا يُخْرِجُونَهُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَفِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِمَّا يَقْتَاتُ الرَّجُلُ وَمِمَّا فِيهِ زَكَاةٌ.
قال: وَأَيُّ قُوتٍ كَانَ الْأَغْلَبَ عَلَى رَجُلٍ أَدَّى مِنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَإِنْ وَجَدَ مَنْ يُسَلِّفُهُ، فَإِذَا أَفْلَسَ لَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ فَلَوْ أَيْسَرَ مِنْ يَوْمِهِ، أَوْ مِنْ بَعْدِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إخْرَاجُهَا مِنْ وَقْتِهَا؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا كَانَ وَلَيْسَتْ عَلَيْهِ، لَوْ أَخْرَجَهَا كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ لَهُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا بَاعَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ بَيْعًا فَاسِدًا فَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ مِلْكِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَهَنَهُ رَجُلاً، أَوْ غَصَبَهُ إيَّاهُ رَجُلٌ فَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مِلْكِهِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَهَكَذَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِالْخِيَارِ فَأَهَلَّ شَوَّالٌ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ إنْفَاذَ الْبَيْعِ ثُمَّ أَنْفَذَهُ كَانَتْ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وُقِفَتْ زَكَاةُ الْفِطْرِ، فَإِنْ اخْتَارَهُ فَهُوَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ رَدَّهُ فَهُوَ عَلَى الْبَائِعِ. [قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ]: وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ، أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى الْبَائِعِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لاَ يَتِمُّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ اخْتِيَارِهِ، أَوْ مُضِيِّ أَيَّامِ الْخِيَارِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ الْعَبْدَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهَا زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ، فَإِنْ زَوَّجَهَا حُرًّا فَعَلَى الْحُرِّ أَدَاءُ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا فَعَلَى سَيِّدِهَا زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهَا، لَوْ زَوَّجَهَا حُرًّا فَلَمْ يُدْخِلْهَا عَلَيْهِ، أَوْ مَنَعَهَا مِنْهُ فَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى السَّيِّدِ.
وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ عَبْدًا، أَوْ أَمَةً وَلاَ مَالَ لِلصَّغِيرِ فَلاَ يَبِينُ أَنَّ عَلَى أَبِيهِ فِيهِمْ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَلَيْسُوا مِمَّنْ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُرْضِعًا، أَوْ مِمَّنْ لاَ غِنَى لِلصَّغِيرِ عَنْهُ فَتَلْزَمُ أَبَاهُ نَفَقَتُهُمْ وَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهُمْ.
قال: فَإِنْ حَبَسَهُمْ أَبُوهُ لِخِدْمَةِ نَفْسِهِ، فَقَدْ أَسَاءَ وَلاَ يَبِينُ أَنَّ عَلَيْهِ فِيهِمْ صَدَقَةَ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ بِكُلِّ حَالٍ إنَّمَا تَلْزَمُهُ بِالْحَبْسِ لَهُمْ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ لِابْنِهِ مُرْضِعًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهَا زَكَاةُ الْفِطْرِ وَلاَ يَكُونُ لِمَنْ لَيْسَ بِوَلِيٍّ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ مَالِهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا، أَوْ زَكَاةً غَيْرَهَا بِغَيْرِ أَمْرِ حَاكِمٍ ضَمِنَ وَيُرْفَعُ ذَلِكَ إلَى الْحَاكِمِ حَتَّى يَأْمُرَ مَنْ يُخْرِجُهَا عَنْهُ إنْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ، أَوْ الذُّرَةُ، أَوْ الْعَلْسُ، أَوْ الشَّعِيرُ، أَوْ التَّمْرُ، أَوْ الزَّبِيبُ وَمَا أَدَّى مِنْ هَذَا أَدَّى صَاعًا بِصَاعِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْسَ لَهُ عِنْدِي أَنْ يُنْقِصَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَلاَ تُقَوَّمُ الزَّكَاةُ، لَوْ قُوِّمَتْ كَانَ لَوْ أَدَّى صَاعَ زَبِيبِ ضُرُوعٍ أَدَّى ثَمَانَ آصُعَ حِنْطَةً.
وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ عَبْدًا، أَوْ أَمَةً وَلاَ مَالَ لِلصَّغِيرِ فَلاَ يَبِينُ أَنَّ عَلَى أَبِيهِ فِيهِمْ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَلَيْسُوا مِمَّنْ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُرْضِعًا، أَوْ مِمَّنْ لاَ غِنَى لِلصَّغِيرِ عَنْهُ فَتَلْزَمُ أَبَاهُ نَفَقَتُهُمْ وَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهُمْ.
قال: فَإِنْ حَبَسَهُمْ أَبُوهُ لِخِدْمَةِ نَفْسِهِ، فَقَدْ أَسَاءَ وَلاَ يَبِينُ أَنَّ عَلَيْهِ فِيهِمْ صَدَقَةَ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ بِكُلِّ حَالٍ إنَّمَا تَلْزَمُهُ بِالْحَبْسِ لَهُمْ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ لِابْنِهِ مُرْضِعًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهَا زَكَاةُ الْفِطْرِ وَلاَ يَكُونُ لِمَنْ لَيْسَ بِوَلِيٍّ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ مَالِهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا، أَوْ زَكَاةً غَيْرَهَا بِغَيْرِ أَمْرِ حَاكِمٍ ضَمِنَ وَيُرْفَعُ ذَلِكَ إلَى الْحَاكِمِ حَتَّى يَأْمُرَ مَنْ يُخْرِجُهَا عَنْهُ إنْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ، أَوْ الذُّرَةُ، أَوْ الْعَلْسُ، أَوْ الشَّعِيرُ، أَوْ التَّمْرُ، أَوْ الزَّبِيبُ وَمَا أَدَّى مِنْ هَذَا أَدَّى صَاعًا بِصَاعِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْسَ لَهُ عِنْدِي أَنْ يُنْقِصَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَلاَ تُقَوَّمُ الزَّكَاةُ، لَوْ قُوِّمَتْ كَانَ لَوْ أَدَّى صَاعَ زَبِيبِ ضُرُوعٍ أَدَّى ثَمَانَ آصُعَ حِنْطَةً.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلاَ أَعْلَمُ مَنْ يَقْتَاتُ الْقُطْنِيَّةَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تُقْتَاتُ فَلاَ تُجْزِي زَكَاةً، وَإِنْ كَانَ قَوْمٌ يَقْتَاتُونَهَا أَجْزَأَتْ عَنْهُمْ زَكَاةً؛ لِأَنَّ فِي أَصْلِهَا الزَّكَاةَ.
[قَالَ]: وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ الرَّجُلُ نِصْفَ صَاعِ حِنْطَةٍ وَنِصْفَ صَاعِ شَعِيرٍ، وَإِنْ كَانَ قُوتُهُ الشَّعِيرَ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةً وَاحِدَةً إلَّا مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ وَيَجُوزُ إذَا كَانَ قُوتُهُ الشَّعِيرَ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ وَاحِدٍ وَأَكْثَرَ شَعِيرًا وَعَنْ وَاحِدٍ وَأَكْثَرَ حِنْطَةً؛ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ فِي الصَّدَقَةِ السِّنَّ الَّتِي هِيَ أَعْلَى وَلاَ يُقَالُ جَاءَ بِعِدْلٍ مِنْ شَعِيرٍ إنَّمَا يُقَالُ لِهَذَا جُعِلَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ شَعِيرًا إذَا كَانَ قُوتَهُ لاَ بِأَنَّ الزَّكَاةَ فِي شَعِيرٍ دُونَ حِنْطَةٍ، وَإِنْ كَانَ قُوتُهُ حِنْطَةً فَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ شَعِيرًا لَمْ يَكُنْ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى مِمَّا يَقْتَاتُ كَمَا لاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ تَمْرًا رَدِيئًا وَتَمْرًا طَيِّبًا وَلاَ سِنًّا دُونَ سِنٍّ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَلَهُ أَنْ يُخْرِجَ نِصْفَ صَاعِ تَمْرٍ رَدِيءٍ إنْ كَانَ قُوتَهُ، وَإِنْ تَكَلَّفَ نِصْفَ صَاعٍ جَيِّدٍ فَأَخْرَجَهُ مَعَهُ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا صِنْفٌ وَاحِدٌ وَالْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ صِنْفَانِ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَضُمَّ صِنْفًا إلَى غَيْرِهِ فِي الزَّكَاةِ، وَإِذَا كَانَتْ لَهُ حِنْطَةٌ أَخْرَجَ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ زَكَاةَ الْفِطْرِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا كَانَ لَهُ تَمْرٌ أَخْرَجَ مِنْ وَسَطِهِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَإِنْ أَخْرَجَ مِنْ أَعْلاَهُ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ، وَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ تَمْرٍ وَلاَ حِنْطَةٍ وَلاَ غَيْرِهَا إذَا كَانَ مُسَوِّسًا، أَوْ مَعِيبًا، لاَ يُخْرِجُهُ إلَّا سَالِمًا. وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ قَدِيمًا سَالِمًا مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ، أَوْ لَوْنُهُ فَيَكُونَ ذَلِكَ عَيْبًا فِيهِ.
باب مكيلة زكاة الفطر الثاني
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ (كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ) وَأَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُ سَمِعَ عِيَاضَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ يَقُولُ: إنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ: (كُنَّا نُخْرِجُ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ كَذَلِكَ حَتَّى قَدِمَ مُعَاوِيَةُ حَاجًّا، أَوْ مُعْتَمِرًا فَخَطَبَ النَّاسَ فَكَانَ فِيمَا كَلَّمَ النَّاسَ بِهِ أَنْ قَالَ: إنِّي أَرَى الْمُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فِيمَا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَأْخُذُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَيُؤَدِّي الرَّجُلُ مِنْ أَيِّ قُوتٍ كَانَ الْأَغْلَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْحِنْطَةِ، أَوْ الذُّرَةِ، أَوْ الْعَلْسِ، أَوْ الشَّعِيرِ، أَوْ التَّمْرِ، أَوْ الزَّبِيبِ وَمَا أَدَّى مِنْ هَذَا أَدَّى صَاعًا بِصَاعِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ يُؤَدِّي مَا يُخْرِجُهُ مِنْ الْحَبِّ لاَ يُؤَدِّي إلَّا الْحَبَّ نَفْسَهُ لاَ يُؤَدِّي سَوِيقًا وَلاَ دَقِيقًا وَلاَ يُؤَدِّي قِيمَتَهُ وَلاَ يُؤَدِّي أَهْلُ الْبَادِيَةِ مِنْ شَيْءٍ يَقْتَاتُونَهُ مِنْ الْفَثِّ وَالْحَنْظَلِ وَغَيْرِهِ، أَوْ ثَمَرِهِ لاَ تَجُوزُ فِي الزَّكَاةِ وَيُكَلَّفُونَ أَنْ يُؤَدُّوا مِنْ قُوتِ أَقْرَبِ الْبِلاَدِ إلَيْهِمْ مِمَّنْ يَقْتَاتُ الْحِنْطَةَ وَالذُّرَةَ وَالْعَلْسَ وَالشَّعِيرَ وَالتَّمْرَ وَالزَّبِيبَ لاَ غَيْرَهُ، وَإِنْ أَدَّوْا أَقِطًا أَجْزَأَ عَنْهُمْ وَمَا أَدَّوْا، أَوْ غَيْرُهُمْ مِنْ شَيْءٍ لَيْسَ فِي أَصْلِهِ الزَّكَاةُ غَيْرَ الْأَقِطِ أَعَادُوا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلاَ أَعْلَمُ أَحَدًا يَقْتَاتُ الْقُطْنِيَّةَ، فَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَقْتَاتُهَا أَجْزَأَتْ عَنْهُ؛ لِأَنَّ فِي أَصْلِهَا الزَّكَاةَ، وَإِنْ لَمْ يَقْتَتْهَا لَمْ تُجْزِ عَنْهُ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ رَجُلٌ نِصْفَ صَاعِ حِنْطَةٍ وَنِصْفَهَا شَعِيرًا، وَإِنْ كَانَ قُوتُهُ الشَّعِيرَ، لاَ يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةً إلَّا مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ وَيَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ بَعْضِ مَنْ يُمَوِّنُ حِنْطَةً وَيُخْرِجُ عَنْ بَعْضِ مَنْ يُمَوِّنُ شَعِيرًا كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ فِي الصَّدَقَةِ السِّنَّ الْأَعْلَى، وَإِنْ كَانَ قُوتُهُ حِنْطَةً فَأَرَادَ أَنْ يُؤَدِّيَ شَعِيرًا لَمْ يَكُنْ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى مِمَّا يَقُوتُ وَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ تَمْرًا طَيِّبًا وَتَمْرًا رَدِيئًا وَلاَ شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ وَجَبَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَخْرَجَ تَمْرًا رَدِيئًا، هُوَ قُوتُهُ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ تَمْرٌ أَخْرَجَ مِنْ وَسَطِهِ الزَّكَاةَ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ حِنْطَةٍ وَلاَ غَيْرِهِمَا إذَا كَانَ مُسَوِّسًا وَلاَ مَعِيبًا، لاَ يُخْرِجُهُ إلَّا سَالِمًا.
باب ضيعة زكاة الفطر قبل قسمها
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ أَخْرَجَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عِنْدَ مَحِلِّهَا، أَوْ قَبْلَهُ، أَوْ بَعْدَهُ لِيَقْسِمَهَا فَضَاعَتْ مِنْهُ وَكَانَ مِمَّنْ يَجِدُ زَكَاةَ الْفِطْرِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَهَا حَتَّى يَقْسِمَهَا، أَوْ يَدْفَعَهَا إلَى الْوَالِي، وَكَذَلِكَ كُلُّ حَقٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ فَلاَ يُبْرِئُهُ مِنْهُ إلَّا أَدَاؤُهُ مَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ الَّذِينَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَتُقْسَمُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى مَنْ تُقْسَمُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْمَالِ لاَ يُجْزِئُ فِيهَا غَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنْ تَوَلَّاهَا رَجُلٌ قَسَمَهَا عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ؛ لِأَنَّ سَهْمَ الْعَامِلِينَ وَسَهْمَ الْمُؤَلَّفَةِ سَاقِطَانِ.
قال: وَيَسْقُطُ سَهْمُ الْعَامِلِينَ؛ لِأَنَّهُ تَوَلَّاهَا بِنَفْسِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا أَجْرًا وَيَقْسِمُهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَفِي الرِّقَابِ وَهُمْ الْمُكَاتَبُونَ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَأَيُّ صِنْفٍ مِنْ هَؤُلاَءِ لَمْ يَجِدْهُ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ حَقِّهِ مِنْهَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَيُعْطِي الرَّجُلُ زَكَاةَ مَالِهِ ذَوِي رَحِمِهِ إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِهَا، وَأَقْرَبُهُمْ بِهِ أَحَبُّهُمْ إلَيَّ أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهَا إذَا كَانَ مِمَّنْ لاَ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ بِكُلِّ حَالٍ، لَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مُتَطَوِّعًا أَعْطَاهُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ بِنَفَقَتِهِ لاَ أَنَّهَا لاَزِمَةٌ لَهُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَأَخْتَارُ قَسْمَ زَكَاةِ الْفِطْرِ بِنَفْسِي عَلَى طَرْحِهَا عِنْدَ مَنْ تُجْمَعُ عِنْدَهُ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ قَالَ سَمِعْت ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ وَرَجُلٌ يَقُولُ لَهُ: إنَّ عَطَاءً أَمَرَنِي أَنْ أَطْرَحَ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَفْتَاك الْعِلْجُ بِغَيْرِ رَأْيِهِ؟ اقْسِمْهَا، فَإِنَّمَا يُعْطِيهَا ابْنُ هِشَامٍ أَحْرَاسَهُ وَمَنْ شَاءَ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الزَّكَاةِ فَقَالَ: أَعْطِهَا أَنْتَ فَقُلْت: أَلَمْ يَكُنْ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ ادْفَعْهَا إلَى السُّلْطَانِ؟ قَالَ: بَلَى. وَلَكِنِّي لاَ أَرَى أَنْ تَدْفَعَهَا إلَى السُّلْطَانِ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَبْعَثُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ الَّتِي تُجْمَعُ عِنْدَهُ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ، أَوْ ثَلاَثَةٍ.
باب ضيعة زكاة الفطر قبل قسمها الثاني
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَمَنْ أَخْرَجَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عِنْدَ مَحِلِّهَا، أَوْ قَبْلَهُ، أَوْ بَعْدَهُ لِيَقْسِمَهَا فَضَاعَتْ مِنْهُ وَكَانَ مِمَّنْ يَجِدُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَهَا حَتَّى يَقْسِمَهَا، أَوْ يَدْفَعَهَا إلَى الْوَالِي كَذَلِكَ كُلُّ حَقٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ فَلاَ يَبْرَأُ مِنْهُ إلَّا بِأَدَائِهِ، وَتُقْسَمُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى مَنْ تُقْسَمُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْمَالِ لاَ يُجْزِئُ فِيهَا غَيْرُ ذَلِكَ، وَإِذَا تَوَلَّاهَا الرَّجُلُ، فَقَسَمَهَا قَسَمَهَا عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ؛ لِأَنَّ سَهْمَ الْعَامِلِينَ وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ سَاقِطَانِ وَيَقْسِمُهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَفِي الرِّقَابِ وَهُمْ الْمُكَاتَبُونَ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ، فَأَيُّ صِنْفٍ مِنْ هَؤُلاَءِ لَمْ يُعْطِهِ، هُوَ يَجِدُهُ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ حَقِّهِ مِنْهَا وَلِلرَّجُلِ إذَا أَخْرَجَ زَكَاةَ الْفِطْرِ أَنْ يُعْطِيَهَا ذَوِي رَحِمِهِ إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِهَا وَأَقْرَبُهُمْ بِهِ أَحَقُّهُمْ أَنْ يُعْطِيَهُ إذَا كَانُوا مِمَّنْ لاَ تَلْزَمُهُمْ نَفَقَتُهُمْ. وَقَسْمُ الرَّجُلِ زَكَاةَ الْفِطْرِ حَسَنٌ وَطَرْحُهَا عِنْدَ مَنْ تُجْمَعُ عِنْدَهُ يُجْزِئُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. كَانَ ابْنُ عُمَرَ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ يَدْفَعَانِهَا إلَى الَّذِي تُجْمَعُ عِنْدَهُ [قَالَ الرَّبِيعُ]: سُئِلَ الشَّافِعِيُّ عَنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ فَقَالَ: تَلِيهَا أَنْتَ بِيَدَيْك أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ تَطْرَحَهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّك عَلَى يَقِينٍ إذَا أَعْطَيْتهَا بِنَفْسِك، وَأَنْتَ إذَا طَرَحْتهَا لَمْ تَتَيَقَّنْ أَنَّهَا وُضِعَتْ فِي حَقِّهَا.
باب الرجل يختلف قوته
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ يَقْتَاتُ حُبُوبًا مُخْتَلِفَةً شَعِيرًا وَحِنْطَةً وَتَمْرًا وَزَبِيبًا فَالِاخْتِيَارُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَمِنْ أَيُّهَا أَخْرَجَ أَجْزَأَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قال: فَإِنْ كَانَ يَقْتَاتُ حِنْطَةً فَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ زَبِيبًا، أَوْ تَمْرًا، أَوْ شَعِيرًا كَرِهْت لَهُ ذَلِكَ وَأَحْبَبْت لَوْ أَخْرَجَهُ أَنْ يُعِيدَ فَيُخْرِجَهُ حِنْطَةً؛ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ مِنْ الْقُوتِ كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ التَّمْرَ وَكَانَ مَنْ يَقْتَاتُ الشَّعِيرَ قَلِيلاً، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهَا أَحَدٌ يَقْتَاتُ حِنْطَةً وَلَعَلَّ الْحِنْطَةَ كَانَتْ بِهَا شَبِيهًا بِالطُّرْفَةِ فَفَرَضَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ عَلَيْهِمْ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ قُوتِهِمْ، وَلاَ أُحِبُّ إذَا اقْتَاتَ رَجُلٌ حِنْطَةً أَنْ يُخْرِجَ غَيْرَهَا وَأُحِبُّ لَوْ اقْتَاتَ شَعِيرًا أَنْ يُخْرِجَ حِنْطَةً؛ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ كَانَ لاَ يُخْرِجُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ إلَّا التَّمْرَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، فَإِنَّهُ أَخْرَجَ شَعِيرًا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَأَحْسَبُ نَافِعًا كَانَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، هُوَ يَقْتَاتُ الْحِنْطَةَ وَأَحَبُّ إلَيَّ مَا وَصَفْت مِنْ إخْرَاجِ الْحِنْطَةِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِنْ اقْتَاتَ قَوْمٌ ذُرَةً، أَوْ دُخْنًا، أَوْ سُلْتًا، أَوْ أُرْزًا، أَوْ أَيَّ حَبَّةٍ مَا كَانَتْ مِمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَهُمْ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذْ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ الطَّعَامِ وَسَمَّى شَعِيرًا وَتَمْرًا، فَقَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ أَنَّهُ أَرَادَ مِنْ الْقُوتِ فَكَانَ مَا سَمَّى مِنْ الْقُوتِ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ، فَإِذَا اقْتَاتُوا طَعَامًا فِيهِ الزَّكَاةُ فَأَخْرَجُوا مِنْهُ أَجْزَأَ عَنْهُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَحَبُّ إلَيَّ فِي هَذَا أَنْ يُخْرِجُوا حِنْطَةً إلَّا أَنْ يَقْتَاتُوا تَمْرًا، أَوْ شَعِيرًا فَيُخْرِجُوا أَيَّهُمَا اقْتَاتُوا.
باب الرجل يختلف قوته الثاني
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: إذَا كَانَ الرَّجُلُ يَقْتَاتُ حُبُوبًا شَعِيرًا وَحِنْطَةً وَزَبِيبًا وَتَمْرًا فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُؤَدِّيَ مِنْ الْحِنْطَةِ وَمِنْ أَيُّهَا أَخْرَجَ أَجْزَأَهُ، فَإِنْ كَانَ يَقْتَاتُ حِنْطَةً فَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ زَبِيبًا، أَوْ تَمْرًا، أَوْ شَعِيرًا كَرِهْته وَأَحْبَبْت أَنْ يُعِيدَ، وَإِنْ اقْتَاتَ قَوْمٌ ذُرَةً، أَوْ دُخْنًا، أَوْ أُرْزًا، أَوْ سُلْتًا، أَوْ أَيَّ حَبَّةٍ مَا كَانَتْ مِمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَهُمْ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ إنْ اقْتَاتُوا الْقُطْنِيَّةَ.
باب من أعسر بزكاة الفطر
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: وَمَنْ أَهَلَّ عَلَيْهِ شَوَّالٌ، هُوَ مُعْسِرٌ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ ثُمَّ أَيْسَرَ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ، أَوْ بَعْدَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مَتَى أَيْسَرَ فِي شَهْرِهَا، أَوْ غَيْرِهِ.
قال: وَإِنَّمَا قُلْت وَقْتُ زَكَاةِ الْفِطْرِ هِلاَلُ شَوَّالٍ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجُ الصَّوْمِ وَدُخُولُ أَوَّلِ شُهُورِ الْفِطْرِ كَمَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فِي انْسِلاَخِ شَهْرِ رَمَضَانَ حَلَّ إذَا رَأَى هِلاَلَ شَوَّالٍ لاَ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ لَيْلَةِ هِلاَلِ شَوَّالٍ، لَوْ جَازَ هَذَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ شَوَّالٍ بَعْدَ يَوْمٍ وَعُشْرٍ وَأَكْثَرَ مَا لَمْ يَنْسَلِخْ شَوَّالٌ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَيَأْخُذَهَا إذَا كَانَ مُحْتَاجًا وَغَيْرَهَا مِنْ الصَّدَقَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ وَغَيْرِهَا، وَكُلُّ مُسْلِمٍ فِي الزَّكَاةِ سَوَاءٌ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلَيْسَ عَلَى مَنْ لاَ عَرَضَ لَهُ وَلاَ نَقْدَ وَلاَ يَجِدُ قُوتَ يَوْمِهِ أَنْ يَسْتَسْلِفَ زَكَاةً.
باب جماع فرض الزكاة
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: فَرَضَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الزَّكَاةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ قَدْ كَتَبْنَاهُ فِي آخِرِ الزَّكَاةِ فَقَالَ فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ {أَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} يَعْنِي أَعْطُوا الزَّكَاةَ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} الآيَةَ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَفَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَنْ لَهُ مَالٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَنْ يُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ إلَى مَنْ جُعِلَتْ لَهُ وَفَرَضَ عَلَى مَنْ وَلِيَ الْأَمْرَ أَنْ يُؤَدِّيَهَا إلَى الْوَالِي إذَا لَمْ يُؤَدِّهَا وَعَلَى الْوَالِي إذَا أَدَّاهَا أَنْ لاَ يَأْخُذَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ سَمَّاهَا زَكَاةً وَاحِدَةً لاَ زَكَاتَيْنِ وَفَرْضُ الزَّكَاةِ مِمَّا أَحْكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَفَرَضَهُ فِي كِتَابِهِ ثُمَّ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَيَّنَ فِي أَيِّ الْمَالِ الزَّكَاةُ وَفِي أَيِّ الْمَالِ تَسْقُطُ وَكَمْ الْوَقْتُ الَّذِي إذَا بَلَغَهُ الْمَالُ حَلَّتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِذَا لَمْ يَبْلُغْهُ لَمْ تَكُنْ فِيهِ زَكَاةٌ وَمَوَاقِيتَ الزَّكَاةِ وَمَا قَدْرُهَا فَمِنْهَا خُمُسٌ وَمِنْهَا عُشْرٌ وَمِنْهَا نِصْفُ عُشْرٍ وَمِنْهَا رُبُعُ عُشْرٍ وَمِنْهَا بِعَدَدٍ يَخْتَلِفُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَهَذَا بَيَانُ الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ الْإِبَانَةِ عَنْهُ.
قال: وَكُلُّ مَا وَجَبَ عَلَى مُسْلِمٍ فِي مَالِهِ بِلاَ جِنَايَةٍ جَنَاهَا، أَوْ جَنَاهَا مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِ الْعَقْلُ وَلاَ تَطَوُّعٍ تَطَوَّعَ بِهِ وَلاَ شَيْءٍ أَوْجَبَهُ هُوَ فِي مَالِهِ فَهُوَ زَكَاةٌ وَالزَّكَاةُ صَدَقَةٌ كِلاَهُمَا لَهَا اسْمٌ، فَإِذَا وَلِيَ الرَّجُلُ صَدَقَةَ مَالِهِ، أَوْ وَلِيَ ذَلِكَ الْوَالِي فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَقْسِمَهَا حَيْثُ قَسَمَهَا اللَّهُ لَيْسَ لَهُ خِلاَفُ ذَلِكَ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِهِ وَنَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ.