mozilla/4.5 (compatible; httrack 3.0x; windows 98) المكتبة الإسلامية - الأم - كتاب الحج
 
  الأم  
   كتاب الحج   
   ( 26 من 141 )  
  السابق   الآيات القرآنية   الفهرس   التالي  
  
 

باب الاستثناء في الحج

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ ‏(‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ بضباعة بِنْتِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ أَمَّا تُرِيدِينَ الْحَجَّ‏؟‏ فَقَالَتْ إنِّي شَاكِيَةٌ فَقَالَ لَهَا حِجِّي وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي‏)‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ قَالَتْ لِي عَائِشَةُ هَلْ تَسْتَثْنِي إذَا حَجَجْت‏؟‏ فَقُلْت لَهَا مَاذَا أَقُولُ‏؟‏ فَقَالَتْ‏:‏ قُلْ ‏"‏ اللَّهُمَّ الْحَجَّ أَرَدْت وَلَهُ عَمَدْت فَإِنْ يَسَّرْت فَهُوَ الْحَجُّ وَإِنْ حَبَسْتَنِي بِحَابِسٍ فَهِيَ عُمْرَةٌ ‏"‏‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ وَلَوْ ثَبَتَ حَدِيثُ عُرْوَةَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الِاسْتِثْنَاءِ لَمْ أُعَدِّهِ إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لاَ يَحِلُّ عِنْدِي خِلاَفُ مَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَتْ الْحُجَّةُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى مُخَالِفًا غَيْرَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ مُحْصَرٍ بِعَدُوٍّ أَوْ مَرَضٍ أَوْ ذَهَابِ مَالٍ أَوْ خَطَأِ عَدَدٍ أَوْ تَوَانٍ وَكَانَ إذَا اشْتَرَطَ فَحُبِسَ بِعَدُوٍّ أَوْ مَرَضٍ أَوْ ذَهَابِ مَالٍ أَوْ ضَعْفٍ عَنْ الْبُلُوغِ حَلَّ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي حُبِسَ فِيهِ بِلاَ هَدْيٍ وَلاَ كَفَّارَةِ غَيْرِهِ وَانْصَرَفَ إلَى بِلاَدِهِ وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلاَمِ فَيَحُجُّهَا وَكَانَتْ الْحُجَّةُ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَأْمُرْ بِشَرْطٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى مَا يَأْمُرُ بِهِ وَكَانَ حَدِيثُ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ يُوَافِقُهُ فِي مَعْنَى أَنَّهَا أَمَرَتْ بِالشَّرْطِ وَكَانَ وَجْهُ أَمْرِهَا بِالشَّرْطِ إنْ حُبِسَ عَنْ الْحَجِّ فَهِيَ عُمْرَةٌ أَنْ يَقُولَ إنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ عَنْ الْحَجِّ وَوَجَدْت سَبِيلاً إلَى الْوُصُولِ إلَى الْبَيْتِ فَهِيَ عُمْرَةٌ وَكَانَ مَوْجُودًا فِي قَوْلِهَا أَنَّهُ لاَ قَضَاءَ وَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏ وَمَنْ لَمْ يُثْبِتْ حَدِيثَ عُرْوَةَ لِانْقِطَاعِهِ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احْتَمَلَ أَنْ يَحْتَجَّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ لِأَنَّهَا تَقُولُ‏:‏ إنْ كَانَ حَجٌّ وَإِلَّا فَهِيَ عُمْرَةٌ، وَقَالَ أَسْتَدِلُّ بِأَنَّهَا لَمْ تَرَهُ يَحِلُّ إلَّا بِالْوُصُولِ إلَى الْبَيْتِ وَلَوْ كَانَتْ إذَا ابْتَدَأَتْ أَنْ تَأْمُرَهُ بِشَرْطٍ رَأَتْ لَهُ أَنْ يَحِلَّ بِغَيْرِ وُصُولٍ إلَى الْبَيْتِ أَمَرَتْهُ بِهِ وَذَهَبَ إلَى أَنَّ الِاشْتِرَاطَ وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ وَذَهَبَ إلَى أَنَّ عَلَى الْحَاجِّ الْقَضَاءُ إذَا حَلَّ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ كَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ فِيمَنْ قَالَ هَذَا أَنْ يُدْخِلَ عَلَيْهِ خِلاَفَ عَائِشَةَ إذْ أَمَرَهُ بِالْقَضَاءِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ مَنْ اشْتَرَطَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فَلاَ يَكُونُ لِلشَّرْطِ مَعْنًى وَهَذَا مِمَّا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ، وَلَوْ جَرَّدَ أَحَدٌ خِلاَفَ عَائِشَةَ ذَهَبَ إلَى قَوْلِ عُمَرَ فِيمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ يَطُوفُ وَيَسْعَى وَيَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ وَيَهْدِي، وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا يَذْهَبُ إلَى إبْطَالِ الشَّرْطِ وَلَيْسَ يَذْهَبُ فِي إبْطَالِهِ إلَى شَيْءٍ عَالٍ أَحْفَظُهُ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْحَجِّ فَأَنْكَرَهُ، وَمَنْ أَبْطَلَ الِاسْتِثْنَاءَ فَعَمِلَ رَجُلٌ بِهِ فَحَلَّ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَأَصَابَ النِّسَاءَ وَالطِّيبَ وَالصَّيْدَ جَعَلَهُ مُفْسِدًا وَجَعَلَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ فِيمَا أَصَابَ وَأَنْ يَعُودَ حَرَامًا حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ يَقْضِيَ حَجًّا، إنْ كَانَ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، إنْ كَانَ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ‏.‏

باب الإحصار بالعدو

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ رحمه الله قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ‏}‏ الآيَةَ‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ فَلَمْ أَسْمَعْ مِمَّنْ حَفِظْت عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتَّفْسِيرِ مُخَالِفًا فِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ بِالْحُدَيْبِيَةِ حِينَ أُحْصِرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَحَالَ الْمُشْرِكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحَرَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَحَلَقَ وَرَجَعَ حَلاَلاً وَلَمْ يَصِلْ إلَى الْبَيْتِ وَلاَ أَصْحَابُهُ إلَّا عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَحْدَهُ وَسَنَذْكُرُ قِصَّتَهُ وَظَاهِرُ الآيَةِ أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إيَّاهُمْ أَنْ لاَ يَحْلِقُوا حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ وَأَمْرَهُ وَمَنْ كَانَ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ بِفِدْيَةٍ سَمَّاهَا وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ‏}‏ الآيَةَ‏.‏ وَمَا بَعْدَهَا يُشْبِهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُحْصَرِ بِعَدُوٍّ قَضَاءٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْ عَلَيْهِ قَضَاءً وَذَكَرَ فَرَائِضَ فِي الْإِحْرَامِ بَعْدَ ذِكْرِ أَمْرِهِ‏.‏

قال‏:‏ وَاَلَّذِي أَعْقِلُ فِي أَخْبَارِ أَهْلِ الْمَغَازِي شَبِيهٌ بِمَا ذَكَرْت مِنْ ظَاهِرِ الآيَةِ وَذَلِكَ أَنَّا قَدْ عَلِمْنَا فِي مُتَوَاطِئِ أَحَادِيثِهِمْ أَنْ قَدْ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ رِجَالٌ يُعْرَفُونَ بِأَسْمَائِهِمْ ثُمَّ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ وَتَخَلَّفَ بَعْضُهُمْ بِالْحُدَيْبِيَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فِي نَفْسٍ وَلاَ مَالٍ عَلِمْته وَلَوْ لَزِمَهُمْ الْقَضَاءُ لاََمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ لاَ يَتَخَلَّفُوا عَنْهُ وَمَا تَخَلَّفُوا عَنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفِي تَوَاطُؤٍ أَخْبَرَ أَهْلُ الْمَغَازِي وَمَا وَصَفْت مِنْ تَخَلُّفِ بَعْضِ مَنْ أَحُصِرَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَالْحُدَيْبِيَةِ مَوْضِعٌ مِنْ الْأَرْضِ مِنْهُ مَا هُوَ فِي الْحِلِّ، وَمِنْهُ مَا هُوَ فِي الْحَرَمِ، فَإِنَّمَا نَجُرُّ الْهَدْيَ عِنْدَنَا فِي الْحِلِّ وَفِيهِ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي بُويِعَ فِيهِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إذْ يُبَايِعُونَك تَحْتَ الشَّجَرَةِ‏}‏ فَبِهَذَا كُلِّهِ نَقُولُ فَنَقُولُ مَنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ حَلَّ حَيْثُ يُحْبَسُ فِي حِلٍّ كَانَ أَوْ حَرَمٍ وَنَحَرَ أَوْ ذَبَحَ هَدْيًا‏.‏

وَأَقَلُّ مَا يَذْبَحُ شَاةٌ، فَإِنْ اشْتَرَكَ سَبْعَةٌ فِي بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَجْزَأَتْهُمْ أَخْرَجُوا مَعًا ثَمَنَهَا أَوْ أَحَدُهُمْ وَوَهَبَ لَهُمْ حِصَصَهُمْ مِنْهَا قَبْلَ ذَبْحِهَا فَذَبَحُوهَا، فَأَمَّا إنْ ذَبَحَهَا ثُمَّ وَهَبَ لَهُمْ حِصَصَهُمْ مِنْهَا فَهِيَ لَهُ وَلاَ تَجْزِيهِمْ وَلاَ قَضَاءَ عَلَى الْمُحْصَرِ بِعَدُوٍّ إذَا خَرَجَ مِنْ إحْرَامِهِ وَالْحَصْرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ إحْرَامِهِ وَالْعَدُوُّ بِحَالِهِ ثُمَّ زَالَ الْعَدُوُّ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ فَكَانُوا عَلَى رَجَاءٍ مِنْ الْوُصُولِ إلَى الْبَيْتِ بِإِذْنِ الْعَدُوِّ لَهُمْ أَوْ زَوَالِهِمْ عَنْ الْبَيْتِ أَحْبَبْت أَنْ لاَ يُعَجِّلُوا بِالْإِحْلاَلِ وَلَوْ عَجَّلُوا بِهِ وَلَمْ يَنْتَظِرُوا جَازَ لَهُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

وَلَوْ أَقَامَ الْمُحْصَرُ مُتَأَنِّيًا لِأَيِّ وَجْهٍ مَا كَانَ أَوْ مُتَوَانِيًا فِي الْإِحْلاَلِ فَاحْتَاجَ إلَى شَيْءٍ مِمَّا عَلَيْهِ فِيهِ الْفِدْيَةُ فَفَعَلَهُ افْتَدَى لِأَنَّ فِدْيَةَ الْأَذَى نَزَلَتْ فِي كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَهُوَ مُحْصَرٌ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْحُدَيْبِيَةِ ‏{‏حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ‏}‏‏؟‏ قِيلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

أَمَّا السُّنَّةُ فَتَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَحِلَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ نَحْرُهُ لِأَنَّ ‏(‏رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحَرَ فِي الْحِلِّ‏)‏ فَإِنْ قَالَ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْبُدْنِ ‏{‏ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ‏}‏ قِيلَ ذَلِكَ إذَا قَدَرَ عَلَى أَنْ يَنْحَرَهَا عِنْدَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ فَهُوَ مَحِلُّهَا فَإِنْ قَالَ فَهَلْ خَالَفَك أَحَدٌ فِي هَدْيِ الْمُحْصَرِ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ نَعَمْ، عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ ‏(‏النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحَرَ فِي الْحَرَمِ‏)‏ فَإِنْ قَالَ فَبِأَيِّ شَيْءٍ رَدَدْت ذَلِكَ وَخَبَرُ عَطَاءٍ وَإِنْ كَانَ مُنْقَطِعًا شَبِيهٌ بِخَبَرِك عَنْ أَهْلِ الْمَغَازِي‏؟‏ قُلْت عَطَاءٌ وَغَيْرُهُ يَذْهَبُونَ إلَى أَنْ مَحَلَّ الْهَدْيِ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ خَالَفَنَا يَقُولُ لاَ يَحِلُّ الْمُحْصَرُ بِعَدُوٍّ وَلاَ مَرَضٍ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ الْحَرَمَ فَيُنْحَرُ فِيهِ لِمَا وَصَفْت مِنْ ذِكْرِهِمْ ‏(‏أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَنْحَرْ إلَّا فِي الْحَرَمِ‏)‏، فَإِنْ قَالَ فَهَلْ مِنْ شَيْءٍ يُبَيِّنُ مَا قُلْت‏؟‏ قُلْت‏:‏ نَعَمْ إذَا زَعَمُوا وَزَعَمْنَا أَنَّ الْحَرَمَ مُنْتَهَى الْهَدْيِ بِكُلِّ حَالٍ وَإِنْ نَحَرَ فِيهِ فَقَدْ أَجْزَأَ عَنْهُ وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَدْيَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَبْلُغْ الْحَرَمَ فَإِنْ قَالَ‏:‏ وَأَيْنَ ذَلِكَ‏؟‏ قُلْت قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏هُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ‏}‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ ‏{‏حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ‏}‏ قُلْت اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَحَلِّهِ هَا هُنَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إذَا أُحْصِرَ نَحْرُهُ حَيْثُ أُحْصِرَ كَمَا وَصَفْت وَمَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الْإِحْصَارِ الْحَرَمُ وَهُوَ كَلاَمٌ عَرَبِيٌّ وَاسِعٌ، وَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فَقَالَ‏:‏ الْمُحْصَرُ بِالْعَدُوِّ وَالْمَرَضِ سَوَاءٌ وَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ وَلَهُمَا الْخُرُوجُ مِنْ الْإِحْرَامِ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ عُمْرَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّتِي اعْتَمَرَ بَعْدَ حَصْرِهِ قَضَاءُ عُمْرَتِهِ الَّتِي أُحْصِرَ بِهَا، أَلاَ تَرَى أَنَّهَا تُسَمَّى عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ وَعُمْرَةَ الْقِصَاصِ‏؟‏ فَقِيلَ لِبَعْضِ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ‏:‏ إنَّ لِسَانَ الْعَرَبِ وَاسِعٌ فَهِيَ تَقُولُ‏:‏ اقْتَضَيْت مَا صُنِعَ بِي وَاقْتَصَصْت مَا صُنِعَ بِي فَبَلَغْت مَا مُنِعْت مِمَّا يَجِبُ لِي وَمَا لاَ يَجِبُ عَلَيَّ أَنْ أَبْلُغَهُ وَإِنْ وَجَبَ لِي‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ وَاَلَّذِي نَذْهَبُ إلَيْهِ مِنْ هَذَا أَنَّهَا إنَّمَا سُمِّيَتْ عُمْرَةَ الْقِصَاصِ وَعُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ اقْتَصَّ لِرَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ كَمَا مَنَعُوهُ لاَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ قَالَ‏:‏ أَفَتَذْكُرُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا‏؟‏ فَقُلْت‏:‏ نَعَمْ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُجَاهِدٍ‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ فَقَالَ فَهَذَا قَوْلُ رَجُلٍ لاَ يَلْزَمُنِي قَوْلُهُ، قُلْت مَا زَعَمْنَا أَنَّ قَوْلَهُ يَلْزَمُك لَوْلاَ دَلاَلَةُ الْقُرْآنِ وَأَخْبَارُ أَهْلِ الْمَغَازِي وَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ السُّنَّةُ فَقَالَ قَدْ سَمِعْت مَا ذَكَرْت مِنْ السُّنَّةِ وَلَمْ تُسْنِدْ فِيهِ حَدِيثًا بَيِّنًا، فَقُلْت وَلاَ أَنْتَ أَسْنَدْت فِيهِ حَدِيثًا فِي أَنَّ عُمْرَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقَالُ لَهَا عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ وَإِنَّمَا عِنْدَك فِيهَا أَخْبَارُهُمْ فَكَانَ لِي دَفْعُ مَا عَلِمْت وَلَمْ تُقِمْ فِيهِ حَدِيثًا مُسْنَدًا مِمَّا يَثْبُتُ عَلَى الِانْفِرَادِ وَلَمْ يَكُنْ إذَا كَانَ مَعْرُوفًا مُتَوَاطِئًا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِي دَفْعُك عَنْهُ بِهَذَا، لَمْ يَكُنْ لَك دَفْعِي عَنْ أَنَّهُ تَخَلَّفَ بَعْضُ مَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ فَقَالَ مَا يُقْنِعُنِي هَذَا الْجَوَابُ فَادْلُلْنِي عَلَى الدَّلاَلَةِ مِنْ الْقُرْآنِ قُلْت قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ‏}‏ قَالَ فَمِنْ حُجَّتِي أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ قِصَاصٌ وَالْقِصَاصُ إنَّمَا يَكُونُ بِوَاجِبٍ‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ فَقُلْت لَهُ إنَّ الْقِصَاصَ وَإِنْ كَانَ يَجِبُ لِمَنْ لَهُ الْقِصَاصُ فَلَيْسَ الْقِصَاصُ وَاجِبًا عَلَيْهِ أَنْ يَقْتَصَّ قَالَ وَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ‏؟‏ قُلْت قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَالْجُرُوحُ قِصَاصٌ‏}‏ أَفَوَاجِبٌ عَلَى مَنْ جُرِحَ أَنْ يَقْتَصَّ مِمَّنْ جَرَحَهُ أَوْ مُبَاحٌ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ وَخَيْرٌ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ وَمُبَاحٌ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ وَقُلْت لَهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ‏}‏ فَلَوْ أَنَّ مُعْتَدِيًا مُشْرِكًا اعْتَدَى عَلَيْنَا كَانَ لَنَا أَنْ نَعْتَدِيَ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْنَا وَلَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْنَا أَنْ نَفْعَلَ قَالَ ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْت فَقُلْت فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى مَا وَصَفْت وَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ مِنْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَقَصَّهُ مِنْهُمْ فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ فِي مِثْلِ الشَّهْرِ الَّذِي رَدُّوهُ فِيهِ وَلَيْسَتْ فِيهِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ دُخُولَهُ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ قَضَاءِ النُّسُكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِنَّمَا يُدْرَكُ الْوَاجِبُ فِيهِ وَغَيْرُ الْوَاجِبِ خَبَرًا وَالْخَبَرُ يَدُلُّ عَلَى مِثْلِ مَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ وَمَنْ أُحْصِرَ فِي مَوْضِعٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ مَوْضِعِهِ الَّذِي أُحْصِرَ فِيهِ وَيَحِلُّ فَإِذَا أَمِنَ بَعْدَ انْصِرَافِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يُتِمَّ عَلَى الِانْصِرَافِ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا إلَّا أَنِّي إذَا أَمَرْته بِالْخُرُوجِ مِنْ إحْرَامِهِ عَادَ كَمَنْ لَمْ يُحْرِمْ قَطُّ، غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّ لَهُ إذَا كَانَ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا أَنْ يَرْجِعَ حَتَّى يَصِلَ إلَى مَا صُدَّ عَنْهُ مِنْ الْبَيْتِ وَاخْتِيَارِي لَهُ فِي ذَلِكَ بِالْقُرْبِ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الرُّجُوعُ لَهُ مُبَاحًا فَتَرْكُ الرُّجُوعِ كَانَ فِيهِ وَحْشَةٌ أَكْثَرُ بِهَذَا الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ الرَّاجِعُ مِنْ بُعْدٍ أَعْظَمَ أَجْرًا‏.‏ وَلَوْ أَبَحْت لَهُ أَنْ يَذْبَحَ وَيَحْلِقَ وَيَحِلَّ وَيَنْصَرِفَ فَذَبَحَ وَلَمْ يَحْلِقْ حَتَّى يَزُولَ الْعَدُوُّ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْحِلاَقُ وَكَانَ عَلَيْهِ الْإِتْمَامُ لِأَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى صَارَ غَيْرَ مَحْصُورٍ وَهُوَ مَأْجُورٌ فِي الذَّبْحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ لاَ يَكْمُلُ إحْلاَلُ الْمُحْرِمِ إلَّا بِالْحِلاَقِ، وَمَنْ قَالَ يَكْمُلُ إحْلاَلُهُ قَبْلَ الْحِلاَقِ وَالْحِلاَقُ أَوَّلُ الْإِحْلاَلِ قَالَ إذَا ذَبَحَ فَقَدْ حَلَّ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إذَا ذَبَحَ أَنْ يَمْضِيَ عَلَى وَجْهِهِ وَلَوْ أُحْصِرَ وَمَعَهُ هَدْيٌ قَدْ سَاقَهُ مُتَطَوِّعًا بِهِ أَوْ وَاجِبًا عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِحْصَارِ فَلَهُ ذَبْحُهُ فِي مَكَانِهِ كَمَا ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَدْيَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَقَدْ أَوْجَبَهُ قَبْلَ أَنْ يُحْصَرَ، وَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَحِلَّ بِالْبَيْتِ فَمَنَعَهُ فَحَلَّ دُونَهُ بِالْعُذْرِ كَانَ كَذَلِكَ الْهَدْيُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ نَحْرُهُ حَيْثُ حُبِسَ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ لِإِحْصَارِهِ سِوَى مَا وَجَبَ قَبْلَ أَنْ يُحْصَرَ مِنْ هَدْيٍ وَجَبَ عَلَيْهِ بِكُلِّ حَالٍ‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ هَدْيٌ فِي فَوْرِهِ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ وَيَذْبَحَهُ مَكَانَهُ وَلَوْ كَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَلَوْ أَخَّرَ هَدْيَهُ لِيَبْعَثَ بِهِ إذَا ذَهَبَ الْحَصْرُ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ، لِأَنَّهُ شَيْءٌ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فِي فَوْرِهِ‏.‏ وَتَأْخِيرُهُ بَعْدَ فَوْرِهِ كَتَأْخِيرِهِ بَعْدَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ‏.‏

‏[‏قَالَ‏]‏‏:‏ وَلَوْ أُحْصِرَ وَلاَ هَدْيَ مَعَهُ اشْتَرَى مَكَانَهُ هَدْيًا وَذَبَحَهُ وَحَلَّ، وَلَوْ وُهِبَ لَهُ أَوْ مَلَكَهُ بِأَيِّ وَجْهٍ مَا كَانَ فَذَبَحَهُ أَجْزَأَ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا لاََنْ يَشْتَرِيَ هَدْيًا وَلَمْ يَجِدْ هَدْيًا مَكَانَهُ أَوْ مُعْسِرًا بِهَدْيٍ وَقَدْ أُحْصِرَ فَفِيهَا قَوْلاَنِ، أَحَدُهُمَا لاَ يَحِلُّ إلَّا بِهَدْيٍ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَأْتِيَ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ خَرَجَ مِمَّا عَلَيْهِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ يَحِلُّ مَكَانَهُ وَيَذْبَحُ إذَا قَدَرَ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الذَّبْحُ بِمَكَّةَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَذْبَحَ إلَّا بِهَا وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ ذَبَحَ حَيْثُ يَقْدِرُ‏.‏

‏[‏قَالَ‏]‏‏:‏ وَيُقَالُ لاَ يُجْزِئُهُ إلَّا هَدْيٌ، وَيُقَالُ يُجْزِئْهُ إذَا لَمْ يَجِدْ هَدْيًا إطْعَامٌ أَوْ صِيَامٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الطَّعَامَ كَانَ كَمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصِّيَامِ كَانَ كَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَلاَ طَعَامًا وَإِذَا قَدَرَ أَدَّى أَيَّ هَذَا كَانَ عَلَيْهِ‏.‏ وَإِنْ أُحْصِرَ عَبْدٌ قَدْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الْحَجِّ وَالْعَبْدُ لاَ مَالَ لَهُ وَعَلَيْهِ الصَّوْمُ تُقَوَّمُ لَهُ الشَّاةُ دَرَاهِمَ، ثُمَّ الدَّرَاهِمُ طَعَامًا، ثُمَّ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَالْقَوْلُ فِي إحْلاَلِهِ قَبْلَ الصَّوْمِ وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَنْ يَحِلَّ قَبْلَ الصَّوْمِ، وَالْآخَرُ لاَ يَحِلُّ حَتَّى يَصُومَ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُهُمَا بِالْقِيَاسِ لِأَنَّهُ إذَا أُمِرَ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْإِحْرَامِ وَالرُّجُوعِ لِلْخَوْفِ أَشْبَهَ أَنْ لاَ يُؤْمَرَ بِالْمُقَامِ عَلَى الْخَوْفِ لِلصَّوْمِ وَالصَّوْمُ يَجْزِيهِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ‏.‏

وَإِذَا أُحْصِرَ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ عَدَدٌ كَثِيرٌ بِعَدُوٍّ مُشْرِكِينَ كَالْعَدُوِّ الَّذِي أُحْصِرَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وَأَصْحَابُهُ فَكَانَتْ بِهِمْ قُوَّةٌ عَلَى قِتَالِهِمْ أَوْ لَمْ تَكُنْ كَانَ لَهُمْ الِانْصِرَافُ لِأَنَّ لَهُمْ تَرْكُ الْقِتَالِ إلَّا فِي النَّفِيرِ أَوْ أَنْ يَبْدَءُوا بِالْقِتَالِ وَإِنْ كَانَ النَّظَرُ لِلْمُسْلِمِينَ الرُّجُوعَ عَنْهُمْ اخْتَرْت ذَلِكَ لَهُمْ وَإِنْ كَانَ النَّظَرُ لِلْمُسْلِمِينَ قِتْلاَهُمْ اخْتَرْت قِتَالَهُمْ وَلُبْسَ السِّلاَحِ وَالْفِدْيَةِ، وَإِذَا أَحُصِرُوا بِغَيْرِ مُشْرِكِينَ اخْتَرْت الِانْصِرَافَ عَنْهُمْ بِكُلِّ حَالٍ بَعْدَ الْإِحْلاَلِ مِنْ الْإِحْصَارِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ الْإِحْصَارَ بِالْمُسْلِمِينَ إحْصَارٌ يَحِلُّ بِهِ الْمُحْرِمُ إذْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنَّمَا أُحْصِرَ بِمُشْرِكِينَ‏؟‏ قِيلَ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ اللَّهُ الْإِحْصَارَ بِالْعَدُوِّ مُطْلَقًا لَمْ يُخَصِّصْ فِيهِ إحْصَارًا بِكَافِرٍ دُونَ مُسْلِمٍ وَكَانَ الْمَعْنَى لِلَّذِي فِي الشِّرْكِ الْحَاضِرِ الَّذِي أَحَلَّ بِهِ الْمُحْصَرُ الْخُرُوجَ مِنْ الْإِحْرَامِ خَوْفًا أَنْ يَنَالَ الْعَدُوُّ مِنْ الْمُحْرِمِ مَا يَنَالُ عَدُوُّهُ فَكَانَ مَعْقُولاً فِي نَصِّ السُّنَّةِ أَنَّ مَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْحَالِ كَانَ لِلْمُحْرِمِ عُذْرٌ بِأَنْ يَخْرُجَ مِنْ إحْرَامِهِ بِهِ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ خَرَجَ إلَى مَكَّةَ فِي الْفِتْنَةِ مُعْتَمِرًا فَقَالَ‏:‏ إنْ صُدِدْت عَنْ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ يَعْنِي أَحْلَلْنَا كَمَا أَحْلَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ‏.‏ وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ هَذَا فِي مِثْلِ الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْت لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ بِمَكَّةَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَأَهْلُ الشَّامِ فَرَأَى أَنَّهُمْ إنْ مَنَعُوهُ أَوْ خَافَهُمْ إنْ لَمْ يَمْنَعُوهُ أَنْ يُنَالَ فِي غِمَارِ النَّاسِ فَهُوَ فِي حَالِ مَنْ أُحْصِرَ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَحِلَّ وَإِنْ أُحْصِرَ بِمُشْرِكِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ فَأَعْطَوْهُمْ الْأَمَانَ عَلَى أَنْ يَأْذَنُوا لَهُمْ فِي أَنْ يَحِلُّوا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ الرُّجُوعُ وَكَانُوا كَغَيْرِ مُحْصَرِينَ إلَّا أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ لاَ يُوثَقُ بِأَمَانِهِ وَيُعْرَفُ غَدْرُهُمْ فَيَكُونُ لَهُمْ الِانْصِرَافُ إذَا كَانُوا هَكَذَا بَعْدَ الْإِحْلاَلِ، وَلَوْ كَانُوا مِمَّنْ يُوثَقُ بِأَمَانِهِ بَعْدُ فَأَعْطَوْهُ أَنْ يَدْخُلَ فَيَحِلُّ عَلَى جُعْلٍ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، لَمْ أَرَ أَنْ يُعْطُوهُمْ شَيْئًا لِأَنَّ لَهُمْ عُذْرًا فِي الْإِحْصَارِ يَحِلُّ لَهُمْ بِهِ الْخُرُوجُ مِنْ الْإِحْرَامِ وَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَنَالَ مُشْرِكٌ مِنْ مُسْلِمٍ أَخْذَ شَيْءٍ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ الصَّغَارَ وَلَوْ فَعَلُوا مَا حُرِّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَرِهْته لَهُمْ كَمَا لاَ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ مَا وَهَبُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَمُبَاحٌ لِلْمُحْصَرِ قِتَالُ مَنْ مَنَعَهُ مِنْ الْبَيْتِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَمُبَاحٌ لَهُ الِانْصِرَافُ عَنْهُمْ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ فَعَلَ الْأَمْرَيْنِ فَقَاتَلَهُمْ وَانْصَرَفَ عَنْهُمْ وَلَوْ قَاتَلَهُمْ الْمُحْصَرُ فَقَتَلَ وَجَرَحَ وَأَصَابَ دَوَابَّ إنْسِيَّةً فَقَتَلَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ غُرْمٌ وَلَوْ قَاتَلَهُمْ فَأَصَابَ لَهُمْ صَيْدًا يَمْلِكُونَهُ جَزَاهُ بِمِثْلِهِ وَلَمْ يَضْمَنْ لَهُمْ شَيْئًا، وَلَوْ كَانَ الصَّيْدُ لِمَنْ هُوَ بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ لاَ يُقَاتِلُهُمْ فَأَصَابَهُ جَزَاهُ بِمِثْلِهِ وَضَمِنَهُ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ مَكَّةَ لَيْسَتْ بِدَارِ حَرْبٍ فَيُبَاحُ مَا فِيهَا‏.‏ وَلَوْ كَانَ الْوَحْشُ لِغَيْرِ مَالِكٍ جَزَاهُ الْمُحْرِمُ بِمِثْلِهِ إنْ شَاءَ مَكَانَهُ لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ فِدْيَةَ الرَّأْسِ فِي مَكَانِهِ وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَا كَعْبًا وَجَعَلَ الْهَدْيَ فِي مَكَانِهِ وَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا سَاقَ مِنْ الْهَدْيِ تَطَوُّعًا فِي مَكَانِهِ فَيَكُونُ حَالُ الْإِحْصَارِ غَيْرَ حَالِ الْوُصُولِ وَلَوْ كَرِهْت أَنْ يُوَصِّلَهُ إلَى الْبَيْتِ لَمْ أَكْرَهْ ذَلِكَ إلَّا لاََنْ يَحْدُثَ عَلَيْهِ حَدَثٌ فَلاَ يُقْضَى عَنْهُ‏.‏

وَلَوْ أُحْصِرَ قَوْمٌ بِعَدُوٍّ فَأَرَادُوا الْإِحْلاَلَ ثُمَّ قَاتَلُوهُمْ لَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا وَلَوْ أُحْصِرَ قَوْمٌ بِعَدُوٍّ غَيْرَ مُقِيمِينَ بِمَكَّةَ أَوْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أُحْصِرُوا فِيهِ فَكَانَ الْمُحْرِمُ يُؤَمِّلُ انْصِرَافَهُمْ وَيَأْمَنُهُمْ فِي مَكَانِهِ لَمْ أَرَ أَنْ يَنْصَرِفَ أَيَّامًا ثَلاَثًا وَلَوْ زَادَ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ، وَلَوْ انْصَرَفَ بَعْدَ إحْلاَلِهِ وَلَمْ يُتِمَّ ثَلاَثًا جَازَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى انْصِرَافِ الْعَدُوِّ مُغَيَّبٌ وَقَدْ يُرِيدُونَ الِانْصِرَافَ ثُمَّ لاَ يَنْصَرِفُونَ وَلاَ يُرِيدُونَهُ ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ وَإِنَّمَا كَانَ مُقَامُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْحُدَيْبِيَةِ مُرَاسَلَةَ الْمُشْرِكِينَ وَمُهَادَنَتَهُمْ، وَلَوْ أُحْصِرَ قَوْمٌ بِعَدُوٍّ دُونَ مَكَّةَ وَكَانَ لِلْحَاجِّ طَرِيقٌ عَلَى غَيْرِ الْعَدُوِّ رَأَيْت أَنْ يَسْلُكُوا تِلْكَ الطَّرِيقَ إنْ كَانُوا يَأْمَنُونَ بِهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ رُخْصَةٌ فِي الْإِحْلاَلِ وَهُمْ يَأْمَنُونَ فِيهَا أَنْ يَصِلُوا إلَى الْبَيْتِ وَيَقْدِرُوا فَإِنْ كَانَتْ طَرِيقُهُمْ الَّتِي يَأْمَنُونَ فِيهَا بَحْرًا لاَ بَرًّا، لَمْ يَلْزَمْهُمْ رُكُوبُ الْبَحْرِ لِأَنَّهُ مَخُوفُ تَلَفٍ وَلَوْ فَعَلُوا كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَإِنْ كَانَ طَرِيقُهُمْ بَرًّا وَكَانُوا غَيْرَ قَادِرِينَ عَلَيْهِ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا إذَا كَانُوا غَيْرَ قَادِرِينَ عَلَى الْوُصُولِ إلَى الْبَيْتِ مُحْصَرِينَ بِعَدُوٍّ فَإِنْ كَانَ طَرِيقُهُمْ بَرًّا يَبْعُدُ وَكَانُوا قَادِرِينَ عَلَى الْوُصُولِ إلَى الْبَيْتِ بِالْأَمْوَالِ وَالْأَبَدَانِ وَكَانَ الْحَجُّ يَفُوتُهُمْ وَهُمْ مُحْرِمُونَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا حَتَّى يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، لِأَنَّ أَوَّلَ الْإِحْلاَلِ مِنْ الْحَجِّ الطَّوَافُ، وَالْقَوْلُ فِي أَنَّ عَلَيْهِمْ الْإِعَادَةُ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِمْ وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لاَ إعَادَةَ لِلْحَجِّ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ مَمْنُوعُونَ مِنْهُ بِعَدُوٍّ وَقَدْ جَاءُوا بِمَا عَلَيْهِمْ مِمَّا قَدَرُوا مِنْ الطَّوَافِ، وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ وَعَلَيْهِمْ هَدْيٌ لِفَوْتِ الْحَجِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الْقِيَاسِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ عَلَيْهِمْ حَجًّا وَهَدْيًا وَهُمْ كَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ مِمَّنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ إذَا صَارُوا إلَى الْوُصُولِ إلَى الْبَيْتِ وَلِهَذَا وَجْهٌ وَلَوْ وَصَلُوا إلَى مَكَّةَ وَأُحْصِرُوا فَمُنِعُوا عَرَفَةَ حَلَّوْا بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ وَحِلاَقٍ وَذَبْحٍ وَكَانَ الْقَوْلُ فِي هَذَا كَالْقَوْلِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَسَوَاءٌ الْمَكِّيُّ الْمُحْصَرُ، إنْ أَقْبَلَ مِنْ أُفُقٍ مُحْرِمًا وَغَيْرُ الْمَكِّيِّ يَجِبُ عَلَى كُلٍّ مَا يَجِبُ عَلَى كُلٍّ‏.‏

وَإِنْ أُحْصِرَ الْمَكِّيُّ بِمَكَّةَ عَنْ عَرَفَةَ فَهُوَ كَالْغَرِيبِ يُحْصَرُ بِمَكَّةَ عَنْ عَرَفَةَ يَذْبَحَانِ وَيَطُوفَانِ وَيَسْعَيَانِ وَيَحِلَّانِ، وَالْقَوْلُ فِي قَضَائِهِمَا كَالْقَوْلِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَبْلَ مَسْأَلَتِهِمَا وَلاَ يَخْرُجُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مِنْ مَكَّةَ إذَا كَانَ أَهَلَّا لَهُ بِالْحَجِّ وَلَوْ أَهَلَّا مِنْ مَكَّةَ فَلَمْ يَطُوفَا حَتَّى أُخْرِجَا مِنْهَا أَوْ أَحُصِرَا فِي نَاحِيَتِهِمَا وَمُنِعَا الطَّوَافَ كَانَا كَمَنْ أُحْصِرَ خَارِجًا مِنْهَا فِي الْقِيَاسِ، وَلَوْ تَرَبَّصَا لَعَلَّهُمَا يَصِلاَنِ إلَى الطَّوَافِ كَانَ احْتِيَاطًا حَسَنًا وَلَوْ أُحْصِرَ حَاجٌّ بَعْدَ عَرَفَةَ بِمُزْدَلِفَةَ أَوْ بِمِنًى أَوْ بِمَكَّةَ فَمَنَعَ عَمَلَ مُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَالطَّوَافَ كَانَ لَهُ أَنْ يَذْبَحَ وَيَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ وَيَحِلَّ إذَا كَانَ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْإِحْرَامِ كُلِّهِ كَانَ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ بَعْضِهِ فَإِنْ كَانَتْ حَجَّةَ الْإِسْلاَمِ فَحَلَّ إلَّا النِّسَاءَ قَضَى حَجَّةَ الْإِسْلاَمِ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ حَجَّةِ الْإِسْلاَمِ فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُحْصَرٌ بِعَدُوٍّ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَمْسِكَ عَنْ الْإِحْلاَلِ حَتَّى يَصِلَ إلَى الْبَيْتِ فَيَطُوفَ بِهِ وَيُهْرِيقَ دَمًا لِتَرْكِ مُزْدَلِفَةَ، وَدَمًا لِتَرْكِ الْجِمَارِ وَدَمًا لِتَرْكِ الْبَيْتُوتَةِ بِمِنًى لَيَالِي مِنًى أَجْزَأَ ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلاَمِ مَتَى طَافَ بِالْبَيْتِ وَإِنْ بَعْدَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ هَذَا كُلَّهُ بَعْدَ إحْصَارٍ ثُمَّ أَهَرَاقَ لَهُ دَمًا أَجْزَأَ عَنْهُ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلاَمِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَصَابَ صَيْدًا فَدَاهُ، وَإِنَّمَا يَفْسُدُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْزِيَ عَنْهُ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلاَمِ النِّسَاءُ فَقَطْ، لِأَنَّ الَّذِي يُفْسِدُ الْحَجَّ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّا فَعَلَ فِيهِ، وَالْمُحْصَرُ بِعَدُوٍّ، وَالْمَحْبُوسُ أَيَّ حَبْسٍ مَا كَانَ نَأْمُرُهُ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ، فَإِنْ كَانُوا مُهَلِّينَ بِالْحَجِّ فَأَصَابُوا النِّسَاءَ قَبْلَ يَحِلُّونَ فَهُمْ مُفْسِدُونَ لِلْحَجِّ وَعَلَيْهِمْ مَعًا بَدَنَةٌ وَحَجٌّ بَعْدَ الْحَجِّ الَّذِي أَفْسَدُوهُ، وَإِذَا أَصَابُوا مَا فِيهِ الْفِدْيَةُ كَانَتْ عَلَيْهِمْ الْفِدْيَةُ مَا لَمْ يَحِلُّوا فَإِذَا حَلُّوا فَهُمْ كَمَنْ لَمْ يُحْرِمْ‏.‏

باب الإحصار بغير حبس العدو

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ‏:‏ ‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَحَبَسَهُ سُلْطَانٌ فَإِنْ كَانَ لِحَبْسِهِ غَايَةٌ يَرَى أَنَّهُ يَدْرِك مَعَهَا الْحَجَّ وَكَانَتْ طَرِيقُهُ آمِنَةً بِمَكَّةَ لَمْ يَحْلِلْ فَإِنْ أُرْسِلَ مَضَى وَإِنْ كَانَ حَبْسُهُ مَغِيبًا عَنْهُ لاَ تُدْرَى غَايَتُهُ أَوْ كَانَتْ لَهُ غَايَةٌ لاَ يَدْرِك مَعَهَا الْحَجَّ إذَا أُرْسِلَ أَوْ لاَ يُمْكِنُهُ الْمُضِيُّ إلَى بَلَدِهِ فَلَهُ أَنْ يَحِلَّ كَمَا يَحِلُّ الْمُحْصَرُ وَالْقِيَاسُ فِي هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ مُحْصَرٌ كَحَصْرِ الْعَدُوِّ وَمِثْلُهُ الْمَرْأَةُ تُهِلُّ بِالْحَجِّ فَيَمْنَعُهَا زَوْجُهَا وَمِثْلُهَا الْعَبِيدُ يُهِلُّونَ فَيَمْنَعُهُمْ سَادَتُهُمْ‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ فِي الرَّجُلِ يُهِلُّ بِالْحَجِّ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ فَيَمْنَعُهُ وَالِدَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَرَى وَاسِعًا لَهُ أَنْ يَحِلَّ مَحَلَّ الْمُحْصَرِ‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ وَهَذَا إذَا كَانَتْ حَجَّةُ تَطَوُّعٍ، فَأَمَّا الْفَرِيضَةُ إذَا أَهَلَّ بِهَا مَضَى فِيهَا وَلَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْ وَالِدِيهِ مَنْعُهُ بَعْدَ مَا لَزِمَتْهُ وَأَهَلَّ بِهَا، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ أَرَأَيْت الْعَدُوَّ إذَا كَانَ مَانِعًا مَخُوفًا فَأَذِنْت لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَحِلَّ بِمَنْعِهِ أَفَتَجِدُ أَبَا الرَّجُلِ وَأُمَّهُ وَسَيِّدَ الْعَبْدِ وَزَوْجَ الْمَرْأَةِ فِي مَعْنَاهُ‏؟‏ قِيلَ لَهُ‏:‏ نَعَمْ، هُمْ فِي مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ مَانِعُونَ وَفِي أَكْثَرِ مِنْ مَعْنَاهُ فِي أَنَّ لَهُمْ الْمَنْعَ وَلَيْسَ لِلْعَدُوِّ الْمَنْعُ وَمُخَالِفُونَ لَهُ فِي أَنَّهُمْ غَيْرُ مَخُوفِينَ خَوْفَهُ فَإِنْ قَالَ‏:‏ كَيْفَ جَمَعْت بَيْنَهُمْ وَهُمْ مُفْتَرِقُونَ فِي مَعْنًى وَإِنْ اجْتَمَعُوا فِي مَعْنًى غَيْرِهِ‏؟‏ قُلْت اجْتَمَعُوا فِي مَعْنًى وَارِدٍ هَؤُلاَءِ أَنَّ لَهُمْ الْمَنْعُ وَحَفِظْت عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَهَلَّتْ بِالْحَجِّ غَيْرَ حَجَّةِ الْفَرِيضَةِ كَانَ لِزَوْجِهَا مَنْعُهَا وَحَفِظَتْ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ ‏(‏لاَ يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ أَنْ تَصُومَ يَوْمًا وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ‏)‏ فَكَانَ هَذَا عَلَى التَّطَوُّعِ دُونَ الْفَرِيضَةِ وَكَانَتْ إذَا لَمْ يَحِلَّ لَهَا الصَّوْمُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَهَا وَإِنْ صَامَتْ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا الصَّوْمُ وَكَانَ هَكَذَا الْحَجُّ وَكَانَ سَيِّدُ الْعَبْدِ أَقْدَرَ عَلَيْهِ مِنْ زَوْجِ الْمَرْأَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَكَانَ حَقُّ أَحَدِ وَالِدَيْ الرَّجُلِ أَعْظَمُ عَلَيْهِ مِنْ حَقِّ الزَّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ وَطَاعَتُهُمَا أَوْجَبَ، فَبِهَذَا قُلْت مَا وَصَفْت‏.‏

باب الإحصار بالمرض

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ‏}‏‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ فَلَمْ أَسْمَعْ مُخَالِفًا مِمَّنْ حَفِظْت عَنْهُ مِمَّنْ لَقِيت مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتَّفْسِيرِ فِي أَنَّهَا نَزَلَتْ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَذَلِكَ إحْصَارُ عَدُوٍّ فَكَانَ فِي الْحَصْرِ إذْنُ اللَّهِ تَعَالَى لِصَاحِبِهِ فِيهِ بِمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ، ثُمَّ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ الَّذِي يَحِلُّ مِنْهُ الْمُحْرِمُ الْإِحْصَارُ بِالْعَدُوِّ فَرَأَيْت أَنَّ الْآيَةَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِإِتْمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لِلَّهِ عَامَّةٌ عَلَى كُلِّ حَاجٍّ وَمُعْتَمِرٍ إلَّا مَنْ اسْتَثْنَى اللَّهُ ثُمَّ سَنَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ الْحَصْرِ بِالْعَدُوِّ وَكَانَ الْمَرِيضُ عِنْدِي مِمَّنْ عَلَيْهِ عُمُومُ الآيَةِ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ يُوَافِقُ مَعْنَى مَا قُلْت وَإِنْ لَمْ يَلْفِظُوا بِهِ إلَّا كَمَا حَدَّثَ عَنْهُمْ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ لاَ حَصْرَ إلَّا حَصْرُ الْعَدُوِّ‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ لاَ حَصْرَ إلَّا حَصْرُ الْعَدُوِّ، لاَ حَصْرَ يَحِلُّ مِنْهُ الْمُحْصَرُ إلَّا حَصْرُ الْعَدُوِّ كَأَنَّهُ يُرِيدُ مِثْلَ الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ مَنْ حُبِسَ دُونَ الْبَيْتِ بِمَرَضٍ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ الْمُحْصَرُ لاَ يَحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى شَيْءٍ مِنْ لُبْسِ الثِّيَابِ الَّتِي لاَ بُدَّ لَهُ مِنْهَا صَنَعَ ذَلِكَ وَافْتَدَى‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ يَعْنِي الْمُحْصَرَ بِالْمَرَضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَمَرْوَان بْنَ الْحَكَمِ وَابْنَ الزُّبَيْرِ أَفْتَوْا ابْنَ حُزَابَةَ الْمَخْزُومِيَّ وَأَنَّهُ صُرِعَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ أَنْ يَتَدَاوَى بِمَا لاَ بُدَّ لَهُ مِنْهُ وَيَفْتَدِي فَإِذَا صَحَّ اعْتَمَرَ فَحَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ عَامًا قَابِلاً وَيُهْدِي، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ كَانَ قَدِيمًا أَنَّهُ قَالَ‏:‏ خَرَجْت إلَى مَكَّةَ حَتَّى إذَا كُنْت بِالطَّرِيقِ كُسِرَتْ فَخِذِي فَأُرْسِلْت إلَى مَكَّةَ وَبِهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما وَالنَّاسُ فَلَمْ يُرَخِّصْ لِي أَحَدٌ فِي أَنْ أَحِلَّ فَأَقَمْت عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ حَلَلْت بِعُمْرَةٍ، أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ رَجُلٍ كَانَ قَدِيمًا وَأَحْسَبُهُ قَدْ سَمَّاهُ وَذَكَرَ نَسَبَهُ وَسَمَّى الْمَاءَ الَّذِي أَقَامَ بِهِ الدَّثْنَةُ وَحَدَّثَ شَبِيهًا بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ‏:‏ الْمُحْرِمُ لاَ يَحِلُّهُ إلَّا الْبَيْتُ‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ أَيُّ مَرَضٍ مَا كَانَ، وَسَوَاءٌ ذَهَبَ عَقْلُهُ فِيمَا لَمْ يَذْهَبْ وَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى دَوَاءٍ يُدَاوِي بِهِ دُووِيَ وَإِنْ ذَهَبَ عَقْلُهُ فَدَى عَنْهُ فِدْيَةَ ذَلِكَ الدَّوَاءِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ أَمَرْت الذَّاهِبَ الْعَقْلَ أَنْ يَفْتَدِيَ عَنْهُ وَالْقَلَمُ مَرْفُوعٌ عَنْهُ فِي حَالِ تِلْكَ‏؟‏ قِيلَ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ إنَّمَا يُدَاوِيه مَنْ يَعْقِلُ وَالْفِدْيَةُ لاَزِمَةٌ بِأَنَّ فَاعِلَهَا يَعْقِلُ وَهِيَ عَلَى الْمُدَاوِي لَهُ فِي مَالِهِ إنْ شَاءَ ذَلِكَ الْمُدَاوِي لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ مِنْ الْمُدَاوِي عَلَى الْمُدَاوَى وَإِنْ غَلَبَ الْمُحْرِمُ عَلَى عَقْلِهِ فَأَصَابَ صَيْدًا فَفِيهَا قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ عَلَيْهِ جَزَاءَهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُحْرِمَ بِإِصَابَةِ الصَّيْدِ جَزَاءٌ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ كَمَا يَلْزَمُهُ لَوْ قَتَلَهُ لِرَجُلٍ وَالْقَاتِلُ مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِهِ وَلَوْ أَتْلَفَ لِرَجُلٍ مَالاً لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ وَيَحْتَمِلُ حَلْقُهُ شَعْرَهُ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا‏.‏ وَالْقَوْلُ الثَّانِي لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ عَنْهُ، وَأَصْلُ الصَّيْدِ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ وَكَذَلِكَ حَلْقُ الشَّعْرِ وَإِنَّمَا جُعِلَ هَذَا عُقُوبَةٌ عَلَى مَنْ أَتَاهُ تَعَبُّدًا لِلَّهِ وَالْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ غَيْرُ مُتَعَبِّدٍ فِي حَالِ غَلَبَتِهِ وَلَيْسَ كَأَمْوَالِ النَّاسِ الْمَمْنُوعَةِ بِكُلِّ حَالٍ كَالْمُبَاحِ إلَّا فِي حَالٍ‏.‏

قال‏:‏ وَلَوْ أَصَابَ امْرَأَتَهُ احْتَمَلَ الْمَعْنَيَيْنِ وَكَانَ أَخَفَّ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي إصَابَتِهِ لِامْرَأَتِهِ إتْلاَفٌ لِشَيْءٍ فَأَمَّا طِيبُهُ وَلُبْسُهُ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّا نَضَعُهُ عَنْ الْجَاهِلِ الْعَاقِلِ وَالنَّاسِي الْعَاقِلِ وَهَذَا أَوْلَى أَنْ يُوضَعَ عَنْهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا إتْلاَفٌ لِشَيْءٍ وَقَدْ يَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ مِنْ الْمَغْلُوبِ الْعَقْلِ أَنْ يُقَاسَ عَلَى هَذَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِتْلاَفِ شَيْءٍ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ أَفَرَأَيْت إذَا غَلَبَ عَلَى عَقْلِهِ كَيْفَ لَمْ تَزْعُمْ أَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ الْإِحْرَامِ كَمَا أَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ الصَّلاَةِ‏؟‏ قِيلَ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِاخْتِلاَفِ الصَّلاَةِ وَالْحَجِّ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَأَيْنَ اخْتِلاَفُهُمَا‏؟‏ قِيلَ يَحْتَاجُ الْمُصَلِّي إلَى أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا فِي صَلاَتِهِ عَاقِلاً لَهَا وَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَكُونَ عَاقِلاً لَهَا كُلُّهَا لِأَنَّ كُلَّهَا عَمَلٌ لاَ يَجْزِيه غَيْرُهُ وَالْحَاجُّ يَجُوزُ لَهُ كَثِيرٌ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ وَهُوَ جُنُبٌ وَتَعْمَلُهُ الْحَائِضُ كُلَّهُ إلَّا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَمَا أَقَلُّ مَا يَجْزِي الْحَاجَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَاقِلاً‏؟‏ قِيلَ لَهُ عَمَلُ الْحَجِّ عَلَى ثَلاَثَةِ أَشْيَاءَ أَنْ يُحْرِمَ وَهُوَ يَعْقِلُ وَيَدْخُلُ عَرَفَةَ فِي وَقْتِهَا وَهُوَ يَعْقِلُ وَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَهُوَ يَعْقِلُ فَإِذَا جَمَعَ هَذِهِ الْخِصَالَ وَذَهَبَ عَقْلُهُ فَمَا بَيْنَهَا فَعَمِلَ عَنْهُ أَجْزَأَ عَنْهُ حَجُّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَهَذَا مَكْتُوبٌ فِي دُخُولِ عَرَفَةَ‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ فِي مَكِّيٍّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ أَوْ غَرِيبٍ دَخَلَهَا مُحْرِمًا فَحَلَّ ثُمَّ أَقَامَ بِهَا حَتَّى أَنْشَأَ الْحَجَّ مِنْهَا فَمَنَعَهُمَا مَرَضٌ حَتَّى فَاتَهُمَا الْحَجُّ يَطُوفَانِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيَحْلِقَانِ أَوْ يُقَصِّرَانِ فَإِذَا كَانَ قَابِلٌ حَجَّا وَأَجْزَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا مُعْتَمِرَيْنِ قَطُّ إنَّمَا يَخْرُجَانِ بِأَقَلِّ مَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا أَنْ يَعْمَلاَ بِعَرَفَةَ وَمِنًى وَمُزْدَلِفَةَ وَذَلِكَ طَوَافٌ وَسَعْيٌ وَأَخْذٌ مِنْ شَعْرِهِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَكَيْفَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ مِنْ هَذَا‏؟‏ قِيلَ لَهُ عَلَى مَعْنَى مَا قُلْت إنْ شَاءَ اللَّهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ لِسَائِلِهِ‏:‏ اعْمَلْ مَا يَعْمَلُ الْمُعْتَمِرُ وَلَمْ يَقُلْ لَهُ‏:‏ إنَّك مُعْتَمِرٌ وَقَالَ لَهُ اُحْجُجْ قَابِلاً وَأَهْدِ وَلَوْ انْقَلَبَ إحْرَامُهُ عُمْرَةً لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَجٌّ وَكَانَ مُدْرِكًا لِلْعُمْرَةِ وَفِي أَمْرِهِ وَأَمْرِنَا إيَّاهُ بِحَجٍّ قَابِلٍ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ إحْرَامَهُ حَجٌّ وَأَنَّهُ لاَ يَنْقَلِبُ عُمْرَةً، وَلَوْ انْقَلَبَ عُمْرَةً لَمْ يَجُزْ أَنْ تَأْمُرَهُ بِحَجٍّ قَابِلٍ قَضَاءً وَكَيْفَ يَقْضِي مَا قَدْ انْقَلَبَ عَنْهُ‏؟‏ وَلَكِنْ آمُرُهُ بِالْقَضَاءِ لِأَنَّهُ فَائِتٌ لَهُ وَقَدْ جَاءَ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَسَأَلَ عُمَرَ وَهُوَ يَنْحَرُ وَلاَ أَشُكُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ قَدْ دَخَلَ الْحَرَمَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ فَلَوْ كَانَ حَجُّهُ صَارَ عُمْرَةً حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ وَكَانَ الْحَجُّ فَائِتًا لاََمَرَهُ عُمَرَ أَنْ يَخْرُجَ بِنَفْسِهِ إلَى الْحِلِّ فَيُلَبِّيَ مِنْهُ وَلَكِنَّهُ كَمَا وَصَفْت إنْ شَاءَ اللَّهُ لاَ كَقَوْلِ مَنْ قَالَ صَارَ عُمْرَةً وَإِنَّمَا قَوْلُ مَنْ قَالَ صَارَ عُمْرَةً بِغَلَطٍ إلَى قَوْلِهِ يَعْنِي صَارَ عَمَلُهُ عُمْرَةً وَسَقَطَ بَعْضُ عَمَلِ الْحَجِّ إذَا فَاتَتْ عَرَفَةُ وَلَوْ كَانَ صَارَ عُمْرَةً أَجْزَأَ عَنْهُ مِنْ عُمْرَةٍ الْإِسْلاَمِ وَعُمْرَةٍ لَوْ نَذَرَهَا فَنَوَاهَا عِنْدَ فَوْتِ الْحَجِّ لَهُ وَهُوَ لاَ يَجْزِي مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا‏.‏

وَمَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ فَحُبِسَ عَنْ الْحَجِّ بِمَرَضٍ أَوْ ذَهَابِ عَقْلٍ أَوْ شَغْلٍ أَوْ تَوَانٍ أَوْ خَطَأِ عَدَدٍ ثُمَّ أَفَاقَ مِنْ الْمَرَضِ فِي حِينِ يَقْدِرُ عَلَى إتْيَانِ الْبَيْتِ لَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ مِنْ إحْرَامِهِ حَتَّى يَصِلَ إلَى الْبَيْتِ فَإِنْ أَدْرَكَ الْحَجَّ عَامَهُ الَّذِي أَحْرَمَ فِيهِ لَمْ يَحْلِلْ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ وَإِنْ فَاتَهُ حَجُّ عَامِهِ الَّذِي أَحْرَمَ فِيهِ حَلَّ إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَحَلَقَ أَوْ قَصَّرَ، فَإِنْ كَانَ إهْلاَلُهُ بِحَجٍّ فَأَدْرَكَهُ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ إهْلاَلُهُ بِحَجٍّ فَفَاتَهُ خَرَجَ مِنْهُ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ وَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ، وَإِنْ كَانَ قَارِنًا فَأَدْرَكَ الْحَجَّ فَقَدْ أَدْرَكَهُ وَالْعُمْرَةَ فَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ حَجَّ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ مَقْرُونَيْنِ لاَ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا كَمَا إذَا فَاتَهُ صَلاَةٌ أَوْ صَوْمٌ أَوْ عُمْرَةٌ أَمَرْنَاهُ أَنْ يَقْضِيَ ذَلِكَ بِمِثْلِهِ لاَ يَزِيدُ عَلَى قَضَائِهِ شَيْئًا غَيْرَهُ وَإِذَا فَاتَهُ الْحَجُّ فَجَاءَ بَعْدَ عَرَفَةَ لَمْ يَقُمْ بِمِنًى وَلَمْ يَعْمَلْ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ شَيْئًا وَقَدْ خَرَجَ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ مُفْرِدًا كَانَ أَوْ قَارِنًا بِعَمَلِ عُمْرَةٍ مِنْ طَوَافٍ وَسَعْيٍ وَحَلْقٍ أَوْ تَقْصِيرٍ وَحَجٌّ قَابِلٌ أَحَبُّ إلَيَّ، فَإِنْ أَخَّرَ ذَلِكَ فَأَدَّاهُ بَعْدُ أَجْزَأَ عَنْهُ كَمَا يُؤَخِّرُ حَجَّةَ الْإِسْلاَمِ بَعْدَ بُلُوغِهِ أَعْوَامًا فَيُؤَدِّيهَا عَنْهُ مَتَى أَدَّاهَا وَإِنْ اُضْطُرَّ قَبْلَ الْإِحْلاَلِ إلَى شَيْءٍ مِمَّا عَلَيْهِ فِيهِ فِدْيَةٌ إذَا كَانَ مُحْرِمًا أَوْ أَصَابَهُ فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَكَانَ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَى الْبَيْتِ كَامِلَ الْإِحْرَامِ قَبْلَ فَوْتِ الْحَجِّ وَبَعْدَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ فِيمَا فِيهِ فِدْيَةٌ وَالْفَسَادُ فِيمَا فِيهِ فَسَادٌ لاَ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ قَائِمٌ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ مِمَّنْ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ الْمَرِيضَ يَحِلُّ بِهَدْيٍ يَبْعَثُ بِهِ فَبَعَثَ بِهَدْيٍ وَنَحْرٍ أَوْ ذَبْحٍ عَنْهُ وَحَلَّ كَانَ كَمَنْ حَلَّ وَلَمْ يَبْعَثْ بِهَدْيٍ وَلَمْ يَنْحَرْ وَلَمْ يَذْبَحْ عَنْهُ حَرَامًا بِحَالِهِ، وَلَوْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ رَجَعَ حَرَامًا بِحَالِهِ وَلَوْ صَحَّ وَقَدْ بَعَثَ بِهَدْيٍ فَمَضَى إلَى الْبَيْتِ مِنْ فَوْرِهِ ذَلِكَ وَقَدْ ذَبَحَ الْهَدْيَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ الْهَدْيُ عَنْهُ مِنْ شَيْءٍ وَجَبَ عَلَيْهِ فِي إحْرَامِهِ فِدْيَةٌ حَجٌّ وَلاَ عُمْرَةٌ لِأَنَّهُ ذَبَحَهُ عَمَّا لاَ يَلْزَمُهُ‏.‏ وَلَوْ أَدْرَكَ الْهَدْيَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ فَحَبَسَهُ كَانَ ذَلِكَ لَهُ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِإِيجَابِهِ وَلَوْ أَدْرَكَ الْهَدْيَ قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَ أَوْ يَذْبَحَ وَقَدْ أَوْجَبَهُ بِكَلاَمٍ يُوجِبُهُ، كَانَ وَاجِبًا أَنْ يَذْبَحَ وَكَانَ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَكَانَ كَمَنْ أَوْجَبَهُ تَطَوُّعًا وَكَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَلْزَمْهُ فِيهِ الْعِتْقُ فَالْعِتْقُ مَاضٍ تَطَوُّعًا، وَلَوْ لَمْ يُوجِبْ الْهَدْيَ بِكَلاَمٍ وَبَعَثَ بِهِ فَأَدْرَكَهُ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ كَانَ مَالاً مِنْ مَالِهِ وَلَوْ لَمْ يُوجِبْهُ بِكَلاَمٍ وَقَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ وَبَعَثَ بِهِ فَأَدْرَكَهُ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ فَمَنْ قَالَ نِيَّتُهُ فِي هَدْيِهِ وَتَجْلِيلِهِ وَتَقْلِيدِهِ وَإِعْلاَمِهِ أَيْ عَلاَمَاتِ الْحَجِّ أَعْلَمُهُ يُوجِبُهُ عَلَيْهِ كَانَ كَالْكَلاَمِ بِهِ وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلُ أَشْبَهَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْعَمَلِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ الْعَمَلِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآدَمِيِّينَ فَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ لِلْآدَمِيِّينَ إلَّا مَا تَكَلَّمَ بِهِ وَلَمْ يَلْزَمْهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ إلَّا مَا تَكَلَّمَ بِهِ مِمَّا يَكُون فِيهِ الْكَلاَمُ وَقَالَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَجْزِيهِ النِّيَّةُ وَالْعَمَلُ كَمَا تَجْزِيهِ فِي الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِفَرْضِ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ وَلاَ صَوْمٍ وَلاَ حَجٍّ إلَّا أَنَّهُ نَوَاهُ وَعَمِلَهُ، وَالْمَكِّيُّ يُهِلُّ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ أَوْ الْحِلُّ مِنْ مِيقَاتٍ أَوْ غَيْرِ مِيقَاتٍ ثُمَّ يَمْرَضُ أَوْ يَغْلِبُ عَلَى عَقْلِهِ أَوْ يَفُوتُهُ الْحَجُّ بِأَيِّ وَجْهٍ مَا كَانَ مِثْلَ الْغَرِيبِ لاَ يُزَايِلُهُ يَحِلُّ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ وَحَلْقٍ أَوْ تَقْصِيرٍ، وَيَكُونُ عَلَيْهِ حَجٌّ بَعْدَ حَجِّهِ الَّذِي فَاتَهُ وَأَنْ يَهْدِيَ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ شَاةً‏.‏

باب فوت الحج بلا حصر عدو ولا مرض ولا غلبة على العقل

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى‏:‏ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ لاَ بِحَصْرِ الْعَدُوِّ وَلاَ مَحْبُوسًا بِمَرَضٍ وَلاَ ذَهَابِ عَقْلٍ بِأَيِّ وَجْهٍ مَا فَاتَهُ مِنْ خَطَأِ عَدَدٍ أَوْ إبْطَاءٍ فِي مَسِيرِهِ أَوْ شَغْلٍ أَوْ تَوَانٍ فَسَوَاءٌ ذَلِكَ كُلُّهُ، وَالْمَرِيضُ وَالذَّاهِبُ الْعَقْلَ يَفُوتُهُ الْحَجَّ يَجِبُ عَلَى كُلٍّ الْفِدْيَةُ وَالْقَضَاءُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالْحِلاَقُ أَوْ التَّقْصِيرُ وَمَا وَجَبَ عَلَى بَعْضِهِمْ وَجَبَ عَلَى كُلٍّ، غَيْرَ أَنَّ الْمُتَوَانِي حَتَّى يَفُوتَهُ الْحَجُّ آثِمٌ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ مِنْ أَثَرٍ فِيمَا قُلْت‏؟‏ قُلْت نَعَمْ، فِي بَعْضِهِ وَغَيْرُهُ فِي مَعْنَاهُ‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ مَنْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ النَّحْرِ مِنْ الْحَاجِّ فَوَقَفَ بِحِيَالِ عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ عَرَفَةَ فَيَقِفُ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَلْيَأْتِ الْبَيْتَ فَلْيَطُفْ بِهِ سَبْعًا وَلْيَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا ثُمَّ لِيَحْلِقْ أَوْ يُقَصِّرْ إنْ شَاءَ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَنْحَرْهُ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ فَلْيَحْلِقْ أَوْ يُقَصِّرْ ثُمَّ لِيَرْجِعْ إلَى أَهْلِهِ، فَإِنْ أَدْرَكَهُ الْحَجُّ قَابِلاً فَلْيَحْجُجْ إنْ اسْتَطَاعَ وَلْيَهْدِ فِي حَجِّهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ خَرَجَ حَاجًّا حَتَّى إذَا كَانَ بِالْبَادِيَةِ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ أَضَلَّ رَوَاحِلَهُ وَأَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَوْم النَّحْرِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَهُ اصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الْمُعْتَمِرُ ثُمَّ قَدْ حَلَلْت فَإِذَا أَدْرَكَك الْحَجُّ قَابِلاً حُجَّ وَأَهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنْ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ جَاءَ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْحَرُ هَدْيَهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ اذْهَبْ فَطُفْ وَمَنْ مَعَك وَانْحَرُوا هَدْيًا إنْ كَانَ مَعَكُمْ ثُمَّ احْلِقُوا أَوْ قَصِّرُوا ثُمَّ ارْجِعُوا فَإِذَا كَانَ قَابِلٌ حُجُّوا وَأَهْدُوا ‏{‏فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ‏}‏‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ، وَفِي حَدِيثِ يَحْيَى عَنْ سُلَيْمَانَ دَلاَلَةٌ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَ مُعْتَمِرٍ لاَ أَنَّ إحْرَامَهُ عُمْرَةٌ وَإِنْ كَانَ الَّذِي يَفُوتُهُ الْحَجَّ قَارِنًا حَجَّ قَارِنًا وَقَرَنَ وَأَهْدَى هَدْيًا لِفَوْتِ الْحَجِّ وَهَدْيًا لِلْقِرَانِ وَلَوْ أَرَادَ الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ أَنْ يُقِيمَ إلَى قَابِلٍ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ فَهَذَا دَلاَلَةٌ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ لِأَحَدٍ أَنْ يَكُونَ مُهِلًّا بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ لِأَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ مَعْلُومَاتٌ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ‏}‏ فَأَشْبَهَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ حُظِرَ الْحَجُّ فِي غَيْرِهَا‏.‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَلِمَ لَمْ تَقُلْ أَنَّهُ يُقِيمُ مُهِلًّا بِالْحَجِّ إلَى قَابِلٍ‏؟‏ قِيلَ لِمَا وَصَفْت مِنْ الآيَةِ وَالْأَثَرِ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ وَمَا لاَ أَعْلَمُ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَفِي هَذَا دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ أَنْ يُقِيمَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ إلَى أَنْ يَحُجَّ قَابِلاً كَانَ عَلَيْهِ الْمُقَامُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ عَمَلٍ يَقْدِرُ عَلَى الْمُقَامِ فِيهِ حَتَّى يُكْمِلَهُ لِأَنَّا رَأَيْنَا كَذَلِكَ الْعُمْرَةَ وَكُلُّ صَلاَةٍ وَصَوْمٍ كَانَ لَهُ الْمُقَامُ فِيهَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ فِيهَا حَتَّى يُكْمِلَهَا إذَا كَانَتْ مِمَّا يَلْزَمُهُ بِكُلِّ حَالٍ وَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ وَبَعْضُ مَكِّيِّينَا فِي مَحْبُوسٍ عَنْ الْحَجِّ بِمَرَضٍ فَقَالُوا هُوَ وَالْمُحْصَرُ بَعْدُ وَلاَ يَفْتَرِقَانِ فِي شَيْءٍ وَقَالَ ذَلِكَ بَعْضُ مَنْ لَقِيت مِنْهُمْ وَقَالَ يَبْعَثُ الْمُحْصَرُ بِالْهَدْيِ وَيُوَاعِدُهُ الْمَبْعُوثُ بِالْهَدْيِ مَعَهُ يَوْمًا يَذْبَحُهُ فِيهِ عَنْهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَحْتَاطُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ بَعْدَ مَوْعِدِهِ ثُمَّ يَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ ثُمَّ يَحِلُّ وَيَعُودُ إلَى بَلَدِهِ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ إحْرَامِهِ الَّذِي فَاتَهُ وَقَالَ بَعْضُ مَكِّيِّينَا كَمَا فَاتَهُ لاَ يَزِيدُ عَلَيْهِ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ بَلْ إنْ كَانَ مُهِلًّا بِحَجٍّ قَضَى حَجًّا وَعُمْرَةً لِأَنَّ إحْرَامَهُ بِالْحَجِّ صَارَ عُمْرَةً وَأَحْسَبُهُ قَالَ‏:‏ فَإِنْ كَانَ قَارِنًا فَحَجًّا وَعُمْرَتَيْنِ لِأَنَّ حَجَّهُ صَارَ عُمْرَةً‏.‏ وَإِنْ كَانَ مُهِلًّا بِعُمْرَةٍ قَضَى عُمْرَةً وَقَالَ لِي بَعْضُ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ‏:‏ لاَ نُخَالِفُك فِي أَنَّ آيَةَ الْإِحْصَارِ نَزَلَتْ فِي الْحُدَيْبِيَةِ وَأَنَّهُ إحْصَارُ عَدُوٍّ، أَفَرَأَيْت إذْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمُحْصَرِ بِمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ‏؟‏ ثُمَّ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذَّبْحَ وَالْإِحْلاَلَ كَيْفَ لَمْ تَجْعَلْ الْمُحْصَرَ بِالْمَرَضِ قِيَاسًا عَلَى الْمُحْصَرِ بِالْعَدُوِّ أَنْ تَحْكُمَ لَهُ حُكْمَك لَهُ‏؟‏ فَقُلْت لَهُ الْأَصْلُ عَلَى الْفَرْضِ إتْمَامُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لِلَّهِ وَالرُّخْصَةِ فِي الْإِحْلاَلِ لِلْمُحْصَرِ بِعَدُوٍّ فَقُلْنَا فِي كُلٍّ بِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَمْ نَعْدُ بِالرُّخْصَةِ مَوْضِعَهَا كَمَا لَمْ نَعْدُ بِالرُّخْصَةِ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَلَمْ نَجْعَلْ عِمَامَةً وَلاَ قُفَّازَيْنِ قِيَاسًا عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَ فَهَلْ يَفْتَرِقُ الْحِصَارُ بِالْعَدُوِّ وَالْمَرَضِ‏؟‏ قُلْت‏:‏ نَعَمْ، قَالَ وَأَيْنَ‏؟‏ قُلْت الْمُحْصَرُ بِعَدُوٍّ خَائِفٌ الْقَتْلَ عَلَى نَفْسِهِ إنْ أَقْدَمَ عَلَيْهِ وَغَيْرُ عَالِمٍ بِمَا يَصِيرُ إلَيْهِ مِنْهُ إذَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ وَقَدْ رَخَّصَ لِمَنْ لَقِيَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَتَحَرَّفَ لِلْقِتَالِ أَوْ يَتَحَيَّزَ إلَى فِئَةٍ فَإِذَا فَارَقَ الْمُحْصَرُ مَوْضِعَهُ رَاجِعًا صَارَ إلَى حَالٍ أَحْسَنَ مِنْ حَالِهِ فِي التَّقَدُّمِ وَالْمُقَامِ لِمُزَايِلَةِ الْخَوْفِ إلَى الْأَمْنِ وَالْمَرِيضُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي، لاَ هُوَ خَائِفٌ بَشَرًا وَلاَ صَائِرٌ بِالرُّجُوعِ إلَى أَمْنٍ بَعْدَ خَوْفٍ وَلاَ حَالٌ يَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَّا رَجَاءَ الْبِرِّ وَاَلَّذِي يَرْجُوهُ فِي تَقَدُّمِهِ رَجَاؤُهُ فِي رُجُوعِهِ وَمُقَامِهِ حَتَّى يَكُونَ الْحَالُ بِهِ مُعْتَدِلاً لَهُ فِي الْمُقَامِ وَالتَّقَدُّمِ إلَى الْبَيْتِ وَالرُّجُوعِ، فَالْمَرِيضُ أَوْلَى أَنْ لاَ يُقَاسَ عَلَى الْمُحْصَرِ بِعَدُوٍّ، مِنْ الْعِمَامَةِ وَالْقُفَّازَيْنِ وَالْبُرْقُعِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَلَوْ جَازَ أَنْ يَجْهَلَ مَا وَصَفْنَا مِنْ الْأَصْلِ فِي إتْمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَأَنَّ الْمُسْتَثْنَى الْمُحْصَرُ بِعَدُوٍّ فَقُلْنَا الْحَبْسُ مَا كَانَ كَالْعَدُوِّ جَازَ لَنَا لَوْ ضَلَّ رَجُلٌ طَرِيقًا أَوْ أَخْطَأَ عَدَدًا حَتَّى يَفُوتَهُ الْحَجُّ أَنْ يَحِلَّ فَقَالَ بَعْضُهُمْ، إنَّا إنَّمَا اعْتَمَدْنَا فِي هَذَا عَلَى الشَّيْءِ رَوَيْنَاهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَبِهِ قُلْنَا‏.‏ قُلْتُ لَوْ لَمْ يُخَالِفْهُ وَاحِدٌ مِمَّنْ سَمَّيْنَا إنَّا قُلْنَا بِقَوْلِهِ أَمَا كُنْتَ مَحْجُوجًا بِهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ وَمِنْ أَيْنَ‏؟‏ قُلْتُ أَلَسْنَا وَإِيَّاكُمْ نَزْعُمُ أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَوْ اخْتَلَفَا فَكَانَ قَوْلُ أَحَدِهِمَا أَشْبَهَ بِالْقُرْآنِ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَصِيرَ إلَى أَشْبَهِ الْقَوْلَيْنِ بِالْقُرْآنِ فَقَوْلُنَا أَشْبَهُ بِالْقُرْآنِ بِمَا وَصَفْتُ لَك، أَوْ رَأَيْتَ لَوْ لَمْ نَسْتَدِلَّ عَلَى قَوْلِنَا وَقَوْلِك بِالْقُرْآنِ وَكَانَ قَوْلُنَا أَصَحَّ فِي الِابْتِدَاءِ وَالْمُتَعَقَّبِ مِنْ قَوْلِك أَكَانَ قَوْلُنَا أَوْلَى أَنْ يُذْهَبَ إلَيْهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَلَى، إنْ كَانَ كَمَا تَقُولُ قُلْت‏:‏ فَهُوَ كَمَا أَقُولُ وَمَعَنَا ثَلاَثَةٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَثَلاَثَةٌ أَكْثَرُ عَدَدًا مِنْ وَاحِدٍ، قَالَ فَأَيْنَ هُوَ أَصَحُّ‏؟‏ قُلْتُ أَرَأَيْت إذَا مَرِضَ فَأَمَرْتَهُ أَنْ يَبْعَثَ بِهَدْيٍ وَيُوَاعِدَهُ يَوْمًا يَذْبَحُ فِيهِ عَنْهُ الْهَدْيَ ثُمَّ يَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ وَيَحِلُّ أَلَسْتَ قَدْ أَمَرْتَهُ بِأَنْ يَحِلَّ وَأَنْتَ لاَ تَدْرِي لَعَلَّ الْهَدْيَ لَمْ يَبْلُغْ مَحِلَّهُ وَأَنْتَ تَعِيبُ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَأْمُرُوا أَحَدًا بِالْخُرُوجِ مِنْ شَيْءٍ لَزِمَهُمْ بِالظُّنُونِ‏؟‏ قَالَ فَإِنَّا لاَ نَقُولُ بِظَنٍّ وَلَكِنْ بِالظَّاهِرِ قُلْت‏:‏ الظَّاهِرُ فِي هَذَا ظَنٌّ، وَلَوْ خَرَجَ الظَّاهِرُ فِي هَذَا مِنْ أَنْ يَكُونَ ظَنًّا كُنْتَ أَيْضًا مُتَنَاقِضَ الْقَوْلِ فِيهِ قَالَ وَمِنْ أَيْنَ‏؟‏ قُلْتُ إذَا كَانَ الْحُكْمُ فِي أَمْرِكَ الْمَرِيضَ بِالْإِحْلاَلِ بِالْمَوْعِدِ بِذَبْحِ الْهَدْيِ وَكَانَ الظَّاهِرُ عِنْدَك أَنَّهُ قَدْ حَلَّ بِهَذِهِ الْمُدَّةِ فَكَيْفَ زَعَمْتَ أَنَّهُ إنْ بَلَغَهُ أَنَّ الْهَدْيَ عَطِبَ أَوْ ضَلَّ أَوْ سُرِقَ وَقَدْ أَمَرْتَهُ بِالْإِحْلاَلِ فَحَلَّ وَجَامَعَ وَصَادَ‏.‏

قال‏:‏ يَكُونُ عَلَيْهِ جَزَاءُ الصَّيْدِ وَالْفِدْيَةُ وَيَعُودُ حَرَامًا كَمَا كَانَ قُلْتُ وَهَكَذَا لَوْ بَعَثَ الْهَدْيَ عِشْرِينَ مَرَّةً وَأَصَابَهُ مِثْلُ هَذَا قَالَ‏؟‏ نَعَمْ، قُلْتُ أَفْلَسْتَ قَدْ أَبَحْتَ لَهُ الْإِحْلاَلَ ثُمَّ جَعَلْتَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةَ فِيمَا أَبَحْتَ لَهُ وَالْفَسَادَ فِيهِ وَجَعَلْتَهُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ حَلاَلاً أَيَّامًا وَحَرَامًا أَيَّامًا‏؟‏ فَأَيُّ قَوْلٍ أَشَدُّ تَنَاقُضًا وَأَوْلَى أَنْ يُتْرَكَ مِنْ هَذَا‏؟‏ وَأَيُّ شَيْءٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلٍ أَوْلَى أَنْ تَرُدَّهُ الْعُقُولُ مِنْ هَذَا‏؟‏ وَقَالَ أَيْضًا فِي الرَّجُلِ تَفُوتُهُ عَرَفَةَ وَيَأْتِي يَوْمُ النَّحْرِ فَقَالَ كَمَا قُلْنَا يَطُوفُ وَيَسْعَى وَيَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ وَعَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ ثُمَّ خَالَفَنَا فَقَالَ لاَ هَدْيَ عَلَيْهِ وَرَوَى فِيهِ حَدِيثًا عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَمْرٌ بِالْهَدْيِ قَالَ وَسَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِعِشْرِينَ سَنَةً فَقَالَ كَمَا قَالَ عُمَرُ‏:‏ وَقَالَ قَدْ رَوَيْنَا هَذَا عَنْ عُمَرَ‏.‏

قال‏:‏ فَإِلَى قَوْلِ مَنْ ذَهَبْتُمْ‏؟‏ فَقُلْتُ رَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ مِثْلَ قَوْلِنَا مَنْ أَمَرَهُ بِالْهَدْيِ‏.‏ قَالَ رَوَيْتُمُوهُ مُنْقَطِعًا وَحَدِيثُنَا مُتَّصِلٌ قُلْنَا فَحَدِيثُك الْمُتَّصِلُ يُوَافِقُ حَدِيثَنَا عَنْ عُمَرَ وَيَزِيدُ عَلَيْهِ الْهَدْيَ، وَاَلَّذِي يَزِيدُ فِي الْحَدِيثِ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنْ الَّذِي لَمْ يَأْتِ بِالزِّيَادَةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَك قَالَ لاَ أُثْبِتُهُ لَك بِالْحَالِ عَنْ عُمَرَ مُنْقَطِعًا فَهَلْ تَرْوِيه عَنْ غَيْرِ عُمَرَ‏؟‏ قُلْنَا‏:‏ نَعَمْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ كَمَا قُلْنَا مُتَّصِلاً قَالَ فَكَيْفَ اخْتَرْتَ مَا رَوَيْتَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَلَى مَا رَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ‏؟‏ قُلْنَا رَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ مِثْلَ رِوَايَتِنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِلاً قَالَ أَفَذَهَبْتَ فِيمَا اخْتَرْت مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ إلَى شَيْءٍ غَيْرِ تَقْلِيدِ ابْنِ عُمَرَ فَيَكُونُ لَنَا تَقْلِيدُ عُمَرَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ‏؟‏ فَقُلْتُ لَهُ‏:‏ نَعَمْ ذَهَبْتَ إلَى مَا يَلْزَمُك أَنْتَ خَاصَّةً أَكْثَرَ مِمَّا يَلْزَمُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونَ عَلَيْكَ تَرْكُ قَوْلِكَ لِقَوْلِنَا قَالَ وَأَيْنَ‏؟‏ قُلْت لَهُ زَعَمْت أَنَّ الْحَائِضَ إذَا لَمْ تَطْهُرْ إلَى عَرَفَةَ وَهِيَ مُعْتَمِرَةٌ رَفَضَتْ الْعُمْرَةَ وَأَهَلَّتْ بِالْحَجِّ وأهراقت لِرَفْضِ الْعُمْرَةِ دَمًا وَكَانَ عَلَيْهَا قَضَاؤُهَا ثُمَّ قُلْتُمْ هَذَا فِيمَنْ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ مِنْ الرِّجَالِ الْمُعْتَمِرِينَ قَالَ قَدْ قُلْتُهُ فِي الْحَائِضِ وَفِيمَنْ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ مِنْ الرِّجَالِ الْمُعْتَمِرِينَ ثُمَّ شَكَكْتُ فِي الرِّجَالِ الْمُعْتَمِرِينَ وَأَنَا ثَابِتٌ عَلَى الْحَائِضِ بِمَا رَوَيْنَا فِيهَا فَقُلْت لَهُ وَلِمَ شَكَكْت هَلْ كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَهْرِيقَ دَمًا عِنْدَك إلَّا لِفَوْتِ الْعُمْرَةِ‏؟‏ قَالَ فَإِنْ قُلْت لَيْسَ لِفَوْتِ الْعُمْرَةِ‏؟‏ قُلْتُ فَقُلْ مَا شِئْتَ قَالَ لِخُرُوجِهَا مِنْ الْعُمْرَةِ بِلاَ فَوْتٍ لِأَنَّهَا لَوْ شَاءَتْ أَقَامَتْ عَلَى الْعُمْرَةِ قُلْتُ فَمَا تَقُولُ إنْ لَمْ يُرْهِقْهَا الْحَجُّ فَأَرَادَتْ الْخُرُوجَ مِنْ الْعُمْرَةِ بِدَمٍ تَهْرِيقُهُ ثُمَّ تَحُجُّ وَتَقْضِي الْعُمْرَةَ‏؟‏ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهَا، قُلْت فَهَلْ أَمَرْتَهَا بِالْخُرُوجِ مِنْ الْعُمْرَةِ إلَّا بِفَوْتِهَا عِنْدَك وَهِيَ لَوْ أَقَامَتْ عَلَى الْعُمْرَةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا شَيْءٌ وَالْحَاجُّ عِنْدَك إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْمُقَامُ عَلَى الْحَجِّ وَكَانَ قَدْ خَرَجَ مِنْهُ قَبْلُ يُكْمِلُهُ كَمَا خَرَجَتْ الْحَائِضُ مِنْ الْعُمْرَةِ قَبْلَ تُكْمِلُهَا فَلِمَ جَعَلْتَ عَلَى الْحَائِضِ دَمًا لِخُرُوجِهَا قَبْلَ إكْمَالِ الْإِحْرَامِ الَّذِي لَزِمَهَا وَلَمْ تَجْعَلْ ذَلِكَ عَلَى الْحَاجِّ وَقَدْ خَرَجَ مِنْهُ قَبْلَ إكْمَالِ الْإِحْرَامِ الَّذِي لَزِمَهُ وَاجْتَمَعَا فِي هَذَا الْمَعْنَى وَفِي أَنَّهُمَا يَقْضِيَانِ مَا خَرَجَا مِنْهُ فَكَيْفَ فَرَّقْت بَيْنَهُمَا فِي الدَّمِ‏؟‏ وَقُلْتُمْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ إنَّ رَجُلاً لَوْ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمٌ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَنَسِيَهُ إلَى أَنْ يَأْتِيَ رَمَضَانُ آخَرُ فَصَامَهُ أَنَّهُ يَصُومُ بَعْدَهُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الشَّهْرِ لِرَمَضَانَ الَّذِي نَسِيَ وَيَتَصَدَّقُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ عَلَى مِسْكِينٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالصَّوْمِ فِي مَوْضِعِهِ، فَالْحَاجُّ يَفُوتُهُ الْحَجُّ فِي مِثْلِ مَعْنَاهُ وَأَوْلَى أَنْ تَقُولُوا بِهِ فِيهِ وَخَالَفَنَا أَيْضًا فَقَالَ إنْ كَانَ الَّذِي فَاتَهُ الْحَجُّ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ فَعَلَيْهِ حَجّ وَعُمْرَةٌ وَإِنْ كَانَ قَارِنًا فَعَلَيْهِ حَجٌّ وَعُمْرَتَانِ فَقُلْتُ لَهُ أَقَلْتَ هَذَا خَبَرًا أَمْ قِيَاسًا‏؟‏ فَلَمْ يَذْكُرْ خَبَرًا نَرَاهُ وَلاَ عِنْدَهُ هُوَ إذَا أَنْصَفَ حُجَّةً قَالَ قِيَاسًا، قُلْنَا فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ قِسْتَهُ‏؟‏ قَالَ إنَّ عُمَرَ قَالَ اعْمَلْ مَا يَعْمَلُ الْمُعْتَمِرُ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ حَجَّهُ صَارَ عُمْرَةً فَقُلْتُ لَهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ يَخْرُجُ مِنْ الْإِحْرَامِ إلَّا بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ فِي حَجٍّ كَانَ أَوْ عُمْرَةٍ وَكَانَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ كَمَالَ مَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ الْعُمْرَةِ، وَعَرَفَةَ وَالْجِمَارِ وَمِنًى وَالطَّوَافُ كَمَالُ مَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ الْحَجِّ، فَكَانَ إذَا فَاتَتْهُ عَرَفَةُ لاَ حَجَّ لَهُ وَلاَ عَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ فَقِيلَ اُخْرُجْ بِأَقَلَّ مَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ الْإِحْرَامِ وَذَلِكَ عَمَلُ مُعْتَمِرٍ لاَ أَنَّ حَجَّهُ صَارَ عُمْرَةً أَرَأَيْت لَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ وَاجِبَةٌ فَنَوَى بِهَذَا الْحَجَّ عُمْرَةً فَفَاتَتْهُ أَيَقْضِي الْعُمْرَةَ الْوَاجِبَةَ عَنْهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ‏.‏ لِأَنَّهُ عَقَدَهُ حَجًّا قُلْت فَإِذَا عَقَدَهُ حَجًّا لَمْ يَصِرْ عِنْدَك عُمْرَةً تَجْزِي عَنْهُ‏؟‏ قَالَ لاَ‏.‏ فَقُلْت فَمِنْ أَيْنَ زَعَمْتَ أَنَّهُ عُمْرَةٌ وَهُوَ لاَ يَجْزِي عَنْهُ مِنْ عُمْرَةٍ وَاجِبَةٍ وَلَوْ ابْتَدَأَ بِإِحْرَامِهِ ابْتَدَأَ الْعُمْرَةَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِ‏؟‏ وَقُلْتُ لَهُ وَلَوْ كَانَ صَارَ عُمْرَةً كَانَ أَبْعَدَ لِقَوْلِك أَنْ لاَ تَقُولَ عَلَيْهِ حَجٌّ وَلاَ عُمْرَةٌ لِأَنَّهُ قَدْ قَضَى الْعُمْرَةَ وَإِنَّمَا فَاتَهُ الْحَجُّ فَلاَ يَكُونُ عَلَيْهِ حَجٌّ وَعُمْرَةٌ فَقَالَ إنَّمَا قُلْته لِأَنَّ الْحَجَّ تَحَوَّلَ عُمْرَةً فَفَاتَهُ لَمَّا فَاتَهُ الْحَجُّ فَقُلْتُ لَهُ‏:‏ مَا أَعْلَمُكَ تُورِدُ حُجَّةً إلَّا كَانَتْ عَلَيْك أَرَأَيْتَ إحْرَامَهُ بِالْحَجِّ مَتَى صَارَ عُمْرَةً‏؟‏ قَالَ بَعْدَ عَرَفَةَ، قُلْت فَلَوْ ابْتَدَأَ الْإِحْرَامَ بَعْدَ عَرَفَةَ بِعُمْرَةٍ أَيَكُونُ غَيْرَ مُحْرِمٍ بِهَا أَوْ مُحْرِمًا يَجْزِيه الْعَمَلُ عَنْهَا وَلاَ يَقْضِيهَا‏؟‏ قَالَ فَنَقُولُ مَاذَا‏؟‏ قُلْتُ أَيُّهُمَا قُلْتَ فَقَدْ لَزِمَك تَرْكُ مَا احْتَجَجْتَ بِهِ قَالَ فَدَعْ هَذَا قُلْتُ أَقَاوِيلُك مُتَبَايِنَةٌ قَالَ وَكَيْفَ‏؟‏ قُلْتُ رَوَيْتَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَمَرَ مَنْ فَاتَهُ الْحَجَّ يَطُوفُ وَيَسْعَى وَيُقَصِّرُ أَوْ يَحْلِقُ وَيَحُجُّ قَابِلاً وَقُلْت لَهُ كَانَ عَلَيْهِ هَدْيٌ أَمَرَهُ بِهِ، وَرَدَتْ رِوَايَتُنَا عَنْهُ أَنَّهُ أَمَرَ بِالْهَدْيِ، فَإِنْ قُلْتَ هِيَ مَقْطُوعَةٌ فَكَيْفَ إذَا كَانَ فِي رِوَايَتِكَ عَنْهُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِحَجٍّ قَابِلٍ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِعُمْرَةٍ، فَلِمَ لاَ تَقُولُ‏:‏ لاَ عُمْرَةَ عَلَيْهِ اتِّبَاعًا لِقَوْلِ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَرِوَايَتِنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ‏؟‏ مَا أَعْلَمُك إلَّا قَصَدْتَ قَصْدَ خِلاَفِهِمْ مَعًا ثُمَّ خَالَفْتَهُمْ بِمُحَالٍ فَقُلْتَ لِرَجُلٍ فَاتَهُ الْحَجُّ‏:‏ عَلَيْك عُمْرَةٌ وَحَجٌّ وَهَلْ رَأَيْت أَحَدًا قَطُّ فَاتَهُ شَيْءٌ فَكَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ وَآخَرُ مَعَهُ‏؟‏ وَالْآخَرُ لَيْسَ الَّذِي فَاتَهُ لِأَنَّ الْحَجَّ لَيْسَ عُمْرَةٌ وَالْعُمْرَةُ لَيْسَتْ بِحَجٍّ‏.‏

باب هدي الذي يفوته الحج

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى‏:‏ فِي الْمُحْصَرِ بِعَدُوٍّ يَسُوقُ هَدْيًا وَاجِبًا أَوْ هَدْيَ تَطَوُّعٍ، يَنْحَرُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَيْثُ أُحْصِرَ وَلاَ يَجْزِي وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَنْهُ مِنْ هَدْيِ الْإِحْصَارِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ بِوُجُوبِهِ وَالتَّطَوُّعُ بِإِيجَابِهِ، قَبْلَ أَنْ يَلْزَمَهُ هَدْيُ الْإِحْصَارِ، فَإِذَا أُحْصِرَ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ سِوَاهُمَا يَحِلُّ بِهِ، فَأَمَّا مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلاَ يَجْزِيهِ الْهَدْيُ حَتَّى يَبْلُغَ الْحَرَمَ‏.‏

باب الغسل لدخول مكة

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ وَإِذَا اغْتَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْفَتْحِ لِدُخُولِ مَكَّةَ وَهُوَ حَلاَلٌ يُصِيبُ الطِّيبَ فَلاَ أَرَاهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَرَكَ الِاغْتِسَالَ لِيَدْخُلَهَا حَرَامًا وَهُوَ فِي الْحَرَمِ لاَ يُصِيبُ الطِّيبَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ وَأُحِبُّ الْغُسْلَ لِدُخُولِ مَكَّةَ وَإِنْ تَرَكَهُ تَارِكٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ فِدْيَةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْغُسْلِ الْوَاجِبِ‏.‏

باب القول عند رؤية البيت

أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ ‏(‏أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إذَا رَأَى الْبَيْتَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً وَزِدْ مِنْ شَرَفِهِ وَكَرَمِهِ مِمَّنْ حَجَّهُ أَوْ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَتَعْظِيمًا وَبِرًّا‏)‏ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ حَدَّثْت عَنْ مِقْسَمٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ ‏(‏تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي الصَّلاَةِ وَإِذَا رَأَى الْبَيْتَ وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَعَشِيَّةَ عَرَفَةَ وَبِجُمْعٍ وَعِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ وَعَلَى الْمَيِّتِ‏)‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ حِينَ يَنْظُرُ إلَى الْبَيْتِ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْك السَّلاَمُ فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلاَمِ‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ فَأَسْتَحِبُّ لِلرَّجُلِ إذَا رَأَى الْبَيْتَ أَنْ يَقُولَ مَا حَكَيْتُ وَمَا قَالَ مِنْ حَسَنٍ أَجْزَأَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

باب ما جاء في تعجيل الطواف بالبيت حين يدخل مكة

أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ ‏(‏لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ لَمْ يَلْوِ وَلَمْ يَعْرُجْ‏)‏‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ رحمه الله لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ لَوَى لِشَيْءٍ وَلاَ عَرَجَ فِي حَجَّتِهِ هَذِهِ وَلاَ عُمْرَتِهِ كُلِّهَا حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَلاَ صَنَعَ شَيْئًا حِينَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ لاَ رَكَعَ وَلاَ صَنَعَ غَيْرَ ذَلِكَ حَتَّى بَدَأَ بِالْبَيْتِ فَطَافَ هَذَا أَجْمَعُ فِي حَجِّهِ وَفِي عُمْرَتِهِ كُلِّهَا أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ قَالَ عَطَاءٌ فِيمَنْ قَدِمَ مُعْتَمِرًا فَقَدِمَ الْمَسْجِدَ لاََنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ فَلاَ يُمْنَعُ الطَّوَافَ وَلاَ يُصَلِّي تَطَوُّعًا حَتَّى يَطُوفَ، وَإِنْ وَجَدَ النَّاسَ فِي الْمَكْتُوبَةِ فَلْيُصَلِّ مَعَهُمْ وَلاَ أُحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهَا شَيْئًا حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ‏.‏ وَإِنْ جَاءَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَلاَ يَجْلِسُ وَلاَ يَنْتَظِرُهَا وَلْيَطُفْ فَإِنْ قَطَعَ الْإِمَامُ طَوَافَهُ فَلْيُتِمَّ بَعْدُ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ قُلْتُ لِعَطَاءٍ‏:‏ أَلاَ أَرْكَعُ قَبْلَ تِلْكَ الْمَكْتُوبَةِ إنْ لَمْ أَكُنْ رَكَعْت رَكْعَتَيْنِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ، إلَّا رَكْعَتَيْ الصُّبْحِ إنْ لَمْ تَكُنْ رَكْعَتَهُمَا فَارْكَعْهُمَا ثُمَّ طُفْ لِأَنَّهُمَا أَعْظَمُ شَأْنًا مِنْ غَيْرِهِمَا، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَطَاءٍ‏:‏ الْمَرْأَةُ تَقْدَمُ نَهَارًا‏؟‏ قَالَ مَا أُبَالِي إنْ كَانَتْ مَسْتُورَةً أَنْ تَقْدَمَ نَهَارًا‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ وَبِمَا قَالَ عَطَاءٌ كُلُّهُ آخُذُ لِمُوَافَقَتِهِ السُّنَّةَ فَلاَ أُحِبُّ لِأَحَدٍ قَدَرَ عَلَى الطَّوَافِ أَنْ يَبْدَأَ بِشَيْءٍ قَبْلَ الطَّوَافِ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَسِيَ مَكْتُوبَةً فَيُصَلِّيَهَا أَوْ يَقْدَمَ فِي آخِرِ مَكْتُوبَةٍ فَيَخَافُ فَوْتَهَا فَيَبْدَأُ بِصَلاَتِهَا أَوْ خَافَ فَوْتَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَيَبْدَأُ بِهِمَا أَوْ نَسِيَ الْوِتْرَ فَلْيَبْدَأْ بِهِ ثُمَّ يَطُوفُ فَإِذَا جَاءَ وَقَدْ مُنِعَ النَّاسُ الطَّوَافَ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ إذَا مُنِعَ الطَّوَافُ، فَإِنْ جَاءَ وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ بَدَأَ بِالصَّلاَةِ، فَإِنْ جَاءَ وَقَدْ تَقَارَبَتْ إقَامَةُ الصَّلاَةِ بَدَأَ بِالصَّلاَةِ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِيمَا أَحْبَبْتُ مِنْ التَّعْجِيلِ حِينَ يَقْدَمُونَ لَيْلاً سَوَاءٌ وَكَذَلِكَ هُمْ إذَا قَدِمُوا نَهَارًا إلَّا امْرَأَةً لَهَا شَبَابٌ وَمَنْظَرٌ فَإِنِّي أُحِبُّ لِتِلْكَ تُؤَخِّرُ الطَّوَافَ حَتَّى اللَّيْلِ لِيَسْتُرَ اللَّيْلُ مِنْهَا‏.‏

باب من أين يبدأ بالطواف‏؟‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ رَآهُ بَدَأَ فَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ ثُمَّ أَخَذَ عَنْ يَمِينِهِ فَرَمَلَ ثَلاَثَةَ أَطَوَافً وَمَشَى أَرْبَعَةً ثُمَّ أَتَى الْمَقَامَ فَصَلَّى خَلْفَهُ رَكْعَتَيْنِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ يُلَبِّي الْمُعْتَمِرُ حِينَ يَفْتَتِحُ الطَّوَافَ مُسْتَلِمًا أَوْ غَيْرَ مُسْتَلِمٍ‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ لاَ اخْتِلاَفَ أَنَّ حَدَّ مَدْخَلِ الطَّوَافِ مِنْ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ وَأَنَّ إكْمَالَ الطَّوَافِ إلَيْهِ، وَأُحِبُّ اسْتِلاَمَهُ حِينَ يَدْخُلُ الرَّجُلُ الطَّوَافَ فَإِنْ دَخَلَ الطَّوَافَ فِي مَوْضِعٍ فَلَمْ يُحَاذِ بِالرُّكْنِ لَمْ يَعْتَدَّ بِذَلِكَ الطَّوَافِ وَإِنْ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ بِيَدِهِ مِنْ مَوْضِعٍ فَلَمْ يُحَاذِ الرُّكْنَ لَمْ يَعْتَدَّ بِذَلِكَ الطَّوَافِ بِحَالٍ، لِأَنَّ الطَّوَافَ عَلَى الْبَدَنِ كُلِّهِ لاَ عَلَى بَعْضِ الْبَدَنِ دُونَ بَعْضٍ، وَإِذَا حَاذَى الشَّيْءَ مِنْ الرُّكْنِ بِبَدَنِهِ كُلِّهِ اعْتَدَّ بِذَلِكَ الطَّوَافِ وَكَذَلِكَ إذَا حَاذَى بِشَيْءٍ مِنْ الرُّكْنِ فِي السَّابِعِ فَقَدْ أَكْمَلَ الطَّوَافَ، وَإِنْ قَطَعَهُ قَبْلَ أَنْ يُحَاذِي بِشَيْءٍ مِنْ الرُّكْنِ وَإِنْ اسْتَلَمَهُ، فَلَمْ يُكْمِلْ ذَلِكَ الطَّوَافَ‏.‏

باب ما يقال عند استلام الركن

أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أُخْبِرْتُ ‏(‏أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نَقُولُ إذَا اسْتَلَمْنَا الْحَجَرَ‏؟‏ قَالَ قُولُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ إيمَانًا بِاَللَّهِ وَتَصْدِيقًا بِمَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-‏)‏‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ رحمه الله هَكَذَا أُحِبُّ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ وَيَقُولُ كُلَّمَا حَاذَى الرُّكْنَ بَعْدُ ‏"‏ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ ‏"‏ وَمَا ذَكَرَ اللَّهَ بِهِ وَصَلَّى عَلَى رَسُولِهِ فَحَسَنٌ‏.‏

باب ما يفتتح به الطواف وما يستلم من الأركان

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ وَأُحِبُّ أَنْ يَفْتَتِحَ الطَّائِفُ الطَّوَافَ بِالِاسْتِلاَمِ، وَأُحِبُّ أَنْ يُقَبِّلَ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ وَإِنْ اسْتَلَمَهُ بِيَدِهِ قَبَّلَ يَدَهُ وَأُحِبُّ أَنْ يَسْتَلِمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ بِيَدِهِ وَيُقَبِّلَهَا وَلاَ يُقَبِّلُهُ لِأَنِّي لَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا رَوَى عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَبَّلَ إلَّا الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَإِنْ قَبَّلَهُ فَلاَ بَأْسَ بِهِ، وَلاَ آمُرُهُ بِاسْتِلاَمِ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَلَوْ اسْتَلَمَهُمَا أَوْ مَا بَيْنَ الْأَرْكَانِ مِنْ الْبَيْتِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ وَلاَ فِدْيَةٌ إلَّا أَنِّي أُحِبُّ أَنْ يُقْتَدَى بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ وَرُوِيَ ‏(‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبَّلَ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ‏)‏ فَكَذَلِكَ أُحِبُّ، وَيَجُوزُ اسْتِلاَمُهُ بِلاَ تَقْبِيلٍ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَلَمَهُ وَاسْتِلاَمُهُ دُونَ تَقْبِيلِهِ، أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ رَأَيْت ابْنَ عَبَّاسٍ جَاءَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ مُسَبِّدًا رَأْسَهُ فَقَبَّلَ الرُّكْنَ ثُمَّ سَجَدَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَبَّلَهُ ثُمَّ سَجَدَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَبَّلَهُ ثُمَّ سَجَدَ عَلَيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ إلَّا أَنْ يَرَاهُ خَالِيًا، قَالَ وَكَانَ إذَا اسْتَلَمَهُ قَبَّلَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ وَسَجَدَ عَلَيْهِ عَلَى أَثَرِ كُلِّ تَقْبِيلَةٍ‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ وَأَنَا أُحِبُّ إذَا أَمْكَنَنِي مَا صَنَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ السُّجُودِ عَلَى الرُّكْنِ لِأَنَّهُ تَقْبِيلٌ وَزِيَادَةُ سُجُودٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِذَا اسْتَلَمَهُ لَمْ يَدَعْ تَقْبِيلَهُ وَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ تَارِكٌ فَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ قُلْت لِعَطَاءٍ‏:‏ هَلْ رَأَيْت أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذَا اسْتَلَمُوا قَبَّلُوا أَيْدِيَهُمْ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ رَأَيْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ وَأَبَا هُرَيْرَةَ إذَا اسْتَلَمُوا قَبَّلُوا أَيْدِيَهُمْ قُلْت وَابْنُ عَبَّاسٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ حَسِبْت كَثِيرًا قُلْت‏:‏ هَلْ تَدَعُ أَنْتَ إذَا اسْتَلَمْت أَنْ تُقَبِّلَ يَدَك‏؟‏ قَالَ فَلِمَ أَسْتَلِمْهُ إذًا‏؟‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ وَإِذَا تَرَكَ اسْتِلاَمَ الرُّكْنِ لَمْ أُحِبَّ ذَلِكَ لَهُ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ نَافِعٍ قَالَ‏:‏ طُفْتُ مَعَ طَاوُسٍ فَلَمْ يَسْتَلِمْ شَيْئًا مِنْ الْأَرْكَان حَتَّى فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ‏.‏

الركنان اللذان يليان الحجر

أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ‏:‏ ‏(‏أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَمْسَحُ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا وَيَقُولُ‏:‏ لاَ يَنْبَغِي لِبَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْهُ مَهْجُورًا‏)‏، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ‏}‏‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ الَّذِي فَعَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَحَبُّ إلَيَّ لِأَنَّهُ كَانَ يَرْوِيهِ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ رَوَاهُ عُمَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَيْسَ تَرْكُ اسْتِلاَمِ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنْهُمَا مَهْجُورًا، وَكَيْفَ يُهْجَرُ مَا يُطَافُ بِهِ‏؟‏ وَلَوْ كَانَ تَرْكُ اسْتِلاَمِهِمَا هِجْرَانًا لَهُمَا لَكَانَ تَرْكُ اسْتِلاَمِ مَا بَيْنَ الْأَرْكَانِ هِجْرَانًا لَهَا‏.‏

باب استحباب الاستلام في الوتر

أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَكَادُ أَنْ يَدَعَ أَنْ يَسْتَلِمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَالْحَجَرَ فِي كُلِّ وِتْرٍ مِنْ طَوَافِهِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ اسْتَلِمُوا هَذَا لَنَا خَامِسٌ‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ أُحِبُّ الِاسْتِلاَمَ فِي كُلِّ وِتْرٍ أَكْثَرُ مِمَّا أَسْتَحِبُّ فِي كُلِّ شَفْعٍ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ زِحَامٌ أَحْبَبْت الِاسْتِلاَمَ فِي كُلِّ طَوَافٍ‏.‏

الاستلام في الزحام

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى‏:‏ وَأُحِبُّ الِاسْتِلاَمَ حِينَ أَبْتَدِئُ بِالطَّوَافِ بِكُلِّ حَالٍ وَأُحِبُّ أَنْ يَسْتَلِمَ الرَّجُلُ إذَا لَمْ يُؤْذِ وَلَمْ يُؤْذَ بِالزِّحَامِ وَيَدَعُ إذَا أُوذِيَ أَوْ آذَى بِالزِّحَامِ وَلاَ أُحِبُّ الزِّحَامَ إلَّا فِي بَدْءِ الطَّوَافِ وَإِنْ زَاحَمَ فَفِي الْآخِرَةِ وَأَحْسَبُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ ‏"‏ أَصَبْتَ ‏"‏ أَنَّهُ وَصْفٌ لَهُ أَنَّهُ اسْتَلَمَ فِي غَيْرِ زِحَامٍ وَتَرَكَ فِي زِحَامٍ لِأَنَّهُ لاَ يُشْبِهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ أَصَبْتَ فِي فِعْلٍ وَتَرْكٍ إلَّا إذَا اخْتَلَفَ الْحَالُ فِي الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ وَإِنْ تَرَكَ الِاسْتِلاَمَ فِي جَمِيعِ طَوَافِهِ وَهُوَ يُمْكِنُهُ أَوْ اسْتَلَمَ وَهُوَ يُؤْذِي وَيُؤْذَى بِطَوَافِهِ لَمْ أُحِبَّهُ لَهُ وَلاَ فِدْيَةَ وَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهِ، أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏"‏ إذَا وَجَدْتَ عَلَى الرُّكْنِ زِحَامًا فَانْصَرِفْ وَلاَ تَقِفْ ‏"‏ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ مَنْبُوذِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله تعالى عنها فَدَخَلَتْ عَلَيْهَا مَوْلاَةٌ لَهَا فَقَالَتْ لَهَا‏:‏ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ طُفْتُ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَاسْتَلَمْتُ الرُّكْنَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ ‏"‏ لاَ أَجَرَك اللَّهُ لاَ أَجَرَك اللَّهُ تُدَافِعِينَ الرِّجَالَ‏؟‏ أَلاَ كَبَّرْت وَمَرَرْت ‏"‏ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مِقْسَمٍ الربي عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ أَبِي يَقُولُ لَنَا ‏"‏ إذَا وَجَدْتُنَّ فُرْجَةً مِنْ النَّاسِ فَاسْتَلِمْنَ وَإِلَّا فَكَبِّرْنَ وَامْضِينَ ‏"‏ فَلَمَّا قَالَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَسَعْدٌ آمُرُ الرِّجَالَ إذَا اسْتَلَمَ النِّسَاءُ أَنْ لاَ يُزَاحِمُوهُنَّ وَيَمْضُوا عَنْهُنَّ لِأَنِّي أَكْرَهُ لِكُلٍّ زِحَامًا عَلَيْهِ وَأُحِبُّ إذَا أَمْكَنَ الطَّائِفُ الِاسْتِلاَمَ أَنْ يَسْتَلِمَ الرُّكْنَيْنِ الْحَجَرَ وَالْيَمَانِيَّ وَيَسْتَلِمَهُمَا بِيَدِهِ وَيُقَبِّلُ يَدَهُ، وَأُحِبُّ إذَا أَمْكَنَهُ الْحَجَرُ أَنْ يُقَبِّلَهُ بِفِيهِ وَيَسْتَلِمَ الْيَمَانِيَّ بِيَدِهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ كَيْفَ أَمَرَتْ بِتَقْبِيلِ الْحَجَرِ وَلَمْ تَأْمُرْ بِتَقْبِيلِ الْيَمَانِيِّ‏؟‏ قِيلَ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ رَوَيْنَا ‏(‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبَّلَ الرُّكْنَ وَأَنَّهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ‏)‏ وَرَأَيْنَا أَهْلَ الْعِلْمِ يُقَبِّلُونَ هَذَا وَيَسْتَلِمُونَ هَذَا، فَإِنْ قَالَ فَلَوْ قَبَّلَهُ مُقَبِّلٌ‏؟‏ قُلْت حَسَنٌ وَأَيَّ الْبَيْتِ قَبَّلَ فَحَسَنٌ غَيْرَ أَنَّا إنَّمَا نَأْمُرُ بِالِاتِّبَاعِ وَأَنْ نَفْعَلَ مَا فَعَلَ زِيَادَةً رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُسْلِمُونَ، فَإِنْ قَالَ فَكَيْفَ لَمْ تَأْمُرْ بِاسْتِلاَمِ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحَجَرَ‏؟‏ قُلْنَا لَهُ لاَ نَعْلَمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَلَمَهُمَا وَرَأَيْنَا أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَسْتَلِمُونَهُمَا فَإِنْ قَالَ فَإِنَّا نَرَى ذَلِكَ قُلْنَا اللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا الْحُجَّةُ فِي تَرْكِ اسْتِلاَمِهِمَا فَهِيَ كَتَرْكِ اسْتِلاَمِ مَا بَقِيَ مِنْ الْبَيْتِ فَقُلْنَا نَسْتَلِمُ مَا رُئِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَلِمُهُ دُونَ مَا لَمْ يُرَ يَسْتَلِمُهُ وَأَمَّا الْعِلَّةُ فِيهِمَا فَنَرَى أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ فَكَانَا كَسَائِرِ الْبَيْتِ إذَا لَمْ يَكُونَا مُسْتَوْظَفًا بِهِمَا الْبَيْتُ فَإِنْ مَسَحَهُمَا رَجُلٌ كَمَا يَمْسَحُ سَائِرَ الْبَيْتِ فَحَسَنٌ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ أَنْ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالْحَجَرِ وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَمْسَحُ عَلَى الْأَرْكَانِ كُلِّهَا وَيَقُولُ‏:‏ لاَ يَنْبَغِي لِبَيْتِ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْهُ مَهْجُورًا‏.‏ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ ‏{‏لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ‏}‏‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُخْبِرُ ‏(‏عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتِلاَمَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالْحَجَرِ دُونَ الشَّامِيِّينَ‏)‏ وَبِهَذَا نَقُولُ وَقَوْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ ‏"‏ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ بَيْتِ اللَّهِ مَهْجُورًا ‏"‏ وَلَكِنْ لَمْ يَدَّعِ أَحَدٌ اسْتِلاَمَ الرُّكْنِ هِجْرَةً لِبَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنَّهُ اسْتَلَمَ مَا اسْتَلَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَمْسَكَ عَمَّا أَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ اسْتِلاَمِهِ، وَقَدْ تَرَكَ اسْتِلاَمَ مَا سِوَى الْأَرْكَانِ مِنْ الْبَيْتِ فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ تَرَكَهُ عَلَى أَنْ هَجَرَ مِنْ بَيْتِ اللَّهِ شَيْئًا، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالَ‏:‏ ذَكَرَ ابْنُ طَاوُسٍ قَالَ كَانَ لاَ يَدَعُ الرُّكْنَيْنِ أَنْ يَسْتَلِمَهُمَا، قَالَ‏:‏ لَكِنْ أَفْضَلُ مِنْهُ كَانَ يَدَعُهُمَا أَبُوهُ‏.‏

القول في الطواف

أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدٍ مَوْلَى السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ السَّائِبِ ‏(‏أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِيمَا بَيْنَ رُكْنِ بَنِي جُمَحَ وَالرُّكْنِ الْأَسْوَدِ ‏{‏رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ‏}‏‏)‏ وَهَذَا مِنْ أَحَبِّ مَا يُقَالُ فِي الطَّوَافِ إلَيَّ، وَأُحِبُّ أَنْ يُقَالَ فِي كُلِّهِ‏.‏

باب إقلال الكلام في الطواف

أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ‏:‏ أَقِلُّوا الْكَلاَمَ فِي الطَّوَافِ فَإِنَّمَا أَنْتُمْ فِي صَلاَةٍ‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ فَذَهَبَ إلَى اسْتِحْبَابِ قِلَّةِ الْكَلاَمِ وَقَوْلُهُ ‏"‏ فِي صَلاَةٍ ‏"‏ فِي طَاعَةٍ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا إلَّا بِطَهَارَةِ الصَّلاَةِ لِأَنَّ الْكَلاَمَ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ وَلَوْ كَانَ يَقْطَعُهُ عِنْدَهُ نَهَى عَنْ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ طُفْتُ خَلْفَ ابْنِ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ فَمَا سَمِعْت وَاحِدًا مِنْهُمَا مُتَكَلِّمًا حَتَّى فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ نَافِعٍ الْأَعْوَرِ قَالَ طُفْت مَعَ طَاوُسٍ وَكَلَّمْته فِي الطَّوَافِ فَكَلَّمَنِي، أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْكَلاَمَ فِي الطَّوَافِ إلَّا الشَّيْءَ الْيَسِيرَ مِنْهُ إلَّا ذِكْرَ اللَّهِ وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ وَبَلَغَنَا أَنَّ مُجَاهِدًا كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي الطَّوَافِ‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ وَأَنَا أُحِبُّ الْقِرَاءَةَ فِي الطَّوَافِ وَقَدْ بَلَغَنَا ‏(‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَكَلَّمَ فِي الطَّوَافِ وَكَلَّمَ‏)‏، فَمَنْ تَكَلَّمَ فِي الطَّوَافِ فَلاَ يَقْطَعُ الْكَلاَمُ طَوَافَهُ وَذِكْرُ اللَّهِ فِيهِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْحَدِيثِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَلِمَ إذَا أَبَحْتَ الْكَلاَمَ فِي الطَّوَافِ اسْتَحْبَبْت إقْلاَلَهُ وَالْإِقْبَالَ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ فِيهِ‏؟‏ قِيلَ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ إنِّي لاَُحِبُّ الْإِقْلاَلَ مِنْ الْكَلاَمِ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْمَنَازِلِ وَفِي غَيْرِ مَوْضِعِ مَنْسَكٍ إلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِتَعُودَ مَنْفَعَةُ الذِّكْرِ عَلَى الذَّاكِرِ أَوْ يَكُونُ الْكَلاَمُ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلاَحِ أَمْرِهِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا فِي الصَّحْرَاءِ وَالْبُيُوتِ فَكَيْفَ قُرْبَ بَيْتِ اللَّهِ مَعَ عَظِيمِ رَجَاءِ الثَّوَابِ فِيهِ مِنْ اللَّهِ، فَإِنْ قَالَ فَهَلْ مِنْ دَلِيلٍ مِنْ الْآثَارِ عَلَى مَا قُلْت‏؟‏ قُلْت‏:‏ نَعَمْ‏.‏ مَا ذَكَرْت لَك عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ ‏"‏ وَأَسْتَحِبُّ الْقِرَاءَةَ فِي الطَّوَافِ ‏"‏ وَالْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الْمَرْءُ‏.‏

باب الاستراحة في الطواف

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ رحمه الله‏:‏ لاَ بَأْسَ بِالِاسْتِرَاحَةِ فِي الطَّوَافِ، أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا بِالِاسْتِرَاحَةِ فِي الطَّوَافِ وَذَكَرَ الِاسْتِرَاحَةَ جَالِسًا‏.‏

الطواف راكبا

أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ الْمَكِّيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ‏:‏ ‏(‏طَافَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِيَرَاهُ النَّاسُ وَأَشْرَفَ لَهُمْ لِأَنَّ النَّاسَ غَشَوْهُ‏)‏، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏(‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ بِمَحَجَّتِهِ‏)‏، أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ شُعْبَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ، أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ ‏(‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رَاكِبًا فَقُلْت‏:‏ لِمَ‏؟‏ قَالَ لاَ أَدْرِي قَالَ ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ‏)‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الْأَحْوَصِ بْنِ حَكِيمٍ قَالَ رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ ‏(‏وَطَافَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْبَيْتِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رَاكِبًا مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ وَلَكِنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يُشْرِفَ لِلنَّاسِ لِيَسْأَلُوهُ وَلَيْسَ أَحَدٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ النَّاسِ‏)‏، وَأَكْثَرُ مَا طَافَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْبَيْتِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِنُسُكِهِ مَاشِيًا، فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَطُوفَ الرَّجُلُ بِالْبَيْتِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَاشِيًا إلَّا مِنْ عِلَّةٍ، وَإِنْ طَافَ رَاكِبًا مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ فَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهِ وَلاَ فِدْيَةَ‏.‏

باب الركوب من العلة في الطواف

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ رحمه الله‏:‏ وَلاَ أَكْرَهُ رُكُوبَ الْمَرْأَةِ فِي الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلاَ حَمْلَ النَّاسِ إيَّاهَا فِي الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ مِنْ عِلَّةٍ وَأَكْرَهُ أَنْ يَرْكَبَ الْمَرْءُ الدَّابَّةَ حَوْلَ الْبَيْتِ، فَإِنْ فَعَلَ فَطَافَ عَلَيْهَا أَجْزَأَهُ‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ فَأَخْبَرَ جَابِرٌ عَنْ ‏(‏النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ طَافَ رَاكِبًا، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ لِيَرَاهُ النَّاسُ‏)‏ وَفِي هَذَا دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَطُفْ مِنْ شَكْوَى وَلاَ أَعْلَمُهُ اشْتَكَى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّتِهِ تِلْكَ، وَقَدْ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ طَافَ مِنْ شَكْوَى وَلاَ أَدْرِي عَمَّنْ قَبِلَهُ، وَقَوْلُ جَابِرٍ أَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ أَمَّا سَبْعُهُ الَّذِي طَافَ لِمَقْدِمِهِ فَعَلَى قَدَمَيْهِ لِأَنَّ جَابِرًا الْمَحْكِيِّ عَنْهُ فِيهِ أَنَّهُ رَمَلَ مِنْهُ ثَلاَثَةً وَمَشَى أَرْبَعَةً فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَابِرٌ يَحْكِي عَنْهُ الطَّوَافَ مَاشِيًا وَرَاكِبًا فِي رُبُعٍ وَاحِدٍ وَقَدْ حُفِظَ عَنْهُ أَنَّ سَعْيَهُ الَّذِي رَكِبَ فِيهِ فِي طَوَافِهِ يَوْمَ النَّحْرِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ ‏(‏رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَهْجُرُوا بِالْإِفَاضَةِ وَأَفَاضَ فِي نِسَائِهِ لَيْلاً عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ‏)‏ وَأَحْسَبُهُ قَالَ‏:‏ وَيُقَبِّلُ طَرَفَ الْمِحْجَنِ‏.‏

باب الاضطباع

أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ ‏(‏رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اضْطَبَعَ بِرِدَائِهِ حِينَ طَافَ‏)‏، أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ لِيَسْعَى ثُمَّ قَالَ لِمَنْ نُبْدِي الْآنَ مَنَاكِبَنَا وَمَنْ نُرَائِي وَقَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ الْإِسْلاَمَ‏؟‏ وَاَللَّهِ عَلَى ذَلِكَ لاََسْعَيَنَّ كَمَا سَعَى‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ رحمه الله يَعْنِي رَمَلَ مُضْطَبِعًا‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ وَالِاضْطِبَاعُ أَنْ يَشْتَمِلَ بِرِدَائِهِ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ وَمِنْ تَحْتِ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَكُونَ مَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ بَارِزًا حَتَّى يُكْمِلَ سَبْعَةً فَإِذَا طَافَ الرَّجُلُ مَاشِيًا لاَ عِلَّةَ بِهِ تَمْنَعُهُ الرَّمَلَ لَمْ أُحِبَّ أَنْ يَدَعَ الِاضْطِبَاعَ مَعَ دُخُولِهِ الطَّوَافَ وَإِنْ تَهَيَّأَ بِالِاضْطِبَاعِ قَبْلَ دُخُولِهِ الطَّوَافَ فَلاَ بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ فِي إزَارٍ وَعِمَامَةٍ أَحْبَبْتُ أَنْ يُدْخِلَهُمَا تَحْتَ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مُرْتَدِيًا بِقَمِيصٍ أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مُؤْتَزِرًا لاَ شَيْءَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ فَهُوَ بَادِي الْمَنْكِبَيْنِ لاَ ثَوْبَ عَلَيْهِ يَضْطَبِعُ فِيهِ ثُمَّ يَرْمُلُ حِينَ يَفْتَتِحُ الطَّوَافَ فَإِنْ تَرَكَ الِاضْطِبَاعَ فِي بَعْضِ السَّبْعِ اضْطَبَعَ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَضْطَبِعْ بِحَالٍ كَرِهْته لَهُ كَمَا أَكْرَهُ لَهُ تَرْكَ الرَّمَلِ فِي الْأَطْوَافِ الثَّلاَثَةِ وَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَلاَ إعَادَةَ، أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ ‏(‏عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَرْمُلُ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ ثُمَّ يَقُولُ‏:‏ هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-‏)‏، أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ ‏(‏رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَمَلَ مِنْ سَبْعَةٍ ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ خَبَبًا لَيْسَ بَيْنَهُنَّ مَشْيٌ‏)‏، أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ ‏(‏رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَعَى فِي عُمَرِهِ كُلِّهِنَّ الْأَرْبَعِ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ‏)‏ إلَّا أَنَّهُمْ رَدُّوهُ فِي الْأُولَى وَالرَّابِعَةِ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ، أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ‏:‏ سَعَى أَبُو بَكْرٍ عَامَ حَجَّ؛ إذْ بَعَثَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ وَالْخُلَفَاءُ هَلُمَّ جَرًّا يَسْعَوْنَ كَذَلِكَ‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ وَالرَّمَلُ الْخَبَبُ لاَ شِدَّةُ السَّعْيِ ثَلاَثَةُ أَطْوَافٍ لاَ يُفْصَلُ بَيْنَهُنَّ بِوُقُوفٍ إلَّا أَنْ يَقِفَ عِنْدَ اسْتِلاَمِ الرُّكْنَيْنِ ثُمَّ يَمْضِيَ خَبَبًا، فَإِذَا كَانَ زِحَامٌ لاَ يُمْكِنُهُ مَعَهُ أَنْ يَخُبَّ فَكَانَ إنْ وَقَفَ وَجَدَ فُرْجَةً وَقَفَ، فَإِذَا وَجَدَ الْفُرْجَةَ رَمَلَ، وَإِنْ كَانَ لاَ يَطْمَعُ بِفُرْجَةٍ لِكَثْرَةِ الزِّحَامِ أَحْبَبْت أَنْ يَصِيرَ حَاشِيَةً فِي الطَّوَافِ فَيُمْكِنَهُ أَنْ يَرْمُلَ فَإِنَّهُ إذَا صَارَ حَاشِيَةً أَمْكَنَهُ أَنْ يَرْمُلَ وَلاَ أُحِبُّ تَرْكَ الرَّمَلِ وَإِنْ كَانَ إذَا صَارَ حَاشِيَةً مَنَعَهُ كَثْرَةُ النِّسَاءِ أَنْ يَرْمُلَ رَمَلَ إذَا أَمْكَنَهُ الرَّمَلُ، وَمَشَى إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الرَّمَلُ سَجِيَّةَ مَشْيِهِ وَلَمْ أُحِبَّ أَنْ يَثِبَ مِنْ الْأَرْضِ وُثُوبَ الرَّمَلِ، وَإِنَّمَا يَمْشِي مَشْيًا، وَيَرْمُلُ أَوَّلَ مَا يَبْتَدِئُ ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ وَيَمْشِي أَرْبَعَةً، فَإِنْ تَرَكَ الرَّمَلَ فِي الطَّوَافِ الْأَوَّلِ رَمَلَ فِي الطَّوَافَيْنِ بَعْدَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ تَرَكَ الرَّمَلَ فِي الطَّوَافَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ رَمَلَ فِي الطَّوَافِ بَعْدَهُمَا، وَإِنْ تَرَكَ الرَّمَلَ فِي الثَّلاَثَةِ لَمْ يَقْضِهِ فِي الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّهُ هَيْئَةٌ فِي وَقْتٍ، فَإِذَا مَضَى ذَلِكَ الْوَقْتُ لَمْ يَضَعْهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَلاَ إعَادَةٌ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ بِالطَّوَافِ، وَالطَّوَافُ هُوَ الْفَرْضُ فَإِنَّ تَرَكَ الذِّكْرَ فِيهِمَا لَمْ نُحِبَّهُ وَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ تَرَكَ الرَّمَلَ فِي بَعْضِ طَوَافٍ رَمَلَ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ ‏(‏النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَّقَ مَا بَيْنَ سَبْعَةٍ فَرْقَيْنِ فَرْقًا رَمَلَ فِيهِ وَفَرْقًا مَشَى فِيهِ‏)‏، فَلاَ يَرْمُلُ حَيْثُ مَشَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ لَمْ يَمْشِ حَيْثُ رَمَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ وَتَرْكُ الرَّمَلِ عَامِدًا ذَاكِرًا وَسَاهِيًا وَنَاسِيًا وَجَاهِلاً سَوَاءٌ لاَ يُعِيدُ وَلاَ يَفْتَدِي مَنْ تَرَكَهُ غَيْرَ أَنِّي أَكْرَهُهُ لِلْعَامِدِ وَلاَ مَكْرُوهَ فِيهِ عَلَى سَاهٍ وَلاَ جَاهِلٍ، وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ طَوَافُ نُسُكٍ قَبْلَ عَرَفَةَ وَبَعْدَهَا وَفِي كُلِّ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ إذَا كَانَ الطَّوَافُ الَّذِي يَصِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِنْ قَدِمَ حَاجًّا أَوْ قَارِنًا فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ زَارَ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَرْمُلْ؛ لِأَنَّهُ طَافَ الطَّوَافَ الَّذِي يَصِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَإِنَّمَا طَوَافُهُ بَعْدَهُ لِتَحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ، وَإِنْ قَدِمَ حَاجًّا فَلَمْ يَطُفْ حَتَّى يَأْتِيَ ‏"‏ مِنًى ‏"‏ رَمَلَ فِي طَوَافِهِ بِالْبَيْتِ بَعْدَ عَرَفَةَ، أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ أَنَّهُ رَأَى مُجَاهِدًا يَرْمُلُ يَوْمَ النَّحْرِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَإِنَّك قَدْ تَقُولُ فِي أَشْيَاءَ يَتْرُكُهَا الْمَرْءُ مِنْ نُسُكِهِ يُهْرِيقَ دَمًا فَكَيْفَ لَمْ تَأْمُرْهُ فِي هَذَا بِأَنْ يُهْرِيقَ دَمًا‏؟‏ قُلْت إنَّمَا آمُرُهُ إذَا تَرَكَ الْعَمَلَ نَفْسَهُ قَالَ‏:‏ أَفَلَيْسَ هَذَا عَمَلَ نَفْسِهِ‏؟‏ قُلْت‏:‏ لاَ‏.‏ الطَّوَافُ الْعَمَلُ وَهَذَا هَيْئَةٌ فِي الْعَمَلِ فَقَدْ أَتَى بِالْعَمَلِ عَلَى كَمَالِهِ وَتَرَكَ الْهَيْئَةَ فِيهِ وَالسُّجُودُ وَالرُّكُوعُ الْعَمَلُ فَإِنْ تَرَكَ التَّسْبِيحَ فِيهِمَا لَمْ يَكُنْ تَارِكًا لِعَمَلٍ يَقْضِيهِ كَمَا يَقْضِي سَجْدَةً لَوْ تَرَكَهَا أَوْ تَفْسُدُ بِهَا عَلَيْهِ صَلاَتُهُ لَوْ خَرَجَ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَهَا بَلْ التَّسْبِيحُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَفْسُدَ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، وَالْقَوْلُ عَمَلٌ وَالِاضْطِبَاعُ وَالرَّمَلُ هَيْئَةٌ أَخَفُّ مِنْ التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ‏.‏

‏[‏قَالَ‏]‏‏:‏ وَإِذَا رَمَلَ فِي الطَّوَافِ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الزِّحَامُ تَحَرَّكَ حَرَكَةَ مَشْيِهِ يُقَارِبُ وَإِنَّمَا مَنَعَنِي مِنْ أَنْ أَقُولَ لَهُ يَقِفُ حَتَّى يَجِدَ فُرْجَةً، أَنَّهُ يُؤْذَى بِالْوُقُوفِ مَنْ خَلْفَهُ وَلاَ أَطْمَعُ لَهُ أَنْ يَجِدَ فُرْجَةً بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَوْ كَانَ فِي غَيْرِ مَجْمَعٍ فَازْدَحَمَ النَّاسُ لِفَتْحِ بَابِ الْكَعْبَةِ أَوْ عَارَضَ الطَّوَافَ حَيْثُ لاَ يُؤْذَى بِالْوُقُوفِ مَنْ خَلْفَهُ وَيَطْمَعُ أَنْ يَنْفَرِجَ لَهُ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ أَمَرْتُهُ أَنْ يَقِفَ حَتَّى يَنْفَرِجَ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَيُمْكِنَهُ أَنْ يَرْمُلَ وَمَتَى أَمْكَنَهُ الرَّمَلُ رَمَلَ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَدْنُوَ مِنْ الْبَيْتِ فِي الطَّوَافِ، وَإِنْ بَعُدَ عَنْ الْبَيْتِ وَطَمِعَ أَنْ يَجِدَ السَّبِيلَ إلَى الرَّمَلِ أَمَرْته بِالْبُعْدِ‏.‏

باب في الطواف بالراكب مريضا أو صبيا والراكب على الدابة

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى‏:‏ وَإِذَا طَافَ الرَّجُلُ بِالصَّبِيِّ أَحْبَبْتُ أَنْ يَرْمُلَ بِهِ، وَإِنْ طَافَ رَجُلٌ بِرَجُلٍ أَحْبَبْت إنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يَرْمُلَ بِهِ أَنْ يَرْمُلَ بِهِ وَإِذَا طَافَ النَّفَرُ بِالرَّجُلِ فِي مِحَفَّةٍ أَحْبَبْت إنْ قَدَرُوا عَلَى الرَّمَلِ أَنْ يَرْمُلُوا، وَإِذَا طَافَ الرَّجُلُ رَاكِبًا فَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا أَحْبَبْت أَنْ يَحُثَّ دَابَّتَهُ فِي مَوْضِعِ الرَّمَلِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الرِّجَالِ‏.‏

باب ليس على النساء سعي

أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ سَعْيٌ بِالْبَيْتِ وَلاَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ‏.‏ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَطَاءً‏:‏ أَتَسْعَى النِّسَاءُ‏؟‏ فَأَنْكَرَهُ نُكْرَةً شَدِيدَةً أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ رَجُلٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ رَأَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها النِّسَاءَ يَسْعَيْنَ بِالْبَيْتِ فَقَالَتْ ‏"‏ أَمَا لَكُنَّ فِينَا أُسْوَةٌ‏؟‏ لَيْسَ عَلَيْكُنَّ سَعْيٌ ‏"‏‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ لاَ رَمَلَ عَلَى النِّسَاءِ، وَلاَ سَعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلاَ اضْطِبَاعَ وَإِنْ حُمِلْنَ لَمْ يَكُنْ عَلَى مَنْ حَمَلَهُنَّ رَمَلٌ بِهِنَّ وَكَذَلِكَ الصَّغِيرَةُ مِنْهُنَّ تَحْمِلُهَا الْوَاحِدَةُ، وَالْكَبِيرَةُ تُحْمَلُ فِي مِحَفَّةٍ، أَوْ تَرْكَبُ دَابَّةً، وَذَلِكَ أَنَّهُنَّ مَأْمُورَاتٌ بِالِاسْتِتَارِ، وَالِاضْطِبَاعُ وَالرَّمَلُ مُفَارِقَانِ لِلِاسْتِتَارِ‏.‏

باب لا يقال شوط ولا دور

أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ شَوْطٌ دَوْرٌ لِلطَّوَافِ وَلَكِنْ يَقُولُ طَوَافٌ طَوَافَيْنِ‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى‏:‏ وَأَكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا كَرِهَ مُجَاهِدٌ، لِأَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - قَالَ ‏{‏وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ‏}‏ فَسُمِّيَ طَوَافًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - سَمَّى جَمَاعَةً طَوَافًا‏.‏

باب كمال الطواف

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ‏(‏عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ أَلَمْ تَرَيْ إلَى قَوْمِكَ حِينَ بَنَوْا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ‏؟‏ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ‏؟‏ قَالَ لَوْلاَ حِدْثَانُ قَوْمِك بِالْكُفْرِ لَرَدَدْتُهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ‏)‏ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَا أَرَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَرَكَ اسْتِلاَمَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحَجَرَ إلَّا أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يَتِمَّ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ‏.‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حُجَيْرٍ عَنْ طَاوُسٍ فِيمَا أَحْسَبُ أَنَّهُ قَالَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏"‏ الْحِجْرُ مِنْ الْبَيْتِ ‏"‏ قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - ‏{‏وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ‏}‏ وَقَدْ طَافَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ أَرْسَلَ عُمَرُ إلَى شَيْخٍ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ فَجِئْتُ مَعَهُ إلَى عُمَرَ وَهُوَ فِي الْحِجْرِ فَسَأَلَهُ عَنْ وِلاَدٍ مِنْ وِلاَدِ الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ الشَّيْخُ‏:‏ أَمَّا النُّطْفَةُ فَمِنْ فُلاَنٍ وَأَمَّا الْوَلَدُ فَعَلَى فِرَاشِ فُلاَنٍ، فَقَالَ عُمَرُ ‏"‏ صَدَقْتَ وَلَكِنَّ ‏(‏رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَضَى بِالْوَلَدِ لِلْفِرَاشِ‏)‏ فَلَمَّا وَلَّى الشَّيْخُ دَعَاهُ عُمَرُ فَقَالَ ‏"‏ أَخْبِرْنِي عَنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ فَقَالَ ‏"‏ إنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَقَوَّتْ لِبِنَاءِ الْبَيْتِ فَعَجَزُوا فَتَرَكُوا بَعْضَهَا فِي الْحِجْرِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ ‏"‏ صَدَقْتَ ‏"‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ مَا حُجِرَ الْحِجْرُ فَطَافَ النَّاسُ مِنْ وَرَائِهِ إلَّا إرَادَةَ أَنْ يَسْتَوْعِبَ النَّاسُ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَسَمِعْت عَدَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قُرَيْشٍ يَذْكُرُونَ أَنَّهُ تُرِكَ مِنْ الْكَعْبَةِ فِي الْحِجْرِ نَحْوًا مِنْ سِتَّةِ أَذْرُعٍ‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ وَكَمَالُ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ أَنْ يَطُوفَ الرَّجُلُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ فَإِنْ طَافَ فَسَلَكَ الْحِجْرَ لَمْ يُعْتَدَّ بِطَوَافِهِ الَّذِي سَلَكَ فِيهِ الْحِجْرَ وَإِنْ طَافَ عَلَى جِدَارِ الْحِجْرِ لَمْ يُعْتَدَّ بِذَلِكَ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَكَانَ كُلُّ طَوَافٍ طَافَهُ عَلَى شَاذَرْوَانِ الْكَعْبَةِ أَوْ فِي الْحِجْرِ أَوْ عَلَى جِدَارِ الْحِجْرِ كَمَا لَمْ يَطُفْ، وَإِذَا ابْتَدَأَ الطَّائِفُ الطَّوَافَ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ ثُمَّ يَدَعُهُ عَنْ يَسَارِهِ، وَيَطُوفُ فَإِنْ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ وَتَرَكَهُ عَنْ يَمِينِهِ وَطَافَ فَقَدْ نَكَّسَ الطَّوَافَ وَلاَ يُعْتَدُّ بِمَا طَافَ بِالْبَيْتِ مَنْكُوسًا، وَمَنْ طَافَ سَعَا عَلَى مَا نَهَيْتُ عَنْهُ مِنْ نَكْسِ الطَّوَافِ أَوْ عَلَى شَاذَرْوَانِ الْكَعْبَةِ أَوْ فِي الْحِجْرِ أَوْ عَلَى جِدَارِهِ كَانَ فِي حُكْمِ مَنْ لَمْ يَطُفْ وَلاَ يَخْتَلِفَانِ‏.‏

باب ما جاء في موضع الطواف

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى‏:‏ وَإِكْمَالُ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ وَوَرَاءِ شَاذَرْوَانِ الْكَعْبَةِ فَإِنْ طَافَ طَائِفٌ بِالْبَيْتِ وَجَعَلَ طَرِيقَهُ مِنْ بَطْنِ الْحِجْرِ أَعَادَ الطَّوَافَ وَكَذَلِكَ لَوْ طَافَ عَلَى شَاذَرْوَانِ الْكَعْبَةِ أَعَادَ الطَّوَافَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَإِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يَقُولُ ‏{‏وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ‏}‏ فَكَيْفَ زَعَمْتَ أَنَّهُ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَغَيْرِهِ‏؟‏ قِيلَ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى، أَمَّا الشَّاذَرْوَانُ فَأَحْسَبُهُ مُنْشَأً عَلَى أَسَاسِ الْكَعْبَةِ ثُمَّ مُقْتَصِرًا بِالْبُنْيَانِ عَنْ استيظافه فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا كَانَ الطَّائِفُ عَلَيْهِ لَمْ يَسْتَكْمِلْ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ إنَّمَا طَافَ بِبَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ، وَأَمَّا الْحِجْرُ فَإِنَّ قُرَيْشًا حِينَ بَنَتْ الْكَعْبَةَ اسْتَقْصَرَتْ مِنْ قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ فَتُرِكَ فِي الْحِجْرِ أَذْرُعٌ مِنْ الْبَيْتِ، فَهَدَمَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَابْتَنَاهُ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ وَهَدَمَ الْحَجَّاجُ زِيَادَةَ ابْنِ الزُّبَيْرِ الَّتِي اسْتَوْظَفَ بِهَا الْقَوَاعِدَ، وَهَمَّ بَعْضُ الْوُلاَةِ بِإِعَادَتِهِ عَلَى الْقَوَاعِدِ، فَكَرِهَ ذَلِكَ بَعْضُ مَنْ أَشَارَ عَلَيْهِ، وَقَالَ‏:‏ أَخَافُ أَنْ لاَ يَأْتِيَ وَالٍ إلَّا أَحَبَّ أَنْ يُرَى لَهُ فِي الْبَيْتِ أَثَرٌ يُنْسَبُ إلَيْهِ وَالْبَيْتُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُطْمَعَ فِيهِ، وَقَدْ أَقَرَّهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ خُلَفَاؤُهُ بَعْدَهُ‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ وَالْمَسْجِدُ كُلُّهُ مَوْضِعٌ لِلطَّوَافِ‏.‏

باب في حج الصبي

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ ‏(‏رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ بِامْرَأَةٍ وَهِيَ فِي مِحَفَّتِهَا فَقِيلَ لَهَا‏:‏ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخَذَتْ بِعَضُدِ صَبِيٍّ كَانَ مَعَهَا فَقَالَتْ‏:‏ أَلِهَذَا حَجٌّ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ‏)‏ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ عَنْ أَبِي السَّفَرِ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ‏"‏ أَيُّهَا النَّاسُ أَسْمِعُونِي مَا تَقُولُونَ وَافْهَمُوا مَا أَقُولُ لَكُمْ أَيُّمَا مَمْلُوكٍ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُعْتَقَ فَقَدْ قَضَى حَجَّهُ وَإِنْ عَتَقَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ فَلْيَحْجُجْ، وَأَيُّمَا غُلاَمٍ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ فَقَدْ قَضَى عَنْهُ حَجَّهُ وَإِنْ بَلَغَ فَلْيَحْجُجْ ‏"‏ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ وَمُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ وَتُقْضَى حَجَّةُ الْعَبْدِ عَنْهُ حَتَّى يُعْتَقَ فَإِذَا عَتَقَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً عَلَيْهِ‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ هَذَا كَمَا قَالَ عَطَاءٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي الْعَبْدِ وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ وَقَدْ بُيِّنَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَمَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَنَا هَكَذَا وَقَوْلُهُ فَإِذَا عَتَقَ فَلْيَحْجُجْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَوْ أَجْزَأَتْ عَنْهُ حَجَّةُ الْإِسْلاَمِ لَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يَحُجَّ إذَا عَتَقَ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَرَاهَا وَاجِبَةً عَلَيْهِ فِي عُبُودِيَّتِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ وَغَيْرَهُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلاَمِ لاَ يَرَوْنَ فَرْضَ الْحَجِّ عَلَى أَحَدٍ إلَّا مَرَّةً لِأَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يَقُولُ ‏{‏وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً‏}‏‏.‏

باب في الطواف متى يجزئه ومتى لا يجزئه‏؟‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى‏:‏ وَالْمَسْجِدُ كُلُّهُ مَوْضِعٌ لِلطَّوَافِ فَمَنْ طَافَ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ دُونِ السِّقَايَةِ وَزَمْزَمَ أَوْ مِنْ وَرَائِهِمَا أَوْ وَرَاءِ سِقَايَاتِ الْمَسْجِدِ الَّتِي أُحْدِثَتْ فَحُفَّ بِهَا الْمَسْجِدُ حَتَّى يَكُونَ الطَّائِفُ مِنْ وَرَائِهَا كُلِّهَا فَطَوَافُهُ مُجْزِئٌ عَنْهُ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ الطَّوَافِ، وَأَكْثَرُ الطَّائِفِينَ مَحُولٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّوَافِ بِالنَّاسِ الطَّائِفِينَ وَالْمُصَلِّينَ‏.‏ وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَطَافَ مِنْ وَرَائِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِشَيْءٍ مِنْ طَوَافِهِ خَارِجًا مِنْ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الطَّوَافِ وَلَوْ أَجَزْت هَذَا لَهُ أَجَزْت لَهُ الطَّوَافَ لَوْ طَافَهُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْحَرَمِ أَوْ فِي الْحَرَمِ، وَلَوْ طَافَ بِالْبَيْتِ مَنْكُوسًا لَمْ يُعْتَدَّ بِطَوَافِهِ أَوْ لاَ أَحْسَبُ أَحَدًا يَطُوفُ بِهِ مَنْكُوسًا لِأَنَّ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يُعَلِّمُهُ لَوْ جَهِلَ، وَلَوْ طَافَ بِالْبَيْتِ مُحْرِمًا وَعَلَيْهِ طَوَافٌ وَاجِبٌ وَلاَ يَنْوِي ذَلِكَ الطَّوَافَ الْوَاجِبَ وَلاَ يَنْوِي بِهِ نَافِلَةً أَوْ نَذْرًا عَلَيْهِ مِنْ طَوَافِهِ كَانَ طَوَافُهُ هَذَا طَوَافَهُ الْوَاجِبَ وَهَكَذَا مَا عَمِلَ مِنْ عَمَلِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لِأَنَّهُ إذَا أَجْزَأَهُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَنْ يَبْتَدِئَهُ يُرِيدُ بِهِ نَافِلَةً فَيَكُونُ فَرْضًا كَانَ فِي بَعْضِ عَمَلِهِ أَوْلَى أَنْ يَجْزِيَهُ وَلَوْ طَافَ بَعْضَ طَوَافِهِ ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ إكْمَالِهِ فَطِيفَ بِهِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الطَّوَافِ لاَ يَعْقِلُهُ مِنْ إغْمَاءٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ عَارِضٍ مَا كَانَ أَوْ اُبْتُدِئَ بِهِ فِي الطَّوَافِ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ لَمْ يَجْزِهِ حَتَّى يَكُونَ يَعْقِلُ فِي السَّبْعِ كُلِّهِ كَمَا لاَ تُجْزِئُ الصَّلاَةُ حَتَّى يَعْقِلَ فِي الصَّلاَةِ كُلِّهَا‏.‏ وَلَوْ طَافَ وَهُوَ يَعْقِلُ ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ كَمَالِ الطَّوَافِ ثُمَّ أَفَاقَ بَعْدَ ذَلِكَ ابْتَدَأَ الْوُضُوءَ وَالطَّوَافَ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا وَلَوْ طَافَ عَلَى بَعِيرٍ أَوْ فَرَسٍ أَجْزَأَهُ، وَقَدْ كَثُرَ النَّاسُ وَاِتَّخَذُوا مَنْ يَحْمِلُهُمْ فَيَكُونُ أَخَفَّ عَلَى مَنْ مَعَهُ فِي الطَّوَافِ مِنْ أَنْ يَرْكَبَ بَعِيرًا أَوْ فَرَسًا وَلَوْ طَافَ بِالْبَيْتِ فِيمَا لاَ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَلْبَسَهُ مِنْ الثِّيَابِ كَانَ طَوَافُهُ مُجْزِئًا عَنْهُ وَكَانَتْ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ فِيمَا لَبِسَ مِمَّا لَيْسَ لَهُ لُبْسُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَهَكَذَا الطَّوَافُ مُنْتَقِبًا أَوْ مُتَبَرْقِعًا‏.‏

باب الخلاف في الطواف على غير طهارة

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ رحمه الله‏:‏ فَزَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الطَّوَافَ لاَ يَجْزِي إلَّا طَاهِرًا وَأَنَّ الْمُعْتَمِرَ وَالْحَاجَّ إنْ طَافَ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ فَإِنْ بَلَغَ بَلَدَهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ وَلَوْ طَافَ جُنُبًا أَمَرَهُ أَنْ يَعُودَ مِنْ بَلَدِهِ حَيْثُ كَانَ فَقِيلَ لِبَعْضِ مَنْ يَقُولُ قَوْلَهُ‏:‏ أَيَعْدُو الطَّوَافَ قَبْلَ الطَّهَارَةِ أَنْ يَكُونَ كَمَا قُلْنَا لاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ إلَّا مَنْ تَحِلُّ لَهُ الصَّلاَةُ أَوْ يَكُونَ كَذِكْرِ اللَّهِ وَعَمَلِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ غَيْرَ الطَّوَافِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ إنْ قُلْت هُوَ كَالصَّلاَةِ وَأَنَّهُ لاَ يَجْزِي إلَّا بِوُضُوءٍ قُلْت فَالْجُنُبُ وَغَيْرُ الْمُتَوَضِّئِ سَوَاءٌ لِأَنَّ كُلًّا غَيْرُ طَاهِرٍ وَكُلًّا غَيْرُ جَائِزٍ لَهُ الصَّلاَةُ‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ قُلْت أَجَلْ قَالَ فَلاَ أَقُولُهُ وَأَقُولُ هُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ قُلْت‏:‏ فَلِمَ أَمَرْتَ مَنْ طَافَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَنْ يُعِيدَ الطَّوَافَ، وَأَنْتَ تَأْمُرُهُ أَنْ يَبْتَدِئَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَإِنْ قُلْت لاَ يُعِيدُ قُلْت إذًا تُخَالِفُ السُّنَّةَ قَالَ فَإِنْ قُلْت إنَّمَا ‏(‏أَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَائِشَةَ أَنْ لاَ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ لِئَلَّا يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ حَائِضٌ‏)‏‏.‏ قُلْت فَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ الْمُشْرِكَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَالْجُنُبَ، قَالَ‏:‏ فَلاَ أَقُولُ هَذَا وَلَكِنِّي أَقُولُ إنَّهُ كَالصَّلاَةِ وَلاَ تَجُوزُ إلَّا بِطَهَارَةٍ وَلَكِنَّ الْجُنُبَ أَشَدُّ حَالاً مِنْ غَيْرِ الْمُتَوَضِّئِ قُلْت أَوْ تَجِدُ بَيْنَهُمَا فَرْقًا فِي الصَّلاَةِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ، قُلْت فَأَيُّ شَيْءٍ شِئْت فَقُلْ وَلاَ تَعْدُو أَنْ تُخَالِفَ السُّنَّةَ وَقَوْلَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَكُونُ لِغَيْرِ الطَّاهِرِ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ، أَوْ تَقُولُ لاَ يَطُوفُ بِهِ إلَّا طَاهِرٌ فَيَكُونُ تَرْكُك أَنْ تَأْمُرَهُ أَنْ يَرْجِعَ حَيْثُ كَانَ وَيَكُونُ كَمَنْ لَمْ يَطُفْ تَرْكًا لِأَصْلِ قَوْلِك‏.‏

باب كمال عمل الطواف

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ ‏(‏رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ كَانَ إذَا طَافَ فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَوَّلَ مَا يَقْدَمُ سَعَى ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ بِالْبَيْتِ وَمَشَى أَرْبَعَةً ثُمَّ يُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ‏)‏‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ فَمَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ أَقَلَّ مِنْ سَبْعَةِ أَطْوَافٍ بِخُطْوَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَمْ يُكْمِلْ الطَّوَافَ، وَإِنْ طَافَ بَعْدَهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَهُوَ فِي حُكْمِ مَنْ لَمْ يَسْعَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلاَ يَجْزِيهِ أَنْ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إلَّا بَعْدَ كَمَالِ سَبْعٍ تَامٍّ بِالْبَيْتِ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا فَصَدَرَ إلَى أَهْلِهِ فَهُوَ مُحْرِمٌ كَمَا كَانَ يَرْجِعُ فَيَبْتَدِئُ أَنْ يَطُوفَ سَبْعًا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا، ثُمَّ يَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ وَإِنْ كَانَ حَلَقَ قَبْلَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِلْحِلاَقِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ وَلاَ أُرَخِّصُ لَهُ فِي قَطْعِ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَذَلِكَ أَنْ تُقَامَ الصَّلاَةُ فَيُصَلِّيَهَا ثُمَّ يَعُودَ فَيَبْنِيَ عَلَى طَوَافِهِ مِنْ حَيْثُ قُطِعَ عَلَيْهِ، فَإِنْ بَنَى مِنْ مَوْضِعٍ لَمْ يَعُدْ فِيهِ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قُطِعَ عَلَيْهِ مِنْهُ أُلْغِيَ ذَلِكَ الطَّوَافُ وَلَمْ يُعْتَدَّ بِهِ‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ أَوْ يُصِيبُهُ زِحَامٌ فَيَقِفُ لاَ يَكُونُ ذَلِكَ قَطْعًا أَوْ يَعْيَا فَيَسْتَرِيحُ قَاعِدًا فَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ قَطْعًا أَوْ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ فَيَخْرُجُ فَيَتَوَضَّأُ وَأَحَبُّ إلَيَّ إذَا فَعَلَ أَنْ يَبْتَدِئَ الطَّوَافَ وَلاَ يَبْنِيَ عَلَى طَوَافِهِ، وَقَدْ قِيلَ‏:‏ يَبْنِي وَيَجْزِيهِ إنْ لَمْ يَتَطَاوَلْ فَإِذَا تَطَاوَلَ ذَلِكَ لَمْ يَجْزِهِ إلَّا الِاسْتِئْنَافُ وَلاَ يَجْزِيهِ أَنْ يَطُوفَ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَوْضِعُ الطَّوَافِ وَيَجْزِيهِ أَنْ يَطُوفَ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنْ حَالَ دُونَ الْكَعْبَةِ شَيْءٌ نِسَاءٌ أَوْ جَمَاعَةُ نَاسٍ أَوْ سِقَايَاتٌ أَوْ أَسَاطِينُ الْمَسْجِدِ أَجْزَأَهُ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ فَإِنْ خَرَجَ فَطَافَ لَمْ يُعْتَدَّ بِمَا طَافَ خَارِجًا مِنْ الْمَسْجِدِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَلَوْ أَجَزْتُ لَهُ أَنْ يَطُوفَ خَارِجًا مِنْ الْمَسْجِدِ أَجَزْتُ لَهُ أَنْ يَطُوفَ مِنْ وَرَاءِ الْجِبَالِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْحَرَمِ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ دَخَلَ مِنْ آخَرَ فَإِنْ كَانَ الْبَابُ الَّذِي دَخَلَ مِنْهُ يَأْتِي عَلَى الْبَابِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ، اُعْتُدَّ بِذَلِكَ الطَّوَافِ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى عَلَى الطَّوَافِ وَرَجَعَ فِي بَعْضِهِ، وَإِنْ كَانَ لاَ يَأْتِي عَلَيْهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِذَلِكَ الطَّوَافِ‏.‏

باب الشك في الطواف

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى‏:‏ وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الَّذِي يَشُكُّ أَصَلَّى ثَلاَثًا أَوْ أَرْبَعًا‏؟‏ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةً فَكَانَ فِي ذَلِكَ إلْغَاءُ الشَّكِّ وَالْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ فَكَذَلِكَ إذَا شَكَّ فِي شَيْءٍ مِنْ الطَّوَافِ صَنَعَ مِثْلَ مَا يَصْنَعُ فِي الصَّلاَةِ فَأَلْغَى الشَّكَّ وَبَنَى عَلَى الْيَقِينِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الطَّوَافِ سُجُودُ سَهْوٍ وَلاَ كَفَّارَةٌ‏.‏

قال‏:‏ وَكَذَلِكَ إذَا شَكَّ فِي وُضُوئِهِ فِي الطَّوَافِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ وُضُوئِهِ وَشَكَّ مِنْ حَدَثِهِ أَجْزَأَهُ الطَّوَافُ كَمَا تُجْزِئُهُ الصَّلاَةُ، فَإِنْ كَانَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ حَدَثِهِ وَفِي شَكٍّ مِنْ وُضُوئِهِ لَمْ يَجْزِهِ الطَّوَافُ كَمَا لاَ تَجْزِيهِ الصَّلاَةُ‏.‏

باب الطواف في الثوب النجس والرعاف والحدث والبناء على الطواف

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى‏:‏ فَإِذَا طَافَ فِي ثَوْبٍ نَجِسٍ أَوْ عَلَى جَسَدِهِ نَجَاسَةٌ أَوْ فِي نَعْلَيْهِ نَجَاسَةٌ لَمْ يُعْتَدَّ بِمَا طَافَ بِتِلْكَ الْحَالِ كَمَا لاَ يُعْتَدُّ فِي الصَّلاَةِ وَكَانَ فِي حُكْمِ مَنْ لَمْ يَطُفْ وَانْصَرَفَ فَأَلْقَى ذَلِكَ الثَّوْبَ وَغَسَلَ النَّجَاسَةَ عَنْ جَسَدِهِ ثُمَّ رَجَعَ فَاسْتَأْنَفَ لاَ يَجْزِيهِ مِنْ الطَّهَارَةِ فِي نَفْسِهِ وَبَدَنِهِ وَمَا عَلَيْهِ إلَّا مَا يَجْزِيهِ فِي الصَّلاَةِ وَمَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ فَكَالْمُصَلِّي فِي الطَّهَارَةِ خَاصَّةً، وَإِنْ رَعَفَ أَوْ قَاءَ انْصَرَفَ فَغَسَلَ الدَّمَ عَنْهُ وَالْقَيْءَ ثُمَّ رَجَعَ فَبَنَى، وَكَذَلِكَ إنْ غَلَبَهُ حَدَثٌ انْصَرَفَ فَتَوَضَّأَ وَرَجَعَ فَبَنَى وَأَحَبُّ إلَيَّ فِي هَذَا كُلِّهِ لَوْ اسْتَأْنَفَ‏.‏

قال‏:‏ وَلَوْ طَافَ بِبَعْضِ مَا لاَ تَجْزِيهِ بِهِ الصَّلاَةُ ثُمَّ سَعَى أَعَادَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ وَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَعْتَدَّ بِالسَّعْيِ حَتَّى يُكْمِلَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَلَوْ انْصَرَفَ إلَى بَلَدِهِ رَجَعَ حَتَّى يَطُوفَ وَيَسْعَى هَذَا الطَّوَافَ عَلَى الطَّهَارَةِ، وَجِمَاعُ هَذَا أَنْ يَكُونَ مَنْ طَافَ بِغَيْرِ كَمَالِ الطَّهَارَةِ فِي نَفْسِهِ وَلِبَاسِهِ فَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَطُفْ‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ وَأَخْتَارَ إنْ قَطَعَ الطَّائِفُ الطَّوَافَ فَتَطَاوَلَ رُجُوعُهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ فَإِنَّ ذَلِكَ احْتِيَاطٌ وَقَدْ قِيلَ‏:‏ لَوْ طَافَ الْيَوْمَ طَوَافًا وَغَدًا آخَرَ أَجْزَأَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ بِغَيْرِ وَقْتٍ‏.‏

باب الطواف بعد عرفة

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏{‏ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ‏}‏‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ فَاحْتَمَلَتْ الْآيَةُ أَنْ تَكُونَ عَلَى طَوَافِ الْوَدَاعِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الطَّوَافَ بَعْدَ قَضَاءِ التَّفَثِ وَاحْتَمَلَتْ أَنْ تَكُونَ عَلَى الطَّوَافِ بَعْدَ مِنًى وَذَلِكَ أَنَّهُ بَعْدَ حِلاَقِ الشَّعْرِ وَلُبْسِ الثِّيَابِ وَالتَّطَيُّبِ وَذَلِكَ قَضَاءُ التَّفَثِ وَذَلِكَ أَشْبَهَ مَعْنَيَيْهَا بِهَا؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ بَعْدَ مِنًى وَاجِبٌ عَلَى الْحَاجِّ وَالتَّنْزِيلُ كَالدَّلِيلِ عَلَى إيجَابِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَيْسَ هَكَذَا طَوَافُ الْوَدَاعِ‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ إنْ كَانَتْ نَزَلَتْ فِي الطَّوَافِ بَعْدَ ‏"‏ مِنًى ‏"‏ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى إبَاحَةِ الطِّيبِ‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ النَّاسُ يَنْصَرِفُونَ فِي كُلِّ وَجْهٍ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ‏(‏لاَ يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ‏)‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إلَّا أَنَّهُ أَرْخَصَ لِلْمَرْأَةِ الْحَائِضِ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ ‏"‏ لاَ يَصْدُرَنَّ أَحَدٌ مِنْ الْحَاجِّ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ فَإِنَّ آخِرَ النُّسُكِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ ‏"‏‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ وَبِهَذَا نَقُولُ وَفِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْحَائِضَ أَنْ تَنْفِرَ قَبْلَ أَنْ تَطُوفَ طَوَافَ الْوَدَاعِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ تَرْكَ طَوَافِ الْوَدَاعِ لاَ يُفْسِدُ حَجًّا، وَالْحَجُّ أَعْمَالٌ مُتَفَرِّقَةٌ مِنْهَا شَيْءٌ إذَا لَمْ يَعْمَلْهُ الْحَاجُّ أَفْسَدَ حَجَّهُ، وَذَلِكَ الْإِحْرَامُ وَأَنْ يَكُونَ عَاقِلاً لِلْإِحْرَامِ وَعَرَفَةَ فَأَيُّ هَذَا تَرَكَ لَمْ يَجْزِهِ عَنْهُ حَجُّهُ‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ وَمِنْهَا مَا إذَا تَرَكَهُ لَمْ يَحِلَّ مِنْ كُلِّ إحْرَامِهِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَهُ فِي عُمُرِهِ كُلِّهِ، وَذَلِكَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ الَّذِي يَحِلُّ بِهِ إلَّا النِّسَاءَ وَأَيَّهُمَا تَرَكَ رَجَعَ مِنْ بَلَدِهِ وَكَانَ مُحْرِمًا مِنْ النِّسَاءِ حَتَّى يَقْضِيَهُ، وَمِنْهَا مَا يَعْمَلُ فِي وَقْتٍ فَإِذَا ذَهَبَ ذَلِكَ الْوَقْتُ كُلُّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلاَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ وَلاَ بَدَّلَهُ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ مِثْلُ الْمُزْدَلِفَةِ وَالْبَيْتُوتَةِ بِ ‏"‏ مِنًى ‏"‏ وَرَمْيِ الْجِمَارِ، وَمِنْهَا مَا إذَا تَرَكَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ وَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ لَزِمَهُ الدَّمُ وَذَلِكَ مِثْلُ الْمِيقَاتِ فِي الْإِحْرَامِ وَمِثْلُهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - طَوَافُ الْوَدَاعِ؛ لِأَنَّهُمَا عَمَلاَنِ أُمِرَ بِهِمَا مَعًا فَتَرَكَهُمَا فَلاَ يَتَفَرَّقَانِ عِنْدِي فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْفِدْيَةِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِيَاسًا عَلَى مُزْدَلِفَةَ، وَالْجِمَارُ وَالْبَيْتُوتَةُ لَيَالِي ‏"‏ مِنًى ‏"‏؛ لِأَنَّهُ نُسُكٌ قَدْ تَرَكَهُ وَقَدْ أَخْبَرَنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ ‏"‏ مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا أَوْ تَرَكَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمًا ‏"‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ طَوَافُ الْوَدَاعِ طَوَافٌ مَأْمُورٌ بِهِ، وَطَوَافُ الْإِحْلاَلِ مِنْ الْإِحْرَامِ طَوَافٌ مَأْمُورٌ بِهِ وَعَمَلاَنِ فِي غَيْرِ وَقْتٍ مَتَى جَاءَ بِهِمَا الْعَامِلُ أَجْزَأَ عَنْهُ فَلِمَ لَمْ تَقِسْ الطَّوَافَ بِالطَّوَافِ‏؟‏ قِيلَ لَهُ بِالدَّلاَلَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَالدَّلاَلَةِ بِمَا لاَ أَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ وَأَيْنَ الدَّلاَلَةُ‏؟‏ قِيلَ لَهُ لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِطَوَافِ الْوَدَاعِ وَأَرْخَصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ بِلاَ وَدَاعٍ فَاسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ لِلْوَدَاعِ لَوْ كَانَ كَالطَّوَافِ لِلْإِحْلاَلِ مِنْ الْإِحْرَامِ لَمْ يُرَخِّصْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْحَائِضِ فِي تَرْكِهِ أَلاَ تَرَى أَنَّ ‏(‏رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَأَلَ عَنْ صَفِيَّةَ‏:‏ أَطَافَتْ بَعْدَ النَّحْرِ‏؟‏ فَقِيلَ‏:‏ نَعَمْ، فَقَالَ‏:‏ فَلْتَنْفِرْ‏)‏‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ وَهَذَا إلْزَامُهَا الْمَقَامَ لِلطَّوَافِ بَعْدَ النَّحْرِ وَتَخْفِيفُ طَوَافِ الْوَدَاعِ‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ وَلاَ يُخَفَّفُ مَا لاَ يَحِلُّ الْمُحْرِمُ إلَّا بِهِ أَوَلاَ تَرَى أَنَّ مَنْ طَافَ بَعْدَ الْجَمْرَةِ وَالنَّحْرِ وَالْحِلاَقِ حَلَّ لَهُ النِّسَاءُ وَهُوَ إذَا حَلَّ لَهُ النِّسَاءُ خَارِجٌ مَنْ أَحْرَمَ الْحَجَّ بِكَمَالِ الْخُرُوجِ وَمَنْ خَرَجَ مِنْ إحْرَامِ الْحَجِّ لَمْ يُفْسِدْهُ عَلَيْهِ مَا تَرَكَهُ بَعْدَهُ وَكَيْفَ يُفْسِدُ مَا خَرَجَ مِنْهُ‏؟‏ وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ تَرْكَ الْمِيقَاتِ لاَ يُفْسِدُ حَجًّا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُحْرِمًا وَإِنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ وَأَنَّ مَنْ دُونَ الْمِيقَاتِ يُهِلُّ فَيَجْزِي عَنْهُ، وَالشَّيْءُ الْمُفْسِدُ لِلْحَجِّ إذَا تَرَكَ مَا لاَ يَجْزِي أَحَدًا غَيْرُ فِعْلِهِ وَقَدْ يَجْزِي عَالِمًا أَنْ يُهِلُّوا دُونَ الْمِيقَاتِ إذَا كَانَ أَهْلُوهُمْ دُونَهُ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الْبَيْتُوتَةِ لَيَالِي ‏"‏ مِنًى ‏"‏ وَتَرْكَ رَمْيِ الْجِمَارِ لاَ يُفْسِدُ الْحَجَّ‏.‏

باب ترك الحائض الوداع

أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ ‏(‏حَاضَتْ صَفِيَّةُ بَعْدَ مَا أَفَاضَتْ فَذَكَرْت حَيْضَهَا لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ أَحَابِسَتُنَا هِيَ‏؟‏ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا حَاضَتْ بَعْدَ مَا أَفَاضَتْ قَالَ فَلاَ إذًا‏)‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ ‏(‏أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ حَاضَتْ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ أَحَابِسَتُنَا هِيَ‏؟‏ فَقُلْت إنَّهَا قَدْ كَانَتْ أَفَاضَتْ ثُمَّ حَاضَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ فَلاَ إذًا‏)‏‏.‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ ‏(‏أَنَّ صَفِيَّةَ حَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ فَذَكَرَتْ عَائِشَةُ حَيْضَتَهَا لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ أَحَابِسَتُنَا هِيَ‏؟‏ فَقُلْت‏:‏ إنَّهَا قَدْ كَانَتْ أَفَاضَتْ ثُمَّ حَاضَتْ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ فَلْتَنْفِرْ إذًا‏)‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ ‏(‏رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ فَقِيلَ إنَّهَا قَدْ حَاضَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَعَلَّهَا حَابِسَتُنَا فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ قَالَ فَلاَ إذًا‏)‏‏.‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ وَنَحْنُ نَذْكُرُ ذَلِكَ فَلَمْ يَقْدَمْ النَّاسُ نِسَاءَهُمْ إنْ كَانَ لاَ يَنْفَعُهُمْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الَّذِي يَقُولُ لاََصْبَحَ ‏"‏ بِمِنًى ‏"‏ أَكْثَرُ مِنْ سِتَّةِ آلاَفِ امْرَأَةٍ حَائِضٍ‏.‏ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ ‏(‏عَنْ طَاوُسٍ قَالَ كُنْت مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ إذْ قَالَ لَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ أَتُفْتِي أَنْ تَصْدُرَ الْحَائِضُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهَا بِالْبَيْتِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، قَالَ فَلاَ تُفْتِ بِذَلِكَ قَالَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إمَّا لاَ، فَسَلْ فُلاَنَةَ الْأَنْصَارِيَّةَ هَلْ أَمَرَهَا بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-‏؟‏ قَالَ فَرَجَعَ إلَيْهِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَضْحَكُ وَيَقُولُ مَا أَرَاك إلَّا قَدْ صَدَقْت‏)‏، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ قَالَ ‏(‏اخْتَلَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ تَنْفِرُ، وَقَالَ زَيْدٌ لاَ تَنْفِرُ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ سَلْ، فَسَأَلَ أُمَّ سُلَيْمٍ وَصَوَاحِبَاتِهَا قَالَ فَذَهَبَ زَيْدٌ فَلَبِثَ عَنْهُ ثُمَّ جَاءَهُ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَ الْقَوْلُ مَا قُلْت‏)‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَتْ إذَا حَجَّتْ وَمَعَهَا نِسَاءٌ تَخَافُ أَنْ يَحِضْنَ قَدَّمَتْهُنَّ يَوْمَ النَّحْرِ فَأَفَضْنَ فَإِنْ حِضْنَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تَنْتَظِرْ بِهِنَّ أَنْ يَطْهُرْنَ تَنْفِرُ بِهِنَّ وَهُنَّ حُيَّضٌ‏.‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَأْمُرُ النِّسَاءَ أَنْ يُعَجِّلْنَ الْإِفَاضَةَ مَخَافَةَ الْحَيْضِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ‏:‏ جَلَسْت إلَى ابْنِ عُمَرَ فَسَمِعْته يَقُولُ ‏(‏لاَ يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ‏)‏ فَقُلْت مَا لَهُ أَمَا سَمِعَ مَا سَمِعَ أَصْحَابُهُ‏؟‏ ثُمَّ جَلَسْت إلَيْهِ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَسَمِعْته يَقُولُ زَعَمُوا أَنَّهُ رَخَّصَ لِلْمَرْأَةِ الْحَائِضِ‏.‏

‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ كَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - سَمِعَ الْأَمْرَ بِالْوَدَاعِ وَلَمْ يَسْمَعْ الرُّخْصَةَ لِلْحَائِضِ فَقَالَ بِهِ عَلَى الْعَامِ وَهَكَذَا يَنْبَغِي لَهُ وَلِمَنْ سَمِعَ عَامًا أَنْ يَقُولَ بِهِ فَلَمَّا بَلَغَهُ الرُّخْصَةُ لِلْحَائِضِ ذَكَرَهَا وَأَخْبَرَنَا عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ جَلَتْ عَائِشَةُ لِلنِّسَاءِ عَنْ ثَلاَثٍ، لاَ صَدْرَ لِحَائِضٍ إذَا أَفَاضَتْ بَعْدَ الْمُعَرَّفِ ثُمَّ حَاضَتْ قَبْلَ الصَّدْرِ وَإِذَا طَافَتْ الْمَرْأَةُ طَوَافَ الزِّيَارَةِ الَّذِي يُحِلُّهَا لِزَوْجِهَا ثُمَّ حَاضَتْ نَفَرَتْ بِغَيْرِ وَدَاعٍ، وَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهَا وَإِنْ طَهُرَتْ قَبْلَ أَنْ تَنْفِرَ فَعَلَيْهَا الْوَدَاعُ كَمَا يَكُونُ عَلَى الَّتِي لَمْ تَحِضْ مِنْ النِّسَاءِ، وَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ بُيُوتِ مَكَّةَ كُلِّهَا قَبْلَ أَنْ تَطْهُرَ ثُمَّ طَهُرَتْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا الْوَدَاعُ، وَإِنْ طَهُرَتْ فِي الْبُيُوتِ كَانَ عَلَيْهَا الْوَدَاعُ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَتْ الطُّهْرَ فَلَمْ تَجِدْ مَاءً كَانَ عَلَيْهَا الْوَدَاعُ كَمَا تَكُونُ عَلَيْهَا الصَّلاَةُ، فَإِنْ كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً طَافَتْ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي تُصَلِّي فِيهَا فَإِنْ بَدَأَتْ بِهَا الِاسْتِحَاضَةُ قُلْنَا لَهَا، تَقِفُ حَتَّى تَعْلَمَ قَدْرَ حَيْضَتِهَا وَاسْتِحَاضَتِهَا فَنَفَرَتْ فَعَلِمْنَا أَنَّ الْيَوْمَ الَّذِي نَفَرَتْ فِيهِ يَوْمَ طُهْرٍ كَانَ عَلَيْهَا دَمٌ لِتَرْكِ الْوَدَاعِ، وَإِنْ كَانَ يَوْمُ حَيْضٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا دَمٌ‏.‏

  السابق   الآيات القرآنية   الفهرس   التالي