باب التعريض في خطبة النكاح
[أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ] قَالَ: [قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ} الآيَةَ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} أَنَّهُ يَقُولُ الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا إنَّك عَلَيَّ لَكَرِيمَةٌ وَأَنِّي فِيك لَرَاغِبٌ فَإِنَّ اللَّهَ لَسَائِقٌ إلَيْك خَيْرًا وَرِزْقًا وَنَحْوَ هَذَا مِنْ الْقَوْلِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: كِتَابُ اللَّهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّعْرِيضَ فِي الْعِدَّةِ جَائِزٌ لِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ التَّعْرِيضِ إلَّا مَا نَهَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ مِنْ السِّرِّ وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاسِمُ بَعْضَهُ وَالتَّعْرِيضُ كَثِيرٌ وَاسِعٌ جَائِزٌ كُلُّهُ وَهُوَ خِلاَفُ التَّصْرِيحِ وَهُوَ مَا يُعَرِّضُ بِهِ الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ مِمَّا يَدُلُّهَا عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ خِطْبَتَهَا بِغَيْرِ تَصْرِيحٍ وَالسِّرُّ الَّذِي نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يَجْمَعُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَنَّهُ تَصْرِيحٌ وَالتَّصْرِيحُ خِلاَفُ التَّعْرِيضِ وَتَصْرِيحٌ بِجِمَاعٍ وَهَذَا كَأَقْبَحِ التَّصْرِيحِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ السِّرَّ الْجِمَاعُ؟ قِيلَ فَالْقُرْآنُ كَالدَّلِيلِ عَلَيْهِ إذَا أَبَاحَ التَّعْرِيضَ وَالتَّعْرِيضُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ جَائِزٌ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَإِذَا كَانَ هَذَا فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ السِّرَّ سِرُّ التَّعْرِيضِ وَلاَ بُدَّ مِنْ مَعْنًى غَيْرِهِ وَذَلِكَ الْمَعْنَى الْجِمَاعُ وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
أَلاَ زَعَمْت بَسْبَاسَةُ الْقَوْمِ أَنَّنِي ** كَبُرْت وَأَنْ لاَ يُحْسِنَ السِّرَّ أَمْثَالِي.
كَذَبْت لَقَدْ أَصْبَى عَلَى الْمَرْءِ عُرْسُهُ ** وَأَمْنَعُ عُرْسِي أَنْ يَزْنِ بِهَا الْخَالِي.
وَقَالَ جَرِيرٌ يَرْثِي امْرَأَتَهُ:
كَانَتْ إذَا هَجَرَ الْخَلِيلُ فِرَاشَهَا ** خَزْنَ الْحَدِيثِ وَعَفَّتْ الْأَسْرَارَ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَإِذَا عَلِمَ أَنَّ حَدِيثَهَا مَخْزُونٌ فَخَزْنُ الْحَدِيثِ أَنْ لاَ يُبَاحَ بِهِ سِرًّا وَلاَ عَلاَنِيَةً فَإِذَا وَصَفَهَا فَلاَ مَعْنَى لِلْعَفَافِ غَيْرَ الْإِسْرَارِ وَالْإِسْرَارُ الْجِمَاعُ.
ما جاء في الصداق
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} وَقَالَ {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} وَقَالَ {وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} وَقَالَ {وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَءَاتَيْتُمْ} الآيَةَ. وَقَالَ {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} وَقَالَ {وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} فَأَمَرَ اللَّهُ الْأَزْوَاجَ أَنْ يُؤْتُوا النِّسَاءَ أُجُورَهُنَّ وَصَدُقَاتِهِنَّ وَالْأَجْرُ هُوَ الصَّدَاقُ وَالصَّدَاقُ هُوَ الْأَجْرُ وَالْمَهْرُ وَهِيَ كَلِمَةٌ عَرَبِيَّةٌ تُسَمَّى بِعِدَّةِ أَسْمَاءٍ فَيَحْتَمِلُ هَذَا أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِالصَّدَاقِ مَنْ فَرَضَهُ دُونَ مَنْ لَمْ يَفْرِضْهُ دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ لِأَنَّهُ حَقٌّ أَلْزَمَهُ نَفْسَهُ وَلاَ يَكُونُ لَهُ حَبْسٌ لِشَيْءٍ مِنْهُ إلَّا بِالْمَعْنَى الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يَجِبُ بِالْعُقْدَةِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ مَهْرًا وَلَمْ يَدْخُلْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ لاَ يَلْزَمُ إلَّا بِأَنْ يَلْزَمَهُ الْمَرْءُ نَفْسُهُ أَوْ يَدْخُلَ بِالْمَرْأَةِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا فَلَمَّا احْتَمَلَ الْمَعَانِيَ الثَّلاَثَ كَانَ أَوْلاَهَا أَنْ يُقَالَ بِهِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الدَّلاَلَةُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ فَاسْتَدْلَلْنَا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ} عَلَى أَنَّ عُقْدَةَ النِّكَاحِ تَصِحُّ بِغَيْرِ فَرِيضَةِ صَدَاقٍ. وَذَلِكَ أَنَّ الطَّلاَقَ لاَ يَقَعُ إلَّا عَلَى مَنْ تَصِحُّ عُقْدَةُ نِكَاحِهِ، وَإِذَا جَازَ أَنْ يَعْقِدَ النِّكَاحَ بِغَيْرِ مَهْرٍ فَيَثْبُتُ بِهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخِلاَفَ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبُيُوعِ، الْبُيُوعُ لاَ تَنْعَقِدُ إلَّا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَالنِّكَاحُ يَنْعَقِدُ بِغَيْرِ مَهْرٍ وَإِذَا جَازَ أَنْ يَنْعَقِدَ بِغَيْرِ مَهْرٍ فَيَثْبُتُ اسْتِدْلاَلُنَا عَلَى أَنَّ الْعُقْدَةَ تَصِحُّ بِالْكَلاَمِ وَأَنَّ الصَّدَاقَ لاَ يُفْسِدُ عُقْدَةَ النِّكَاحِ أَبَدًا وَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَلَوْ عَقَدَ النِّكَاحَ بِمَهْرٍ مَجْهُولٍ أَوْ حَرَامٍ ثَبَتَتْ الْعُقْدَةُ بِالْكَلاَمِ وَكَانَ لِلْمَرْأَةِ مَهْرُ مِثْلِهَا إذَا أُصِيبَتْ عَلَى أَنَّهُ لاَ صَدَاقَ عَلَى مَنْ طَلَّقَ إذَا لَمْ يُسَمِّ مَهْرًا وَلَمْ يَدْخُلْ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَجِبُ بِالْعُقْدَةِ وَالْمَسِيسِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ مَهْرًا بِالآيَةِ وَبِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} يُرِيدُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالنِّكَاحِ وَالْمَسِيسِ بِغَيْرِ مَهْرٍ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَنْكِحَ فَيَمَسَّ إلَّا لَزِمَهُ مَهْرٌ مَعَ دَلاَلَةِ الْآيِ قَبْلَهُ.
وَدَلَّ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} عَلَى أَنْ لاَ وَقْتَ فِي الصَّدَاقِ كَثُرَ أَوْ قَلَّ لِتَرْكِهِ النَّهْيَ عَنْ الْقِنْطَارِ وَهُوَ كَثِيرٌ وَتَرْكِهِ حَدًّا لِلْقَلِيلِ وَدَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْإِجْمَاعِ فَنَقُولُ أَقَلُّ مَا يَجُوزُ فِي الْمَهْرِ أَقَلُّ مَا يَتَمَوَّلُ النَّاسُ مِمَّا لَوْ اسْتَهْلَكَهُ رَجُلٌ لِرَجُلٍ كَانَتْ لَهُ قِيمَةٌ وَمَا يَتَبَايَعُهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ وَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ؟ قِيلَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أَدُّوا الْعَلاَئِقَ قِيلَ وَمَا الْعَلاَئِقُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْأَهْلُونَ) وَلاَ يَقَعُ اسْمُ عَلَقٍ إلَّا عَلَى مَا يُتَمَوَّلُ وَإِنْ قَلَّ وَلاَ يَقَعُ اسْمُ مَالٍ إلَّا عَلَى مَا لَهُ قِيمَةٌ يُبَاعُ بِهَا وَتَكُونُ إذَا اسْتَهْلَكَهَا مُسْتَهْلِكٌ أَدَّى قِيمَتَهَا وَإِنْ قَلَّتْ وَمَا لاَ يَطْرَحُهُ النَّاسُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِثْلُ الْفَلْسِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ الَّذِي يَطْرَحُونَهُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَالْقَصْدُ فِي الْمَهْرِ أَحَبُّ إلَيْنَا وَأَسْتَحِبُّ أَنْ لاَ يَزِيدَ فِي الْمَهْرِ عَلَى مَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نِسَاءَهُ وَبَنَاتِهِ وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ. طَلَبُ الْبَرَكَةِ فِي كُلِّ أَمْرٍ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- [أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ] قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ سَأَلْت عَائِشَةَ رضي الله عنها: كَمْ كَانَ صَدَاقُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَتْ كَانَ صَدَاقُهُ لِأَزْوَاجِهِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشَّ قَالَتْ أَتَدْرِي مَا النَّشُّ؟ قُلْت: لاَ قَالَتْ نِصْفُ أُوقِيَّةٍ فَذَلِكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ فَذَاكَ صَدَاقُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَزْوَاجِهِ [أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ] قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ إنِّي وَهَبْت نَفْسِي لَك فَقَامَتْ قِيَامًا طَوِيلاً فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوِّجْنِيهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَك بِهَا حَاجَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَلْ عِنْدَك شَيْءٌ تَصْدُقُهَا إيَّاهُ؟ فَقَالَ مَا عِنْدِي إلَّا إزَارِي هَذَا فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنْ أَعْطَيْتهَا إيَّاهُ جَلَسْت لاَ إزَارَ لَك قَالَ فَالْتَمِسْ شَيْئًا قَالَ مَا أَجِدُ شَيْئًا فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَالْخَاتَمُ مِنْ الْحَدِيدِ لاَ يَسْوَى دِرْهَمًا وَلاَ قَرِيبًا مِنْهُ وَلَكِنْ لَهُ ثَمَنٌ قَدْرُ مَا يَتَبَايَعُ بِهِ النَّاسُ عَلَى مَا وَصَفْنَا فِي الَّذِي قَبْلَ هَذَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَزَوَّجَ عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ.
باب الخلاف في الصداق
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الصَّدَاقَ غَيْرَ مُوَقَّتٍ وَاخْتَلَفَ الصَّدَاقُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَارْتَفَعَ وَانْخَفَضَ وَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهُ مَا وَصَفْنَا مِنْ خَاتَمِ الْحَدِيدِ وَقَالَ مَا تَرَاضَى بِهِ الْأَهْلُونَ، وَرَأَيْنَا الْمُسْلِمِينَ قَالُوا فِي الَّتِي لاَ يُفْرَضُ لَهَا إذَا أُصِيبَتْ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ الصَّدَاقَ ثَمَنٌ مِنْ الْأَثْمَانِ وَالثَّمَنُ مَا تَرَاضَى بِهِ مَنْ يَجِبُ لَهُ وَمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ مَنْ قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَعَلِمْنَا أَنَّ كُلَّ مَا كَانَتْ لَهُ قِيمَةٌ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ فَتَرَاضَى بِهِ الزَّوْجَانِ كَانَ صَدَاقًا وَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا فَقَالَ لاَ يَكُونُ الصَّدَاقُ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَسَأَلْنَا عَنْ حُجَّتِنَا بِمَا قُلْنَا فَذَكَرْنَا لَهُ مَا قُلْنَا مِنْ هَذَا الْقَوْلِ فِيمَا كَتَبْنَا وَقُلْنَا بِأَيِّ شَيْءٍ خَالَفْتنَا؟ قَالَ رَوَيْنَا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يَكُونُ الصَّدَاقُ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَذَلِكَ مَا تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ قُلْت قَدْ حَدَّثْنَاكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيثًا ثَابِتًا وَلَيْسَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حُجَّةٌ وَحَدِيثُك عَمَّنْ حَدَّثْت عَنْهُ لَوْ كَانَ ثَابِتًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَيْفَ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ؟ قَالَ فَيَقْبُحُ أَنْ نُبِيحَ فَرْجًا بِشَيْءٍ تَافِهٍ؟ قُلْنَا أَرَأَيْت رَجُلاً لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِدِرْهَمٍ أَيَحِلُّ لَهُ فَرْجُهَا؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَقَدْ أَحْلَلْت الْفَرْجَ بِشَيْءٍ تَافِهٍ وَزِدْت مَعَ الْفَرْجِ رَقَبَةً وَكَذَلِكَ تُبِيحُ عَشْرَ جَوَارٍ بِدِرْهَمٍ فِي الْبَيْعِ وَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت شَرِيفًا يَنْكِحُ امْرَأَةً دَنِيَّةً سَيِّئَةَ الْحَالِ بِدِرْهَمٍ أَدِرْهَمٌ أَكْثَرُ لَهَا عَلَى قَدْرِهَا وَقَدْرِهِ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ لِامْرَأَةٍ شَرِيفَةٍ جَمِيلَةٍ فَاضِلَةٍ مِنْ رَجُلٍ دَنِيءٍ صَغِيرِ الْقَدْرِ؟ قَالَ بَلْ عَشْرَةٌ لِهَذِهِ لِقَدْرِهَا أَقَلَّ قُلْت: فَلِمَ تُجِيزُ لَهَا التَّافِهَ فِي قَدْرِهَا؟ وَأَنْتَ لَوْ فَرَضْت لَهَا مَهْرًا فَرَضْته الْأَقَلَّ وَلَوْ فَرَضْت لِأُخْرَى لَمْ تُجَاوِزْ بِهَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لِأَنَّ ذَلِكَ كَثِيرٌ لَهَا وَلاَ يُجَاوِزُ بِهِ مَهْرَ مِثْلِهَا قَالَ رَضِيت بِهِ قُلْت فَلَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا مِائَةَ مَرَّةٍ أَجَزْته لَهَا وَعَلَيْهَا؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت أَلَيْسَ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِهِ؟ قَالَ بَلَى قُلْت قَدْ رَضِيت الدَّنِيئَةَ بِدِرْهَمٍ وَهُوَ لَهَا بِقَدْرِهَا أَكْثَرُ فَزِدْتهَا عَلَيْهِ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ قُلْت أَرَأَيْت لَوْ قَالَ لَك قَائِلٌ: لَوْ أَنَّ امْرَأَةً كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفًا فَرَضِيَتْ بِمِائَةٍ أَلْحَقْتهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفًا فَأَصْدَقَهَا رَجُلٌ عَشْرَةَ آلاَفٍ رَدَدْتهَا إلَى أَلْفٍ حَتَّى يَكُونَ الصَّدَاقُ مُؤَقَّتًا عَلَى أَلْفٍ قَدْرَ مَهْرِ مِثْلِهَا؟ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ قُلْت وَتَجْعَلُهُ هَهُنَا كَالْبُيُوعِ تُجِيزُ فِيهِ التَّغَابُنَ لِأَنَّ النَّاكِحَ رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ وَالْمَنْكُوحَةَ رَضِيَتْ بِالنُّقْصَانِ وَأَجَزْت عَلَى كُلٍّ مَا رَضِيَ بِهِ؟ قَالَ نَعَمْ. قُلْت: فَكَذَلِكَ لَوْ نَكَحَتْ بِغَيْرِ مَهْرٍ فَأَصَابَهَا جَعَلْت لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا عَشْرَةً كَانَ أَوْ أَلْفًا؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَأَسْمَعُك تُشَبِّهُ الْمَهْرَ بِالْبَيْعِ فِي كُلِّ شَيْءٍ بَلَغَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَتُجِيزُ فِيهِ مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ ثُمَّ تَرُدُّهُ إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِصَدَاقٍ وَتُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبُيُوعِ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَتَقُولُ إذَا رَضِيت بِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ رَدَدْتهَا حَتَّى أَبْلُغَ بِهَا عَشْرَةَ وَالْبَيْعُ عِنْدَك إذَا رَضِيَ فِيهِ بِأَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ أَجَزْته قُلْت أَرَأَيْت لَوْ قَالَ لَك قَائِلٌ: لاَ أَرَاك قُمْت مِنْ الصَّدَاقِ عَلَى شَيْءٍ يَعْتَدِلُ فِيهِ قَوْلُك فَأَرْجِعُ بِك فِي الصَّدَاقِ إلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} وَذِكْرُ الصَّدَاقِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ الْقُرْآنِ سَوَاءٌ فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ حَدًّا فَتَجْعَلُ الصَّدَاقَ قِنْطَارًا لاَ أَنْقَصَ مِنْهُ وَلاَ أَزْيَدَ عَلَيْهِ. قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَفْرِضْهُ عَلَى النَّاسِ وَأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصْدَقَ أَقَلَّ مِنْهُ وَأَصْدَقَ فِي زَمَانِهِ وَأَجَازَ أَقَلَّ مِنْهُ فَقُلْنَا قَدْ أَوْجَدْنَاك رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجَازَ فِي الصَّدَاقِ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَتَرَكْته وَقُلْت بِخِلاَفِهِ وَقُلْت مَا تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ وَمَا لِلْيَدِ وَالْمَهْرُ وَقُلْت أَرَأَيْت لَوْ قَالَ قَائِلٌ أُحِدُّ الصَّدَاقَ وَلاَ أُجِيزُ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ قَالَ هُوَ ثَمَنٌ لِلْمَرْأَةِ لاَ يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ قَالَ فِي الْبِكْرِ كَالْجِنَايَةِ فَفِيهِ أَرْشُ جَائِفَةٍ أَوْ قَالَ لاَ يَكُونُ أَقَلَّ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَهُوَ مِائَتَا دِرْهَمٍ أَوْ عِشْرُونَ دِينَارًا مَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِ؟ قَالَ لَيْسَ الْمَهْرُ مِنْ هَذَا بِسَبِيلٍ قُلْت أَجَلْ وَلاَ مِمَّا تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ بَلْ بَعْضُ هَذَا أَوْلَى أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ مِمَّا تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ إنْ كَانَ هَذَا مِنْهُ بَعِيدًا.
باب ما جاء في النكاح على الإجارة
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: الصَّدَاقُ ثَمَنٌ مِنْ الْأَثْمَانِ فَكُلُّ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا صَلُحَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ إلَى الرَّجُلِ عَلَى أَنْ يَخِيطَ لَهَا الثَّوْبَ وَيَبْنِيَ لَهَا الْبَيْتَ وَيَذْهَبَ بِهَا الْبَلَدَ وَيَعْمَلَ لَهَا الْعَمَلَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى هَذَا؟ قِيلَ إذَا كَانَ الْمَهْرُ ثَمَنًا كَانَ فِي مَعْنَى هَذَا وَقَدْ أَجَازَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْإِجَارَةِ فِي كِتَابِهِ وَأَجَازَهُ الْمُسْلِمُونَ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وَذَكَرَ قِصَّةَ شُعَيْبٍ وَمُوسَى صلى الله عليهما وسلم فِي النِّكَاحِ فَقَالَ {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْت الْقَوِيُّ الْأَمِينُ قَالَ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَك إحْدَى ابْنَتَيْ هَاتَيْنِ} الآيَةَ. وَقَالَ {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا} قَالَ وَلاَ أَحْفَظُ مِنْ أَحَدٍ خِلاَفًا فِي أَنَّ مَا جَازَتْ عَلَيْهِ الْإِجَارَةُ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا فَمَنْ نَكَحَ بِأَنْ يَعْمَلَ عَمَلاً فَعَمِلَهُ كُلَّهُ ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ رَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْعَمَلِ وَمَنْ لَمْ يَعْمَلْهُ ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ عَمِلَ نِصْفَهُ فَإِنْ فَاتَ الْمَعْمُولُ بِأَنْ يَكُونَ ثَوْبًا فَهَلَكَ كَانَ لِلْمَرْأَةِ مِثْلُ نِصْفِ أَجْرِ خِيَاطَةِ الثَّوْبِ أَوْ عَمَلِهِ مَا كَانَ [قَالَ الرَّبِيعُ]: رَجَعَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فَقَالَ يَكُونُ لَهَا نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا غَيْرَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَالَ يَجُوزُ هَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ غَيْرَ تَعْلِيمِ الْخَيْرِ فَإِنَّهُ لاَ أَجْرَ عَلَى تَعْلِيمِ الْخَيْرِ، وَلَوْ نَكَحَ رَجُلٌ امْرَأَةً عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهَا خَيْرًا كَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لِأَنَّهُ لاَ يَصْلُحُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ رَجُلٌ رَجُلاً عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهُ خَيْرًا قُرْآنًا وَلاَ غَيْرَهُ، وَلَوْ صَلُحَ هَذَا كَانَ تَعْلِيمُ الْخَيْرِ كَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ يَجُوزُ النِّكَاحُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي خِيَاطَةِ الثَّوْبِ إذَا عَلَّمَهَا الْخَيْرَ وَطَلَّقَهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ أَجْرِ تَعْلِيمِ ذَلِكَ الْخَيْرِ وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يُعَلِّمَهَا رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِنِصْفِ أَجْرِ تَعْلِيمِ ذَلِكَ الْخَيْرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا وَيُعَلِّمَهَا وَهَذَا قَوْلٌ صَحِيحٌ عَلَى السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ مَعًا لَوْ تَابَعْنَا فِي تَجْوِيزِ الْأَجْرِ عَلَى تَعْلِيمِ الْخَيْرِ [رَجَعَ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا] قَالَ الرَّبِيعُ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ: إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَخِيطَ لَهَا ثَوْبًا بِعَيْنِهِ أَوْ يُعْطِيَهَا شَيْئًا بِعَيْنِهِ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَهَلَكَ الثَّوْبُ قَبْلَ أَنْ يَخِيطَهُ أَوْ هَلَكَ الشَّيْءُ الَّذِي بِعَيْنِهِ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِنِصْفِ صَدَاقِ مِثْلِهَا. وَاحْتَجَّ بِأَنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِدِينَارٍ فَهَلَكَ الشَّيْءُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ رَجَعَ بِدِينَارِهِ فَأَخَذَهُ فَهَذِهِ الْمَرْأَةُ إنَّمَا مَلَكَتْ خِيَاطَةَ الثَّوْبِ بِبُضْعِهَا فَلَمَّا هَلَكَ الثَّوْبُ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَهُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى خِيَاطَتِهِ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِمَا مَلَكَتْ بِهِ الْخِيَاطَةَ وَهُوَ بُضْعُهَا وَهُوَ الثَّمَنُ الَّذِي اشْتَرَتْ بِهِ الْخِيَاطَةَ [قَالَ الرَّبِيعُ]: وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ آخِرُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
باب النهي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ: قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ (لاَ يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ) أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ (لاَ يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ يَحْتَمِلاَنِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مِنْهُمَا إذَا خَطَبَ غَيْرُهُ امْرَأَةً أَنْ لاَ يَخْطُبَهَا حَتَّى تَأْذَنَ أَوْ يَتْرُكَ رَضِيَتْ الْمَرْأَةُ الْخَاطِبَ أَوْ سَخِطَتْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ رِضَا الْمَخْطُوبَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْخَاطِبُ الْآخَرُ أَرْجَحَ عِنْدَهَا مِنْ الْخَاطِبِ الْأَوَّلِ الَّذِي رَضِيَتْهُ تَرَكَتْ مَا رَضِيَتْ بِهِ الْأَوَّلَ فَكَانَ هَذَا فَسَادًا عَلَيْهِ وَفِي الْفَسَادِ مَا يُشْبِهُ الْإِضْرَارَ بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَلَمَّا احْتَمَلَ الْمَعْنَيَيْنِ وَغَيْرِهِمَا كَانَ أَوْلاَهُمَا أَنْ يُقَالَ بِهِ مَا وَجَدْنَا الدَّلاَلَةَ تُوَافِقُهُ فَوَجَدْنَا الدَّلاَلَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أَنَّ أَنْهَى أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ رَاضِيَةً [قَالَ]: وَرِضَاهَا إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا أَنْ تَأْذَنَ بِالنِّكَاحِ بِنَعَمْ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا أَنْ تَسْكُتَ فَيَكُونَ ذَلِكَ إذْنَهَا وَقَالَ لِي قَائِلٌ أَنْتَ تَقُولُ: الْحَدِيثُ عَلَى عُمُومِهِ وَظُهُورِهِ وَإِنْ احْتَمَلَ مَعْنًى غَيْرَ الْعَامِّ وَالظَّاهِرِ حَتَّى تَأْتِيَ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّهُ خَاصٌّ دُونَ عَامٍّ وَبَاطِنٌ دُونَ ظَاهِرٍ قُلْت: فَكَذَلِكَ أَقُولُ قَالَ فَمَا مَنَعَك أَنْ تَقُولَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (لاَ يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ) وَإِنْ لَمْ تُظْهِرْ الْمَرْأَةُ رِضَا أَنَّهُ لاَ يَخْطُبُ حَتَّى يَتْرُكَ الْخِطْبَةَ فَكَيْفَ صِرْت فِيهِ إلَى مَا لاَ يَحْتَمِلُهُ الْحَدِيثُ بَاطِنًا خَاصًّا دُونَ ظَاهِرٍ عَامٍّ؟ قُلْت بِالدَّلاَلَةِ قَالَ وَمَا الدَّلاَلَةُ؟ قُلْت أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهَا إذَا حَلَلْت فَآذِنِينِي قَالَتْ فَلَمَّا حَلَلْت أَخْبَرْته أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي فَقَالَ أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لاَ مَالَ لَهُ وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلاَ يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ انْكِحِي أُسَامَةَ فَكَرِهَتْهُ فَقَالَ انْكِحِي أُسَامَةَ فَنَكَحْته فَجَعَلَ اللَّهُ لِي فِيهِ خَيْرًا وَاغْتَبَطْت بِهِ).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: فَقُلْت لَهُ قَدْ أَخْبَرَتْهُ فَاطِمَةُ أَنَّ رَجُلَيْنِ خَطَبَاهَا وَلاَ أَحْسِبُهُمَا يَخْطُبَانِهَا إلَّا وَقَدْ تَقَدَّمَتْ خِطْبَةُ أَحَدِهِمَا خِطْبَةَ الْآخَرِ لِأَنَّهُ قَلَّ مَا يَخْطُبُ اثْنَانِ مَعًا فِي وَقْتٍ فَلَمْ تَعْلَمْهُ قَالَ لَهَا مَا كَانَ يَنْبَغِي لَك أَنْ يَخْطُبَك وَاحِدٌ حَتَّى يَدَعَ الْآخَرُ خِطْبَتَك وَلاَ قَالَ ذَلِكَ لَهَا وَخَطَبَهَا هُوَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى غَيْرِهِمَا وَلَمْ يَكُنْ فِي حَدِيثِهَا أَنَّهَا رَضِيَتْ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَلاَ سَخِطَتْهُ وَحَدِيثُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مُرْتَادَةٌ وَلاَ رَاضِيَةٌ بِهِمَا وَلاَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَمُنْتَظِرَةٌ غَيْرَهُمَا أَوْ مُمِيلَةٌ بَيْنَهُمَا فَلَمَّا خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أُسَامَةَ وَنَكَحَتْهُ دَلَّ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ الْخِطْبَةَ وَاسِعَةٌ لِلْخَاطِبَيْنِ مَا لَمْ تَرْضَ الْمَرْأَةُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَقَالَ أَرَأَيْت إنْ قُلْت هَذَا مُخَالِفٌ حَدِيثَ (لاَ يَخْطُبُ الْمَرْءُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ) وَهُوَ نَاسِخٌ لَهُ؟ فَقُلْت لَهُ أَوَيَكُونُ نَاسِخٌ أَبَدًا إلَّا مَا يُخَالِفُهُ الْخِلاَفُ الَّذِي لاَ يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُ الْحَدِيثَيْنِ مَعًا؟ قَالَ لاَ قُلْت أَفَيُمْكِنُ اسْتِعْمَالُ الْحَدِيثَيْنِ مَعًا عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ الْحَالَ الَّتِي يَخْطُبُ الْمَرْءُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ بَعْدَ الرِّضَا مَكْرُوهَةٌ وَقَبْلَ الرِّضَا غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ لِاخْتِلاَفِ حَالِ الْمَرْأَةِ قَبْلَ الرِّضَا وَبَعْدَهُ؟ قَالَ نَعَمْ. قُلْت لَهُ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُطْرَحَ حَدِيثٌ وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ لاَ يُخَالِفَهُ وَلاَ يَدْرِي أَيُّهُمَا النَّاسِخُ أَرَأَيْت إنْ قَالَ قَائِلٌ: حَدِيثُ فَاطِمَةَ النَّاسِخُ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ بِكُلِّ حَالٍ مَا حُجَّتُك عَلَيْهِ إلَّا مِثْلُ حُجَّتِك عَلَى مَنْ خَالَفَك فَقَالَ أَنْتَ وَنَحْنُ نَقُولُ إذَا احْتَمَلَ الْحَدِيثَانِ أَنْ يُسْتَعْمَلاَ لَمْ يُطْرَحْ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَأَبِنْ لِي ذَلِكَ قُلْت لَهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ وَأَرْخَصَ فِي أَنْ يُسْلِفَ فِي الْكَيْلِ الْمَعْلُومِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ) وَهَذَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَقُلْت النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك بِعَيْنِهِ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْك فَأَمَّا الْمَضْمُونُ فَهُوَ بَيْعُ صِفَةٍ فَاسْتَعْمَلْنَا الْحَدِيثَيْنِ مَعًا قَالَ هَكَذَا نَقُولُ قُلْت هَذِهِ حُجَّةٌ عَلَيْك قَالَ فَإِنَّ صَاحِبَنَا قَالَ لاَ يَخْطُبُ رَضِيَتْ أَوْ لَمْ تَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ. قُلْت: فَهَذَا خِلاَفَ الْحَدِيثِ ضَرَرٌ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي أَنْ يَكُفَّ عَنْ خِطْبَتِهَا حَتَّى يَتْرُكَهَا مَنْ لَعَلَّهُ يُضَارُّهَا وَلاَ يَتْرُكُ خِطْبَتَهَا أَبَدًا قَالَ هَذَا أَحْسَنُ مِمَّا قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَنَا أَرْجِعُ إلَيْهِ وَلَكِنْ قَدْ قَالَ غَيْرُك لاَ يَخْطُبُهَا إذَا رَكَنَتْ وَجَاءَتْ الدَّلاَلَةُ عَلَى الرِّضَا بِأَنْ تَشْتَرِطَ لِنَفْسِهَا فَكَيْفَ زَعَمْت بِأَنَّ الْخَاطِبَ لاَ يَدَعُ الْخِطْبَةَ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَلاَ يَدَعُهَا حَتَّى تَنْطِقَ الثَّيِّبُ بِالرِّضَا وَتَسْكُتَ الْبِكْرُ؟ فَقُلْت لَهُ لَمَّا وَجَدْت رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يَرُدُّ خِطْبَةَ أَبِي جُهَيْمٍ وَمُعَاوِيَةَ فَاطِمَةَ وَيَخْطُبُهَا عَلَى أُسَامَةَ عَلَى خِطْبَتِهِمَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَدِيثِ مَخْرَجٌ إلَّا مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهَا لَمْ تَذْكُرْ رِضًا وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ النُّطْقِ بِالرِّضَا وَالسُّكُوتِ عَنْهُ عِنْدَ الْخِطْبَةِ مَنْزِلَةٌ مُبَايِنَةٌ لِحَالِهَا الْأُولَى عِنْدَ الْخِطْبَةِ فَإِنْ قُلْت الرُّكُونُ وَالِاشْتِرَاطُ؟ قُلْت لَهُ أَوَيَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُزَوِّجَهَا عِنْدَ الرُّكُونِ وَالِاشْتِرَاطِ؟ قَالَ: لاَ حَتَّى تَنْطِقَ بِالرِّضَا إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا وَتَسْكُتَ إنْ كَانَتْ بِكْرًا، فَقُلْت لَهُ أَرَى حَالَهَا عِنْدَ الرُّكُونِ وَبَعْدَ غَيْرِ الرُّكُونِ بَعْدَ الْخِطْبَةِ سَوَاءٌ لاَ يُزَوِّجُهَا الْوَلِيُّ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قَالَ أَجَلْ وَلَكِنَّهَا رَاكِنَةٌ مُخَالِفَةٌ حَالَهَا غَيْرَ رَاكِنَةٍ، قُلْت أَرَأَيْت إذَا خَطَبَهَا فَشَتَمَتْهُ وَقَالَتْ لَسْت لِذَلِكَ بِأَهْلٍ وَحَلَفَتْ لاَ تَنْكِحُهُ ثُمَّ عَاوَدَ الْخِطْبَةَ فَلَمْ تَقُلْ: لاَ وَلاَ نَعَمْ أَحَالُ الْأُخْرَى مُخَالِفَةٌ لِحَالِهَا الْأُولَى؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت أَفَتَحْرُمُ خِطْبَتُهَا عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْت لِاخْتِلاَفِ حَالِهَا؟ قَالَ: لاَ لِأَنَّ الْحُكْمَ لاَ يَتَغَيَّرُ فِي جَوَازِ تَزْوِيجِهَا إنَّمَا تَسْتَبِينُ فِي قَوْلِك إذَا كَشَفَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَالَةَ الَّتِي تَكُفُّ فِيهَا عَنْ الرِّضَا غَيْرُ الْحَالِ الَّتِي تَنْطِقُ فِيهَا بِالرِّضَا حَتَّى يَجُوزَ لِلْوَلِيِّ تَزْوِيجُهَا فِيهَا قَالَ هَذَا أَظْهَرُ مَعَانِيهَا، قُلْت فَأَظْهَرُهَا أَوْلاَهَا بِنَا وَبِك.
ما جاء في نكاح المشرك
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} فَانْتَهَى عَدَدُ مَا رَخَّصَ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ إلَى أَرْبَعٍ لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ إلَّا مَا خَصَّ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دُونَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ نِكَاحِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ يَجْمَعُهُنَّ وَمِنْ النِّكَاحِ بِغَيْرِ مَهْرٍ فَقَالَ عَزَّ وَعَلاَ (خَالِصَةً لَك مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ أَحْسِبُهُ إسْمَاعِيلَ بْنَ إبْرَاهِيمَ " شَكَّ الشَّافِعِيُّ " عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ (أَنَّ غَيْلاَنَ بْنَ سَلَمَةَ الثَّقَفِيَّ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ (نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الدَّيْلَمِيِّ: قَالَ أَسْلَمْت وَتَحْتِي خَمْسُ نِسْوَةٍ فَسَأَلْت النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ فَارِقْ وَاحِدَةً وَأَمْسِكْ أَرْبَعًا فَعَمَدْت إلَى أَقْدَمِهِنَّ عِنْدِي عَجُوزًا عَاقِرًا مُنْذُ سِتِّينَ سَنَةً فَفَارَقْتهَا)، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجَيَشَانِيَّ عَنْ أَبِي خِرَاشٍ (عَنْ الدَّيْلَمِيِّ أَوْ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ قَالَ أَسْلَمْت وَتَحْتِي أُخْتَانِ فَسَأَلْت النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَ أَيَّتَهمَا شِئْت وَأُفَارِقَ الْأُخْرَى).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَبِهَذَا نَقُولُ إذَا أَسْلَمَ الْمُشْرِكُ وَعِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ أَمْسَكَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا أَيَّتَهنَّ شَاءَ وَفَارَقَ سَائِرَهُنَّ لِأَنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ لاَ يُجْمَعَ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فِي الْإِسْلاَمِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلاَ أُبَالِي كُنَّ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ عُقَدٍ مُتَفَرِّقَةٍ أَوْ أَيَّتُهُنَّ فَارَقَ الْأُولَى مِمَّنْ نَكَحَ أَمْ الْآخِرَةَ إذَا كَانَ مَنْ يَمْسِكُ مِنْهُنَّ غَيْرَ ذَاتِ مَحْرَمٍ يَحْرُمُ عَلَيْهِ فِي الْإِسْلاَمِ أَنْ يَبْتَدِئَ نِكَاحَهَا بِكُلِّ وَجْهٍ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُسْلِمَ وَعِنْدَهُ أُخْتَانِ فَلاَ بُدَّ أَنْ يُفَارِقَ أَيَّتَهمَا شَاءَ لِأَنَّ مُحَرَّمًا بِكُلِّ وَجْهٍ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِسْلاَمِ وَمِثْلُهُ أَنْ يَكُونَ نَكَحَ امْرَأَةً وَابْنَتَهَا فَأَصَابَهُمَا فَيَحْرُمُ أَنْ يَبْتَدِئَ نِكَاحَ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي الْإِسْلاَمِ وَقَدْ أَصَابَهُمَا بِالنِّكَاحِ الَّذِي قَدْ يَجُوزُ مِثْلُهُ. وَلَوْ نَكَحَ أُخْتَيْنِ مَعًا وَلَمْ يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قُلْت لَهُ فَارِقْ أَيَّتَهمَا شِئْت وَأَمْسِكْ الْأُخْرَى وَلاَ أَنْظُرُ فِي ذَلِكَ إلَى أَيَّتِهِمَا نَكَحَ أَوَّلاً وَهَذَا الْقَوْلُ كُلُّهُ مُوَافِقٌ لِمَعْنَى السُّنَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَوْ أَسْلَمَ رَجُلٌ وَعِنْدَهُ يَهُودِيَّةٌ أَوْ نَصْرَانِيَّةٌ كَانَا عَلَى النِّكَاحِ لِأَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَهُوَ مُسْلِمٌ وَلَوْ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ وَثَنِيَّةٌ أَوْ مَجُوسِيَّةٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ إصَابَتُهَا إلَّا أَنْ تُسْلِمَ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ وَلَهُ وَطْءُ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّة بِالْمِلْكِ، وَلَيْسَ لَهُ وَطْءُ وَثَنِيَّةٍ وَلاَ مَجُوسِيَّةٍ بِمِلْكٍ إذَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُهَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا وَذَلِكَ لِلدِّينِ فِيهِمَا وَلاَ أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَطِئَ سَبِيَّةً عَرَبِيَّةً حَتَّى أَسْلَمَتْ وَإِذْ (حَرَّمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى مَنْ أَسْلَمَ أَنْ يَطَأَ امْرَأَةً وَثَنِيَّةً حَتَّى تُسْلِمَ فِي الْعِدَّةِ) دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنْ لاَ تُوطَأَ مَنْ كَانَتْ عَلَى دِينِهَا حَتَّى تُسْلِمَ مِنْ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ.
باب الخلاف في الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: [قَالَ الشَّافِعِيُّ]: قَالَ لِي بَعْضُ النَّاسِ مَا حُجَّتُك أَنْ يُفَارِقَ مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ وَإِنْ فَارَقَ اللَّاتِي نَكَحَ أَوَّلاً وَلَمْ تَقُلْ يَمْسِكُ الْأَرْبَعَ الْأَوَائِلَ وَيُفَارِقُ سَائِرَهُنَّ؟ فَقُلْت لَهُ بِحَدِيثِ الدَّيْلَمِيِّ وَحَدِيثِ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ أَفَرَأَيْت لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا أَوْ كَانَا غَيْرَ ثَابِتَيْنِ أَيَكُونُ لَك فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ حُجَّةٌ؟ قُلْت نَعَمْ وَمَا عَلَيَّ فِيمَا يَثْبُتُ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُقَالَ هَلْ فِيهِ حُجَّةٌ غَيْرُهُ بَلْ عَلَيَّ وَعَلَيْك التَّسْلِيمُ وَذَلِكَ طَاعَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ هَذَا كُلُّهُ كَمَا قُلْت وَعَلَيْنَا أَنْ نَقُولَ بِهِ إنْ كَانَ ثَابِتًا قُلْت إنْ كُنْت لاَ تُثْبِتُ مِثْلَهُ وَأَضْعَفَ مِنْهُ فَلَيْسَ عَلَيْك حُجَّةٌ فِيهِ فَارْدُدْ مَا كَانَ مِثْلَهُ قَالَ فَأُحِبُّ أَنْ تُعْلِمَنِي هَلْ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ حُجَّةٌ لَوْ لَمْ يَأْتِ غَيْرُهُ؟ قُلْت: نَعَمْ قَالَ وَأَيْنَ هِيَ؟ قُلْت: لَمَّا أَعْلَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَيْلاَنَ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَمْسِكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ وَلَمْ يَقُلْ لَهُ: الْأَرْبَعَ الْأَوَائِلَ اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ فِيمَا يَحِلُّ لَهُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مَعْنًى غَيْرُهُ عَلَّمَهُ إيَّاهُ لِأَنَّهُ مُبْتَدِئٌ لِلْإِسْلاَمِ لاَ عِلْمَ لَهُ قَبْلَ إسْلاَمِهِ فَيَعْلَمُ بَعْضًا وَيَسْكُتُ لَهُ عَمَّا يَعْلَمُ فِي غَيْرِهِ قَالَ أَوَلَيْسَ قَدْ يُعَلِّمُهُ الشَّيْئَيْنِ فَيُؤَدِّي أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ؟ قُلْت: بَلَى قَالَ فَلِمَ جَعَلْت هَذَا حُجَّةً وَقَدْ يُمْكِنُ فِيهِ مَا قُلْت؟ قُلْت لَهُ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا الْعَفْوُ عَمَّا فَاتَ مِنْ ابْتِدَاءِ عُقْدَةِ النِّكَاحِ وَمَنْ يَقَعُ عَلَيْهِ النِّكَاحُ مِنْ الْعَدَدِ فَلَمَّا لَمْ يَسْأَلْ عَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ أَوَّلاً وَلَمْ يَسْأَلْ عَنْ أَصْلِ عُقْدَةِ نِكَاحِهِنَّ. وَكَانَ أَهْلُ الْأَوْثَانِ لاَ يَعْقِدُونَ نِكَاحًا إلَّا نِكَاحًا لاَ يَصْلُحُ أَنْ يُبْتَدَأَ فِي الْإِسْلاَمِ فَعَفَاهُ وَإِذَا عَفَا عَقْدًا وَاحِدًا فَاسِدًا لِأَنَّهُ فَائِتٌ فِي الشِّرْكِ فَسَوَاءٌ كُلُّ عَقْدٍ فَاسِدٍ فِيهِ بِأَنْ يَنْكِحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَبِغَيْرِ شُهُودٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهُ فِي الْإِسْلاَمِ فَأَكْثَرُ مَا فِي النِّكَاحِ الزَّوَائِدُ عَلَى الْأَرْبَعِ فِي الشِّرْكِ بِأَنْ يَكُونَ نِكَاحُهُنَّ فَاسِدًا كَفَسَادِ مَا وَصَفْنَا فَإِذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْفُو عَنْ ذَلِكَ لِكُلِّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ وَيُقِرُّهُمْ عَلَى نِكَاحِهِمْ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا عِنْدَنَا فَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَ أَنْ يَحْبِسَ مَا عَقَدَ بَعْدَ الْأَرْبَعِ فِي الشِّرْكِ يَجُوزُ ذَلِكَ لَهُ لِأَنَّ أَكْثَرَ حَالاَتِهِنَّ أَنْ يَكُونَ نِكَاحُهُنَّ فَاسِدًا وَلاَ شَيْءَ أَوْلَى أَنْ يُشَبَّهَ بِشَيْءٍ مِنْ عَقْدٍ فَاسِدٍ يُعْفَى عَنْهُ بِعَقْدٍ يُعْفَى عَنْهُ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا حُجَّةٌ غَيْرُ هَذَا لاَكْتَفَى بِهَا فَكَيْفَ وَمَعَهُ تَخْيِيرُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إيَّاهُ وَتَرَكَ مَسْأَلَتَهُ عَنْ الْأَوَائِلِ وَالْأَوَاخِرِ كَمَا تَرَكَ مَسْأَلَةَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ عَنْ نِكَاحِهِ لِيَعْلَمَ أَفَاسِدٌ أَمْ صَحِيحٌ وَهُوَ مَعْفُوٌّ يَجُوزُ كُلُّهُ وَالْآخَرُ أَنَّهُ حَظَرَ عَلَيْهِ فِي الْإِسْلاَمِ مَا لاَ يَجُوزُ أَنْ يُجَاوِزَ بَعْدَهُ أَرْبَعًا وَمِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فَحَكَمَ فِي الْعَقْدِ بِفَوَاتِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ حُكْمَ مَا قَبَضَ مِنْ الرِّبَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} فَحَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِحُكْمِ اللَّهِ فِي أَنْ لَمْ يَرُدَّ مَا قُبِضَ مِنْ الرِّبَا لِأَنَّهُ فَاتَ وَرَدَّ مَا لَمْ يُقْبَضْ مِنْهُ لِأَنَّ الْإِسْلاَمَ أَدْرَكَهُ غَيْرَ فَائِتٍ فَكَذَلِكَ حُكْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إنْ لَمْ يُرِدْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَنَّهُ فَاتَ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لاَ يَتَبَعَّضُ فَيُجَازُ بَعْضُهُ وَيُرَدُّ بَعْضُهُ وَحَكَمَ فِيمَنْ أَدْرَكَهُ الْإِسْلاَمُ مِنْ النِّسَاءِ عُقْدَةَ حُكْمِ الْإِسْلاَمِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَلاَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ فَائِتٍ أَدْرَكَهُنَّ الْإِسْلاَمُ مَعَهُ كَمَا أَدْرَكَ مَا لَمْ يَفُتْ مِنْ الرِّبَا بِقَبْضٍ. قَالَ أَفَتُوجِدُنِي سِوَى هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعُقْدَةَ فِي النِّكَاحِ تَكُونُ كَالْعُقْدَةِ فِي الْبُيُوعِ، وَالْفَوْتُ مَعَ الْعُقْدَةِ؟ فَقُلْت فِيمَا أَوْجَدْتُك كِفَايَةٌ قَالَ: فَاذْكُرْ غَيْرَهُ إنْ عَلِمْته قُلْت أَرَأَيْت امْرَأَةً نَكَحْتهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ فَأَصَبْتهَا أَوْ بِمَهْرٍ فَاسِدٍ؟ قَالَ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ لاَ يَنْفَسِخُ قُلْت لَهُ وَلَوْ عَقَدْت الْبَيْعَ بِغَيْرِ ثَمَنٍ مُسَمًّى أَوْ ثَمَنٍ مُحَرَّمٍ رُدَّ الْبَيْعُ إنْ وُجِدَ فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدَيْك كَانَ عَلَيْك قِيمَتُهُ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت: أَفَتَجِدُ عَقْدَ النِّكَاحِ هَهُنَا أُخِذَ كَعَقْدِ الْبَيْعِ يَرْبُونَهُ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَمَا مَنَعَك فِي عَقْدِ النِّكَاحِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ تَقُولَ هُوَ كَفَائِتِ مَا اقْتَسَمُوا عَلَيْهِ وَقَبَضُوا الْقَسْمَ وَمَا أَرْبَوْا فَمَضَى قَبْضُهُ وَلاَ أَرُدُّهُ، وَقُلْت أَرَأَيْت قَوْلَك اُنْظُرْ إلَى الْعُقْدَةِ فَإِنْ كَانَتْ لَوْ اُبْتُدِئَتْ فِي الْإِسْلاَمِ جَازَتْ أَجَزْتهَا وَإِنْ كَانَتْ لَوْ اُبْتُدِئَتْ فِي الْإِسْلاَمِ رُدَّتْ رَدَدْتهَا أَمَّا ذَلِكَ فِيمَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَدِيثِ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ وَنَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ مَا قَطَعَ عَنْك مَوْضِعَ الشَّكِّ قَالَ فَإِنَّمَا كَلَّمْتُك عَلَى حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ لِأَنَّ جُمْلَتَهُ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَامًّا عَلَى مَا وَصَفْت وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَامًّا فِي الْحَدِيثِ فَقُلْت لَهُ: هَذَا لَوْ كَانَ كَانَ أَشَدَّ عَلَيْك وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَلَمْ يَكُنْ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ دَلاَلَةٌ كُنْت مَحْجُوجًا عَلَى لِسَانِك مَعَ أَنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ دَلاَلَةً عِنْدَنَا عَلَى قَوْلِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ: فَأَوْجَدَنِي مَا يَدُلُّ عَلَى خِلاَفِ قَوْلِي لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ دَلاَلَةٌ بَيِّنَةٌ قُلْت أَرَأَيْت رَجُلاً ابْتَدَأَ فِي الْإِسْلاَمِ نِكَاحًا بِشَهَادَةِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ أَيَجُوزُ؟ قَالَ لاَ وَلاَ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّهُمْ لاَ يَكُونُونَ شُهَدَاءَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قُلْت: أَفَرَأَيْت غَيْلاَنَ بْنَ سَلَمَةَ أَمِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ كَانَ قَبْلَ الْإِسْلاَمِ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت أَفَرَأَيْت أَحْسَنَ مَا كَانَ عِنْدَهُ أَلَيْسَ أَنْ يَنْكِحَ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ؟ قَالَ بَلَى قُلْت: فَإِذَا زَعَمْت أَنْ يُقِرَّ مَعَ أَرْبَعٍ وَأَحْسَنُ حَالِهِ فِيهِنَّ أَنْ يَكُونَ نِكَاحُهُنَّ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ أَمَا خَالَفْت أَصْلَ قَوْلِك؟ قَالَ إنَّ هَذَا لَيَلْزَمُنِي، قُلْت: فَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْك حُجَّةٌ غَيْرُهُ كُنْت مَحْجُوجًا مَعَ أَنَّا لاَ نَدْرِي لَعَلَّهُمْ كَانُوا يَنْكِحُونَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَبِغَيْرِ شُهُودٍ وَفِي الْعِدَّةِ: قَالَ إنَّ هَذَا لَيُمْكِنُ فِيهِمْ وَيُرْوَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَنْكِحُونَ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَفِي الْعِدَّةِ قَالَ أَجَلْ وَلَكِنْ لَمْ أَسْمَعْ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَيْفَ سَأَلَهُمْ أَصْلَ نِكَاحِهِمْ قُلْت أَفَرَأَيْت إنْ قَالَ لَك قَائِلٌ كَمَا قُلْت لَنَا قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَأَلَهُمْ وَلَمْ يُؤَدِّ إلَيْك فِي الْخَبَرِ قَالَ إذًا يَكُونُ ذَلِكَ لَهُ عَلَيَّ قُلْت لَهُ أَفَتَجِدُ بُدًّا مِنْ أَنْ يَكُونَ لِمَا لَمْ يُؤَدِّ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ سَأَلَهُمْ عَنْ أَصْلِ الْعُقْدَةِ كَانَ ذَلِكَ عَفْوًا عَنْ الْعُقْدَةِ لِأَنَّهَا لاَ تَكُونُ لِأَهْلِ الْأَوْثَانِ إلَّا عَلَى مَا يَصْلُحُ أَنْ يَبْتَدِئَهَا فِي الْإِسْلاَمِ مُسْلِمٌ أَوْ تَكُونُ تَقُولُ فِي الْعُقْدَةِ قَوْلَك فِي عَدَدِ النِّسَاءِ أَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ تَحْرُمُ بِكُلِّ وَجْهٍ عَلَيْهِ فَتَقُولُ يَبْتَدِئُونَ مَعًا لِلنِّكَاحِ فِي الْإِسْلاَمِ قَالَ لاَ أَقُولُهُ قُلْت وَمَا مَنَعَك أَنْ تَقُولَهُ؟ أَلَيْسَ بِأَنَّ السُّنَّةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْعُقْدَةَ مَعْفُوَّةٌ لَهُمْ؟ قَالَ بَلَى، قُلْت: وَإِذَا كَانَتْ مَعْفُوَّةً لَمْ يَنْظُرْ إلَى فَسَادِهَا كَمَا لاَ يَنْظُرُ إلَى فَسَادِ نِكَاحِ مَنْ لاَ يَجُوزُ نِكَاحُهُ وَلاَ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَلاَ مَا جَاوَزَتْ أَرْبَعًا قَالَ وَالْعُقْدَةُ مُخَالِفَةٌ لِهَذَا قَالَ قُلْت فَكَيْفَ جَمَعْت بَيْنَ الْمُخْتَلِفِ وَنَظَرْت إلَى فَسَادِهَا مَرَّةً وَلَمْ تَنْظُرْ إلَيْهِ أُخْرَى؟ فَرَجَعَ بَعْضُهُمْ إلَى قَوْلِنَا قَالَ يُمْسِكُ أَرْبَعًا أَيَّتَهنَّ شَاءَ وَيُفَارِقُ سَائِرَهُنَّ وَعَابَ قَوْلَ أَصْحَابِهِ وَقَالَ نَحْنُ نُفَرِّقُ بَيْنَ مَا لاَ يَتَفَرَّقُ فِي الْعُقُولِ بِقَوْلِ الرَّجُلِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَيْفَ إذَا جَاءَ قَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ الَّذِي أَلْزَمَنَاهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَلَكِنْ حُدَّ لِي فِيهِ حَدًّا. قُلْت فِي نِكَاحِ الشِّرْكِ شَيْئَانِ عُقْدَةٌ وَمَا يَحْرُمُ مِمَّا تَقَعُ عَلَيْهِ الْعُقْدَةُ بِكُلِّ وَجْهٍ وَمُجَاوَزَةُ أَرْبَعٍ فَلَمَّا رَدَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا جَاوَزَ أَرْبَعًا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَرُدُّ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ عَلَى النَّاكِحِ وَذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَمَّا لَمْ يَسْأَلْ عَنْ الْعُقْدَةِ عَلِمْت أَنَّهُ عَفَا عَنْ الْعُقْدَةِ فَعَفَوْنَا عَمَّا عَفَا عَنْهُ وَانْتَهَيْنَا عَنْ إفْسَادِ عَقْدِهَا إذَا كَانَتْ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا مِمَّنْ تَحِلُّ بِحَالٍ وَلَوْلاَ ذَلِكَ رَدَدْنَا نِكَاحَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ كُلَّهُ وَقُلْنَا ابْتَدِئُوهُ فِي الْإِسْلاَمِ حَتَّى يُعْقَدَ بِمَا يَحِلَّ فِي الْإِسْلاَمِ.
باب نكاح الولاة والنكاح بالشهادة
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} وَقَالَ فِي الْإِمَاءِ {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ}.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله فَهَذِهِ الْآيَةُ أَبْيَنُ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دَلاَلَةً عَلَى أَنْ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ أَنْ تَنْكِحَ نَفْسَهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ تَرَى ابْتِدَاءَ الآيَةِ مُخَاطَبَةُ الْأَزْوَاجِ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ {وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ غَيْرَ الْأَزْوَاجِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا انْقَضَتْ عِدَّةُ الْمَرْأَةِ بِبُلُوغِ أَجَلِهَا لاَ سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَقَدْ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} إذَا شَارَفْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ لِأَنَّ الْقَوْلَ لِلْأَزْوَاجِ {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} نَهَيَا أَنْ يَرْتَجِعَهَا ضِرَارًا لِيَعْضُلَهَا فَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَا هَذَا الْمَعْنَى لِأَنَّهَا لاَ تَحْتَمِلُهُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُشَارِفَةَ بُلُوغَ أَجَلِهَا وَلَمْ تَبْلُغْهُ لاَ يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَنْكِحَ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ النِّكَاحِ بِآخِرِ الْعِدَّةِ كَمَا كَانَتْ مَمْنُوعَةً مِنْهُ بِأَوَّلِهَا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إذَا تَرَاضَوْا} فَلاَ يُؤْمَرُ بِأَنْ يَحِلَّ إنْكَاحُ الزَّوْجِ إلَّا مَنْ قَدْ حَلَّ لَهُ الزَّوْجُ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ زَوَّجَ أُخْتَهُ فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَأَرَادَ زَوْجُهَا أَوْ أَرَادَتْ أَنْ يَتَنَاكَحَا فَمَنَعَهُ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ أَخُوهَا وَقَالَ زَوَّجْتُك أُخْتِي وَآثَرْتُك عَلَى غَيْرِك ثُمَّ طَلَّقْتهَا فَلاَ أُزَوِّجُكَهَا أَبَدًا فَنَزَلَتْ {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ} وَفِي هَذِهِ الآيَةِ الدَّلاَلَةُ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ يَتِمُّ بِرِضَا الْوَلِيِّ وَالْمُنْكَحَةِ وَالنَّاكِحِ وَعَلَى أَنَّ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ لاَ يَعْضُلَ فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَعْضُلَ فَعَلَى السُّلْطَانِ التَّزْوِيجُ إذَا عَضَلَ لِأَنَّ مَنْ مَنَعَ حَقًّا فَأَمْرُ السُّلْطَانِ جَائِزٌ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ وَإِعْطَاؤُهُ عَلَيْهِ وَالسُّنَّةُ تَدُلُّ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَمَا وَصَفْنَا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَالسُّلْطَانِ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ (أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ثَلاَثًا فَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لاَ وَلِيَّ لَهُ).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله فَفِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَلاَلاَتٌ مِنْهَا أَنَّ لِلْوَلِيِّ شِرْكًا فِي بُضْعِ الْمَرْأَةِ وَلاَ يَتِمُّ النِّكَاحُ إلَّا بِهِ مَا لَمْ يَعْضُلْهَا ثُمَّ لاَ نَجِدُ لِشِرْكِهِ فِي بُضْعِهَا مَعْنَى تَمَلُّكِهِ وَهُوَ مَعْنَى فَضْلٍ نُظِرَ بِحِيَاطَةِ الْمَوْضِعِ أَنْ يَنَالَ الْمَرْأَة مَنْ لاَ يُسَاوِيهَا وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى اعْتَمَدَ مَنْ ذَهَبَ إلَى الْأَكْفَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَدْعُوَ الْمَرْأَةَ الشَّهْوَةُ إلَى أَنْ تَصِيرَ إلَى مَا لاَ يَجُوزُ مِنْ النِّكَاحِ فَيَكُونُ الْوَلِيُّ أَبْرَأَ لَهَا مِنْ ذَلِكَ فِيهَا وَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْبَيَانُ مِنْ أَنَّ الْعُقْدَةَ إذَا وَقَعَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَهِيَ مُنْفَسِخَةٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ وَالْبَاطِلُ لاَ يَكُونُ حَقًّا إلَّا بِتَجْدِيدِ نِكَاحِ غَيْرِهِ وَلاَ يَجُوزُ لَوْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ أَبَدًا لِأَنَّهُ إذَا انْعَقَدَ النِّكَاحُ بَاطِلاً لَمْ يَكُنْ حَقًّا إلَّا بِأَنْ يَعْقِدَ عَقْدًا جَدِيدًا غَيْرَ بَاطِلٍ وَفِي السُّنَّةِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ الْإِصَابَةَ إذَا كَانَتْ بِالشُّبْهَةِ فَفِيهَا الْمَهْرُ وَدُرِئَ الْحَدُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ حَدًّا وَفِيهَا أَنَّ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يُزَوِّجَ إذَا رَضِيَتْ الْمَرْأَةُ وَكَانَ الْبَعْلُ رِضًا فَإِذَا مَنَعَ مَا عَلَيْهِ زَوَّجَ السُّلْطَانُ كَمَا يُعْطِي السُّلْطَانُ وَيَأْخُذُ مَا مَنَعَ مِمَّا عَلَيْهِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ (الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا). قَالَ الشَّافِعِيُّ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلاَلَةٌ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ فِي أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يَكُونُ فِيهِ إذْنُهُمَا وَهُوَ أَنَّ إذْنَ الْبِكْرِ الصَّمْتُ فَإِذَا كَانَ إذْنُهَا الصَّمْتَ فَإِذْنُ الَّتِي تُخَالِفُهَا الْكَلاَمُ لِأَنَّهُ خِلاَفُ الصَّمْتِ وَهِيَ الثَّيِّبُ وَالثَّانِي أَنَّ أَمَرَهُمَا فِي وِلاَيَةِ أَنْفُسِهِمَا لِأَنْفُسِهِمَا مُخْتَلِفٌ فَوِلاَيَةُ الثَّيِّبِ أَنَّهَا أَحَقُّ مِنْ الْوَلِيِّ وَالْوَلِيُّ هَهُنَا الْأَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ دُونَ الْأَوْلِيَاءِ وَمِثْلُ هَذَا حَدِيثُ (خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ حِينَ زَوَّجَهَا أَبُوهَا ثَيِّبًا وَهِيَ كَارِهَةٌ فَرَدَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نِكَاحَهُ) وَالْبِكْرُ مُخَالِفَةٌ لَهَا حِينَ اخْتَلَفَ فِي أَصْلِ لَفْظِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا خَالَفَتْهَا كَانَ الْأَبُ أَحَقَّ بِأَمْرِهَا مِنْ نَفْسِهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قِيلَ اللَّفْظُ بِالْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى فَرْقٍ بَيْنَهُمَا إذْ قَالَ الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا وَأَمَرَ فِي الْبِكْرِ أَنْ تُسْتَأْذَنَ وَلَوْ كَانَتَا مَعًا سَوَاءٌ كَانَ اللَّفْظُ هُمَا أَحَقُّ بِأَنْفُسِهِمَا وَإِذْنُ الْبِكْرِ الصَّمْتُ وَإِذْنُ الثَّيِّبِ الْكَلاَمُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَقَدْ أَمَرَ بِاسْتِئْمَارِهَا فَاسْتِئْمَارُهَا يَحْتَمِلُ أَنْ لاَ يَكُونَ لِلْأَبِ تَزْوِيجُهَا إلَّا بِأَمْرِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُسْتَأْمَرَ عَلَى مَعْنَى اسْتِطَابَةِ نَفْسِهَا وَأَنْ تَطَّلِعَ مِنْ نَفْسِهَا عَلَى أَمْرٍ لَوْ أَطْلَعَتْهُ لِأَبٍ كَانَ شَبِيهًا أَنْ يُنَزِّهَهَا بِأَنْ لاَ يُزَوِّجَهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَلِمَ قُلْت يَجُوزُ نِكَاحُهَا وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْمِرْهَا قِيلَ لَهُ بِمَا وَصَفْت مِنْ الِاسْتِدْلاَلِ بِفَرْقِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ إذْ قَالَ (الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا) ثُمَّ قَالَ (وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا) فَلاَ يَجُوزُ عِنْدِي إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ حَالُهُمَا فِي أَنْفُسِهِمَا وَلاَ يُفَرَّقُ حَالُهُمَا فِي أَنْفُسِهِمَا إلَّا بِمَا قُلْت مِنْ أَنَّ لِلْأَبِ عَلَى الْبِكْرِ مَا لَيْسَ لَهُ عَلَى الثَّيِّبِ كَمَا اسْتَدْلَلْنَا إذْ قَالَ فِي الْبِكْرِ وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا وَلَمْ يَقُلْ فِي الثَّيِّبِ إذْنُهَا الْكَلاَمُ عَلَى أَنَّ إذْنَ الثَّيِّبِ خِلاَفُ الْبِكْرِ وَلاَ يَكُونُ خِلاَفَ الصَّمْتِ إلَّا النُّطْقُ بِالْإِذْنِ قَالَ فَهَلْ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ دَلاَلَةٍ قِيلَ نَعَمْ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ (عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا ابْنَةُ سَبْعٍ وَبَنَى بِي وَأَنَا بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: زَوَّجَهُ إيَّاهَا أَبُوهَا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ أَبَا الْبِكْرِ أَحَقُّ بِإِنْكَاحِهَا مِنْ نَفْسِهَا لِأَنَّ ابْنَةَ سَبْعِ سِنِينَ وَتِسْعٍ لاَ أَمْرَ لَهَا فِي نَفْسِهَا وَلَيْسَ لِأَحَدٍ غَيْرِ الْآبَاءِ أَنْ يُزَوِّجُوا بِكْرًا حَتَّى تَبْلُغَ وَيَكُونَ لَهَا أَمْرٌ فِي نَفْسِهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَلِمَ لاَ تَقُولُ فِي وَلِيٍّ غَيْرِ الْأَبِ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الْبِكْرَ وَإِنْ لَمْ تَأْذَنْ وَجَعَلْتهَا فِيمَنْ بَقِيَ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ بِمَنْزِلَةِ الثَّيِّبِ؟ قُلْت فَإِنَّ الْوَلِيَّ الْأَبُ الْكَامِلُ بِالْوِلاَيَةِ كَالْأُمِّ الْوَالِدَةِ وَإِنَّمَا تَصِيرُ الْوِلاَيَةُ بَعْدَ الْأَبِ لِغَيْرِهِ بِمَعْنَى فَقْدِهِ أَوْ إخْرَاجِهِ نَفْسَهُ مِنْ الْوِلاَيَةِ بِالْعَضْلِ كَمَا تَصِيرُ الْأُمُّ غَيْرَ الْأُمِّ كَالْوَالِدَةِ بِمَعْنَى رَضَاعٍ أَوْ نِكَاحِ أَبٍ أَوْ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْأُمِّ لِأَنَّهَا إذَا قِيلَ أُمٌّ كَانَتْ الْأُمُّ الَّتِي تُعْرَفُ الْوَالِدَةَ أَلاَ تَرَى أَنْ لاَ وِلاَيَةَ لِأَحَدٍ مَعَ أَبٍ وَمَنْ كَانَ وَلِيًّا بَعْدَهُ فَقَدْ يُشْرِكُهُ فِي الْوِلاَيَةِ غَيْرَ الْإِخْوَةِ، وَبَنُو الْعَمِّ مَعَ الْمَوْلَى يَكُونُونَ شُرَكَاءَ فِي الْوِلاَيَةِ وَلاَ يُشْرِكُ الْأَبُ أَحَدًا فِي الْوِلاَيَةِ بِانْفِرَادِهِ بِالْوِلاَيَةِ بِمَا وَجَبَ لَهُ مِنْ اسْمِ الْأُبُوَّةِ مُطْلَقًا لَهُ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا أَوْجَبَ لِلْأُمِّ الْوَالِدَةِ اسْمَ الْأُمِّ مُطْلَقًا لَهَا دُونَ غَيْرِهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِئْمَارِ مَنْ لَهُ أَمْرٌ فِي نَفْسِهِ يُرَدُّ عَنْهُ إنْ خُولِفَ أَمْرُهُ وَسَأَلَ عَنْ الدَّلاَلَةِ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ قَدْ يُؤْمَرُ بِالِاسْتِئْمَارِ مَنْ لاَ يَحِلُّ مَحَلَّ أَنْ يَرُدَّ عَنْهُ خِلاَفَ مَا أُمِرَ بِهِ فَالدَّلاَلَةُ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ لِنَبِيِّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} فَإِنَّمَا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ طَاعَتَهُ فَمَا أَحَبُّوا وَكَرِهُوا وَإِنَّمَا أُمِرَ بِمُشَاوَرَتِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِجَمْعِ الْأُلْفَةِ وَأَنْ يَسْتَنَّ بِالِاسْتِشَارَةِ بَعْدَهُ مَنْ لَيْسَ لَهُ مِنْ الْأَمْرِ مَا لَهُ وَعَلَى أَنَّ أَعْظَمَ لِرَغْبَتِهِمْ وَسُرُورِهِمْ أَنْ يُشَاوِرُوا لاَ عَلَى أَنَّ لِأَحَدٍ مِنْ الْآدَمِيِّينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَرُدَّهُ عِنْدَهُ إذَا عَزَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْأَمْرِ بِهِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ أَلاَ تَرَى إلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} وَقَوْلُهُ {فَلاَ وَرَبِّك لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْت وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ نُعَيْمًا أَنْ يُؤَامِرَ أُمَّ ابْنَتِهِ فِيهَا) وَلاَ يَخْتَلِفُ النَّاسُ أَنْ لَيْسَ لِأُمِّهَا فِيهَا أَمْرٌ وَلَكِنْ عَلَى مَعْنَى اسْتِطَابَةِ النَّفْسِ وَمَا وَصَفْت أَوَّلاً تَرَى أَنَّ فِي حَدِيثِ نُعَيْمٍ مَا بَيَّنَ مَا وَصَفْت لِأَنَّ ابْنَةَ نُعَيْمٍ لَوْ كَانَ لَهَا أَنْ تَرُدَّ أَمْرَ أَبِيهَا وَهِيَ بِكْرٌ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَسْأَلَتِهَا فَإِنْ أَذِنَتْ جَازَ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ تَأْذَنْ رَدَّ عَنْهَا كَمَا رَدَّ عَنْ خَنْسَاءَ بِنْت خِدَامٍ وَلَوْ كَانَ نُعَيْمٌ اسْتَأْذَنَ ابْنَتَهُ وَكَانَ شَبِيهًا أَنْ لاَ يُخَالِفَ أُمَّهَا وَلَوْ خَالَفَهَا أَوْ تَفَوَّتَ عَلَيْهَا فَكَانَ نِكَاحُهَا بِإِذْنِهَا كَانَتْ أُمُّهَا شَبِيهًا أَنْ لاَ تُعَارِضَ نُعَيْمًا فِي كَرَاهِيَةِ إنْكَاحِهَا مَنْ رَضِيَتْ وَلاَ أَحْسِبُ أُمَّهَا تَكَلَّمَتْ إلَّا وَقَدْ سَخِطَتْ ابْنَتُهَا أَوْ لَمْ تَعْلَمْهَا رَضِيَتْ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَمِّعٍ ابْنَيْ يَزِيدَ بْنِ حَارِثَةَ (عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِدَامٍ الْأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ فَأَتَتْ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَدَّ نِكَاحَهَا).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله وَهَذَا مُوَافِقٌ قَوْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا) وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنْ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْكِحَ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيٍّ وَلاَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُزَوِّجَهَا إلَّا بِإِذْنِهَا وَلاَ يَتِمُّ نِكَاحٌ إلَّا بِرِضَاهُمَا مَعًا وَرِضَا الزَّوْجِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ (لاَ نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ) وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُنْقَطِعًا دُونَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ بِهِ وَيَقُولُ الْفَرْقُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالسِّفَاحِ الشُّهُودُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَهُوَ ثَابِتٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَالنِّكَاحُ يَثْبُتُ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ الْوَلِيُّ وَرِضَا الْمَنْكُوحَةِ وَرِضَا النَّاكِحِ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ إلَّا مَا وَصَفْنَا مِنْ الْبِكْرِ يُزَوِّجُهَا الْأَبُ وَالْأَمَةُ يُزَوِّجُهَا السَّيِّدُ بِغَيْرِ رِضَاهُمَا فَإِنَّهُمَا مُخَالِفَانِ مَا سِوَاهُمَا وَقَدْ تَأَوَّلَ فِيهَا بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} وَقَالَ الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ وَالسَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ وَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ فِيمَا تَأَوَّلَ وَقَالَ هُوَ الزَّوْجُ يَعْفُو فَيَدَعُ مَالَهُ مَنْ أَخْذِ نِصْفِ الْمَهْرِ وَفِي الآيَةِ كَالدَّلاَلَةِ عَلَى أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هُوَ الزَّوْجُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَهَذَا مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ الطَّلاَقِ فَإِذَا كَانَ يَتِمُّ بِأَشْيَاءَ فَنَقَصَ مِنْهَا وَاحِدٌ فَهُوَ غَيْرُ تَامٍّ وَلاَ جَائِزٍ فَأَيُّ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ نَقَصَ لَمْ يَجُزْ مَعَهُ النِّكَاحُ وَيَجِبُ خَامِسَةً أَنْ يُسَمِّيَ الْمَهْرَ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمُهُورِ.
الخلاف في نكاح الأولياء والسنة في النكاح
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله: فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي الْأَوْلِيَاءِ فَقَالَ: إذَا نَكَحَتْ الْمَرْأَةُ كُفْئًا بِمَهْرِ مِثْلِهَا فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يُزَوِّجْهَا وَلِيٌّ وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهَذَا أَنْ يَكُونَ مَا يُفْعَلُ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ حَظَّهَا فَإِذَا أَخَذَتْهُ كَمَا يَأْخُذُهُ الْوَلِيُّ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَذَكَرْت لَهُ لِبَعْضِ مَا وَصَفْت مِنْ الْحُجَّةِ فِي الْأَوْلِيَاءِ وَقُلْت لَهُ: أَرَأَيْت لَوْ عَارَضَك مُعَارِضٌ بِمِثْلِ حُجَّتِك؟ فَقَالَ: إنَّمَا أُرِيدَ مِنْ الْإِشْهَادِ أَنْ لاَ يتجاحد الزَّوْجَانِ فَإِذَا نَكَحَهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ فَهُوَ كَالْبُيُوعِ تَثْبُتُ وَإِنْ عُقِدَتْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، قُلْنَا وَلِمَ؟ قَالَ لِأَنَّ سُنَّةَ النِّكَاحِ الْبَيِّنَةُ. فَقُلْت لَهُ: الْحَدِيثُ فِي الْبَيِّنَةِ فِي النِّكَاحِ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُنْقَطِعٌ وَأَنْتَ لاَ تُثْبِتُ الْمُنْقَطِعَ وَلَوْ أَثْبَتَّهُ دَخَلَ عَلَيْك الْوَلِيُّ. قَالَ: فَإِنَّهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ مُتَّصِلٌ قُلْت: وَهَكَذَا أَيْضًا الْوَلِيُّ عَنْهُمْ وَالْحَدِيثُ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ) وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ رَدَّ النِّكَاحَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيٍّ، وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَيْفَ أَفْسَدْت النِّكَاحَ بِتَرْكِ الشَّهَادَةِ فِيهِ وَأَثْبَته بِتَرْكِ الْوَلِيِّ وَهُوَ أَثْبَت فِي الْإِخْبَارِ مِنْ الشَّهَادَةِ؟ وَلَمْ تَقُلْ إنَّ الشُّهُودَ إنَّمَا جُعِلُوا لِاخْتِلاَفِ الْخَصْمَيْنِ فَيَجُوزُ إذَا تَصَادَقَ الزَّوْجَانِ، وَقُلْت لاَ يَجُوزُ لِعِلَّةٍ فِي شَيْءٍ جَاءَتْ بِهِ سُنَّةٌ وَمَا جَاءَتْ بِهِ سُنَّةٌ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ وَلاَ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُقَاسَ عَلَى سُنَّةٍ أُخْرَى لِأَنَّا لاَ نَدْرِي لَعَلَّهُ أَمَرَ بِهِ لِعِلَّةٍ أَمْ لِغَيْرِهَا وَلَوْ جَازَ هَذَا لَنَا أَبْطَلْنَا عَامَّةَ السُّنَنِ وَقُلْنَا إذَا نَكَحَتْ بِغَيْرِ صَدَاقٍ وَرَضِيَتْ لَمْ يَكُنْ لَهَا صَدَاقٌ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا لِأَنَّا إنَّمَا نَأْخُذُ الصَّدَاقَ لَهَا وَأَنَّهَا إذَا عَفَتْ الصَّدَاقَ جَازَ فَنُجِيزُ النِّكَاحَ وَالدُّخُولَ بِلاَ مَهْرٍ فَكَيْفَ لَمْ تَقُلْ فِي الْأَوْلِيَاءِ هَكَذَا؟ قَالَ: فَقَدْ خَالَفْت صَاحِبِي فِي قَوْلِهِ فِي الْأَوْلِيَاءِ وَعَلِمْت أَنَّهُ خِلاَفُ الْحَدِيثِ فَلاَ يَكُونُ النِّكَاحُ إلَّا بِوَلِيٍّ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله: فَقُلْت لَهُ وَإِنَّمَا فَارَقْت قَوْلَ صَاحِبِك وَرَأَيْته مَحْجُوجًا بِأَنَّهُ يُخَالِفُ الْحَدِيثَ وَإِنَّمَا الْقِيَاسُ الْجَائِزُ أَنْ يُشَبِّهَ مَا لَمْ يَأْتِ فِيهِ حَدِيثٌ بِحَدِيثٍ لاَزِمٍ فَأَمَّا أَنْ تَعْمِدَ إلَى حَدِيثٍ وَالْحَدِيثُ عَامٌّ فَتَحْمِلُهُ عَلَى أَنْ يُقَاسَ فَمَا لِلْقِيَاسِ وَلِهَذَا الْمَوْضِعِ إنْ كَانَ الْحَدِيثُ يُقَاسُ؟ فَأَيْنَ الْمُنْتَهَى إذَا كَانَ الْحَدِيثُ قِيَاسًا؟ قُلْت مَنْ قَالَ هَذَا فَهُوَ مِنْهُ جَهْلٌ وَإِنَّمَا الْعِلْمُ اتِّبَاعُ الْحَدِيثِ كَمَا جَاءَ. قَالَ نَعَمْ: قُلْت فَأَنْتَ قَدْ دَخَلْت فِي بَعْضِ مَعْنَى قَوْلِ صَاحِبِك قَالَ وَأَيْنَ؟ قُلْت زَعَمْت أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَالنِّكَاحُ مَوْقُوفٌ حَتَّى يُجِيزَهُ السُّلْطَانُ إذَا رَآهُ احْتِيَاطًا أَوْ يَرُدَّهُ: قَالَ: نَعَمْ قُلْت: فَقَدْ خَالَفْت الْحَدِيثَ يَقُولُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نِكَاحُهَا بَاطِلٌ وَعُمَرُ رضي الله عنه يَرُدُّهُ فَخَالَفْتهمَا مَعًا، فَكَيْفَ يُجِيزُ السُّلْطَانُ عُقْدَةً إذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبْطَلَهَا؟ قَالَ وَكَيْفَ تَقُولُ؟ قُلْت: يَسْتَأْنِفُهَا بِأَمْرٍ يُحْدِثُهُ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِإِجَازَةِ الْعُقْدَةِ الْفَاسِدَةِ بَلْ الِاسْتِئْنَافِ وَهُوَ نِكَاحٌ جَدِيدٌ يَرْضَيَانِ بِهِ. قُلْت أَرَأَيْت رَجُلاً نَكَحَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ أَوْ هِيَ أَيَجُوزُ الْخِيَارُ؟ قَالَ: لاَ قُلْت: وَلِمَ لاَ يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ فِي الْبُيُوعِ؟ قَالَ: لَيْسَ كَالْبُيُوعِ قُلْت وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْجِمَاعَ كَانَ مُحَرَّمًا قَبْلَ الْعُقْدَةِ فَلَمَّا انْعَقَدَتْ حَلَّ الْجِمَاعُ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعُقْدَةُ الَّتِي بِهَا يَكُونُ الْجِمَاعُ بِالنِّكَاحِ تَامًّا أَبَدًا إلَّا وَالْجِمَاعُ مُبَاحٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُبَاحٍ فَالْعُقْدَةُ غَيْرُ ثَابِتَةٍ لِأَنَّ الْجِمَاعَ لَيْسَ بِمِلْكِ مَالٍ يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي هِبَتُهُ لِلْبَائِعِ، وَلِلْبَائِعِ هِبَتُهُ لِلْمُشْتَرِي إنَّمَا هِيَ إبَاحَةُ شَيْءٍ كَانَ مُحَرَّمًا يَحِلُّ بِهَا لاَ شَيْءَ يَمْلِكُهُ مِلْكَ الْأَمْوَالِ. قَالَ مَا فِيهِ فَرْقٌ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا وَإِنَّمَا دُونَ هَذَا الْفَرْقِ، قُلْت لَهُ تَرَكْت فِي الْمَرْأَةِ تُنْكَحُ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيٍّ الْحَدِيثَ وَالْقِيَاسَ وَزَعَمْت أَنَّ الْعُقْدَةَ مَرْفُوعَةٌ وَالْجِمَاعَ غَيْرُ مُبَاحٍ، فَإِنْ أَجَازَهَا الْوَلِيُّ جَازَتْ وَقَدْ كَانَ الْعَقْدُ فِيهَا غَيْرَ تَامٍّ ثُمَّ زَعَمْت هَذَا أَيْضًا فِي الْمَرْأَةِ يُزَوِّجُهَا الْوَلِيُّ بِغَيْرِ إذْنِهَا فَقُلْت إنْ أَجَازَتْ النِّكَاحَ جَازَ وَإِنْ رَدَّتْهُ فَهُوَ مَرْدُودٌ وَفِي الرَّجُلِ يُزَوِّجُ الْمَرْأَةَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ إنْ أَجَازَ النِّكَاحَ جَازَ وَإِنْ رَدَّهُ فَهُوَ مَرْدُودٌ وَأَجَزْت أَنْ تَكُونَ الْعُقْدَةُ مُنْعَقِدَةً وَالْجِمَاعُ غَيْرَ مُبَاحٍ وَأَجَزْت الْخِيَارَ فِي النِّكَاحِ وَهُوَ خِلاَفُ السُّنَّةِ وَخِلاَفُ أَصْلٍ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَمَا تَقُولُ أَنْتَ؟ قُلْت كُلُّ عِدَّةٍ انْعَقَدَتْ غَيْرَ تَامَّةٍ يَكُونُ الْجِمَاعُ بِهَا مُبَاحًا فَهِيَ مَفْسُوخَةٌ لاَ نُجِيزُهَا بِإِجَازَةِ رَجُلٍ وَلاَ امْرَأَةٍ وَلاَ وَلِيٍّ وَلاَ سُلْطَانٍ وَلاَ بُدَّ فِيهَا مِنْ اسْتِئْنَافٍ بِالسُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ عَلَيْهَا وَكُلُّ مَا زَعَمْت أَنْتَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى رِضَا امْرَأَةٍ أَوْ رَجُلٍ أَوْ وَلِيٍّ أَوْ سُلْطَانٍ فَهُوَ مَفْسُوخٌ عِنْدِي، وَقُلْت لَهُ قَالَ صَاحِبُك فِي الصَّبِيَّةِ يُزَوِّجُهَا غَيْرُ الْأَبِ النِّكَاحُ ثَابِتٌ وَلَهَا الْخِيَارُ إذَا بَلَغَتْ فَجَعْلُهَا وَارِثَةً مَوْرُوثَةً يُحِلُّ جِمَاعَهَا وَتَخْتَارُ إذَا بَلَغَتْ فَأَجَازَ الْخِيَارَ بَعْدَ إبَاحَةِ جِمَاعِهَا إذَا احْتَمَلَتْ الْجِمَاعَ قَبْلَ تَبْلُغَ قَالَ فَقَدْ خَالَفْنَاهُ فِي هَذَا فَقُلْنَا لاَ خِيَارَ لَهَا وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ فَقُلْت لَهُ وَلِمَ أَثْبَتَّ النِّكَاحَ عَلَى الصَّغِيرَةِ لِغَيْرِ الْأَبِ فَجَعَلْتهَا يَمْلِكُ عَلَيْهَا أَمْرَهَا غَيْرُ أَبِيهَا وَلاَ خِيَارَ لَهَا، وَقَدْ زَعَمْت أَنَّ الْأَمَةَ إنَّمَا جُعِلَ لَهَا الْخِيَارُ إذَا عَتَقَتْ لِأَنَّهَا كَانَتْ لاَ تَمْلِكُ نَفْسَهَا بِأَنْ تَأْذَنَ فَيَجُوزُ عَلَيْهَا وَلاَ تُرَدُّ فَيَرُدُّ عَنْهَا فَلَمْ يَصْلُحْ عِنْدَك أَنْ تَتِمَّ عَلَيْهَا عُقْدَةٌ انْعَقَدَتْ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ لَهَا الْأَمْرُ ثُمَّ يَكُونَ لَهَا أَمْرٌ فَلاَ تَمْلِكُ النِّكَاحَ وَلاَ رَدَّ إجَازَتِهِ؟ قَالَ فَتَقُولُ مَاذَا؟ قُلْت لاَ يُثْبِتُ عَلَى صَغِيرَةٍ وَلاَ صَغِيرٍ إنْكَاحَ أَحَدٍ غَيْرُ أَبِيهَا وَأَبِيهِ وَلاَ يَتَوَارَثَانِ؟ قَالَ فَإِنَّا إنَّمَا أَجَزْنَاهُ عَلَيْهَا عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ لَهَا قُلْت: فَيَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ لَهَا نَظَرًا يَقْطَعُ بِهِ حَقَّهَا الَّذِي أَثْبَته لَهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لِغَيْرِ الْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ حُرَّةً بَالِغَةً إلَّا بِرِضَاهَا وَذَلِكَ أَنَّ تَزْوِيجَهَا إثْبَاتُ حَقٍّ عَلَيْهَا لاَ تَخْرُجُ مِنْهُ. فَإِنْ زَوَّجَهَا صَغِيرَةً ثُمَّ صَارَتْ بَالِغَةً لاَ أَمْرَ لَهَا فِي رَدِّ النِّكَاحِ فَقَدْ قَطَعَتْ حَقَّهَا الْمَجْعُولَ لَهَا وَإِنْ جَعَلْت لَهَا الْخِيَارَ دَخَلَتْ فِي الْمَعْنَى الَّذِي عِبْت مِنْ أَنْ تَكُونَ وَارِثَةً مَوْرُوثَةً وَلَهَا بَعْدُ خِيَارٌ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَقَالَ لِي فَقَدْ يَدْخُلُ عَلَيْك فِي الْأَمَةِ مِثْلُ مَا دَخَلَ عَلَيَّ قُلْت: لاَ، الْأَمَةُ أَنَا أُخَيِّرُهَا عِنْدَ الْعَبْدِ بِالِاتِّبَاعِ وَلاَ أُخَيِّرُهَا عِنْدَ الْحُرِّ لِاخْتِلاَفِ حَالِ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَأَنَّ الْعَبْدَ لَوْ انْتَسَبَ حُرًّا فَتَزَوَّجَهَا عَلَى ذَلِكَ خَيَّرْتهَا لِأَنَّهُ لاَ يَصِلُ مِنْ أَدَاءِ الْحَقِّ لَهَا وَالتَّوَصُّلِ إلَيْهَا إلَى مَا يَصِلُ إلَيْهِ الْحُرُّ وَالْأَمَةُ مُخَالِفَةٌ لَهَا وَالْأَمَةُ الثَّيِّبُ الْبَالِغُ يُزَوِّجُهَا سَيِّدُهَا كَارِهَةً وَلاَ يُزَوِّجُ الْبَالِغَةَ الْبِكْرَ وَلاَ الصَّغِيرَةَ غَيْرُ الْأَبِ كَارِهَةً. قَالَ فَمَا تَرَى لَوْ كَانَتْ فَقِيرَةً فَزُوِّجَتْ نَظِيرًا لَهَا أَنَّ النِّكَاحَ جَائِزٌ؟ قُلْت: أَيَجُوزُ أَنْ أَنْظُرَ إلَيْهَا بِأَنْ أَقْطَعَ الْحَقَّ الَّذِي جُعِلَ لَهَا فِي نَفْسِهَا؟ هَلْ رَأَيْت فَقِيرًا يَقْطَعُ حَقَّهُ فِي نَفْسِهِ وَلاَ يَقْطَعُ حَقَّ الْغَنِيِّ؟ قَالَ: فَقَدْ بِيعَ عَلَيْهَا فِي مَالِهَا، قُلْت: فِيمَا لاَ بُدَّ لَهَا مِنْهُ. وَكَذَلِكَ أَبِيعُ عَلَى الْغَنِيَّةِ وَفِي النَّظَرِ لَهُمَا أَبِيعُ وَحَقُّهُمَا فِي أَمْوَالِهِمَا مُخَالِفٌ حَقَّهُمَا فِي أَنْفُسِهِمَا، قَالَ: فَمَا فَرْقٌ بَيْنَهُمَا؟ قُلْت: أَفَرَأَيْت لَوْ دَعَتْ الْمَرْأَةُ الْبَالِغَةُ أَوْ الرَّجُلُ الْبَالِغُ الْمَوْلَى عَلَيْهِمَا إلَى بَيْعِ شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمَا إمْسَاكُهُ خَيْرٌ لَهُمَا بِلاَ ضَرُورَةٍ فِي مَطْعَمٍ وَلاَ غَيْرِهِ أَتَبِيعُهُ؟ قَالَ لاَ، قُلْت: وَلَوْ وَجَبَ عَلَى أَحَدِهِمَا أَوْ اُحْتِيجَ إلَى بَيْعِ بَعْضِ مَالِهِ فِي ضَرُورَةٍ نَزَلَتْ بِهِ أَوْ حَقٍّ يَلْزَمُهُ أَتَبِيعُهُ وَهُوَ كَارِهٌ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت: فَلَوْ دُعِيَتْ الْبَالِغُ إلَى مُنْكِحٍ كُفْءٍ أَتَمْنَعُهَا؟ قَالَ لاَ. قُلْت وَلَوْ خَطَبَهَا فَمَنَعْته أَتُنْكِحُهَا؟ قَالَ لاَ قُلْت: أَفَتَرَى حَقَّهَا فِي نَفْسِهَا يُخَالِفُ حَقَّهَا فِي مَالِهَا؟ قَالَ نَعَمْ، وَقَدْ يَكُونُ النِّكَاحُ لِلْفَقِيرَةِ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ سَوَاءً، قُلْت لَهُ: وَكَيْفَ زَعَمْت أَنْ لاَ نَفَقَةَ لَهَا حَتَّى تَبْلُغَ الْجِمَاعَ فَعَقَدْت عَلَيْهَا النِّكَاحَ وَلَمْ تَأْخُذْ لَهَا مَهْرًا وَلاَ نَفَقَةً وَمَنَعْتهَا بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مَنْ زَوَّجْته إيَّاهَا وَلَعَلَّ غَيْرَهُ خَيْرٌ لَهَا أَوْ أَحَبُّ إلَيْهَا أَوْ أَوْفَقُ لَهَا فِي دِينٍ أَوْ خُلُقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؟ فَلَسْت أَرَى عَقْدَك عَلَيْهَا إلَّا خِلاَفَ النَّظَرِ لَهَا لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَالِغًا كَانَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا مِنْك كَانَ النَّظَرُ يَكُونُ بِوُجُوهٍ مِنْهَا أَنْ تُوضَعَ فِي كَفَاءَةٍ أَوْ عِنْدَ ذِي دِينٍ أَوْ عِنْدَ ذِي خُلُقٍ أَوْ عِنْدَ ذِي مَالٍ أَوْ عِنْدَ مَنْ تَهْوَى فَتُعَفُّ بِهِ عَنْ التَّطَلُّعِ إلَى غَيْرِهِ وَكَانَ أَحَدٌ لاَ يَقُومُ فِي النَّظَرِ لَهَا فِي الْهَوَى وَالْمَعْرِفَةِ وَالْمُوَافَقَةِ لَهَا مَقَامَ نَفْسِهَا لِأَنَّهُ لاَ يَعْرِفُ ذَاتَ نَفْسِهَا مِنْ النَّاسِ إلَّا هِيَ فَإِنْكَاحُهَا وَإِنْ كَانَتْ فَقِيرَةً قَدْ يَكُونُ نَظَرًا عَلَيْهَا وَخِلاَفُ النَّظَرِ لَهَا، قَالَ أَمَّا فِي مَوْضِعِ الْهَوَى فِي الزَّوْجِ فَنَعَمْ قُلْت فَهِيَ لَوْ كَانَتْ بَالِغَةً فَدَعَوْتهَا إلَى خَيْرِ النَّاسِ وَدَعَتْ إلَى دُونِهِ إذَا كَانَ كُفْئًا كَانَ الْحَقُّ عِنْدَك أَنَّ زَوْجَهَا مَنْ دَعَتْ إلَيْهِ وَكَانَتْ أَعْلَمَ بِمَنْ يُوَافِقُهَا وَحَرَامٌ عِنْدَك أَنْ تَمْنَعَهَا إيَّاهُ وَلَعَلَّهَا تُفْتَتَنُ بِهِ أَلَيْسَ تَزَوَّجُهُ؟ قَالَ نَعَمْ. قُلْت فَأَرَاهَا أَوْلَى بِالنَّظَرِ لِنَفْسِهَا مِنْك وَأَرَى نَظَرَك لَهَا فِي الْحَالِ الَّتِي لاَ تَنْظُرُ فِيهِ لِنَفْسِهَا قَدْ يَكُونُ عَلَيْهَا، قُلْت أَفَتُزَوِّجُ الصَّغِيرَةَ الْغَنِيَّةَ؟ قَالَ نَعَمْ، قُلْت: قَدْ يَكُونُ تَزْوِيجُهَا نَظَرًا عَلَيْهَا تَمُوتُ فَيَرِثُهَا الَّذِي زَوَّجْتهَا إيَّاهُ وَتَعِيشُ عُمُرًا غَيْرَ مُحْتَاجَةٍ إلَى مَالِ الزَّوْجِ وَمُحْتَاجَةٍ إلَى مُوَافَقَتِهِ وَتَكُونُ أَدْخَلْتهَا فِيمَا لاَ تُوَافِقُهَا. وَلَيْسَتْ فِيهَا الْحَاجَةُ الَّتِي اعْتَلَلْت بِهَا فِي الْفَقِيرَةِ، قَالَ فَيَقْبُحُ أَنْ نَقُولَ تُزَوَّجُ الْفَقِيرَةُ وَلاَ تُزَوَّجُ الْغَنِيَّةُ قُلْت كِلاَهُمَا قَبِيحٌ. قَالَ فَقَدْ تَزَوَّجَ بَعْضُ التَّابِعِينَ، قُلْت قَدْ نُخَالِفُ نَحْنُ بَعْضَ التَّابِعِينَ بِمَا حُجَّتُنَا فِيهِ أَضْعَفُ مِنْ هَذِهِ الْحُجَّةِ وَأَنْتَ لاَ تَرَى قَوْلَ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ يَلْزَمُ فَكَيْفَ تَحْتَجُّ بِهِ؟
قُلْت لَهُ أَرَأَيْت إذَا جَامَعْتَنَا فِي أَنْ لاَ نِكَاحَ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ وَاكْتَفَيْنَا إذَا قُلْت بِشَاهِدَيْنِ أَنِّي إنَّمَا أَرَدْت الشَّاهِدَيْنِ الَّذِينَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا فَأَمَّا مَنْ لاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَلاَ يَجُوزُ النِّكَاحُ بِهِ كَمَا يَكُونُ مَنْ شَهِدَ بِحَقٍّ مِمَّنْ لاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ غَيْرَ مَأْخُوذٍ بِشَهَادَتِهِ حَقٌّ فَقُلْت أَنْتَ تُجِيزُ النِّكَاحَ بِغَيْرِ مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ إذَا وَقَعَ عَلَيْهَا اسْمُ الشَّهَادَةِ فَكَيْفَ قُلْت بِالِاسْمِ دُونَ الْعَدْلِ هُنَا وَلَمْ تَقُلْ هُنَاكَ؟ قَالَ لَمَّا جَاءَ الْحَدِيثُ فَلَمْ يَذْكُرْ عَدْلاً قُلْت هَذَا مَعْفُوٌّ عَنْ الْعَدْلِ فِيهِ فَقُلْت لَهُ قَدْ ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شُهُودَ الزِّنَا وَالْقَذْفِ وَالْبَيْعِ فِي الْقُرْآنِ وَلَمْ يَذْكُرْ عَدْلاً وَشَرَطَ الْعَدْلَ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَفَرَأَيْت إنْ قَالَ لَك رَجُلٌ بِمِثْلِ حُجَّتِك إذَا سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الْعَدْلِ وَسَمَّى الشُّهُودَ اكْتَفَيْت بِتَسْمِيَةِ الشُّهُودِ دُونَ الْعَدْلِ؟ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ إذَا ذَكَرَ اللَّهُ الشُّهُودَ وَشَرَطَ فِيهِمْ الْعَدَالَةَ فِي مَوْضِعٍ ثُمَّ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الْعَدَالَةِ فِيهِمْ فِي غَيْرِهِ اسْتَدْلَلْت عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالشُّهُودِ إلَّا أَنْ يَكُونُوا عُدُولاً قُلْت وَكَذَلِكَ إذَا قُلْت لِرَجُلٍ فِي حَقٍّ ائْتِ بِشَاهِدَيْنِ لَمْ تَقْبَلْ إلَّا عُدُولاً؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت أَفَيَعْدُو النِّكَاحُ أَنْ يَكُونَ كَبَعْضِ هَذَا فَلاَ يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا الْعَدْلُ وَكَالْبُيُوعِ لاَ يُسْتَغْنَى فِيهِ عَنْ الشَّهَادَةِ إذَا تَشَاجَرَ الزَّوْجَانِ أَوْ يَكُونُ فِيهِ خَبَرٌ عَنْ أَحَدٍ يَلْزَمُ قَوْلُهُ فَيَنْتَهِي إلَيْهِ؟ قَالَ مَا فِيهِ خَبَرٌ وَمَا هُوَ بِقِيَاسٍ وَلَكِنَّا اسْتَحْسَنَّاهُ وَوَجَدْنَا بَعْضَ أَصْحَابِك يَقُولُ قَرِيبًا مِنْهُ، فَقُلْت لَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ خَبَرًا وَلاَ قِيَاسًا وَجَازَ لَك أَنْ تَسْتَحْسِنَ خِلاَفَ الْخَبَرِ فَلَمْ يَبْقَ عِنْدَك مِنْ الْخَطَأِ شَيْءٌ إلَّا قَدْ أَجَزْته، قَالَ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِك إذَا أُشِيدَ بِالنِّكَاحِ وَلَمْ يَعْقِدْ بِالشُّهُودِ جَازَ وَإِنْ عَقَدَ بِشُهُودٍ وَلَمْ يَشِدْ بِهِ لَمْ يَجُزْ " قَالَ الرَّبِيعُ أُشِيدُ يَعْنِي إذَا تَحَدَّثَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ فُلاَنٌ تَزَوَّجَ وَفُلاَنَةُ خِدْرٌ " فَقُلْت لَهُ أَفَتَرَى مَا احْتَجَجْت بِهِ مِنْ هَذَا فَتُشْبِهُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ؟ قَالَ لاَ هُوَ خِلاَفُ الْحَدِيثِ وَخِلاَفُ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ لاَ يَعْدُو أَنْ يَكُونَ كَالْبُيُوعِ فَالْبُيُوعُ يُسْتَغْنَى فِيهَا عَنْ الشُّهُودِ وَعَنْ الْإِشَادَةِ وَلاَ يَنْقُضُهَا الْكِتْمَانُ أَوْ تَكُونُ سُنَّتُهُ الشُّهُودَ وَالشُّهُودُ إنَّمَا يَشْهَدُونَ عَلَى الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ مَا لَمْ يُعْقَدْ فَإِذَا وَقَعَ الْعَقْدُ بِلاَ شُهُودٍ لَمْ تُجْزِهِ الْإِشَادَةُ وَالْإِشَادَةُ غَيْرُ شَهَادَةٍ. قُلْت لَهُ فَإِذَا كَانَ هَذَا الْقَوْلُ خَطَأً عِنْدَك فَكَيْفَ احْتَجَجْت بِهِ وَبِالسُّنَّةِ عَلَيْهِ؟ قَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِهِ فَإِنْ احْتَجَجْت بِاَلَّذِي قَالَ بِالْإِشَادَةِ فَقُلْت إنَّمَا أُرِيدَ بِالْإِشَادَةِ أَنْ يَكُونَ يُذْهِبُ التُّهْمَةَ وَيَكُونُ أَمْرُهُمَا عِنْدَ غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ أَنَّهُمَا زَوْجَانِ قُلْت: فَإِنْ قَالَ لَك قَائِلٌ هَذَا فِي الْمُتَنَازِعَيْنِ فِي الْبَيْعِ فَجَاءَ الْمُدَّعِي بِمَنْ يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ فِي الْإِشَادَةِ أَنَّ فُلاَنًا اشْتَرَى دَارَ فُلاَنٍ أَتَجْعَلُ هَذِهِ بَيْعًا؟ قَالَ: لاَ قُلْت فَإِنْ كَانُوا أَلْفًا؟ قَالَ فَإِنِّي لاَ أَقْبَلُ إلَّا الْبَيِّنَةَ الْقَاطِعَةَ قُلْت: فَهَكَذَا نَقُولُ لَك فِي النِّكَاحِ بَلْ النِّكَاحُ أَوْلَى لِأَنَّ أَصْلَ النِّكَاحِ لاَ يَحِلُّ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ، وَأَصْلَ الْبَيْعِ يَحِلُّ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَقُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أُشِيدَ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ النِّكَاحَ أَكُنَّا نُلْزِمُهَا النِّكَاحَ بِلاَ بَيِّنَةٍ؟
باب طهر الحائض
[أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ] قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَإِذَا انْقَطَعَ عَنْ الْحَائِضِ الدَّمُ لَمْ يَقْرُبْهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَطْهُرَ لِلصَّلاَةِ فَإِنْ كَانَتْ وَاجِدَةً لِلْمَاءِ فَحَتَّى تَغْتَسِلَ وَإِنْ كَانَتْ مُسَافِرَةً غَيْرَ وَاجِدَةٍ لِلْمَاءِ فَحَتَّى تَتَيَمَّمَ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} أَيْ حَتَّى يَنْقَطِعَ الدَّمُ وَيَرَيْنَ الطُّهْرَ {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الطَّهَارَةَ الَّتِي تَحِلُّ بِهَا الصَّلاَةُ لَهَا وَلَوْ أَتَى رَجُلٌ امْرَأَتَهُ حَائِضًا أَوْ بَعْدَ تَوْلِيَةِ الدَّمِ وَلَمْ تَغْتَسِلْ فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَلاَ يَعُدْ حَتَّى تَطْهُرَ وَتَحِلَّ لَهَا الصَّلاَةُ، وَقَدْ رُوِيَ فِيهِ شَيْءٌ لَوْ كَانَ ثَابِتًا أَخَذْنَا بِهِ وَلَكِنَّهُ لاَ يَثْبُتُ مِثْلُهُ.
باب في إتيان الحائض
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَسْأَلُونَك عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا فَاعْتَزِلُوهُنَّ فِي غَيْرِ الْجِمَاعِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ فِي الْجِمَاعِ فَيَكُونُ اعْتِزَالُهُنَّ مِنْ وَجْهَيْنِ وَالْجِمَاعُ أَظْهَرُ مَعَانِيه لِأَمْرِ اللَّهِ بِالِاعْتِزَالِ ثُمَّ قَالَ {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ} فَأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا بَيِّنًا وَبِهَذَا نَقُولُ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَ بِاعْتِزَالِهِنَّ وَيَعْنِي أَنَّ اعْتِزَالَهُنَّ الِاعْتِزَالُ فِي الْجِمَاعِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِنَّمَا قُلْنَا بِمَعْنَى الْجِمَاعِ مَعَ أَنَّهُ ظَهْرَ الآيَةِ بِالِاسْتِدْلاَلِ بِالسُّنَّةِ.
الخلاف في اعتزال الحائض
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله: قَالَ بَعْضُ النَّاسِ إذَا اجْتَنَبَ الرَّجُلُ مَوْضِعَ الدَّمِ مِنْ امْرَأَتِهِ وَجَارِيَتِهِ حَلَّ لَهُ مَا سِوَى الْفَرْجِ الَّذِي فِيهِ الْأَذَى، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} فَاسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ بِاعْتِزَالِ الدَّمِ. قُلْت: فَلَمَّا كَانَ ظَاهِرُ الآيَةِ أَنْ يَعْتَزِلْنَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ} وقوله تعالى {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} فَإِذَا تَطَهَّرْنَ كَانَتْ الْآيَةُ مُحْتَمِلَةً اعْتِزَالَهَا اعْتِزَالاً غَيْرَ اعْتِزَالِ الْجِمَاعِ فَلَمَّا نَهَى أَنْ يَقْرُبْنَ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنْ لاَ يُجَامِعْنَ قَالَ إنَّهَا تَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَلَكِنْ كَيْفَ قُلْت يَعْتَزِلُ مَا تَحْتَ الْإِزَارِ دُونَ سَائِرِ بَدَنِهَا؟ قُلْت لَهُ احْتَمَلَ اعْتِزَالُهُنَّ اعْتَزِلُوا جَمِيعَ أَبْدَانِهِنَّ وَاحْتَمَلَ بَعْضَ أَبْدَانِهِنَّ دُونَ بَعْضٍ فَاسْتَدْلَلْنَا بِالسُّنَّةِ عَلَى مَا أَرَادَ اللَّهُ مِنْ اعْتِزَالِهِنَّ فَقُلْت بِهِ كَمَا بَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
باب ما ينال من الحائض
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَسْأَلُونَك عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ}.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَالْبَيِّنُ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَنْ يَعْتَزِلَ إتْيَانَ الْمَرْأَةِ فِي فَرْجِهَا لِلْأَذَى فِيهِ. وَقَوْلُهُ {حَتَّى يَطْهُرْنَ} يَعْنِي يَرَيْنَ الطُّهْرَ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} إذَا اغْتَسَلْنَ {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ} قَالَ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ أَنْ تَعْتَزِلُوهُنَّ يَعْنِي عَادَ الْفَرْجُ إذَا طَهَّرَهُنَّ فَتَطَهَّرْنَ بِحَالِهِ قَبْلَ تَحَيُّضٍ حَلاَلاً قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} يَحْتَمِلُ فَاعْتَزِلُوا فُرُوجَهُنَّ بِمَا وُصِفَتْ مِنْ الْأَذَى، وَيَحْتَمِلُ اعْتِزَالَ فُرُوجِهِنَّ وَجَمِيعِ أَبْدَانِهِنَّ وَفُرُوجِهِنَّ وَبَعْضِ أَبْدَانِهِنَّ دُونَ بَعْضٍ وَأَظْهَرُ مَعَانِيه اعْتِزَالُ أَبْدَانِهِنَّ كُلِّهَا لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} فَلَمَّا احْتَمَلَ هَذِهِ الْمَعَانِي طَلَبْنَا الدَّلاَلَةَ عَلَى مَعْنَى مَا أَرَادَ جَلَّ وَعَلاَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَجَدْنَاهَا تَدُلُّ مَعَ نَصِّ كِتَابِ اللَّهِ عَلَى اعْتِزَالِ الْفَرْجِ؟ وَتَدُلُّ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَنْ يَعْتَزِلَ مِنْ الْحَائِضِ فِي الْإِتْيَانِ وَالْمُبَاشَرَةِ مَا حَوْلَ الْإِزَارِ فَأَسْفَلَ وَلاَ يَعْتَزِلُ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ إلَى أَعْلاَهَا فَقُلْنَا بِمَا وَصَفْنَا لِتَشْدُدْ الْحَائِضُ إزَارًا عَلَى أَسْفَلِهَا ثُمَّ يُبَاشِرُهَا الرَّجُلُ مِنْ إتْيَانِهَا مِنْ فَوْقَ الْإِزَارِ مَا شَاءَ. فَإِنْ أَتَاهَا حَائِضًا فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَلاَ يَعُدْ [أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ] قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما أَرْسَلَ إلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها يَسْأَلُهَا هَلْ يُبَاشِرُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ؟ فَقَالَتْ لِتَشْدُدْ إزَارَهَا عَلَى أَسْفَلِهَا ثُمَّ يُبَاشِرُهَا إنْ شَاءَ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله: وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يُبَاشِرَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا لَمْ يُبَاشِرْهَا حَتَّى تَشُدَّ إزَارَهَا عَلَى أَسْفَلِهَا ثُمَّ يُبَاشِرُهَا مِنْ فَوْقِ الْإِزَارِ مِنْهَا مُفْضِيًا إلَيْهِ وَيَتَلَذَّذُ بِهِ كَيْفَ شَاءَ مِنْهَا وَلاَ يَتَلَذَّذُ بِمَا تَحْتَ الْإِزَارِ مِنْهَا وَلاَ يُبَاشِرُهَا مُفْضِيًا إلَيْهَا وَالسُّرَّةُ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ.
الخلاف في مباشرة الحائض
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله: فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي مُبَاشَرَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَإِتْيَانِهِ إيَّاهَا وَهِيَ حَائِضٌ فَقَالَ وَلِمَ؟ قُلْت لاَ يَنَالُ مِنْهَا بِفَرْجِهِ وَلاَ يُبَاشِرُهَا فِيمَا تَحْتَ الْإِزَارِ وَيَنَالُ فِيمَا فَوْقَ الْإِزَارِ فَقُلْت لَهُ بِاَلَّذِي لَيْسَ لِي وَلاَ لَك وَلاَ لِمُسْلِمٍ الْقَوْلُ بِغَيْرِهِ وَذَكَرَتْ فِيهِ السُّنَّةُ فَقَالَ قَدْ رَوَيْنَا خِلاَفَ مَا رَوَيْتُمْ فَرَوَيْنَا أَنْ يَخْلُفَ مَوْضِعَ الدَّمِ ثُمَّ يَنَالُ مَا شَاءَ فَذَكَرَ حَدِيثًا لاَ يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ فَقَالَ فَهَلْ تَجِدُ لِمَا بَيْنَ تَحْتِ الْإِزَارِ وَمَا فَوْقَهُ فَرْقًا مَعَ الْحَدِيثِ؟ فَقُلْت لَهُ: نَعَمْ وَمَا فَرْقٌ أَقْوَى مِنْ الْحَدِيثِ أَحَدُ الَّذِي يَتَلَذَّذُ بِهِ مِنْهَا سِوَى الْفَرْجِ مِمَّا تَحْتَ الْإِزَارِ الْأَلْيَتَانِ وَالْفَخْذَانِ فَأَجِدُهُمَا يُفَارِقَانِ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ فِي مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا الدَّمُ إذَا سَالَ مِنْ الْفَرْجِ جَرَى فِيهِمَا وَعَلَيْهِمَا، وَالثَّانِي أَنَّ الْفَرْجَ عَوْرَةٌ وَالْأَلْيَتَيْنِ عَوْرَةٌ فَهُمَا فَرْجٌ وَاحِدٌ مِنْ بَطْنِ الْفَخْذَيْنِ مُتَّصِلَيْنِ بِالْفَرْجِ نَفْسِهِ وَإِذَا كَشَفَ عَنْهُمَا الْإِزَارَ كَادَ أَنْ يَنْكَشِفَ عَنْهُ وَالْإِزَارُ يُكْشَفُ عَنْ الْفَرْجِ وَيَكُونُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَى مَا فَوْقَهُ.
باب إتيان النساء في أدبارهن
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رضي الله عنه قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} الآيَةَ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: احْتَمَلَتْ الْآيَةُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تُؤْتَى الْمَرْأَةُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ زَوْجُهَا لِأَنَّ {أَنَّى شِئْتُمْ} يُبَيِّنُ أَيْنَ شِئْتُمْ لاَ مَحْظُورَ مِنْهَا كَمَا لاَ مَحْظُورَ مِنْ الْحَرْثِ، وَاحْتَمَلَتْ أَنَّ الْحَرْثَ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ النَّبَاتُ وَمَوْضِعُ الْحَرْثِ الَّذِي يُطْلَبُ بِهِ الْوَلَدُ الْفَرْجُ دُونَ مَا سِوَاهُ لاَ سَبِيلَ لِطَلَبِ الْوَلَدِ غَيْرَهُ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي إتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ فَذَهَبَ ذَاهِبُونَ مِنْهُمْ إلَى إحْلاَلِهِ وَآخَرُونَ إلَى تَحْرِيمِهِ، وَأَحْسِبُ كِلاَ الْفَرِيقَيْنِ تَأَوَّلُوا مَا وَصَفْت مِنْ احْتِمَالِ الآيَةِ عَلَى مُوَافَقَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَطَلَبْنَا الدَّلاَلَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَجَدْنَا حَدِيثَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ أَحَدُهُمَا ثَابِتٌ وَهُوَ حَدِيثُ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: كَانَتْ الْيَهُودُ تَقُولُ مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي قُبُلِهَا مِنْ دُبُرِهَا جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}. [أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ] قَالَ [أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ] قَالَ أَخْبَرَنَا عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَافِعٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ السَّائِبِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أحيحة بْنِ الْجُلاَحِ أَوْ عَمْرِو بْنِ فُلاَنِ بْنِ أحيحة بْنِ الْجُلاَحِ أَنَا شَكَكْت [يَعْنِي الشَّافِعِيُّ] عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ (أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ إتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ أَوْ إتْيَانِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيْ حَلاَلٌ فَلَمَّا وَلَّى الرَّجُلُ دَعَاهُ أَوْ أَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ فَقَالَ كَيْفَ؟ قُلْت فِي أَيِّ الْخَرِبَتَيْنِ أَوْ فِي أَيِّ الْخَرَزَتَيْنِ أَوْ فِي أَيِّ الْخَصْفَتَيْنِ أَمِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا فَنَعَمْ أَمْ مِنْ دُبُرِهَا فِي دُبُرِهَا فَلاَ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ لاَ تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ) قَالَ فَمَا تَقُول؟ قُلْت عَمِّي ثِقَةٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ ثِقَةٌ وَقَدْ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدٌ عَنْ الْأَنْصَارِيِّ الْمُحَدِّثُ بِهَا أَنَّهُ أَثْنَى عَلَيْهِ خَيْرًا وَخُزَيْمَةَ مِمَّنْ لاَ يَشُكُّ عَالِمٌ فِي ثِقَتِهِ فَلَسْت أُرَخِّصُ فِيهِ بَلْ أُنْهَى عَنْهُ.
باب ما يستحب من تحصين الإماء عن الزنا
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} الآيَةَ. فَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتَّفْسِيرِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ قَدْ سَمَّاهُ لَهُ إمَاءٌ يُكْرِهُهُنَّ عَلَى الزِّنَا لِيَأْتِينَهُ بِالْأَوْلاَدِ فَيَتَخَوَّلَهُنَّ وَقَدْ قِيلَ نَزَلَتْ قَبْلَ حَدِّ الزِّنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ قَبْلَ حَدِّ الزِّنَا ثُمَّ جَاءَ حَدُّ الزِّنَا فَمَا قَبْلَ الْحُدُودِ مَنْسُوخٌ بِالْحُدُودِ وَهَذَا مَوْضُوعٌ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ وَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ بَعْدَ حَدِّ الزِّنَا فَقَدْ قِيلَ إنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} نَزَلَتْ فِي الْإِمَاءِ الْمُكْرَهَاتِ أَنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُنَّ بِمَا أُكْرِهْنَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ غَفُورٌ أَيْ هُوَ أَغْفَرُ وَأَرْحَمُ مِنْ أَنْ يُؤَاخِذَهُنَّ بِمَا أُكْرِهْنَ عَلَيْهِ وَفِي هَذَا كَالدَّلاَلَةِ عَلَى إبْطَالِ الْحَدِّ عَنْهُنَّ إذَا أُكْرِهْنَ عَلَى الزِّنَا وَقَدْ أَبْطَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَمَّنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرَ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا وَضَعَ اللَّهُ عَنْ أُمَّتِهِ (وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ).
باب نكاح الشغار
[أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ] قَالَ [أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ] قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ الشِّغَارِ)، وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الرَّجُلُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ [أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ] قَالَ [أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ] قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ (لاَ شِغَارَ فِي الْإِسْلاَمِ).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله وَبِهَذَا نَقُولُ وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ الرَّجُلَ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ صَدَاقُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِضْعُ الْأُخْرَى فَإِذَا وَقَعَ النِّكَاحُ عَلَى هَذَا فَهُوَ مَفْسُوخٌ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِالْوَطْءِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَكَانَ الْحَسَنُ أَرْضَاهُمَا عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَكَرَ تَحْرِيمَ الْمُتْعَةِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَالْمُتْعَةُ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَإِذَا وَقَعَ النِّكَاحُ عَلَى هَذَا فَهُوَ مَفْسُوخٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ فَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِالْمَسِيسِ.
الخلاف في نكاح الشغار
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله: فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ أَمَّا الشِّغَارُ فَالنِّكَاحُ فِيهِ ثَابِتٌ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَنْكُوحَتَيْنِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَأَمَّا الْمُتْعَةُ فَإِنْ قُلْت فَهُوَ فَاسِدٌ فَمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ؟ قُلْت مَا لاَ يُشْتَبَهُ فِيهِ خَطَؤُك قَالَ وَمَا هُوَ؟ قُلْت ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ نَهَى عَنْ الشِّغَارِ وَلَمْ تَخْتَلِفْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَجَزْت الشِّغَارَ الَّذِي لاَ مُخَالِفَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّهْيِ عَنْهُ وَرَدَدْت نِكَاحَ الْمُتْعَةِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهَا قَالَ فَإِنْ قُلْت فَإِنْ أَبْطَلاَ الشَّرْطَ فِي الْمُتْعَةِ جَازَ النِّكَاحُ وَإِنْ لَمْ يُبْطِلاَهُ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ قُلْت لَهُ إذًا تُخْطِئُ خَطَأً بَيِّنًا قَالَ فَكَيْفَ؟ قُلْت رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النَّهْيُ عَنْهَا وَمَا نَهَى عَنْهُ حَرَامٌ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ رُخْصَةٌ بِحَلاَلٍ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَحَلَّهُ فَلَمْ تُحْلِلْهُ وَأَحْدَثْت بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ شَيْئًا خَارِجًا مِنْهُمَا خَارِجًا مِنْ مَذَاهِبِ الْفِقْهِ مُتَنَاقِضًا قَالَ وَمَا ذَاكَ؟ قُلْت أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّهُ لَوْ نَكَحَ رَجُلٌ امْرَأَةً عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ كَانَ النِّكَاحُ بَاطِلاً لِأَنَّ الْخِيَارَ لاَ يَجُوزُ فِي النِّكَاحِ لِأَنَّ مَا شُرِطَ فِي عَقْدِهِ الْخِيَارُ لَمْ يَكُنْ الْعَقْدُ فِيهِ تَامًّا وَهَذَا وَإِنْ جَازَ فِي الشَّرْعِ لَمْ يَجُزْ فِي النِّكَاحِ عِنْدَنَا وَعِنْدَك، فَإِنْ قُلْت فَإِنْ أَبْطَلَ الْمُتَنَاكِحَانِ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ الشَّرْطَ فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ وَقَعَ وَالْجِمَاعُ لاَ يَحِلُّ فِيهِ وَلاَ الْمِيرَاثُ إنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ إبْطَالِ الشَّرْطِ لَمْ تُجِزْهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ غَيْرَ جَائِزٍ فَقَدْ أَجَزْت فِيهِ الْخِيَارَ لِلزَّوْجَيْنِ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ الْخِيَارَ لَهُمَا يُفْسِدُ الْعُقْدَةَ. ثُمَّ أَحْلَلْته بِشَيْءٍ آخَرَ عُقْدَةٍ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا خِيَارٌ ثُمَّ أَحْدَثْت لَهُمَا شَيْئًا مِنْ قِبَلِك أَنْ جَعَلْت لَهُمَا خِيَارًا وَلَوْ قِسْتَهُ بِالْبُيُوعِ كُنْت قَدْ أَخْطَأْت فِيهِ الْقِيَاسَ قَالَ وَمِنْ أَيْنَ؟ قُلْت: الْخِيَارُ فِي الْبُيُوعِ لاَ يَكُونُ عِنْدَك إلَّا بِأَنْ يَشْتَرِيَ مَا لَمْ يَرَ عَيْنَهُ فَيَكُونَ لَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ أَوْ يَشْتَرِيَ فَيَجِدَ عَيْبًا فَيَكُونَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّهُ وَإِنْ شَاءَ حَبَسَ، وَالنِّكَاحُ بَرِيءٌ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَك؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت وَالْوَجْهُ الثَّانِي الَّذِي تُجِيزُ فِيهِ الْخِيَارَ فِي الْبُيُوعِ أَنْ يَتَشَارَطَ الْمُتَبَايِعَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا الْخِيَارَ وَإِنْ وَقَعَ عَقْدُهُمَا الْبَيْعَ عَلَى غَيْرِ الشَّرْطِ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا وَلاَ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا خِيَارٌ إلَّا بِمَا وَصَفْت مِنْ أَنْ لاَ يَكُونَ الْمُشْتَرِي رَأَى مَا اشْتَرَاهُ أَوْ دَلَّسَ لَهُ بِعَيْبٍ، قَالَ: نَعَمْ قُلْت فَالْمُتَنَاكِحَانِ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ إنَّمَا نَكَحَا نِكَاحًا يَعْرِفَانِهِ إلَى مُدَّةٍ لَمْ يَشْتَرِطَا خِيَارًا فَكَيْفَ يَكُونُ زَوْجَهَا الْيَوْمَ وَغَدًا غَيْرَ زَوْجِهَا بِغَيْرِ طَلاَقٍ يُحْدِثُهُ وَالْعَقْدُ إذَا عُقِدَ ثَبَتَ إلَّا أَنْ يُحْدِثَ فُرْقَةً عِنْدَك؟ أَوْ كَيْفَ تَكُونُ زَوْجَةً وَلاَ يَتَوَارَثَانِ؟ أَمْ كَيْفَ يَتَوَارَثَانِ يَوْمًا وَلاَ يَتَوَارَثَانِ فِي غَدِهِ؟ قَالَ: فَإِنْ قُلْت فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ فِي الْمُدَّةِ فِي النِّكَاحِ بَاطِلٌ قُلْت فَأَنْتَ تُحْدِثُ لِلْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ نِكَاحًا بِغَيْرِ رِضَاهُمَا وَلَمْ يَعْقِدَاهُ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَإِنَّمَا قِسْتُهُ بِالْبَيْعِ وَالْبَيْعُ لَوْ عُقِدَ فَقَالَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي أَشْتَرِي مِنْك هَذَا عَشْرَةَ أَيَّامٍ كُلَّ يَوْمٍ كَانَ الْبَيْعُ مَفْسُوخًا لِأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ أَمْلِكَهُ إيَّاهُ عَشْرًا دُونَ الْأَبَدِ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ أُمَلِّكَهُ إيَّاهُ عَشْرًا وَقَدْ شَرَطَ أَنْ لاَ يَمْلِكَهَا إلَّا عَشْرًا فَكَانَ يَلْزَمُك أَنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ خَبَرٌ يُحَرِّمُهُ أَنْ تُفْسِدَهُ إذَا جَعَلْته قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ فَأَفْسَدْت الْبَيْعَ قَالَ فَقَالَ فَإِنْ جَعَلْته قِيَاسًا عَلَى الرَّجُلِ يَشْتَرِطُ لِلْمَرْأَةِ دَارَهَا أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ ثَابِتًا وَالشَّرْطُ بَاطِلاً؟ قُلْت لَهُ: فَإِنْ جَعَلْته قِيَاسًا عَلَى هَذَا أَخْطَأْت مِنْ وُجُوهٍ قَالَ وَمَا هِيَ؟ قُلْت مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ لَهَا شَرْطُهَا مَا كَانَ وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهَا وَبَيْنَهُ وَمَا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْمِيرَاثِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ قِسْته عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَزِمَك أَنْ تَقُولَ ذَلِكَ فِي الْمُتَنَاكِحَيْنِ نِكَاحَ مُتْعَةٍ. قَالَ: لاَ أَقِيسُهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُثْبِتَ بَيْنَهُمَا مَا يُثْبِتُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَهِيَ زَوْجَةٌ فِي أَيَّامٍ غَيْرُ زَوْجَةٍ بَعْدَهُ؟ فَقُلْت: فَإِنْ قِسْته عَلَى مَنْ قَالَ إنَّ النِّكَاحَ ثَابِتٌ وَشَرْطُهَا دَارَهَا بَاطِلٌ فَقَدْ أَحْدَثْت لَهُمَا تَزْوِيجًا بِغَيْرِ شَرْطِهِمَا أَنْ لَيْسَا بِزَوْجَيْنِ مَا لَمْ يَرْضَهُ أَحَدٌ مِنْهُمَا فَكُنْت رَجُلاً زَوَّجَ اثْنَيْنِ بِلاَ رِضَاهُمَا وَلَزِمَك إنْ أَخْطَأْت الْقِيَاسَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، قَالَ وَأَيْنَ؟ قُلْت: النَّاكِحَةُ الْمُشْتَرِطَةُ دَارَهَا نُكِحَتْ عَلَى الْأَبَدِ فَلَيْسَ فِي عَقْدِهَا النِّكَاحَ عَلَى الْأَبَدِ شَيْءٌ يُفْسِدُ النِّكَاحَ وَشَرَطَتْ أَنْ لاَ يَخْرُجَ بِهَا مِنْ دَارِهَا نُكِحَتْ عَلَى الْأَبَدِ وَالشَّرْطِ فَهِيَ وَإِنْ كَانَ لَهَا شَرْطُهَا أَوْ أُبْطِلَ عَنْهَا فَهِيَ حَلاَلُ الْفَرْجِ فِي دَارِهَا وَغَيْرِ دَارِهَا وَالشَّرْطُ زِيَادَةٌ فِي مَهْرِهَا وَالزِّيَادَةُ فِي الْمَهْرِ عِنْدَنَا وَعِنْدَك كَانَتْ جَائِزَةً أَوْ فَاسِدَةً لاَ تُفْسِدُ الْعُقْدَةَ وَالنَّاكِحَةُ مُتْعَةً لَمْ يَنْكِحْهَا عَلَى الْأَبَدِ إنَّمَا نَكَحَتْهُ يَوْمًا أَوْ عَشْرًا فَنَكَحَتْهُ عَلَى أَنَّ زَوْجَهَا حَلاَلٌ فِي الْيَوْمِ أَوْ الْعَشْرِ مُحَرَّمٌ بَعْدَهُ لِأَنَّهَا بَعْدَهُ غَيْرُ زَوْجَةٍ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَرْجٌ يُوطَأُ بِنِكَاحٍ يَحِلُّ فِي هَذِهِ وَيُحَرَّمُ فِي أُخْرَى قَالَ مَا هِيَ بِقِيَاسٍ عَلَيْهَا أَنْ تَكُونَ زَوْجَتَهُ الْيَوْمَ وَغَيْرَ زَوْجَتِهِ الْغَدَ بِلاَ إحْدَاثِ فُرْقَةٍ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله: فَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت لَوْ اسْتَقَامَتْ قِيَاسًا عَلَى وَاحِدٍ مِمَّا أَرَدْت أَنْ تَقِيسَهَا عَلَيْهِ أَيَجُوزُ فِي الْعِلْمِ عِنْدَنَا وَعِنْدَك أَنْ يَعْمِدَ إلَى الْمُتْعَةِ وَقَدْ جَاءَ فِيهَا خَبَرٌ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِتَحْرِيمٍ وَخَبَرٌ بِتَحْلِيلٍ؟ فَزَعَمْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ أَنَّ التَّحْلِيلَ مَنْسُوخٌ فَتَجْعَلُهُ قِيَاسًا عَلَى شَيْءٍ غَيْرِهِ وَلَمْ يَأْتِ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَبَرٌ؟ فَإِنْ جَازَ هَذَا لَك جَازَ عَلَيْك أَنْ يَقُولَ لَك قَائِلٌ حُرِّمَ الطَّعَامُ وَالْجِمَاعُ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ وَحُرِّمَ الْجِمَاعُ فِي الْإِحْرَامِ فَأُحَرِّمُ الطَّعَامَ فِيهِ أَوْ أُحَرِّمُ الْكَلاَمَ فِي الصَّوْمِ كَمَا حُرِّمَ فِي الصَّلاَةِ قَالَ لاَ يَجُوزُ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْعِلْمِ تَمْضِي كُلُّ شَرِيعَةٍ عَلَى مَا شُرِعَتْ عَلَيْهِ وَكُلُّ مَا جَاءَ فِيهِ خَبَرٌ عَلَى مَا جَاءَ، قُلْت: فَقَدْ عَمَدْت فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَفِيهِ خَبَرٌ فَجَعَلْته قِيَاسًا فِي النِّكَاحِ عَلَى مَا لاَ خَبَرَ فِيهِ فَجَعَلْته قِيَاسًا عَلَى الْبُيُوعِ وَهُوَ شَرِيعَةٌ غَيْرُهُ ثُمَّ تَرَكْت جَمِيعَ مَا قِسْت عَلَيْهِ وَتُنَاقِضُ قَوْلَك فَقَالَ فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا إفْسَادُهُ فَقُلْت فَلِمَ لَمْ تُفْسِدْهُ كَمَا أَفْسَدَهُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْعُقْدَةَ فِيهِ فَاسِدَةٌ وَلَمْ تُجِزْهُ كَمَا أَجَازَهُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ حَلاَلٌ عَلَى مَا تَشَارَطَا وَلَمْ يَقُمْ لَك فِيهِ قَوْلٌ عَلَى خَبَرٍ وَلاَ قِيَاسٍ وَلاَ مَعْقُولٍ؟ قَالَ فَلِأَيِّ شَيْءٍ أَفْسَدْت أَنْتَ الشِّغَارَ وَالْمُتْعَةَ؟ قُلْت: بِاَلَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيَّ مِنْ طَاعَةِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا أَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} وَقَالَ {فَلاَ وَرَبِّك لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْت} قَالَ فَكَيْفَ يَخْرُجُ نَهْيُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَك؟ قُلْت مَا نَهَى عَنْهُ مِمَّا كَانَ مُحَرَّمًا حَتَّى أُحِلَّ بِنَصٍّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ خَبَرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَهَى مِنْ ذَلِكَ عَنْ شَيْءٍ فَالنَّهْيُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا نُهِيَ عَنْهُ لاَ يَحِلُّ قَالَ وَمِثْلُ مَاذَا؟ قُلْت مِثْلُ النِّكَاحِ كُلُّ النِّسَاءِ مُحَرَّمَاتُ الْجِمَاعِ إلَّا بِمَا أَحَلَّ اللَّهُ وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ أَوْ مِلْكِ الْيَمِينِ فَمَتَى انْعَقَدَ النِّكَاحُ أَوْ الْمِلْكُ بِمَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ أَوْ مِلْكِ الْيَمِينِ فَمَتَى انْعَقَدَ النِّكَاحُ أَوْ الْمِلْكُ بِمَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يُحَلَّلْ مَا كَانَ مِنْهُ مُحَرَّمًا وَكَذَلِكَ الْبُيُوعُ ثُمَّ أَمْوَالُ النَّاسِ مُحَرَّمَةٌ عَلَى غَيْرِهِمْ إلَّا بِمَا أَحَلَّ اللَّهُ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ فَإِنْ انْعَقَدَ الْبَيْعُ بِمَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَحِلَّ بِعُقْدَةِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ فَلَمَّا نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ الشِّغَارِ وَالْمُتْعَةِ قُلْت: الْمَنْكُوحَاتُ بِالْوَجْهَيْنِ كَانَتَا غَيْرَ مُبَاحَتَيْنِ إلَّا بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ وَلاَ يَكُونُ مَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ النِّكَاحِ وَلاَ الْبَيْعِ صَحِيحًا. قَالَ هَذَا عِنْدِي كَمَا زَعَمْت وَلَكِنْ قَدْ يَقُولُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِي النَّهْيِ مَا قُلْت وَيَأْتِي نَهْيٌ آخَرُ فَيَقُولُونَ فِيهِ خِلاَفَهُ وَيُوَجِّهُونَهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْحَرَامَ. فَقُلْت لَهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِدَلاَلَةٍ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالنَّهْيِ الْحَرَامَ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَلاَلَةٌ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَزْعُمُوا أَنَّ النَّهْيَ مَرَّةً مُحَرَّمٌ وَأُخْرَى غَيْرُ مُحَرَّمٍ فَلاَ فَرْقَ بَيْنَهُمَا عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فَدُلَّنِي فِي غَيْرِ هَذَا عَلَى مِثْلِهِ؟ فَقُلْت أَرَأَيْت لَوْ قَالَ لَك قَائِلٌ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا فَعَلِمْت أَنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ ابْنَتَيْ الْعَمِّ وَلَهُمَا قَرَابَةٌ وَلاَ بَيْنَ الْقَرَابَاتِ غَيْرِهِمَا فَكَانَتْ الْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ وَابْنَةُ الْأَخِ وَالْأُخْتِ حَلاَلاً أَنْ يُبْتَدَأَ بِنِكَاحِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عَلَى الِانْفِرَادِ أَنَّهُنَّ أُحْلِلْنَ وَخَرَجْنَ عَنْ مَعْنَى الْأُمِّ وَالْبِنْتِ وَمَا حُرِّمَ عَلَى الْأَبَدِ بِحُرْمَةِ نَفْسِهِ أَوْ بِحُرْمَةِ غَيْرِهِ فَاسْتَدْلَلْت عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ كَرَاهِيَةُ أَنْ يُفْسِدَ مَا بَيْنَهُمَا وَالْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ وَالِدَتَانِ لَيْسَتَا كَابْنَتَيْ الْعَمِّ اللَّتَيْنِ لاَ شَيْءَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى الْأُخْرَى إلَّا لِلْأُخْرَى مِثْلُهُ فَإِنْ كَانَتَا رَاضِيَتَيْنِ بِذَلِكَ مَأْمُونَتَيْنِ بِإِذْنِهِمَا وَأَخْلاَقِهِمَا عَلَى أَنْ لاَ يَتَفَاسَدَا بِالْجَمْعِ حَلَّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ قُلْت: وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ قَالَ: نَعَمْ قُلْت فَإِنْ نَكَحَ امْرَأَةً عَلَى عَمَّتِهَا فَلَمَّا انْعَقَدَتْ الْعُقْدَةُ قِيلَ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مَاتَتْ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ وَبَقِيَتْ الَّتِي نَكَحَ قَالَ فَعُقْدَةُ الْآخِرَةِ فَاسِدَةٌ قُلْت فَإِنْ قَالَ قَدْ ذَهَبَ الْجَمْعُ وَصَارَتْ الَّتِي نُهِيَ أَنْ يَنْكِحَ عَلَى هَذِهِ الْمَرْأَةِ الْمَيِّتَةِ فَقَالَ لَك أَنَا لَوْ ابْتَدَأْت نِكَاحَهَا الْآنَ جَازَ فَأُقَرِّرُ نِكَاحَهَا الْأَوَّلَ؟ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ إنْ انْعَقَدَتْ الْعُقْدَةُ بِأَمْرٍ نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ تَصِحَّ بِحَالٍ يَحْدُثُ بَعْدَهَا فَقُلْت لَهُ فَهَكَذَا قُلْت فِي الشِّغَارِ وَالْمُتْعَةِ قَدْ انْعَقَدَ بِأَمْرٍ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْهُ لاَ نَعْلَمُهُ فِي غَيْرِهِ وَمَا نَهَى عَنْهُ بِنَفْسِهِ أَوْلَى أَنْ لاَ يَصِحَّ مِمَّا نَهَى عَنْهُ بِغَيْرِهِ فَإِنْ افْتَرَقَ الْقَوْلُ فِي النَّهْيِ كَانَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَنِكَاحِ الْأُخْتِ عَلَى أُخْتِهَا إذَا مَاتَتْ الْأُولَى مِنْهُمَا قَبْلَ أَنْ تَجْتَمِعَ هِيَ وَالْآخِرَةُ أَوْلَى أَنْ يَجُوزَ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِعِلَّةِ الْجَمْعِ وَقَدْ زَالَ الْجَمْعُ قَالَ فَإِنْ زَالَ الْجَمْعُ فَإِنَّ الْعَقْدَ كَانَ وَهُوَ ثَابِتٌ عَلَى الْأُولَى فَلاَ يَثْبُتُ عَلَى الْآخِرَةِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ قُلْت لَهُ: فَاَلَّذِي أَجَزْته فِي الشِّغَارِ وَالْمُتْعَةِ هَكَذَا أَوْ أَوْلَى أَنْ لاَ يَجُوزَ مِنْ هَذَا؟ فَقُلْت لَهُ: أَرَأَيْت لَوْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّهُ أَمَرَ بِالشُّهُودِ فِي النِّكَاحِ أَنْ لاَ يتجاحد الزَّوْجَانِ فَيَجُوزُ النِّكَاحُ عَلَى غَيْرِ الشُّهُودِ مَا تَصَادَقَا؟ قَالَ لاَ يَجُوزُ النِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ. قُلْت: وَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ كَانَ جَائِزًا أَوْ أَشْهَدَا عَلَى إقْرَارِهِمَا بِذَلِكَ؟ قَالَ لاَ يَجُوزُ. قُلْت وَلِمَ؟ أَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ كَانَتْ غَيْرَ حَلاَلٍ إلَّا بِمَا أَحَلَّهَا اللَّهُ ثُمَّ رَسُولُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهِ فَلَمَّا انْعَقَدَتْ عُقْدَةُ النِّكَاحِ بِغَيْرِ مَا أَمَرَ بِهِ لَمْ يَحِلَّ الْمُحَرَّمُ إلَّا مِنْ حَيْثُ أُحِلَّ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَالْأَمْرُ بِالشُّهُودِ لاَ يُثْبِتُ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَبَرًا بِثُبُوتِ النَّهْيِ عَنْ الشِّغَارِ وَالْمُتْعَةِ وَلَوْ ثَبَتَ كُنْت بِهِ مَحْجُوجًا لِأَنَّك إذَا قُلْت فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ سُنَّةٍ لاَ يَجُوزُ لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ كَانَ بِغَيْرِ كَمَالِ مَا أُمِرَ بِهِ وَإِنْ انْعَقَدَتْ بِغَيْرِ كَمَالِ مَا أُمِرَ بِهِ فَهِيَ فَاسِدَةٌ قُلْنَا لَك فَأَيُّهُمَا أَوْلَى أَنْ يَفْسُدَ الْعُقْدَةَ الَّتِي انْعَقَدَتْ بِغَيْرِ مَا أُمِرَ بِهِ أَوْ الْعُقْدَةُ الَّتِي انْعَقَدَتْ بِمَا نُهِيَ عَنْهُ وَالْعُقْدَةُ الَّتِي تُعْقَدُ بِمَا نُهِيَ عَنْهُ تَجْمَعُ النَّهْيَ وَخِلاَفَ الْأَمْرِ؟ قَالَ كُلٌّ سَوَاءٌ قُلْت وَإِنْ كَانَا سَوَاءً لَمْ يَكُنْ لَك أَنْ تُجِيزَ وَاحِدَةً وَتَرُدَّ مِثْلَهَا أَوْ أَوْكَدَ وَإِنَّ مِنْ النَّاسِ لَمَنْ يَزْعُمُ أَنَّ النِّكَاحَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ جَائِزٌ غَيْرُ مَكْرُوهٍ كَالْبُيُوعِ وَمَا مِنْ النَّاسِ أَحَدٌ إلَّا يَكْرَهُ الشِّغَارَ وَيُنْهِي عَنْهُ وَأَكْثَرُهُمْ يَكْرَهُ الْمُتْعَةَ وَيُنْهِي عَنْهَا وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يُرْجَمُ فِيهَا مَنْ يَنْكِحُهَا وَقَدْ (نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ) أَفَرَأَيْت لَوْ تَبَايَعَ رَجُلاَنِ بِطَعَامٍ قَبْلَ أَنْ يَقْبِض ثُمَّ تَقَابَضَا فَذَهَبَ الْغَرَرُ أَيَجُوزُ؟ قَالَ: لاَ لِأَنَّ الْعُقْدَةَ انْعَقَدَتْ فَاسِدَةً مَنْهِيًّا عَنْهَا قُلْت وَكَذَلِكَ إذَا نُهِيَ عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَتَبَايَعَا أَيَتِمُّ الْبَيْعُ وَيُرَدُّ السَّلَفُ لَوْ رُفِعَا إلَيْك؟ قَالَ لاَ يَجُوزُ لِأَنَّ الْعُقْدَةَ انْعَقَدَتْ فَاسِدَةً. قِيلَ: وَمَا فَسَادُهَا وَقَدْ ذَهَبَ الْمَكْرُوهُ مِنْهَا؟ قَالَ انْعَقَدَتْ بِأَمْرٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ. قُلْنَا: وَهَكَذَا أَفْعَلُ فِي كُلِّ أَمْرٍ يُنْهَى عَنْهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي إفْسَادِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ إلَّا الْقِيَاسُ انْبَغَى أَنْ يَفْسُدَ مِنْ قِبَلِ أَنَّهَا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا يَوْمَيْنِ كُنْت قَدْ زَوَّجْت كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لَمْ يُزَوِّجْ نَفْسَهُ وَأَبَحْت لَهُ مَا لَمْ يُبِحْ لِنَفْسِهِ قَالَ فَكَيْفَ تُفْسِدُهُ؟ قُلْت لَمَّا كَانَ الْمُسْلِمُونَ لاَ يُجِيزُونَ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ إلَّا عَلَى الْأَبَدِ حَتَّى يَحْدُثَ فُرْقَةٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَحِلَّ يَوْمَيْنِ وَيَحْرُمَ أَكْثَرَ مِنْهُمَا وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَحِلَّ فِي أَيَّامٍ لَمْ يَنْكِحْهَا فَكَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا.
نكاح المحرم
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ نَبِيهِ بْنِ وَهْبٍ أَخِي بَنِي عَبْدِ الدَّارِ أَخْبَرَهُ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَرْسَلَ إلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَأَبَانُ يَوْمئِذٍ أَمِيرُ الْحَاجِّ وَهُمَا مُحْرِمَانِ: إنِّي قَدْ أَرَدْت أَنْ أُنْكِحَ طَلْحَةَ بْنَ عُمَرَ بِنْتَ شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَرَدْت أَنْ تَحْضُرَ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَبَانُ وَقَالَ سَمِعْت عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلاَ يُنْكَحُ).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَبِيهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ أَظُنُّهُ عَنْ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَ مَعْنَاهُ [أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ] قَالَ [أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ] قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلاَلٌ) [أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ] قَالَ [أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ] قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ (أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ أَبَا رَافِعٍ مَوْلاَهُ وَرَجُلاً مِنْ الْأَنْصَارِ فَزَوَّجَاهُ مَيْمُونَةَ ابْنَةَ الْحَارِثِ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ) [أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ] قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ (مَا نَكَحَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَيْمُونَةَ إلَّا وَهُوَ حَلاَلٌ) [أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ] قَالَ [أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ] قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ أَبَا غَطَفَانَ بْنَ طَرِيفٍ الْمُرِّيُّ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ طَرِيفًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَهُوَ مُحْرِمٌ فَرَدَّ عُمَرُ نِكَاحَهُ. [أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ] قَالَ [أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ] قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لاَ يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلاَ يُنْكَحُ وَلاَ يَخْطُبُ عَلَى نَفْسِهِ وَلاَ عَلَى غَيْرِهِ. [أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ] قَالَ [أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ] قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ مُوسَى عَنْ شَوْذَبٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رَدَّ نِكَاحَ مُحْرِمٍ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ فَإِذَا نَكَحَ الْمُحْرِمُ أَوْ أَنْكَحَ غَيْرَهُ فَنِكَاحُهُ مَفْسُوخٌ وَلِلْمُحْرِمِ أَنْ يُرَاجِعَ امْرَأَتَهُ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ قَدْ ثَبَتَتْ بِابْتِدَاءِ النِّكَاحِ وَلَيْسَتْ بِالنِّكَاحِ إنَّمَا هِيَ شَيْءٌ لَهُ فِي نِكَاحٍ كَانَ وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ وَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْأَمَةَ لِلْوَطْءِ وَغَيْرِهِ وَبِهَذَا نَقُولُ فَإِنْ نَكَحَ الْمُحْرِمُ فَنِكَاحُهُ مَفْسُوخٌ.
باب الخلاف في نكاح المحرم
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: [قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي نِكَاحِ الْمُحْرِمِ فَقَالَ لاَ بَأْسَ أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْرِمُ مَا لَمْ يُصِبْ وَقَالَ رَوَيْنَا خِلاَفَ مَا رَوَيْتُمْ فَذَهَبْنَا إلَى مَا رَوَيْنَا وَذَهَبْتُمْ إلَى مَا رَوَيْتُمْ رَوَيْنَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَكَحَ وَهُوَ مُحْرِمٌ) فَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت إذَا اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَيِّهَا تَأْخُذُ؟ قَالَ بِالثَّابِتِ عَنْهُ قُلْت أَفَتَرَى حَدِيثَ عُثْمَانَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَابِتًا؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت وَعُثْمَانُ غَيْرُ غَائِبٍ عَنْ نِكَاحِ مَيْمُونَةَ لِأَنَّهُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ وَفِي سَفَرِهِ الَّذِي بَنَى بِمَيْمُونَةَ فِيهِ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ وَهُوَ السَّفَرُ الَّذِي زَعَمْت أَنْتَ بِأَنَّهُ نَكَحَهَا فِيهِ وَإِنَّمَا نَكَحَهَا قَبْلَهُ وَبَنَى بِهَا فِيهِ قَالَ: نَعَمْ وَلَكِنَّ الَّذِي رَوَيْنَا عَنْهُ رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَكَحَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَوْمَ نَكَحَهَا بَالِغًا وَلاَ لَهُ يَوْمئِذٍ صُحْبَةٌ فَإِنَّهُ لاَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ خَفِيَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ الَّذِي نَكَحَهَا فِيهِ مَعَ قَرَابَتِهِ بِهَا وَلاَ يَقْبَلُهُ هُوَ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْهُ إلَّا عَنْ ثِقَةٍ فَقُلْت لَهُ يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ ابْنُ أُخْتِهَا يَقُولُ نَكَحَهَا حَلاَلاً وَمَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ عَتِيقُهَا أَوْ ابْنُ عَتِيقِهَا فَقَالَ نَكَحَهَا حَلاَلاً فَيُمْكِنُ عَلَيْك مَا أَمْكَنَك فَقَالَ هَذَانِ ثِقَةٌ وَمَكَانَهُمَا مِنْهَا الْمَكَانَ الَّذِي لاَ يَخْفَى عَلَيْهِمَا الْوَقْتُ الَّذِي نَكَحَهَا فِيهِ لِحَطِّهَا وَحَطِّ مَنْ هُوَ مِنْهَا نِكَاحُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَقْبَلاَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدَاهُ إلَّا بِخَبَرِ ثِقَةٍ فِيهِ فَتَكَافَأَ خَبَرُ هَذَيْنِ وَخَبَرُ مَنْ رَوَيْت عَنْهُ فِي الْمَكَانِ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُمَا فَهُمَا ثِقَةٌ أَوْ يَكُونُ خَبَرُ اثْنَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ خَبَرِ وَاحِدٍ وَيَزِيدُونَك مَعَهُمَا ثَالِثًا ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَتَنْفَرِدُ عَلَيْك رِوَايَةُ عُثْمَانَ الَّتِي هِيَ أَثْبَتُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ فَقُلْت لَهُ: أَوْ مَا أَعْطَيْتنَا أَنَّ الْخَبَرَيْنِ لَوْ تَكَافَآ نَظَرْنَا فِيمَا فَعَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَهُ فَنَتَّبِعُ أَيَّهمَا كَانَ فِعْلُهُمَا أَشْبَهَ، وَأَوْلَى الْخَبَرَيْنِ أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا فَنَقْبَلَهُ وَنَتْرُكَ الَّذِي خَالَفَهُ؟ قَالَ: بَلَى قُلْت فَعُمَرُ وَيَزِيدُ بْنُ ثَابِتٍ يَرُدَّانِ نِكَاحَ الْمُحْرِمِ وَيَقُولُ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَنْكِحُ وَلاَ يُنْكَحُ وَلاَ أَعْلَمُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُمَا مُخَالِفًا قَالَ فَإِنَّ الْمَكِّيِّينَ يَقُولُونَ يَنْكِحُ. فَقُلْت مِثْلَ مَا ذَهَبْت إلَيْهِ وَالْحُجَّةُ تَلْزَمُهُمْ مِثْلَ مَا لَزِمَتْك وَلَعَلَّهُمْ خَفِيَ عَلَيْهِمْ مَا خَالَفَ مَا رَوَوْا مِنْ نِكَاحِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُحْرِمًا قَالَ فَإِنَّ مِنْ أَصْحَابِك مَنْ قَالَ إنَّمَا قُلْنَا لاَ يَنْكِحُ لِأَنَّ الْعُقْدَةَ تُحِلُّ الْجِمَاعَ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ قُلْت لَهُ الْحُجَّةُ فِيمَا حَكَيْنَا لَك عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ لاَ فِيمَا وَصَفْت أَنَّهُمْ ذَهَبُوا إلَيْهِ مِنْ هَذَا وَإِنْ كُنْت أَنْتَ قَدْ تَذْهَبُ أَحْيَانًا إلَى أَضْعَفَ مِنْهُ وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَنَا مَذْهَبَ الْمَذَاهِبِ فِي الْخَبَرِ أَوْ عِلَّةً بَيِّنَةً فِيهِ قَالَ فَأَنْتُمْ قُلْتُمْ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُرَاجِعَ امْرَأَتَهُ إذَا كَانَتْ فِي عِدَّةٍ مِنْهُ وَأَنْ يَشْتَرِيَ الْجَارِيَةَ لِلْإِصَابَةِ قُلْت إنَّ الرَّجْعَةَ لَيْسَتْ بِعَقْدِ نِكَاحٍ إنَّمَا هِيَ شَيْءٌ جَعَلَهُ اللَّهُ لِلْمُطَلِّقِ فِي عُقْدَةِ النِّكَاحِ أَنْ يَكُونَ لَهُ الرَّجْعَةُ فِي الْعِدَّةِ وَعُقْدَةُ النِّكَاحِ كَانَ وَهُوَ حَلاَلٌ فَلاَ يُبْطِلُ الْعُقْدَةَ حَقُّ الْإِحْرَامِ وَلاَ يُقَالُ لِلْمُرَاجِعِ نَاكِحٌ بِحَالِ فَأَمَّا الْجَارِيَةُ تُشْتَرَى فَإِنَّ الْبَيْعَ مُخَالِفٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَك لِلنِّكَاحِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِي الْمَرْأَةَ قَدْ أَرْضَعَتْهُ وَلاَ يَحِلُّ لَهُ إصَابَتُهَا وَيَشْتَرِي الْجَارِيَةَ وَأُمَّهَا وَوَلَدَهَا لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ هَؤُلاَءِ فَأُجِيزَ الْمِلْكُ بِغَيْرِ جِمَاعٍ وَأَكْثَرُ مَا فِي مِلْكِ النِّكَاحِ الْجِمَاعُ وَلاَ يَصْلُحُ أَنْ يَنْكِحَ امْرَأَةً لاَ يَحِلُّ لَهُ جِمَاعُهَا وَقَدْ يَصْلُحُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ لاَ يَحِلُّ لَهُ جِمَاعُهَا.
باب في إنكاح الوليين
[أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ] قَالَ [أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ] قَالَ أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: " إذَا أَنْكَحَ الْوَلِيَّانِ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ وَإِذَا بَاعَ الْمُجِيزَانِ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ " [أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ] قَالَ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَبِهَذَا نَقُولُ وَهَذَا فِي الْمَرْأَةِ تُوَكِّلُ رَجُلَيْنِ فَيُزَوِّجَانِهَا فَيُزَوِّجُهَا أَحَدُهُمَا وَلاَ يَعْلَمُ الْآخَرُ حِينَ زَوَّجَهَا فَنِكَاحُ الْأَوَّلِ ثَابِتٌ لِأَنَّهُ وَلِيٌّ مُوَكَّلٌ وَمَنْ نَكَحَهَا بَعْدَهُ فَقَدْ بَطَلَ نِكَاحُهُ وَهَذَا قَوْلُ عَوَامِّ الْفُقَهَاءِ لاَ أَعْرِفُ بَيْنَهُمْ فِيهِ خِلاَفًا وَلاَ أَدْرِي أَسَمِعَ الْحَسَنُ مِنْهُ أَمْ لاَ؟
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله تعالى عنه قَالَ إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فِي الْوَاحِدَةِ وَالِاثْنَتَيْنِ.
باب في إتيان النساء قبل إحداث غسل
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: فَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ إمَاءٌ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَأْتِيَهُنَّ مَعًا قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ وَلَوْ أَحْدَثَ وُضُوءًا كُلَّمَا أَرَادَ إتْيَانَ وَاحِدَةٍ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ فِيهِ حَدِيثٌ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لاَ يَثْبُتُ مِثْلُهُ وَالْآخَرِ أَنَّهُ أَنْظَفُ وَلَيْسَ عِنْدِي بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ غَسَلَ فَرْجَهُ قَبْلَ إتْيَانِ الَّتِي يُرِيدُ ابْتِدَاءَ إتْيَانِهَا وَإِتْيَانُهُنَّ مَعًا وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ كَإِتْيَانِ الْوَاحِدَةِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَإِنْ كُنَّ حَرَائِرَ فَحَلَلْنَهُ فَكَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَحْلِلْنَهُ لَمْ أَرَ أَنْ يَأْتِيَ وَاحِدَةً فِي لَيْلَةِ الْأُخْرَى الَّتِي يَقْسِمُ لَهَا فَإِنْ قِيلَ فَهَلْ فِي هَذَا حَدِيثٌ؟ قِيلَ إنَّهُ يُسْتَغْنَى فِيهِ عَنْ الْحَدِيثِ بِمَا قَدْ يَعْرِفُ النَّاسُ وَقَدْ رُوِيَ فِيهِ شَيْءٌ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: مَنْ أَصَابَ امْرَأَةً حُرَّةً أَوْ أَمَةً ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ فَلاَ يَنَامَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ بِالسُّنَّةِ.
إباحة الطلاق
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: [قَالَ الشَّافِعِيُّ]: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} الآيَةَ. وَقَالَ {لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} وَقَالَ {إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} الآيَةَ. وَقَالَ {وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} وَقَالَ {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} مَعَ مَا ذَكَرْته مِنْ الطَّلاَقِ فِي غَيْرِ مَا ذَكَرْت وَدَلَّتْ عَلَيْهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ إبَاحَةِ الطَّلاَقِ فَالطَّلاَقُ مُبَاحٌ لِكُلِّ زَوْجٍ لَزِمَهُ الْفَرْضُ وَمَنْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ لاَ تُحَرَّمُ مِنْ مُحْسِنَةٍ وَلاَ مُسِيئَةٍ فِي حَالٍ إلَّا أَنَّهُ يُنْهَى عَنْهُ لِغَيْرِ الْعِدَّةِ وَإِمْسَاكُ كُلِّ زَوْجٍ مُحْسِنَةٍ أَوْ مُسِيئَةٍ بِكُلِّ حَالٍ مُبَاحٌ إذَا أَمْسَكَهَا بِمَعْرُوفٍ وَجِمَاعُ الْمَعْرُوفِ أَعْفَاهَا بِتَأْدِيَةِ الْحَقِّ.
كيف إباحة الطلاق
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله: أَخْتَارُ لِلزَّوْجِ أَنْ لاَ يُطَلِّقَ إلَّا وَاحِدَةً لِيَكُونَ لَهُ الرَّجْعَةُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَيَكُونَ خَاطِبًا فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَمَتَى نَكَحَهَا بَقِيَتْ لَهُ عَلَيْهَا اثْنَتَانِ مِنْ الطَّلاَقِ وَلاَ يُحَرَّمُ عَلَيْهِ أَنْ يُطَلِّقَ اثْنَتَيْنِ وَلاَ ثَلاَثًا لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَبَاحَ الطَّلاَقَ وَمَا أَبَاحَ فَلَيْسَ بِمَحْظُورٍ عَلَى أَهْلِهِ وَأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ مَوْضِعَ الطَّلاَقِ وَلَوْ كَانَ فِي عَدَدِ الطَّلاَقِ مُبَاحٌ وَمَحْظُورٌ عَلَّمَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إيَّاهُ لِأَنَّ مَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ طَاهِرًا كَانَ مَا يُكْرَهُ مِنْ عَدَدِ الطَّلاَقِ وَيُحَبُّ لَوْ كَانَ فِيهِ مَكْرُوهٌ أَشْبَهَ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ (وَطَلَّقَ عُوَيْمِرٌ الْعَجْلاَنِيُّ امْرَأَتَهُ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ وَقَبْلَ أَنْ يُخْبِرَهُ أَنَّهَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ بِاللِّعَانِ) وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ شَيْئًا مَحْظُورًا عَلَيْهِ نَهَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيُعَلِّمَهُ وَجَمَاعَةَ مَنْ حَضَرَهُ وَحَكَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثَلاَثًا فَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَطَلَّقَ رُكَانَةُ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ وَهِيَ تَحْتَمِلُ وَاحِدَةً وَتَحْتَمِلُ ثَلاَثًا فَسَأَلَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ نِيَّتِهِ وَأَحْلَفَهُ عَلَيْهَا وَلَمْ نَعْلَمْهُ نَهَى أَنْ يُطَلِّقَ أَلْبَتَّةَ يُرِيدُ بِهَا ثَلاَثًا وَطَلَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا.
جماع وجه الطلاق
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} وَقُرِئَتْ " لِقِبَلِ عِدَّتِهِنَّ " وَهُمَا لاَ يَخْتَلِفَانِ فِي الْمَعْنَى أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ عُمَرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ فَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ) أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ وَسَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَيْمَنَ مَوْلَى عَزَّةَ يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ وَأَبُو الزُّبَيْرِ يَسْمَعُ فَقَالَ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ (طَلَّقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا فَإِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ أَوْ لِيُمْسِكْ) قَالَ ابْنُ عُمَرَ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ أَيْ فِي قِبَلِ عِدَّتِهِنَّ أَوْ لِقِبَلِ عِدَّتِهِنَّ " شَكَّ الشَّافِعِيُّ " أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ وَسَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا " إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِقِبَلِ عِدَّتِهِنَّ ".
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَبَيَّنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِدَلاَلَةِ سُنَّةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ فِي الْمَرْأَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا الَّتِي تَحِيضُ دُونَ مَنْ سِوَاهَا مِنْ الْمُطَلَّقَاتِ أَنْ تَطْلُقَ لِقِبَلِ عِدَّتِهَا وَذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ الْعِدَّةَ عَلَى الْمَدْخُولِ بِهَا وَأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنَّمَا يَأْمُرُ بِطَلاَقٍ طَاهِرٍ مِنْ حَيْضِهَا الَّتِي يَكُونُ لَهَا طُهْرٌ وَحَيْضٌ، وَبَيَّنَ أَنَّ الطَّلاَقَ يَقَعُ عَلَى الْحَائِضِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤْمَرُ بِالْمُرَاجَعَةِ مَنْ لَزِمَهُ الطَّلاَقُ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلاَقُ فَهُوَ بِحَالِهِ قَبْلَ الطَّلاَقِ. وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ وَالتَّسْرِيحِ بِالْإِحْسَانِ وَنَهَى عَنْ الضَّرَرِ وَطَلاَقُ الْحَائِضِ ضَرَرٌ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا لاَ زَوْجَةَ وَلاَ فِي أَيَّامٍ تَعْتَدُّ فِيهَا مِنْ زَوْجٍ مَا كَانَتْ فِي الْحَيْضَةِ وَهِيَ إذَا طَلُقَتْ وَهِيَ تَحِيضُ بَعْدَ جِمَاعٍ لَمْ تَدْرِ وَلاَ زَوْجُهَا عِدَّتَهَا الْحَمْلُ أَوْ الْحَيْضُ؟ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَا مَعًا الْعِدَّةَ لِيَرْغَبَ الزَّوْجُ وَتَقْصُرَ الْمَرْأَةُ عَنْ الطَّلاَقِ إنْ طَلَبَتْهُ، وَإِذَا أَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُمَرَ أَنْ يُعَلِّمَ ابْنَ عُمَرَ مَوْضِعَ الطَّلاَقِ فَلَمْ يُسَمِّ لَهُ مِنْ الطَّلاَقِ عَدَدًا فَهُوَ يُشْبِهُ أَنْ لاَ يَكُونَ فِي عَدَدِ مَا يُطَلِّقُ سُنَّةٌ إلَّا أَنَّهُ أَبَاحَ لَهُ الطَّلاَقَ وَاحِدَةً وَاثْنَتَيْنِ وَثَلاَثًا مَعَ دَلاَئِلَ تُشْبِهُ هَذَا الْحَدِيثَ وَدَلاَئِلَ الْقِيَاسِ.
تفريع طلاق السنة في غير المدخول بها والتي لا تحيض
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: إذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَكَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ أَوْ لاَ تَحِيضُ فَلاَ سُنَّةَ فِي طَلاَقِهَا إلَّا أَنَّ الطَّلاَقَ يَقَعُ مَتَى طَلَّقَهَا فَيُطَلِّقُهَا مَتَى شَاءَ فَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ، لاَ لِلسُّنَّةِ وَلاَ لِلْبِدْعَةِ، طَلُقَتْ مَكَانَهَا [قَالَ]: وَلَوْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً وَدَخَلَ بِهَا وَحَمَلَتْ، فَقَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ أَوْ لِلْبِدْعَةِ أَوْ بِلاَ سُنَّةٍ وَلاَ بِدْعَةٍ كَانَتْ مِثْلَ الْمَرْأَةِ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لاَ تَخْتَلِفُ هِيَ وَهِيَ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقَعُ بِهِ الطَّلاَقُ عَلَيْهَا حِينَ يَتَكَلَّمُ بِهِ [قَالَ]: وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَدَخَلَ بِهَا وَأَصَابَهَا وَكَانَتْ مِمَّنْ لاَ تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فَقَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ فَهِيَ مِثْلُ الْمَرْأَتَيْنِ قَبْلَهَا لاَ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ فِي وُقُوعِ الطَّلاَقِ عَلَيْهَا حِينَ يَتَكَلَّمُ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي طَلاَقِ وَاحِدَةٍ مِمَّنْ سُمِّيَتْ سُنَّةً إلَّا أَنَّ الطَّلاَقَ يَقَعُ عَلَيْهَا حِينَ يَتَكَلَّمُ بِهِ بِلاَ وَقْتٍ لِعِدَّةٍ لِأَنَّهُنَّ خَوَارِجُ مِنْ أَنْ يَكُنَّ مَدْخُولاً بِهِنَّ وَمِمَّنْ لَيْسَتْ عِدَدُهُنَّ الْحَيْضَ وَإِنْ نَوَى أَنْ يَقَعْنَ فِي وَقْتٍ لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْحُكْمِ وَدُيِّنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
تفريع طلاق السنة في المدخول بها التي تحيض إذا كان الزوج غائبا
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله: إذَا كَانَ الرَّجُلُ غَائِبًا عَنْ امْرَأَتِهِ فَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِلسُّنَّةِ كَتَبَ إلَيْهَا " إذَا أَتَاك كِتَابِي هَذَا وَقَدْ حِضْت بَعْدَ خُرُوجِي مِنْ عِنْدِك فَإِنْ كُنْت طَاهِرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ " وَإِنْ كَانَ عَلِمَ أَنَّهَا قَدْ حَاضَتْ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ وَلَمْ يَمَسَّهَا بَعْدَ الطُّهْرِ أَوْ عَلِمَ أَنَّهَا قَدْ حَاضَتْ وَطَهُرَتْ وَهُوَ غَائِبٌ كَتَبَ إلَيْهَا " إذَا أَتَاك كِتَابِي فَإِنْ كُنْت طَاهِرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ كُنْت حَائِضًا فَإِذَا طَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ " [قَالَ]: وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ الَّتِي تَحِيضُ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ سَأَلَتْهُ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت أَنْ يَقَعَ الطَّلاَقُ عَلَيْهَا لِلسُّنَّةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا وَلَمْ يُجَامِعْهَا فِي طُهْرِهَا ذَلِكَ وَقَعَ الطَّلاَقُ عَلَيْهَا فِي حَالِهَا تِلْكَ وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا قَدْ جَامَعَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ وَقَعَ الطَّلاَقُ عَلَيْهَا حِينَ تَطْهُرُ مِنْ النِّفَاسِ أَوْ الْحَيْضِ وَوَقَعَ عَلَى الطَّاهِرَةِ الْمُجَامَعَةِ حَيْثُ تَطْهُرُ مِنْ أَوَّلِ حَيْضَةٍ تَحِيضُهَا بَعْدَ قَوْلِهِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ حِينَ تَرَى الطُّهْرَ وَقَبْلَ الْغُسْلِ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت أَنْ يَقَعَ حِينَ تَكَلَّمْت وَقَعَتْ حَائِضًا كَانَتْ أَوْ طَاهِرًا بِإِرَادَتِهِ، وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ الَّتِي تَحِيضُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا لِلسُّنَّةِ وَقَعْنَ جَمِيعًا مَعًا فِي وَقْتِ طَلاَقِ السُّنَّةِ إذَا كَانَتْ طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَقَعْنَ حِينَ قَالَهُ وَإِنْ كَانَتْ نُفَسَاءَ أَوْ حَائِضًا أَوْ طَاهِرًا فَإِذَا طَهُرَتْ قَبْلَ تَجَامُعٍ، وَلَوْ نَوَى أَنْ يَقَعْنَ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ وَاحِدَةً وَقَعْنَ مَعًا كَمَا وَصَفْت فِي الْحُكْمِ، فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَقَعْنَ عَلَى مَا نَوَاهُ وَيَسَعُهُ رَجْعَتُهَا وَإِصَابَتُهَا بَيْنَ كُلِّ تَطْلِيقَتَيْنِ مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَتَنْقَضِي عِدَّةُ الْمَرْأَةِ بِأَنْ تَدْخُلَ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ يَوْمِ وَقَعَ الطَّلاَقُ فِي الْحُكْمِ وَلَهَا أَنْ لاَ تَنْكِحَهُ وَتَمْتَنِعَ مِنْهُ، وَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا عِنْدَ كُلِّ قُرْءٍ لَك وَاحِدَةٌ فَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا مُجَامَعَةً أَوْ غَيْرَ مُجَامَعَةٍ وَقَعَتْ الْأُولَى لِأَنَّ ذَلِكَ قُرْءٌ، وَلَوْ طَلُقَتْ فِيهِ اعْتَدَّتْ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ وَقَعَتْ الْأُولَى إذَا طَهُرَتْ مِنْ النِّفَاسِ وَوَقَعَتْ الْأُخْرَى إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَيَبْقَى عَلَيْهَا مِنْ عِدَّتِهَا قُرْءٌ، فَإِذَا دَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الرَّابِعَةِ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْ الطَّلاَقِ كُلِّهِ [قَالَ]: وَلَوْ قَالَ لَهَا هَذَا الْقَوْلَ وَهِيَ طَاهِرٌ أَوْ وَهِيَ حُبْلَى وَقَعَتْ الْأُولَى وَلَمْ تَقَعْ الثِّنْتَانِ كَانَتْ تَحِيضُ عَلَى الْحَبَلِ أَوْ لاَ تَحِيضُ حَتَّى تَلِدَ ثُمَّ تَطْهُرَ فَيَقَعَ عَلَيْهَا إنْ ارْتَجَعَ فَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ لَهَا رَجْعَةً فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَلاَ تَقَعُ الثِّنْتَانِ لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ مِنْهُ وَحَلَّتْ لِغَيْرِهِ وَلاَ يَقَعُ عَلَيْهَا طَلاَقُهُ وَلَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ لَهُ [قَالَ]: وَسَوَاءٌ قَالَ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا يَقَعْنَ مَعًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي عَدَدِ الطَّلاَقِ سُنَّةٌ إلَّا أَنِّي أُحِبُّ لَهُ أَنْ لاَ يُطَلِّقَ إلَّا وَاحِدَةً وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ أَرَدْت طَلاَقًا لِلسُّنَّةِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَقَعَ الطَّلاَقُ عَلَيْهَا إذَا طَلُقَتْ فَهِيَ طَالِقٌ مَكَانَهُ وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَلاَ نِيَّةَ لَهُ أَوْ وَهُوَ يَنْوِي وُقُوعَ الطَّلاَقِ عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِهِ وَقَعَ الطَّلاَقُ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَاحِدَةً وَأُخْرَى لِلْبِدْعَةِ فَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا قَدْ جُومِعَتْ أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ وَقَعَتْ تَطْلِيقَةُ الْبِدْعَةِ. فَإِذَا طَهُرَتْ وَقَعَتْ تَطْلِيقَةُ السُّنَّةِ وَسَوَاءٌ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً سُنِّيَّةً وَأُخْرَى بِدْعِيَّةً أَوْ تَطْلِيقَةً لِلسُّنَّةِ وَأُخْرَى لِلْبِدْعَةِ.
[قَالَ]: وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا لِلسُّنَّةِ وَثَلاَثًا لِلْبِدْعَةِ وَقَعَتْ عَلَيْهَا ثَلاَثًا حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ لِأَنَّهَا لاَ تَعْدُو أَنْ تَكُونَ فِي حَالِ سُنَّةٍ أَوْ حَالِ بِدْعَةٍ فَيَقَعْنَ فِي أَيِّ الْحَالَيْنِ كَانَتْ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا بَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ وَبَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ جَعَلْنَا الْقَوْلَ قَوْلَهُ فَإِنْ أَرَادَ اثْنَتَيْنِ لِلسُّنَّةِ وَوَاحِدَةً لِلْبِدْعَةِ أَوْقَعْنَا اثْنَتَيْنِ لِلسُّنَّةِ فِي مَوْضِعِهِمَا. وَوَاحِدَةً لِلْبِدْعَةِ فِي مَوْضِعِهَا، وَهَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا لِلسُّنَّةِ وَلِلْبِدْعَةِ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت بِثَلاَثٍ لِلسُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ أَنْ يَقَعْنَ مَعًا وَقَعْنَ فِي أَيِّ حَالٍ كَانَتْ الْمَرْأَةُ وَهَكَذَا إنْ قَالَ أَرَدْت أَنَّ السُّنَّةَ وَالْبِدْعَةَ فِي هَذَا سَوَاءٌ وَلَوْ قَالَ بَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ وَبَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ وَلاَ نِيَّةَ لَهُ فَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَقَعَتْ ثِنْتَانِ لِلسُّنَّةِ حِينَ يَتَكَلَّمُ بِالطَّلاَقِ وَوَاحِدَةٌ لِلْبِدْعَةِ حِينَ تَحِيضُ. وَإِنْ كَانَتْ مُجَامَعَةً أَوْ فِي دَمِ نِفَاسٍ أَوْ حَيْضٍ وَقَعَتْ حِينَ تَكَلَّمَ اثْنَتَانِ لِلْبِدْعَةِ وَإِذَا طَهُرَتْ وَاحِدَةٌ لِلسُّنَّةِ.
[قَالَ]: وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَحْسَنَ الطَّلاَقِ أَوْ أَجْمَلَ الطَّلاَقِ أَوْ أَفْضَلَ الطَّلاَقِ أَوْ أَكْمَلَ الطَّلاَقِ أَوْ خَيْرَ الطَّلاَقِ أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ تَفْصِيلِ الْكَلاَمِ سَأَلَتْهُ عَنْ نِيَّتِهِ فَإِنْ قَالَ لَمْ أَنْوِ شَيْئًا وَقَعَ الطَّلاَقُ لِلسُّنَّةِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ مَا نَوَيْت إيقَاعَهُ فِي وَقْتٍ أَعْرِفُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ مَا أَعْرِفُ حَسَنَ الطَّلاَقِ وَلاَ قَبِيحَهُ بِصِفَةٍ غَيْرَ أَنِّي نَوَيْت أَنْ يَكُونَ أَحْسَنَ الطَّلاَقِ وَمَا قُلْت مَعَهُ أَنْ يَقَعَ الطَّلاَقُ حِينَ تَكَلَّمْت بِهِ لاَ يَكُونُ لَهُ مُدَّةٌ غَيْرُ الْوَقْتِ الَّذِي تَكَلَّمْت بِهِ فِيهِ فَيَقَعُ حِينَئِذٍ حِينَ يَتَكَلَّمُ بِهِ أَوْ يَقُولُ أَرَدْت بِأَحْسَنِهِ أَنِّي طَلَّقْت مِنْ الْغَضَبِ أَوْ غَيْرِهِ فَيَقَعُ حِينَ يَتَكَلَّمُ بِهِ إذَا جَاءَ بِدَلاَلَةٍ.
[قَالَ]: وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَقْبَحَ أَوْ أَسْمَجَ أَوْ أَقْذَرَ أَوْ أَشَرَّ أَوْ أَنْتَنَ أَوْ آلَمَ أَوْ أَبْغَضَ الطَّلاَقِ أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِمَّا يَقْبُحُ بِهِ الطَّلاَقُ سَأَلْنَاهُ عَنْ نِيَّتِهِ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت مَا يُخَالِفُ السُّنَّةَ مِنْهُ أَوْ قَالَ أَرَدْت إنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ يُقَبِّحُ الْأَقْبَحَ وَقَعَ طَلاَقَ بِدْعَةٍ إنْ كَانَتْ طَاهِرًا مُجَامَعَةً أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ، حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ وَقَعَ مَكَانَهُ، وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَقَعَ إذَا حَاضَتْ أَوْ نَفِسَتْ أَوْ جُومِعَتْ وَإِنْ قَالَ لَمْ أَنْوِ شَيْئًا أَوْ خَرِسَ أَوْ عَتِهَ قَبْلَ يَسْأَلَ وَقَعَ الطَّلاَقُ فِي مَوْضِعِ الْبِدْعَةِ فَإِنْ سُئِلَ فَقَالَ نَوَيْت أَقْبَحَ الطَّلاَقِ لَهَا إذَا طَلَّقْتهَا لِرِيبَةٍ رَأَيْتهَا مِنْهَا أَوْ سُوءِ عِشْرَةٍ أَوْ بَغْضَةً مِنِّي لَهَا أَوْ لِبُغْضِهَا مِنْ غَيْرِ رِيبَةٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ يَقْبُحُ بِهَا وَقَعَ الطَّلاَقُ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِفْهُ فِي أَنْ يَقَعَ فِي وَقْتٍ فَيُوقِعَهُ فِيهِ.
[قَالَ]: وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً حَسَنَةً قَبِيحَةً أَوْ جَمِيلَةً فَاحِشَةً أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِمَّا يَجْمَعُ الشَّيْءَ وَخِلاَفَهُ كَانَتْ طَالِقًا حِينَ تَكَلَّمَ بِالطَّلاَقِ لِأَنَّ مَا أَوْقَعَ فِي ذَلِكَ وَقَعَ بِإِحْدَى الصِّفَتَيْنِ، وَإِنْ قَالَ نَوَيْت أَنْ يَقَعَ فِي وَقْتٍ غَيْرِ هَذَا الْوَقْتِ لَمْ أَقْبَلْ مِنْهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي ظَاهِرِ قَوْلِهِ ثِنْتَانِ أَنَّ الطَّلاَقَ يَقَعُ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ وَيَسَعُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ لاَ يَقَعَ الطَّلاَقُ إلَّا عَلَى نِيَّتِهِ.
وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَانَ الطَّلاَقُ السَّاعَةَ أَوْ الْآنَ أَوْ فِي هَذَا الْوَقْتِ أَوْ فِي هَذَا الْحِينِ يَقَعُ عَلَيْك لِلسُّنَّةِ فَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلاَقُ، وَإِنْ كَانَتْ فِي تِلْكَ الْحَالِ مُجَامَعَةً أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا الطَّلاَقُ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَلاَ غَيْرِهَا بِهَذَا الطَّلاَقِ.
وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَانَ الطَّلاَقُ الْآنَ أَوْ السَّاعَةَ أَوْ فِي هَذَا الْوَقْتِ أَوْ فِي هَذَا الْحِينِ يَقَعُ عَلَيْك لِلْبِدْعَةِ فَإِنْ كَانَتْ مُجَامَعَةً أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ طَلُقَتْ وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ لَمْ تَطْلُقْ.
وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي هَذَا كُلِّهِ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا أَوْ مَدْخُولاً بِهَا لاَ تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ حُبْلَى وَقَعَ هَذَا كُلُّهُ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ وَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا الَّتِي تَحِيضُ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ أَرَدْت طَلاَقًا ثَلاَثًا، أَوْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَحْسَنَ الطَّلاَقِ أَوْ بِقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَقْبَحَ الطَّلاَقِ ثَلاَثًا كَانَ ثَلاَثًا وَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَ اثْنَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ زِيَادَةً فِي عَدَدِ الطَّلاَقِ كَانَتْ فِي هَذَا كُلِّهِ وَاحِدَةً، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَكْمَلَ الطَّلاَقِ فَهَكَذَا، وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَكْثَرَ الطَّلاَقِ عَدَدًا أَوْ قَالَ أَكْثَرَ الطَّلاَقِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ فَهُنَّ ثَلاَثٌ وَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ ظَاهِرَ هَذَا ثَلاَثٌ.
[قَالَ]: وَطَلاَقُ الْمَدْخُولِ بِهَا حُرَّةً مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً أَوْ أَمَةً مُسْلِمَةً سَوَاءٌ فِي وَقْتِ إيقَاعِهِ وَإِنْ نَوَى شَيْئًا وَسِعَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ لاَ يَقَعَ الطَّلاَقُ إلَّا فِي الْوَقْتِ الَّذِي نَوَى، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِلْءَ مَكَّةَ فَهِيَ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَكْثَرَ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ مِلْءَ الدُّنْيَا أَوْ قَالَ مِلْءَ شَيْءٍ مِنْ الدُّنْيَا لِأَنَّهَا لاَ تَمْلاَُ شَيْئًا إلَّا بِكَلاَمٍ فَالْوَاحِدَةُ وَالثَّلاَثُ سَوَاءٌ فِيمَا يُمْلاَُ بِالْكَلاَمِ.
[قَالَ]: وَلَوْ وَقَّتَ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَوْ إلَى سَنَةٍ أَوْ إذَا فَعَلْت كَذَا وَكَذَا أَوْ كَانَ مِنْك كَذَا طَلُقَتْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي وَقَّتَ وَلاَ تَطْلُقْ قَبْلَهُ، وَلَوْ قَالَ لِلْمَدْخُولِ بِهَا الَّتِي تَحِيضُ إذَا قَدِمَ فُلاَنٌ أَوْ عَتَقَ فُلاَنٌ أَوْ إذَا فَعَلَ فُلاَنٌ كَذَا وَكَذَا أَوْ إذَا فَعَلْت كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ إلَّا فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ مَا أَوْقَعَ بِهِ الطَّلاَقَ حَائِضًا كَانَتْ أَوْ طَاهِرًا، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي وَقْتِ كَذَا لِلسُّنَّةِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْوَقْتُ وَهِيَ طَاهِرٌ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَقَعَ الطَّلاَقُ وَإِنْ كَانَ وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ أَوْ مُجَامَعَةٌ لَمْ يَقَعْ إلَّا بَعْدَ طُهْرِهَا مِنْ حَيْضَةٍ قَبْلَ الْجِمَاعِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ لاَ لِلسُّنَّةِ وَلاَ لِلْبِدْعَةِ أَوْ لِلسُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ كَانَتْ طَالِقًا حِينَ تَكَلَّمَ بِالطَّلاَقِ.
طلاق التي لم يدخل بها
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى أَنَّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَةً لَهُ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا ثَلاَثًا لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا فَقَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إيَاسِ بْنِ الْبُكَيْرِ قَالَ طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا فَجَاءَ يَسْتَفْتِي فَسَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ فَقَالاَ لاَ نَرَى أَنْ تَنْكِحَهَا حَتَّى تَتَزَوَّجَ زَوْجًا غَيْرَك فَقَالَ إنَّمَا كَانَ طَلاَقِي إيَّاهَا وَاحِدَةً فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنَّك أَرْسَلْت مِنْ يَدِك مَا كَانَ لَك مِنْ فَضْلٍ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَابْنَ الْعَاصِ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا قَالَ عَطَاءٌ فَقُلْت إنَّمَا طَلاَقُ الْبِكْرِ وَاحِدَةٌ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو إنَّمَا أَنْتَ قَاضٍ الْوَاحِدَةُ تُبِينُهَا وَالثَّلاَثُ تُحَرِّمُهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ} وَقَالَ {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} الآيَةَ. فَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّجْعَةَ لِمَنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ إنَّمَا هِيَ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا جَعَلَ الرَّجْعَةَ فِي الْعِدَّةِ وَكَانَ الزَّوْجُ لاَ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ إذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ لِأَنَّهُ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ فِي تِلْكَ الْحَالِ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَ الْمُطَلِّقِ فَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ فَلاَ رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا وَلاَ عِدَّةَ وَلَهَا أَنْ تَنْكِحَ مَنْ شَاءَتْ مِمَّنْ يَحِلُّ لَهَا نِكَاحُهُ وَسَوَاءٌ الْبِكْرُ فِي هَذَا وَالثَّيِّبُ.
[قَالَ]: وَلَوْ قَالَ لِلْمَرْأَةِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا لِلسُّنَّةِ أَوْ ثَلاَثًا لِلْبِدْعَةِ أَوْ ثَلاَثًا بَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ وَبَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ وَقَعْنَ مَعًا حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا سُنَّةٌ وَلاَ بِدْعَةٌ وَهَكَذَا لَوْ كَانَتْ مَدْخُولاً بِهَا لاَ تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ حُبْلَى، وَإِذَا أَرَادَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا ثَلاَثًا أَنْ يَقَعْنَ فِي رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةً لَزِمَهُ فِي حُكْمِ الطَّلاَقِ ثَلاَثًا يَقَعْنَ مَعًا وَيَسَعُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةً وَيَرْتَجِعَهَا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَيُصِيبَهَا وَيَسَعُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ يَسَعُهَا هِيَ أَنْ تُصَدِّقَهُ وَلاَ تَتْرُكَهُ وَنَفْسَهَا لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُنَّ وَقَعْنَ مَعًا وَهِيَ لاَ تَعْلَمُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ وَقَدْ يَكْذِبُ عَلَى قَلْبِهِ وَلَوْ قَالَ لِلَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا لِلسُّنَّةِ وَقَعْنَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ فَإِنْ نَوَى أَنْ يَقَعْنَ فِي رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ فَلاَ يَسَعُهَا أَنْ تُصَدِّقَهُ لِأَنَّهُ لاَ عِدَّةَ عَلَيْهَا فَتَقَعُ الثِّنْتَانِ عَلَيْهَا فِي رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةً وَيَسَعُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَقَعَ وَاحِدَةٌ وَلاَ تَقَعُ اثْنَتَانِ لِأَنَّهُمَا يَقَعَانِ وَهِيَ غَيْرُ زَوْجَةٍ وَلاَ مُعْتَدَّةٍ.
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ تَحِيضُ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ فُلاَنٌ وَاحِدَةً لِلسُّنَّةِ أَوْ ثَلاَثًا لِلسُّنَّةِ فَدَخَلَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَقْدُمَ فُلاَنٌ وَقَعَتْ عَلَيْهَا الْوَاحِدَةُ أَوْ الثَّلاَثُ إذَا قَدِمَ فُلاَنٌ وَهِيَ طَاهِرٌ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ، وَإِنْ قَدِمَ فُلاَنٌ وَهِيَ طَاهِرٌ مِنْ أَوَّلِ حَيْضٍ طَلُقَتْ قَبْلَ يُجَامِعُ وَأَسْأَلُهُ هَلْ أَرَادَ إيقَاعَ الطَّلاَقِ بِقُدُومِ فُلاَنٍ فَقَطْ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ أَوْ قَالَ أَرَدْت إيقَاعَ الطَّلاَقِ بِقُدُومِ فُلاَنٍ لِلسُّنَّةِ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا لاَ سُنَّةَ الَّتِي دَخَلَ بِهَا أَوْقَعْته عَلَيْهِ كَيْفَمَا كَانَتْ امْرَأَتُهُ لِأَنَّهَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا حِينَ حَلَفَ وَلاَ حِينَ نَوَى السُّنَّةَ فِي الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَبَنَى وَإِنِّي أُوقِعُ الطَّلاَقَ بِنِيَّتِهِ مَعَ كَلاَمِهِ.
وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَتْ عَلَيْهَا الْأُولَى وَلَمْ تَقَعْ عَلَيْهَا. الثِّنْتَانِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْأُولَى كَلِمَةٌ تَامَّةٌ وَقَعَ بِهَا الطَّلاَقُ فَبَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِلاَ عِدَّةٍ عَلَيْهَا وَلاَ يَقَعُ الطَّلاَقُ عَلَى غَيْرِ زَوْجَةٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ أَبِي قُسَيْطٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ أَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَيُطَلِّقُ امْرَأَةً عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ؟ قَدْ بَانَتْ مِنْهُ مِنْ حِينِ طَلَّقَهَا التَّطْلِيقَةَ الْأُولَى.
ما جاء في الطلاق إلى وقت من الزمان
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله: إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَهِيَ طَالِقٌ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ فِي غُرَّةِ شَهْرِ كَذَا فَإِذَا رَأَى غُرَّةَ شَهْرِ كَذَا فَتِلْكَ غُرَّتُهُ فَإِنْ أَصَابَهَا وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ أَنَّ الْفَجْرَ طَلَعَ يَوْمَ أَوْقَعَ عَلَيْهَا الطَّلاَقَ أَوْ لاَ يَعْلَمُ أَنَّ الْهِلاَلَ رُئِيَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الْفَجْرَ طَلَعَ قَبْلَ إصَابَتِهِ إيَّاهَا أَوْ الْهِلاَلَ رُئِيَ قَبْلِ إصَابَتِهِ إيَّاهَا إلَّا أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ إصَابَتَهُ كَانَتْ بَعْدَ الْمَغْرِبِ ثُمَّ رُئِيَ الْهِلاَلُ فَقَدْ وَقَعَ الطَّلاَقُ قَبْلَ إصَابَتِهِ إيَّاهَا وَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا بِإِصَابَتِهِ إيَّاهَا بَعْدَ وُقُوعِ طَلاَقِهِ عَلَيْهَا ثَلاَثًا إنْ كَانَ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا أَوْ تَطْلِيقَةً لَمْ يَكُنْ بَقِيَ عَلَيْهَا مِنْ الطَّلاَقِ إلَّا هِيَ، وَإِنْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا، وَلاَ تَكُونُ إصَابَتُهُ إيَّاهَا رَجْعَةً، وَالْقَوْلُ فِي الْإِصَابَةِ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْحِنْثِ إلَّا أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فِي الْحِنْثِ بِخِلاَفِ مَا قَالَ أَوْ بَيَّنَهُ بِإِقْرَارِهِ بِإِصَابَةٍ تُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا فَيُؤْخَذُ لَهَا.
[قَالَ]: وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ فِي شَهْرِ كَذَا أَوْ إلَى شَهْرِ كَذَا أَوْ فِي غُرَّةِ هِلاَلِ شَهْرِ كَذَا أَوْ فِي دُخُولِ شَهْرِ كَذَا أَوْ فِي اسْتِقْبَالِ شَهْرِ كَذَا كَانَتْ طَالِقًا سَاعَةَ تَغِيبُ الشَّمْسُ مِنْ اللَّيْلَةِ الَّتِي يَرَى فِيهَا هِلاَلَ ذَلِكَ الشَّهْرِ وَلَوْ رُئِيَ هِلاَلُ ذَلِكَ الشَّهْرِ بِعَشِيٍّ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا بِمَغِيبِ الشَّمْسِ لِأَنَّهُ لاَ يُعَدُّ الْهِلاَلُ إلَّا مِنْ لَيْلَتِهِ لاَ مِنْ نَهَارٍ يُرَى فِيهِ لَمْ يُرَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي لَيْلَتِهِ. وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا دَخَلَتْ سَنَةُ كَذَا أَوْ فِي مَدْخَلِ سَنَةِ كَذَا أَوْ فِي سَنَةِ كَذَا أَوْ إذَا أَتَتْ سَنَةُ كَذَا كَانَ هَذَا كَالشَّهْرِ لاَ يَخْتَلِفُ إذَا دَخَلَتْ السَّنَةُ الَّتِي أَوْقَعَ فِيهَا الطَّلاَقَ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلاَقُ، وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ فِي انْسِلاَخِ شَهْرِ كَذَا أَوْ بِمُضِيِّ شَهْرِ كَذَا أَوْ نَفَادِ شَهْرِ كَذَا فَإِذَا نَفَذَ ذَلِكَ الشَّهْرُ فَرُئِيَ الْهِلاَلُ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ الَّذِي يَلِيهِ فَهِيَ طَالِقٌ.
الطلاق بالوقت الذي قد مضى
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ أَوْ طَالِقٌ عَامَ أَوَّلٍ أَوْ طَالِقٌ فِي الشَّهْرِ الْمَاضِي أَوْ فِي الْجُمُعَةِ الْمَاضِيَةِ ثُمَّ مَاتَ أَوْ خَرِسَ فَهِيَ طَالِقٌ السَّاعَةَ وَتَعْتَدُّ مِنْ سَاعَتِهَا، وَقَوْلُهُ طَالِقٌ فِي وَقْتٍ قَدْ مَضَى يُرِيدُ إيقَاعَهُ الْآنَ مُحَالٌ [قَالَ الرَّبِيعُ]: وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وَأَرَادَ إيقَاعَهُ السَّاعَةَ فِي أَمْسِ فَلاَ يَقَعُ بِهِ الطَّلاَقُ لِأَنَّ أَمْسِ قَدْ مَضَى فَلاَ يَقَعُ فِي وَقْتٍ غَيْرِ مَوْجُودٍ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله: وَلَوْ سُئِلَ فَقَالَ قُلْته بِلاَ نِيَّةِ شَيْءٍ أَوْ قَالَ قُلْته لاََنْ يَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلاَقُ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلاَقُ سَاعَةَ تَكَلَّمَ بِهِ وَاعْتَدَّتْ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَوْ قَالَ قُلْته مُقِرًّا أَنِّي قَدْ طَلَّقْتهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ ثُمَّ أَصَبْتهَا فَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَتَعْتَدُّ مِنْ يَوْمِ أَصَابَهَا وَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا بَعْدَ الْوَقْتِ الَّذِي قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ فِي وَقْتِ كَذَا وَصَدَّقَتْهُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ اعْتَدَّتْ مِنْهُ مِنْ حِينِ قَالَهُ، وَإِنْ قَالَتْ لاَ أَدْرِي اعْتَدَّتْ مِنْ حِينِ اسْتَيْقَنَتْ وَكَانَتْ كَامْرَأَةٍ طَلُقَتْ وَلَمْ تَعْلَمْ [قَالَ]: وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَقَالَ قَدْ كُنْت طَلَّقْتهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ فَعَنَيْت أَنَّك كُنْت طَالِقًا فِيهِ بِطَلاَقِي إيَّاكِ أَوْ طَلَّقَهَا زَوْجٌ فِي هَذَا الْوَقْتِ فَقُلْت أَنْتِ طَالِقٌ أَيْ مُطَلَّقَةٌ فِي هَذَا الْوَقْتِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ مُطَلَّقَةً فِي هَذَا الْوَقْتِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ أَوْ بِإِقْرَارٍ مِنْهَا أُحْلِفَ مَا أَرَادَ بِهِ إحْدَاثَ طَلاَقٍ وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ وَطَلُقَتْ وَهَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَهَكَذَا إنْ قَالَ كُنْت مُطَلَّقَةً أَوْ يَا مُطَلَّقَةُ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ.
[قَالَ]: وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ وَقَدْ أَصَابَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إذَا طَلَّقْتُك أَوْ حِينَ طَلَّقْتُك أَوْ مَتَى مَا طَلَّقْتُك أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يُطَلِّقَهَا فَإِذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَتْ عَلَيْهَا التَّطْلِيقَةُ بِابْتِدَائِهِ الطَّلاَقَ وَكَانَ وُقُوعُ الطَّلاَقِ عَلَيْهَا غَايَةً طَلْقِهَا إلَيْهِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ فُلاَنٌ وَإِذَا دَخَلْت الدَّارَ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا فَتَطْلُقُ الثَّانِيَةَ بِالْغَايَةِ وَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا بَعْدَهُ طَلاَقٌ وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْك طَلاَقِي أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَقَعَ عَلَيْهَا طَلاَقُهُ فَإِذَا أَوْقَعَ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةً يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَقَعَتْ عَلَيْهَا الثَّلاَثُ الْأُولَى بِإِيقَاعِهِ لِلطَّلاَقِ وَالثَّانِيَةُ بِوُقُوعِ التَّطْلِيقَةِ الْأُولَى الَّتِي هِيَ غَايَةٌ لَهَا. وَالثَّالِثَةُ بِأَنَّ الثَّانِيَةَ غَايَةٌ لَهَا وَكَانَ هَذَا كَقَوْلِهِ كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ وَكُلَّمَا كَلَّمْت فُلاَنًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكُلَّمَا أَحْدَثَتْ شَيْئًا مِمَّا جَعَلَهُ غَايَةً يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلاَقُ بِهِ طَلُقَتْ. وَلَوْ قَالَ إنَّمَا أَرَدْت بِهَذَا كُلِّهِ أَنَّك إذَا طَلَّقْتُك طَالِقٌ بِطَلاَقِي لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ غَيْرُ مَا قَالَ وَكَانَ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَحْبِسَهَا وَلاَ يَسَعُهَا هِيَ أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ لِأَنَّهَا لاَ تَعْرِفُ مِنْ صِدْقِهِ مَا يَعْرِفُ مِنْ صِدْقِ نَفْسِهِ وَهَكَذَا إنْ طَلَّقَهَا بِصَرِيحِ الطَّلاَقِ أَوْ كَلاَمٍ يُشْبِهُ الطَّلاَقَ نِيَّتُهُ فِيهِ الطَّلاَقُ وَهَكَذَا إنْ خَيَّرَهَا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا أَوْ مَلَّكَهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً لِأَنَّ كُلَّ هَذَا بِطَلاَقِهِ وَقَعَ عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ كُلُّ طَلاَقٍ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ مِثْلُ الْإِيلاَءِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ [قَالَ]: وَإِنْ وَقَعَ الطَّلاَقُ الَّذِي أَوْقَعَ لاَ يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا إلَّا الطَّلاَقُ الَّذِي أَوْقَعَ يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ لِأَنَّ الطَّلاَقَ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ لاَ يَقَعُ إلَّا بِغَايَةِ الْأُولَى بَعْدَ وُقُوعِهَا فَلاَ يَقَعُ طَلاَقُهُ عَلَى امْرَأَةٍ لاَ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ إذَا وَقَعَ عَلَيْك طَلاَقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَالَعَهَا فَوَقَعَتْ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةُ الْخُلْعِ وَلاَ يَقَعُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا لِأَنَّ الطَّلاَقَ الَّذِي أُوقِعَ بِالْخُلْعِ يَقَعُ وَهِيَ بَعْدَهُ غَيْرُ زَوْجَةٍ وَلاَ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا.
[قَالَ الرَّبِيعُ]: إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إذَا طَلَّقْتُك فَأَرَادَ أَنْ تَكُونَ طَالِقًا بِالطَّلاَقِ إذَا طَلَّقَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ.
الفسخ
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله: وَكُلُّ فَسْخٍ كَانَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَلاَ يَقَعُ بِهِ طَلاَقٌ لاَ وَاحِدَةٌ وَلاَ مَا بَعْدَهَا وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عَبْدٌ تَحْتَهُ أَمَةٌ فَتُعْتَقُ فَتَخْتَارُ فِرَاقَهُ أَوْ يَكُونَ عِنِّينًا فَتُخَيَّرَ فَتَخْتَارَ فِرَاقَهُ أَوْ يَنْكِحَهَا مُحْرِمًا فَيُفْسَخَ نِكَاحُهُ أَوْ نِكَاحُ مُتْعَةٍ وَلاَ يَقَعُ بِهَذَا نَفْسِهِ طَلاَقٌ وَلاَ بَعْدَهُ لِأَنَّ هَذَا فَسْخٌ بِلاَ طَلاَقٍ.
وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَيْنَ كُنْت فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا إلَّا هِيَ لِأَنَّهَا إذَا طَلُقَتْ وَاحِدَةً فَهِيَ طَالِقٌ أَيْنَ كَانَتْ وَهَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ حَيْثُ كُنْت وَأَنَّى كُنْت وَمِنْ أَيْنَ كُنْت. وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقًا كَانَتْ طَالِقًا وَاحِدَةً وَيُسْأَلُ عَنْ قَوْلِهِ طَالِقًا فَإِنْ قَالَ أَرَدْت أَنْتِ طَالِقٌ إذَا كُنْت طَالِقًا وَقَعَ اثْنَتَانِ الْأُولَى بِإِيقَاعِهِ الطَّلاَقِ. وَالثَّانِيَةُ بِالْحِنْثِ وَالْأُولَى لَهَا غَايَةٌ. فَإِنْ قَالَ أَرَدْت اثْنَتَيْنِ وَقَعَتْ اثْنَتَانِ مَعًا وَإِنْ قَالَ أَرَدْت إفْهَامَ الْأُولَى بِالثَّانِيَةِ أُحْلِفَ، وَكَانَتْ وَاحِدَةً.
[قَالَ]: وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ فُلاَنٌ بَلَدَ كَذَا وَكَذَا فَقَدِمَ فُلاَنٌ ذَلِكَ الْبَلَدَ طَلُقَتْ وَإِنْ لَمْ يَقْدُمُ ذَلِكَ الْبَلَدَ وَقَدِمَ بَلَدًا غَيْرَهُ لَمْ تَطْلُقْ. وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا قَدِمَ فُلاَنٌ فَكُلَّمَا قَدِمَ فُلاَنٌ طَلُقَتْ تَطْلِيقَةً ثُمَّ كُلَّمَا غَابَ مِنْ الْمِصْرِ وَقَدِمَ فَهِيَ طَالِقٌ أُخْرَى حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى جَمِيعِ الطَّلاَقِ؟ وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ فُلاَنٌ فَقُدِمَ بِفُلاَنٍ مَيِّتًا لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدَمْ.
وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ فُلاَنٌ فَقُدِمَ بِفُلاَنٍ مُكْرَهًا لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ حُكْمَ مَا فُعِلَ بِهِ مُكْرَهًا كَمَا لَمْ يَكُنْ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَتَى رَأَيْتِ فُلاَنًا بِهَذَا الْبَلَدِ فَرَأَتْهُ وَقَدْ قُدِمَ بِهِ مُكْرَهًا طَلُقَتْ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلاَقَ بِرُؤْيَتِهَا نَفْسَ فُلاَنٍ وَلَيْسَ فِي رُؤْيَتِهَا فُلاَنًا إكْرَاهٌ لَهَا يُبْطِلُ بِهِ عَنْهَا الطَّلاَقَ [قَالَ الرَّبِيعُ]: إذَا كَانَ كُلُّ قُدُومِهِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَأَمَّا إذَا خَرَجَتْ مِنْ الْعِدَّةِ فَغَابَ ثُمَّ قَدِمَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلاَقٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَهِيَ كَأَجْنَبِيَّةٍ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلاَنًا فَكَلَّمَتْ فُلاَنًا وَهُوَ حَيٌّ طَلُقَتْ وَإِنْ كَلَّمَتْهُ حَيْثُ يَسْمَعُ كَلاَمَهَا طَلُقَتْ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ وَإِنْ كَلَّمَتْهُ مَيِّتًا أَوْ نَائِمًا أَوْ بِحَيْثُ لاَ يَسْمَعُ أَحَدٌ كَلاَمَ مَنْ كَلَّمَهُ بِمِثْلِ كَلاَمِهَا لَمْ تَطْلُقْ. وَلَوْ كَلَّمَتْهُ وَهِيَ نَائِمَةٌ أَوْ مَغْلُوبَةٌ عَلَى عَقْلِهَا لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالْكَلاَمِ الَّذِي يَعْرِفُ النَّاسُ وَلاَ يَلْزَمُهَا بِهِ حُكْمٌ بِحَالٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ أُكْرِهَتْ عَلَى كَلاَمِهِ لَمْ تَطْلُقْ.
وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَتْ الْأُولَى وَيُسْأَلُ عَمَّا نَوَى فِي اللَّتَيْنِ بَعْدَهَا فَإِنْ كَانَ أَرَادَ تَبْيِينَ الْأُولَى فَهِيَ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَ أَرَادَ إحْدَاثَ طَلاَقٍ بَعْدَ الْأُولَى فَهُوَ مَا أَرَادَ. وَإِنْ أَرَادَ بِالثَّالِثَةِ تَبْيِينَ الثَّانِيَةَ فَهِيَ اثْنَتَانِ وَإِنْ أَرَادَ بِهَا طَلاَقًا ثَالِثًا فَهِيَ ثَالِثَةٌ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَ فَهِيَ ثَلاَثٌ لِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ أَنَّهَا ثَلاَثٌ.
وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ طَالِقٌ وَقَعَتْ عَلَيْهَا اثْنَتَانِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ الَّتِي كَانَتْ بِالْوَاوِ لِأَنَّهَا اسْتِئْنَافُ كَلاَمٍ فِي الظَّاهِرِ وَدِينَ فِي الثَّالِثَةِ فَإِنْ أَرَادَ بِهَا طَلاَقًا فَهِيَ طَالِقٌ. وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهَا طَلاَقًا وَأَرَادَ إفْهَامَ الْأَوَّلَ أَوْ تَكْرِيرَهُ فَلَيْسَ بِطَلاَقٍ. وَلَوْ قَالَ أَرَدْت بِالثَّانِيَةِ إفْهَامَ الْكَلاَمِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثَةِ إحْدَاثَ طَلاَقٍ كَانَتْ طَالِقًا ثَالِثًا فِي الْحُكْمِ لِأَنَّ ظَاهِرَ الثَّانِيَةِ ابْتِدَاءُ طَلاَقٍ لاَ إفْهَامٌ، وَدِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ وَتَقَعُ الثَّالِثَةُ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهَا ابْتِدَاءَ طَلاَقٍ لاَ إفْهَامًا وَإِنْ احْتَمَلَتْهُ. وَهَكَذَا إنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَتْ اثْنَتَانِ وَدِينَ فِي الثَّالِثَةِ كَمَا وَصَفْت.
وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ طَالِقٌ وَقَعَتْ عَلَيْهَا اثْنَتَانِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ الَّتِي كَانَتْ بِالْوَاوِ لِأَنَّهَا اسْتِئْنَافُ كَلاَمٍ فِي الظَّاهِرِ وَدِينَ فِي الثَّالِثَةِ فَإِنْ أَرَادَ بِهَا طَلاَقًا فَهِيَ طَالِقٌ. وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهَا طَلاَقًا وَأَرَادَ إفْهَامَ الْأَوَّلَ أَوْ تَكْرِيرَهُ فَلَيْسَ بِطَلاَقٍ. وَلَوْ قَالَ أَرَدْت بِالثَّانِيَةِ إفْهَامَ الْكَلاَمِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثَةِ إحْدَاثَ طَلاَقٍ كَانَتْ طَالِقًا ثَالِثًا فِي الْحُكْمِ لِأَنَّ ظَاهِرَ الثَّانِيَةِ ابْتِدَاءُ طَلاَقٍ لاَ إفْهَامٌ، وَدِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ وَتَقَعُ الثَّالِثَةُ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهَا ابْتِدَاءَ طَلاَقٍ لاَ إفْهَامًا وَإِنْ احْتَمَلَتْهُ. وَهَكَذَا إنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَتْ اثْنَتَانِ وَدِينَ فِي الثَّالِثَةِ كَمَا وَصَفْت.
وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ بَلْ طَالِقٌ كَانَتْ طَالِقًا اثْنَتَيْنِ وَلَوْ قَالَ أَرَدْت إفْهَامًا أَوْ تَكْرِيرَ الْأُولَى عَلَيْهَا لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْحُكْمِ لِأَنَّ بَلْ: إيقَاعُ طَلاَقٍ حَادِثٍ لاَ إفْهَامُ مَاضٍ غَيْرِهِ.
وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ طَلاَقًا كَانَتْ وَاحِدَةً إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ طَلاَقًا ثَانِيَةً لِأَنَّ طَالِقَ طَلاَقًا ابْتِدَاءً صِفَةُ طَلاَقٍ كَقَوْلِهِ طَلاَقًا حَسَنًا أَوْ طَلاَقًا قَبِيحًا.
الطلاق بالحساب
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ أَوْ وَاحِدَةٌ بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ كَانَتْ طَالِقًا اثْنَتَيْنِ. فَإِنْ قَالَ أَرَدْت وَاحِدَةً وَلَمْ أُرِدْ بِاَلَّتِي قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا طَلاَقًا لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْحُكْمِ وَدِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى: وَلَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ رَاجَعَهَا. ثُمَّ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ، فَقَالَ أَرَدْت أَنِّي كُنْت قَدْ طَلَّقْتهَا قَبْلَهَا وَاحِدَةً أُحْلِفَ وَدِينَ فِي الْحُكْمِ.
وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ. ثُمَّ سَكَتَ. ثُمَّ قَالَ أَرَدْت بَعْدَهَا وَاحِدَةً أُوقِعُهَا عَلَيْك بَعْدَ وَقْتٍ أَوْ لاَ أُوقِعُهَا عَلَيْك إلَّا بَعْدَهُ لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْحُكْمِ وَدِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ بَدَنُك أَوْ رَأْسُك أَوْ فَرْجُك أَوْ رِجْلُك أَوْ يَدُك أَوْ سَمَّى عُضْوًا مِنْ جَسَدِهَا أَوْ إصْبَعَهَا أَوْ طَرَفًا مَا كَانَ مِنْهَا طَالِقٌ فَهِيَ طَالِقٌ، وَلَوْ قَالَ لَهَا بَعْضُك طَالِقٌ أَوْ جُزْءٌ مِنْك طَالِقٌ أَوْ سَمَّى جُزْءًا مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ طَالِقًا كَانَتْ طَالِقًا وَالطَّلاَقُ لاَ يَتَبَعَّضُ وَإِذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ أَوْ ثُلُثَ أَوْ رُبُعَ تَطْلِيقَةٍ أَوْ جُزْءًا مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ كَانَتْ طَالِقًا وَالطَّلاَقُ لاَ يَتَبَعَّضُ.
وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ كَانَتْ طَالِقًا وَاحِدَةً إلَّا أَنْ يُرِيدَ اثْنَتَيْنِ أَوْ يَقُولَ أَرَدْت أَنْ يَقَعَ نِصْفٌ بِحُكْمِهِ مَا كَانَ وَنِصْفٌ مُسْتَأْنَفٌ بِحُكْمِهِ مَا كَانَ فَتَطْلُقُ اثْنَتَيْنِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثَةَ أَثْلاَثِ تَطْلِيقَةٍ أَوْ أَرْبَعَةَ أَرْبَاعِ تَطْلِيقَةٍ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ كُلَّ تَطْلِيقَةٍ تَجْمَعُ نِصْفَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةَ أَثْلاَثٍ أَوْ أَرْبَعَةَ أَرْبَاعٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ أَكْثَرَ فَيَقَعَ بِالنِّيَّةِ مَعَ اللَّفْظِ، وَهَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ وَثُلُثَ وَسُدُسَ تَطْلِيقَةٍ أَوْ نِصْفَ وَرُبُعَ وَسُدُسَ تَطْلِيقَةٍ.
وَلَوْ نَظَرَ رَجُلٌ إلَى امْرَأَةٍ لَهُ وَامْرَأَةٍ مَعَهَا لَيْسَتْ لَهُ بِامْرَأَةٍ فَقَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، فَإِنْ أَرَادَ امْرَأَتَهُ فَهِيَ طَالِقٌ وَإِنْ أَرَادَ الْأَجْنَبِيَّةَ لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الْأَجْنَبِيَّةَ أُحْلِفَ وَكَانَتْ امْرَأَتُهُ بِحَالِهَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلاَقٌ.
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي ثِنْتَيْنِ كَانَتْ طَالِقًا وَاحِدَةً وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ فِي اثْنَتَيْنِ فَإِنْ قَالَ مَا نَوَيْت شَيْئًا لَمْ تَكُنْ طَالِقًا إلَّا وَاحِدَةً لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لاَ تَكُونُ دَاخِلَةً فِي اثْنَتَيْنِ بِالْحِسَابِ فَهُوَ مَا أَرَادَ فَهِيَ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ، وَإِنْ قَالَ أَرَدْت وَاحِدَةً فِي اثْنَتَيْنِ مَقْرُونَةً بِثِنْتَيْنِ كَانَتْ طَالِقًا ثَلاَثًا فِي الْحُكْمِ.
[قَالَ]: وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً كَانَتْ طَالِقًا اثْنَتَيْنِ، وَلَوْ قَالَ وَاحِدَةً وَاثْنَتَيْنِ بَاقِيَةٌ لِي عَلَيْك كَانَتْ طَالِقًا وَاحِدَةً وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةٌ بَاقِيَةٌ لِي عَلَيْك وَوَاحِدَةٌ لاَ أُوقِعُهَا عَلَيْك إلَّا وَاحِدَةً، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لاَ يَقَعُ عَلَيْك إلَّا وَاحِدَةٌ تَقَعُ عَلَيْك وَقَعَتْ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ حِينَ تَكَلَّمَ بِالطَّلاَقِ.
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَقَالَ قَدْ أَوْقَعْت بَيْنَكُنَّ تَطْلِيقَةً كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَالِقًا وَاحِدَةً وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا أَوْ أَرْبَعًا إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّلاَقِ تُقْسَمُ بَيْنَهُنَّ فَتَكُونُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَالِقًا مَا سَمَّى مِنْ جَمَاعَتِهِنَّ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا أَوْ أَرْبَعًا، فَإِنْ قَالَ قَدْ أَوْقَعْتُ بَيْنَكُنَّ خَمْسَ تَطْلِيقَاتٍ فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ مَا زَادَ إلَى أَنْ يَبْلُغَ ثَمَانِ تَطْلِيقَاتٍ فَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّمَانِ شَيْئًا مِنْ الطَّلاَقِ كُنَّ طَوَالِقَ ثَلاَثًا ثَلاَثًا، فَإِنْ قَالَ أَرَدْت أَنْ يَكُونَ ثَلاَثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ كَانَتْ الَّتِي أَرَادَ طَالِقًا ثَلاَثًا وَلَمْ يُدَيَّنْ فِي الْأُخَرِ مَعَهَا فِي الْحُكْمِ وَدِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَكَانَ مَنْ بَقِيَ طَالِقًا اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ، وَلَوْ كَانَ قَالَ بَيْنَكُنَّ خَمْسُ تَطْلِيقَاتٍ لِبَعْضِكُنَّ فِيهَا أَكْثَرُ مِمَّا لِبَعْضٍ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَأَقَلُّ مَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ مِنْهُنَّ وَاحِدَةٌ فِي الْحُكْمِ ثُمَّ يُوقَفُ حَتَّى يُوقِعَ عَلَى مَنْ أَرَادَ بِالْفَضْلِ مِنْهُنَّ الْفَضْلَ وَلاَ يَكُونَ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ إيقَاعًا لَمْ يَكُنْ أَرَادَهُ فِي أَصْلِ الطَّلاَقِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَوَى بِالْفَضْلِ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَشَاءَ أَنْ تَكُونَ التَّطْلِيقَةُ الْفَضْلُ بَيْنَهُنَّ أَرْبَاعًا فَكُنَّ جَمِيعًا تَطْلِيقَتَيْنِ وَيَكُونُ أَحَقَّ بِالرَّجْعَةِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ.
وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا إلَّا وَاحِدَةً فَهِيَ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا إلَّا ثَلاَثًا كَانَتْ طَالِقًا ثَلاَثًا إنَّمَا يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ جَائِزًا إذَا بَقِيَ مِمَّا سَمَّى شَيْءٌ يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ مِمَّا أَوْقَعَ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَبْقَ مِمَّا سَمَّى شَيْئًا مِمَّا اسْتَثْنَى فَلاَ يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ وَالِاسْتِثْنَاءُ حِينَئِذٍ مُحَالٌ، وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ وَطَالِقٌ إلَّا وَاحِدَةً كَانَتْ طَالِقًا ثَلاَثًا لِأَنَّهُ قَدْ أَوْقَعَ كُلَّ تَطْلِيقَةٍ وَحْدَهَا وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ وَاحِدَةً مِنْ وَاحِدَةٍ كَمَا لَوْ قَالَ لِغُلاَمَيْنِ لَهُ مُبَارَكٌ حُرٌّ وَسَالِمٌ حُرٌّ إلَّا سَالِمًا لَمْ يَجُزْ الِاسْتِثْنَاءُ وَوَقَعَ الْعِتْقُ عَلَيْهِمَا مَعًا كَمَا لاَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ سَالِمٌ حُرٌّ إلَّا سَالِمًا لاَ يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ إذَا فَرَّقَ الْكَلاَمَ وَيَجُوزُ إذَا جَمَعَهُ ثُمَّ بَقِيَ شَيْءٌ يَقَعُ بِهِ بَعْضُ مَا أَوْقَعَ، وَإِذَا طَلَّقَ وَاحِدَةً وَاسْتَثْنَى نِصْفَهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً لِأَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ الطَّلاَقِ يَكُونُ تَطْلِيقَةً تَامَّةً لَوْ ابْتَدَأَهُ وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ تَطْلُقْ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الطَّلاَقِ وَالْعَتَاقِ وَالنَّذْرِ كَهُوَ فِي الْأَيْمَانِ لاَ يُخَالِفُهَا.
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ فُلاَنٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَشَاءَ فُلاَنٌ، وَإِنْ مَاتَ فُلاَنٌ قَبْلَ أَنْ يَشَاءَ أَوْ خَرِسَ أَوْ غَابَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ بِحَالِهَا، فَإِنْ قَالَتْ قَدْ شَاءَ فُلاَنٌ وَقَالَ الزَّوْجُ لَمْ يَشَأْ فُلاَنٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَوْ شَاءَ فُلاَنٌ وَهُوَ مَعْتُوهٌ أَوْ مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِهِ مِنْ غَيْرَ سُكْرٍ لَمْ تَكُنْ طَالِقًا وَلَوْ شَاءَ وَهُوَ سَكْرَانُ كَانَتْ طَالِقًا لِأَنَّ كَلاَمَهُ سَكْرَانَ كَلاَمٌ يَقَعُ بِهِ الْحُكْمُ.
وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَائِنًا فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَلاَ يَكُونُ الْبَائِنُ بَائِنًا مِمَّا ابْتَدَأَ مِنْ الطَّلاَقِ إلَّا مَا أُخِذَ عَلَيْهِ جُعْلاً كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدٍ أَنْتَ حُرٌّ وَلاَ وَلاَءَ لِي عَلَيْك كَانَ حُرًّا وَلَهُ وَلاَؤُهُ لِأَنَّ قَضَاءَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ (الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ) وَقَضَاءَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّ الْمُطَلِّقَ وَاحِدَةً وَاثْنَتَيْنِ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فِي الْعِدَّةِ فَلاَ يَبْطُلُ مَا جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِامْرِئٍ بِقَوْلِ نَفْسِهِ.
وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً غَلِيظَةً أَوْ وَاحِدَةً أَغْلَظَ أَوْ أَشَدَّ أَوْ أَفْظَعَ أَوْ أَعْظَمَ أَوْ أَطْوَلَ أَوْ أَكْبَرَ فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً لاَ أَكْثَرَ مِنْهَا وَيَكُونُ الزَّوْجُ فِي كُلِّهَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ لِمَا وَصَفْت.
وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا تَقَعُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَاحِدَةٌ كَانَ كَمَا قَالَ وَلَوْ وَقَعَتْ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ فَإِنْ أَلْقَتْ حَمْلاً فَبَانَتْ مِنْهُ ثُمَّ جَاءَ الْغَدُ وَلاَ عِدَّةَ عَلَيْهَا مِنْهُ لَمْ تَقَعْ الثَّانِيَةُ وَلاَ الثَّالِثَةُ، فَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ شَهْرٍ فَوَقَعَتْ الْأُولَى فِي أَوَّلِ شَهْرٍ وَوَقَعَتْ الْآخِرَتَانِ وَاحِدَةٌ فِي كُلِّ شَهْرٍ قَبْلَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ وَقَعَتْ الثَّلاَثُ وَلَوْ مَضَتْ الْعِدَّةُ فَوَقَعَ مِنْهُنَّ شَيْءٌ بَعْدَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ لَمْ يَلْزَمْهَا لِأَنَّهُ وَقَعَ وَهِيَ غَيْرُ زَوْجَةٍ.
وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا كُلُّ سَنَةٍ وَاحِدَةٌ فَوَقَعَتْ الْأُولَى فَلَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا مِنْهَا حَتَّى رَاجَعَهَا فَجَاءَتْ السَّنَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ زَوْجَةٌ وَقَعَتْ الثَّانِيَةُ فَإِنْ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ وَجَاءَتْ السَّنَةُ الثَّالِثَةُ وَقَعَتْ الثَّالِثَةُ وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يُرَاجِعْهَا فِي الْعِدَّةِ وَلَكِنْ نَكَحَهَا بَعْدَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ فَجَاءَتْ السَّنَةُ وَهِيَ عِنْدَهُ وَقَعَ الطَّلاَقُ وَلَوْ وَقَعَتْ الْأُولَى ثُمَّ جَاءَتْ السَّنَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ غَيْرُ زَوْجَةٍ وَلاَ فِي عِدَّةٍ مِنْهُ لَمْ تَقَعْ الثَّانِيَةُ وَلَوْ نَكَحَهَا بَعْدَهُ وَجَاءَتْ السَّنَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ عِنْدَهُ وَقَعَتْ الثَّانِيَةُ وَإِنْ نَكَحَهَا بَعْدَهُ وَجَاءَتْ السَّنَةُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ عِنْدَهُ وَقَعَتْ الثَّالِثَةُ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ، وَلَوْ خَالَعَهَا فَكَانَتْ فِي عِدَّةٍ مِنْهُ وَجَاءَتْ سَنَةٌ وَهِيَ فِي عِدَّةٍ إلَّا أَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا الطَّلاَقُ فِي عِدَّةٍ لاَ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا فِيهَا.
وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا مَضَتْ سَنَةٌ فَخَالَعَهَا ثُمَّ مَضَتْ السَّنَةُ الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَهُ بِزَوْجَةٍ كَانَتْ فِي عِدَّةٍ مِنْهُ أَوْ فِي غَيْرِ عِدَّةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلاَقُ لِأَنَّ وَقْتَ الطَّلاَقِ وَقَعَ وَلَيْسَتْ لَهُ بِزَوْجَةٍ فَإِنْ نَكَحَهَا نِكَاحًا جَدِيدًا فَكُلَّمَا مَضَتْ سَنَةٌ مِنْ يَوْمِ نُكِحَتْ وَقَعَتْ تَطْلِيقَةٌ حَتَّى يَنْقَضِيَ طَلاَقُ الْمِلْكِ كُلِّهِ [قَالَ الرَّبِيعُ]: وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ: أَنَّهُ إذَا خَالَعَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا الطَّلاَقُ بِمَجِيءِ السَّنَةِ لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةٌ أَوْ فِي مُضِيِّ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنْهُنَّ شَيْءٌ أَوْ بَعْدَ مَا وَقَعَ بَعْضُهُنَّ وَنَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ فَأَصَابَهَا ثُمَّ نَكَحَهَا فَمَرَّتْ تِلْكَ الشُّهُورُ لَمْ يَلْزَمْهَا مِنْ الطَّلاَقِ شَيْءٌ لِأَنَّ طَلاَقَ ذَلِكَ الْمِلْكِ مَضَى عَلَيْهِ كُلَّهُ وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ فَلاَ تَحِلُّ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ وَنِكَاحٍ جَدِيدٍ وَكَانَتْ كَمَنْ لَمْ تُنْكَحْ قَطُّ فِي أَنْ لاَ يَقَعَ عَلَيْهَا طَلاَقٌ عَقَدَهُ فِي الْمِلْكِ الَّذِي بَعْدَ الزَّوْجِ، وَلَوْ كَانَ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ فَبَقِيَ مِنْ طَلاَقِ ذَلِكَ الْمِلْكِ شَيْءٌ ثُمَّ مَرَّتْ لَهَا مُدَّةٌ أَوْقَعَ عَلَيْهَا فِيهَا الطَّلاَقَ وَهُوَ يَمْلِكُهَا وَقَعَ، وَهَكَذَا لَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكُلَّمَا دَخَلَتْهَا وَهِيَ زَوْجَةٌ لَهُ أَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْ الطَّلاَقِ يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ فَهِيَ طَالِقٌ وَكُلَّمَا دَخَلَتْهَا وَهِيَ غَيْرُ زَوْجَةٍ لَهُ أَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْ فُرْقَةٍ لاَ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فَهِيَ غَيْرُ طَالِقٍ فَإِذَا طَلَّقَهَا ثَلاَثًا فَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ثُمَّ نَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ فَأَصَابَهَا ثُمَّ نَكَحَهَا ثُمَّ دَخَلَ بِهَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا الطَّلاَقُ بِكَلاَمٍ مُتَقَدِّمٍ فِي مِلْكِ نِكَاحٍ قَدْ حُرِّمَ حَتَّى كَانَ بَعْدَهُ زَوْجًا أَحَلَّ اسْتِئْنَافَ النِّكَاحِ وَإِذَا هَدَمَ نِكَاحُ الزَّوْجِ الطَّلاَقَ حَتَّى صَارَتْ كَمَنْ ابْتَدَأَ نِكَاحَهُ مِمَّنْ لَمْ تَنْكِحْهُ قَطُّ هَدَمَ الْيَمِينَ الَّتِي يَقَعُ بِهَا الطَّلاَقُ لِأَنَّهَا أَضْعَفُ مِنْ الطَّلاَقِ. وَهَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا حِضْت وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَقَعُ الطَّلاَقُ فِيهِ فِي وَقْتٍ فَعَلَى هَذَا الْبَابِ كُلِّهِ وَقِيَاسِهِ.
وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ سَنَةٍ ثَلاَثًا فَطَلُقَتْ ثَلاَثًا فِي أَوَّلِ سَنَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ زَوْجًا أَصَابَهَا ثُمَّ نَكَحَهَا نِكَاحًا جَدِيدًا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا فِيمَا يَمْضِي مِنْ السِّنِينَ بَعْدُ شَيْءٌ لِأَنَّ طَلاَقَ الْمِلْكِ الَّذِي عُقِدَ فِيهِ الطَّلاَقُ بِوَقْتٍ قَدْ مَضَى.
وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ تَطْلِيقَةً فَوَقَعَتْ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ أَوْ اثْنَتَانِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا زَوْجٌ غَيْرُهُ ثُمَّ دَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَنَكَحَهَا الْأَوَّلُ ثُمَّ مَضَتْ سَنَةٌ وَقَعَتْ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةٌ حَتَّى تَعُدَّ ثَلاَثَ تَطْلِيقَاتٍ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَهْدِمُ الثَّلاَثَ وَلاَ يَهْدِمُ الْوَاحِدَةَ وَلاَ الثِّنْتَيْنِ.