محمد بن قيس الخزرجي محمد بن محمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد بن نصر بن قيس الخزرجي ثالث الملوك من بني نصر يكنى أبا عبد الله.
أوليته معروفة.
حاله كان من أعاظم أهل بيته صيتًا وهمة أصيل المجد مليح الصورة عريق الإمارة ميمون النقيبة سعيد النصبة عظيم الإدراك تهنأ العيش مدة أبيه وتملى السياسة في حياته وباشر الأمور بين يديه فجاء نسيج وحده إدراكًا ونبلا وفخارًا وشأوًا.
ثم تولى الأمر بعد أبيه فأجراه على ديدنه وتقبل سيرته ونسج على منواله وقد كان الدهر ضايقه في حصته ونغصه ملاذ الملك بزمانة سدكت بعينيه لمداخلة السهر ومباشرة أنوار ضخام الشمع إذ كانت تتخذ له منها جذوع في أجسادها مواقيت تخبر بانقضاء ساعات الليل ومضى الربع وعلى التزامه لكنه وغيبوبته في كسر بيته فقد خدمته السعود وأملت بابه الفتوح وسالمته الملوك وكانت أيامه أعيادًا.
وكان يقرض الشعر ويصغي إليه ويثيب عليه فيجيز الشعراء ويرضخ للندماء ويعرف مقادر العلماء ويواكل الأشراف والرؤساء ضاربا في كل إصلاح بسهم مالئا من كل تجربة وحنكة حار النادرة حسن التوقيع مليح الخط تغلب عليه الفظاظة والقسوة.
شعره كان له شعر مستظرف من مثله لا بل يفضل به الكثير ممن ينتحل الشعر من الملوك.
ووقعت على مجموع له ألفه بعض خدامه فنقلب من مطولاته: واعدني وعدا وقد أخلفا أقل شيء في المليح الوفا وحال من عهدي ولم يرعه ما ضره لو أنه أنصفا ما بالها لم تتعطف على صاحب لها ما زال مستعطفا خفيت سقمًا عن عيون الورى وبان حبي بعد ما قد خفا لله كم من ليلةٍ بتها أدير من ذاك اللمى قرقفا متعتني بالوصل منها وما أخلفت وعداص خلت أن يخلفا ومنها: ملكتك القلب وأني امرؤٌ على ملك الأرض قد وقفا أوامري في الناس مسموعةٌ وليس مني في الورى أشرفا يرهف سيفي في الوغى متسلطًا ويتقي عزمي إذا ما أرهفا وترتجي يمناي يوم الندى تخالها السحب غدت وكفا نحن ملوك الأرض من مثلنا حزنا تليد الفخر والطرفا نخاف إقدامًا ونرجى ندًا لله ما أرجى وما أخوفا لي رايةٌ في الحرب كم غادرت ربع العدا قاعًا بها صفصفا يا ليت شعري والمنى جمة والدهر يومًا هل يرى منصفا وأعظم مناقبه المسجد الجامع بالحمراء على ما هو عليه من الظرف والتنجيد والترقيش وفخامة العمد وإحكام أنوار الفضة وإبداع ثراها ووقف عليه الحمام بإزائه وأنفق فيه مال الجزية وأغرمها لمن يليه من الكفار فدوا به زرعًا نهد إليه صائفته لا نتسافه وقد أهمتهم فتنة فظهر بها منقبة يتيمة ومعلوة فذة فاق بها من تقدمه ومن تأخره من قومه.
جهاده أغزى الجيش لأول أمره مدينة المنظر فاستولى عليها عنوة وملك من احتوت عليه المدينة ومن جملتهم الزعيمة صاحبة المدينة من أفراد عقائل الروم فقدمت الحضرة في جملة السبي نبيهة المركب ظاهرة الملبس رائقة الجمال خص بها ملك المغرب فاتخذها لنفسه وكان هذا الفتح عظيمًا والصيت بمزايه عظيمًا بعيدًا أنشدني.
ما نقل عنه من الفظاظة والقسوة: هجم لأول أمره على طائفة من مماليك أبيه وكان سيء الرأي فيهم فسجنهم في مطبق الأرى من حمرائه وأمسك مفتاح قفله عنده وتوعد من يرمقهم بقوت بالقتل فمكثوا أياما وصارت أصواتهم تعلو بشكوى الجوع حتى خفتت ضعفًا بعد أن اقتات آخرهم موتًا من لحم من سبقه وحملت الشفقة حارسًا كان برأس المطبق على أن طرح لهم خبزًا يسيرًا تنقص أكله مع مباشرة بلواهم وتمنى إليه ذلك فأمر بذبحه على حافة الجب فسالت عليهم دماؤه وقانا الله مصارع السوء وما زالت المقالة عنها شنيعة والله أعلم بجريرتهم لديه.
وزراؤه بقي على خطة الوزارة.
وزير أبيه أبو سلطان عزيز بن علي بن عبد المنعم الداني الجاري ذكره بحول الله في محله متبرمًا بحياته إلى أن توفي فأنشد عند موته: مات أبو زيد فواحسرتا إن لم يكن مات من جمعة مصيبة لا غفر الله لي أن كنت أجريت لها دمعة وتمادى بها أمره يقوم بها حاشيته وقد ارتاح إليها متوليها بعده المترفع بدولته القائد الشهير البهمة أبو بكر بن المول.
حدث قارىء العشر من القرآن بين يدي السلطان ويعرف بابن بكرون وكان شيخًا متصاونًا ظريفًا قال: عزم السلطان على تقديم هذا الرجل وزيرًا وكان السلطان يؤثر الفال وله في هذا المعنى وساوسٌ ملازمة فوجه إلى الفقيه الكاتب صاحب القلم الأعلى يومئذ أبو عبد الله بن الحكيم المستأثر بها دونه والمتلقف لكرتها قبله وخرج لي عن الأمر وطلب مني أن أقرأ آيًا يخرج فألها عن الغرض قال فلما غدون لشآني تلوت بعد التعوذ قوله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانةً من دونكم لا يألونكم خبالًا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم إلى قوله لنا " فلما فرغت الآية سمعته حاد عن رأيه الذي كان أزمعه.
وقدم للوزارة كاتبه أبا عبد الله بن الحكيم في ذي قعدة من عام ثلاثة وسبعمائة.
وصرف إليه تدبير ملكه فلم يلبث أن تغلب على أمره وتقلد جميع شئونه حسبما يأتي في موضعه إن شاء الله.
كتابه استقل برياسته وزيره المذكور وكان ببابه من كتابه جملةٌ تباهي بهم دسوت الملوك أدبًا وتفننًا وفضلًا وظرفًا كشيخنا تلوه وولي الرتبة الكتابية من بعده وفاصل الخطبة على أثره.
وغيره ممن يشار إليه في تضاعيف الأسماء كالشيخ الفقيه القاضي أبي بكر بن شبرين والوزير الكاتب أبي عبد الله بن عاصم والفقيه الأديب أبي إسحاق بن جابر.
والوزير الشاعر المفلق أبي عبد الله اللوشي من كبار القادمين عليه والفقيه الرئيس أبي محمد الحضرمي والقاضي الكاتب أبي الحجاج الطرطوشي والشاعير المكثر أبي العباس القراق وغيرهم.
استمرت ولاية قاضي أبيه الشيخ الفقيه أبي عبد الله محمد بن هشام الألثي قاضي العدل وخاتمة أولى الفضل إلى أن توفي عام أربعة وسبعمائة.
وتولي له القضاء القاضي أبو جعفر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد القرشي المنبور بابن فركون وتقدم التعريف به والتنبيه على فضله إلى آخر أيامه.
من كان على عهده من الملوك بالأقطار وأول ذلك بفاس كان على عهده بها السلطان الرفيع القدر السامي الخطر المرهوب الشبا المستولى في العز وبعد الصيت على المدى أبو يعقوب يوسف بن يعقوب المنصور بن عبد الحق وهو الذي وطد الدولة المرينية وجبا الأموال العريقة واستأصل من تتقي شوكته من القرابة وغيرهم وجاز إلى الأندلس في أيام أبيه وبعده غازيًا ثم حاصر تلمسان وهلك عليها في أوائل ذي قعدة عام ستة وسبعمائة فكانت دولته إحدى وعشرين سنة وأشهرًا.
ثم صار الأمر إلى حافده أبي ثابت عامر بن الأمير أبي عامر عبد الله بن يوسف بن يعقوب بعد اختلاف وقع ونزاع انجلى عن قتل جماعة من كبارهم منهم الأمير أبو يحيى بن السلطان أبي يوسف والأمير أبو سالم بن السلطان أبي يعقوب واستمر الأمر للسلطان أبي ثابت إلى صفر من عام ثمانية وسبعمائة وصار الأمر إلى أخيه أبي الربيع سليمان تمام مدة ملكه وصدرا من دولة أخيه نصر وبتلمسان الأمير أبو سعيد عثمان بن يغمر اسن ثم أخوه أبو عمران موسى ثم ولده أبو تاشفين عبد الرحمن إلى آخر مدة أخيه.
وبتونس السلطان الفاضل الميمون النقيبة.
المشهور الفضيلة أبو عبد الله محمد بن الواثق يحيى بن المستنصر أبي عبد الله بن الأمير أبي زكريا بن أبي حفص من أولى العفة والنزاهة والتؤدة والحشمة والعقل عني بالصالحين واختص بأبي محمد المرجاني فأشار بتقويمه وظهرت عليه بركته وكان يرتبط إليه ويقف في الأمور عنده فلم تعدم الرعية بركة ولا صلاحًا في أيامه إلى أن هلك في ربيع الآخر عام تسعة وسبعمائة ووقعت بينه وبين هذا الأمير المترجم به المراسلة والمهاداة.
وبقشتالة هراندة بن شانجة بن أدفونش بن هراندة المستولي على إشبيلية وقرطبة ومرسية وجيان ولا حول ولا قوة إلا بالله هلك أبوه وتركه صغيرًا مكفولا على عادتهم فتنفس المخنق وانعقدت السلم واتصل الأمان مدة أيامه وهلك في دولة أخيه.
وبرغون جايمش بن ألفنش بن بطره.
الأحداث في عام ثلاثة وسبعمائة نقم على قريبه الرئيس أبي الحجاج بن نصر الوالي بمدينة وادي آش أمرًا أوجب عزله عنها وكان مقيمًا بحضرته فاتخذ الليل جملا وكان أملك بأمرها وذاع الخبر فاستركب الجيش وقد حد ما ينزل في استصلابه وجدد الصكوك بولايته خوفًا من اشتعال الفتنة وقد أخذ على يديه وأغرى أهل المدينة بحربه فتداعوا لحين شعورهم باستعداده وأحاطوا به فدهموه وعاجلوه فتغلبوا عليه وقيد إلى بابه أسيرًا مصفدًا فأمر أحد أبناء عمه فقتله صبرًا وتملا فتحًا كبيرًا وأمن فتنة عظيمة وفي شهر شوال من عام خمسة وسبعمائة قرع الأسماع النبأ العظم الغريب من تملك سبتة وحصولها في قبضته وانتزاعها من يد رئيسها أبي طالب عبد الله بن أبي القاسم الرئيس الفقيه ابن الإمام المحدث أبي العباس العزمي حسبما يتقرر في اسم الرئيس الفقيه أبي طالب إن بلغنا الله ذلك واستأصل ما كان لأهلها من الذخائر والأموال ونقل رؤساءها وهم عدة إلى حضرته غرناطة في غرة المحرم من العام فدخلوا عليه وقد احتفل بالملك واستركب في الأبهة الجند فلثموا أطرافه واستعطفه شعراؤهم بالمنظوم من القول وخطباؤهم بالمنثور منه فطمأن روعهم وسكن جأشهم وأسكنهم في جواره وأجرى عليهم الأرزاق الهلالية وتفقدهم في الفصول إلى أن كان من أمرهم ما هو معلوم.
اختلاعه في يوم عيد الفطر من عام ثمانية وسبعمائة أحيط بهذا السلطان وأتت الحيلة عليه وهو مصاب بعينيه مقعدٌ في كنه فداخلت طائفة من وجوه الدولة أخاه وفتكت بوزيره الفقيه أبي عبد الله بن الحكيم ونصبت للناس الأمير أبا الجيوش نصرًا أخاه وكبست منزل السلطان فأحيط به وجعل الحرس عليه وتسومع بالكائنة فكان البهت وسال من الغوغاء البحر فتعلقوا بالحمراء يسألون عن الحادثة فشغلوا بانتهاب دار الوزير وبها من مال الله ما يفوت الوصف وكان الفجع في إضاعته على المسلمين وإطلاق الأيدي الخبيثة عليه عظيمًا وفي آخر اليوم عند الفراغ من الأمر دخل على السلطان المخلوع الشهداء عليه بخلعه بعد نقله من دار ملكه إلى دار أخرى فأملى رحمه الله زعموا وثقية خلعه مع شغب الفكر وعظم الداهية وانتقل رحمه الله بعد إلى القصر المنسوب إلى السيد بخارج الحضرة أقام به يسيرًا ثم نقل إلى مدينة المنكب وكان من أمره ما يذكر إن شاء الله.
ومما يؤثر من ظرفه حدث من كان منوطًا به من خاصته مدة أيام إقامته بقصر نجد قبل خلعه قال: أرسل الله الأغربة على سقف القصر وكان شديد التطير والقلق لذلك حسبما تقدم من الإشارة إلى ذلك بحديث العشر وكان من جملتها غرابٌ شديد الإلحاح حاد النعيب والصياح فأغرى به الرماة من مماليكه بأنواع القسى فأبادوا من الغربان أمة وتخطأ الحتف ذلك الغراب الخبيث العبقان فلما انتقل إلى سكنى الحمراء ظهر ذلك الغراب على سقفه ثم لما أهبط مخلوعًا إلى قصر شنيل تبعه وقام في بعض السقف أمامه فقال يخاطبه رحمه الله: يا مشئوم يا محروم بين الغربان قد خلصت أمرنا ولم يبق لك علينا طلب ولا بيننا وبينك كلام إرجع إلى هؤلاء المحارم فاشتغل بهم قال فأضحكنا على حال الكآبة بعذوبة منطقه وخفة روحه.
وفاته قد تقدم ذكر استقراره بالمنكب وفي أخريات شهر جمادى الآخرة عام عشرة وسبعمائة أصابت السلطان نصرًا سكتةٌ توقع منها موته بل شك في حياته فوقع التفاوض الذي تمحض إلى التوجيه عن السلطان المخلوع الذي بالمنكب ليعود إلى الأمر فكان ذلك وأسرع إلى إيصاله إلى غرناطة في محفة فكان حلوله بها في رجب من العام المذكور.
وكان من قدر الله أن أفاق أخوه من مرضه ولم يتم للمخلوع الأمر فنقل من الدار التي كان بها إلى دار أخيه الكبرى فكان آخر العهد به.
ثم شاعت وفاته أوائل شوال من العام المذكور فذكر أنه اغتيل غريقًا في البركة في الدار المذكورة لما توقع من عادية جواره ودفن بمقبرة السبيكة مدفن قومه بجوار الغالب هذا قبر السلطان الفاضل الإمام العادل علم الأتقياء أحد الملوك الصلحاء المخبت الأواه المجاهد في سبيل الله الرضي الأورع الأخشى الله الأخشع المراقب في السر والإعلان المعمور الجنان بذكره واللسان السالك في سياسة الخلق وإقامة الحق منهاج التقوى والرضوان كافل الأمة بالرأفة والحنان الفاتح لها بفضل سيرته وصدق سريرته ونور بصيرته أبواب اليمن والأمان المنيب الأواب العامل ما يجده نورًا مبينًا يوم الحساب ذي الآثار السنية والأعمال الطاهرة القائم في جهاد الكفار بماضي العزم وخلص النية المقيم قسطاس العدل المنير منهاج الحلم والفضل حامي الذمار وناصر دين المصطفى المختار المقتدي بأجداده الأنصار المتوسل بفضل ما أسلفوه من أعمال البر والجهاد ورعاية العباد والبلاد إلى الملك القهار أمير المسلمين وقامع المعتدين المنصور بفضل الله أبي عبد الله ابن أمير المسلمين الغالب بالله السلطان الأعلى إمام الهدى وغمام الندى محيي السنة حسن الأمة المجاهد في سبيل الله الناصر لدين الله أبي عبد الله ابن أمير المسلمين الغالب بالله أبي عبد الله بن يوسف بن نصر كرم الله وجهه ومثواه ونعمه برضاه.
ولد رضي الله عنه يوم الأربعاء الثالث لشعبان المكرم من عام خمسة وخمسين وستمائة.
وتوفي قدس الله روحه وبرد ضريحه ضحوة يوم الإثنين الثالث لشوال عام ثلاثة عشر وسبعمائة رفعه الله إلى منازل أوليائه الأبرار وألحقه بأئمة ومن الجانب الآخر: رضي الملك الأعلى يروح ويغتدي على قبر مولانا الإمام المؤيد مقر العلى والملك والبأس والندى فقدس من مغنى كريم ومشهد ومثوى الهدى والفضل والعدل والتقي فبورك من مثوى زكي وملحد فيا عجبًا طود الوقار جلالة ثوى تحت أطباق الصفيح المنضد وواسطة العقد الكريم الذي له مآثر فخرٍ بين مثنى وموحد محمد الرضى سليل محمد إمام الندى نجل الإمام محمد فيا نخبة الأملاك غير منازعٍ ويا علم الأعلام غير مفند بكتك بلادٌ كنت تحمي ذمارها بعزمٍ أصيلٍ أو برأي مسدد وكم معلم للدين أوضحت رسمه بني لك في الفردوس أرفع مصعد كأنك ما سست البلاد وأهلها بسيرة ميمون النقيبة مهتد كأنك ما قدت الجيوش إلى العدا فصيرتهم نهب القنا المتقصد كأنك ما احييت للخلق سنة تجادل عنها باللسان وباليد كأنك ما أمضيت في الله عزمة تدافع فيها بالحسام المهند فإن تجهل الدنيا عليك وأهلها بذاك ثوب الله يلقاك في غد تعوضت ذخرًا من مقام خلافة مقيمٍ منيبٍ خاشع متعبد وكل الورى من كان أو هو كائنٌ صريع الردى إن يكن فكأن قد فلا زال جارًا للرسول محمد بدار نعيمٍ في رضى الله سرمد وهذي القوافي قد وفيت بنظمها فيا ليت شعري هل يصيخ لمنشد محمد بن نصر الأنصاري الخزرجي محمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد بن خميس بن نصر الأنصاري الخزرجي ثاني الملوك الغالبين من بني نصر وأساس أمرهم وفحل جماعتهم أوليته تقرر بحول الله في اسم أبيه الآتي بعد حسب الترتيب المشترط.
حاله من كتاب طرفة العصر من تأليفنا كان هذا السلطان أوحد الملوك جلالة وصرامة وحزمًا.
مهد الدولة ووضع ألقاب خدمتها وقرر مراتبها واستجاد أبطالها وأقام رسوم الملك فيها واستدر جباياتها مستظهرًا على ذلك بسعة الذرع وأصالة السياسة ورصانة العقل وشدة الأسر ووفور الدهاء وطول الحنكة وتملؤ التجربة مليح الصورة تام الخلق بعيد الهمة كريم الخلق كثير الأناة.
قام بالأمر بعد أبيه وباشره مباشرة الوزير أيام حياته فجرى على سنن أبيه من اصطناع أجناسه ومداراة عدوه وأجرى صدقاته وأربى عليه بخلال منها براعة الخط وحسن التوقيع وإيثار العلماء والأطباء والعدلين والحكماء والكتاب والشعراء وقرض الأبيات الحسنة وكثرة الملح وحرارة النادرة.
وطما بحرٌ من الفتنة لأول استقرار أمره وكثر عليه المنتزون والثوار وارتجت الأندلس وسط أكلب الكفار فصبر لزلزالها رابط الجأش ثابت المركز وبذل من الاحتيال والدهاء المكنوفين بجميل الصبر ما أظفره بخلو الجو.
وطال عمره وجد صيته واشتهر في البلاد ذكره وعظمت غزواته وسيمر من ذكره ما يدل على أجل من ذلك إن شاء الله.
شعره وتوقيعه وقفت على كثير من شعره وهو نمطٌ منحط بالنسبة إلى أعلام الشعراء ومستظرفٌ من الملوك والأمراء.
من ذلك يخاطب وزيره: تذكر عزيز ليالٍ مضت وأعطاءنا المال بالراحتين وقد قصدتنا ملوك الجها ت ومالوا إلينا من العدوتين وإذا سأل السلم منا اللعي ن فلم يحظ إلى بخفي حنين وتوقيعه يشذ عن الإحصاء وبأيدي الناس إلى هذا العهد كثير من ذلك فمما كتب به على رقعة كان رافعها يسأل التصرف في بعض الشهادات ويلح عليها: وأطال الخط عند إلهي إشعارًا بالضراعة عند الدعاء والجد.
ويذكر أنه وقع بظهر رقعة اشتكى ضرر أحد الجند المنزلين في الدور ونبزه بالتعرض لزوجه: يخرج هذا النازل ولا يعوض بشيء من المنازل.
بنوه ثلاثة ولي عهده أبو عبد الله المتقدم الذكر وفرج المغتال أيام أخيه ونصر الأمير بعد أخيه.
بناته: أربع عقد لهن جمع أبرزهن إلى أزواجهن من قرابتهن تحت أحوال ملوكية ودنيا عريضة وهن: فاطمة ومؤمنة وشمس وعائشة.
وفاطمة منهن أم حفيده إسماعيل الذي ابتز ملك بنيه عام ثلاثة عشر وسبعمائة.
وزيره كان وزيره الوزير الجليل الفاضل أبو سلطان لتقارب الشبه زعموا في السن والصورة وفضل الذات ومتانة الدين وصحة الطبع وجمال الرواء أغنى وحسنت واسطته ورفعت إليه الوسائل وطرزت باسمه الأوضاع واتصلت إلى أيامه أيام مستوزره ثم صدرًا من أيام ولي عهده.
ولي له خطة الكتابة والرياسة العليا في الإنشاء جملةٌ منهم كاتب أبيه أبو بكر ابن أبي عمرو اللوشي ثم الأخوان أبو علي الحسن والحسين إبنا محمد بن يوسف ابن سعيد اللوشي سبق الحسن وتلاه الحسين وكانا توأمين ووفاتهما متقاربة ثم كتب له الفقيه أبو القاسم محمد بن محمد بن العابد الأنصاري آخر الشيوخ وبقية الصدور والأدباء أقام كاتبًا مدة إلى أن أبرمه انحطاطه في هوى نفسه وإيثاره المعاقرة حتى زعموا أنه قاء ذات يوم بين يديه.
فأخره عن الرتبة وأقامة في عداد كتابه إلى أن توفي تحت رفده.
وتولى الكتابة الوزير أبو عبد الله بن الحكيم فاضطلع بها إلى آخر دولته.
قضاته تولي له خطة القضاء قاضي أبيه الفقيه العدل أبو بكر بن محمد بن فتح الإشبيلي الملقب بالأشبرون.
تولى قبل ذلك خطة السوق فلقي سكران أفرط في قحته واشتد في عربدته وحمل على الناس فأفرجوا عنه فاعترضه واشتد عليه حتى تمكن منه بنفسه واستنصر في حده وبالغ في نكاله واشتهر ذلك عنه فجمع له أمر الشرطة وخطة السوق ثم ولي القضاء فذهب أقصى مذاهب الصرامة إلى أن هلك فولي خطة القضاء بعده الفقيه العدل أبو عبد الله محمد بن هشام من أهل ألش لحكاية غبطت السلطان بدينه ودلته على محله من العدل والفضل فاتصلت أيام قضائه إلى أيام مستقضية رحمه الله.
جهاده: وباشر هذا السلطان الوقائع فانجلت ظلماتها عن صبح نصره وطرزت مواقعها بطراز جلادته وصبره فمنها وقيعة المطران وغيرها مما يضيق التأليف عن استقصائه.
وفي شهر المحرم من عام خمسة وتسعين وستمائة على تفئة هلاك طاغية الروم شانجه بن أدفونش عاجل الكفار لحين دهشهم فحشد أهل الأندلس واستنفر المسلمين فاغتنم الداعية وتحرك في جيش يجر الشوك والشجر ونازل مدينة قيجاطة وأخذ بكظمها ففتحها الله على يديه وتملك بسببها جملة من الحصون التي ترجع إليها وكان الفتح في ذلك عظيما وأسكنها جيشًا من المسلمين وطائفة من الحامية فأشرقت العدو بريقه.
وفي صائفة عام تسعة وتسعين وستمائة نازل مدينة القبذاق فدخل جفنها واعتصم من تأخر أجله بقصبتها ذات القاهرة العظيمة الشأن الشهيرة في البلدان فأحيط بهم فخذلوا وزلزل الله أقدامهم فألقوا باليد وكانوا أمنع من عقاب الجو وتملكها على حكمه وهي من جلالة الوضع وشهرة المنعة وخصب الساحة وطيب الماء والوصل إلى أفلاذ الكفر والاطلاع على عوراته بحيث شهر.
فكان تيسر فتحها من غرائب الوجود وشواهد اللطف وذلك في صلاة الظهر من يوم الأحد الثامن لشهر شوال عام تسعة وتسعين وستمائة وأسكن بها رابطة المسلمين وباشر العمل في خندقها بيده رحمه الله فتساقط الناس من ظهور دوابهم إلى العمل فتم ما أريد منه سريعًا.
وأنشدني شيخنا أبو الحسن الجياب بهنئه بهذا الفتح: عدوك مقهورٌ وحزبك غالب وأمرك منصور وسهمك صائب وشخصك مهما لاح للخلق أذعنت لهيبته عج الورى والأعارب وهي طويلة.
من كان على عهده من الملوك.
كان على عهده بالمغرب السلطان الجليل أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق الملقب بالمنصور وكان ملكًا صالحًا ظاهر السذاجة سليم الصدر مخفوض الجناح شارعًا أبواب الدالة عليه منهم أشبه بالشيوخ منه بالملوك في إخمال اللفظ والإغضاء عن الجفوة والنداء بالكنية.
وهو الذي استولى على ملك الموحدين واجتث شجرتهم من فوق الأرض وورث سلطانهم واجتاز إلى الأندلس كما تقدم مرات ثلاث أو أزيد منها وغزا العدو وجرت بينه وبين السلطان المترجم به أمور من سلم ومنقاضة وإعتاب وعتب حسبما تدل على ذلك القصائد الشهيرة المتداولة وأولها ما كتب به على عهده الفقيه الكاتب الصدر أبو عمرو بن المرابط في هل من معيني في الهوى أو منجدي من متهم في الأرض أو منجد وتوفي السلطان المذكور بالجزيرة الخضراء في عنفوان وحشة بينه وبين هذا السلطان في محرم خمسة وثمانين وستمائة وولي بعده ولده العظيم الهمة القوي العزيمة أبو يعقوب يوسف وجاز إلى الأندلس على عهده واجتمع به بظاهر مربلة وتجدد العهد وتأكد الود ثم عادت الوحشة المفضية إلى تغلب العدو على مدينة طريف فرضة المجاز الأدنى واستمرت أيام السلطان أبي يعقوب إلى آخر مدة السلطان المترجم به ومدة ولده بعده.
وبوطن تلمسان أبو يحيى يغمور وهو يغمر اسن بن زيان بن ثابت بن محمد ابن بندوسن بن طاع الله بن علي بن يمل وهو أوحد اهل زمانه جرأة وشهامة ودهاء وجزالة وحزمًا.
مواقفه في الحروب شهيرة وكانت بينه وبين بني مرين وقائع كان عليه فيها الظهور وربما ندرت الممانعة وعلى ذلك فقوى الشكيمة ظاهر المنعة.
ثم ولي بعده ولده عثمان إلى تمام مدة السلطان المترجم به وبعضًا من دولة ولده.
وبوطن إفريقية الأمير الخليفة أبو عبد الله بن أبي زكريا بن أبي حفص الملقب بالمستنصر المثل المضروب في البأس والأنفة وعظم الجبروت وبعد الصيت إلى أن هلك سنة أربعة وسبعين وستمائة ثم ولده الواثق بعده ثم الأمير أبو إسحاق وقد تقدم ذكره.
ثم كانت دولة الدعي ابن أبي عمارة المتوثب على ملكهم ثم دولة أبي حفص مستنقذها من يده وهو عمر بن أبي زكريا ابن عبد الواحد ثم السلطان الخليفة الفاضل الميمون النقيبة أبو عبد الله محمد بن الواثق يحيى بن المستنصر أبي عبد الله بن الأمير زكريا.
وبوطن النصارى بقشتالة ألفنش بن هراندة إلى أن ثار عليه ولده شانجه واقتضت الحال إجازة سلطان المغرب واستجار به وكان من لقائه بأحواز الصخرة من كورة تاكرنا ما هو معلوم.
ثم ملك بعده ولده شانجه واتصلت ولايته مدة أيام السلطان وجرت بينهما خطوب إلى أن هلك عام أربع وسبعين وستمائة.
وولي بعده ولده هراندة سبعة عشر عامًا وصار الملك إليه وهو صبيٌ صغير فتنفس مخنق أهل الأندلس وغزا سلطانهم وظهر إلى آخر مدته.
وبرغون ألفنش بن جايمش بن بطره بن جايمش المستولى على بلنسية ثم هلك وولي بعده جايمش ولده وهو الذي نازل مدينة ألمرية على عهد نصرٍ ولده واستمرت أيام حياته إلى آخر مدته.
وكان لا نظير له في الدهاء والحزم والقوة.
من الأحداث في أيامه على عهده تفاقم الشر وأعيا داء الفتنة ولقحت حرب الرؤساء الأصهار من بني إشقيلولة فمن دونهم وطنب سرادق الخلاف وأصاب الأسر وفحول الثروة الرؤساء فكان بوادي آش الرئيسان أبو محمد وأبو الحسن وبمالقة وقمارش الرئيس أبو محمد عبد الله وبقمارش: رئيس آخر هو الرئيس أبو إسحاق فأما الرئيس أبو محمد فهلك وقام بأمره بمالقة ولده وابن أخت السلطان المترجم به.
ثم خرج عنها في سبيل الانحراف والمنابذة إلى ملك المغرب ثم تصير أمرها إلى السلطان على يد واليها من بني علي.
وأما الرئيسان فصابرا المضايقة وعزمًا على النطاق والمقاطعة بوادي آش زمانًا طويلًا.
وكان آخر أمرهما الخروج عن وادي آش إلى ملك المغرب: معوضين بقصر كتامة حسبما يذكر في أسمائهم.
إن بلغنا الله إليه.
في أيامه كان جواز السلطان المجاهد أبي يوسف يعقوب بن عبدالحق إلى الأندلس مغازيًا ومجاهدًا في سبيل الله.
في أوائل عام اثنين وسبعين وستمائة وقد فسد ما بين سلطان النصارى وبين ابنه واغتنم المسلمون الغرة واستدعى سلطان المغرب إلى الجواز ولحق به السلطان المترجم به وجمع مجلسه بين المنتزين عليه وبينه وأجلت الحال عن وحشة وقضيت الغزاة وآب السلطان إلى مستقره.
وفي العام بعده كان إيقاع السلطان ملك المغرب بالزعيم ذنوبه واستئصال شأفته وحصد شوكته.
ثم عبر البحر ثانية بعد رجوعه إلى العدوة واحتل بمدينة طريف في أوائل ربيع الأول عام سبعة وسبعين وستمائة ونازل إشبيلية وكان اجتماع السلطانين بظاهر قرطبة فاتصلت اليد وصلحت الضمائر ثم لم تلبث الحال أن استحالت إلى فساد فاستولى ملك المغرب على مالقة بخروج المنتزي بها إليه إلى يوم الأربعاء التاسع والعشرين لرمضان عام سبعة وسبعين وستمائة.
ثم رجعت إلى ملك الأندلس بمداخلة من كانت بيده ولنظره حسبما يأتي بعد إن شاء الله.
وعلى عهده نازل طاغية الروم الجزيرة الخضراء وأخذ بمخنقها وأشرف على افتتاحها فدافع الله عنها ونفس حصارها وأجاز الروم بحرها على يد الفئة القليلة من المسلمين فعظم المنح وأسفر الليل وانجلت الشدة في وسط ربيع الأول من عام ثمانية وسبعة وسبعين وستمائة.
مولده بغرناطة عام ثلاثة وثلاثين وستمائة وأيام دولته ثلاثون سنة وشهر واحد وستة أيام.
وفاته من كتاب طرفة العصر من تأليفنا في التاريخ قال واستمرت الحال إلى أحد وسبعمائة فكانت في ليلة الأحد الثامن من شهر شعبان في صلاة العصر وكان السلطان رحمه الله في مصلاه متوجهًا إلى القبلة لأداء فريضته على أتم ما يكون عليه المسلم من الخشية والتأهب زعموا أن شرقًا كان يعتاده لمادة كانت تنزل من دماغه وقد رجمت الظنون في غير ذلك لتناول عشية يومه كعكا اتخذت له بدار ولي عهده والله أعلم بحقيقة ذلك.
ودفن منفردًا عن مدفن سلفه شرقي المسجد الأعظم في الجنان المتصل بداره ثم ثني بحافده السلطان أبي الوليد وعزز بثالث كريم من سلالته وهو السلطان أبو الحجاج ابن أبي الوليد تغمد الله جميعهم برحمته وشملهم بواسع مغفرته وفضله.
الجزء الثاني
محمد بن يوسف بن قصر الخزرجي محمد بن يوسف بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن فرج بن يوسف بن قصر الخزرجي أمير المسلمين لهذا العهد بالأندلس صدر الصدور وعلم الأعلام وخليفة الله وعماد الإسلام وقدوة هذا البيت الأصيل ونير هذا البيت الكريم ولباب هذا المجد العظيم ومعنى الكمال وصورة الفضل وعنوان السعد وطاير اليمن ومحول الصنع الذي لا تبلغ الأوصاف مداه ولا توفى العبارة حقه ولا يجري النظم والنثر في ميدان ثنايه ولا تنتهي المدائح إلى عليائه.
أوليته أشهر من إمتاع الضحى مستولية على المدا بالغلة بالسعة بالانتساب إلى سعد بن عبادة عنان السماء مبتجحة في جهاد العدا بحالة من ملك جزيرة الأندلس وحسبك بها وهي بها في أسنى المزاين والحلى وقدمًا فيه بحسب لمن سمع ورأى.
حاله هذا السلطان أيمن أهل بيته نقيبة وأسعدهم ميلادًا وولاية قد جمع الله له بين حسن الصورة واستقامة البنية واعتدال الخلق وصحة الفكر وثقوب الذهن ونفوذ الإدراك.
ولطافة المسايل وحسن التأني وجمع له من الظرف ما لم يجمع لغيره إلى الحلم والأناة اللذين يحبهما الله وسلامة الصدر التي هي من علامة الإيمان ورقة الحاشية وسرعة العبرة والتبرين في ميدان الطهارة والعفة إلى ضخامة التنجد واستجادة الآلات والكلف بالجهاد وثبات القدم وقوة الجأشئ ِ ومشهور البسالة وإيثار الرفق وتوخي السداد ونجح المحاولة.
زاده الله من فضله وأبقى أمره في ولده وأمتع المسلمين بعمره.
ساق الله إليه الملك طواعية واختيارًا إثر صلاة عيد الفطر على بغتة وفاة المقدس أبيه من عام خمسة وخمسين وسبعمائة لمخايل الخير ومزية السن ومظنة البركة وهو يافع قريب العهد بالمراهقة فأنبته الله النبات الحسن وسدل به الستر وسوغ العافية وهنأ العيش فلم تشح في مدته السماء ولا كلب الأعداء ولا تبدلت الألقاب ولا عونيت الشدائد ولا عرف الخوف ولا فورق الخصب إلى أن كانت عليه الحادثة ونابه التمحيص الذي أكسبه الحنكة وأفاده العبرة فشهد بعناية الله في كف الأيدي العادية وأخطأ ألم السهام الراشقة وتخييب الآمال المكايدة وانسدال أروقة الستر والعصمة ثم العودة الذي عرف الإسلام بدار الإسلام قدرها وتملأ عزها ورجح وزنها كما اختبر ضدها فرصة الملك وشاع العدل وبعد الصيت وانتشر الذكر وفاض الخير وغزر القطر فظهرت البركات وتوالت الفتوح وتخلدت الآثار.
وسيرد من بيان هذه الجمل ما يسعه الترتيب بحول الله.
ترتيب دولته الأولى إذ هو ذو دولتين ومسوغ ولايتين عززهما الله بملك الآخرة بعد العمر الذي يملأ صحايف البر ويخلد حسن الذكر ويعرف إلى الوسيلة ويرفع في الرفيق الأعلى الدرجة عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون.
وزراؤه وحجابه أنتدب إلى النيابة عنه والتشمير إلى الحجابة ببابه الشيخ القايد المعتمد بالتجلة المتحول من الخدام النبهاء المتسود الأبوة المخصوص بالفدح المعلى من المزية المسلم له في خصوصية الملك والتربية ظهير العلم والأدب وأمين الجد ومولى السلف ومفرغ الرأي إلى هذا العهد وعقد سفرة السلطان وبقية رجال الكمال من مشيخة المماليك وخيار الموالي أبا النعيم رضوان رحمه الله فحمد الكل وخلف السلطان وأبقى الرتب وحفظ الألقاب وبذل الإنصاف وأوسع السكنف واستدعى النصيحة ولم يأل جهدًا في حسن السيرة وتظاهر المحض وأفردني بالمزية وعاملني بما يرتد عنه جسر أطرف الموالاة والصحبة ووفى لي الكيل الذي لا يقتضيه السن والقربة من الاشتراك في الرتبة والتزحزح عن الهضبة والاختصاص باسم الوزارة على المشهر والغيبة والمحافظة على التشيع والقدمة بلغ في ذلك أقصى الغايات.
مدارج التخلق المأثور عن الجلة والتودد إلى المرة بعد المرة واختصصت بفوت المدة بالسلطان فكنت المنفرد بسره دونه ومفضي همه وشفاء نفسه فيما ينكره من فتنة تقع في سيرته أو تصير توجيه السذاجة في معاملاته وصلاح ما يتغير عليه من قلبه إلى أن لحق بربه.
شيخ الغزاة ورئيس الجند الغربي لأول أمره أقر على الغزاة شيخهم على عهد أبيه أبا زكريا يحيى بن عمر بن رحو بن عبد الله بن عبد الحق مطمح الطواف وموفي الاختيار ولباب القوم وبقية السلف.
حزمًا ودهاء وتجربة وحنكة وجدًا وإدراكًا ناهيك من رجل فذ المنازع غريبها مستحق التقديم شجاعة وأصالة ورأيًا ومباحثة نسابة قبيله وأضحى قسهم وكسرى ساستهم إلى لطف السجية وحسن التأني لغرض السلطان وطرق التنزل للحاجات ورقة غزل الشفاعات.
وإمتاع المجلس وثقوب الذهن والفهم وحسن الهيئة.
وزاده خصوصية ملازمته مجلس الرفاع المعروضة.
والرسل الواردة.
وسيأتي ذكره في موضعه بحول الله تعالى.
قمت لأول الأمر بين يديه بالوظيفة التي أسندها إلي أبوه المولى المقدس رحمه الله من الوقوف على رأسه والإمساك في التهاني والمبايعة بيده.
والكتابة والإنشاء والعرض والجواب.
والخلعة والمجالسة جامعًا بين خدمة القلم ولقب الوزارة معزز الخطط برسم القيادة مخصوصًا بالنيابة عنه في الغيبة على كل ما اشتمل عليه سور القلعة والحضرة مطلق أمور الإيالة محكمًا في أشتاته تحيكم الأمانة مطلق الجراية ظاهر الجاه والنعمة.
ثم تضاعف العز وتأكد الرعي وتمحض القرب فنقلني من جلسة المواجهة إلى صف الوزارة وعاملني بما لا مزيد عليه من العناية وأحلني المحل الذي لا فوقه في الخصوصية كافأ الله فضله وشكر رعيه وأعلى محله عنده.
وأصدر لي هذا الظهير لثاني يوم ولايته: هذا ظهير كريم صفي شربه.
وسفرني في الرسالة عنه إلى السلطان الخليفة الإمام ملك المغرب وما إليه من البلاد الإفريقية أبي عنان حسبما يأتي ذكره.
ثم أعفاني في هذه المدة الأولى عن كثير من الخدمة ونوه بي عن مباشرة العرض بين يديه بالجملة فاخترت للكل والبدلة وما صان عنه في سبيل التجلة وإن كان منتهي أطوار الرفعة الفقيه أبا محمد بن عطية مستنزلًا عن قضاه وادي آش وخطابتها فكان يتولى ما يكتب بنظري وراجعًا لحكمى ومترددًا لبالي مكفي المؤنة في سبيل الحمل الكلي إلى وقوع الحادثة قضاته حدد أحكام القضاء والخطابة لقاضي أبيه الشيخ الأستاذ الشريف نسيج وحده وفريد دهره إغرابًا في الوقار وحسن السمت وأصالة البيت وتبحرًا في علوم اللسان وإجهازًا في فصل القضايا وانفرادًا ببلاغة الخطبة وسبقًا في ميدان الدهاء والرجاحة أبي القاسم محمد بن أحمد بن محمد الحسني الجانح إلى الإيالة النصرية من مدينة سبتة.
وسيأتي التعريف به في مكانه إن شاء الله.
وتوفي رحمه الله بين يدي حدوث الحادثة فأرجئ الأمر بمكانه إلى قدوم متلفق الكرة ومتعاور تلك الخطة الشيخ الفقيه القاضي أبي البركات قاضي أبيه.
ووليها الأحق بها بعده إذ كان غايبًا في السفارة عنه فوقع التمحيص قبل إبرام الأمر على حال الإستنابة.
الملوك على عهده وأولهم بالمغرب السلطان الإمام أمير المسلمين أبو عنان ابن أمير المسلمين أبي الحسن بن أمير المسلمين أبي سعيد بن أمير المسلمين أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق البعيد الشأو في ميدان السعادة والمصمى أغراض السداد ومعظم الظفر ومخول الموهبة المستولي على آماد الكمال عقلًا وفضلًا وأبهةً ورواءًا وخطًا وبلاغة وحفظًا وذكاء وفهمًا وأقدامًا تغمده الله برحمته بعثني إلى بابه رسولًا على إثر بيعته وتمام أمره وخاطبًا إثره ووده مسترفدًا من منحة قبوله فألفيت بشرًا مبذولا ورفدًا ممنوحًا وعزًا باذخًا يضيق الزمان عن جلالته وتقصر الألسنة عن كنه وصفه فكان دخولي عليه في الثامن والعشرين من شهر ذي قعدة عام خمسة وخمسين المذكور وأنشدته بين يدي المخاطبة ومضمن الرسالة: خليفة الله ساعد القدر علاك ما لاح في الدجا قمر فأحسب وكفى واحتفل واحتفى وأفضت بين يدي كرمته إلى الحضور معه في بعض المواضع المطلة على مورد وحب.
هاج به الخدام أسدًا أرود شئن الكفين مشعر اللبدة حتى مرق عن تابوت خشبي كان مسجونا به من بعد إقلاعه من بعض كواه وأثارته من خلقه واستشاط وتوقد بأسًا.
وجلب ثور عبل الشوى منتصب المروى يقدمه صوار من الجواميس فقربت الخطا وحميت الوغى وبلغ الزئير والجوار ما شاء في موقف من ميلاد الشيم العلي يخشى الجبان مقارعة العدا ويوطن نفسه الشجاع على ملاقة الردى وخار الأسد عن المبارزة لما بلغ منه ثقافًا عن رد المناوشة ومضطلعًا بأعباء المحاملة فتخطاه إلى طائفة من الرجالة أولى عدة وذوي دربة حمل نفسه متطارحًا كشهاب الرجم وسرك الدجا وأخذته رماحهم بإبادته بعد أن أردى بعضهم وجدل بين يدي السلطان متخبطا في دمه.
وعرض بعض الحاضرين وأغرى بالنظم في ذلك فأنشدته: وخصايص لله بث ضروبها في الخلق ساد لأجلها من سادا إن الفضايل في حماك بضايع لم تخش من بعد النفاق كسادا كان الهزبر محاربًا فجزيته بجزاء من في الأرض رام فسادا فابغ المزيد من آلايه بشكره وأرغم بما خولته الحسادا فستحسن تأتى القريحة وإمكان البديهة مع قيد الصفة وهيبة المجلس.
وكان الانصراف بأفضل ما عاد به سفير من واد أصيل وإمداد موهوب ومهاداة أثيرة وقطار مجنوب وصامت محمول وطعمة مسوغة.
وكان الوصول في وسط محرم من عام ست وخمسين وسبع ماية وقد نجح السعي وأثمر الجهد وصدقت المخيلة وقد تضمن رحلى الوجهة والأخرى قبلها جزء.
والحمد لله الذي له الحمد في الأولى والآخرة.
وتوفى زعموا بحيلة وقيل حتف أنفه لما نهكه المرض وشاع عنه الإرجاف وتنازع ببابه الوزراء وتسابق إلى بابه الأبناء.
وخاف مدبر أمره عايدة ملامته على توقع برئه وكان سيفه يسبق على سوطه والقبر أقرب إلى من تعرض لعتبه من سجنه فقضى موضع هذا السبيل خاتمة الملوك الجلة من أهل بيته.
جدد الملك وحفظ الرسوم وأجرى الألقاب وأغلظ العقاب وصير إيالته أضيق من الخد.
وأمد الأندلس وهزم الأضداد وخلد الآثار وبنى المدارس والزوايا واستجلب الأعلام.
وتحرك إلى تلمسان فاستضافها إلى إيالته ثم ألحق بها قسنطينة وبجاية وجهز أسطوله إلى تونس فدخلها وتملكها ثقاته في رمضان عام ثمانية وخمسين وسبعمائة واستمرت بها دعوته إلى ذي قعدة من العام رحمة الله عليه.
وكانت وفاته في الرابع عشر لذي حجة من عام تسع وخمسين وسبعمائة.
وصار الأمر إلى ولده المسمى بالسعيد المكنى بأبي بكر مختار وزيره ابن عمر الفدووي.
ورام ضبط الإيالة المشرقية فأعياه ذلك وبايع الجيش الموجه إليها منصور بن سليمان ولجأ الوزير وسلطانه إلى البلد الجديد مثوى الخلافة المرينية فكان أملك بها.
ونازله منصور بن سليمان ثم استفضى إليه أمر البلد لحزم الوزير وقوة شكيمته.
وغادر السلطان أبو سالم إبراهيم بن السلطان أبي الحسن أخو الهالك السلطان أبي عنان الأنلسي وقد كان استقر بها بإبعاد أخيه إياه عن المغرب كما تقدم في اسمه فطلع على الوطن الغربي بإعانة من ملك النصارى عانى فيها هولًا كثيرًا واستقر بآخرة بعد إخفاق شيعته المراكشيةِ بساحل طنجة مستدعي ممن بجبال غمارة ودخلت سبتة وطنجة في طاعته.
وفر الناس عن منصور بن سليمان ضربة لازب وتقبض عليه وعلى ابنه فقتلا صبرًا نفعهما الله.
وتملك السلطان أبو سالم المدينة البيضاء يوم الخميس عشر لشعبان عام ستين وسبعمائة بنزول الوزير وسلطانه عنها إليه.
ثم دالت الدولة.
وكان من لحاق السلطان برندة واستعانته على رد ملكه ما يأتي في محله والبقاء وبتلمسان السلطان أبو حمو موسى بن يوسف بن يحيى بن عبد الرحمن بن يغمراس بن زيان قريب العهد باسترجاعها لأول أيام السعيد.
وبتونس الأمير إبراهيم بن الأمير أبي بكر بن الأمير أبي حفص بن الأمير أبي بكر ين أبي حفص بن إبراهيم بن أبي زكريا يحيى بن عبد الواجد لنظر الشيخ رأس الدولة وبقية الفضلاء الشهير الذكر الشائع الفضل المعروف السياسة أبي محمد عبد الله بن أحمد بن تأفراقين.
تحت مضايقة من عرب الوطن.
ومن ملوك النصارى بقشتالة بطره بن ألهنشة بن هراندة بن شانجه بن ألفنش بن هراندة إلى الأربعين وهو كما اجتمع وجهه تولى الملك على أخريات أيام أبيه في محرم عام أحد وخمسين وسبعمائة.
وعقد معه سلم على بلاد المسلمين.
ثم استمر ذلك بعد وفاته في دولة ولداه المترجم به وغمرت الروم.
وألقت العصا وأغضت القضاء وأجالت على الكثير من الكبار الردى بما كان من إخافته ساير إخواته لأبيه من خاصته العجلة الغالبة على هواه فنبذوه على سوء بعد قتلهم أمهم وانتزوا عليه بأقطار غرسهم فيها أبوهم قبل موته بمرعية أمهم.
وسلك لأول أمره سيرة أبيه في عدوله عن عهوده بمكابيه لمنصبه إلى اختصاص عجلة أنف بحراه كبار قومه من أجل ضياع بذره وانقراض عقبه فمال الخوارج عليه ودبروا القبض عليه وتحصل في أنشوطة يقضي أمره بها إلى مطاولة عقله أو عاجل خلع لولا أنه أفلت وتخلص من شراراها.
فاضطره ذلك إلى صلة السلم وهو الآن بالحالة الموصوفة.
الأحداث في أيامه لم يحدث في أيامه حدث إلا العافية المسحة والهدنة المتصلة والأفراح المتجددة والأمنة المستحكمة والسلم المنعقدة.
وفي آخر جمادى عام ست وخمسين وسبعمائة لحق بجبل الفتح فشمم شعبته وأبر متبوته كان على ثغره العزيز على المسلمين من لدن افتتاحه الموسوم الخطة المخصوص بمزية تشييده عيسى بن الحسن بن أبي منديل بقية الشيوخ أولي الأصالة والدهاء والتزيي بزي الخير والمثل الساير في الانسلاخ من آية السعادة والإغراق في سوء العقبى.
والله غالب على أمره فكان أملك بمصامه وقر عينه بلقاء ولده والتمتع منه بجواد عتيق.
ملي من خلال السياسة أرداه سوء الحظ وشؤم النصبة وأظلم ما بينه وبين سلطانه مسوغه برداء العافية على تفه صغر وملبسه رداء العفة على قدح الأمور أبدى منها الخوف على ولده وعرض ديسم عزمه على ذوبان الجبل فاتحطوا في هواه وغروه بكاذب عصبة فأظهر الامتناع سادس ذي قعدة من العام المذكور واتصلت الأخبار وساءت الظنون وضاقت الصدور ونكست الرؤوس لتوقع الفاقرة بانسداد باب الصريخ.
وانبتات سبب النصرة.
وانبعاث طمع العدو واتحطت الأطماع في استرجاعه واستقالته لمكان حصانته وسمو الذروة ووفور العدة ووجود الطعمة وأخذه بتلاشي الفرصة.
ثم ردفت الأخبار بخروج جيشه صحبة ولده إلى منازلة أشتبونة وإخفاق أمله فيها.
وامتساك أهلها بالدعوة وانتصافهم من الطائفة العادية فبودر إليها من مالقة بالعدد.
وخوطب السلطان من ملك المغرب أيده الله بالجلية فتحققت المنابذة واستقرت الظنون.
وفي الخامس والعشرين من شهر ذي قعدة ثار به أهل الجبل وتبرأ منه أشياعه وخذلوه بالفرار فأخذت شعابه ونقابه فكر راجعًا أدراجه إلى القاعدة الكبيرة.
وقد أعجله الأمر وحملته الطمأنينة على إغفال الاستعداد بها.
وكوثر فألقى به وقد لحق به بعض الأساطيل بسبتة.
لداعي تسور توطي على إمارته فقيد هو وأبنه وخيض بهما البحر للحين: ولم ينتطح فيها عنزان رحمه الله سنام فئة ألقت بركها وأناخت بكلكلها وقد قدر أنها واقعة ليس لها من دون الله كاشفة فقد كان من بالجبل برموا على إيالة ذينك المرتسمين.
وألقوا أجوارها وأعطوهما الصفقة بما أطمعهما في الثورة ولكل أجل كتاب.
واحتمل إلى الباب السلطاني بمدينة فاس وبرز الناس إلى مباشرة إيصالهما مجلوبين في منصة الشهرة مرفوعين في هضبة المثلة.
ثم أمضى السلطان فيهما حكم الفساد بعد أيام الحرابة فقتل أشيخ بخارج باب السمارين من البلد الجديد.
بأيدي قرابته فكان كما قال الأول: وقطهن رجل الولد ويده.
بعد طول عمل وسوء تناول ولم ينشب أن استنفذه حمامه فأضحى عبرة في سرعة انقلاب حالهما من الأمور الحميدة حسن طلعة وذياع حمد وفضل شهرة.
واستفاضة خيرية ونباهة بيت وأصالة عز إلى ضد هذه الخلال وقانا الله مصارع السوء ولا سلب عنا جلباب الستر والعافية.
وسد السلطان ثغر الجبل بآخر من ولده اسمه السعيد وكنيته أبو بكر فلحق به في العشر الأول من المحرم من عام سبعة وخمسين وسبعمائة ورتب له بطانته وقدر له أمره وسوغه رزقًا رغدًا وعيشًا خفضًا.
وبادر السلطان المترجم له إلى توجيه رسوله قاضيًا حقه مقرر السرور بجواره وأتبع ذلك ما يليق من الحال من بر ومهاداة ونزل وتعقبت بعد أيام المكافآت فاستحكم الود وتحسنت الألفة إلى هذا العهد.
والله ولي توفيقهم ومسني الخير والخيرة على أيديهم.
الحادثة التي جرت عليه واستمرت أيامه كأحسن أيام الدول خفض عيش وتوالى خصب وشياع أمن إلا أن شيخ الدولة القايد أبا النعيم رحمه الله أضاع الحزم.
وإذا أراد الله إنفاذ قضايه وقدره سلب ذوي العقول عقولهم بما كان من أمنه جانب القصر الملزم دار سكناه من علية فيها أخو السلطان بتهاونه يحيل أمه المداخلة في تحويل الأمر إليه جملة من الأشرار دار أمرهم على زوج ابنتها اللائيس محمد بن إسماعيل بن فرج من القرابة الأخلاف وإبراهيم بن أبي الفتح.
والدليل الموروري.
وأمدته بالمال فداخل القوم جملة من فرسان القيود وعمرة السجون وقلاميد الأسوار.
وكانت تتردد إليه في سبيل زيارة بنتها الساكنة في عصمة هذا الخبيث المنزوع العصمة خارج القلعة حتى تم يوم الأربعاء الثامن والعشرين لرمضان من العام اجتمعوا وقد خفى أمرهم وقد تألفوا عددا يناهز الماية بالقوس الداخل من وادي هداره إلى البلد لصق الجناح الصاعد منه إلى الحمراء وكان بسورها ثلم لم يتم ما شرعوا فيه من إصلاحه فنصبوا سلمًا أعد لذلك وصعدوا منه.
ولما استوفوا قصدوا الباب المضاع المسلحة للثقة بما قبل فلما تجاوزوه أعلنوا بالصياح واستغلظوا بالتهويل.
وراعوا الناس بالاستكثار من مشاعل الخلفاء فقصدت طايفة منهم دار الشيخ القايد أبي النعيم فاقتحمته غلابًا وكسرت أبوابه وقتلته في مضجعه وبين أهله وولده وأنتهبت ما وجدت به.
وقصدت الأخرى دار الأمير الذي قامت بدعوته فاستنجزته واستولت على الأمر.
وكان السلطان متحولًا بأهله إلى سكني جنة العريف خارج القلعة فلما طرقه النبأ وقرعت سمعه الطبول سدده الله وساند أمره في حال الحيرة إلى امتطاء جواد كان مرتبطًا عنده في ثياب تبذله ومصاحبًا لأفراد من ناسه وطار على وجهه فلحق بوادي آش قبل سبوق نكبته وطرق مكانه بأثر ذلك فلم يلف فيه واتبع فاعيا المتبع.
ومن الغد استقام الأمر لأولي الثورة واستكملوا لصاحبهم أمر البيعة وخاطبوا البلاد فألقت إلى صاحبهم أمر البيعة وخاطبوا البلاد فألقت إلى صاحبهم بالأزمة وأرسلوا إلى ملك النصارى في عقد الصلح.
وشرعوا في منازلة وادي أش بعد أنثبت أهلها مع المعتصم بها فلازمته المحلات وولي عليه التضييق.
وخيف فوات البدر ونفاد القوة فشرع السلطان في النظر نفسه وخاطب السلطان أبا سالم ملك المغرب في شأن القدوم عليه فتلقاه بالقبول وبعث من يمهد الحيث في شأنه فتم ذلك ثاني يوم عيد النحر من العام.
وكنت عند الحادثة على السلطان ساكنًا بجننتي المنسوبة إلي من الحضرة منتقلًا إليها بجملتي عادة المترفين إذ ذاك من مثلي فتخطائى الحتف ونالتني النكبة فاستأصلت النعمة العريضة والجدة الشهيرة فما ابتقت طارفًا ولا تليدًا ولا ذرت قديمًا ولا حديثًا والحمد لله مخفف الحساب وموقظ أولي الألباب ولطف الله بأن تعطف السلطان بالمغرب إلى شفاعة بي بخطه وجعل أمري من فصول قصده.
ففكت عني أصابع الأعداء واستخلصت من أنيابهم ولحقت بالسلطان بوادي آش.
فذهب البأس واجتمع الشمل.
وكان رحيل الجميع ثاني عيد النحر المذكور فكان النزول بفحص ألفنت ثم الانتقال إلى لوشة ثم إلى أنتقيه ثم إلى ذكوان ثم إلى مربلة يضم أهل كل محل من هذه مأتمًا للحسرة ومناحة للفرقة.
وكان ركوب البحر صحوة الرابع والعشرين من الشهر والاستقرار بمدينة سبتة وكفى بالسلامة غنما والأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين.
وكان الرحيل إلى باب السلطان تحت بر لا تسعه العبارة ولقاؤنا إياه بظاهر البلد الجديد لإلمام ألم عاقه عن الإصحار والتغني على البعد يوم الخميس السادس لمحرم من عام أحد وستين بعده.
في مركب هايل واحتفال رايع رايق فعورض فيه النزول عن الصهوات والبر اللايق بمناصب الملوك والوصول إلى الدار السلطانية والطعام الجامع للطبقات وشيوخ القبيل.
وقمت يومئذ فوق رأس السلطان وبين يدي مؤمله فأنشدته مغريًا بنصره كالوسيلة بقولي: سلا هل لديها من مخبرة ذكر وهل أعشب الوادي ونم به الزهر فهاج الامتعاض وسالت العبرات وكان يومًا مشهودًا وموقفًا مشهورًا طال به الحديث وعمرت به النوادي وتوزعتنا النزايل على الأمل شكر الله ذلك وكتبه لأهله يوم الافتقار إلى رحمته.
واستمرت الأيام ودالت الدولة للرئيس بالأندلس والسلطان تغلبه المواعيد وتونسه الآمال والأسباب تتوفر والبواعث تتأكد.
وإذا أراد الله أمرًا هيأ أسبابه واستقرت بي الدار بمدينة سلا مرابطًان مستمتعًا بالغيبة تحت نعمة كبيرة وإعفاء من التكليف.
وفي اليوم السابع لشوال من عام التاريخ قعد السلطان بقبة العرض بظاهر جنة المصارة لتشييعه بعد اتخاذ ما يصلح لذلك من آلة وحلية وقد برز الخلق لمشاهدة ذلك الموقف المسيل للدموع الباعث للرقة.
المتبع بالدعوات لما قذف الله في القلوب من الرحمة وصحبه به في التغرب من العناية فلم تنب عنه عين ولا حمل له موكب ولا تقلصت عنه هيبة ولا فارقته حشمة كان الله له في الدنيا الآخرة.
وأجاز واضطربت الأحوال.
بما كان من هلاك معينه السلطان أبي سالم وغدر الخبيث المؤتمن على قلعته به عمر بن عبد الله بن علي صعر الله حزبه وخلد خزيه وسقط في يده إلا أنه ثبتت في رندة من إيالة الأندلس الراجعة إلى إيالة المغرب قدمه فتعلل بها وارتاش بسببها إلى أن فتح الله عليه وسدد عزمه وأراه لما ضعفت الحيل صنعه فتحرك إلى بر مالقة وقد فغر عليها العدو فمه ثم أقبل على مالقة مستميتًا دونها فسهل الله الصعب وأنجح القصد واستولى عليها وأنثالت عليه لحيتها البلاد وبدا الريس المتوثب على الحضرة بعد أن استوعب الذخيرة والعدة في جملة ضخمة ممن خاف على نفسه لو وفى بذمة الغادر وعهده واستقر بنادي صاحب قشتالة فأخذه بجريرته وحكم الحيلة في جنايته وغدره وألحق به من شاركه في التسور من شيعته ووجه إلى السلطان بؤوسهم تبع رأسه.
وحث السلطان أسعده الله خطاه إلى الحضرة يتلقاه الناس مستبشرين وتتزاحم عليه أفواجهم مستقبلين مستغفرين وأحق الله الحق بكلماته وقطع دابر الكافرين.
وكان دخول السلطان دار ملكه وعوده إلى أريكة سلطانه وحلوله بمجلس أبيه وجده زوال يوم السبت الموفي عشرين لجمادى الثانية من عام ثلاثة وستين وسبعمائة وجعلنا الله من هم الدنيا على حذر وألهمنا لما يخلص عنده من قول وعمل.
وتخلف الأمير وولده بكره أسعده الله بمدينة فاس فيمن معه من جملة وخلفه من حاشية.
ولد المستولي على ملك المغرب في إمساكه إلى أن يسترجع رندة في معارضة هدفه.
ثم إن الله جمع لأبيه بجمع شمله وتمم المقاصد بما عمه من سعده.
وكان وصولي إليه معه في محمل اليمن والعافية وعلى كسر التيسير من الله والعناية يوم السبت الموفي عشرين شعبان عام ثلاثة وستين وسبعمائة.
ترتيب الدولة الثانية السعيدة الدور إلى بيعة الكور هنأ المسلمين ببركتها الوافرة ومزاياها المتكاثرة.
السلطان أيده الله قد مر ذكره ويسر الله من ذلك ما تيسر.