باب أصل فرض الصلاة
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {إنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} وَقَالَ {وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} الآيَةَ. مَعَ عَدَدٍ أَيْ فِيهِ ذِكْرُ فَرْضِ الصَّلاَةِ.
قال: (وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ الْإِسْلاَمِ فَقَالَ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَقَالَ السَّائِلُ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لاَ، إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ).
أول ما فرضت الصلاة
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: سَمِعْت مَنْ أَثِقُ بِخَبَرِهِ وَعِلْمِهِ يَذْكُرُ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ فَرْضًا فِي الصَّلاَةِ، ثُمَّ نَسَخَهُ بِفَرْضٍ غَيْرِهِ، ثُمَّ نَسَخَ الثَّانِيَ بِالْفَرْضِ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ.
قال: كَأَنَّهُ يَعْنِي قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمْ اللَّيْلَ إلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوْ اُنْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً} الآيَةَ. ثُمَّ نَسَخَهَا فِي السُّورَةِ مَعَهُ بِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {إنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيْ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ} إلَى قَوْلِهِ {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ} فَنَسَخَ قِيَامَ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفَهُ، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ بِمَا تَيَسَّرَ وَمَا أَشْبَهَ مَا قَالَ بِمَا قَالَ وَإِنْ كُنْت أُحِبُّ أَنْ لاَ يَدَعَ أَحَدٌ أَنْ يَقْرَأَ مَا تَيَسَّرَ عَلَيْهِ مِنْ لَيْلَتِهِ وَيُقَالُ: نُسِخَتْ مَا وَصَفْت مِنْ الْمُزَّمِّلِ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {أَقِمْ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} وَدُلُوكُهَا زَوَالُهَا {إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} الْعَتَمَةِ {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} الصُّبْحَ {وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} فَأَعْلَمَهُ أَنَّ صَلاَةَ اللَّيْلِ نَافِلَةٌ لاَ فَرِيضَةٌ وَأَنَّ الْفَرَائِضَ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ لَيْلٍ، أَوْ نَهَارٍ وَيُقَالُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} الصُّبْحُ {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا} الْعَصْرُ {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} الظُّهْرُ وَمَا أَشْبَهَ مَا قِيلَ: مِنْ هَذَا بِمَا قِيلَ: وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قال: وَبَيَانُ مَا وَصَفْت فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ يَقُولُ (جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْإِسْلاَمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَقَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا فَقَالَ لاَ إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَفَرَائِضُ الصَّلَوَاتِ خَمْسٌ وَمَا سِوَاهَا تَطَوُّعٌ فَأَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْبَعِيرِ وَلَمْ يُصَلِّ مَكْتُوبَةً عَلِمْنَاهُ عَلَى بَعِيرٍ وَلِلتَّطَوُّعِ وَجْهَانِ صَلاَةٌ جَمَاعَةً وَصَلاَةٌ مُنْفَرِدَةً وَصَلاَةُ الْجَمَاعَةِ مُؤَكَّدَةٌ وَلاَ أُجِيزُ تَرْكَهَا لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا بِحَالٍ وَهُوَ صَلاَةُ الْعِيدَيْنِ وَكُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، فَأَمَّا قِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَصَلاَةُ الْمُنْفَرِدِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْهُ وَأَوْكَدُ صَلاَةُ الْمُنْفَرِدِ وَبَعْضُهُ، أَوْكَدُ مِنْ بَعْضِ الْوِتْرِ وَهُوَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ صَلاَةَ التَّهَجُّدِ ثُمَّ رَكْعَتَا الْفَجْرِ وَلاَ أُرَخِّصُ لِمُسْلِمٍ فِي تَرْكِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ لَمْ أُوجِبْهُمَا عَلَيْهِ وَمَنْ تَرَكَ صَلاَةً وَاحِدَةً مِنْهُمَا كَانَ أَسْوَأَ حَالاً مِمَّنْ تَرَكَ جَمِيعَ النَّوَافِلِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ.
عدد الصلوات الخمس
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: أَحْكَمَ اللَّهُ تَعَالَى فَرْضَ الصَّلاَةِ فِي كِتَابِهِ فَبَيَّنَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَدَدَهَا وَمَا عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ وَيَكُفَّ عَنْهُ فِيهَا وَكَانَ نَقْلُ عَدَدِ كُلِّ وَاحِدَةِ مِنْهَا مِمَّا نَقَلَهُ الْعَامَّةُ عَنْ الْعَامَّةِ وَلَمْ يُحْتَجْ فِيهِ إلَى خَبَرِ الْخَاصَّةِ وَإِنْ كَانَتْ الْخَاصَّةُ قَدْ نَقَلَتْهَا لاَ تَخْتَلِفُ هِيَ مِنْ وُجُوهٍ هِيَ مُبَيَّنَةٌ فِي أَبْوَابِهَا فَنَقَلُوا الظُّهْرَ أَرْبَعًا لاَ يُجْهَرُ فِيهَا بِشَيْءٍ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَالْعَصْرَ أَرْبَعًا لاَ يُجْهَرُ فِيهَا بِشَيْءٍ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَالْمَغْرِبَ ثَلاَثًا يُجْهَرُ فِي رَكْعَتَيْنِ مِنْهَا بِالْقِرَاءَةِ وَيُخَافَتُ فِي الثَّالِثَةِ وَالْعِشَاءَ أَرْبَعًا يُجْهَرُ فِي رَكْعَتَيْنِ مِنْهَا بِالْقِرَاءَةِ وَيُخَافَتُ فِي اثْنَتَيْنِ وَالصُّبْحَ رَكْعَتَيْنِ يُجْهَرُ فِيهِمَا مَعًا بِالْقِرَاءَةِ.
قال: وَنَقَلَ الْخَاصَّةُ مَا ذَكَرْت مِنْ عَدَدِ الصَّلَوَاتِ وَغَيْرِهِ مُفَرَّقًا فِي مَوَاضِعِهِ.
فيمن تجب عليه الصلاة
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: ذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الِاسْتِئْذَانَ فَقَالَ فِي سِيَاقِ الآيَةِ {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} وَلَمْ يَذْكُرْ الرُّشْدَ الَّذِي يَسْتَوْجِبُونَ بِهِ أَنْ تُدْفَعَ إلَيْهِمْ أَمْوَالُهُمْ إلَّا بَعْدَ بُلُوغِ النِّكَاحِ وَفَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْجِهَادَ فَأَبَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهِ عَلَى مَنْ اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً بِأَنْ (أَجَازَ ابْنَ عُمَرَ عَامَ الْخَنْدَقِ ابْنَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَرَدَّهُ عَامَ أُحُدٍ ابْنَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً) فَإِذَا بَلَغَ الْغُلاَمُ الْحُلُمَ وَالْجَارِيَةُ الْمَحِيضَ غَيْرَ مَغْلُوبِينَ عَلَى عُقُولِهِمَا، أَوْجَبْت عَلَيْهِمَا الصَّلاَةَ وَالْفَرَائِضَ كُلَّهَا وَإِنْ كَانَا ابْنَيْ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَجَبَتْ عَلَيْهِمَا الصَّلاَةُ وَأَمَرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالصَّلاَةِ إذَا عَقَلَهَا فَإِذَا لَمْ يَعْقِلاَ لَمْ يَكُونَا كَمَنْ تَرَكَهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَأُؤَدِّبُهُمَا عَلَى تَرْكِهَا أَدَبًا خَفِيفًا وَمَنْ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ بِعَارِضِ مَرَضٍ أَيِّ مَرَضٍ كَانَ ارْتَفَعَ عَنْهُ الْفَرْضُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} وَقَوْلِهِ {إنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} وَإِنْ كَانَ مَعْقُولاً لاَ يُخَاطَبُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ إلَّا مَنْ عَقَلَهُمَا.
صلاة السكران والمغلوب على عقله
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: يُقَالُ: نَزَلَتْ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَأَيُّمَا كَانَ نُزُولُهَا قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ، أَوْ بَعْدَهُ فَمَنْ صَلَّى سَكْرَانَ لَمْ تَجُزْ صَلاَتُهُ لِنَهْيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إيَّاهُ عَنْ الصَّلاَةِ حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَقُولُ وَإِنْ مَعْقُولاً أَنَّ الصَّلاَةَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَإِمْسَاكٌ فِي مَوَاضِعَ مُخْتَلِفَةٍ وَلاَ يُؤَدِّي هَذَا إلَّا مَنْ أُمِرَ بِهِ مِمَّنْ عَقَلَهُ وَعَلَيْهِ إذَا صَلَّى سَكْرَانَ أَنْ يُعِيدَ إذَا صَحَا وَلَوْ صَلَّى شَارِبُ مُحَرَّمٍ غَيْرُ سَكْرَانَ كَانَ عَاصِيًا فِي شُرْبِهِ الْمُحَرَّمَ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةُ صَلاَةٍ؛ لِأَنَّهُ مِمَّنْ يَعْقِلُ مَا يَقُولُ وَالسَّكْرَانُ الَّذِي لاَ يَعْقِلُ مَا يَقُولُ، وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ أَعَادَ وَأَقَلُّ السُّكْرِ أَنْ يَكُونَ يَغْلِبُ عَلَى عَقْلِهِ فِي بَعْضِ مَا لَمْ يَكُنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ قَبْلَ الشُّرْبِ وَمَنْ غَلَبَ عَلَى عَقْلِهِ بِوَسَنٍ ثَقِيلٍ فَصَلَّى وَهُوَ لاَ يَعْقِلُ أَعَادَ الصَّلاَةَ إذَا عَقَلَ وَذَهَبَ عَنْهُ الْوَسَنُ وَمَنْ شَرِبَ شَيْئًا لِيَذْهَبَ عَقْلُهُ كَانَ عَاصِيًا بِالشُّرْبِ وَلَمْ تُجْزِ عَنْهُ صَلاَتُهُ وَعَلَيْهِ وَعَلَى السَّكْرَانِ إذَا أَفَاقَا قَضَاءُ كُلِّ صَلاَةٍ صَلَّيَاهَا وَعُقُولُهُمَا ذَاهِبَةٌ وَسَوَاءٌ شَرِبَا نَبِيذًا لاَ يَرَيَانِهِ يُسْكِرُ، أَوْ نَبِيذًا يَرَيَانِهِ يُسْكِرُ فِيمَا وَصَفْت مِنْ الصَّلاَةِ وَإِنْ افْتَتَحَا الصَّلاَةَ يَعْقِلاَنِ فَلَمْ يُسَلِّمَا مِنْ الصَّلاَةِ حَتَّى يَغْلِبَا عَلَى عُقُولِهِمَا أَعَادَا الصَّلاَةَ؛ لِأَنَّ مَا أَفْسَدَ أَوَّلَهَا أَفْسَدَ آخِرَهَا وَكَذَلِكَ إنْ كَبَّرَا ذَاهِبَيْ الْعَقْلِ ثُمَّ أَفَاقَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا فَصَلَّيَا جَمِيعَ الصَّلاَةِ إلَّا التَّكْبِيرَ مُفِيقِينَ كَانَتْ عَلَيْهِمَا الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّهُمَا دَخَلاَ الصَّلاَةَ وَهُمَا لاَ يَعْقِلاَنِ وَأَقَلُّ ذَهَابِ الْعَقْلِ الَّذِي يُوجِبُ إعَادَةَ الصَّلاَةِ أَنْ يَكُونَ مُخْتَلِطًا يَعْزُبُ عَقْلُهُ فِي شَيْءٍ وَإِنْ قَلَّ وَيَثُوبُ.
الغلبة على العقل في غير المعصية
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ [قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَإِذَا غُلِبَ الرَّجُلُ عَلَى عَقْلِهِ بِعَارِضِ جِنٍّ أَوْ عَتَهٍ، أَوْ مَرَضٍ مَا كَانَ الْمَرَضُ ارْتَفَعَ عَنْهُ فَرْضُ الصَّلاَةِ مَا كَانَ الْمَرَضُ بِذَهَابِ الْعَقْلِ عَلَيْهِ قَائِمًا؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ الصَّلاَةِ حَتَّى يَعْقِلَ مَا يَقُولُ وَهُوَ مِمَّنْ لاَ يَعْقِلُ وَمَغْلُوبٌ بِأَمْرٍ لاَ ذَنْبَ لَهُ فِيهِ بَلْ يُؤْجَرُ عَلَيْهِ وَيُكَفَّرُ عَنْهُ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا أَنْ يُفِيقَ فِي وَقْتٍ فَيُصَلِّي صَلاَةَ الْوَقْتِ وَهَكَذَا إنْ شَرِبَ دَوَاءً فِيهِ بَعْضُ السَّمُومِ وَإِلَّا غَلَبَ مِنْهُ أَنَّ السَّلاَمَةَ تَكُونُ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا بِشُرْبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَبْهُ عَلَى ضُرِّ نَفْسِهِ وَلاَ إذْهَابِ عَقْلِهِ وَإِنْ ذَهَبَ وَلَوْ احْتَاطَ فَصَلَّى كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ شَرِبَ شَيْئًا فِيهِ سُمٌّ وَلَوْ كَانَ مُبَاحًا وَلَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ حَلاَلاً فَخَبَلَ عَقْلُهُ أَوْ وَثَبَ وَثْبَةً فَانْقَلَبَ دِمَاغُهُ، أَوْ تَدَلَّى عَلَى شَيْءٍ فَانْقَلَبَ دِمَاغُهُ فَخَبَلَ عَقْلُهُ إذَا لَمْ يُرِدْ بِشَيْءٍ مِمَّا صَنَعَ ذَهَابَ عَقْلِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةُ صَلاَةٍ صَلَّاهَا لاَ يَعْقِلُ، أَوْ تَرَكَهَا بِذَهَابِ الْعَقْلِ فَإِنْ وَثَبَ فِي غَيْرِ مَنْفَعَةٍ، أَوْ تَنَكَّسَ لِيُذْهِبَ عَقْلَهُ فَذَهَبَ كَانَ عَاصِيًا وَكَانَ عَلَيْهِ إذَا ثَابَ عَقْلُهُ إعَادَةُ كُلِّ مَا صَلَّى ذَاهِبَ الْعَقْلِ، أَوْ تَرَكَ مِنْ الصَّلاَةِ وَإِذَا جَعَلْتُهُ عَاصِيًا بِمَا عَمَدَ مِنْ إذْهَابِ عَقْلِهِ، أَوْ إتْلاَفِ نَفْسِهِ جَعَلَتْ عَلَيْهِ إعَادَةَ مَا صَلَّى ذَاهِبَ الْعَقْلِ، أَوْ تَرَكَ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَإِذَا لَمْ أَجْعَلْهُ عَاصِيًا بِمَا صَنَعَ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ إلَّا أَنْ يُفِيقَ فِي وَقْتٍ بِحَالٍ وَإِذَا أَفَاقَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ النَّهَارِ قَدْرُ مَا يُكَبِّرُ فِيهِ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً أَعَادَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَلَمْ يُعِدْ مَا قَبْلَهُمَا لاَ صُبْحًا وَلاَ مَغْرِبًا وَلاَ عِشَاءً وَإِذَا أَفَاقَ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ اللَّيْلِ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ قَدْرُ تَكْبِيرَةٍ وَاحِدَةٍ قَضَى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَإِذَا أَفَاقَ الرَّجُلُ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ بِقَدْرِ تَكْبِيرَةٍ قَضَى الصُّبْحَ وَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ لَمْ يَقْضِهَا وَإِنَّمَا قُلْت هَذَا؛ لِأَنَّ هَذَا وَقْتٌ فِي حَالِ عُذْرٍ، جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي السَّفَرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ فَلَمَّا جَعَلَ الْأُولَى مِنْهُمَا وَقْتًا لِلْآخِرَةِ فِي حَالٍ وَالْآخِرَةَ وَقْتًا لِلْأُولَى فِي حَالٍ كَانَ وَقْتُ إحْدَاهُمَا وَقْتًا لِلْأُخْرَى فِي حَالٍ وَكَانَ ذَهَابُ الْعَقْلِ عُذْرًا وَبِالْإِفَاقَةِ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ وَأَمَرْته أَنْ يَقْضِيَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَفَاقَ فِي وَقْتٍ بِحَالٍ وَكَذَلِكَ آمُرُ الْحَائِضَ وَالرَّجُلَ يُسَلِّمُ كَمَا آمُرُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ مَنْ أَمَرْته بِالْقَضَاءِ فَلاَ يَجْزِيهِ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذَا عَجَّلَ فِي الْمَسِيرِ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ).
صلاة المرتد
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: إذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ عَنْ الْإِسْلاَمِ، ثُمَّ أَسْلَمَ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ كُلِّ صَلاَةٍ تَرَكَهَا فِي رِدَّتِهِ وَكُلِّ زَكَاةٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِيهَا فَإِنْ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ فِي رِدَّتِهِ لِمَرَضٍ، أَوْ غَيْرِهِ قَضَى الصَّلاَةَ فِي أَيَّامِ غَلَبَتِهِ عَلَى عَقْلِهِ كَمَا يَقْضِيهَا فِي أَيَّامِ عَقْلِهِ فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَمْ تَجْعَلْهُ قِيَاسًا عَلَى الْمُشْرِكِ يُسْلِمُ فَلاَ تَأْمُرُهُ بِإِعَادَةِ الصَّلاَةِ قِيلَ: فَرَّقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَهُمَا فَقَالَ {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} وَأَسْلَمَ رِجَالٌ فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَضَاءِ صَلاَةٍ وَمَنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَحَرَّمَ اللَّهُ دِمَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمَنَعَ أَمْوَالَهُمْ بِإِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ وَلَمْ يَكُنْ الْمُرْتَدُّ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي بَلْ أَحْبَطَ اللَّهُ تَعَالَى عَمَلَهُ بِالرِّدَّةِ وَأَبَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ عَلَيْهِ الْقَتْلَ إنْ لَمْ يَتُبْ بِمَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ حُكْمِ الْإِيمَانِ وَكَانَ مَالُ الْكَافِرِ غَيْرِ الْمُعَاهَدِ مَغْنُومًا بِحَالٍ وَمَالُ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفًا لِيُغْنَمَ إنْ مَاتَ عَلَى الرِّدَّةِ، أَوْ يَكُونَ عَلَى مِلْكِهِ إنْ تَابَ وَمَالُ الْمُعَاهَدِ لَهُ عَاشَ، أَوْ مَاتَ فَلَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ الصَّلاَةَ وَالصَّوْمَ وَالزَّكَاةَ وَكُلَّ مَا كَانَ يَلْزَمُ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ فَلَمْ تَكُنْ مَعْصِيَتُهُ بِالرِّدَّةِ تُخَفِّفُ عَنْهُ فَرْضًا كَانَ عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ يَقْضِي وَهُوَ لَوْ صَلَّى فِي تِلْكَ الْحَالِ لَمْ يُقْبَلْ عَمَلُهُ؟ قِيلَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى فِي تِلْكَ الْحَالِ صَلَّى عَلَى غَيْرِ مَا أُمِرَ بِهِ فَكَانَتْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ إذَا أَسْلَمَ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ صَلَّى قَبْلَ الْوَقْتِ وَهُوَ مُسْلِمٌ أَعَادَ وَالْمُرْتَدُّ صَلَّى قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي تَكُونُ الصَّلاَةُ مَكْتُوبَةً لَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَحْبَطَ عَمَلُهُ بِالرِّدَّةِ وَإِنْ قِيلَ: مَا أُحْبِطَ مِنْ عَمَلِهِ قِيلَ: أَجْرُ عَمَلِهِ لاَ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ فَرْضًا أَدَّاهُ مِنْ صَلاَةٍ وَلاَ صَوْمٍ وَلاَ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ مُسْلِمًا فَإِنْ قِيلَ: وَمَا يُشْبِهُ هَذَا؟ قِيلَ: أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَدَّى زَكَاةً كَانَتْ عَلَيْهِ، أَوْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إذَا أُحْبِطَ أَجْرُهُ فِيهَا أَنْ يَبْطُلَ فَيَكُونُ كَمَا لَمْ يَكُنْ، أَوْ لاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ أُخِذَ مِنْهُ حَدًّا، أَوْ قِصَاصًا، ثُمَّ ارْتَدَّ، ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَعُدْ عَلَيْهِ وَكَانَ هَذَا فَرْضًا عَلَيْهِ وَلَوْ حَبِطَ بِهَذَا الْمَعْنَى فَرْضٌ مِنْهُ حَبِطَ كُلُّهُ.
جماع مواقيت الصلاة
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: أَحْكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كِتَابَهُ أَنَّ فَرْضَ الصَّلاَةِ مَوْقُوتٌ وَالْمَوْقُوتُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - الْوَقْتُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ وَعَدَدُهَا فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {إنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} وَقَدْ ذَكَرْنَا نَقْلَ الْعَامَّةِ عَدَدَ الصَّلاَةِ فِي مَوَاضِعِهَا وَنَحْنُ ذَاكِرُونَ الْوَقْتَ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخَّرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الصَّلاَةَ فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (نَزَلَ جِبْرِيلُ فَأَمَّنِي فَصَلَّيْت مَعَهُ ثُمَّ نَزَلَ فَأَمَّنِي فَصَلَّيْت مَعَهُ، ثُمَّ نَزَلَ فَأَمَّنِي فَصَلَّيْت مَعَهُ حَتَّى عَدَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ) فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ اتَّقِ اللَّهَ يَا عُرْوَةُ وَانْظُرْ مَا تَقُولُ فَقَالَ عُرْوَةُ أَخْبَرَنِيهِ بَشِيرُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ (أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ بَابِ الْكَعْبَةِ مَرَّتَيْنِ فَصَلَّى الظُّهْرَ حِينَ كَانَ الْفَيْءُ مِثْلَ الشِّرَاكِ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ بِقَدْرِ ظِلِّهِ وَصَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ حَرُمَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ، ثُمَّ صَلَّى الْمَرَّةَ الْآخِرَةَ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ قَدْرَ ظِلِّهِ قَدْرَ الْعَصْرِ بِالْأَمْسِ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ الْقَدْرَ الْأَوَّلَ لَمْ يُؤَخِّرْهَا، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ أَسْفَرَ ثُمَّ الْتَفَتَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ وَالْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَهَذِهِ الْمَوَاقِيتُ فِي الْحَضَرِ فَاحْتَمَلَ مَا وَصَفْته مِنْ الْمَوَاقِيتِ أَنْ يَكُونَ لِلْحَاضِرِ وَالْمُسَافِرِ فِي الْعُذْرِ وَغَيْرِهِ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ لِمَنْ كَانَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي صَلَّى فِيهِ جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْحَضَرِ وَفِي غَيْرِ عُذْرٍ فَجَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ غَيْرَ خَائِفٍ فَذَهَبْنَا إلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي مَطَرٍ وَجَمَعَ مُسَافِرًا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ تَفْرِيقَ الصَّلَوَاتِ كُلَّ صَلاَةٍ فِي وَقْتِهَا إنَّمَا هُوَ عَلَى الْحَاضِرِ فِي غَيْرِ مَطَرٍ فَلاَ يُجْزِئُ حَاضِرًا فِي غَيْرِ مَطَرٍ أَنْ يُصَلِّيَ صَلاَةً إلَّا فِي وَقْتِهَا وَلاَ يَضُمَّ إلَيْهَا غَيْرَهَا إلَّا أَنْ يَنْسَى فَيَذْكُرَ فِي وَقْتِ إحْدَاهُمَا، أَوْ يَنَامَ فَيُصَلِّيهَا حِينَئِذٍ قَضَاءً وَلاَ يَخْرُجُ أَحَدٌ كَانَ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ مِنْ آخِرِ وَقْتِ الْآخِرَةِ مِنْهُمَا وَلاَ يُقَدِّمُ وَقْتَ الْأُولَى مِنْهُمَا، وَالْوَقْتُ حَدٌّ لاَ يُجَاوَزُ وَلاَ يُقَدَّمُ وَلاَ تُؤَخَّرُ صَلاَةُ الْعِشَاءِ عَنْ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ فِي مَصْرٍ وَلاَ غَيْرِهِ، حَضَرٍ وَلاَ سَفَرٍ.
وقت الظهر
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَأَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ إذَا اسْتَيْقَنَ الرَّجُلُ بِزَوَالِ الشَّمْسِ عَنْ وَسَطِ الْفَلَكِ، وَظِلُّ الشَّمْسِ فِي الصَّيْفِ يَتَقَلَّصُ حَتَّى لاَ يَكُونَ لِشَيْءٍ قَائِمٍ مُعْتَدِلٍ نِصْفَ النَّهَارِ ظِلٌّ بِحَالٍ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَسَقَطَ لِلْقَائِمِ ظِلٌّ، مَا كَانَ الظِّلُّ فَقَدْ زَالَتْ الشَّمْسُ وَآخِرُ وَقْتِهَا فِي هَذَا الْحِينِ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ فَإِذَا جَاوَزَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ بِشَيْءٍ مَا كَانَ فَقَدْ خَرَجَ وَقْتُهَا وَدَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ لاَ فَصْلَ بَيْنَهُمَا إلَّا مَا وَصَفْت وَالظِّلُّ فِي الشِّتَاءِ وَالرَّبِيعِ وَالْخَرِيفِ مُخَالِفٌ لَهُ فِيمَا وَصَفْت مِنْ الصَّيْفِ وَإِنَّمَا يُعْلَمُ الزَّوَالُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ بِأَنْ يَنْظُرَ إلَى الظِّلِّ وَيَتَفَقَّدَ نُقْصَانَهُ فَإِنَّهُ إذَا تَنَاهَى نُقْصَانُهُ زَادَ فَإِذَا زَادَ بَعْدَ تَنَاهِي نُقْصَانِهِ فَذَلِكَ الزَّوَالُ وَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ، ثُمَّ آخِرُ وَقْتِهَا إذَا عَلِمَ أَنْ قَدْ بَلَغَ الظِّلُّ مَعَ خِلاَفِهِ ظِلَّ الصَّيْفِ قَدْرَ مَا يَكُونُ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ فِي الصَّيْفِ وَذَلِكَ أَنْ تَعْلَمَ مَا بَيْنَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَأَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ أَقَلُّ مِمَّا بَيْنَ أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَاللَّيْلِ فَإِنْ بَرَزَ لَهُ مِنْهَا مَا يَدُلُّهُ وَإِلَّا تَوَخَّى حَتَّى يَرَى أَنَّهُ صَلَّاهَا بَعْدَ الْوَقْتِ وَاحْتَاطَ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَإِنْ كَانَ الْغَيْمُ مُطْبِقًا رَاعَى الشَّمْسَ وَاحْتَاطَ بِتَأْخِيرِهَا مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَخَافَ دُخُولَ وَقْتِ الْعَصْرِ فَإِذَا تَوَخَّى فَصَلَّى عَلَى الْأَغْلَبِ عِنْدَهُ فَصَلاَتُهُ مُجْزِئَةٌ عَنْهُ وَذَلِكَ أَنَّ مُدَّةَ وَقْتِهَا مُتَطَاوِلٌ حَتَّى يَكَادَ يُحِيطُ إذَا احْتَاطَ بِأَنْ قَدْ زَالَتْ وَلَيْسَتْ كَالْقِبْلَةِ الَّتِي لاَ مُدَّةَ لَهَا إنَّمَا عَلَيْهَا دَلِيلٌ لاَ مُدَّةٌ وَعَلَى هَذَا الْوَقْتِ دَلِيلٌ مِنْ مُدَّةٍ وَمَوْضِعٍ وَظِلٍّ فَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَلَّى قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِذَا عَلِمَ ذَلِكَ أَعَادَ وَهَكَذَا إنْ تَوَخَّى بِلاَ غَيْمٍ.
قال: وَعِلْمُهُ بِنَفْسِهِ، وَإِخْبَارُ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُصَدِّقُهُ أَنَّهُ صَلَّى قَبْلَ الزَّوَالِ إذَا لَمْ يَرَ هُوَ أَوْ هُمْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلاَةَ فَإِنْ كَذَّبَ مَنْ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ صَلَّى قَبْلَ الزَّوَالِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ وَالِاحْتِيَاطُ لَهُ أَنْ يُعِيدَ.
وَإِذَا كَانَ أَعْمَى وَسِعَهُ خَبَرُ مَنْ يُصَدِّقُ خَبَرَهُ فِي الْوَقْتِ وَالِاقْتِدَاءُ بِالْمُؤَذِّنِينَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مَحْبُوسًا فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ، أَوْ كَانَ أَعْمَى لَيْسَ قُرْبَهُ أَحَدٌ تَوَخَّى وَأَجْزَأَتْ صَلاَتُهُ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ صَلَّى قَبْلَ الْوَقْتِ وَالْوَقْتُ يُخَالِفُ الْقِبْلَةَ؛ لِأَنَّ فِي الْوَقْتِ مُدَّةً فَجُعِلَ مُرُورُهَا كَالدَّلِيلِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْقِبْلَةِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ صَلَّى بَعْدَ الْوَقْتِ أَجْزَأَهُ وَكَانَ أَقَلُّ أَمْرِهِ أَنْ يَكُونَ قَضَاءً.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا كَانَ كَمَا وَصَفْت مَحْبُوسًا فِي ظُلْمَةٍ، أَوْ أَعْمَى لَيْسَ قُرْبَهُ أَحَدٌ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِلاَ تَأَخٍّ عَلَى الْأَغْلَبِ عِنْدَهُ مِنْ مُرُورِ الْوَقْتِ مِنْ نَهَارٍ وَلَيْلٍ وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهُ تَأَخَّى بِهِ وَإِنْ صَلَّى عَلَى غَيْرِ تَأَخٍّ أَعَادَ كُلَّ صَلاَةٍ صَلَّاهَا عَلَى غَيْرِ تَأَخٍّ وَلاَ يَفُوتُ الظُّهْرُ حَتَّى يُجَاوِزَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ فَإِذَا جَاوَزَهُ فَهُوَ فَائِتٌ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَخَّرَهَا إلَى هَذَا الْوَقْتِ جَمَعَ أَمْرَيْنِ، تَأْخِيرَهَا عَنْ الْوَقْتِ الْمَقْصُودِ، وَحُلُولَ وَقْتِ غَيْرِهَا.
تعجيل الظهر وتأخيرها
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَتَعْجِيلُ الْحَاضِرِ الظُّهْرَ إمَامًا وَمُنْفَرِدًا فِي كُلِّ وَقْتٍ إلَّا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَخَّرَ إمَامُ الْجَمَاعَةِ الَّذِي يَنْتَابُ مِنْ الْبُعْدِ الظُّهْرَ حَتَّى يَبْرُدَ بِالْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ (إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ. وَقَدْ اشْتَكَتْ النَّارُ إلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفْسٍ فِي الصَّيْفِ فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ مِنْ حَرِّهَا وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْبَرْدِ مِنْ زَمْهَرِيرِهَا) أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قَالَ (إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنْ الصَّلاَةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ) أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ (إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلاَ يَبْلُغُ بِتَأْخِيرِهَا آخِرَ وَقْتِهَا فَيُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا مَعًا وَلَكِنَّ الْإِبْرَادَ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يُصَلِّيهَا مُتَمَهِّلاً وَيَنْصَرِفُ مِنْهَا قَبْلَ آخِرِ وَقْتِهَا لِيَكُونَ بَيْنَ انْصِرَافِهِ مِنْهَا وَبَيْنَ آخِرِ وَقْتِهَا فَصْلٌ فَأَمَّا مَنْ صَلَّاهَا فِي بَيْتِهِ، أَوْ فِي جَمَاعَةٍ بِفِنَاءِ بَيْتِهِ لاَ يَحْضُرُهَا إلَّا مَنْ بِحَضْرَتِهِ فَلْيُصَلِّهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا؛ لِأَنَّهُ لاَ أَذَى عَلَيْهِمْ فِي حَرِّهَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلاَ تُؤَخَّرُ فِي الشِّتَاءِ بِحَالٍ وَكُلَّمَا قُدِّمَتْ كَانَ أَلْيَنَ عَلَى مَنْ صَلَّاهَا فِي الشِّتَاءِ وَلاَ يُؤَخِّرُهَا إمَامُ جَمَاعَةٍ يَنْتَابُ إلَّا بِبِلاَدٍ لَهَا حَرٌّ مُؤْذٍ كَالْحِجَازِ، فَإِذَا كَانَتْ بِلاَدٌ لاَ أَذَى لِحَرِّهَا لَمْ يُؤَخِّرْهَا؛ لِأَنَّهُ لاَ شِدَّةَ لِحَرِّهَا يُرْفَقُ عَلَى أَحَدٍ بِتَنْحِيَةِ الْأَذَى عَنْهُ فِي شُهُودِهَا.
وقت العصر
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَوَقْتُ الْعَصْرِ فِي الصَّيْفِ إذَا جَاوَزَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ بِشَيْءٍ مَا كَانَ وَذَلِكَ حِينَ يَنْفَصِلُ مِنْ آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَبَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مَعْنَى مَا وَصَفْت وَأَحْسَبُهُ ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَرَادَ بِهِ صَلاَةَ الْعَصْرِ فِي آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَنَّهُ صَلَّاهَا حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ يَعْنِي حِينَ تَمَّ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ ثُمَّ جَاوَزَ ذَلِكَ بِأَقَلَّ مَا يُجَاوِزُهُ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ مُحْتَمِلٌ لَهُ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ مَنْ حَفِظْت عَنْهُ وَإِذَا كَانَ الزَّمَانُ الَّذِي لاَ يَكُونُ الظِّلُّ فِيهِ هَكَذَا قَدْرَ الظِّلِّ مَا كَانَ يَنْقُصُ فَإِذَا زَادَ بَعْدَ نُقْصَانِهِ فَذَلِكَ زَوَالُهُ، ثُمَّ قَدْرُ مَا لَوْ كَانَ الصَّيْفُ بَلَغَ الظِّلَّ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْقَائِمِ فَإِذَا جَاوَزَ ذَلِكَ قَلِيلاً فَقَدْ دَخَلَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ وَيُصَلِّي الْعَصْرَ فِي كُلِّ بَلَدٍ وَكُلِّ زَمَانٍ وَإِمَامِ جَمَاعَةِ يَنْتَابُ مِنْ بُعْدٍ وَغَيْرِ بُعْدٍ وَمُنْفَرِدٍ فِي - أَوَّلِ وَقْتِهَا لاَ أُحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَهَا عَنْهُ.
وَإِذَا كَانَ الْغَيْمُ مُطْلَقًا، أَوْ كَانَ مَحْبُوسًا فِي ظُلْمَةٍ، أَوْ أَعْمَى بِبَلَدٍ لاَ أَحَدَ مَعَهُ فِيهَا صَنَعَ مَا وَصَفْت يَصْنَعُهُ فِي الظُّهْرِ لاَ يَخْتَلِفُ فِي شَيْءٍ وَمَنْ أَخَّرَ الْعَصْرَ حَتَّى تَجَاوَزَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ فِي الصَّيْفِ وَقَدْرَ ذَلِكَ فِي الشِّتَاءِ فَقَدْ فَاتَهُ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ وَلاَ يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ: قَدْ فَاتَهُ وَقْتُ الْعَصْرِ مُطْلَقًا كَمَا جَازَ عَلَى الَّذِي أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى أَنْ جَاوَزَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ مُطْلَقًا؛ لِمَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُ تَحِلُّ لَهُ صَلاَةُ الْعَصْرِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهَذَا لاَ يَحِلُّ لَهُ صَلاَةُ الظُّهْرِ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَإِنَّمَا قُلْت لاَ يَتَبَيَّنُ عَلَيْهِ مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَنَا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَعَنْ بِشْرِ بْنِ سَعِيدٍ وَعَنْ الْأَعْرَجِ يُحَدِّثُونَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ (مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَقَدْ فَاتَتْهُ الْعَصْرُ وَالرَّكْعَةُ رَكْعَةٌ بِسَجْدَتَيْنِ وَإِنَّمَا أَحْبَبْت تَقْدِيمَ الْعَصْرِ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ صَاحِيَةٌ، ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلَى الْعَوَالِي فَيَأْتِيهَا وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ) أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الدِّيلِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ فَاتَهُ الْعَصْرُ فَكَأَنَّمَا وَتَرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ).
وقت المغرب
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: لاَ وَقْتَ لِلْمَغْرِبِ إلَّا وَاحِدٌ وَذَلِكَ حِينَ تَجِبُ الشَّمْسُ وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي حَدِيثِ إمَامَةِ جِبْرِيلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفِي غَيْرِهِ، أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ (كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ نَخْرُجُ نَتَنَاضَلُ حَتَّى نَبْلُغَ بُيُوتَ بَنِي سَلِمَةَ نَنْظُرُ إلَى مَوَاقِعِ النَّبْلِ مِنْ الْإِسْفَارِ) أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (فَقَالَ جَابِرٌ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ نَنْصَرِفُ فَتَأْتِي بَنِي سَلَمَةَ فَنُبْصِرُ مَوَاقِعَ النَّبْلِ) أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ (كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَغْرِبَ ثُمَّ نَنْصَرِفُ فَنَأْتِي السُّوقَ وَلَوْ رُمِيَ بِنَبْلٍ لَرُئِيَ مَوَاقِعُهَا).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَقَدْ قِيلَ: لاَ تَفُوتُ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُ وَقْتِ صَلاَةِ الْعِشَاءِ قِيلَ: يُصَلِّي مِنْهَا رَكْعَةً كَمَا قِيلَ: فِي الْعَصْرِ وَلَكِنْ لاَ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الصُّبْحَ تَفُوتُ بِأَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ قِيلَ يُصَلِّي مِنْهَا رَكْعَةً فَإِنْ قِيلَ فَتَقِيسُهَا عَلَى الصُّبْحِ قِيلَ: لاَ أَقِيسُ شَيْئًا مِنْ الْمَوَاقِيتِ عَلَى غَيْرِهِ وَهِيَ عَلَى الْأَصْلِ وَالْأَصْلُ حَدِيثُ إمَامَةِ جِبْرِيلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَّا مَا جَاءَ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاصَّةً دَلاَلَةً، أَوْ قَالَهُ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلَوْ قِيلَ: تَفُوتُ الْمَغْرِبُ إذَا لَمْ تُصَلَّ فِي وَقْتِهَا كَانَ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - أَشْبَهَ بِمَا قَالَ وَيَتَأَخَّاهَا الْمُصَلِّي فِي الْغَيْمِ وَالْمَحْبُوسُ فِي الظُّلْمَةِ وَالْأَعْمَى كَمَا وَصَفْت فِي الظُّهْرِ وَيُؤَخِّرُهَا حَتَّى يَرَى أَنْ قَدْ دَخَلَ وَقْتُهَا، أَوْ جَاوَزَ دُخُولَهُ.
وقت العشاء
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي لَبِيدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ (لاَ يَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلاَتِكُمْ هِيَ الْعِشَاءُ إلَّا أَنَّهُمْ يُعْتِمُونَ بِالْإِبِلِ).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَأُحِبُّ أَنْ لاَ تُسَمَّى إلَّا الْعِشَاءَ كَمَا سَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَوَّلُ وَقْتِهَا حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ وَالشَّفَقُ الْحُمْرَةُ الَّتِي فِي الْمَغْرِبِ فَإِذَا ذَهَبَتْ الْحُمْرَةُ فَلَمْ يُرَ مِنْهَا شَيْءٌ حَلَّ وَقْتُهَا وَمَنْ افْتَتَحَهَا وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْحُمْرَةِ شَيْءٌ أَعَادَهَا وَإِنَّمَا قُلْت: الْوَقْتُ فِي الدُّخُولِ فِي الصَّلاَةِ فَلاَ يَكُونُ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلاَةِ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَإِنْ لَمْ يُعْمَلْ فِيهَا شَيْءٌ إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ وَلاَ التَّكْبِيرِ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ هُوَ مَدْخَلُهُ فِيهَا فَإِذَا أَدْخَلَهُ التَّكْبِيرُ فِيهَا قَبْلَ الْوَقْتِ أَعَادَهَا وَأَخَّرَ وَقْتَهَا إلَى أَنْ يَمْضِيَ ثُلُثُ اللَّيْلِ فَإِذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ فَلاَ أُرَاهَا إلَّا فَائِتَةً؛ لِأَنَّهُ آخِرُ وَقْتِهَا وَلَمْ يَأْتِ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهَا شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لاَ تَفُوتُ إلَّا بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ.
قال: الْمَوَاقِيتُ كُلُّهَا كَمَا وَصَفْت لاَ تُقَاسُ وَيَصْنَعُ الْمُتَأَخِّي لَهَا فِي الْغَيْمِ وَفِي الْحَبْسِ الْمُظْلِمِ وَالْأَعْمَى لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ كَمَا وَصَفْته يَصْنَعُهُ فِي الظُّهْرِ وَالتَّأَخِّي فِي اللَّيْلِ أَخَفُّ مِنْ التَّأَخِّي لِصَلاَةِ النَّهَارِ لِطُولِ الْمُدَّةِ وَشِدَّةِ الظُّلْمَةِ وَبَيَانِ اللَّيْلِ.
وقت الفجر
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ) وَالصُّبْحُ الْفَجْرُ فَلَهَا اسْمَانِ الصُّبْحُ وَالْفَجْرُ لاَ أُحِبُّ أَنْ تُسَمَّى إلَّا بِأَحَدِهِمَا وَإِذَا بَانَ الْفَجْرُ الْأَخِيرُ مُعْتَرَضًا حَلَّتْ صَلاَةُ الصُّبْحِ وَمَنْ صَلَّاهَا قَبْلَ تَبَيُّنِ الْفَجْرِ الْأَخِيرِ مُعْتَرَضًا أَعَادَ وَيُصَلِّيهَا أَوَّلَ مَا يَسْتَيْقِنُ الْفَجْرَ مُعْتَرَضًا حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهَا مُغَلِّسًا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَأَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: (إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَتَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ مَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ) وَلاَ تَفُوتُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ مِنْهَا رَكْعَةً وَالرَّكْعَةُ رَكْعَةٌ بِسُجُودِهَا فَمَنْ لَمْ يُكْمِلْ رَكْعَةً بِسُجُودِهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَقَدْ فَاتَتْهُ الصُّبْحُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ).
اختلاف الوقت
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: فَلَمَّا أَمَّ جِبْرِيلُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْحَضَرِ لاَ فِي مَطَرٍ وَقَالَ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْمِدَ أَنْ يُصَلِّيَ الصَّلاَةَ فِي حَضَرٍ وَلاَ فِي مَطَرٍ إلَّا فِي هَذَا الْوَقْتِ وَلاَ صَلاَةَ إلَّا مُنْفَرِدَةٌ كَمَا صَلَّى جِبْرِيلُ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدُ مُقِيمًا فِي عُمْرِهِ وَلَمَّا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ آمِنًا مُقِيمًا لَمْ يَحْتَمِلْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِهَذَا الْحَدِيثِ، أَوْ يَكُونَ الْحَالُ الَّتِي جَمَعَ فِيهَا حَالاً غَيْرَ الْحَالِ الَّتِي فَرَّقَ فِيهَا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ: جَمْعُهُ فِي الْحَضَرِ مُخَالِفٌ لِإِفْرَادِهِ فِي الْحَضَرِ مِنْ: وَجْهَيْنِ - أَنَّهُ يُوجَدُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجْهٌ وَأَنَّ الَّذِي رَوَاهُ مِنْهُمَا مَعًا وَاحِدٌ وَهُوَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَعَلِمْنَا أَنَّ لِجَمْعِهِ فِي الْحَضَرِ عِلَّةٌ فَرَّقَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إفْرَادِهِ فَلَمْ يَكُنْ إلَّا الْمَطَرُ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - إذَا لَمْ يَكُنْ خَوْفٌ وَوَجَدْنَا فِي الْمَطَرِ عِلَّةَ الْمَشَقَّةِ كَمَا كَانَ فِي الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ عِلَّةُ الْمَشَقَّةِ الْعَامَّةِ فَقُلْنَا إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ مِنْ مَطَرٍ فِي حَضَرٍ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.
قال: وَلاَ يَجْمَعُ إلَّا وَالْمَطَرُ مُقِيمٌ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تُجْمَعُ فِيهِ فَإِنْ صَلَّى إحْدَاهُمَا، ثُمَّ انْقَطَعَ الْمَطَرُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ الْأُخْرَى إلَيْهَا وَإِذَا صَلَّى إحْدَاهُمَا وَالسَّمَاءُ تُمْطِرُ، ثُمَّ ابْتَدَأَ الْأُخْرَى وَالسَّمَاءُ تُمْطِرُ، ثُمَّ انْقَطَعَ الْمَطَرُ مَضَى عَلَى صَلاَتِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ الدُّخُولُ فِيهَا كَانَ لَهُ إتْمَامُهَا.
قال: وَيَجْمَعُ مِنْ قَلِيلِ الْمَطَرِ وَكَثِيرِهِ وَلاَ يَجْمَعُ إلَّا مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ إلَى مَسْجِدٍ يَجْمَعُ فِيهِ، قَرُبَ الْمَسْجِدُ، أَوْ كَثُرَ أَهْلُهُ، أَوْ قَلُّوا، أَوْ بَعُدُوا وَلاَ يَجْمَعُ أَحَدٌ فِي بَيْتِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَمَعَ فِي الْمَسْجِدِ وَالْمُصَلِّي فِي بَيْتِهِ مُخَالِفُ الْمُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ صَلَّى رَجُلٌ الظُّهْرَ فِي غَيْرِ مَطَرٍ ثُمَّ مُطِرَ النَّاسُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ وَلَيْسَ لَهُ جَمْعُ الْعَصْرِ إلَيْهَا وَكَذَلِكَ لَوْ افْتَتَحَ الظُّهْرَ وَلَمْ يُمْطَرْ، ثُمَّ مُطِرَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ جَمْعُ الْعَصْرِ إلَيْهَا وَلاَ يَكُونُ لَهُ الْجَمْعُ إلَّا بِأَنْ يَدْخُلَ فِي الْأُولَى يَنْوِي الْجَمْعَ وَهُوَ لَهُ فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا وَهُوَ يُمْطَرُ وَدَخَلَ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ يُمْطَرُ فَإِنْ سَكَنَتْ السَّمَاءُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ كَانَ لَهُ الْجَمْعُ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الدُّخُولُ فِيهَا وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ فِي هَذَا وَقْتٌ كَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لاَ يَخْتَلِفَانِ وَسَوَاءٌ كُلُّ بَلَدٍ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ بَلَّ الْمَطَرِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ أَذًى. وَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ صَلاَتَيْنِ فِي مَطَرٍ جَمَعَهُمَا فِي وَقْتِ الْأُولَى مِنْهُمَا لاَ يُؤَخِّرُ ذَلِكَ وَلاَ يَجْمَعُ فِي حَضَرٍ فِي غَيْرِ الْمَطَرِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ مُنْفَرِدَاتٍ وَالْجَمْعُ فِي الْمَطَرِ رُخْصَةٌ لِعُذْرٍ وَإِنْ كَانَ عُذْرَ غَيْرِهِ لَمْ يَجْمَعْ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ فِي غَيْرِهِ خَاصٌّ وَذَلِكَ الْمَرَض وَالْخَوْفُ وَمَا أَشْبَهَهُ وَقَدْ كَانَتْ أَمْرَاضٌ وَخَوْفٌ فَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَمَعَ، وَالْعُذْرُ بِالْمَطَرِ عَامٌّ وَيَجْمَعُ فِي السَّفَرِ بِالْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالدَّلاَلَةُ عَلَى الْمَوَاقِيتِ عَامَّةٌ لاَ رُخْصَةَ فِي تَرْكِ شَيْءٍ مِنْهَا وَلاَ الْجَمْعِ إلَّا حَيْثُ رَخَّصَ النَّبِيُّ - -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- - فِي سَفَرٍ وَلاَ رَأَيْنَا مِنْ جَمْعِهِ الَّذِي رَأَيْنَاهُ فِي الْمَطَرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وقت الصلاة في السفر
أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ يَذْكُرُ حَجَّةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَاحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ مَنْزِلِهِ) وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ (أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ جَمِيعًا) أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ (أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ تَبُوكَ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ قَالَ فَأَخَّرَ الصَّلاَةَ يَوْمًا، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَهَذَا وَهُوَ نَازِلٌ غَيْرُ سَائِرٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ دَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ لاَ يَكُونُ إلَّا وَهُوَ نَازِلٌ فَلِلْمُسَافِرِ أَنْ يَجْمَعَ نَازِلاً وَسَائِرًا أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذُؤَيْبٍ الْأَسَدِيِّ قَالَ (خَرَجْنَا مَعَ ابْنِ عُمَرَ إلَى الْحِمَى فَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَهِبْنَا أَنْ نَقُولَ لَهُ: انْزِلْ فَصَلِّ فَلَمَّا ذَهَبَ بَيَاضُ الْأُفُقِ وَفَحْمَةُ الْعِشَاءِ نَزَلَ فَصَلَّى ثَلاَثًا ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ الْتَفَتَ إلَيْنَا فَقَالَ هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَلَ).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أَنَّ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي وَقْتِ إحْدَاهُمَا إنْ شَاءَ فِي وَقْتِ الْأُولَى مِنْهُمَا وَإِنْ شَاءَ فِي وَقْتِ الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَجَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ فَلَمَّا حَكَى ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُعَاذٌ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ، أَوْ لَمْ يَجِدَّ سَائِرًا وَنَازِلاً؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِعَرَفَةَ غَيْرَ سَائِرٍ إلَّا إلَى الْمَوْقِفِ إلَى جَنْبِ الْمَسْجِدِ وَبِالْمُزْدَلِفَةِ نَازِلاً ثَانِيًا وَحَكَى عَنْهُ مُعَاذٌ أَنَّهُ جَمَعَ وَرَأَيْت حِكَايَتَهُ عَلَى أَنَّ جَمْعَهُ وَهُوَ نَازِلٌ فِي سَفَرٍ غَيْرِ سَائِرٍ فِيهِ فَمَنْ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ فَلَهُ أَنْ يَجْمَعَ لِمَا وَصَفْتُ مِنْ دَلاَلَةِ السُّنَّةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ الصُّبْحَ إلَى صَلاَةٍ وَلاَ يَجْمَعَ إلَيْهَا صَلاَةً؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَجْمَعْهَا وَلَمْ يَجْمَعْ إلَيْهَا غَيْرَهَا. وَلَيْسَ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ صَلاَتَيْنِ قَبْلَ وَقْتِ الْأُولَى مِنْهُمَا فَإِنْ فَعَلَ أَعَادَ كَمَا يُعِيدُ الْمُقِيمُ إذَا صَلَّى قَبْلَ الْوَقْتِ وَلَهُ أَنْ يَجْمَعَهُمَا بَعْدَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَقْضِي وَلَوْ افْتَتَحَ الْمُسَافِرُ الصَّلاَةَ قَبْلَ الزَّوَالِ، ثُمَّ لَمْ يَقْرَأْ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، ثُمَّ مَضَى فِي صَلاَتِهِ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ مَعًا كَانَتْ عَلَيْهِ إعَادَتُهُمَا مَعًا أَمَّا الظُّهْرُ فَيُعِيدُهَا؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَمْ يَدْخُلْ حِينَ الدُّخُولِ فِي الصَّلاَةِ فَدَخَلَ فِيهَا قَبْلَ وَقْتِهَا وَأَمَّا الْعَصْرُ فَإِنَّمَا كَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا قَبْلَ وَقْتِهَا إذَا أَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الظُّهْرِ وَهِيَ مُجْزِئَةٌ عَنْهُ وَلَوْ افْتَتَحَ الظُّهْرَ وَهُوَ يَرَى أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَزُلْ، ثُمَّ اسْتَيْقَنَ أَنَّ دُخُولَهُ فِيهَا كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ صَلَّاهَا وَالْعَصْرَ أَعَادَ؛ لِأَنَّهُ حِينَ افْتَتَحَهَا افْتَتَحَهَا وَلَمْ تَحِلَّ عِنْدَهُ فَلَيْسَتْ مُجْزِئَةً عَنْهُ وَكَانَ فِي مَعْنَى مَنْ صَلَّاهَا لاَ يَنْوِيهَا وَفِي أَكْثَرَ مِنْ حَالِهِ، وَلَوْ أَرَادَ الْجَمْعَ فَبَدَأَ بِالْعَصْرِ، ثُمَّ الظُّهْرِ أَجْزَأَتْ عَنْهُ الظُّهْرُ وَلاَ تُجْزِئُ عَنْهُ الْعَصْرُ لاَ تُجْزِئُ عَنْهُ مُقَدَّمَةً عَنْ وَقْتِهَا حَتَّى تُجْزِئَ عَنْهُ الظُّهْرُ الَّتِي قَبْلَهَا وَلَوْ افْتَتَحَ الظُّهْرَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، ثُمَّ تَوَضَّأَ لِلْعَصْرِ فَصَلَّاهَا أَعَادَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ لاَ تُجْزِئُ عَنْهُ الْعَصْرُ مُقَدَّمَةً عَنْ وَقْتِهَا حَتَّى تُجْزِئَ عَنْهُ الظُّهْرُ قَبْلَهَا وَهَكَذَا لَوْ أَفْسَدَ الظُّهْرَ بِأَيِّ فَسَادٍ مَا كَانَ لَمْ تُجْزِئْ عَنْهُ الْعَصْرُ مُقَدَّمَةً عَنْ وَقْتِهَا وَلَوْ كَانَ هَذَا كُلُّهُ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ حَتَّى لاَ يَكُونَ الْعَصْرُ إلَّا بَعْدَ وَقْتِهَا أَجْزَأَتْ عَنْهُ الْعَصْرُ وَكَانَتْ عَلَيْهِ إعَادَةُ الظُّهْرِ وَلَوْ افْتَتَحَ الظُّهْرَ وَهُوَ يَشُكُّ فِي وَقْتِهَا فَاسْتَيْقَنَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا إلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا لَمْ تُجْزِئْ عَنْهُ صَلاَتُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ ظَنَّ أَنَّ صَلاَتَهُ فَاتَتْهُ اسْتَفْتَحَ صَلاَةً عَلَى أَنَّهَا إنْ كَانَتْ فَائِتَةً فَهِيَ الَّتِي افْتَتَحَ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ صَلاَةً فَائِتَةً لَمْ تُجْزِهِ. وَلاَ يُجْزِئُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا حَتَّى يَدْخُلَ فِيهِ عَلَى نِيَّةِ الصَّلاَةِ وَعَلَى نِيَّةِ أَنَّ الْوَقْتَ دَخَلَ فَإِنَّا إذَا دَخَلَ عَلَى الشَّكِّ فَلَيْسَتْ النِّيَّةُ بِتَامَّةٍ وَلَوْ كَانَ مُسَافِرًا فَأَرَادَ الْجَمْعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ فَسَهَا، أَوْ عَمَدَ فَبَدَا بِالْعَصْرِ لَمْ يُجْزِهِ وَلاَ يُجْزِهِ الْعَصْرُ قَبْلَ وَقْتِهَا إلَّا أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ قَبْلَهَا فَتُجْزِئُ عَنْهُ وَكَذَلِكَ لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي وَقْتِهَا فَأَفْسَدَهَا فَسَهَا عَنْ إفْسَادِهِ إيَّاهَا، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَهَا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ أَعَادَ الظُّهْرَ، ثُمَّ الْعَصْرَ.
الرجل يصلي وقد فاتته قبلها صلاة
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيّ: مَنْ فَاتَتْهُ الصَّلاَةُ فَذَكَرهَا وَقَدْ دَخَلَ فِي صَلاَةٍ غَيْرِهَا مَضَى عَلَى صَلاَتِهِ الَّتِي هُوَ فِيهَا وَلَمْ تَفْسُدْ عَلَيْهِ إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ صَلَّى الصَّلاَةَ الْفَائِتَةَ وَكَذَلِكَ لَوْ ذَكَرَهَا وَلَمْ يَدْخُلْ فِي صَلاَةٍ فَدَخَلَ فِيهَا وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلْفَائِتَةِ أَجْزَأَتْهُ الصَّلاَةُ الَّتِي دَخَلَ فِيهَا وَصَلَّى الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ الْفَائِتَةَ لَهُ وَكَانَ الِاخْتِيَارُ لَهُ إنْ شَاءَ أَتَى بِالصَّلاَةِ الْفَائِتَةِ لَهُ قَبْلَ الصَّلاَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهَا إلَّا أَنْ يَخَافَ فَوْتَ الَّتِي هُوَ فِي وَقْتِهَا فَيُصَلِّيهَا، ثُمَّ يُصَلِّي الَّتِي فَاتَتْهُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَسَوَاءٌ كَانَتْ الصَّلَوَاتُ الْفَائِتَاتُ صَلاَةَ يَوْمٍ، أَوْ صَلاَةَ سَنَةٍ وَقَدْ أُثْبِتَ هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَإِنَّمَا قُلْتُهُ (إنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَامَ عَنْ الصُّبْحِ فَارْتَحَلَ عَنْ مَوْضِعِهِ) فَأَخَّرَ الصَّلاَةَ الْفَائِتَةَ وَصَلاَتُهَا مُمْكِنَةٌ لَهُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ (مَنْ نَسِيَ صَلاَةً فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا) عَلَى مَعْنَى أَنَّ وَقْتَ ذِكْرِهِ إيَّاهَا وَقْتُهَا لاَ وَقْتَ لَهَا غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يُؤَخِّرُ الصَّلاَةَ عَنْ وَقْتِهَا فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى إلَّا أَنْ يُصَلِّيَهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّهَا غَيْرُ مَوْضُوعَةِ الْفَرْضِ عَنْهُ بِالنِّسْيَانِ إذَا كَانَ الذِّكْرُ الَّذِي هُوَ خِلاَفُ النِّسْيَانِ وَأَنْ يُصَلِّيَهَا أَيَّ سَاعَةٍ كَانَتْ مَنْهِيًّا عَنْ الصَّلاَةِ فِيهَا، أَوْ غَيْرَ مَنْهِيٍّ [قَالَ الرَّبِيعُ]: قَالَ الشَّافِعِيُّ قَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَقْتُهَا حِينَ يَذْكُرُهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّيهَا إذَا ذَكَرَهَا لاَ أَنَّ ذَهَابَ وَقْتِهَا يَذْهَبُ بِفَرْضِهَا قَلَّمَا ذَكَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ فِي الْوَادِي صَلاَةَ الصُّبْحِ فَلَمْ يُصَلِّهَا حَتَّى قَطَعَ الْوَادِيَ عَلِمْنَا أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا) أَيْ وَإِنْ ذَهَبَ وَقْتُهَا وَلَمْ يَذْهَبْ فَرْضُهَا فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنَّمَا خَرَجَ مِنْ الْوَادِي فَإِنَّهُ وَادٍ فِيهِ شَيْطَانٌ فَقِيلَ: لَوْ كَانَتْ الصَّلاَةُ لاَ تَصْلُحُ فِي وَادٍ فِيهِ شَيْطَانٌ فَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَخْنُقُ الشَّيْطَانَ فَخَنْقُهُ أَكْثَرُ مِنْ صَلاَةٍ فِي وَادٍ فِيهِ شَيْطَانٌ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَلَوْ أَنَّ مُسَافِرًا أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ فَبَدَأَ بِالظُّهْرِ فَأَفْسَدَهَا، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ أَجْزَأَهُ الْعَصْرُ وَإِنَّمَا أَجْزَأَتْهُ؛ لِأَنَّهَا صُلِّيَتْ فِي وَقْتِهَا عَلَى الِانْفِرَادِ الَّذِي لَوْ صُلِّيَتْ فِيهِ وَحْدَهَا أَجْزَأَتْ ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْرَ بَعْدَهَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلَوْ بَدَأَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ أَجْزَأَتْ عَنْهُ الْعَصْرُ؛ لِأَنَّهُ صَلَّاهَا فِي وَقْتِهَا عَلَى الِانْفِرَادِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ وَأَكْرَهُ هَذَا لَهُ وَإِنْ كَانَ مُجْزِئًا عَنْهُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا كَانَ الْغَيْمُ مُطْبِقًا فِي السَّفَرِ فَهُوَ كَإِطْبَاقِهِ فِي الْحَضَرِ يَتَأَخَّى فَإِنْ فَعَلَ فَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، ثُمَّ تَكَشَّفَ الْغَيْمُ فَعَلِمَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ افْتَتَحَ الظُّهْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَعَادَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ مَعًا؛ لِأَنَّهُ صَلَّى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غَيْرَ مُجْزِئَةٍ الظُّهْرَ قَبْلَ وَقْتِهَا وَالْعَصْرَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي لاَ نُجْزِئُ عَنْهُ فِيهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الظُّهْرُ قَبْلَهَا مُجْزِئَةً [قَالَ الشَّافِعِيّ] وَلَوْ كَانَ تَأَخَّى فَصَلَّاهُمَا فَكُشِفَ الْغَيْمُ فَعَلِمَ أَنَّهُ صَلَّاهَا فِي وَقْتِ الْعَصْرِ أَجْزَأَتَا عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا عَامِدًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلَوْ تَكَشَّفَ الْغَيْمُ فَعَلِمَ أَنَّهُ صَلَّاهُمَا بَعْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ أَجْزَأَتَا عَنْهُ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ أَمْرِهِمَا أَنْ يَكُونَا قَضَاءً مِمَّا عَلَيْهِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلَوْ كَانَ تَأَخَّى فَعَلِمَ أَنَّهُ صَلَّى إحْدَاهُمَا قَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ وَالْأُخْرَى بَعْدَ مَغِيبِهَا أَجْزَأَتَا عَنْهُ وَكَانَتْ إحْدَاهُمَا مُصَلَّاةً فِي وَقْتِهَا وَأَقَلُّ أَمْرِ الْأُخْرَى أَنْ تَكُونَ قَضَاءً.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلَوْ كَانَ مُسَافِرًا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي يَوْمِ سَفَرِهِ نِيَّةٌ فِي أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَأَخَّرَ الظُّهْرَ ذَاكِرًا لاَ يُرِيدُ بِهَا الْجَمْعَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الْعَصْرِ كَانَ عَاصِيًا بِتَأْخِيرِهَا لاَ يُرِيدُ الْجَمْعَ بِهَا؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا إنَّمَا كَانَ لَهُ عَلَى إرَادَةِ الْجَمْعِ فَيَكُونُ ذَلِكَ وَقْتًا لَهَا فَإِذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْجَمْعَ كَانَ تَأْخِيرُهَا وَصَلاَتُهَا تُمْكِنُهُ مَعْصِيَةً وَصَلاَتُهَا قَضَاءً وَالْعَصْرُ فِي وَقْتِهَا وَأَجْزَأَتَا عَنْهُ وَأَخَافُ الْمَأْثَمَ عَلَيْهِ فِي تَأْخِيرِ الظُّهْرِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ وَلاَ يَنْوِي أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَصْرِ فَلَمَّا أَكْمَلَ الظُّهْرَ، أَوْ كَانَ وَقْتُهَا كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ فِي أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ عَلَى الِابْتِدَاءِ كَانَ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ نِيَّةً فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ فِيهِ الْجَمْعُ وَلَوْ انْصَرَفَ مِنْ الظُّهْرِ وَانْصِرَافُهُ أَنْ يُسَلِّمَ وَلَمْ يَنْوِ قَبْلَهَا وَلاَ مَعَ انْصِرَافِهِ الْجَمْعَ ثُمَّ أَرَادَ الْجَمْعَ لَمْ يَكُنْ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لاَ يُقَالُ لَهُ إذَا انْصَرَفَ جَامَعَ وَإِنَّمَا يُقَالُ هُوَ مُصَلٍّ صَلاَةَ انْفِرَادٍ فَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلاَةً قَبْلَ وَقْتِهَا إلَّا صَلاَةَ جَمْعٍ لاَ صَلاَةَ انْفِرَادٍ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلَوْ كَانَ أَخَّرَ الظُّهْرَ بِلاَ نِيَّةِ جَمْعٍ وَانْصَرَفَ مِنْهَا فِي وَقْتِ الْعَصْرِ كَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ صُلِّيَتْ صَلاَةَ انْفِرَادٍ فَإِنَّمَا صُلِّيَتْ فِي وَقْتِهَا لاَ فِي وَقْتٍ غَيْرِهَا وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَّرَ الظُّهْرَ عَامِدًا لاَ يُرِيدُ بِهَا الْجَمْعَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ فَهُوَ آثِمٌ فِي تَأْخِيرِهَا عَامِدًا وَلاَ يُرِيدُ بِهَا الْجَمْعَ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا صُلِّيَتْ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَوَالَى بَيْنَهُمَا قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَ مَقَامَهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ وَقَبْلَ أَنْ يَقْطَعَ بَيْنَهُمَا بِصَلاَةٍ فَإِنْ فَارَقَ مَقَامَهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، أَوْ قَطَعَ بَيْنَهُمَا بِصَلاَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لاَ يُقَالُ أَبَدًا: جَامِعٌ إلَّا أَنْ يَكُونَا مُتَوَالِيَيْنِ لاَ عَمَلَ بَيْنَهُمَا وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ تَكَلَّمَا كَلاَمًا كَثِيرًا كَانَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ. وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْجَمْعُ وَإِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتِ الْآخِرَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي وَقْتِ الْأُولَى وَيَنْصَرِفَ وَيَصْنَعَ مَا بَدَا لَهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُصَلِّي الْآخِرَةَ فِي وَقْتِهَا وَقَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ أَنَّ بَعْضَ مَنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِجَمْعٍ صَلَّى مَعَهُ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ بَعْضُهُمْ أَبَاعِرَهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ، ثُمَّ صَلَّوْا الْعِشَاءَ فِيمَا يُرَى حَيْثُ صَلَّوْا وَإِنَّمَا صَلَّوْا الْعِشَاءَ فِي وَقْتِهَا [قَالَ الشَّافِعِيّ] فَالْقَوْلُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ كَالْقَوْلِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لاَ يَخْتَلِفَانِ فِي شَيْءٍ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلَوْ نَوَى أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُهَا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ جَامِعٍ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ لَوْ نَامَ، أَوْ سَهَا، أَوْ شُغِلَ، أَوْ قَطَعَ ذَلِكَ بِأَمْرٍ يَتَطَاوَلُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَجِمَاعُ هَذَا أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْحَالِ الَّتِي لَوْ سَهَا فِيهَا فِي الصَّلاَةِ فَانْصَرَفَ قَبْلَ إكْمَالِهَا هَلْ يَبْنِي لِتَقَارُبِ انْصِرَافِهِ فَلَهُ إذَا صَنَعَ مِثْلَ ذَلِكَ أَنْ يَجْمَعَ وَإِذَا سَهَا فَانْصَرَفَ فَتَطَاوَلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ فَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ فِي وَقْتِ ذَلِكَ إنْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ أَنْ لاَ يَخْرُجَ مِنْهُ يُطِيلُ الْمَقَامَ قَبْلَ تَوَجُّهِهِ إلَى الصَّلاَةِ وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ مُصَلَّاهُ لاَ يُزَايِلُهُ وَلاَ يُطِيلُ قَبْلَ أَنْ يَعُودَ إلَى الصَّلاَةِ.
باب صلاة العذر
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَلاَ يَكُونُ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ صَلاَتَيْنِ فِي وَقْتِ الْأُولَى مِنْهُمَا إلَّا فِي مَطَرٍ وَلاَ يَقْصُرُ صَلاَةً بِحَالِ خَوْفٍ وَلاَ عُذْرَ غَيْرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى بِالْخَنْدَقِ مُحَارِبًا فَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ قَصَرَ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَكَذَلِكَ لاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا إلَّا مِنْ مَرَضٍ لاَ يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى الْقِيَامِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ إلَّا فِي حَالِ الْخَوْفِ الَّتِي ذَكَرْت وَلاَ يَكُونُ لَهُ بِعُذْرٍ غَيْرِهِ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا إلَّا مِنْ مَرَضٍ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَذَلِكَ أَنَّ الْفَرْضَ فِي الْمَكْتُوبَةِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَالصَّلاَةُ قَائِمًا فَلاَ يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا إلَّا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي دَلَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْهَا وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ قِيَاسًا عَلَيْهِ وَتَكُونُ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا مَرْدُودَةً إلَى أُصُولِهَا وَالرُّخَصُ لاَ يُتَعَدَّى بِهَا مَوَاضِعُهَا.
باب صلاة المريض
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} فَقِيلَ: وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ قَانِتِينَ مُطِيعِينَ وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالصَّلاَةِ قَائِمًا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - وَإِذَا خُوطِبَ بِالْفَرَائِضِ مَنْ أَطَاقَهَا فَإِذَا كَانَ الْمَرْءُ مُطِيقًا لِلْقِيَامِ فِي الصَّلاَةِ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا هُوَ إلَّا عِنْدَمَا ذَكَرْت مِنْ الْخَوْفِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا لَمْ يُطِقْ الْقِيَامَ صَلَّى قَاعِدًا وَرَكَعَ وَسَجَدَ إذَا أَطَاقَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فَوَجَدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خِفَّةً فَجَاءَ فَقَعَدَ إلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ فَأَمَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَا بَكْرٍ وَهُوَ قَاعِدٌ وَأَمَّ أَبُو بَكْرٍ النَّاسَ وَهُوَ قَائِمٌ) أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيّ قَالَ سَمِعْت يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيَّ حَدَّثَهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ الصُّبْحَ وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَبَّرَ فَوَجَدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْضَ الْخِفَّةِ فَقَامَ يُفَرِّجُ الصُّفُوفَ قَالَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لاَ يَلْتَفِتُ إذَا صَلَّى فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو بَكْرٍ الْحِسَّ مِنْ وَرَائِهِ عَرَفَ أَنَّهُ لاَ يَتَقَدَّمُ ذَلِكَ الْمَقَامَ الْمُقَدَّمَ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخَنَسَ وَرَاءَهُ إلَى الصَّفِّ فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَانَهُ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَى جَنْبِهِ وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمٌ حَتَّى إذَا فَرَغَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ أَيْ رَسُولُ اللَّهِ أَرَاك أَصْبَحْت صَالِحًا وَهَذَا يَوْمُ بِنْتِ خَارِجَةَ فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ إلَى أَهْلِهِ فَمَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَانَهُ وَجَلَسَ إلَى جَنْبِ الْحِجْرِ يُحَذِّرُ النَّاسَ الْفِتَنَ وَقَالَ إنِّي وَاَللَّهِ لاَ يُمْسِكُ النَّاسُ عَلَيَّ شَيْئًا إنِّي وَاَللَّهِ لاَ أُحِلُّ إلَّا مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَلاَ أُحَرِّمُ إلَّا مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ يَا فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ وَصَفِيَّةُ عَمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ اعْمَلاَ لِمَا عِنْدَ اللَّهِ فَإِنِّي لاَ أُغْنِي عَنْكُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئًا).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَيُصَلِّي الْإِمَامُ قَاعِدًا وَمَنْ خَلْفَهُ قِيَامًا إذَا أَطَاقُوا الْقِيَامَ وَلاَ يَجْزِي مَنْ أَطَاقَ الْقِيَامَ أَنْ يُصَلِّيَ إلَّا قَائِمًا وَكَذَلِكَ إذَا أَطَاقَ الْإِمَامُ الْقِيَامَ صَلَّى قَائِمًا وَمَنْ لَمْ يُطِقْ الْقِيَامَ مِمَّنْ خَلْفَهُ صَلَّى قَاعِدًا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَهَكَذَا كُلُّ حَالٍ قَدَرَ الْمُصَلِّي فِيهَا عَلَى تَأْدِيَةِ فَرْضِ الصَّلاَةِ كَمَا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ صَلَّاهَا وَصَلَّى مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ كَمَا يُطِيقُ.
فَإِنْ لَمْ يُطِقْ الْمُصَلِّي الْقُعُودَ وَأَطَاقَ أَنْ يُصَلِّيَ مُضْطَجِعًا صَلَّى مُضْطَجِعًا وَإِنْ لَمْ يُطِقْ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ صَلَّى مُومِئًا وَجَعَلَ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ إيمَاءِ الرُّكُوعِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَإِذَا كَانَ بِظَهْرِهِ مَرَضٌ لاَ يَمْنَعُهُ الْقِيَامَ وَيَمْنَعُهُ الرُّكُوعَ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يَقُومَ وَأَجْزَأَهُ أَنْ يَنْحَنِيَ كَمَا يَقْدِرُ فِي الرُّكُوعِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ بِظَهْرِهِ حَتَّى رَقَبَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِأَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى شَيْءٍ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ مُسْتَوِيًا، أَوْ فِي شِقٍّ، ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ رَفَعَ، ثُمَّ سَجَدَ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى السُّجُودِ جَلَسَ أَوْمَأَ إيمَاءً.
وَإِنْ قَدَرَ عَلَى السُّجُودِ عَلَى صُدْغِهِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ عَلَى جَبْهَتِهِ طَأْطَأَ رَأْسَهُ وَلَوْ فِي شِقٍّ، ثُمَّ سَجَدَ عَلَى صُدْغِهِ وَكَانَ أَقْرَبُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ السُّجُودِ مُسْتَوِيًا، أَوْ عَلَى أَيِّ شِقَّيْهِ كَانَ لاَ يُجْزِيهِ أَنْ يُطِيقَ أَنْ يُقَارِبَ السُّجُودَ بِحَالٍ إلَّا قَارَبَهُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلاَ يَرْفَعُ إلَى جَبْهَتِهِ شَيْئًا لِيَسْجُدَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يُقَالُ لَهُ سَاجِدٌ حَتَّى يَسْجُدَ بِمَا يَلْصَقُ بِالْأَرْضِ فَإِنْ وَضَعَ وِسَادَةً عَلَى الْأَرْضِ فَسَجَدَ عَلَيْهَا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ: رَأَيْت أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَسْجُدُ عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ مِنْ رَمَدٍ بِهَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلَوْ سَجَدَ الصَّحِيحُ عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمَ لاَصِقَةٍ بِالْأَرْضِ كَرِهْتُهُ لَهُ وَلَمْ أَرَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ كَمَا لَوْ سَجَدَ عَلَى رَبْوَةٍ مِنْ الْأَرْضِ أَرْفَعَ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ لَمْ يُعِدْ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِنْ قَدَرَ الْمُصَلِّي عَلَى الرُّكُوعِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ كَانَ فِي قِيَامِهِ رَاكِعًا وَإِذَا رَكَعَ خَفَضَ عَنْ قَدْرِ قِيَامِهِ ثُمَّ يَسْجُدُ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يُصَلِّيَ إلَّا مُسْتَلْقِيًا صَلَّى مُسْتَلْقِيًا يُومِئُ إيمَاءً.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَكُلُّ حَالٍ أَمَرْتُهُ فِيهَا أَنْ يُصَلِّيَ كَمَا يُطِيقُ فَإِذَا أَصَابَهَا بِبَعْضِ الْمَشَقَّةِ الْمُحْتَمَلَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إلَّا كَمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ إذَا أَطَاقَ الْقِيَامَ بِبَعْضِ الْمَشَقَّةِ قَامَ فَأَتَى بِبَعْضِ مَا عَلَيْهِ فِي الْقِيَامِ مِنْ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ وَأُحِبُّ أَنْ يَزِيدَ مَعَهَا شَيْئًا وَإِنَّمَا آمُرُهُ بِالْقُعُودِ إذَا كَانَتْ الْمَشَقَّةُ عَلَيْهِ غَيْرَ مُحْتَمَلَةٍ، أَوْ كَانَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ بِحَالٍ وَهَكَذَا هَذَا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لاَ يَخْتَلِفُ وَلَوْ أَطَاقَ أَنْ يَأْتِيَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَأُمِّ الْقُرْآنِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى وَإِنَّا أَعْطَيْنَاك الْكَوْثَرَ مُنْفَرِدًا قَائِمًا وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى صَلاَةِ الْإِمَامِ لاَ يَقْرَأُ بِأَطْوَلَ مِمَّا وَصَفْت إلَّا جَالِسًا، أَمَرْتُهُ أَنْ يُصَلِّيَ مُنْفَرِدًا وَكَانَ لَهُ عُذْرٌ بِالْمَرَضِ فِي تَرْكِ الصَّلاَةِ مَعَ الْإِمَامِ.
وَلَوْ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ فَقَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ فِي بَعْضٍ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فِي بَعْضٍ صَلَّى قَائِمًا مَا قَدَرَ وَقَاعِدًا مَا لَمْ يَقْدِرْ وَلَيْسَتْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ.
وَلَوْ افْتَتَحَ الصَّلاَةَ قَائِمًا ثُمَّ عَرَضَ لَهُ عُذْرٌ جَلَسَ فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يَقُومَ فَإِنْ كَانَ قَرَأَ بِمَا يُجْزِيهِ جَالِسًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إذَا قَامَ أَنْ يُعِيدَ قِرَاءَةً وَإِنْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ قِرَاءَتِهِ شَيْءٌ قَرَأَ بِمَا بَقِيَ مِنْهَا قَائِمًا، كَأَنْ قَرَأَ بَعْضَ أُمِّ الْقُرْآنِ جَالِسًا، ثُمَّ بَرِئَ فَلاَ يُجْزِيهِ أَنْ يَقْرَأَ جَالِسًا وَعَلَيْهِ أَنْ يَقْرَأَ مَا بَقِيَ قَائِمًا وَلَوْ قَرَأَهُ نَاهِضًا فِي الْقِيَامِ لَمْ يُجْزِهِ وَلاَ يُجْزِيهِ حَتَّى يَقْرَأَهُ قَائِمًا مُعْتَدِلاً إذَا قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ وَإِذَا قَرَأَ مَا بَقِيَ قَائِمًا، ثُمَّ حَدَثَ لَهُ عُذْرٌ فَجَلَسَ قَرَأَ مَا بَقِيَ جَالِسًا فَإِنْ حَدَثَتْ لَهُ إفَاقَةٌ قَامَ وَقَرَأَ مَا بَقِيَ قَائِمًا وَلَوْ قَرَأَ قَاعِدًا أُمَّ الْقُرْآنِ وَشَيْئًا مَعَهَا، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَامَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْكَعَ حَتَّى يَعْتَدِلَ قَائِمًا فَإِنْ قَرَأَ قَائِمًا كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ فَرَكَعَ بَعْدَ اعْتِدَالِهِ قَائِمًا أَجْزَأَتْهُ رَكْعَتُهُ وَإِذَا رَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَعْتَدِلَ قَائِمًا وَهُوَ يُطِيقُ ذَلِكَ وَسَجَدَ أَلْغَى هَذِهِ الرَّكْعَةَ وَالسَّجْدَةَ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ فَيَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ قِرَاءَةٍ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى يَقُومَ فَيَقْرَأَ، ثُمَّ يَرْكَعَ ثُمَّ يَسْجُدَ لَمْ يَعْتَدَّ بِالرَّكْعَةِ الَّتِي قَرَأَ فِيهَا وَسَجَدَ فَكَانَ السُّجُودُ لِلرَّكْعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَكَانَتْ سَجْدَةً وَسَقَطَتْ عَنْهُ إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ، وَلَوْ فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ وَاعْتَدَّ بِالرَّكْعَةِ الَّتِي لَمْ يَعْتَدِلْ فِيهَا قَائِمًا، فَإِنْ ذَكَرَ وَهُوَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَهُ أَنْ يَبْنِيَ لَوْ سَهَا فَانْصَرَفَ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَ صَلاَتَهُ كَبَّرَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَأَجْزَأَتْهُ صَلاَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ، أَوْ يَطُولُ ذَلِكَ اسْتَأْنَفَ الصَّلاَةَ وَهَكَذَا هَذَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَسَجْدَةٍ وَشَيْءٍ مِنْ صُلْبِ الصَّلاَةِ أَطَاقَهُ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ كَمَا أَطَاقَهُ.
وَلَوْ أَطَاقَ سَجْدَةً فَلَمْ يَسْجُدْهَا وَأَوْمَأَ إيمَاءً سَجَدَهَا مَا لَمْ يَرْكَعْ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَعْدَهَا وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْهَا وَأَوْمَأَ بِهَا وَهُوَ يُطِيقُ سُجُودَهَا، ثُمَّ قَرَأَ بَعْدَ مَا رَكَعَ لَمْ يَعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ وَسَجَدَهَا، ثُمَّ أَعَادَ الْقِرَاءَةَ وَالرُّكُوعَ بَعْدَهَا لاَ يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَإِنْ رَكَعَ وَسَجَدَ سَجْدَةً فَتِلْكَ السَّجْدَةُ مَكَانَ الَّتِي أَطَاقَهَا وَأَوْمَأَ بِهَا فَقَامَ فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَلَمْ يَعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مَكَانَهَا وَلَمْ يَعْتَدَّ بِالثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهَا سَجْدَةٌ قَبْلَ رُكُوعٍ وَإِنَّمَا تَجْزِي عَنْهُ سَجْدَةٌ مَكَانَ سَجْدَةٍ قَبْلَهَا تَرَكَهَا، أَوْ فَعَلَ فِيهَا مَا لاَ يُجْزِيهِ إذَا سَجَدَ السَّجْدَةَ الَّتِي بَعْدَهَا عَلَى أَنَّهَا مِنْ صُلْبِ الصَّلاَةِ.
فَأَمَّا لَوْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ صُلْبِ الصَّلاَةِ وَأَوْمَأَ بِهَا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا، ثُمَّ سَجَدَ بَعْدَهَا سَجْدَةً مِنْ سُجُودِ الْقُرْآنِ، أَوْ سَجْدَةَ سَهْوٍ، لاَ يُرِيدُ بِهَا صُلْبَ الصَّلاَةِ لَمْ تُجْزِ عَنْهُ مِنْ السَّجْدَةِ الَّتِي تَرَكَ، أَوْ، أَوْمَأَ بِهَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَهَكَذَا أُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْأَمَةُ يُصَلِّينَ مَعًا بِغَيْرِ قِنَاعٍ، ثُمَّ يُعْتَقْنَ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلْنَ الصَّلاَةَ عَلَيْهِنَّ أَنْ يَتَقَنَّعْنَ وَيُتْمِمْنَ الصَّلاَةَ فَإِنْ تَرَكْنَ الْقِنَاعَ بَعْدَ مَا يُمْكِنُهُنَّ أَعَدْنَ تِلْكَ الصَّلاَةَ وَلَوْ صَلَّيْنَ بِغَيْرِ قِنَاعٍ وَقَدْ عَتَقْنَ لاَ يَعْلَمْنَ بِالْعِتْقِ أَعَدْنَ كُلَّ صَلاَةٍ صَلَّيْنَهَا بِلاَ قِنَاعٍ مِنْ يَوْمِ عَتَقْنَ؛ لِأَنَّهُنَّ يَرْجِعْنَ إلَى أَنْ يُحِطْنَ بِالْعِتْقِ فَيَرْجِعْنَ إلَى الْيَقِينِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلَوْ كَانَتْ مِنْهُنَّ مُكَاتَبَةٌ عِنْدَهَا مَا تُؤَدِّي وَقَدْ حَلَّتْ نُجُومُهَا فَصَلَّتْ بِلاَ قِنَاعٍ كَرِهْت ذَلِكَ لَهَا وَأَجْزَأَتْهَا صَلاَتُهَا؛ لِأَنَّهَا لاَ تُعْتَقُ إلَّا بِالْأَدَاءِ وَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ عَلَيْهَا أَنْ تَبْقَى رَقِيقًا وَإِنَّمَا أَرَى أَنَّ مُحَرَّمًا عَلَيْهَا الْمَطْلُ وَهِيَ تَجِدُ الْأَدَاءَ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ لِأَمَةٍ لَهُ: أَنْتِ حُرَّةٌ إنْ دَخَلْت فِي يَوْمِكَ هَذِهِ الدَّارَ فَتَرَكَتْ دُخُولَهَا وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى الدُّخُولِ حَتَّى صَلَّتْ بِلاَ قِنَاعٍ، ثُمَّ دَخَلَتْ، أَوْ لَمْ تَدْخُلْ لَمْ تُعِدْ صَلاَتَهَا؛ لِأَنَّهَا صَلَّتْهَا قَبْلَ أَنْ تُعْتَقَ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ حُرَّةٌ إنْ شِئْت فَصَلَّتْ وَتَرَكَتْ الْمَشِيئَةَ ثُمَّ أَعْتَقَهَا بَعْدُ لَمْ تُعِدْ تِلْكَ الصَّلاَةَ.
وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْ الْغُلاَمِ الْحُلُمُ فَدَخَلَ فِي صَلاَةٍ فَلَمْ يُكْمِلْهَا حَتَّى اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ مَوْلِدِهِ فَأَتَمَّهَا أَحْبَبْت لَهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ صَارَ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْفَرَائِضِ فِي وَقْتِ صَلاَةٍ فَلَمْ يُصَلِّهَا بِكَمَالِهَا بَالِغًا وَلَوْ قَطَعَهَا وَاسْتَأْنَفَهَا أَجْزَأَتْ عَنْهُ وَلَوْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَاسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً بَعْدَ فَوْتِ عَرَفَةَ، أَوْ احْتَلَمَ مَضَى فِي حَجِّهِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ حَجًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ أَدْرَكَ الْحَجَّ يَعْمَلُ عَمَلَهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ كُلِّهَا وَلَوْ صَامَ يَوْمًا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَلَمْ يُكْمِلْهُ حَتَّى احْتَلَمَ، أَوْ اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ أَحْبَبْت أَنْ يُتِمَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ، ثُمَّ يُعِيدَهُ؛ لِمَا وَصَفْت وَلاَ يَعُودُ لِصَوْمٍ قَبْلَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ حَتَّى مَضَى ذَلِكَ الْيَوْمُ وَكَذَلِكَ لاَ يَعُودُ لِصَلاَةٍ صَلَّاهَا قَبْلَ بُلُوغِهِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ مَضَتْ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَكُلِّ صَلاَةٍ غَيْرِ الَّتِي تَلِيهَا. وَكَذَلِكَ كُلُّ صَوْمِ يَوْمٍ غَيْرِ الَّذِي يَلِيهِ وَلاَ يُبَيَّنُ أَنَّ هَذَا عَلَيْهِ فِي الصَّلاَةِ وَلاَ فِي الصَّوْمِ فَأَمَّا فِي الْحَجِّ فَبَيِّنٌ.
باب جماع الأذان
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا} وَقَالَ {إذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ} فَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْأَذَانَ لِلصَّلاَةِ وَذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَكَانَ بَيِّنًا - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - أَنَّهُ أَرَادَ الْمَكْتُوبَةَ بِالْآيَتَيْنِ مَعًا وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْأَذَانَ لِلْمَكْتُوبَاتِ وَلَمْ يَحْفَظْ عَنْهُ أَحَدٌ عَلِمْتُهُ أَنَّهُ أَمَرَ بِالْأَذَانِ لِغَيْرِ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ بَلْ حَفِظَ الزُّهْرِيُّ عَنْهُ (أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ فِي الْعِيدَيْنِ الْمُؤَذِّنَ فَيَقُولُ الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ وَلاَ أَذَانَ إلَّا لِمَكْتُوبَةٍ) وَكَذَلِكَ لاَ إقَامَةَ فَأَمَّا الْأَعْيَادُ وَالْخُسُوفُ وَقِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُقَالَ فِيهِ (الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ) وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فَلاَ شَيْءَ عَلَى مَنْ تَرَكَهُ إلَّا تَرْكَ الْأَفْضَلِ وَالصَّلاَةُ عَلَى الْجَنَائِزِ وَكُلُّ نَافِلَةٍ غَيْرِ الْأَعْيَادِ وَالْخُسُوفِ بِلاَ أَذَانٍ فِيهَا وَلاَ قَوْلِ: الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ.
باب وقت الأذان للصبح
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ (إنَّ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا أَذَانَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ) أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ (إنَّ بِلاَلاً يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَكَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ رَجُلاً أَعْمَى لاَ يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ: لَهُ أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَالسُّنَّةُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلصُّبْحِ بِلَيْلٍ لِيُدْلِجَ الْمُدْلِجُ وَيَتَنَبَّهَ النَّائِمُ فَيَتَأَهَّبَ لِحُضُورِ الصَّلاَةِ وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَعْدَ الْفَجْرِ وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ أَرَ بَأْسًا أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ وَقْتَ أَذَانِهَا كَانَ قَبْلَ الْفَجْرِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ يُؤَذَّنُ لِصَلاَةٍ غَيْرِ الصُّبْحِ إلَّا بَعْدَ وَقْتِهَا؛ لِأَنِّي لَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا حَكَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ أَذَّنَ لَهُ لِصَلاَةٍ قَبْلَ وَقْتِهَا غَيْرَ الْفَجْرِ وَلَمْ يَزَلْ الْمُؤَذِّنُونَ عِنْدَنَا يُؤَذِّنُونَ لِكُلِّ صَلاَةٍ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا إلَّا الْفَجْرَ وَلاَ أُحِبُّ أَنْ يُتْرَكَ الْأَذَانُ لِصَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ انْفَرَدَ صَاحِبُهَا، أَوْ جَمَعَ وَلاَ الْإِقَامَةُ فِي مَسْجِدٍ جَمَاعَةً كَبُرَ وَلاَ صَغُرَ وَلاَ يَدَعُ ذَلِكَ الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ وَلاَ سَفَرِهِ وَأَنَا عَلَيْهِ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَةِ الْعِظَامِ أَحَظُّ. وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يُكْمِلَ الْأَذَانَ لِكُلِّ صَلاَةٍ غَيْرِ الصُّبْحِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا فَإِنْ أَذَّنَ لَهَا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا أَعَادَ إذَا دَخَلَ الْوَقْتُ وَإِنْ افْتَتَحَ الْأَذَانَ قَبْلَ الْوَقْتِ ثُمَّ دَخَلَ الْوَقْتُ عَادَ فَاسْتَأْنَفَ الْأَذَانَ مِنْ أَوَّلِهِ وَإِنْ أَتَمَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَذَانِ ثُمَّ عَادَ إلَى مَا مَضَى مِنْهُ قَبْلَ الْوَقْتِ لَمْ يُجْزِئْهُ وَلاَ يُكْمِلُ الْأَذَانَ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ عَلَى الْوَلاَءِ وَبَعْدَ وَقْتِ الصَّلاَةِ إلَّا فِي الصُّبْحِ وَلَوْ تَرَكَ مِنْ الْأَذَانِ شَيْئًا عَادَ إلَى مَا تَرَكَ ثُمَّ بَنَى مِنْ حَيْثُ تَرَكَ لاَ يُجْزِيهِ غَيْرُهُ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا قَدَّمَ مِنْهُ، أَوْ أَخَّرَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ فِي مَوْضِعِهِ فَلَوْ قَالَ فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ أَكْمَلَ الْأَذَانَ أَعَادَ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ أَكْبَرُ الَّتِي تَرَكَ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ حَتَّى يُكْمِلَ الْأَذَانَ، ثُمَّ يَجْهَرَ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَذَانِ وَيُخَافِتَ بِشَيْءٍ مِنْهُ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةُ مَا وَصَفْت بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ بِلَفْظِ الْأَذَانِ كَامِلاً فَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهِ كَمَا لاَ يَكُونُ عَلَيْهِ إعَادَةُ مَا خَافَتَ مِنْ الْقُرْآنِ فِيمَا يُجْهَرُ بِالْقُرْآنِ فِيهِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلَوْ كَبَّرَ، ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ عَادَ فَتَشَهَّدَ، ثُمَّ أَعَادَ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى الْأَذَانِ كُلِّهِ فَيَضَعُ كُلَّ شَيْءٍ مِنْهُ مَوْضِعَهُ وَمَا وَضَعَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ أَعَادَهُ فِي مَوْضِعِهِ.
باب عدد المؤذنين وأرزاقهم
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: أُحِبُّ أَنْ يُقْتَصَرَ فِي الْمُؤَذِّنِينَ عَلَى اثْنَيْنِ؛ لِأَنَّا، إنَّمَا حَفِظْنَا أَنَّهُ أَذَّنَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اثْنَانِ وَلاَ يَضِيقُ أَنْ يُؤَذِّنَ أَكْثَرُ مِنْ اثْنَيْنِ فَإِنْ اُقْتُصِرَ فِي الْأَذَانِ عَلَى وَاحِدٍ أَجْزَأَهُ وَلاَ أُحِبُّ لِلْإِمَامِ إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ الْأَوَّلُ أَنْ يُبْطِئَ بِالصَّلاَةِ لِيَفْرُغَ مَنْ بَعْدَهُ وَلَكِنَّهُ يَخْرُجُ وَيَقْطَعُ مَنْ بَعْدَهُ الْأَذَانَ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَوَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَتَفَقَّدَ أَحْوَالَ الْمُؤَذِّنِينَ لِيُؤَذِّنُوا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَلاَ يَنْتَظِرَهُمْ بِالْإِقَامَةِ وَأَنْ يَأْمُرَهُمْ فَيُقِيمُوا فِي الْوَقْتِ وَأُحِبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ مُؤَذِّنٌ بَعْدَ مُؤَذِّنٍ وَلاَ يُؤَذِّنُ جَمَاعَةٌ مَعًا. وَإِنْ كَانَ مَسْجِدًا كَبِيرًا لَهُ مُؤَذِّنُونَ عَدَدٌ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي كُلِّ مَنَارَةٍ لَهُ مُؤَذِّنٌ فَيُسْمِعُ مَنْ يَلِيهِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُونَ مُتَطَوِّعِينَ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَرْزُقَهُمْ وَلاَ وَاحِدًا مِنْهُمْ وَهُوَ يَجِدُ مَنْ يُؤَذِّنُ لَهُ مُتَطَوِّعًا مِمَّنْ لَهُ أَمَانَةٌ إلَّا أَنْ يَرْزُقَهُمْ مِنْ مَالِهِ وَلاَ أَحْسَبُ أَحَدًا بِبَلَدٍ كَثِيرِ الْأَهْلِ يَعُوزُهُ أَنْ يَجِدَ مُؤَذِّنًا أَمِينًا لاَزِمًا يُؤَذِّنُ مُتَطَوِّعًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَرْزُقَ مُؤَذِّنًا وَلاَ يَرْزُقَهُ إلَّا مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ سَهْمِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْزُقَهُ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْفَيْءِ؛ لِأَنَّ لِكُلِّهِ مَالِكًا مَوْصُوفًا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْزُقَهُ مِنْ الصَّدَقَاتِ شَيْئًا وَيَحِلُّ لِلْمُؤَذِّنِ أَخْذُ الرِّزْقِ إذَا رُزِقَ مِنْ حَيْثُ وَصَفْت أَنْ يُرْزَقَ وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِهِ بِأَنَّهُ رِزْقٌ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلاَ يُؤَذِّنُ إلَّا عَدْلٌ ثِقَةٌ لِلْإِشْرَافِ عَلَى عَوْرَاتِ النَّاسِ وَأَمَانَاتِهِمْ عَلَى الْمَوَاقِيتِ.
وَإِذَا كَانَ الْمُقَدَّمُ مِنْ الْمُؤَذِّنِينَ بَصِيرًا بِالْوَقْتِ لَمْ أَكْرَهْ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ أَعْمَى وَإِنْ كَانَ الْأَعْمَى مُؤَذِّنًا مُنْفَرِدًا وَمَعَهُ مَنْ يُعْلِمُهُ الْوَقْتَ لَمْ أَكْرَهْ ذَلِكَ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ كَرِهْتُهُ؛ لِأَنَّهُ لاَ يُبْصِرُ.
وَلاَ أُحِبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ أَحَدٌ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَإِنْ أَذَّنَ قَبْلَ الْبُلُوغِ مُؤَذِّنٌ أَجْزَأَ وَمَنْ أَذَّنَ مِنْ عَبْدٍ وَمُكَاتَبٍ وَحُرٍّ، أَجْزَأَ. وَكَذَلِكَ الْخَصِيُّ الْمَجْبُوبُ وَالْأَعْجَمِيُّ إذَا أَفْصَحَ بِالْأَذَانِ وَعَلِمَ الْوَقْتَ وَأَحَبُّ إلَيَّ فِي هَذَا كُلِّهِ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُونَ خِيَارَ النَّاسِ.
وَلاَ تُؤَذِّنُ امْرَأَةٌ وَلَوْ أَذَّنَتْ لِرِجَالٍ لَمْ يَجُزْ عَنْهُمْ أَذَانُهَا وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ وَإِنْ جَمَعْنَ الصَّلاَةَ وَإِنْ أُذِّنَ فَأَقَمْنَ فَلاَ بَأْسَ. وَلاَ تَجْهَرُ الْمَرْأَةُ بِصَوْتِهَا تُؤَذِّنُ فِي نَفْسِهَا وَتُسْمِعُ صَوَاحِبَاتِهَا إذَا أَذَّنَتْ وَكَذَلِكَ تُقِيمُ إذَا أَقَامَتْ وَكَذَلِكَ إنْ تَرَكَتْ الْإِقَامَةَ لَمْ أَكْرَهْ لَهَا مِنْ تَرْكِهَا مَا أَكْرَهُ لِلرِّجَالِ وَإِنْ كُنْت أُحِبُّ أَنْ تُقِيمَ.
وَأَذَانُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ وَإِقَامَتُهُ سَوَاءٌ كَهُوَ فِي غَيْرِ بَيْتِهِ فِي الْحِكَايَةِ وَسَوَاءٌ أَسْمَعَ الْمُؤَذِّنِينَ حَوْلَهُ، أَوْ لَمْ يُسْمِعْهُمْ وَلاَ أُحِبُّ لَهُ تَرْكَ الْأَذَانِ وَلاَ الْإِقَامَةِ وَإِنْ دَخَلَ مَسْجِدًا أُقِيمَتْ فِيهِ الصَّلاَةُ أَحْبَبْت لَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ فِي نَفْسِهِ.
باب حكاية الأذان
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَيْرِيزٍ أَخْبَرَهُ وَكَانَ يَتِيمًا فِي حِجْرِ أَبِي مَحْذُورَةَ حِينَ جَهَّزَهُ إلَى الشَّامِ قَالَ فَقُلْت لِأَبِي مَحْذُورَةَ أَيْ عَمِّ إنِّي خَارِجٌ إلَى الشَّامِ وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ أُسْأَلَ عَنْ تَأْذِينِكَ فَأَخْبِرْنِي، قَالَ: نَعَمْ قَالَ خَرَجْت فِي نَفَرٍ فَكُنَّا فِي بَعْضِ طَرِيقِ حُنَيْنٍ فَقَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ حُنَيْنٍ فَلَقَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالصَّلاَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَمِعْنَا صَوْتَ الْمُؤَذِّنِ وَنَحْنُ مُتَّكِئُونَ فَصَرَخْنَا نَحْكِيهِ وَنَسْتَهْزِئُ بِهِ فَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصَّوْتَ فَأَرْسَلَ إلَيْنَا إلَى أَنْ وَقَفْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيُّكُمْ الَّذِي سَمِعْت صَوْتَهُ قَدْ ارْتَفَعَ فَأَشَارَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ إلَيَّ وَصَدَقُوا فَأَرْسَلَ كُلَّهُمْ وَحَبَسَنِي. فَقَالَ: قُمْ فَأَذِّنْ بِالصَّلاَةِ فَقُمْت وَلاَ شَيْءَ أَكْرَهُ إلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ فَقُمْت بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَلْقَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التَّأْذِينَ هُوَ نَفْسُهُ فَقَالَ قُلْ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ لِي: ارْجِعْ وَامْدُدْ مِنْ صَوْتِكَ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ثُمَّ دَعَانِي حِينَ قَضَيْت التَّأْذِينَ فَأَعْطَانِي صُرَّةً فِيهَا شَيْءٌ مِنْ فِضَّةٍ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى نَاصِيَةِ أَبِي مَحْذُورَةَ، ثُمَّ أَمَرَّهَا عَلَى وَجْهِهِ. ثُمَّ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، ثُمَّ عَلَى كَبِدِهِ، ثُمَّ بَلَغَتْ يَدُهُ سُرَّةَ أَبِي مَحْذُورَةَ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ وَبَارَكَ عَلَيْك فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِالتَّأْذِينِ بِمَكَّةَ فَقَالَ: قَدْ أَمَرْتُكَ بِهِ فَذَهَبَ كُلُّ شَيْءٍ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ كَرَاهَتِهِ وَعَادَ ذَلِكَ كُلُّهُ مَحَبَّةً لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَدِمْت عَلَى عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ عَامِلِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَذَّنْت بِالصَّلاَةِ عَنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فَأَخْبَرَنِي ذَلِكَ مَنْ أَدْرَكْت مِنْ آلِ أَبِي مَحْذُورَةَ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا أَخْبَرَنِي ابْنُ مُحَيْرِيزٍ وَأَدْرَكْت إبْرَاهِيمَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ يُؤَذِّنُ كَمَا حَكَى ابْنُ مُحَيْرِيزٍ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَسَمِعْته يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعْنَى مَا حَكَى ابْنُ جُرَيْجٍ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَسَمِعْته يُقِيمُ فَيَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ قَدْ قَامَتْ الصَّلاَةُ قَدْ قَامَتْ الصَّلاَةُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحَسِبْتُنِي سَمِعْتُهُ يَحْكِي الْإِقَامَةَ خَبَرًا كَمَا يَحْكِي الْأَذَانَ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَالْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ كَمَا حُكِيَتْ عَنْ آلِ أَبِي مَحْذُورَةَ فَمَنْ نَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا، أَوْ قَدَّمَ مُؤَخَّرًا أَعَادَ حَتَّى يَأْتِيَ بِمَا نَقَصَ وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ فِي مَوْضِعِهِ وَالْمُؤَذِّنُ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ سَوَاءٌ فِي الْأَذَانِ وَلاَ أُحِبُّ التَّثْوِيبَ فِي الصُّبْحِ وَلاَ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ لَمْ يَحْكِ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ أَمَرَ بِالتَّثْوِيبِ فَأَكْرَهُ الزِّيَادَةَ فِي الْأَذَانِ وَأَكْرَهُ التَّثْوِيبَ بَعْدَهُ.
باب استقبال القبلة بالأذان
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَلاَ أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَذَانِهِ إلَّا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ لاَ تَزُولُ قَدَمَاهُ وَلاَ وَجْهُهُ عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ إيذَانٌ بِالصَّلاَةِ وَقَدْ وُجِّهَ النَّاسُ بِالصَّلاَةِ إلَى الْقِبْلَةِ فَإِنْ زَالَ عَنْ الْقِبْلَةِ بِبَدَنِهِ كُلِّهِ، أَوْ صَرَفَ وَجْهَهُ فِي الْأَذَانِ كُلِّهِ، أَوْ بَعْضِهِ كَرِهْتُهُ لَهُ وَلَمْ وَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهِ وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ عَلَى طَهَارَةِ الصَّلاَةِ فَإِنْ أَذَّنَ جُنُبًا، أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ كَرِهْتُهُ لَهُ وَلَمْ يُعِدْ وَكَذَلِكَ آمُرُهُ فِي الْإِقَامَةِ بِاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَأَنْ يَكُونَ طَاهِرًا فَإِنْ كَانَ فِي الْحَالَيْنِ كِلاَهُمَا غَيْرُ طَاهِرٍ كَرِهْتُهُ لَهُ وَهُوَ فِي الْإِقَامَةِ أَشَدُّ؛ لِأَنَّهُ يُقِيمُ فَيُصَلِّي النَّاسُ وَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ فَيَكُونُ أَقَلُّ مَا صَنَعَ أَنْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلتُّهْمَةِ بِالِاسْتِخْفَافِ وَأَكْرَهُ أَذَانَهُ جُنُبًا؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ وَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي دُخُولِهِ إلَّا عَابِرُ سَبِيلٍ وَالْمُؤَذِّنُ غَيْرُ عَابِرِ سَبِيلٍ مُجْتَازٍ وَلَوْ ابْتَدَأَ بِالْأَذَانِ طَاهِرًا ثُمَّ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ بَنَى عَلَى أَذَانِهِ وَلَمْ يَقْطَعْهُ ثُمَّ تَطَهَّرَ إذَا فَرَغَ مِنْهُ وَسَوَاءٌ مَا انْتَقَضَتْ بِهِ طَهَارَتُهُ فِي أَنْ يَبْنِيَ جَنَابَةً، أَوْ غَيْرَهَا فَإِنْ قَطَعَهُ، ثُمَّ تَطَهَّرَ ثُمَّ رَجَعَ بَنَى عَلَى أَذَانِهِ وَلَوْ اسْتَأْنَفَ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ.
باب الكلام في الأذان
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَأُحِبُّ الْمُؤَذِّنَ أَنْ لاَ يَتَكَلَّمَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ أَذَانِهِ فَإِنْ تَكَلَّمَ بَيْنَ ظَهَرَانِي أَذَانِهِ فَلاَ يُعِيدُ مَا أَذَّنَ بِهِ قَبْلَ الْكَلاَمِ كَانَ ذَلِكَ الْكَلاَمُ مَا شَاءَ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَمَا كَرِهْت لَهُ مِنْ الْكَلاَمِ فِي الْأَذَانِ كُنْت لَهُ فِي الْإِقَامَةِ أَكْرَهُ وَإِنْ تَكَلَّمَ فِي الْإِقَامَةِ لَمْ يُعِدْ الْإِقَامَةَ وَلَوْ كَانَ بَيْنَ كَلاَمِهِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا سُكَاتٌ طَوِيلٌ أَحْبَبْت لَهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَوْ سَكَتَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا سُكَاتًا طَوِيلاً أَحْبَبْت لَهُ اسْتِئْنَافُهُ وَلَمْ أُوجِبْ عَلَيْهِ الِاسْتِئْنَافَ وَلَوْ أَذَّنَ بَعْضَ الْأَذَانِ ثُمَّ نَامَ، أَوْ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ ثُمَّ انْتَبَهَ، أَوْ رَجَعَ إلَيْهِ عَقْلُهُ أَحْبَبْت أَنْ يَسْتَأْنِفَ تَطَاوَلَ ذَلِكَ، أَوْ قَصُرَ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بَنَى عَلَى أَذَانِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَذَّنَ فِي بَعْضِ الْأَذَانِ فَذَهَبَ عَقْلُهُ ثُمَّ رَجَعَ أَحْبَبْت أَنْ يَسْتَأْنِفَ وَإِنْ بَنَى عَلَى أَذَانِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الَّذِي يُؤَذِّنُ غَيْرُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْحَالاَتِ اسْتَأْنَفَ وَلَمْ يَبْنِ عَلَى أَذَانِهِ قَرُبَ ذَلِكَ، أَوْ بَعُدَ، فَإِنْ بَنَى عَلَى أَذَانِهِ لَمْ يُجْزِهِ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ وَلاَ يُشْبِهُ هَذَا الصَّلاَةَ يَبْنِي الْإِمَامُ فِيهَا عَلَى صَلاَةِ إمَامٍ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ فِي الصَّلاَةِ فَيُتِمُّ مَا عَلَيْهِ وَهَذَا لاَ يَعُودُ فَيُتِمُّ الْأَذَانَ بَعْدَ فَرَاغِهِ؛ وَلِأَنَّ مَا ابْتَدَأَ مِنْ الصَّلاَةِ كَانَ أَوَّلَ صَلاَتِهِ وَلاَ يَكُونُ بِأَوَّلِ الْأَذَانِ شَيْءٌ غَيْرَ التَّكْبِيرِ، ثُمَّ التَّشَهُّدِ وَلَوْ أَذَّنَ بَعْضَ الْأَذَانِ، أَوْ كُلَّهُ، ثُمَّ ارْتَدَّ أَحْبَبْت أَنْ لاَ يُتْرَكَ يَعُودُ لِأَذَانٍ وَلاَ يُصَلَّى بِأَذَانِهِ وَيَؤُمُّ غَيْرُهُ فِيهِ فَيُؤَذِّنُ أَذَانًا مُسْتَأْنَفًا.
باب الرجل يؤذن ويقيم غيره
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَإِذَا أَذَّنَ الرَّجُلُ أَحْبَبْت أَنْ يَتَوَلَّى الْإِقَامَةَ بِشَيْءٍ يُرْوَى فِيهِ أَنَّ مَنْ أَذَّنَ أَقَامَ وَذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ إذَا عُنِيَ بِالْأَذَانِ دُونَ غَيْرِهِ فَهُوَ أَوْلَى بِالْإِقَامَةِ وَإِذَا أَقَامَ غَيْرُهُ لَمْ يَكُنْ يَمْتَنِعُ مِنْ كَرَاهِيَةِ ذَلِكَ وَإِنْ أَقَامَ غَيْرُهُ أَجْزَأَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
باب الأذان والإقامة للجمع بين الصلاتين والصلوات
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي حَجَّةِ الْإِسْلاَمِ قَالَ فَرَاحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَى الْمَوْقِفِ بِعَرَفَةَ فَخَطَبَ النَّاسَ الْخُطْبَةَ الْأُولَى ثُمَّ أَذَّنَ بِلاَلٌ، ثُمَّ أَخَذَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ فَفَرَغَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ الْخُطْبَةِ وَبِلاَلٌ مِنْ الْأَذَانِ، ثُمَّ أَقَامَ بِلاَلٌ وَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ وَصَلَّى الْعَصْرَ) أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، أَوْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ (أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنْ الصَّلاَةِ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ بِهَوِيٍّ مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى كُفِينَا وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِلاَلاً فَأَمَرَهُ فَأَقَامَ الظُّهْرَ فَصَلَّاهَا فَأَحْسَنَ صَلاَتَهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا ثُمَّ أَقَامَ الْعَصْرَ فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ أَقَامَ الْمَغْرِبَ فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ أَقَامَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ أَيْضًا قَالَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُنْزِلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ {فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا}.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ، وَفِيهِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ صَلاَتَيْنِ فِي وَقْتِ الْأُولَى مِنْهُمَا أَقَامَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَأَذَّنَ لِلْأُولَى وَفِي الْآخِرَةِ يُقِيمُ بِلاَ أَذَانٍ، وَكَذَلِكَ كُلُّ صَلاَةٍ صَلَّاهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا كَمَا وَصَفْت.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَفِي أَنَّ الْمُؤَذِّنَ لَمْ يُؤَذِّنْ لَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ جَمَعَ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَالْخَنْدَقِ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لَوْ لَمْ يُجْزِئْ الْمُصَلِّي أَنْ يُصَلِّيَ إلَّا بِأَذَانٍ لَمْ يَدَعْ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَأْمُرَ بِالْأَذَانِ وَهُوَ يُمْكِنُهُ.
قال: وَمَوْجُودٌ فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنْ كَانَ هَذَا فِي الْأَذَانِ وَكَانَ الْأَذَانُ غَيْرَ الصَّلاَةِ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي الْإِقَامَةِ هَكَذَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ الصَّلاَةِ وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الصَّلاَةِ (فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا) وَمَنْ أَدْرَكَ آخِرَ الصَّلاَةِ فَقَدْ فَاتَهُ أَنْ يَحْضُرَ أَذَانًا وَإِقَامَةً وَلَمْ يُؤَذِّنْ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُقِمْ وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّهُ إذَا جَاءَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ خَرَجَ الْإِمَامُ مِنْ الصَّلاَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِلاَ أَذَانٍ وَلاَ إقَامَةٍ فَإِنْ تَرَكَ رَجُلٌ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ مُنْفَرِدًا، أَوْ فِي جَمَاعَةٍ كَرِهْت ذَلِكَ لَهُ وَلَيْسَتْ عَلَيْهِ إعَادَةُ مَا صَلَّى بِلاَ أَذَانٍ وَلاَ إقَامَةٍ وَكَذَلِكَ مَا جَمَعَ بَيْنَهُ وَفَرَّقَ مِنْ الصَّلَوَاتِ.
باب اجتزاء المرء بأذان غيره وإقامته وإن لم يقم له
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: (سَمِعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاً يُؤَذِّنُ لِلْمَغْرِبِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَ مَا قَالَ فَانْتَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَى الرَّجُلِ وَقَدْ قَامَتْ الصَّلاَةُ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: انْزِلُوا فَصَلُّوا فَصَلَّى الْمَغْرِبَ بِإِقَامَةِ ذَلِكَ الْعَبْدِ الْأَسْوَدِ).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَبِهَذَا نَأْخُذُ وَنَقُولُ يُصَلِّي الرَّجُلُ بِأَذَانِ الرَّجُلِ لَمْ يُؤَذِّنْ لَهُ وَبِإِقَامَتِهِ وَأَذَانِهِ وَإِنْ كَانَ أَعْرَابِيًّا، أَوْ أَسْوَدَ، أَوْ عَبْدًا، أَوْ غَيْرَ فَقِيهٍ إذَا أَقَامَ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُونَ كُلُّهُمْ خِيَارَ النَّاسِ لِإِشْرَافِهِمْ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ وَأَمَانَتِهِمْ عَلَى الْوَقْتِ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ (الْمُؤَذِّنُونَ أُمَنَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى صَلاَتِهِمْ) وَذَكَرَ مَعَهَا غَيْرَهَا وَاسْتَحَبَّ الْأَذَانَ لِمَا جَاءَ فِيهِ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (الْأَئِمَّةُ ضُمَنَاءُ وَالْمُؤَذِّنُونَ أُمَنَاءُ فَأَرْشَدَ اللَّهُ الْأَئِمَّةَ وَغَفَرَ لِلْمُؤَذِّنَيْنِ).
باب رفع الصوت بالأذان
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ (أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ لَهُ إنِّي أَرَاك تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ فَإِذَا كُنْت فِي غَنَمِكَ، أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْت بِالصَّلاَةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِكَ جِنٌّ وَلاَ إنْسٌ إلَّا شَهِدَ لَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَأُحِبُّ رَفْعَ الصَّوْتِ لِلْمُؤَذِّنِ وَأُحِبُّ إذَا اُتُّخِذَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُتَّخَذَ صَيِّتَا وَأَنْ يُتَحَرَّى أَنْ يَكُونَ حَسَنَ الصَّوْتِ فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُسْمِعَ مَنْ لاَ يُسْمِعُهُ ضَعِيفُ الصَّوْتِ وَحُسْنُ الصَّوْتِ أَرَقُّ لِسَامِعِهِ وَالتَّرْغِيبُ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ يَدُلُّ عَلَى تَرْتِيلِ الْأَذَانِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى أَنْ يَبْلُغَ غَايَةً مِنْ صَوْتِهِ فِي كَلاَمٍ مُتَتَابِعٍ إلَّا مُتَرَسِّلاً وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا حَذَفَ وَرَفَعَ انْقَطَعَ فَأُحِبُّ تَرْتِيلَ الْأَذَانِ وَتَبَيُّنَهُ بِغَيْرِ تَمْطِيطٍ وَلاَ تَغَنٍّ فِي الْكَلاَمِ وَلاَ عَجَلَةٍ وَأُحِبُّ فِي الْإِقَامَةِ أَنْ تُدْرَجَ إدْرَاجًا وَيُبَيِّنَهَا مَعَ الْإِدْرَاجِ.
قال: وَكَيْفَمَا جَاءَ بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ أَجْزَآ، غَيْرَ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ مَا وَصَفْت.
باب الكلام في الأذان
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ ذَاتُ رِيحٍ يَقُولُ أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَأُحِبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَ بِهَذَا إذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ أَذَانِهِ وَإِنْ قَالَهُ فِي أَذَانِهِ فَلاَ بَأْسَ عَلَيْهِ وَإِذَا تَكَلَّمَ بِمَا يُشْبِهُ هَذَا خَلْفَ الْأَذَانِ مِنْ مَنَافِعِ النَّاسِ فَلاَ بَأْسَ وَلاَ أُحِبُّ الْكَلاَمَ فِي الْأَذَانِ بِمَا لَيْسَتْ فِيهِ لِلنَّاسِ مَنْفَعَةٌ وَإِنْ تَكَلَّمَ لَمْ يُعِدْ أَذَانًا وَكَذَلِكَ إذَا تَكَلَّمَ فِي الْإِقَامَةِ كَرِهْتُهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةُ إقَامَةٍ.
باب في القول مثل ما يقول المؤذن
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ (إذَا سَمِعْتُمْ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ) أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُجَمِّعِ بْنِ يَحْيَى قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَامَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ (إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَإِذَا قَالَ أَشْهَد أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ وَأَنَا، ثُمَّ سَكَتَ) أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَمِّهِ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ سَمِعْت مُعَاوِيَةَ يُحَدِّثُ مِثْلَهُ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى الْمَازِنِيُّ أَنَّ عِيسَى بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ قَالَ (إنِّي لَعِنْدَ مُعَاوِيَةَ إذْ أَذَّنَ مُؤَذِّنُهُ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ كَمَا قَالَ مُؤَذِّنُهُ حَتَّى إذَا قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ قَالَ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَلَمَّا قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ قَالَ مُعَاوِيَةُ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ، ثُمَّ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ ذَلِكَ). أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ وَبِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ نَقُولُ وَهُوَ يُوَافِقُ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَفِيهِ تَفْسِيرٌ لَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَيَجِبُ لِكُلِّ مَنْ كَانَ خَارِجًا مِنْ الصَّلاَةِ مِنْ قَارِئٍ أَوْ ذَاكِرٍ أَوْ صَامِتٍ أَوْ مُتَحَدِّثٍ أَنْ يَقُولَ كَمَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ، وَفِي حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَمَنْ كَانَ مُصَلِّيًا مَكْتُوبَةً، أَوْ نَافِلَةً فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَمْضِيَ فِيهَا وَأُحِبُّ إذَا فَرَغَ أَنْ يَقُولَ مَا أَمَرْت مَنْ كَانَ خَارِجًا مِنْ الصَّلاَةِ أَنْ يَقُولَهُ وَإِنْ قَالَهُ مُصَلٍّ لَمْ يَكُنْ مُفْسِدًا لِلصَّلاَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لاَ يَقُولَهُ.
باب جماع لبس المصلي
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَقِيلَ - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ -: إنَّهُ الثِّيَابُ وَهُوَ يُشْبِهُ مَا قِيلَ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لاَ يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ) فَدَلَّ عَلَى أَنْ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ إلَّا لاَبِسًا إذَا قَدَرَ عَلَى مَا يَلْبَسُ وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِغُسْلِ دَمِ الْحَيْضِ مِنْ الثَّوْبِ، وَالطَّهَارَةُ إنَّمَا تَكُونُ فِي الصَّلاَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ عَلَى الْمَرْءِ لاَ يُصَلِّي إلَّا فِي ثَوْبٍ طَاهِرٍ وَإِذْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِتَطْهِيرِ الْمَسْجِدِ مِنْ نَجَسٍ؛ لِأَنَّهُ يُصَلَّى فِيهِ وَعَلَيْهِ فَمَا يُصَلَّى فِيهِ أَوْلَى أَنْ يُطَهَّرَ وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ قَالَ طَهِّرْ ثِيَابَكَ لِلصَّلاَةِ وَتَأَوَّلَهَا غَيْرُهُمْ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قال: وَلاَ يُصَلِّي الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ إلَّا مُتَوَارِيَيْ الْعَوْرَةِ.
قال: وَكَذَلِكَ إنْ صَلَّيَا فِي ثَوْبٍ غَيْرِ طَاهِرٍ أَعَادَا فَإِنْ صَلَّيَا وَهُمَا يَقْدِرَانِ عَلَى مُوَارَاةِ عَوْرَتِهِمَا غَيْرَ مُتَوَارِيَيْ الْعَوْرَةِ أَعَادَا عَلِمَا حِينَ صَلَّيَا، أَوْ لَمْ يَعْلَمَا فِي الْوَقْتِ، أَوْ غَيْرِ الْوَقْتِ، مَنْ أَمَرْتُهُ بِالْإِعَادَةِ أَبَدًا أَمَرْتُهُ بِهَا بِكُلِّ حَالٍ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَكُلُّ مَا وَارَى الْعَوْرَةَ غَيْرُ نَجَسٍ أَجْزَأَتْ الصَّلاَةُ فِيهِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ مَا دُونَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتَيْهِ لَيْسَ سُرَّتُهُ وَلاَ رُكْبَتَاهُ مِنْ عَوْرَتِهِ وَعَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُغَطِّيَ فِي الصَّلاَةِ كُلَّ بَدَنِهَا مَا عَدَا كَفَّهَا وَوَجْهَهَا وَمَنْ صَلَّى وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ نَجَسٌ، أَوْ يَحْمِلُ شَيْئًا نَجِسًا أَعَادَ الصَّلاَةَ وَإِنْ صَلَّى يَحْمِلُ كَلْبًا، أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ خَمْرًا أَوْ دَمًا أَوْ شَيْئًا مِنْ مَيْتَةٍ، أَوْ جِلْدِ مَيْتَةٍ لَمْ يُدْبَغْ أَعَادَ الصَّلاَةَ وَسَوَاءٌ قَلِيلُ ذَلِكَ، أَوْ كَثِيرُهُ وَإِنْ صَلَّى وَهُوَ يَحْمِلُ حَيًّا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ غَيْرَ كَلْبٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ لَمْ يُعِدْ حَيَّةً كَانَ، أَوْ غَيْرَ حَيَّةٍ وَإِنْ كَانَ مَيْتَةً أَعَادَ وَالثِّيَابُ كُلُّهَا عَلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى يَعْلَمَ فِيهَا نَجَاسَةً وَإِنْ كَانَتْ ثِيَابُ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ لاَ يَتَوَقَّوْنَ النَّجَاسَةَ وَلاَ يَعْرِفُونَهَا، أَوْ ثِيَابُ الْمُشْرِكِينَ كُلُّهَا، أَوْ أُزُرُهُمْ وَسَرَاوِيلاَتُهُمْ وَقُمُصُهُمْ لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ يُعِيدُ مَنْ صَلَّى فِيهِ الصَّلاَةَ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ فِيهِ نَجَاسَةً وَهَكَذَا الْبُسُطُ وَالْأَرْضُ عَلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى تُعْلَمَ نَجَاسَةٌ وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ تَوَقَّى ثِيَابَ الْمُشْرِكِينَ كُلَّهَا، ثُمَّ مَا يَلِي سِفْلَتِهِمْ مِنْهَا مِثْلُ الْأُزُرِ وَالسَّرَاوِيلاَتِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى مَا وَصَفْت.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَثَوْبُ أُمَامَةَ ثَوْبُ صَبِيٍّ.
باب كيف لبس الثياب في الصلاة
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ (لاَ يُصَلِّينَ أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَاحْتَمَلَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لاَ يُصَلِّينَ أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ) أَنْ يَكُونَ اخْتِيَارًا وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ لاَ يُجْزِيهِ غَيْرُهُ فَلَمَّا حَكَى جَابِرٌ مَا وَصَفْت وَحَكَتْ مَيْمُونَةُ (عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ بَعْضُهُ عَلَيْهِ وَبَعْضُهُ عَلَيْهَا) دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى فِيمَا صَلَّى فِيهِ مِنْ ثَوْبِهَا مُؤْتَزِرًا بِهِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَسْتُرُهُ أَبَدًا إلَّا مُؤْتَزِرًا بِهِ إذَا كَانَ بَعْضُهُ عَلَى غَيْرِهِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَعَلِمْنَا أَنَّ نَهْيَهُ أَنْ يُصَلَّى فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ اخْتِيَارًا وَأَنَّهُ يُجْزِي الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ كُلَّ وَاحِدٍ أَنْ يُصَلِّيَ مُتَوَارِيَيْ الْعَوْرَةِ، وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ مَا وَصَفْت وَكُلُّ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ إلَّا كَفَّيْهَا وَوَجْهَهَا وَظَهْرَ قَدَمَيْهَا عَوْرَةٌ فَإِذَا انْكَشَفَ مِنْ الرَّجُلِ فِي صَلاَتِهِ شَيْءٌ مِمَّا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ وَمِنْ الْمَرْأَةِ فِي صَلاَتِهَا شَيْءٌ مِنْ شَعْرِهَا قَلَّ، أَوْ كَثُرَ وَمِنْ جَسَدِهَا سِوَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا وَمَا يَلِي الْكَفَّ مِنْ مَوْضِعِ مِفْصَلِهَا وَلاَ يَعْدُوهُ، عَلِمَا أَمْ لَمْ يَعْلَمَا أَعَادَا الصَّلاَةَ مَعًا إلَّا أَنْ يَكُونَ تَنْكَشِفُ بِرِيحٍ، أَوْ سَقْطَةٍ، ثُمَّ يُعَادُ مَكَانَهُ لاَ لُبْثَ فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَبِثَ بَعْدَهَا قَدْرَ مَا يُمْكِنُهُ إذَا عَاجَلَهُ مَكَانَهُ إعَادَتُهُ أَعَادَ وَكَذَلِكَ هِيَ.
قال: وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فِي السَّرَاوِيلِ إذَا وَارَى مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَالْإِزَارُ أَسْتَرُ وَأَحَبُّ مِنْهُ.
قال: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لاَ يُصَلِّيَ إلَّا وَعَلَى عَاتِقِهِ شَيْءٌ عِمَامَةٌ، أَوْ غَيْرُهَا وَلَوْ حَبْلاً يَضَعُهُ.
باب الصلاة في القميص الواحد
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: أَخْبَرَنَا الْعَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيُّ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ (قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَكُونُ فِي الصَّيْدِ أَفَيُصَلِّي أَحَدُنَا فِي الْقَمِيصِ الْوَاحِدِ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلْيَزُرَّهُ وَلَوْ بِشَوْكَةٍ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أَنْ يُخِلَّهُ بِشَوْكَةٍ).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَبِهَذَا نَقُولُ وَثِيَابُ الْقَوْمِ كَانَتْ صِفَاقًا فَإِذَا كَانَ الْقَمِيصُ صَفِيقًا لاَ يَشِفُّ عَنْ لاَبِسِهِ صَلَّى فِي الْقَمِيصِ الْوَاحِدِ وَزَرَّهُ، أَوْ خَلَّهُ بِشَيْءٍ، أَوْ رَبَطَهُ لِئَلَّا يَتَجَافَى الْقَمِيصُ فَيَرَى مِنْ الْجَيْبِ عَوْرَتَهُ، أَوْ يَرَاهَا غَيْرُهُ فَإِنْ صَلَّى فِي قَمِيصٍ، أَوْ ثَوْبٍ مَعْمُولٍ عَمَلَ الْقَمِيصِ مِنْ جُبَّةٍ، أَوْ غَيْرِهَا غَيْرَ مَزْرُورٍ أَعَادَ الصَّلاَةَ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَهُوَ يُخَالِفُ الرَّجُلَ يُصَلِّي مُتَوَشِّحًا، التَّوَشُّحُ مَانِعٌ لِلْعَوْرَةِ أَنْ تُرَى وَيُخَالِفُ الْمَرْأَةَ تُصَلِّي فِي الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ وَالْمِقْنَعَةِ، وَالْخِمَارُ وَالْمِقْنَعَةُ سَاتِرَانِ عَوْرَةَ الْجَيْبِ فَإِنْ صَلَّى الرَّجُلُ فِي قَمِيصٍ غَيْرِ مَزْرُورٍ وَفَوْقَهُ عِمَامَةٌ، أَوْ رِدَاءٌ، أَوْ إزَارٌ يَضُمُّ مَوْضِعَ الْجَيْبِ حَتَّى يَمْنَعَهُ مِنْ أَنْ يَنْكَشِفَ، أَوْ مَا دُونَهُ إلَى الْعَوْرَةِ حَتَّى لَوْ انْكَشَفَ لَمْ تُرَ عَوْرَتُهُ أَجْزَأَتْهُ صَلاَتُهُ وَكَذَلِكَ إنْ صَلَّى حَازِمًا فَوْقَ عَوْرَتِهِ بِحَبْلٍ، أَوْ خَيْطٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَضُمُّ الْقَمِيصَ حَتَّى يَمْنَعَ عَوْرَةَ الْجَيْبِ وَإِنْ كَانَ الْقَمِيصُ مَزْرُورًا وَدُونَ الْجَيْبِ، أَوْ حِذَاءَهُ شِقٌّ لَهُ عَوْرَةٌ كَعَوْرَةِ الْجَيْبِ لَمْ تُجْزِهِ الصَّلاَةُ فِيهِ إلَّا كَمَا تُجْزِيهِ فِي الْجَيْبِ وَإِنْ صَلَّى فِي قَمِيصٍ فِيهِ خَرْقٌ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْعَوْرَةِ وَإِنْ قَلَّ لَمْ تُجْزِهِ الصَّلاَةُ وَإِنْ صَلَّى فِي قَمِيصٍ يَشِفُّ عَنْهُ لَمْ تُجْزِهِ الصَّلاَةُ وَإِنْ صَلَّى فِي قَمِيصٍ فِيهِ خَرْقٌ عَلَى غَيْرِ الْعَوْرَةِ لَيْسَ بِوَاسِعٍ تُرَى مِنْهُ الْعَوْرَةُ أَجْزَأَتْهُ الصَّلاَةُ وَإِنْ كَانَتْ الْعَوْرَةُ تُرَى مِنْهُ لَمْ تُجْزِهِ الصَّلاَةُ فِيهِ وَهَكَذَا الْخَرْقُ فِي الْإِزَارِ يُصَلِّي فِيهِ وَأُحِبُّ أَنْ لاَ يُصَلِّيَ فِي الْقَمِيصِ إلَّا وَتَحْتَهُ إزَارٌ، أَوْ سَرَاوِيلُ، أَوْ فَوْقَهُ سُتْرَةٌ فَإِنْ صَلَّى فِي قَمِيصٍ وَاحِدٍ يَصِفُهُ وَلَمْ يَشِفَّ كَرِهْت لَهُ وَلاَ يَتَبَيَّنُ أَنَّ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلاَةِ، وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ أَشَدُّ حَالاً مِنْ الرَّجُلِ إذَا صَلَّتْ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ يَصِفُهَا الدِّرْعُ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لاَ تُصَلِّيَ إلَّا فِي جِلْبَابٍ فَوْقَ ذَلِكَ وَتُجَافِيهِ عَنْهَا لِئَلَّا يَصِفَهَا الدِّرْعُ.
باب ما يصلى عليه مما يلبس ويبسط
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي نَمِرَةً وَالنَّمِرَةُ صُوفٌ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُصَلَّى فِي الصُّوفِ وَالشَّعْرِ وَالْوَبَرِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ) فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُصَلَّى فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ وَالسِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي رُوحٍ إذَا دُبِغَ إلَّا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ وَيُصَلَّى فِي جِلْدِ كُلِّ ذَكِيٍّ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَدْبُوغًا فَأَمَّا مَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَذَكَاتُهُ وَغَيْرُ ذَكَاتِهِ سَوَاءٌ لاَ يُطَهِّرُهُ إلَّا الدِّبَاغُ وَجِلْدُ الذَّكِيِّ يَحِلُّ أَكْلُهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَدْبُوغٍ.
قال: وَمَا قُطِعَ مِنْ جِلْدِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَمَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَهُوَ مَيْتَةٌ لاَ يُطَهِّرُهُ إلَّا الدِّبَاغُ، وَأَنْهَى الرِّجَالَ عَنْ ثِيَابِ الْحَرِيرِ فَمَنْ صَلَّى فِيهَا مِنْهُمْ لَمْ يُعِدْ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ وَإِنَّمَا تَعَبَّدُوا بِتَرْكِ لُبْسِهَا لاَ أَنَّهَا نَجِسَةٌ؛ لِأَنَّ أَثْمَانَهَا حَلاَلٌ وَإِنَّ النِّسَاءَ يَلْبَسْنَهَا وَيُصَلِّينَ فِيهَا وَكَذَلِكَ أَنْهَاهُمْ عَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ خَوَاتِيمَ وَغَيْرَ خَوَاتِيمَ وَلَوْ لَبِسُوهُ فَصَلَّوْا فِيهِ كَانُوا مُسِيئِينَ بِاللُّبْسِ عَاصِينَ إنْ كَانُوا عَلِمُوا بِالنَّهْيِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ إعَادَةُ صَلاَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَنْجَاسِ أَلاَ تَرَى أَنَّ الْأَنْجَاسَ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ سَوَاءٌ وَالنِّسَاءُ يُصَلِّينَ فِي الذَّهَبِ.
باب صلاة العراة
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَإِذَا غَرِقَ الْقَوْمُ فَخَرَجُوا عُرَاةً كُلُّهُمْ، أَوْ سُلِبُوا فِي طَرِيقٍ ثِيَابَهُمْ، أَوْ احْتَرَقَتْ فِيهِ فَلَمْ يَجِدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ ثَوْبًا وَهُمْ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ، صَلَّوْا فُرَادَى وَجَمَاعَةً رِجَالاً وَحْدَهُمْ، قِيَامًا يَرْكَعُونَ وَيَسْجُدُونَ وَيَقُومُ إمَامُهُمْ وَسَطُهُمْ وَيَغُضُّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَتَنَحَّى النِّسَاءُ فَاسْتَتَرْنَ إنْ وَجَدْنَ سِتْرًا عَنْهُمْ فَصَلَّيْنَ جَمَاعَةً أَمَّتْهُنَّ إحْدَاهُنَّ وَتَقُومُ وَسَطَهُنَّ وَيَغُضُّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَيَرْكَعْنَ وَيَسْجُدْنَ، وَيُصَلِّينَ قِيَامًا كَمَا وَصَفْت فَإِنْ كَانُوا فِي ضِيقٍ لاَ سِتْرَ بَيْنَهُمْ مِنْ الْأَرْضِ وَلَّيْنَ وُجُوهَهُنَّ عَنْ الرِّجَالِ حَتَّى إذَا صَلَّوْا وَلَّى الرِّجَالُ وُجُوهَهُمْ عَنْهُنَّ حَتَّى يُصَلِّينَ كَمَا وَصَفْت وَلَيْسَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ إعَادَةٌ إذَا وَجَدَ ثَوْبًا فِي وَقْتٍ وَلاَ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ مَعَ أَحَدِهِمْ ثَوْبٌ أَمَّهُمْ إنْ كَانَ يُحْسِنُ يَقْرَأُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُحْسِن يَقْرَأُ صَلَّى وَحْدَهُ ثُمَّ أَعَارَ لِمَنْ بَقِيَ ثَوْبَهُ وَصَلَّوْا وَاحِدًا وَاحِدًا فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ أَنْ يُعِيرَهُمْ ثَوْبَهُ فَقَدْ أَسَاءَ وَتَجْزِيهِمْ الصَّلاَةُ وَلَيْسَ لَهُمْ مُكَابَرَتُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ نِسَاءٌ فَإِنْ يُعِيرُهُ لِلنِّسَاءِ، أَوْجَبُ عَلَيْهِ وَيَبْدَأُ بِهِنَّ فَإِذَا فَرَغْنَ أَعَارَ الرِّجَالَ فَإِذَا أَعَارَهُمْ إيَّاهُ لَمْ يَسَعْ وَاحِدًا مِنْهُمْ أَنْ يُصَلِّيَ وَانْتَظَرَ صَلاَةَ غَيْرِهِ لاَ يُصَلِّي حَتَّى يُصَلِّيَ لاَبِسًا فَإِنْ صَلَّى وَقَدْ أَعْطَاهُ إيَّاهُ عُرْيَانًا أَعَادَ، خَافَ ذَهَابَ الْوَقْتِ، أَوْ لَمْ يَخَفْهُ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ، أَوْ مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَوْبٌ نَجَسٌ لَمْ يُصَلِّ فِيهِ وَتُجْزِيهِ الصَّلاَةُ عُرْيَانًا إذَا كَانَ ثَوْبُهُ غَيْرُ طَاهِرٍ وَإِذَا وَجَدَ مَا يُوَارِي بِهِ عَوْرَتَهُ مِنْ وَرَقٍ وَشَجَرٍ يَخْصِفُهُ عَلَيْهِ، أَوْ جِلْدٍ، أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ بِنَجَسٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِحَالٍ إلَّا مُتَوَارِي الْعَوْرَةِ وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يُوَارِي ذَكَرَهُ وَدُبُرَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى يُوَارِيَهُمَا مَعًا وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يُوَارِي أَحَدَهُمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى يُوَارِيَ مَا وَجَدَ إلَى مُوَارَاتِهِ سَبِيلاً وَإِذَا كَانَ مَا يُوَارِي أَحَدَ فَرْجَيْهِ دُونَ الْآخَرِ يُوَارِي الذَّكَرَ دُونَ الدُّبُرِ؛ لِأَنَّهُ لاَ حَائِلَ دُونَ الذَّكَرِ يَسْتُرُهُ وَدُونَ الدُّبُرِ حَائِلٌ مِنْ أَلْيَتَيْهِ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ فِي قُبُلِهَا وَدُبُرِهَا وَإِذَا كَانَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ عُرْيَانَيْنِ أَحْبَبْت إنْ وَجَدَ مَا يُوَارِيهَا بِهِ أَنْ يُوَارِيَهَا؛ لِأَنَّ عَوْرَتَهَا أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْ عَوْرَتِهِ وَإِنْ اسْتَأْثَرَ بِذَلِكَ دُونَهَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتُجْزِئُهَا صَلاَتُهَا وَإِنْ مَسَّ ذَكَرَهُ لِيَسْتُرَهُ، أَوْ مَسَّتْ فَرْجَهَا لِتَسْتُرَهُ أَعَادَا الْوُضُوءَ مَعًا وَلَكِنْ لِيُبَاشِرَا مِنْ وَرَاءِ شَيْءٍ لاَ يُفْضِيَانِ إلَيْهِ:
باب جماع ما يصلى عليه ولا يصلى من الأرض
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ (الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَجَدْت هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِي فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا مُنْقَطِعٌ وَالْآخَرُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَبِهَذَا نَقُولُ وَمَعْقُولٌ أَنَّهُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى أَرْضٍ نَجِسَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْبَرَةَ مُخْتَلِطَةُ التُّرَابِ بِلُحُومِ الْمَوْتَى وَصَدِيدِهِمْ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهُمْ وَذَلِكَ مَيْتَةٌ وَإِنَّ الْحَمَّامَ مَا كَانَ مَدْخُولاً يَجْرِي عَلَيْهِ الْبَوْلُ وَالدَّمُ وَالْأَنْجَاسُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَالْمَقْبَرَةُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُقْبَرُ فِيهَا الْعَامَّةُ وَذَلِكَ كَمَا وَصَفْت مُخْتَلِطَةُ التُّرَابِ بِالْمَوْتَى وَأَمَّا صَحْرَاءُ لَمْ يُقْبَرْ فِيهَا قَطُّ قَبَرَ فِيهَا قَوْمٌ مَاتَ لَهُمْ مَيِّتٌ، ثُمَّ لَمْ يُحَرَّكْ الْقَبْرُ فَلَوْ صَلَّى رَجُلٌ إلَى جَنْبِ ذَلِكَ الْقَبْرِ، أَوْ فَوْقَهُ كَرِهْتُهُ لَهُ وَلَمْ آمُرْهُ يُعِيدُ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ يُحِيطُ بِأَنَّ التُّرَابَ طَاهِرٌ لَمْ يَخْتَلِطْ فِيهِ شَيْءٌ وَكَذَلِكَ لَوْ قُبِرَ فِيهِ مَيِّتَانِ، أَوْ مَوْتَى فَإِنْ غَابَ أَمْرُهَا عَنْ رَجُلٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا عَلَى أَنَّهَا مَقْبَرَةٌ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَقْبَرَةٍ وَأَنْ يَكُونَ يُحِيطُ الْعِلْمُ أَنَّهُ لَمْ يُدْفَنْ فِيهَا قَطُّ قَبْلَ مَنْ دُفِنَ فِيهَا وَلَمْ يَنْبُشْ أَحَدٌ مِنْهُمْ لِأَحَدٍ وَاَلَّذِي يُنَجِّسُ الْأَرْضَ شَيْئَانِ: شَيْءٌ يَخْتَلِطُ بِالتُّرَابِ لاَ يَتَمَيَّزُ مِنْهُ شَيْءٌ وَشَيْءٌ يَتَمَيَّزُ مِنْ التُّرَابِ وَمَا لاَ يَخْتَلِطُ مِنْ التُّرَابِ وَلاَ يَتَمَيَّزُ مِنْهُ مُتَفَرِّقٌ فَإِذَا كَانَ جَسَدًا يَخْتَلِطُ بِالتُّرَابِ وَيُعْقَلُ أَنَّهُ جَسَدٌ قَائِمٌ فِيهِ كَلُحُومِ الْمَوْتَى وَعِظَامِهِمْ وَعَصَبِهِمْ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَوْجُودٍ لِغَلَبَةِ التُّرَابِ عَلَيْهِ وَكَيْنُونَتِهِ كَهُوَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي يَخْتَلِطُ بِهَا هَذَا لاَ يُطَهَّرُ وَإِنْ أَتَى عَلَيْهِ الْمَاءُ وَكَذَلِكَ الدَّمُ وَالْخَلاَءُ وَمَا فِي مَعَانِيهِمَا مِمَّا لَوْ انْفَرَدَ كَانَ جَسَدًا قَائِمًا وَمِمَّا يُزَالُ إنْ كَانَ مُسْتَجْسِدًا فَيَزُولُ وَيُنَحَّى فَيَخْلُو الْمَوْضِعُ مِنْهُ مَا كَانَ تَحْتَهُ مِنْ تُرَابٍ، أَوْ غَيْرِهِ بِحَالِهِ وَشَيْءٌ يَكُونُ كَالْمَاءِ إذَا خَالَطَ التُّرَابَ نَشَّفَهُ، أَوْ الْأَرْضَ تُنَشِّفُهُ وَذَلِكَ مِثْلُ الْبَوْلِ وَالْخَمْرِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَالْأَرْضُ تَطْهُرُ مِنْ هَذَا بِأَنْ يُصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ حَتَّى يَصِيرَ لاَ يُوجَدُ وَلاَ يُعْقَلُ فِيهَا مِنْهُ جَسَدٌ وَلاَ لَوْنٌ.
باب الصلاة في أعطان الإبل ومراح الغنم
[قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ كُرَيْزٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ (إذَا أَدْرَكْتُكُمْ الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ فَاخْرُجُوا مِنْهَا فَصَلُّوا فَإِنَّهَا جِنٌّ، مِنْ جِنٍّ خُلِقَتْ أَلاَ تَرَوْنَهَا إذَا نَفَرَتْ كَيْفَ تَشْمَخُ بِآنَافِهَا وَإِذَا أَدْرَكْتُكُمْ الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ فِي مُرَاحِ الْغَنَمِ فَصَلُّوا فِيهَا فَإِنَّهَا سَكِينَةٌ وَبَرَكَةٌ).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَمَعْنَاهُ عِنْدَنَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - عَلَى مَا يُعْرَفُ مِنْ مُرَاحِ الْغَنَمِ وَأَعْطَانِ الْإِبِلِ أَنَّ النَّاسَ يُرِيحُونَ الْغَنَمَ فِي أَنْظَفِ مَا يَجِدُونَ مِنْ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهَا تَصْلُحُ عَلَى ذَلِكَ وَالْإِبِلُ تَصْلُحُ عَلَى الدَّقَعِ مِنْ الْأَرْضِ فَمَوَاضِعُهَا الَّتِي تُخْتَارُ مِنْ الْأَرْضِ أَدْقَعُهَا وَأَوْسَخُهَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَالْمُرَاحُ وَالْعَطَنُ اسْمَانِ يَقَعَانِ عَلَى مَوْضِعٍ مِنْ الْأَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَعْطَنْ وَلَمْ يُرَوَّحْ إلَّا الْيَسِيرُ مِنْهَا فَالْمُرَاحُ مَا طَابَتْ تُرْبَتُهُ وَاسْتُعْمِلَتْ أَرْضُهُ وَاسْتَذْرَى مِنْ مَهَبِّ الشِّمَالِ مَوْضِعُهُ وَالْعَطَنُ قُرْبَ الْبِئْرِ الَّتِي تُسْقَى مِنْهَا الْإِبِلُ تَكُونُ الْبِئْرُ فِي مَوْضِعٍ وَالْحَوْضُ قَرِيبًا مِنْهَا فَيُصَبُّ فِيهِ فَيُمْلاَُ فَتُسْقَى الْإِبِلُ ثُمَّ تُنَحَّى عَنْ الْبِئْرِ شَيْئًا حَتَّى تَجِدَ الْوَارِدَةُ مَوْضِعًا فَذَلِكَ عَطَنٌ لَيْسَ أَنَّ الْعَطَنَ مُرَاحُ الْإِبِلِ الَّتِي تَبِيتُ فِيهِ نَفْسُهُ وَلاَ الْمُرَاحُ مُرَاحُ الْغَنَمِ الَّتِي تَبِيتُ فِيهِ نَفْسِهِ دُونَ مَا قَارَبَهُ وَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لاَ تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ فَإِنَّهَا جِنٌّ، مِنْ جِنٍّ خُلِقَتْ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْهَا كَمَا (قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ نَامَ عَنْ الصَّلاَةِ: اُخْرُجُوا بِنَا مِنْ هَذَا الْوَادِي فَإِنَّهُ وَادٍ بِهِ شَيْطَانٌ) فَكَرِهَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي قُرْبِ الشَّيْطَانِ فَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قُرْبَ الْإِبِلِ؛ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ جِنٍّ لاَ لِنَجَاسَةِ مَوْضِعِهَا. وَقَالَ فِي الْغَنَمِ هِيَ مِنْ دَوَابِّ الْجَنَّةِ فَأَمَرَ أَنْ يُصَلَّى فِي مُرَاحِهَا يَعْنِي - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مُرَاحِهَا الَّذِي لاَ بَعْرَ فِيهِ وَلاَ بَوْلَ.
قال: وَلاَ يَحْتَمِلُ الْحَدِيثُ مَعْنًى غَيْرَهُمَا وَهُوَ مُسْتَغْنٍ بِتَفْسِيرِ حَدِيثِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالدَّلاَئِلُ عَنْهُ عَنْ بَعْضِ هَذَا الْإِيضَاحِ.
قال: فَمَنْ صَلَّى عَلَى مَوْضِعٍ فِيهِ بَوْلٌ، أَوْ بَعْرُ الْإِبِلِ أَوْ غَنَمٍ أَوْ ثَلْطُ الْبَقَرِ أَوْ رَوْثُ الْخَيْلِ أَوْ الْحَمِيرِ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ نَجَسٌ وَمَنْ صَلَّى قُرْبَهُ فَصَلاَتُهُ مُجْزِئَةٌ عَنْهُ وَأَكْرَهُ لَهُ الصَّلاَةَ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قَذَرٌ لِنَهْيِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْهُ فَإِنْ صَلَّى أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى فَمَرَّ بِهِ شَيْطَانٌ فَخَنَقَهُ حَتَّى وَجَدَ بَرْدَ لِسَانِهِ عَلَى يَدِهِ فَلَمْ يُفْسِدْ ذَلِكَ صَلاَتَهُ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نَهْيَهُ أَنْ يُصَلَّى فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ؛ لِأَنَّهَا جِنٌّ لِقَوْلِهِ: (اُخْرُجُوا بِنَا مِنْ هَذَا الْوَادِي فَإِنَّهُ وَادٍ بِهِ شَيْطَانٌ) اخْتِيَارٌ وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْجِنُّ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الْمَنَازِلِ وَلاَ يَعْلَمُ ذَلِكَ أَحَدٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: مَعَ أَنَّ الْإِبِلَ نَفْسَهَا إنَّمَا تَعْمِدُ فِي الْبُرُوكِ إلَى أَدْقَعِ مَكَان تَجِدُهُ وَإِنَّ عَطَنَهَا - وَإِنْ كَانَ غَيْرَ دَقَعٍ - فَحِصَّتُهُ بِمَبَارِكِهَا وَتَمَرُّغِهَا حَتَّى تُدْقِعَهُ، أَوْ تُقَرِّبَهُ مِنْ الْإِدْقَاعِ وَلَيْسَ مَا كَانَ هَكَذَا مِنْ مَوَاضِعِ الِاخْتِيَارِ مِنْ النَّظَافَةِ لِلْمُصَلَّيَاتِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَلَعَلَّ أَبْوَالَ الْإِبِلِ وَمَا أُكِلَ لَحْمُهُ وَأَبْعَارَهُ لاَ تُنَجِّسُ فَلِذَلِكَ أَمَرَ بِالصَّلاَةِ فِي مُرَاحِ الْغَنَمِ. قِيلَ: فَيَكُونُ إذًا نَهْيُهُ عَنْ الصَّلاَةِ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ؛ لِأَنَّ أَبْوَالَهَا وَأَبْعَارَهَا تُنَجِّسُ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ كَمَا ذَهَبْت إلَيْهِ وَلاَ يَحْتَمِلُهُ الْحَدِيثُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ أَبْوَالَ الْغَنَمِ لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ؛ لِأَنَّ لُحُومَهَا تُؤْكَلُ قِيلَ: فَلُحُومُ الْإِبِلِ تُؤْكَلُ وَقَدْ نَهَى عَنْ الصَّلاَةِ فِي أَعْطَانِهَا فَلَوْ كَانَ مَعْنَى أَمْرِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالصَّلاَةِ فِي مُرَاحِهَا عَلَى أَنَّ أَبْوَالَهَا حَلاَلٌ لَكَانَتْ أَبْوَالُ الْإِبِلِ وَأَبْعَارُهَا حَرَامًا وَلَكِنْ مَعْنَاهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَا وَصَفْنَا.