النوع التاسع والأربعون في مطلقه ومقيده المطلق
الدال على الماهية بلا قيد وهومع القيد كالعام مع الخاص.قال العلماء: متى وجد دليل على تقييد المطلق صير إليه وإلا فلا بل يبقى المطلق على إطلاقه والمقيد على تقييده لأن الله تعالى خاطبنا بلغة العرب.
والضابط أن الله إذا حكم في شيء بصفة أوشرط ثم ورد حكم آخر مطلق النظر: فإن لم يكن له أصل يرد إليه إلا ذلك الحكم المقيد وجب تقييده به وإن كان له أصل يرد غيره لم يكن رده إلى أحدهما بأولى من الآخر.
فالأول مثل اشتراط العدالة في الشهود على الرجعة والفراق والوصية في قوله {واشهدوا ذوي عدل منكم} وقوله {شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم} وقد أطلق الشهادة في البيوع وغيرها في قوله {واشهدوا إذا تبايعتم} {فإذا دفعتم إليهم أموالهم فاشهدوا عليهم} والعدالة شرط في الجميع.
ومثل تقييده ميراث الزوجين بقوله {من بعد وصية يوصين بها أو دين} وإطلاقه الميراث فيما أطلق فيه وكذلك ما أطلق من المواريث كلها بعد الوصية والدين وكذلك ما اشترط في كفارة القتل من الرقبة المؤمنة وإطلاقها في كفارة الظهار واليمين والمطلق كالمقيد في وصف الرقبة وكذلك تقييد الأيدي بقوله {إلى المرافق} في الوضوء وإطلاقه التيمم وتقييد إحباط العمل بالردة بالموت على الكفر في قوله {من يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر} الآية وأطلق في قوله {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وتقييد تحريم الدم بالمسفوح في الأنعام وأطلق فيما عداها.
فمذهب الشافعي حمل المطلق على المقيد في الجميع ومن العلماء من لا يحمله ويجوز إعتاق الكافر في كفارة الظهار واليمين ويكتفى في التيمم بالمسح إلى الكوعين ويقول: إن الردة تحبط العمل بمجردها.
والثاني: مثل تقييد الصوم بالتتابع في كفارة القتل والظهار وتفييده بالتفريق في صوم التمتع وأطلق كفارة اليمين وقضاء رمضان فيبقى على إطلاقه من جوازه مفرقًا ومتتابعًا لا يمكن حمله عليهما لتنافي القيدين وهما التفريق والتتابع وعلى أحدهما لعدم المرجح.
تنبيهان.
الأول إذا قلنا: يحمل المطلق على المقيد هل هومن وضع اللغة أوبالقياس مذهبان.
وجه الأول أن العرب من مذهبها استحباب الإطلاق اكتفاء بالقيد وطلبًا للإيجاز والاختصار.
الثاني: ما تقدم محله إذا كان الحكمان بمعنى واحد.
وإنما اختلفا في الإطلاق والتقييد فأما إذا حكم في شيء بأمور ثم في آخر ببعضها وسكت فيه عن بعضها فلا يقتضي الإلحاق كالأمر بغسل الأعضاء الأربعة في الوضوء وذكر في التيمم عضوين فلا يقال بالحمل ومسح الرأس والرجلين بالتراب فيه أيضًا وكذلك ذكر العتق والصوم والإطعام في كفارة الظهار واقتصر في
النوع الخمسون في منطوقه ومفهومه
المنطوق ما دل عليه اللفظ في محل النطق فإن أفاد معنى لا يحتمل غيره فالنص نحو فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة وقد نقل عن قوم من المتكلمين أنهم قالوا بندور النص جدًا في الكتاب والسنة وقد بالغ إمام الحرمين وغيره في الرد.
قال: لأن الغرض من النص الاستقلال بإفادة المعنى على قطع مع انحسام جهات التأويل والاحتمال وهذا وإن عز حصوله بوضع الصيغ ردًا إلى اللغة فما أكثره مع القرأئن الحالية والمقالية أومع احتمال غيره احتمالًا مرجوحًا فالظاهر نحو فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الباغي يطلق على الجاهل وعلى الظالم وهوفيه أظهر وأغلب ونحو ولا تقربوهن حتى يطهرن فإنه يقال للانقطاع طهر وللوضوء والغسل وهوفي الثاني أظهر وإن حمل على المرجوح لدليل فهوتأويل ويسمى المرجوح المحمول عليه مؤولًا كقوله {وهو معكم أينما كنتم} فإنه يستحيل حمل المعية على القرب بالذات فتعين صرفه عن ذلك وحمله على القدرة والعلم والحفظ الرعاية وكقوله {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} فإنه يستحيل حمله على الظاهر لاستحالة أن يكون للإنسان أجنحة فيحمل على الخضوع وحسن الخلق وقد يكون مشتركًا بين حقيقتين أوحقيقة ومجاز ويصح حمله عليهما جميعًا فيحمل عليهما جميعًا سواء قلنا بجواز استعمال اللفظ في معنييه أولًا.
ووجهه على هذا أن يكون اللفظ قد خوطب به مرتين مرة أريد هذا ومرة أريد هذا ومن أمثلته ولا يضار كاتب ولا شهيد فإنه يحتمل ولا يضار الكاتب والشهيد صاحب الحق بجور في الكتابة والشهادة.
ولا يضار بالفتح: أي لا يضار هما صاحب الحق بإلزامهما مالا يلزمهما وإجبارهما على الكتابة والشهدة.
ثم إن توقفت صحة دلالة اللفظ على إضمار سميت دلالة اقتضاء نحو واسئل القرية أي أهلها.
وإن لم تتوقف ودل اللفظ على ما لم تقصد به سميت دلالة إشارة كدلالة قوله تعالى أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم على صحة صوم من أصبح جنبًا وإذ إباحة الجماع إلى طلوع الفجر تستلزم كونه جنبًا في جزء من النهار وقد حكى هذا الاستنباط عن محمد بن كعب القرظي.
فصل والمفهوم ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق وهوقسمان: مفهوم موافق ومفهوم مخالفة.
فالأول: ما يوافق حكمه المنطوق فإن كان أولى سمي فحوى الخطاب كدلالة فلا تقل لهما أف على تحريم الضرب لأنه أشد وإن كان مساويًا سمي لحن الخطاب: أي معناه كدلالة {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا} على تحريم الإراق لأنه مساوللأكل في الإتلاف.واختلف هل دلالة ذلك قياسية أولفظية مجازية أوحقيقية على أقوال بيناها في كتبنا الأصولية.
والثاني: ما يخالف حكمه المنطوق وهوأنواع: مفهوم صفة نعتًا كان أوحالًا أوظرفًا أوعددًا نحو إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا مفهومه أن غير الفاسق لا يجب التبيين في خبره فيجب قبول خبر الواحد العدل ولا تباشرهن وأنتم عاكفون في المساجد.
الحج اشهر معلومات أي فلا يصح الإحرام به في غيرها {فاذكروا الله عند المشعر الحرام} أي فالذكر عند غيره ليس محصلًا للمطلوب {فاجلدوهم ثمانين جلدة} أي لا أقل ولا أكثر.
وشرط نحو {وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن} أي فغير أولات الحمل لا يجب الإنفاق عليهن.
وغاية نحو فلا تحل له من بعد {حتى تنكح زوجًا غيره} أي فإذا نكحته تحل الأول بشرطه.
وحصر نحو لا إله إلا الله {إنما إلهكم الله} أي فغيره ليس بإله فالله هو الولي: أي فغيره ليس بولي {لإِلَى الله تحشرون} أي لا إلى غيره إياك نعبد أي لا غيرك.
واختلف في الاحتجاج بهذه المفاهيم على أقوال كثيرة والأصح في الجملة أنها كلها حجة بشروط.
منها: أن لا يكون المذكور خرج للغالب ومن ثم لم يعتبر الأكثرون مفهوم قوله {وربائبكم اللاتي في حجوركم} فإن الغالب كون الربائب في حجور الأزواج فلا مفهوم له لأنه إنما خص بالذكر لغلبة حضوره في الذهن وأن لا يكون موافقًا للواقع ومن ثم لا مفهوم لقوله {ومن يدع مع الله إلهًا آخر لا برهان له به} به وقوله {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين} وقوله {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن} فائدة قال بعضهم: الألفاظ إما أن تدل بمنطوقها أوبفحواها ومفهومها أوباقتضائها وضرورتها أوبمعقولها المستنبط منها حكاه ابن الحصار: وقال: هذا كلام حسن.
قلت: فالأول دلالة المنطوق والثاني دلالة المفهوم والثالث دلالة الاقتضاء والرابع دلالة الإشارة
النوع الحادي والخمسون في وجود مخاطباته
قال ابن الجوزي في كتاب النفيس: الخطاب في القرآن على خمسة عشر وجهًا.
وقال غيره: على أكثر من ثلاثين وجهًا.
أحدها خطاب العام والمراد به العموم كقوله: {الله الذي خلقكم}.
والثاني: خطاب الخاص والمراد به الخصوص كقوله: {أكفرتم بعد إيمانكم}.
{يا أيها الرسول بلغ}.الثالث: خطاب العام والمراد به الخصوص كقوله {يا أيها الناس اتقوا ربكم} لم يدخل فيه الأطفال والمجانين.
الرابع: خطاب الخاص والمراد العموم كقوله {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء} افتتح الخطاب بالنبي صلى الله عليه وسلم والمراد سائر من يملك الطلاق.
وقوله {يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك} الآية.قال أبو بكر الصيرفي: كان ابتداء الخطاب له فلما قال في الموهوبة خالصة لك علم أن ما قبلها له ولغيره.
الخامس: خطاب الجنس كقوله يا أيها النبي السابع: خطاب العين نحو يا آدم أسكن.
يا نوح أهبط.
يا إبراهيم قد صدقت.
يا موسى لا تخف.
{يا عيسى إني متوفيك} ولم يقع في القرن الخطاب بيا محمد بل يا أيها النبي يا أيها لرسول تعظيمًا له وتشريفًا وتخصيصًا بذلك عما سواه وتعليمًا للمؤمنين أن لا ينادوه باسمه.
الثامن: خطاب المدح نحو يا أيها الذين آمنوا ولهذا وقع الخطاب بأهل المدينة الذين آمنوا وهاجروا.
أخرج ابن أبي حاتم عن خيثمة قال: ما تقرءون في القرآن يا أيها الذين آمنوا فإنه في التوراة: يا أيها المساكين.
وأخرج البيهقي وأوعبيد وغيرهما عن ابن مسعود قال: إذا سمعت الله يقول: يا أيها الذين آمنوا فأوعها سمعك فإنه خير يؤمر به أوشر ينهي عنه.
التاسع: خطاب الذم نحو {يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم} {قل يا أيها الكافرون} ولتضمنه الإهانة لم يقع في القرآن في غير هذين الموضعين وكثر الخطاب بيا أيها الذين آمنوا على المواجهة وفي جانب الكفار جيء بلفظ الغيبة إعراضًا عنهم كقوله {إن الذين كفروا} {قل للذين كفروا}.
العاشر: خطاب الكرامة كقوله {يا أيها النبي} {يا أيها الرسول} قال بعضهم: ونجد الخطاب بالنبي في محل لا يليق به الرسول وكذا عكسه في الأمر بالتشريع العام {يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك}.
وفي مقام الخاص {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} قال: وقد يعبر في النبي في مقام التشريع العام لكن مع قرينة إرادة العموم كقوله {يا أيها النبي إذا طلقتم} ولم يقل طلقت.
الثاني عشر: خطاب التهكم نحو {ذق إنك أنت العزيز الكريم} الثالث عشر: خطاب الجمع بلفظ الواحد نحو {يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم}.
الرابع عشر: خطاب الواحد بفظ الجمع نحو {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات} إلى قوله {فذرهم في غمرتهم فهوخطاب له صلى الله عليه وسلم وحده إذ نبي معه ولا بعده وكذا قوله {وإن عاقبتم فعاقبوا} الآية خطاب له صلى الله عليه وسلم وحده بدليل قوله {وأصبر وما صبرك إلا بالله} الآية وكذا قوله {فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا} بدليل قوله {قل فائتوا} وجعل منهم بعضهم {قال رب ارجعون} أي أرجعني.
وقيل رب خطاب له تعالى وارجعون للملائكة.
وقال السهيلي: هوقول من حضرته الشياطين وزبانية العذاب فاختلط فلا يدري ما يقول من الشطط وقد اعتاد أمرًا يقوله في الحياة من رد الأمر إلى المخلوقين.
الخامس عشر: خطاب الواحد بلفظ الاثنين نحو {ألقيا في جهنم} والخطاب لمالك خازن النار وقيل لخزنة النار والزبانية فيكون من خطاب الجمع بلفظ الاثنين.
وقيل للملكين الموكلين به في قوله {وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد} فيكون على الأصل وجعل المهدوي من من هذا النوع قال قد أجيبت دعوتكما قال: الخطاب لموسى وحده لأنه الداعي وقيل لهما لأن هارون أمن على دعائه والمؤمن أحد الداعيين.
السادس عشر: خطاب الاثنين بلفظ واحد كقوله {فمن ربكما يا موسى} أي ويا هارون وفيه وجهان: أحدهما أنه أفرده بالنداء لإدلاله عليه بالتربية.
والآخر لأنه صاحب الرسالة والآيات وهارون تبع له ذكره ابن عطية.
وذكر في الكشاف آخر وهوأن هارون لما كان أفصح من موسى نكب فرعون عن خطابه حذرًا من لسانه ومثله {فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى} قال ابن عطية: أفرده بالشقاء لأنه المخاطب أولًا والمقصود في الكلام.
وقيل لأن الله جعل الشقاء في معيشة الدنيا في جانب الرجال.
وقيل إغضاء عن ذكر المرأة كما قيل من الكرم ستر الحرم.
السابع عشر: خطاب الاثنين بلفظ الجمع كقوله {أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتًا واجعلوا بيوتكم قبلة.
الثامن عشر: خطاب الجمع بلفظ الاثنين كما تقدم في ألقيا.
التاسع عشر: خطاب الجمع بعد الواحد كقوله {وما تكون في شأن}.
وما تتلومنه من قرآن ولا تعملون من عمل قال ابن الأنباري: جمع في الفعل الثالث ليدل على أن الأمة داخلون مع النبي صلى الله عليه وسلم ومثله {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء}.
العشرون: عكسه نحو {وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين}.
الحادي والعشرون: خطاب الاثنين بعد الواحد نحو {أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض}.
الثاني والعشرون: عكسه نحو من ربكما يا موسى.
الثالث والعشرون: خطاب العين والمراد به الغير نحو {يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين} الخطاب له والمراد أمته لأنه صلى الله عليه وسلم كان تقيًا وحاشاه من طاعة الكفار ومنه {فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب} الآية حاشاه صلى الله عليه وسلم من الشك وإنما المراد بالخطاب التعريض بالكفار.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية قال: لم يشك صلى الله عليه وسلم ولم يسأل ومثله {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا} الآية فلا تكونن من الجاهلين وأنحاء ذلك.
الرابع والعشرون: خطاب الغير والمراد به العين نحو {لقد أنزلنا إليكم كتابًا فيه ذكركم} الخامس والعشرون: الخطاب العام الذي لم يقصد به مخاطب معين نحو ولوترى إذ وقفوا على النار {ألم تر أن الله يسجد له} {ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم} ولم يقصد بذلك خطاب معين بل كل أحد.
وأخرج في صورة الخطاب لقصد العموم يريد أن حالهم تناهت في الظهور بحيث لا يختص بها راء دون راء بل كل من أمكن منه الرؤية داخل في ذلك الخطاب.
السادس والعشرون: خطاب الشخص ثم العدول إلى غيره نحو {فإن لم يستجيبوا لكم} خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال للكفار فاعلموا أن ما أنزل بعلم الله بدليل {فهل أنتم مسلمون ومنه} {إنا أرسلناك شاهدًا} إلى قوله لتؤمنوا في من قرأ بالفوقية.
السابع والعشرون: خطاب التكوين وهوا لالتفات.
الثامن والعشرون: خطاب الجمادات من يعقل نحو فقال لها وللأرض ائتيا التاسع والعشرون: خطاب التهييج نحو {وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين}.الثلاثون خطاب التحنن والاستعطاف نحو {قل يا عبادي الذين أسرفوا} الآية.
الحادي والثلاثون: خطاب التحبب نحو يا أبت لم تعبد {يا بني إنها إن تك} {يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي}.
الثاني والثلاثون: خطاب التعجيز نحو فائتوا بسورة.الثالث والثلاثون: خطاب التشريف وهوكل ما في القرآن مخاطبة بقل فإنه تشريف منه تعالى لهذه الأمة بأن يخاطبها بغير واسطة لتفوز بشرف المخاطبة.
الرابع والثلاثون: خطاب المعدوم ويصح ذلك تبعًا لوجود نحو يا بني آدم فإنه خطاب لأهل ذلك الزمان ولك من بعدهم.
فائدة قال بعضهم: خطاب القرآن ثلاثة أقسام: قسم لا يصلح إلا للنبي صلى الله عليه وسلم وقسم لا يصلح إلا لغيره وقسم لهما.
فائدة قال ابن القيم: تأمل خطاب القرآن تجد ملكًا له الملك كله وله الحمد كله أزمة الأمور كلها بيده ومصدرها منه وموردها إليه مستويًا على العرش لا تخفى عليه خافية من أقطار مملكته عالمًا بما في نفوس عبيده مطلعًا على أسرارهم وعلانيتهم منفردًا بتدبير المملكة يسمع ويرى ويعطي ويمنع ويثيب ويعاقب ويكرم ويهين ويخلق ويرزق ويميت ويحيي ويقدر ويقضي ويدبر الأمور نازلة من عنده دقيقها وجليلها وصاعدة إليه لا تتحرك ذرة إلا بإذنه ولا تسقط ورقة إلا بعلمه فتأمل كيف تجده يثني على نفسه ويمجد نفسه ويحمد نفسه وينصح عباده ويدلهم على ما فيه سعادتهم وفلاحهم ويرغبهم فيه ويحذرهم مما فيه هلاكهم ويتعرف إليهم بأسمائه وصفاته ويتحبب إليهم بنعمه وآلائه يذكرهم بنعمه عليهم ويأمرهم بما يستوجبون به تمامًا ويحذرهم من نقمه ويذكرهم بما أعد لهم من الكرامة إن أطاعوه وما أعد لهم من العقوبة إن عصوه ويخبرهم بصنعه في أوليائه وأعدائه وكيف كانت عاقبة هؤلاء وهؤلاء ويثني على أوليائه بمصالح أعمالهم وأحسن أوصافهم ويذم أعداءه بسيء أعمالهم وقبيح صفاتهم ويضرب الأمثال وينوع الأدلة والبراهين ويجيب عن شبه أعدائه أحسن الأجوبة ويصدق الصادق ويكذب الكاذب ويقول الحق ويهدي السبيل ويدعوإلى دار السلام ويذكر أوصافها ونعيمها ويحذر من دار البوار ويذكر عذابها وقبحها وألامها ويذكر عباده فقره إليه وشدة حاجتهم إليه من كل وجه وأنهم لا غنى لهم عنه طرفة عين ويذكرهم غناه عنهم وعن جميع الموجودات.
وأنه الغني بنفسه عن كل ما سواه وكل ما سواه فقير إليه وأنه لا ينال أحد ذرة من الخير فما فوقها إلا بفضله ورحمته ولا ذرة من الشر فما فوقها إلا بعد له وحكمته وتشهد من خطابه عتابه لأحبابه ألطف عتاب وأنه مع ذلك مقيل عثراتهم وغافر ذلاتهم ومقيم أعذارهم ومصلح فسادهم والدافع عنهم والحامي عنهم والناصر لهم والكفيل بمصالحهم والمنجي لهم من كل كرب والموفي لهم بوعده وأنه وليهم الذي لا ولي لهم سواه فهومولاهم الحق وينصرهم على عدوهم فنعم المولى ونعم النصير وإذا شهدت القلوب من القرآن ملكًا عظيمًا جوادًا رحيمًا جميلًا هذا شأنه فكيف لا تحبه وتنافس في القرب منه وتنفق أنفاسها في التودد إليه ويكون أحب إليها من كل ما سواه ورضاه آثر عندها من رضا كل من سواه وكيف لا تلهج بذكره وتصير حبه والشوق إليه والأنس به هوغذاؤها وقوتها ودواؤها بحيث إن فقدت ذلك فسدت وهلكت ولم تنتفع بحياتها.
فائدة قال بعض الأقدمين: أنزل القرآن على ثلاثين نحوًا كل نحومنه غير صاحبه فمن عرف وجوهها ثم تكلم في الدين أصاب ووفق ومن لم يعرف وتكلم في الدين كان الخطأ إليه أقرب وهوالمكي والمدني والناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والتقديم والتأخير والمقطوع والموصول والسبب والإضمار والخاص والعام والأمر والنهي والوعد والوعيد والحدود والأحكام والخبر والاستفهام والأبهة والحروف المصرفة والإعذار والإنذار والحجة والاحتجاج والمواعظ والأمثال والقسم.
قال: فالمكي مثل {واهجرهم هجرًا جميلًا} والمدني مثل {وقاتلوا في سبيل الله} والناسخ والمنسوخ واضح.
والمحكم مثل {ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا} الآية {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا} ونحوه مما أحكمه الله وبينه.
والمتشابه مثل {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم حتى تستأنسوا} الآية ولم يقل ومن فعل ذلك عدوانًا وظلمًا فسوف نصليه نارًا كما قال في المحكم وقد ناداهم في هذه الآية بالإيمان ونهاهم عن المعصية ولم يجعل فيها وعيدًا فاشتبه على أهلها ما يفعل الله بهم.
والتقديم والتأخير مثل كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصية التقدير: كتب عليكم الوصية إذا حضر أحدكم الموت.
والمقطوع والموصول مثل {لا أقسم بيوم القيامة} ولا مقطوع من أقسم وإنما هوفي المعنى: أقسم بيوم القيامة {ولا أقسم بالنفس اللوامة} ولم يقسم.
والسبب والإضمار مثل {واسأل القرية} أي أهل القرية.
والخاص والعام مثل يا أيها النبي فهذا في المسموع خاص إذا طلقتم النساء فصار في المعنى عامًا.
والأمر وما بعده إلى الاستفهام أمثلتها واضحة.
والأبهة مثل إنا أرسلنا نحن قسمنا عبر بالصيغة الموضوعة للجماعة للواحد تعالى تفخيمًا وتعظيمًا وأبهة.
والحروف المصرفة كالفتنة تطلق على الشرك نحو حتى لا تكون فتنة.
وعلى المعذرة نحو ثم لم تكن فتنهم أي معذرتهم.
وعلى الاختبار نحو {قد فتنا قومك من بعدك} والإعذار نحو {فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم} اعتذر إنه لم يفعل ذلك إلا بمعصيتهم والبواقي أمثلتها واضحة.