المكي والمدني
نزل القرآن على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مفرقا في خلال ثلاث وعشرين سنة، قضي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أكثرها بمكة، قال الله تعالى {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء: 106] ولذلك قسم العلماء رحمهم الله تعالى القرآن إلى قسمين: مكي ومدني:
فالمكي: ما نزل على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل هجرته إلى المدينة.
والمدني: ما نزل على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد هجرته إلى المدينة.
وعلى هذا فقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا} [المائدة: من الآية 3] من القسم المدني وإن كانت قد نزلت على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حجة الوداع بعرفة، ففي الصحيح البخاري [أخرجه البخاري كتاب الإيمان باب زيادة الإيمان ونقصانه حديث رقم (45) ومسلم كتاب التفسير باب في تفسير آيات متفرقة حديث رقم ( 3015) .
] عن عمر رضي الله عنه أنه قال: قد عرفنا ذلك اليوم، والمكان الذي نزلت فيه على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نزلت وهو قائم بعرفة يوم جمعة.
ويتميز القسم المكي عن المدني من حيث الأسلوب والموضوع:
أ- أما من حيث الأسلوب فهو:
1- الغالب في المكي قوة الأسلوب، وشدة الخطاب، لأن غالب المخاطبين معرضون مستكبرون، ولا يليق بهم إلا ذلك، أقرأ سورتي المدثر، والقمر.
أما المدني: فالغالب في أسلوبه البين، وسهولة الخطاب، لأن غالب المخاطبين مقبلون منقادون، أقرا سورة المائدة.
2- الغالب في المكي قصر الآيات، وقوة المحاجة، لأن غالب المخاطبين معادون مشاقون، فخوطبوا بما تقتضيه حالهم، أقرا سورة الطور.
أما المدني: فالغالب فيه طول الآيات، وذكر الأحكام، مرسلة بدون محاجة، لأن حالهم تقتضي ذلك، أقرأ الدين في سورة البقرة.
ب- وأما من حيث الموضوع فهو:
الغالب في المكي تقرير التوحيد والعقيدة السليمة، خصوصًا ما يتعلق بتوحيد الألوهية والإيمان بالبعث، لأن غالب المخاطبين ينكرون ذلك.
1- أما المدني: فالغالب فيه تفصيل العبادات والمعاملات، لأن المخاطبين قد تقرر في نفوسهم التوحيد والعقيدة السليمة، فهم في حاجة لتفصيل العبادات والمعاملات.
2- الإفاضة في ذكر الجهاد وأحكامه والمنافقين وأحوالهم في القسم المدني لاقتضاء الحال، ذلك حيث شرع الجهاد، وظهر النفاق بخلاف القسم المكي.
فوائد معرفة المدني والمكي:
معرفة المكي والمدني نوع من أنواع علوم القرآن المهمة، وذلك أن فيها فوائد منها:
1- ظهور بلاغة القرآن في أعلى مراتبها، حيث يخاطب كل قوم بما تقتضيه حالهم من قوة وشدة، أو لين وسهولة.
2- ظهور حكمه التشريع في أسمى غاياته حيث يتدرج شيئا فشيئًا بحسب الأهم على ما تقتضيه حال المخاطبين واستعدادهم للقبول والتنفيذ.
3- تربية الدعاة إلى الله تعالى، وتوجيههم إلى أن يتبعوا ما سلكه القرآن في الأسلوب والموضوع، من حيث المخاطبين، بحيث يبدأ بالأهم فالأهم، وستعمل الشدة في موضعها والسهولة في موضعها.
4- تمييز الناسخ من المنسوخ فيما لو وردت آيتان مكية ومدنية، يتحقق فيهما شروط النسخ، فإن المدنية ناسخة للمكية، لتأخر المدنية عنها.