سورة مريم
الآية رقم ( 1 )
{كهيعص }
{ كَهيعَص } الله أعلم بمراده بذلك .
الآية رقم ( 2 )
{ذكر رحمة ربك عبده زكريا }
هذا { ذكر رحمت ربك عبده } مفعول رحمة { زكريا } بيان له .
الآية رقم ( 3 )
{إذ نادى ربه نداء خفيا }
{ إذا } متعلق برحمة { نادى ربه نداءً } مشتملاً على دعاء { خفياً } سراً جوف الليل لأنه أسرع للإجابة .
الآية رقم ( 4 )
{قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا }
{ قال رب إني وهن } ضعف { العظم } جميعه { مني واشتعل الرأس } مني { شيباً } تمييز محوَّل عن الفاعل أي: انتشر الشيب في شعره كما ينتشر شعاع النار في الحطب وإني أريد أن أدعوك { ولم أكن بدعائك } أي: بدعائي إياك { ربّ شقياً } أي: خائباً فيما مضى فلا تخيبني فيما يأتي .
الآية رقم ( 5 )
{وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا }
{ وإني خفت الموالي } أي الذين يلوني في النسب كبني العم { من ورائي } أي بعد موتي على الدين أن يُضيعوه كما شاهدته في بني إسرائيل من تبديل الدين { وكانت امرأتي عاقراً } لا تلد { فهب لي من لدنك } من عندك { ولياً } إبناً .
الآية رقم ( 6 )
{يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا }
{ يَرثني } بالجزم جواب الأمر وبالرفع صفة ولياً { ويرث } بالوجهين { من آل يعقوب } جدّي العلم والنبوة { واجعله رب رضياً } أي: مرضياً عندك . قال تعالى ي إجابة طلبه الابن الحاصل به رحمته .
الآية رقم ( 7 )
{يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا }
{ يا زكريا إنا نبشرك بغلامِ } يَرثُ كما سألت { اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سمياً } أي: مسمى بيحيى .
الآية رقم ( 8 )
{قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا }
{ قال ربّ أنَّى } كيف { يكون لي غلامٌ وكانت امرأتي عاقراً وقد بلغت من الكبر عتياً } من عتا: يبس، أي نهاية السن مائة وعشرين سنة وبلغت امرأته ثمانية وتسعين سنة وأصل عتي: عتو وكسرت التاء تخفيفاً وقلبت الواو الأولى ياء لمناسبة الكسرة والثانية ياء لتدغم فيها الياء .
الآية رقم ( 9 )
{قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا }
{ قال } الأمر { كذلك } من خلق غلامِ منكما { قال ربك هو علىَّ هين } أي: بأن أرد عليك قوة الجماع وافتق رحم امرأتك للعلوق { وقد خلقتك من قبل ولم تكُ شيئاً } قبل خلقك ولإظهار الله هذه القدرة العظيمة ألهمه السؤال ليجاب بما يدل عليها ولما تاقت نفسه إلى سرعة المبشر به .
الآية رقم ( 10 )
{قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا }
{ قال رب اجعل آية } أي علامة على حمل امرأتي { قال آيتك } عليه { ألا تكلم الناس } أي تمتنع من كلامهم بخلاف ذكر الله { ثلاث ليال } أي بأيامها كما في آل عمران ثلاثة أيام { سَوياً } حال من فاعل تكلم أي بلا علة .
الآية رقم ( 11 )
{فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا }
{ فخرج على قومه من المحراب } أي المسجد وكانوا ينتظرون فتحه ليصلوا فيه بأمره على العادة { فأوحى } أشار { إليهم أن سبحوا } صلوا { بُكرة وعشياً } أوائل النهار وأواخره على العادة فعلم بمنعه من كلامهم حملها بيحيى، وبعد ولادته بسنتين قال الله تعالى له .
الآية رقم ( 12 )
{يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا }
{ يا يحيى خذ الكتاب } أي: التوراة { بقوة } بجد { وآتيناه الحكم } النبوة { صبياً } ابن ثلاث سنين .
الآية رقم ( 13 )
{وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا }
{ وحناناً } رحمة للناس { من لدنا } من عندنا { وزكاة } صدقة عليهم { وكان تقياً } روي أنه لم يعمل خطيئة ولم يهم بها .
الآية رقم ( 14 )
{وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا }
{ وبرّاً بوالديه } أي: محسناً إليهما { ولم يكن جباراً } متكبراً { عصياً } عاصياً لربه .
الآية رقم ( 15 )
{وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا }
{ وسلامٌ } منا { عليه يوم وُلد ويوم يموت ويوم يُبعث حياً } أي: في هذه الأيام المخوفة التي يرى ما لم يره قبلها فهو آمن فيها .
الآية رقم ( 16 )
{واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا }
{ وأذكر في الكتاب } القرآن { مريم } أي: خبرها { إذ } حين { انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً } أي: اعتزلت في مكانِ نحو الشرق من الدار .
الآية رقم ( 17 )
{فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا }
{ فاتخذت من دونهم حجاباً } أرسلت ستراً تستتر به لتغلي رأسها أو ثيابها أو تغسل من حيضها { فأرسلنا إليها روحنا } جبريل { فتمثل لها } ب لبسها ثيابها { بشراً سوياً } تام الخلق .
الآية رقم ( 18 )
{قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا }
{ قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً } فتنتهي عني بتعوذي .
الآية رقم ( 19 )
{قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا }
{ قال إنما أنا رسول ربك ليهب لك غلاماً زكياً } بالنبوة .
الآية رقم ( 20 )
{قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا }
{ قالت أنَّى يكون لي غلام ولم يمسني بشر } يتزوج { ولم أك بغيّاً } زانية .
الآية رقم ( 21 )
{قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا }
{ قال } الأمر { كذلك } من خلق غلام منك من غير أب { قال ربك هو عليَّ هينٌ } أي: بأن ينفخ بأمري جبريل فيك فتحملي به ولكون ما ذكر في معنى العلة عطف عليه { ولنجعله آيةً للناس } على قدرتنا { ورحمة منا } لمن آمن به { وكان } خلقه { أمراً مقضياً } به في علمي فنفخ جبريل في جيب درعها فأحست بالحمل في بطنها مصوراً.
الآية رقم ( 22 )
{فحملته فانتبذت به مكانا قصيا }
{ فحملته فانتبذت } تنحَّت { به مكاناً قصياً } بعيداً من أهلها .
الآية رقم ( 23 )
{فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا }
{ فأجاءَها } جاءَ بها { المخاض } وجع الولادة { إلى جذع النخلة } لتعتمد عليه فولدت والحمل والتصوير والولادة في ساعة { قالت يا } للتنبيه { ليتني متُّ قبل هذا } الأمر { وكنت نساً منسياً } شيئاً متروكاً لا يعرف ولا يذكر .
الآية رقم ( 24 )
{فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا }
{ فناداها من تحتها } أي: جبريل وكان أسفل منها { ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سرياً } نهر ماء كان قد انقطع .
الآية رقم ( 25 )
{وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا }
{ وهزي إليك بجذع النخلة } كانت يابسة والباء زائدة { تساقط } أصله بتاءين قلبت الثانية سيناً وأدغمت في السين، وفى قراءة تركها { عليك رطباً } تمييز { جنياً } صفته .
الآية رقم ( 26 )
{فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا }
{ فكلي } من الرطب { واشربي } من السريّ { وقري عيناً } بالولد تمييز محول من الفاعل أي: لتقر عينك به أي: تسكن فلا تطمح إلى غيره { فإما } فيه إدغام نون إن الشرطية في ما الزائدة { ترين } حذفت منه لام الفعل وعينه وألقيت حركتها على الراء وكسرت ياء الضمير لالتقاء الساكنين { من البشر أحداً } فيسألك عن ولدك { فقولي إني نذرت للرحمن صوماً } أي إمساكاً عن الكلام في شأنه وغيره من الأناسي بدليل { فلن أكلم اليوم إنساً } أي: بعد ذلك .
الآية رقم ( 27 )
{فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا }
{ فأتت به قومها تحمله } حال فرأوه { قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً } عظيماً حيث أتيت بولد من غير أب .
الآية رقم ( 28 )
{يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا }
{ يا أخت هارون } هو رجل صالح أي: يا شبيهته في العفة { ما كان أبوك أمراً سوء } أي: زانياً { وما كانت أمك بغيا } زانية فمن أين لك هذا الولد .
الآية رقم ( 29 )
{فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا }
{ فأشارت } لهم { إليه } أن كلموه { قالوا كيف نكلم من كان } أي وجد { في المهد صبياً .
الآية رقم ( 30 )
{قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا }
{ قال إني عبد الله آتاني الكتاب } أي: الإنجيل { وجعلني نبياً } .
الآية رقم ( 31 )
{وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا }
{ وجعلني مباركاً أينما كنت } أي: نفاعاً للناس إخبار بما كتب له { وأوصاني بالصلاة والزكاة } أمرني بهما { ما دمت حياً } .
الآية رقم ( 32 )
{وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا }
{ وبراً بوالدتي } منصوب بجعلني مقدراً { ولم يجعلني جباراً } متعاظماً { شقياً } عاصياً لربه
الآية رقم ( 33 )
{والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا }
{ والسلام } من الله { عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً } يقال فيه ما تقدم في السيد يحيى . قال تعالى .
الآية رقم ( 34 )
{ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون }
{ ذلك عيسى ابن مريم قولُ الحق } بالرفع خبر مبتدأ مقدر أي: قول ابن مريم وبالنصب بتقدير قلت، والمعنى القول الحق { الذي فيه يمترون } من المرية أي: يشكون وهم النصارى: قالوا إن عيسى ابن الله، كذبوا .
الآية رقم ( 35 )
{ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون }
{ ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه } تنزيهاً له عن ذلك { إذا قضى أمراً } أي: أراد أن يحدثه { فإنما يقول له كن في فيكونُ } بالرفع بتقدير هو، وبالنصب بتقدير أن ومن ذلك خلق عيسى من غير أب .
الآية رقم ( 36 )
{وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم }
( وأن الله ربي وربكم فاعبدوه ) بفتح أن بتقدير اذكر ، وبكسرها بتقدير قل بدليل " ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم " ( هذا ) المذكور ( صراط ) طريق ( مستقيم ) مؤد إلى الجنة .
الآية رقم ( 37 )
{فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم }
{ فاختلف الأحزاب من بينهم } أي النصارى في عيسى أهو ابن الله أو إله معه أو ثالث ثلاثة { فويل } فشدة عذاب { للذين كفروا } بما ذكر وغيره { من مشهد يوم عظيم } أي: حضور يوم القيامة وأهواله.
الآية رقم ( 38 )
{أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين }
{ أسمع بهم وأبصر } بهم صيغتا تعجب بمعنى ما أسمعهم وما أبصرهم { يوم يأتوننا } في الآخرة { لكن الظالمون } من إقامة الظاهر مقام المضمر { اليوم } أي: في الدنيا { في ضلال مبين } أي بين به صموا عن سماع الحق وعموا عن إبصاره أي: إعجب منهم يا مخاطب في سمعهم وإبصارهم في الآخرة بعد أن كانوا في الدنيا صماً عمياً .
الآية رقم ( 39 )
{وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون }
{ وأنذرهم } خوّف يا محمد كفار مكة { يوم الحسرة } هو يوم القيامة يتحسر فيه المسيء على ترك الإحسان في الدنيا { إذ قُضي الأمر } لهم فيه بالعذاب { وهم } في الدنيا { في غفلة } عنه { وهم لا يؤمنون } به .
الآية رقم ( 40 )
{إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون }
{ إنا نحن } تأكيد { نرث الأرض } ومن عليها } من العقلاء وغيرهم بإهلاكهم { وإلينا يرجعون } فيه للجزاء .
الآية رقم ( 41 )
{واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا }
{ واذكر } لهم { في الكتاب إبراهيم } أي: خبره { إنه كان صديقا } مبالغاً في الصدق { نبياً } ويبدل من خبره .
الآية رقم ( 42 )
{إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا }
{ إذ قال لأبيه } آزر { يا أبت } التاء عوض عن ياء الإضافة ولا يجمع بينهما وكان يعبد الأصنام { لمَ تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك } لا يكفيك { شيئاً } من نفع أو ضر .
الآية رقم ( 43 )
{يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا }
{ يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطاً } طريقاً { سوياً } مستقيماً .
الآية رقم ( 44 )
{يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا }
{ يا أبت لا تعبد الشيطان } بطاعتك إياه في عبادة الأصنام { إن الشيطان كان للرحمن عصياً } كثير العصيان .
الآية رقم ( 45 )
{يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا }
{ يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن } إن لم تتب { فتكون للشيطان ولياً } ناصراً وقريناً في النار .
الآية رقم ( 46 )
{قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا }
{ قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم } فتعيبها { لئن لم تنته } عن التعرض لها { لأرجمنَّك } بالحجارة أو بالكلام القبيح فاحذرني { واهجرني مليّاً } دهراً طويلاً .
الآية رقم ( 47 )
{قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا }
( قال سلام عليك ) مني أي لا أصيبك بمكروه ( سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفياً ) من حفي أي باراً فيجيب دعائي وقد أوفى بوعده المذكور في الشعراء " واغفر لأبي " وهذا قبل أن يتبين له أنه عدو الله كما ذكره في براءة .
الآية رقم ( 48 )
{وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا }
{ وأعتزلكم وما تدعون } تعبدون { من دون الله وأدعو } أعبد { ربي عسى أ } ن { لا أكون بدعاء ربي } بعبادته { شقياً } كما شقيتم بعبادة الأصنام .
الآية رقم ( 49 )
{فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا }
{ فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله } بأن ذهب إلى الأرض المقدسة { وهبنا له } ابنين يأنس بهما { إسحاق ويعقوب وكلاً } منهما { جعلنا نبياً } .
الآية رقم ( 50 )
{ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا }
{ ووهينا لهم } للثلاثة { من رحمتنا } المال والود { وجعلنا لهم لسان صدق علياً } رفيعاً هو الثناء الحسن في جميع أهل الأديان .
الآية رقم ( 51 )
{واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا }
{ واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصاً } بكسر اللام وفتحها من أخلص في عبادته وخلصه الله من الدنس { وكان رسولاً نبياً } .
الآية رقم ( 52 )
{وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا }
( وناديناه ) بقول " يا موسى إني أنا الله " ( من جانب الطور ) اسم جبل ( الأيمن ) أي الذي يلي يمين موسى حين أقبل من مدين ( وقربناه نجياً ) مناجياً بأن اسمعه الله تعالى كلامه .
الآية رقم ( 53 )
{ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا }
{ ووهينا له من رحمتنا } نعمتنا { أخاه هارون } بدل أو عطف بيان { نبياً } حال هي المقصودة بالهبة إجابة لسؤاله أن يرسل أخاه معه وكان أسنَّ منه .
الآية رقم ( 54 )
{واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا }
{ واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد } لم يعد شيئاً إلا وفى به وانتظر من وعده ثلاثة أيام أيام أو حولاً حتى رجع إليه في مكانه { وكان رسولاً } إلى جُرهم { نبياً } .
الآية رقم ( 55 )
{وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا }
{ وكان يأمر أهله } أي قومه { بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضياً } أصله مرضوو قبلت الواوان ياءين والضمة كسرة .
الآية رقم ( 56 )
{واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا }
{ واذكر في الكتاب إدريس } هو جدّ أبي نوح { إنه كان صديقاً نبياً } .
الآية رقم ( 57 )
{ورفعناه مكانا عليا }
{ ورفعناه مكاناً علياً } هو حي في السماء الرابعة أو السادسة أو السابعة أو في الجنة أدخلها بعد أن أذيق الموت وأحيي ولم يخرج منها .
الآية رقم ( 58 )
{أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا }
{ أولئك } مبتدأ { الذين أنعم الله عليهم } صفة له { من النبيين } بيان له وهو في معنى الصفة وما بعده إلى جملة الشرط صفة للنبيين فقوله { من ذرية آدم } أي إدريس { وممن حملنا مع نوح } في السفينة أي إبراهيم ابن ابنه سام { ومن ذرية إبراهيم } أي إسماعيل وإسحاق ويعقوب { و } من ذرية { إسرائيل } هو يعقوب أي موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى { وممن هدينا واجتبينا } أي من جملتهم وخبر أولئك { إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً } جمع ساجد وباك أي فكونوا مثلهم وأصل بكي بكوي قبلت الواو ياء والضمة كسرة .
الآية رقم ( 59 )
{فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا }
{ فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة } بتركها كاليهود والنصارى { واتبعوا الشهوات } من المعاصي { فسوف يلقون غيّاً } هو واد في جهنم، أي يقعون فيه .
الآية رقم ( 60 )
{إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا }
{ إلا } لكن { من تاب وآمن وعمل صالحاً فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون } ينقصون { شيئاً } من ثوابهم .
الآية رقم ( 61 )
{جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا }
{ جنات عدن } إقامة بدل من الجنة { التي وعد الرحمن عباده بالغيب } حال، أي غائبين عنها { إنه كان وعده } أي موعده { مأتياً } بمعنى آتياً وأصله مأتوي أو موعوده هنا الجنة يأتيه أهله
الآية رقم ( 62 )
{لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا }
{ لا يسمعون فيها لغواً } من الكلام { إلا } لكن يسمعون { سلاماً } من الملائكة عليهم أو من بعضهم على بعض { ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً } أي على قدرهما في الدنيا، وليس في الجنة نهار ولا ليل بل ضوء ونور أبداً .
الآية رقم ( 63 )
{تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا }
{ تلك الجنة التي نورث } تعطي ونزول { من عبادنا من كان تقياً } بطاعته، ونزل لما تأخر الوحي أياماً وقال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل: ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا ؟ .
الآية رقم ( 64 )
{وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا }
{ وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا } أي أمامنا من أمور الآخرة { وما خلفنا } من أمور الدنيا { وما بين ذلك } أي: ما يكون في هذا الوقت إلى قيام الساعة أي له علم ذلك جمعيه { وما كان ربك نسيّاً } بمعنى ناسياً أي: تاركاً لك بتأخير الوحي عنك .
الآية رقم ( 65 )
{رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا }
هو { ربّ } مالك { السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته } أي: اصبر عليها { هل تعلم له سمياً } مسمى بذلك ؟ لا .
الآية رقم ( 66 )
{ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا }
{ ويقول الإنسان } المنكر للبعث أبي بن خلف أو الوليد بن المغيرة النازل فيه الآية: { أئذا } بتحقيق الهمزة الثانية وإدخال ألف بينها بوجهيها وبين الأخرى { ما متُّ لسوف أخرج حياً } من القبر كما يقول محمد، فالاستفهام بمعنى النفي أي: لا أحيا بعد الموت وما زائدة للتأكيد وكذا اللام ورد عليه بقوله تعالى .
الآية رقم ( 67 )
{أو لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا }
{ أولا يَذَّكَّرُ الإنسان } أصله يتذكر أبدلت التاء ذالا وأدغمت في الذال وفي قراءة تركها وسكون الذال وضم الكاف { أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئاً } فيستدل بالابتداء على الإعادة .
الآية رقم ( 68 )
{فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا }
{ فوربك لنحشرنهم } أي المنكرين للبعث { والشياطين } أي نجمع كلا منهم وشيطانه في سلسلة { ثم لنحضرنهم حول جهنم } من خارجها { جثياً } على الركب جمع جاث وأصله جثوو أو جثوي من جثا يجثوا أو يجثي لغتان .
الآية رقم ( 69 )
{ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا }
{ ثم لننزعن من كل شيعة } فرقة منهم { أيهم أشد على الرحمن عتياً } جراءة .
الآية رقم ( 70 )
{ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا }
{ ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها } أحق بجهنم الأشد وغيره منهم { صلياً } دخولا واحتراقاً فنبدأ بهم وأصله صلوي من صلي بكسر اللام وفتحها .
الآية رقم ( 71 )
{وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا }
{ وإن } أي ما { منكم } أحد { إلا واردها } أي داخل جهنم { كان على ربك حتماً مقضياً } حتمه وقضى به لا يتركه .
الآية رقم ( 72 )
{ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا }
{ ثم ننجِّي } مشدداً ومخففاً { الذين اتقوا } الشرك والكفر منها { ونذر الظالمين } بالشرك والكفر { فيها جثياً } على الركب .
الآية رقم ( 73 )
{وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا }
{ وإذا تتلى عليهم } أي المؤمنين والكافرين { آياتنا } من القرآن { بينات } واضحات حال { قال الذين كفروا للذين آمنوا أيُّ الفريقين } نحن وأنتم { خير مقاماً } منزلا ومسكناً بالفتح من قام وبالضم من أقام { وأحسن ندياً } بمعنى النادي وهو مجتمع القوم يتحدثون فيه، يعنون نحن فنكون خيراً منكم قال تعالى.
الآية رقم ( 74 )
{وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا }
{ وكم } أي كثيراً { أهلكنا قبلهم من قرن } أي أمة من الأمم الماضية { هم أحسن أثاثاُ } مالاً ومتاعاً { روءْياً } منظراً من الرؤية فكما أهلكناهم لكفرهم هلك هؤلاء .
الآية رقم ( 75 )
{قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا }
{ قل من كان في الضلالة } شرط جوابه { فليمدد } بمعنى الخبر أي يمد { له الرحمن مداً } في الدنيا يستدرجه { حتى إذا رأوا ما يدعون إما العذاب } كالقتل والأسر { وإما الساعة } المشتملة على جهنم فيدخلونها { فسيعلمون من هو شر مكاناً وأضعف جنداً } أعواناً أهم آم المؤمنون وجندهم الشياطين وجند المؤمنين عليهم الملائكة .
الآية رقم ( 76 )
{ويزيد الله الذين اهتدوا هدى والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا }
{ ويزد الله الذين اهتدوا } بالإيمان { هدى } يما ينزل عليهم من الآيات { والباقيات الصالحات } هي الطاعة تبقى لصاحبها { خير عند ربك ثواباً وخير مردّاً } أي ما يرد إليه ويرجع بخلاف أعمال الكفار والخيرية منا في مقابلة قولهم أي الفرقين خبر مقاماً .
الآية رقم ( 77 )
{أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا }
{ أفرأيت الذي كفر بآياتنا } العاصي بن وائل { وقال } لخبات بن الأرث القائل له نبعث بعد الموت والمطالب له بمال { لأوتينَّ } على تقدير البعث { مالاً وولداً } قال تعالى فأقضيك .
الآية رقم ( 78 )
{أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا }
{ أطلع الغيب } أي أعمله وأن يؤتى ما قاله واستغنى بهمزة الاستفهام عن همزة الوصل فحذفت { أم اتخذ عند الرحمن عهداً } بأن يؤتى ما قاله .
الآية رقم ( 79 )
{كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا }
{ كلا } أي لا يؤتى ذلك { سنكتب } نأمر بكتب { ما يقول ونمدّ له العذاب مداً } نزيده بذلك عذاباً فوق عذاب كفره .
الآية رقم ( 80 )
{ونرثه ما يقول ويأتينا فردا }
{ ونرثه ما يقول } من المال والولد { ويأتينا } يوم القيامة { فرداً } لا مال له ولا ولد .
الآية رقم ( 81 )
{واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا }
{ واتخذوا } أي كفار مكة { من دون الله } الأوثان { آلهة } يعبدونهم { ليكونوا لهم عزاً } شفعاء عند الله بأن لا يعذبوا .
الآية رقم ( 82 )
{كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا }
( كلا ) أي لا مانع من عذابهم ( سيكفرون ) أي الآلهة ( بعبادتهم ) أي ينفونها كما في آية أخرى " ما كانوا إيانا يعبدون " ( ويكونون عليهم ضدا ) أعواناً وأعداء .
الآية رقم ( 83 )
{ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا }
{ ألم تر أنا أرسلنا الشياطين } سلطانهم { على الكافرين تؤزهم } تهيجهم إلى المعاصي { أزّاً }
الآية رقم ( 84 )
{فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا }
{ فلا تعجل عليهم } بطلب العذاب { إنما نعد لهم } الأيام والليالي أو الأنفاس { عداً } إلى وقت عذابهم .
الآية رقم ( 85 )
{يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا }
اذكر { يوم نحشر المتقين } بإيمانهم { إلى الرحمن وفداً } جمع وافد بمعنى: راكب .
الآية رقم ( 86 )
{ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا }
{ ونسوق المجرمين } بكفرهم { إلى جهنم وراداً } جمع وارد بمعنى ماش عطشان .
الآية رقم ( 87 )
{لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا }
{ لا يملكون } أي الناس { الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً } أي شهادة أن لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله .
الآية رقم ( 88 )
{وقالوا اتخذ الرحمن ولدا }
{ وقالوا } أي اليهود والنصارى ومن زعم أن الملائكة بنات الله { اتخذ الرحمن ولداً } قال تعالى لهم .
الآية رقم ( 89 )
{لقد جئتم شيئا إدا }
{ لقد جئتم شيئاً إذّاً } أي منكراً عظيماً .
الآية رقم ( 90 )
{تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا }
{ تكاد } بالتاء والياء { السماوات يتفطرن } بالتاء وتشديد الطاء بالانشقاق وفي قراءة بالنون { منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّاً } أي تنطبق عليهم من أجل .
الآية رقم ( 91 )
{أن دعوا للرحمن ولدا }
{ أن دعوا للرحمن ولداً } قال تعالى .
الآية رقم ( 92 )
{وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا }
{ وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً } أي ما يليق به ذلك .
الآية رقم ( 93 )
{إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا }
{ إن } أي ما { كل من في السماوات والأرض إلا آتي للرحمن عبداً } ذليلا خاضاهاً يوم القيامة منهم عزيز وعيسى .
الآية رقم ( 94 )
{لقد أحصاهم وعدهم عدا }
{ لقد أحصاهم وعدهم عداً } فلا يخفى عليه مبلغ جميعهم ولا واحد منهم
الآية رقم ( 95 )
{وكلهم آتيه يوم القيامة فردا }
{ وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً } بلا مال ولا نصير يمنعه .
الآية رقم ( 96 )
{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا }
{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وُدّاً } فيما بينهم يتوادون ويتحابون ويحبهم الله تعالى .
الآية رقم ( 97 )
{فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا }
{ فإنما يسرناه } أي القرآن { بلسانك } العربي { لتبشر به المتقين } الفائزين بالإيمان { وتنذر } تخوف { به قوماً لُدّاً } جمع ألد أي جدل بالباطل وهم كفار مكة .
الآية رقم ( 98 )
{وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا }
{ وكم } أي كثيراً { أهلكنا قبلهم من قرن } أي أمة من الأمم الماضية بتكذيبهم الرسل { هل تحس } تجد { منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً } صوتاً خفياً ؟ لا، فكما أهلكنا أولئك نهلك هؤلاء