سورة يونس
الآية رقم ( 1 )
{الر تلك آيات الكتاب الحكيم }
{ الر } الله أعلم بمراده بذلك { تلك } أي هذه الآيات { آيات الكتاب } القرآن والإضافة بمعنى من { الحكيم } المحكم .
الآية رقم ( 2 )
{أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا لساحر مبين }
{ أكان للناس } أي أهل مكة، استفهام إنكار والجار والمجرور حال من قوله { عَجباً } بالنصب خبر كان، وبالرفع اسمها والخبر وهو اسهما على الأولى { أن أوحينا } أي إيحاؤنا { إلى رجل منهم } محمد صلي الله عليه وسلم { أن } مفسرة { أنذر } خوِّف { الناس } الكافرين بالعذاب { وبشر الذين آمنوا أن } أي بأن { لهم قدم } سلف { صدق عند ربهم } أي أجرا حسناً بما قدموه من الأعمال { قال الكافرون إن هذا } القرآن المشتمل على ذلك { لَسِحْرٌ مبين } بيِّن، وفي قراءة لَساحرُُ، والمشار إليه النبي صلي الله عليه وسلم .
الآية رقم ( 3 )
{إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون }
{ إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام } من أيام الدنيا، أي في قدرها، لأنه لم يكن ثَم شمس ولا قمر، ولو شاء لخلقهن في لمحة، والعدول عنه لتعليم خلقه الثبت { ثم استوى على العرش } استواءً يليق به { يدبر الأمر } بين الخلائق { ما من } صلة { شفيع } يشفع لأحد { إلا من بعد إذنه } رد لقولهم إن الأصنام تشفع لهم { ذلكم } الخالق المدبر { الله ربكم فاعبدوه } وحدوه { أفلا تذَّكرون } بإدغام التاء في الأصل في الذال .
الآية رقم ( 4 )
{إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون }
{ إليه } تعالى { مرجعكم وعد الله حقاً } مصدران منصوبان بفعلهما المقدر { إنه } بالكسر إستئنافاً والفتح على تقدير اللام { يبدأ الخلق } أي بدأه بالإنشاء { ثم يعيده } بالبعث { ليجزي } يثيب { الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم } ماء بالغ نهاية الحرارة { وعذاب أليم } مؤلم { بما كانوا يكفرون } أي بسبب كفرهم .
الآية رقم ( 5 )
{هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون }
{ هو الذي جعل الشمس ضياءً } ذات ضياء، أي نور { والقمر نوراً وقدره } من حيث سيره { منازل } ثمانية وعشرين منزلاً في ثمان وعشرين ليلة من كل شهر، ويستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين يوماً، أو ليلة إن كان تسعة وعشرين يوماً { لتعلموا } بذلك { عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك } المذكور { إلا بالحق } لا عبث تعالى عن ذلك { يفصل } بالياء والنون يبين { الآيات لقوم يعلمون } يتدبرون .
الآية رقم ( 6 )
{إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون }
{ إن في اختلاف الليل والنهار } بالذهاب والمجيء والزيادة والنقصان { وما خلق الله في السماوات } من ملائكة وشمس وقمر ونجوم وغير ذلك { و } في { الأرض } من حيوان وجبال وبحار وأنهار وأشجار وغيرها { لآيات } دلالات على قدرته تعالى { لقوم يتقونـ } ـه فيؤمنون، خصهم بالذكر لأنهم المنتفعون بها .
الآية رقم ( 7 )
{إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون }
{ إن الذين لا يرجون لقاءنا } بالبعث { ورضوا بالحياة الدنيا } بدل الآخرة لإنكارهم لها { واطمأنوا بها } سكنوا إليها { والذين هم عن آياتنا } دلائل وحدانيتنا { غافلون } تاركون النظر فيها .
الآية رقم ( 8 )
{أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون }
{ أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون } من الشرك والمعاصي .
الآية رقم ( 9 )
{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم
{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم } يرشدهم { ربهم بإيمانهم } به بأن يجعل لهم نوراً يهتدون به يوم القيامة { تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم } .
الآية رقم ( 10 )
{دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين }
{ دعواهم فيها } طلبهم يشتهونه في الجنة أن يقولوا { سبحانك اللهم } أي يا الله فإذا ما طلبوه وجدوه بين أيديهم { وتحيتهم } فيما بينهم { فيها سلام وآخر دعواهم أن } مفسرة { الحمد لله رب العالمين } ونزل لما استعجل المشركون العذاب .
الآية رقم ( 11 )
{ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون }
{ ولو يُعَجَل الله للناس الشر استعجالهم } أي كاستعجالهم { بالخير لقضي } بالبناء للمفعول وللفاعل { إليهم أجلُهم } بالرفع والنصب، بأن يهلكهم ولكن يمهلهم { فَنَذَرُ } نترك { الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون } يترددون متحيرين .
الآية رقم ( 12 )
{وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون }
{ وإذا مس الإنسان } الكافر { الضُّرُّ } المرض والفقر { دعانا لجنبه } أي مضطجعاً { أو قاعداً أو قائماً } أي في كل حال { فلما كشفنا عنه ضُره مرَّ } على كفره { كأن } مخففة واسمها محذوف، أي كأنه { لم يدعنا إلى ضرَّ مسه كذلك } كما زُيّن له الدعاء عند الضرر والإعراض عند الرخاء { زُيِّن للمسرفين } المشركين { ما كانوا يعلمون } .
الآية رقم ( 13 )
{ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين }
{ ولقد أهلكنا القرون } الأمم { من قبلكم } يا أهل مكة { لما ظلموا } بالشرك { و } قد { جاءتهم رسلهم بالبينات } الدالات على صدقهم { وما كانوا ليؤمنوا } عطف على ظلموا { كذلك } كما أهلكنا أولئك { نجزي القوم المجرمين } الكافرين .
الآية رقم ( 14 )
{ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون }
{ ثم جعلناكم } يا أهل مكة { خلائف } جمع خليفة { في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون } فيها وهل تعتبرون بهم فتصدقوا رسلنا .
الآية رقم ( 15 )
{وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم
{ وإذا تُتلى عليهم آياتنا } القرآن { بينات } ظاهرات حال { قال الذين لا يرجون لقاءنا } لا يخافون البعث { ائت بقرآن غير هذا } ليس فيه عيب آلهتنا { أو بدله } من تلقاء نفسك { قل } لهم { ما يكون } ينبغي { لي أن أبدله من تلقاء } قبل { نفسي إن } ما { أتبع إلا ما يوحي أليّ إني أخاف إن عصيت ربى } بتبديله { عذاب يوم عظيم } هو يوم القيامة .
الآية رقم ( 16 )
{قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون }
{ قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم } أعلمكم { به } ولا نافية عطف على ما قبله، وفي قراءة بلام جواب لو أي لأعلمكم به على لسان غيري { فقد لبثت } مكثت { فيكم عمراً } سنيناً أربعين { من قبله } لا أحدثكم بشيء { أفلا تعقلون } أنه ليس من قِبَلي .
الآية رقم ( 17 )
{فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون }
{ فمن } أي لا أحد { أظلم ممن افترى على الله كذباً } بنسبة الشريك إليه { أو كذَّب بآياته } القرآن { إنه } أي الشأن { لا يفلح } يسعد { المجرمون } المشركون .
الآية رقم ( 18 )
{ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عن ما يشركون }
{ ويعبدون من دون الله } أي غيره { ما لا يضرهم } إن لم يعبدوه { ولا ينفعهم } إن عبدوه وهو الأصنام { ويقولون } عنها { هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل } لهم { أتنبئون الله } جبروته { بما لا يعلم في السموات والأرض } استفهام إنكار إذ لو كان له شريك لعلمه، إذا لا يخفى عليه شيء { سبحانه } تنزيهاً له { وتعالى عما يشركونـ } به معه .
الآية رقم ( 19 )
{وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم في ما فيه يختلفون
{ وما كان الناس إلا أمة واحدة } على دين واحد وهو الإسلام، من لدن آدم إلى نوح، وقيل من عهد إبراهيم إلى عمرو بن لحيِّ { فاختلفوا } بأن ثبت بعض وكفر بعض { ولولا كلمة سبقت من ربك } بتأخير الجزاء إلى يوم القيامة { لقضي بينهم } أي الناس في الدنيا { فيما فيه يختلفون } من الدين بتعذيب الكافرين .
الآية رقم ( 20 )
{ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين }
{ ويقولون } أي أهل مكة { لولا } هلا { أنزل عليه } على محمد صلي الله عليه وسلم { آية من ربه } كما كان للأنبياء من الناقة والعصا واليد { فقل } لهم { إنما الغيب } ما غاب عن العباد أي أمره { لله } ومنه الآيات فلا يأتي بها إلا هو وإنما علىَّ التبليغ { فانتظروا } العذاب إن لم تؤمنوا { إني معكم من المنتظرين } .
الآية رقم ( 21 )
{وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا قل الله أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون }
{ وإذا أذقنا الناس } أي كفار مكة { رحمة } مطراً وخصباً { من بعد ضراء } بؤس وجدب { مستهم إذا لهم مكر في آياتنا } بالاستهزاء والتكذيب { قل } لهم { الله أسرع مكراً } مجازاة { إن رسلنا } الحفظة { يكتبون ما تمكرون } بالتاء والياء .
الآية رقم ( 22 )
{هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين }
{ هو الذي يسيركم } وفي قراءة ينشركم { في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك } السفن { وجرين بهم بريح } وجرين فيه إلتفات عن الخطاب بريح طيبة } لينة { وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف } شديد الهبوب تكسر كل شيء { وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم } أي أهلكوا { دعوا الله مخلصين له الدين } الدعاء { لئن } لام قسم { أنجيتنا من هذه } الأهوال { لنكونن من الشاكرين } الموحدين .
الآية رقم ( 23 )
{فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون }
{ فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق } بالشراك { يا أيها الناس إنما بغيكم } ظلمكم { على أنفسكم } لأن إثمه عليها هو { متاعُ الحياة الدنيا } تمتعون فيها قليلاً { ثم إلينا مرجعكم } بعد الموت { فننبئكم بما كنتم تعلمون } فنجاريكم عليه وفي قراءة بنصب متاع: أي تتمتعون .
الآية رقم ( 24 )
{إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون }
{ إنما مَثَل } صفة { الحياة الدنيا كماء } مطر { أنزلناه من السماء فاختلط به } بسببه { نبات الأرض } واشتبك بعضه ببعض { مما يأكل الناس } من البرّ والشعير وغيرهما { والأنعام } من الكلأ { حتى إذا أخذت الأرض زخرفها } بهجتها من النبات { وازَّيَّنت } بالزهر، وأصله تزينت، أبدلت التاء زاياً وأدغمت في الزاي { وظن أهلها أنهم قادرون عليها } متمكنون من تحصيل ثمارها { أتاها أمرنا } قضاؤنا أو عذابنا { ليلاً أو نهاراً فجعلناها } أي زرعها { حصيداً } كالمحصود بالمناجل { كأن } مخففة أي كأنها { لم تغن } تكن { بالأمس كذلك نفصَّل } نبين { الآيات لقوم يتفكرون } .
الآية رقم ( 25 )
{والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم }
{ والله يدعو إلى دار السلام } أي السلامة، وهى الجنة بالدعاء إلى الإيمان { ويهدي من يشاء } هدايته { إلى صراط مستقيم } دين الإسلام .
الآية رقم ( 26 )
{للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون }
{ للذين أحسنوا } بالإيمان { الحسنى } الجنة { وزيادة } هي النظر إليه تعالى كما في حديث مسلم { ولا يرهق } يغشى {وجوههم قترٌ } سواد { ولا ذلة } كآبة { أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون } .
الآية رقم ( 27 )
{والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }
{ والذين } عطف على الذين أحسنوا، أي وللذين { كسبوا السيئات } عملوا الشرك { جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من } زائدة { عاصم } مانع { كأنما أغشيت } أُلبست { وجوههم قطعاً } بفتح الطاء جمع قطعة، وإسكانها جزاءاً { من الليل مظلماً أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } .
الآية رقم ( 28 )
{ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون }
{ و } اذكر { يوم نحشرهم } أي الخلق { جميعاً ثم نقول للذين أشركوا مكانكم } نصب بإلزموا مقدراً { أنتم } تأكيد للضمير المستتر في الفعل المقدر ليعطف عليه { وشركاؤكم } أي الأصنام { فزيَّلنا } ميزنا { بينهم } وبين المؤمنين كما في آية (وامتازوا اليوم أيها المجرمون) { وقال } لهم { شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون } ما نافية وقدم المفعول للفاصلة .
الآية رقم ( 29 )
{فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين }
{ فكفى بالله شهيداً بيننا وبينكم إن } مخففة أي إنا { كنا عن عبادتكم لغافلين } .
الآية رقم ( 30 )
{هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون }
{ هنالك } أي ذلك اليوم { تبلوا } من البلوى، وفي قراءة بتاءين من التلاوة { كل نفس ما أسلفت } قدمت من العمل { وردوا إلى الله مولاهم الحق } الثابت الدائم { وضل } غاب { عنهم ما كانوا يفترون } عليه من الشركاء .
الآية رقم ( 31 )
{قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون }
{ قل } لهم { من يرزقكم من السماء } بالمطر { والأرض } بالنبات { أمَّن يملك السمع } بمعنى الأسماع، أي خلقها { والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبِّر الأمر } بين الخلائق { فسيقولون } هو { الله فقل } لهم { أفلا تتقونـ } ـه فتؤمنون .
الآية رقم ( 32 )
{فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون }
{ فذلكم } الفاعل لهذه الأشياء { الله ربكم الحق } الثابت { فماذا بعد الحق إلا الضلال } إستفهام تقرير، أي ليس بعده غيره فمن أخطأ الحق وهو عبادة الله وقع في الضلال { فأنَّى } كيف { تُصرفون } عن الإيمان مع قيام البرهان .
الآية رقم ( 33 )
{كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون }
{ كذلك } كما صرف هؤلاء عن الإيمان { حقَّت كلمة ربِّك على الذين فسقوا } كفروا وهي (لأملأن جهنم) الآية، أو هي { أنهم لا يؤمنون } .
الآية رقم ( 34 )
{قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون }
{ قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون } تصرفون عن عبادته مع قيام الدليل .
الآية رقم ( 35 )
{قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون }
{ قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق } بنصب الحجج وخلق الاهتداء { قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق } وهو الله { أحق أنْ يُتبع أمَّن لا يهدي } يهتدي { إلا أن يهدي } أحق أن يتبع صلي الله عليه وسلم إستفهام تقرير وتوبيخ، أي الأول أحق { فما لكم كيف تحكمون } هذا الحكم الفاسد من اتَّباع ما لا يحق اتباعه .
الآية رقم ( 36 )
{وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون }
{ وما يتبع أكثرهم } في عبادة الأصنام { إلا ظناً } حيث قلدوا فيه آباءهم { إن الظن لا يُغني من الحق شيئاً } فيما المطلوب منه العلم { إن الله عليم بما يفعلون } فيجازيهم عليه .
الآية رقم ( 37 )
{وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين }
{ وما كان هذا القرآن أن يُفترى } أي افتراءً { من دون الله } أي غيره { ولكن } أنزل { تصديق الذي بين يديه } من الكتب { وتفصيل الكتاب } تبيين ما كتبه الله من الأحكام وغيرها { لا ريب } شك { فيه من رب العالمين } متعلق بتصديق أو بأنزل المحذوف، وقرئ برفع تصديق وتفصيل بتقدير هو .
الآية رقم ( 38 )
{أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين }
{ أم } بل أ { يقولون افتراه } اختلقه محمد { قل فأتوا بسورة مثله } في الفصاحة والبلاغة على وجه الافتراء فأنكم عربيون فصحاء مثلي { وادعوا } للإعانة عليه { من استطعتم من دون الله } أي غيره { إن كنتم صادقين } في أنه افتراء فلم تقدروا على ذلك، قال تعالى .
الآية رقم ( 39 )
{بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين }
{ بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه } أي القرآن ولم يتدبروه { ولما } لم { يأتهم تأويله } عاقبة ما فيه من الوعيد { كذلك } التكذيب { كذَّب الذين من قبلهم } رسلهم { فانظر كيف كان عاقبة الظالمين } بتكذيب الرسل أي آخر أمرهم من الهلاك فكذلك نُهلك هؤلاء .
الآية رقم ( 40 )
{ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين }
{ ومنهم } أي أهل مكة { من يؤمن به } لعلم الله ذلك منهم { ومنهم من لا يؤمن به } أبدا { وربك أعلم بالمفسدين } تهديد لهم .
الآية رقم ( 41 )
{وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون }
{ وإن كذبوك فقل } لهم { لي عملي ولكم عملكم } أي لكلَّ جزاء عمله { أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعلمون } وهذا منسوخ بأية السيف .
الآية رقم ( 42 )
{ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون }
{ ومنهم من يستمعون إليك } إذا قرأت القرآن { أ فأنت تُسمع الصم } شبههم بهم في عدم الانتفاع بما يتلى عليهم { ولو كانوا } مع الصمم { لا يعقلون } يتدبرون .
الآية رقم ( 43 )
{ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون }
( ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون ) شبههم بهم في عدم الاهتداء بل أعظم " فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " .
الآية رقم ( 44 )
{إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون }
{ إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون } .
الآية رقم ( 45 )
{ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين }
{ ويوم يحشرهم كأن } أي كأنهم { لم يلبثوا } في الدنيا أو القبور { إلا ساعة من النهار } لهول ما رأوا، وجملة التشبيه حال من الضمير { يتعارفون بينهم } يعرف بعضهم بعضاً إذا بعثوا ثم ينقطع التعارف لشدة الأهوال، والجملة حال مقدرة أو متعلق الظرف { قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله } بالبعث { وما كانوا مهتدين } .
الآية رقم ( 46 )
{وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون }
{ وإما } فيه إدغام نون إن الشرطية في ما المزيدة { نرينَّك بعض الذي نعدهم } به من العذاب في حياتك وجواب الشرط محذوف، أي فذاك { أو نتوفينَّك } قبل تعذيبهم { فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد } مطلع { على ما يفعلون } من تكذيبهم وكفرهم فيعذبهم أشد العذاب .
الآية رقم ( 47 )
{ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون }
{ ولكل أمة } من الأمم { رسول فإذا جاء رسولهم } إليهم فكذبوه { قضي بينهم بالقسط } بالعدل فيعذبون وينجى الرسول ومن صدقه { وهم لا يظلمون } بتعذيبهم بغير جرم فكذلك نفعل بهؤلاء .
">الآية رقم ( 48">
الآية رقم ( 48 {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين }
{ ويقولون متى هذا الوعد } بالعذاب { إن كنتم صادقين } فيه .
الآية رقم ( 49 )
{قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون }
{ قل لا أملك لنفسي ضراً } أدفعه { ولا نفعاً } أجلبه { إلا ما شاء الله } أن يقدرني عليه، فكيف أملك لكم حلول العذاب { لكل أمة أجل } مدة معلومة لهلاكهم { إذ جاء أجلهم فلا يستأخرون } يتأخرون عنه { ساعة ولا يستقدمون } يتقدمون عليه .
الآية رقم ( 50 )
{قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون }
{ قل أرأيتم } أخبروني { إن أتاكم عذابه } أي الله { بياتاً } ليلاً { أو نهاراً ماذا } أيُّ شيء { يستعجل منه } أي العذاب { المجرمون } المشركون، فيه وضع الظاهر موضع المضمر، وجملة الاستفهام جواب الشرط: كقولك إذا أتيتك ماذا تعطيني، والمراد به التهويل أي ما أعظم ما استعجلوه .
الآية رقم (51 )
{أثم إذا ما وقع آمنتم به آلآن وقد كنتم به تستعجلون }
{ أثُمَّ إذا ما وقع } حل بكم { آمنتم به } أي الله أو العذاب عند نزوله، والهمزة لإنكار التأخير فلا يقبل منكم ويقال لكم { آلآن } تؤمنون { وقد كنتم به تستعجلون } استهزاء .
الآية رقم ( 52 )
{ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون }
{ ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد } أي الذي تخلدون فيه { هل } ما { تجزون إلا } جزاء { بما كنتم تكسبون } .
الآية رقم ( 53 )
{ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين }
{ ويستنبئونك } يستخبرونك { أحق هو } أي ما وعدتنا به من العذاب والبعث { قل إي } نعم { وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين } بفائتين العذاب .
الآية رقم ( 54 )
{ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون }
{ ولو أن لكل نفس ظلمت } كفرت { ما في الأرض } جميعاً من الأموال { لافتدت به } من العذاب يوم القيامة { وأسرَوا الندامة } على ترك الإيمان { لما رأوا العذاب } أخفاها رؤساؤهم عن الضعفاء الذين أضلوهم مخافة التعيير { وقضي بينهم } بين الخلائق { بالقسط } بالعدل { وهم لا يظلمون } شيئاً .
الآية رقم ( 55 )
{ألا إن لله ما في السماوات والأرض ألا إن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون }
{ ألا إن لله ما في السماوات والأرض ألا إن وعد الله } بالبعث والجزاء { حق } ثابت { ولكن أكثرهم } أي الناس { لا يعلمون } ذلك.
الآية رقم ( 56 )
{هو يحيي ويميت وإليه ترجعون }
{ هو يحيي ويميت وإليه ترجعون } في الآخرة فيجازيكم بأعمالكم .
الآية رقم ( 57 )
{يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين }
{ يا أيها الناس } أي أهل مكة { قد جاءتكم موعظة من ربكم } كتاب فيه ما لكم وما عليكم وهو القرآن { وشفاء } دواء { لما في الصدور } من العقائد الفاسدة والشكوك { وهدى } من الضلال { ورحمة للمؤمنين } به .
الآية رقم ( 58 )
{قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون }
{ قل بفضل الله } الإسلام { وبرحمته } القرآن { فبذلك } الفضل والرحمة { فليفرحوا هو خير مما يجمعون } من الدنيا بالياء والتاء .
الآية رقم ( 59 )
{قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون
{ قل أرأيتم } أخبروني { ما أنزل الله } خلق { لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالاً } كالبحيرة والسائبة والميتة { قل الله أذن لكم } في ذلك بالتحليل والتحريم لا { أم } بل { على الله تفترون } تكذبون بنسبة ذلك إليه .
الآية رقم ( 60 )
{وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون }
{ وما ظن الذين يفترون على الله الكذب } أي أيّ شيء ظنهم به { يوم القيامة } أيحسبون أنه لا يعاقبهم لا { إن الله لذو فضل على الناس } بإمهالهم والإنعام عليهم { ولكن أكثرهم لا يشكرون }
الآية رقم ( 61 )
{وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين }
{ وما تكون } يا محمد { في شأن } أمر { وما تتلو منه } أي من الشأن أو الله { من قرأن } أنزله عليك { ولا تعملون } خاطبهُ وأمته { من عمل إلا كنا عليكم شهوداً } رقباء { إذ تُفيضون } تأخذون { فيه } أي العمل { وما يَعْزُبُ } يغب { عن ربك من مثقال } وزن { ذرة } أصغر نملة { في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين } بيِّن هو اللوح المحفوظ .
الآية رقم ( 62 )
{ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون }
{ ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } في الآخرة .
الآية رقم ( 63 )
{الذين آمنوا وكانوا يتقون }
هم { الذين آمنوا وكانوا يتقون } الله بامتثال أمره ونهيه .
الآية رقم ( 64 )
{لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم }
{ لهم البشرى في الحياة الدنيا } فسرت في حديث صححه الحاكم بالرؤيا الصالحة يراها الرجل أو تُرى له { وفي الآخرة } الجنة والثواب { لا تبديل لكلمات الله } لا خلف لمواعيده { ذلك } المذكور { هو الفوز العظيم } .
الآية رقم ( 65 )
{ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا هو السميع العليم }
{ ولا يحزنك قولهم } لك لست مرسلاً وغيره { إن } استئناف { العزة } القوة { لله جميعاً هو السميع } للقول { العليم } بالفعل فيجازيهم وينصرك .
الآية رقم ( 66 )
{ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون }
{ ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض } عبيداً وملكاً وخلقاً { وما يتبع الذين يدعون } يعبدون { من دون الله } أي غيره أصناماً { شركاء } له على الحقيقة تعالى عن ذلك { إن } ما { يتبعون } في ذلك { إلا الظن } أي ظنهم أنها آلهة تشفع لهم { وإن } ما { هم إلا يخرصون } يكذبون في ذلك .
الآية رقم ( 67 )
{هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون }
{ هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً } إسناد الإبصار إليه مجاز لأنه يبصر فيه { إن في ذلك لآيات } دلالات على وحدانيته تعالى { لقوم يسمعون } سماع تدبر واتعاظ .
الآية رقم ( 68 )
{قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السماوات وما في الأرض إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون علي الله ما لا تعلمون }
{ قالوا } أي اليهود والنصارى ومن زعم أن الملائكة بنات الله { اتخذ الله ولداً } قال تعالى لهم { سبحانه } تنزيهاً له عن الولد { هو الغني } عن كل أحد وإنما يطلب الولد من يحتاج إليه { له ما في السماوات وما في الأرض } ملكاً وخلقاً وعبيداً { إن } ما { عندكم من سلطان } حجة { بهذا } الذي تقولونه { أتقولون على الله ما لا تعلمون } استفهام توبيخ .
الآية رقم ( 69 )
{قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون }
{ قل إن الذين يفترون على الله الكذب } بنسبه الولد إليه { لا يفلحون } لا يسعدون .
الآية رقم ( 70 )
{متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون }
لهم { متاع } قليل { في الدنيا } يتمتعون به مدة حياتهم { ثم إلينا مرجعهم } بالموت { ثم نذيقهم العذاب الشديد } بعد الموت { بما كانوا يكفرون } .
الآية رقم ( 71 )
{واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون }
{ واتل } يا محمد { عليهم } أي كفار مكة { نبأ } خبر { نوح } ويبدل منه { إذ قال لقومه يا قوم إن كان كُبر } شق { عليكم مقامي } لبشر فيكم { وتذكيري } وعظي إياكم { بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم } اعزموا على أمر تفعلونه بي { وشركاءكم } الواو بمعني مع { ثم لا يكن أمركم عليكم غُمة } مستوراً بل أظهروه وجاهروني به { ثم اقضوا إليَّ } امضوا فيما أردتموه { ولا تنظرون } تمهلون فإني لست مبالياً بكم .
الآية رقم ( 72 )
{فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين }
{ فإن تولَّيتم } عن تذكيري { فما سألتكم من أجر } ثواب عليه فتولوا { إن } ما { أجري } ثوابي { إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين } .
الآية رقم ( 73 )
{فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين }
{ فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك } السفينة { وجعلناهم } أي من معه { خلائف } في الأرض { وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا } بالطوفان { فأنظر كيف كان عاقبة المنذرين } من إهلاكهم فكذلك نفعل بمن كذب .
الآية رقم ( 74 )
{ثم بعثنا من بعده رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل كذلك نطبع على قلوب المعتدين }
{ ثم بعثنا من بعده } أي نوح { رسلاً إلى قومهم } كإبراهيم وهود وصالح { فجاءُوهم بالبينات } المعجزات { فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل } أي بعث الرسل إليهم { كذلك نطبع } نختم { على قلوب المعتدين } فلا تقبل الإيمان كما طبعنا على قلوب أولئك .
الآية رقم ( 75 )
{ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى فرعون وملئه بآياتنا فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين }
{ ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى فرعون وملائه } قومه { بآياتنا } التسع { فاستكبروا } عن الإيمان بها { وكانوا قوماً مجرمين } .
الآية رقم ( 76 )
{فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين }
{ فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إنَّ هذا لسحر مبين } بيّنّ ظاهر .
الآية رقم ( 77 )
{قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ولا يفلح الساحرون }
{ قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم } إنه لسحر { أسحر هذا } وقد أفلح من أتى به وأبطل سحر السحرة { ولا يفلح الساحرون } والاستفهام في الموضعين للإنكار .
الآية رقم ( 78 )
{قالوا أجئتنا لتلفتنا عن ما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين }
{ قالوا أجئتنا لتَلفِتَنا } لتردنا { عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء } الملك { في الأرض } أرض مصر { وما نحن لكما بمؤمنين } مصدقين .
الآية رقم ( 79 )
{وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم }
{ وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم } فائق في علم السحر .
الآية رقم ( 80 )
{فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون }
( فلما جاء السحرة قال لهم موسى ) بعد ما قالوا له " إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين " : ( ألقوا ما أنتم ملقون ) .
الآية رقم ( 81 )
{فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين }
{ فلما ألقوا } حبالهم وعصيهم { قال موسى ما } إستفهامية مبتدأ خبره { جئتم به السحر } بدل وفي قراءة بهمزة واحدة اخبار فما اسم موصول مبتدأ { إن الله سيبطله } أي سيمحقه { إن الله لا يصلح عمل المفسدين } .
الآية رقم ( 82 )
{ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون }
{ ويحق } يثبت ويظهر { الله الحق بكلماته } بمواعيده { ولو كره المجرمون } .
الآية رقم ( 83 )
{فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين }
{ فما آمن لموسى إلا ذرية } طائفة { من } أولاد { قومه } أي فرعون { على خوف من فرعون وملائهم أن يفتنهم } يصرفهم عن دينه بتعذيبه { وإن فرعون لعال } متكبر { في الأرض } أرض مصر { وانه لمن المسرفين } المتجاوزين الحد بادعاء الربوبية .
الآية رقم ( 84 )
{وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين }
{ وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين } .
الآية رقم ( 85 )
{فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين }
{ فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين } أي لا تظهرهم علينا فيظنوا أنهم على الحق فيفتتنوا بنا .
الآية رقم ( 86 )
{ونجنا برحمتك من القوم الكافرين }
{ ونجّنا برحمتك من القوم الكافرين } .
الآية رقم ( 87 )
{وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين }
{ وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوّآ } إتخذا { لقومكما بمصر بيوتاً واجعلوا بيوتكم قبلة } مصلًّى تصلون فيه لتأمنوا من الخوف وكان فرعون منعهم من الصلاة { وأقيموا الصلاة } أتموها { وبشّر المؤمنين } بالنصر والجنة .
الآية رقم ( 88 )
{وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملئه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم }
{ وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأهُ زينة وأموالاً في الحياة الدنيا ربنا } آتيتهم ذلك { ليضلوا } في { عن سبيلك } دينك { ربنا اطمس على أموالهم } امسخها { واشدد على قلوبهم } اطبع عليها واستوثق { فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم } المؤلم دعا عليهم وأمَّنَ هارون على دعائه .
الآية رقم ( 89 )
{قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون }
{ قال } تعالى { قد أجيبت دعوتكما } فمسخت أموالهم حجاز ولم يؤمن فرعون حتى أدركه الغرق { فاستقيما } على الرسالة والدعوة إلى أن يأتيهم العذاب { ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون } في استعجال قضائي روي أنه مكث بعدها أربعين سنة .
الآية رقم ( 90 )
{وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين }
{ وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتْبَعَهُمْ } لحقهم { فرعون وجنود بغياً وعدواً } مفعول له { حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه } أي بأنه وفي قراءة بالكسر استئنافاً { لا إله الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين } كرره ليقبل منه فلم يقبل، ودس جبريل في فيه من حمأة البحر مخافة أن تناله الرحمة، وقال له .
الآية رقم ( 91 )
{آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين }
{ آلآن } تؤمن { وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين } وإضلالك عن الإيمان .
الآية رقم ( 92 )
{فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون }
{ فاليوم ننحيك } نخرجك من البحر { ببدنك } جسدك الذي لا روح فيه { لتكون لمن خلفك } بعدك { آية } عبرة فيعرفوا عبوديتك ولا يقدموا على مثل فعلك وعن ابن عباس أن بعض بنى إسرائيل شكوا في موته فأخرج لهم ليروه { وإن كثيراً من الناس } أي أهل مكة { عن آياتنا لغافلون } لا يعتبرون بها .
الآية رقم ( 93 )
{ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة في ما كانوا فيه يختلفون }
{ ولقد بوأنا } أنزلنا { بني إسرائيل مُبَوّأ صدق } منزل كرامة وهو الشام ومصر { ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا } بأن آمن بعض وكفر بعض { حتى جاءهم العلم إن ربَّك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون } من أمر الدين بإنجاء المؤمنين وتعذيب الكافرين .
الآية رقم ( 94 )
{فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين }
( فإن كنت ) يا محمد ( في شك مما أنزلنا إليك ) من القصص فرضاً ( فاسأل الذين يقرءون الكتاب ) التوراة ( من قبلك ) فإنه ثابت عندهم يخبروك بصدقه قال صلى الله عليه وسلم : " لا أشك ولا أسأل " ( لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ) الشاكين فيه .
الآية رقم ( 95 )
{ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين }
{ ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين } .
الآية رقم ( 96 )
{إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون }
{ إن الذين حَقَّت } وجبت { عليهم كلمة ربك } بالعذاب { لا يؤمنون } .
الآية رقم ( 97 )
{ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم }
{ ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم } فلا ينفعهم حينئذ .
الآية رقم ( 98 )
{فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين }
{ فلولا } فهلا { كانت قرية } أريد أهلها { آمنت } قبل نزول العذاب بها { فنفعها إيمانها إلا } لكن { قوم يونس لما آمنوا } عند رؤية أمارة العذاب ولم يؤخروا إلى حلوله { كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين } انقضاء آجالهم .
الآية رقم ( 99 )
{ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين }
{ ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تُكره الناس } بما لم يشأه الله منهم { حتى يكونوا مؤمنين } لا .
الآية رقم ( 100 )
{وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون }
{ وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله } بإرادته { ويجعل الرجس } العذاب { على الذين لا يعقلون } يتدبرون آيات الله .
الآية رقم ( 101 )
{قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون }
{ قل } لكفار مكة { انظروا ماذا } أي الذي { في السماوات والأرض } من الآيات الدالة على وحدانية الله تعالى { وما تغني الآيات والنذر } جمع نذير أي الرسل { عن قوم لا يؤمنون } في علم الله أي ما تنفعهم .
الآية رقم ( 102 )
{فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين }
{ فهل } فما { ينتظرون } بتكذيبك { إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم } من الأمم أي مثل وقائعهم من العذاب { قل فانتظروا } ذلك { إني معكم من المنتظرين } .
الآية رقم ( 103 )
{ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين }
{ ثم نُنجّي } المضارع لحكاية الحال الماضي { رسلنا والذين آمنوا } من العذاب { كذلك } الإنجاء { حقاً علينا نُنجي المؤمنين } النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه حين تعذيب المشركين
الآية رقم ( 104 )
{قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم وأمرت أن أكون من المؤمنين }
{ قل يا أيها الناس } أي أهل مكة { إن كنتم في شك من ديني } أنه حق { فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله } أي غيره، وهو الأصنام لشككم فيه { ولكن أعبد الله الذي يتوفّاكم } يقبض أرواحكم { وأمرت أن } أي بأن { أكون من المؤمنين } .
الآية رقم ( 105 )
{وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين }
{ و } قيل لي { أن أقمِ وجهك للدين حنيفاً } مائلاً إليه { ولا تكونن من المشركين } .
الآية رقم ( 106 )
{ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين }
{ ولا تدع } تعبد { من دون الله مالا ينفعك } إن عبدته { ولا يضرك } إن لم تعبده { فإن فعلت } ذلك فرضاً { فإنك إذاً من الظالمين } .
الآية رقم ( 107 )
{وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم }
{ وإن يَمسسك } يصبك { الله بضر } كفقر ومرض { فلا كاشف } رافع { له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد } دافع { لفضله } الذي أرداك به { يصيب به } أي بالخير { من شاء من عباده وهو الغفور الرحيم } .
الآية رقم ( 108 )
{قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل }
{ قل يا أيها الناس } أي أهل مكة { قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه } لأن ثواب اهتدائه له { ومن ضل فإنما يضل عليها } لأن وبال ضلاله عليها { وما أنا عليكم بوكيل } فأجبركم على الهدى .
الآية رقم ( 109 )
{واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين }
{ واتبع ما يوحى إليك } من ربِّك { واصبر } على الدعوة وأذاهم { حتى يحكم الله } فيهم بأمره { وهو خير الحاكمين } أعدَلهم، وقد صبر حتى حكم على المشركين بالقتال وأهل الكتاب بالجزية