(الشفاعة)
الشفاعة لغة: جعل الوتر شفعًا.
واصطلاحًا: التوسط للغير بجلب منفعة، أو دفع مضرة.
والشفاعة يوم القيامة نوعان: خاصة بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وعامة له ولغيره.
فالخاصة به ـ صلى الله عليه وسلم ـ شفاعته العظمى في أهل الموقف عند الله ليقضي بينهم حين يلحقهم من الكرب والغم ما لا يطيقون، فيذهبون إلى آدم، فنوح، فإبراهيم، فموسى، فعيسى، وكلهم يعتذرون إلا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فيشفع فيهم إلى الله فيأتي سبحانه وتعالى للقضاء بين عباده.
وقد ذكرت هذه الصفة في حديث الصور المشهور لكن سنده ضعيف متكلم فيه وحذفت من الأحاديث الصحيحة فاقتصر منها على ذكر الشفاعة في أهل الكبائر.
قال ابن كثير وشارح الطحاوية: وكان مقصود السلف من الاقتصار على الشفاعة في أهل الكبائر هو الرد على الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة.
وهذه الشفاعة لا ينكرها المعتزلة والخوارج، ويشترط فيها إذن الله؛ لقوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}[ سورة البقرة، الآية: 255.].
النوع الثاني العامة: وهي الشفاعة فيمن دخل النار من المؤمنين أهل الكبائر أن يخرجوا منها بعدما احترقوا وصاروا فحمًا وحميمًا؛ لحديث أبي سعيد قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (أما أهل النار الذين هم أهلها فلا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن أناس - أو كما قال - تصيبهم النار بذنوبهم - أو قال - بخطاياهم فيميتهم إماتة حتى إذا صاروا فحمًا أذن في الشفاعة) الحديث رواه أحمد[رواه مسلم، كتاب الإيمان (185)، وابن ماجه، كتاب الزهد (4309)، وأحمد (3/11، 25، 79).].
قال ابن كثير في النهاية (ص204 ج2): وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجها من هذا الوجه.
وهذه الشفاعة تكون للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وغيره من الأنبياء، والملائكة، والمؤمنين؛ لحديث أبي سعيد عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وفيه: (فيقول الله تعالى: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قط قد عادوا حممًا) متفق عليه [رواه البخاري، كتاب التوحيد (7439)، ومسلم، كتاب الإيمان (183).].
وهذه الشفاعة ينكرها المعتزلة والخوارج بناء على مذهبهم أن فاعل الكبيرة مخلد في النار فلا تنفعه الشفاعة.
ونرد عليهم بما يأتي:
1- أن ذلك مخالف للمتواتر من الأحاديث عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
2- أنه مخالف لإجماع السلف.
ويشترط لهذه الشفاعة شرطان:
الأول: إذن الله في الشفاعة؛ لقوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [سورة البقرة، الآية: 255.].
الثاني: رضا الله عن الشافع والمشفوع له؛ لقوله تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [سورة الأنبياء، الآية: 28.]. فأما الكافر فلا شفاعة له؛ لقوله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}[ سورة المدثر، الآية: 48.]. أي لو فرض أن أحدًا شفع لهم لم تنفعهم الشفاعة.
وأما شفاعة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعمه أبي طالب حتى كان في ضحضاح من نار وعليه نعلان يغلي منهما دماغه، وإنه لأهون أهل النار عذابًا، قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار) رواه مسلم [رواه البخاري، كتاب مناقب الأنصار (3883)، ومسلم، كتاب الإيمان (209).]. فهذا خاص بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبعمه أبي طالب فقط، وذلك والله أعلم لما قام به من نصرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والدفاع عنه، وعما جاء به.
(الحساب)
الحساب لغة: العدد.
وشرعًا: إطلاع الله عباده على أعمالهم.
وهو ثابت بالكتاب، والسنة، وإجماع المسلمين.
قال الله تعالى: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [سورة الغاشية، الآيتان: 25، 26.]. وكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول في بعض صلاته: (اللهم حاسبني حسابًا يسيرًا). فقالت عائشة: ما الحساب اليسير؟ قال: (أن ينظر في كتابه فيتجاوز عنه) رواه أحمد ["مسند أحمد" (6/48).]. وقال الألباني إسناده جيد.
وأجمع المسلمون على ثبوت الحساب يوم القيامة.
وصفه الحساب للمؤمن: أن الله يخلو به فيقرره بذنوبه، حتى إذا رأى أنه قد هلك. قال الله له: سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم فيعطى كتاب حسناته.
وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الخلائق: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين. متفق عليه من حديث ابن عمر [رواه البخاري، كتاب المظالم (2441)، ومسلم، كتاب التوبة (2768).].
والحساب عام لجميع الناس إلا من استثناهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وهم سبعون ألفًا من هذه الأمة منهم عكاشة بن محصن يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب[رواه البخاري، كتاب الطب (5704)، ومسلم، كتاب الإيمان (220).]. متفق عليه. وروى أحمد من حديث ثوبان مرفوعًا أن مع كل واحد سبعين ألفا [رواه أحمد بلفظ: (ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفًا لا حساب عليهم ولا عذاب، مع كل ألف سبعون ألفًا) (5/280، 281).] ، قال ابن كثير: حديث صحيح وذكر له شواهد.
وأول من يحاسب هذه الأمة؛ لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة المقضي بينهم قبل الخلائق) متفق عليه [هذا اللفظ في مسلم، كتاب الجمعة (856)، وفي البخاري، كتاب الجمعة (876)، ومسلم، كتاب الجمعة (855)، بلفظ: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب قبلنا).]، وروى ابن ماجه عن ابن عباس مرفوعًا: (نحن آخر الأمم وأول من يحاسب). الحديث["سنن ابن ماجه"، كتاب الزهد (4290) صححه الألباني.].
وأول ما يحاسب عليه العبد من حقوق الله الصلاة؛ لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله) رواه الطبراني في "الأوسط" وسنده لا بأس به إن شاء الله، قاله المنذري في "الترغيب والترهيب" (ص246 ج1)[ رواه الترمذي، كتاب الصلاة (413)، والنسائي، كتاب الصلاة (467)، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة (1426).]. وأول ما يقضى بين الناس في الدماء؛ لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء) متفق عليه [رواه البخاري، كتاب الرقاق (6533)، ومسلم، كتاب القسامة (1678).].