الاستحقاق
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَإِذَا اعْتَرَفَ الرَّجُلُ دَابَّةً فِي يَدَيْ رَجُلٍ وَالْمُعْتَرَفَة فِي يَدَيْهِ يُنْكِرُ أَوْ لاَ يُنْكِرُ وَلاَ يَعْتَرِفُ كُلِّفَ الْمُعْتَرِفُ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ جَاءَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهَا دَابَّتُهُ لاَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ بَاعَ وَلاَ وَهَبَ أَوْ قَالُوا لَمْ يَبِعْ وَلَمْ يَهَبْ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا تُرَدُّ بِهِ شَهَادَتُهُمْ وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى الْعِلْمِ أَحَلَفَ صَاحِبَ الدَّابَّةِ بِاَللَّهِ إنَّ هَذِهِ الدَّابَّةَ مَا خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ ثُمَّ دُفِعَتْ إلَيْهِ وَإِذَا أَسَلَفَ الرَّجُلُ عَبْدًا فِي طَعَامٍ أَوْ ثَوْبًا أَوْ عَرْضًا أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ مَا كَانَ فَاسْتَحَقَّ مَا سَلَّفَ مِنْ ذَلِكَ بَطَلَ الْبَيْعُ لِأَنَّ الثَّمَنَ الْعَيْنُ الَّذِي أَسَلَفَهُ وَلاَ تَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ بَاعَهَا وَهُوَ لاَ يَمْلِكُهَا وَهَذَا فِي بُيُوعِ الْأَعْيَانِ فَمَنْ بَاعَ عَيْنًا أَوْ اشْتَرَى بِعَيْنٍ وَشِرَاؤُهُ بِالْعَيْنِ بَيْعٌ لِلْعَيْنِ فَاسْتُحِقَّتْ تِلْكَ الْعَيْنُ انْتَقَضَ الْبَيْعُ، وَإِذَا بَاعَ صِفَةً مِنْ الصِّفَاتِ مَضْمُونَةً فَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي فَاسْتُحِقَّتْ لَمْ يُنْتَقَضْ الْبَيْعُ. وَذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَقَعْ عَلَى تِلْكَ الْعَيْنِ وَإِنَّمَا وَقَعَ عَلَى شَيْءٍ مَضْمُونٍ بِصِفَةٍ فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ كَالدَّيْنِ عَلَيْهِ وَلاَ يَبْرَأُ مِنْهُ هُوَ أَبَدًا إلَّا بِأَنْ يُسَلِّمَ لِصَاحِبِهِ فَكُلَّمَا اُسْتُحِقَّ شَيْءٌ بِصِفَةٍ رَجَعَ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ تِلْكَ الصِّفَةَ، وَإِذَا صَرَفَ دَنَانِيرَ بِأَعْيَانِهَا بِدَرَاهِمَ بِأَعْيَانِهَا فَاسْتُحِقَّتْ الدَّرَاهِمُ أَوْ الدَّنَانِيرُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَغَيْرِهَا بَطَلَ الْبَيْعُ فِيهَا. [قَالَ الرَّبِيعُ]: مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِعَيْنِهِ بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَاسْتُحِقَّ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ بَطَلَ الْبَيْعُ كُلُّهُ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ جَمَعَتْ حَلاَلاً وَحَرَامًا فَبَطَلَتْ كُلُّهَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ جَارِيَةً فَأَوْلَدَهَا مِنْ سُوقٍ مِنْ أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ غَيْرِ أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ نَكَحَتْهُ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ لَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا سَيِّدُهَا فَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا لِسَيِّدِهَا وَعَلَيْهِ قِيمَةُ أَوْلاَدِهَا مِنْهُ يَوْمَ سَقَطُوا لِأَنَّ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا كَانَ لَهُمْ حُكْمُ الدُّنْيَا وَيَأْخُذُهَا سَيِّدُهَا مَمْلُوكَةً وَإِنَّمَا أُعْتِقَ الْوَلَدُ بِالْغُرُورِ، وَلَوْ كَانَتْ أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ فَنَكَحَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ وَلَدَهُ مَمَالِيكُ، وَلَوْ كَانَ أَمَتَانِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاقْتَسَمَاهُمَا وَصَارَتْ إحْدَاهُمَا لِأَحَدِهِمَا فَوَلَدَتْ مِنْهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ آخَرُ أَخَذَهَا وَمَهْرَ مِثْلِهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا وَوَلَدُهَا أَحْرَارٌ وَانْتَقَضَ الْقَسَمُ بَيْنَهُمَا وَصَارَتْ الْجَارِيَةُ بَاقِيَةً بَيْنَهُمَا، وَإِذَا ابْتَاعَ الرَّجُلُ جَارِيَةً فَمَاتَتْ فِي يَدَيْهِ فَالْمَوْتُ فَوْتٌ ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالْقِيمَةِ عَلَى الَّذِي مَاتَتْ فِي يَدَيْهِ وَلِلَّذِي مَاتَتْ فِي يَدَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ وَلَدَتْ لَهُ أَوْلاَدًا فَهُمْ أَحْرَارٌ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُمْ يَوْمَ سَقَطُوا، وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَلَمْ تَمُتْ غَيْرَ أَنَّهَا زَادَتْ فِي يَدَيْهِ أَوْ نَقَصَتْ بِجِنَايَةٍ أَصَابَتْهَا مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ السَّمَاءِ رَدَّهَا بِعَيْنِهَا وَلاَ يُقَالُ لِهَذَا فَوْتٌ إنَّمَا يُقَالُ لِهَذَا زِيَادَةٌ أَوْ نَقْصٌ فَيَرُدُّهَا زَائِدَةً وَلاَ شَيْءَ لَهُ فِي الزِّيَادَةِ وَنَاقِصَةً وَعَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَخَذَ لَهَا أَرْشًا أَكْثَرَ مِمَّا نَقَصَهَا فَعَلَيْهِ رَدُّهُ وَيَرُدُّ النَّقْصَ الَّذِي مِنْ غَيْرِهِ جِنَايَتَهُ لِأَنَّهُ كَانَ ضَامِنًا لَهَا لِأَنَّهَا مِلْكٌ لِغَيْرِهِ فَأَمَّا زِيَادَةُ الْأَسْوَاقِ وَنُقْصَانُهَا فَلَيْسَتْ مِنْ الْأَبْدَانِ بِسَبِيلٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَغْصِبُهَا ثَمَنَ مِائَةٍ بِالْغَلاَءِ ثُمَّ تَزِيدُ فِي بَدَنِهَا وَتَنْقُصُ أَسْوَاقُهَا فَتَكُونُ ثَمَّةَ خَمْسِينَ أَفَيُقَالُ لِهَذَا الَّذِي زَادَتْ فِي يَدِهِ الَّذِي يَشْهَدُ رَبُّ الْجَارِيَةِ وَأَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّهَا الْيَوْمَ خَيْرٌ مِنْهَا يَوْمَ أَخَذَهَا بِالضَّعْفِ فِي بَدَنِهَا أُغْرِمَ نِصْفَ قِيمَتِهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّهَا رَخُصَتْ لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ إنَّمَا يَغْرَمُ نَقْصَ بَدَنِهَا لِأَنَّهُ نَقْصُ عَيْنِ سِلْعَةِ الْمَغْصُوبِ فَأَمَّا نَقْصُ الْأَسْوَاقِ فَلَيْسَ مِنْ جِنَايَتِهِ وَلاَ بِسَبَبِهَا.
وَإِذَا بَاعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْأَرْضَ فَبَنَى فِيهَا أَوْ غَرَسَ ثُمَّ اسْتَحَقَّ رَجُلٌ نِصْفَهَا وَاخْتَارَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَكُونَ لَهُ النِّصْفُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ قُسِمَتْ الْأَرْضُ فَمَا وَقَعَ لِلْمُسْتَحِقِّ فَعَلَى الْمُشْتَرِي قَلْعُ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ مِنْهُ، وَكَذَا حَمْلُهُ وَيَرْجِعُ بِمَا نَقَصَ الْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ عَلَى الْبَائِعِ وَبِنِصْفِ الثَّمَنِ، وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيَقْسِمَانِهَا. [قَالَ الرَّبِيعُ]: آخِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَ مَا اشْتَرَى فَإِنَّ الْبَيْعَ كُلٌّ بَاطِلٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الصَّفْقَةَ جَمَعَتْ حَلاَلاً وَحَرَامًا فَبَطَلَتْ كُلُّهَا. [قَالَ الرَّبِيعُ]: وَيَأْخُذُ رَبُّ الْأَرْضِ أَرْضَهُ وَيَقْلَعُ بِنَاءَهُ مِنْهَا وَغِرَاسَهُ وَيَرْجِعُ رَبُّ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا غَرِمَ لِأَنَّهُ غَرَّهُ فَيَأْخُذُ مِنْهُ مَا أُخِذَ مِنْهُ.