النوع الثالث والسبعون في أفضل القرآن وفضائله
أختلف الناس: هل في القرآن شيء أفضل من شيء فذهب الإمام أبو الحسن الأشعري والقاضي أبو بكر الباقلاني وابن حبان إلى المنع لأن الجميع كلام الله ولئلا يوهم التفضيل نقص المفضل عليه وروى هذا القول عن مالك.
قال يحيى بن يحيى: تفضيل بعض القرآن على بعض خطأ ولذلك كره مالك أن تعاد سورة أوتردد دون غيرها.
وقال ابن حبان في حديث أبيّ بن كعب ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن إن الله لا يعطي لقارئ التوراة والإنجيل من الثواب مثل ما يعطي لقارئ أم القرآن إذ الله سبحانه وتعالى بفضله فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم وأعطاها من الفضل على قراءة كلامه أكثر مما أعطى غيرها من الفضل على قراءة كلامه.
قال: وقوله أعظم سورة أراد به في الأجر لا أن بعض القرآن أفضل من بعض.
وذهب آخرون إلى التفضيل لظواهر الأحاديث منهم إسحاق بن راهويه وأبوبكر بن العربي والغزالي.
وقال القرطبي: إنه لحق ونقله عن جماعة من العلماء والمتكلمين.
وقال الغزالي في جواهر القرآن: لعلك أن تقول قد أشرت إلى تفضيل بعض آيات القرآن على بعض والكلام كلام الله فكيف يتفاوت بعضها بعضًا وكيف يكون بعضها أشرف ن بعض فاعلم أن نور البصيرة إن كان لا يرشدك إلى الفرق بين آية الكرسي وآية المداينات وبين سورة الإخلاص وسورة تبت وترتاع على اعتقاد نفسك الخوارة المستغرقة بالتقليد فقلد صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم فهوالذي أنزل عليه القرآن.
وقال يس قلب القرآن وفاتحة الكتاب أفضل سور القرآن وآية الكرسي سيدة آي القرآن وقل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن.
والأخبار الواردة في فضائل القرآن وتخصيص بعض السور والآيات بالفضل وكثرة الثواب في تلاوتها لا تحصى أه.
وقال ابن الحصار: العجب ممن يذكر الاختلاف في ذلك مع النصوص الواردة بالتفضيل.
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: كلام الله في الله أفضل من كلامه في غيره فقل هو الله أحد أفضل من تبت يدا أبي لهب.
وقال الخويبي: كلام الله أبلغ من كلام المخلوقين.وهل يجوز أ يقال بعض كلامه أبلغ من بعض الكلام جوزه قوم لقصور نظرهم وينبغي أن تعلم أن معنى قول القائل هذا الكلام أبلغ من هذا: أن هذا في موضعه له حسن ولطف وذاك في موضعه له حسن وولطف وهذا الحسن في موضعه أكمل من ذاك في موضعه.
فإن من قال: إن قل هو الله أحد أبلغ من تبت يدا أبي لهب يجعل المقابلة بين ذكر الله وذكر أبي لهب وبين التوحيد والدعاء على الكافر وذلك غير صحيح بل ينبغي أن يقال تبت يدا أبي لهب دعاء عليه بالخسران فهل توجد عبارة للدعاء بالخسران أحسن من هذه وكذلك في قل هو الله أحد لا توجد عبارة تدل على الوحدانية أبلغ منها فالعالم إذا نظر إلى تبت يدا أبي لهب في باب الدعاء بالخسران ونظر إلى قل هو الله أحد في باب التوحيد لا يمكنه أن يقول أحدهما أبلغ من الآخر أه.
وقال غيره: اختلف القائلون فقال بعضهم: الفضل راجع إلى عظم الأجر ومضاعفة الثواب بحسب انتقالات النفس وخشيتها وتدبرها وتكفرها عند ورود أوصاف العلي وقيل بل يرجع لذات اللفظ وأن ما تضمنه قوله تعالى وإلهكم إله واحد} الآية وآية الكرسي وآخر سورة الحشر وسورة الإخلاص من الدلالات على وحدانيته وصفاته ليس موجودًا مثلًا في تبت يدا أبي لهب وما كان مثلها فالتفضيل إنما هوبالماني العجيبة وكثرتها.
وقال الحليمي ونقله عنه البيهقي: معنى التفضيل يرجع إلى أشياء.
أحدها: أن يكون العمل بآية أولى من العمل بأخرى وأعود على الناس وعلى هذا يقال: آية الأمر والنهي والوعد والوعيد خير من آيات القصص لأنها إنما أريد بها تأكيد الأمر والنهي والإنذار والتبشير ولا غنى بالناس عن هذه الأمور وقد يستغنون عن القصص فكان ما هوأعود عليهم وأنفع لهم مما يجري مجرى الأصول خيرًا لهم مما يجعل لهم تبعًا لما لا بد منه.
الثاني: أن يقال: الآيات التي تشتمل على تعديد أسماء الله تعالى وبيان صفاته والدلالة على عظمته أفضل بمعنى أن مخبراتها أسنى وأجل قدرًا.
الثالث: أن يقال: سورة خير من سورة أوآية خير من آية بمعنى أن القارئ يتعجل له بقراءتها فائدة سوى الثواب الآجل ويتأدى منه بتلاوتها عبادة كقراءة آية الكرسي والإخلاص والمعوذتين فإن قارئها يتعجل بقراءتها الاحتراز مما يخشى والاعتصام بالله ويتأدى بتلاوتها عبادة الله لما فيها من ذكره سبحانه وتعالى بالصفات العلي على سبيل لاعتقاد لها وسكون النفس إلى فضل ذلك الذكر وبركته.
فأما آيات الحكم فلا يقع بنفس تلاوتها إقامة حكم وإنما يقع بها علم.
ثم لوقيل في الجملة إن القرآن خير من التوراة والإنجيل والزبور بمعنى أن التعبد بالتلاوة والعمل واقع به دونها والثواب بحسب قراءته لا بقراءتها أوأنه من حيث الإعجاز حجة النبي المبعوث وتلك الكتب لم تكن حجة ولا كانت حجج أولئك الأنبياء بل كانت دعوتهم والحجج غيرها وكان ذلك أيضًا نظير ما مضى.
وقد يقال: إن سورة أفضل من سورة لأن الله جعل قراءتها كقراءة أضعافها مما سواها وأوجب بها من الثواب ما لم يوجب بغيرها وإن كان المعنى الذي لأجله بلغ بها هذا المقدار لا يظهر لنا كما يقال ا يومًا أفضل من يوم وشهرًا أفضل من شهر بمعنى العبادة فيه تفضل على العبادة في غيره والذنب فيه أعظم من غيره وكما يقال ا الحرم أفضل من الحل لأنه يتأدى فيه من المناسك ما لا يتأدى في غيره والصلاة فيه تكون كصلاة مضاعفة مما تقام في غيرها أه كلام الحليمي.
وقال ابن التين في حديث البخاري لأعلمنك سورة هي اعظم السور معناه أن ثوابها أعظم من غيرها.
وقال غيره: غنما كانت أعظم السور لأنها جمعت جميع مقاصد القرآن ولذلك سميت أم القرآن.
وقال الحسن البصري: إن الله أودع علوم الكتب السابقة في القرآن ثم أودع علوم القرآن الفاتحة فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير جميع الكتب المنزلة.
أخرجه البيهقي وبيان اشتمالها على علوم القرآن قرره الزمخشري باشتمالها على الثناء على اله تعالى بما هوأهله وعلى التعبد والنهي وعلى الوعد والوعيد وآيات القرآن لا تخلوعن أحد هذه الأمور.
وقال الإمام فخر الدين: المقصود من القرآن كله تقرير أمور أربعة: الإلهيات والمعاد والنبوات وإثبات القضاء والقدر لله تعالى.فقوله {الحمد لله رب العالمين} يدل على الإلهيات وقوله {مالك يوم الدين} يدل على المعاد وقوله {إياك نعبد وإياك نستعين} يدل على نفي الخبر وعلى إثبات أن الكل بقضاء الله وقدره وقوله {إهدنا الصراط المستقيم} إلى آخر السورة يدل على إثبات قضاء الله وعلى النبوات.
فلما كان المقصد الأعظم من القرآن هذه المطالب الأربعة وهذه السورة مشتملة عليها سميت أم القرآن.
وقال البيضاوي: هي مستملة على الحكم النظرية والأحكام العملية التي هي سلوك الطريق المستقيم والاطلاع على مراتب السعداء ومنازل الأشقياء.
وقال الطيبي: هي مشتملة على أربعة أنواع من العلوم التي هي مناط الدين.
أحدها: علم الأصول ومعاقدة الله تعالى وصفاته وإليها الإشارة بقوله {الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ومعرفة النبوة وهي المراد بقوله {أنعمت عليهم} ومعرفة المعاد وهوالمومى إليه بقوله {مالك يوم الدين}.
وثانيها: علم الفروع وأسه العبادات وهوالمراد بقوله {إياك نعبد}.وثالثها: علم يحصل به الكمال وهوعلم الأخلاق وأجله الوصول إلى الحضرة الصمدانية والالتجاء إلى جناب الفردانية والسلوك لطريقه والاستقامة فيها وإليه الإشارة بقوله {وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم}.
ورابعها: علم القصص والإخبار عن الأمم السالفة والقرون الخالية السعداء منهم والأشقياء وما يتصل بها من وعد محسنهم ووعيد مسيئهم وهوالمراد بقوله {أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين وقال الغزالي: مقاصد القرآن ستة: ثلاثة مهمة وثلاثة متمة.
الأولى: تعريف المدعوإليه كما أشير إليه بصدرها وتعريف الصراط المستقيم وقد صرح به فيها وتعريف الحال عند الرجوع إليه تعالى وهوالآخرة كما أشير إليه بملك يوم الدين والأخرى تعريف أحوال المطيعين كما أشير إليه بقوله {الذين أنعمت عليهم وحكاية أقوال الجاحدين وقد أشير إليها بالمغضوب عليهم ولا الضالين وتعريف منازل الطريق كما أشير إليه بقوله {إياك نعبد وإياك نستعين} أه.
ولا ينافي هذا وضفها في الحديث الآخر بكونها ثلثي القرآن لأنه بعضهم وجهه بأن دلالات القرآن العظيم إما أن تكون بالمطابقة أوبالتضمن أوبالالتزام دون لمطابقة وهذه السورة تدل جميع مقاصد القرآن بالتضمن والالتزام دون المطابقة والاثنان من الثلاثة ثلثان ذكره الزركشي في شرح التنبيه.
وناصر الدين بن الميلق قال: وأيضًا الحقوق ثلاثة: حق الله على عباده وحق العباد على الله وحق بعض العباد على بعض وقد اشتملت الفاتحة صريحًا على الحقين الأولين فناسب كونها بصريحها ثلثين.
وحديث قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين شاهد لذلك.
قلت: ولا تنافي أيضًا بين كون الفاتحة أعظم السور وبين الحديث الآخر أن البقرة أعظم السور لأن المراد به ما عدا الفاتحة من السور التي فصلت فيها الأحكام وضربت الأمثال وأقيمت الحجج إذ لم تشتمل سورة على ما اشتملت عليه ولذلك سميت فسطاط القرآن.
قال ابن العربي في أحكامه: سمعت بعض أشياخي يقول فيها ألف أمر وألف نهي وألف حكم وألف خبر ولعظيم فقهها أقام ابن عمر ثماني سنين على تعليمها أخرجه مالك في الموطأ.
قال ابن العربي أيضا وإنما صارت آية الكرسي أعظم الآيات لعظم مقتضاها فإن الشيء إنام يشرف بشرف ذاته ومقتضاه ومتعلقاته وهي في أي القرآن كسورة الإخلاص في سوره إلا أن سورة الإخلاص تفضلها بوجهين.
أحدهما: أنها سورة وهذه آية والسورة أعظم لأنه وقع التحدي بها في أفضل من الآية التي لم يتحد بها.
والثاني: أن سورة الإخلاص اقتضت التوحيد في خمسة عشر حرفًا وآية الكرسي اقتضت التوحيد في خمسين حرفًا فظهرت القدرة في الإعجاز بوضع معنى معبر عنه بخمسين حرفًا ثم يعبر عنه بخمسة عشر وذلك بيان لعظيم القدرة والانفراد بالوحدانية.وقال ابن المنير: اشتملت آية الكرسي على ما لم تشتمل عليه آية من أسماء الله تعالى وذلك أنها مشتملة على سبعة عشر موضعًا فيها اسم الله تعالى ظاهرًا في بعضها ومستكنا في بعض وهي الله وهوالحي القيوم ضمير لا تأخذه وله وعنده وبأذنه ويعلم وعلمه وشاء وكرسيه ويؤوده ضمير حفظهما المستتر الذي هوفاعل المصدر وهوالعلي العظيم.
وإن عدت الضمائر المتحملة في الحي القيوم العلي العظيم والضمير المقدر قبل الحي على أحد الأعاريب صارت اثنين وعشرين.
وقال الغزالي: إنما كانت آية الكرسي سيدة الآيات لأنها اشتملت على ذات الله وصفاته وأفعاله فقط ليس فيها غير ذلك ومعرفة ذلك هو المقصود الأقصى في العلوم وما عداه تابع له والسيد اسم للمتبوع المقدم فقوله الله إشارة إلى الذات لا إله إلا هو إشارة إلى توحيد الذات الحي القيوم إشارة إلى صفة الذات وجلاله فإن معنى القيوم الذي يقوم بنفسه ويقوم به غيره وذلك غاية الجلال والعظمة لا تأخذه سنة ولا نوم تنزيه وتقديس له عما يستحيل عليه من أوصاف الحوادث والتقديس عما يستحيل أحد أقسام المعرفة له ما في السموات وما في الأرض إشارة إلى الأفعال كلها وأن جميعها منه وإليه من ذا الذي يشفع عنده إلا بأذنه إشارة إلى انفراده بالملك والحكم بالأمر وإن من يملك الشفاعة إنما يملكها بتشريفه إياه والأذن فيها وهذا نفي الشركة عنه في الحكم والأمر يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم إلى قوله {شاء إشارة إلى صفة العلم وتفضيل بعض العلومات والانفراد بالعلم حتى لا علم لغيره إلا ما أعطاه ووهبه على قدر مشيئته وإرادته وسع كرسيه السموات والأرض إشارة إلى عظمة ملكه وكمال قدرته ولا يؤوده حفظهما إشارة إلى صفة القدرة وكمالها وتنزيهها عن الضعف والنقصان وهوالعلي العظيم إشارة إلى أصلين عظيمين في الصفات.
فإذا تأملت هذه المعاني ثم تأملت هذه المعاني ثم تلوت جميع آي القرآن لم تجد جملتها مجموعة في آية واحدة فإن شهد الله ليس فيها إلا التوحيد والتقديس وقل اللهم مالك الملك ليس فيها إلا الأفعال والفاتحة فيها الثلاثة لكن غير مشروحة في آية الكرسي والذي يقرب منها في جمعها أخر الحشر وأول الحديد ولكنها آيات لا آية واحدة فإذا قابلت آية الكرسي بإحدى تلك الآيات وجتها أجمع للمقاصد فلذلك استحقت السيادة على الآي وكيف وفيها الحي القيوم وهوالاسم الأعظم كما ورد به الخبر اه كلام الغزالي.
ثم قال: إنما قال صلى الله عليه وسلم في الفاتحة أفضل وفي أية الكرسي سيدة لسر وهوان الجامع بين فنون الفضل وأنواعها الكثيرة يسمى أفضل فإن الفضل هو الزيادة والأفضل هو الأزيد.
وأما السؤود فهورسوخ معنى الشرف الذي يقتضي الاستتباع ويأبى التبعية والفاتحة تتضمن التنبيه على معان كثيرة ومعارف مختلفة فكانت أفضل وآية الكرسي تشتمل على المعرفة العظمى التي هي المقصودة المتبوعة التي تتبعها سائر المعارف فكانت اسم السيد بها أليق.ثم قال في حديث قلب القرآن يس إن ذلك لأن الإيمان صحته بالاعتراف بالحشر والنشر وهومقرر في هذه السورة بأبلغ وجه فجعلت قلب القرآن لذلك واستحسنه الإمام فخر الدين.
وقال النسفي: يمكن أن يقال: إن هذه السورة ليس فيها إلا تقرير الأصول الثلاثة: الوحدانية والرسالة والحشر وهوالقدر الذي يتعلق بالقلب والجنان.
وأما الذي باللسان والأركان ففي غير هذه السورة فلما كان فيها أعمال القلب لا غير سماها قلبًا ولهذا أمر بقراءتها عند المحتضر لأن في ذلك الوقت يكون اللسان ضعيف القوة والأعضاء ساقطة لكن القلب قد أقبل على الله تعالى ورجع عما سواه فيقرأ عنده ما يزداد به قوة في قلبه ويشتد تصديقه بالأصول الثلاثة اه.
واختلف الناس في معنى كون سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن فقيل كأنه صلى الله عليه وسلم سمع شخصًا يكررها تكرار من يقرأ ثلث القرآن فخرج الجواب على هذا وفيه بعد عن ظاهر الحديث وسائر طرق الحديث ترده.
وقيل لأن القرآن يشتمل على قصص وشرائع وصفات وسورة الإخلاص كلها صفات فكانت ثلثا بهذا الاعتبار.
وقال الغزالي في الجواهر: معارف القرآن المهمة ثلاثة: معرفة التوحيد والصراط المستقيم والآخرة وهي مشتملة على الأول فكانت ثلثًا.
وقال أيضًا فيما نقله عنه الرازي: القرآن يشتمل على البراهين القاطعة على وجود الله تعالى ووحدانيته وصفاته: إما صفات الحقيقة وإما صفات الفعل وإما صفات الحكم فهذه أمور ثلاثة وهذه السورة تشتمل على صفات الحقيقة فهي ثلث.
وقال الخويبي: المطالب التي في القرآن معظمها الأصول الثلاثة التي بها يصح الإسلام ويحصل الإيمان وهي معرفة الله والاعتراف بصدق رسوله واعتقاده القيام بين يدي الله تعالى فإن من عرف أن الله واحد وأن النبي صادق وأن الدين واقع صار مؤمنًا حقًا ومن أنكر شيئًا منها كفر قطعًا وهذه السورة تفيد الأصل الأول فهي ثلث القرآن من هذا الوجه.
وقال غيره: القرآن قسمان: خبر وإنشاء.
والخبر قسمان وخبر عن المخلوق فهي ثلاثة أثلاف.
وسورة الإخلاص أخلصت الخبر عن الخالق فهي بهذا الاعتبار ثلث.
وقيل تعدل في الثواب وهوالذي يشهد له ظاهر الحديث والأحاديث الواردة في سورة الزلزلة والنصر والكافرون لكن ضعف ابن عقيل ذلك وقال: لا يجوز أن يكون المعنى فله ثلث القرآن لقوله من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات وقال ابن عبد البر: السكوت في هذه المسئلة: أفضل من الكلام فيها وأسلم ثم أسند إلى إسحاق بن منصور قلت لأحمد بن حنبل قوله صلى الله عليه وسلم قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن ما وجهه فلم يقم لي فيها على أمر.
وقال لي إسحاق بن راهويه: معناه أن الله لما فضل كلامه على سائر الكلام جعل لبعضه أيضًا فضلًا في الثواب لمن قرأه تحريضًا على تعليمه لا أن من قرأ قل هو الله أحد ثلاث مرات كان كمن قرأ القرآن جميعه هذا لا يستقيم ولوقرأها مائتي مرة.
وقال بن عبد البر: فهذان إمامان بالسنة ما قاما ولا قعدا في هذه المسئلة.
وقال ابن الميلق في حديث: إن الزلزلة نصف القرآن لأن أحكام القرآن تنقسم إلى أحكام الدنيا وأحكام الآخرة وهذه السورة تشتمل على أحكام الآخرة كلها إجمالًا وزادت على القارعة بإخراج الأثقال وتحديث الأخبار.
وأما تسميتها في الحديث الآخر ربعًا فلأن الإيمان بالبعث ربع الإيمان في الحديث الذي رواه الترمذي لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله بعثني بالحق ويؤمن بالموت ويؤمن بالبعث بعد الموت ويؤمن بالقدر فاقتضى هذا الحديث أن الإيمان بالبعث الذي قررته هذه السورة ربع الإيمان الكامل الذي دعا إليه القرآن.
وقال أيضًا في سر كون ألهاكم تعدل ألف آية: إن القرآن ستة آلاف آية ومائتا آية وكسر فإذا تركنا الكسر كان الألف سدس القرآن وهذه السورة تشتمل على سدس مقاصد القرآن فإنها فيما ذكره الغزالي ستة: ثلاث مهمة وثلاث متمة وتقدمت وأحدها معرفة الآخرة المشتمل عليه السورة والتعبير عن هذا المعنى بألف آية أفخم وأجل وأضخم من التعبير بالسدس.
وقال أيضًا في سر كون سورة الكافرون ربعًا وسورة الإخلاص ثلثًا مع أن كلًا منهما يسمى الإخلاص: إن سورة الإخلاص اشتملت من صفات الله على ما لم تشتمل عليه الكافرون وأيضًا فالتوحيد إثبات إلهية المعبود وتقديسه ونفي إلهية ما سواه وقد صرحت الإخلاص بالإثبات والتقديس ولوحت إلى نفي عبادة غيره: والكافرون صرحت بالنفي ولوحت بالإثبات والتقديس فكان بين الرتبتين من التصريحين والتلوحين ما بين الثلث والربع أه.
تذنيب ذكر كثيرون في أثر أن اله جمع علوم الأولين والآخرين في الكتب الأربعة وعلومها في القرآن وعلومه في الفاتحة فزادوا: وعلوم الفاتحة في البسملة وعلوم البسملة في بائها ووجه بأن المقصود من كل العلوم وصول العبد إلى الرب وهذه الباء باء الإلصاق فهي تلصق العبد بجناب الرب وذلك كمال المقصود ذكره الإمام الرازي وابن النقيب في تفسيرهما.
النوع الرابع والسبعون في مفردات القرآن
أخرج السلفي في المختار من الطيوريات عن الشعبي قال: لقي عمر بن الخطاب ركبًا في سفر فيهم ابن مسعود أمر رجلًا يناديهم من أين القوم قالوا: أقبلنا من الفج العميق نريد البيت العتيق فقال عمر: إن فيهم لعالمًا وأمر رجلًا أن يناديهم: أي القرآن أعظم فأجابه عبد الله: الله لا إله إلا هو الحي القيوم قال: نادهم أي القرآن أحكم فقال ابن مسعود إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى قال: نادهم أي القرآن أجمع فقال فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره فقال: نادهم أي القرآن أحزن فقال من يعمل سوءًا يجز به فقال: نادهم أي القرآن أرجى فقال {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} الآية فقال: أفيكم ابن مسعود قالوا: نعم.
أخرجه عبد الرزاق في تفسيره بنحوه.
وأخرج عبد الرزاق أيضًا عن ابن مسعود قال: أعدل آية في القرآن إن الله يأمر بالعدل والإحسان وأحكم آية فمن يعمل مثقال ذرة إلى آخرها.
وأخرج الحاكم عنه قال: إن أجمع آية في القرآن الخير والشر إن الله يأمر بالعدل والإحسان وأخرج الطبراني عنه قال: ما في القرآن آية أعظم فرحًا من آية في سورة الغرف {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} الآية وما في القرآن آية أكثر تفويضًا من آية في سورة النساء القصرى {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} الآية وأخرج أبوذر الهروي في فضائل القرآن من طريق ابن يعمر عن ابن عمر عن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن أعظم آية في القرآن الله لا إله إلا هو الحي القيوم وأعدل آية في القرآن إن الله يأمر بالعدل والإحسان إلى آخرها وأخوف آية في القرآن فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره وأرجى آية في القرآن قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إلى آخرها وقد اختلف في أرجى آية في القرآن على بضعة عشر قولًا: أحدها: آية الزمر.
والثاني أولم تؤمن قال بلى أخرجه الحاكم في المستدرك وأبوعبيد عن صفوان بن سليم قال: التقى ابن عباس وابن عمر وقال ابن عباس: أي آية في كتاب الله أرجى فقال عبد الله بن عمر قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} الآية فقال ابن عباس: لكن قول الله وإذ قال إبراهيم ربي أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فرضي منه بقوله بلى قال: فهذا لم يعترض في الصدر مما يوسوس به الشيطان.
الثالث: ما أخرجه أبونعيم في الحلية على عليّ بن أبي طالب أنه قال: إنكم يا معشر أهل العراق تقولون أرجى آية في القرآن يا عبادي الذين أسرفوا} الآية لكنا أهل البيت نقول: إن أرجى آية في كتاب الله ولسوف يعطيك ربك فترضى وهي الشفاعة.
الرابع: ما أخرجه الواحدي عن عليّ بن الحسين قال: أشد آية على أهل النار فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابًا.
وأرجى آية في القرآن لأهل التوحيد {إن الله لا يغفر أن يشرك به} الآية.
وأخرج الترمذي وحسنه عن عليّ قال: أحب آية إلى في القرآن {إن الله لا يغفر أن يشرك به} الآية.
الخامس: ما أخرجه مسلم في صحيحه عن ابن المبارك أنه أرجى آية في القرآن قوله تعالى ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة إلى قوله {ألا تحبون أن يغفر الله} لكم السادس: ما أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب التوبة عن أبي عثمان الهندي قال: ما في القرآن آية أرجى عندي لهذه الأمة من قوله {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا} السابع والثامن: قال أبوجعفر النحاس في قوله: فهل يهلك إلا القوم الفاسقون إن هذه الآية عندي أرجى آية في القرآن إلا أن ابن عباس قال: أرجى آية في القرآن وإن ربك لذوا مغفرة للناس على ظلمهم وكذا حكاه عنه مكي ولم يقل على إحسانهم.
التاسع: روى الهروي في مناقب للشافعي عن ابن عبد الحكم قال: سألت الشافعي أي آية أرجى قال: قوله {يتيمًا ذا مقربة أومسكينًا ذا متربة} قال: وسألته عن أرجى حديث للمؤمن قال إذا كان يوم القيامة يدفع إلى كل سملم رجل من الكفار فدؤه.
العاشر قل كل يعمل على شاكلته.
الحادي عشر هل يجازي إلا الكفور.
الثاني عشر إنا قد أوحى إلينا أن العذاب على من كذب وتولى حكاه الكرماني في العجائب.
الثالث عشر وما أصابكم من من مصيبة فيما كسبت أيديكم ويعفوعن كثير حكى هذه الأقوال الأربعة النووي في رؤوس المسائل والأخير ثابت عن عليّ ففي مسند أحمد عنه قال: ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله تعالى حدثنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أصابكم من مصيبة فيما كسبت أيديكم ويعفوعن كثير وسأفسرها لك يا علي: ما أصابكم من مرض أوعقوبة أوبلاء في الدنيا فيما كسبت أيديكم والله أكرم من أن يثني العقوبة وما عفا الله عنه في الدنيا فالله أحكم من أن يعود بعد عفوه.
الرابع عشر قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف قال الشبلي: إذا كان الله أذن للكافر بدخول الباب إذا أتى بالتوحيد والشهادة أفتراه يخرج الداخل فيها والمقيم عليها.
الخامس عشر: آية الدين ووجهه أن الله أرشد عباده إلى مصالحهم الدنيوية حتى انتهت العناية بمصالحهم إلى أمرهم بكتابة الدين الكثير والحقير فمقتضى ذلك يرجى عفوه عنهم لظهور العناية العظيمة بهم.
قلت: ويلحق بهذا ما أخرجه ابن المنذر عن ابن مسعود أنه ذكر عنده بنوإسرائيل وما فضلهم الله به فقال: كان بنوإسرائيل إذا أذنب أحدهم ذنبًا أصبح وقد كتبت كفارته على أسكفة بابه وجعلت كفارة ذنوبكم قولًا تقولونه تستغفرون الله فيغفر لكم والذي نفسي بيده لقد أعطانا الله آية لهي أحب إلى من الدنيا وما فيها {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله} الآية.
وما أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب التوبة عن ابن عباس قال: ثمان آيات نزلت في سورة النساء هي خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت: أولهن يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم.
والثانية والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات.
والثالثة: {يريد الله أن يخفف عنكم} الآية.
والرابعة {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} الآية.
والخامسة {إن الله لا يظلم مثقال ذرة} الآية.والسادسة {ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله} الآية.
والسابعة {إن الله لا يغفر أن يشرك به} الآية.
والثامنة {والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم} الآية.
وما أخرجه ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: سئل ابن عباس أي آية أرجى في كتاب الله قال: قوله {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا} على شهادة أن لا إله إلا الله.
أشد آية: أخرج ابن راهويه في مسنده أنبأنا أبو عمروالعقدي أنبأنا عبد الجليل بن عطية عن محمد بن المنتشر قال رجل لعمر بن الخطاب: إني لأعرف أشد آية في كتاب الله تعالى فأهوى عمر فضربه بالدرة وقال: ما لك نقبت عنها حتى علمتها وما هي قال: من يعمل سوءًا يجز به فما منا أحد يعمل سوءًا إلا جزي به فقال عمر: لبثنا حين نزلت ما ينفعنا طعام ولا شراب حتى أنزل الله بعد ذلك ورخص ومن يعمل سوءًا أويظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورًا رحيمًا وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: سألت أبا برزة الأسلمي عن أشد آية في كتاب الله تعالى على أهل النار فقال فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابًا.
وفي صحيح البخاري عن سفيان قال: ما في القرآن آية أشد على من لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: ما في القرآن أشد توبيخًا من هذه الآية {لولا ينهاكم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت} الآية.
وأخرج ابن المبارك في كتاب الزهد عن الضحاك بن مزاحم قرأ قول الله لولا ينهاكم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت قال: والله ما في القرآن آية أخوف عندي منها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: وما أنزلت على النبي صلى اله عليه وسلم آية كانت أشد عليه من قوله {وتخفي في نفسك ما الله مبديه} الآية.
وأخرج ابن المنذر عن ابن سيرين: لم يكن شيء عندهم أخوف من هذه الآية ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين وعن أبي حنيفة: أخوف آية في القرآن واتقوا النار التي أعدت للكافرين وقال غيره سنفرغ لكم آية الثقلان ولهذا قال بعضهم: لوسمعت هذه الكلمة من خفير الحارة لن أنم.
وفي النوادر لابن أبي زيد قال مالك: أشد آية على أهل الأهواء قوله {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} الآية فتؤولها على أهل الأهواء انتهى.وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: آيتان في كتاب الله ما أشدهما على من يجادل فيه ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد وقال السعيدي: سورة الحج من أعاجيب القرآن فيها مكي ومدني وحضري وسفري وليلي ونهاري وحربي وسلمي وناسخ ومنسوخ.
فالمكي من رأس الثلاثين إلى آخرها والمدني من رأس خمس عشرة إلى رأس الثلاثين والليلي خمس آيات من أولها والنهاري من رأس تسع آيات إلى رأس اثنتي عشرة والحضري إلى رأس العشرين.
قلت: والسفري أولها.
والناسخ {أذن للذين يقاتلون} الآية.
والمنسوخ {الله يحكم بينكم} الآية نسختها آية السيف.
وقوله {وما أرسلنا من قبلك} الآية نسختها سنقرئك فلا تنسى وقال الكرماني: ذكر المفسرون أن قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم} الآية من أشكل آية في القرآن حكمًا ومعنى وإعرابًا.
وقال غيره: قوله تعالى {يا بني آدم خذوا زينتكم} الآية جمعت أصول أحكام الشريعة كلها: الأمر والنهي والإباحة والخبر.
وقال الكرماني في العجائب في قوله تعالى {نحن نقص عليك أحسن القصص} قيل هوقصة يوسف وسماها احسن القصص لاشتمالها هلى ذكر حاسد ومحسود ومالك ومملوك وشاهد ومشهود وعاشق ومعشوق وحبس وإطلاق وسجن وخلاص وخصب وجدب وغيرها مما يعجز عن بيانها طوق الخلق.
وقال: ذكر أبوعبيدة عن رؤبة: ما في القرآن أعرب من قوله {فاصدع بما تؤمر} وقال ابن خالويه في متاب: ليس في كلام العرب لفظ جمع لغات ما النافية إلا حرف واحد في القرآن جمع اللغات الثلاث وهوقوله {ما أمهاتهم} قرأ الجمهور بالنصب وقرأ بعضهم بالرفع وقرأ ابن مسعود ما هن بأمهاتهم بالباء.
قال: وليس في القرآن لفظ على افعوعل إلا في قراءة ابن عباس إلا أنهم يثنون صدورهم.وقال بعضهم: أطول سورة في القرآن البقرة وأقصرها الكوثر وأطول آية الدين وأقصر آية فيه الضحى والفجر وأطول كلمة فيه رسمًا فأسقيناه كموه.
وفي القرآن آيتان جمعت كل منهما حروف المعجم {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة} الآية {محمد رسول الله} الآية.
وليس فيه حاء بعد حاء بلا حاجز إلا في موضعين عقدة النكاح ختى لا أبرح حتى ولا كافان كذلك إلا مناسككم ما سلككم ولا غينان كذلك إلا ومن يبتغ غير الإسلام ولا آية فيها ثلاثة وعشرون كافًا إلا آية الدين ولا آيتان فيهما ثلاثة وعشرون وقفًا إلا آية المواريث ولا سورة ثلاث آيات فيها عشر واوات إلا والعصر إلى آخرها ولا سورة إحدى وخمسون آية إلا فيها اثنان وخمسون وقفًا إلا سورة الرحمن ذكر أكثر ذلك ابن خالويه.
وقال أبوعبد الله الخبازي المقري: أول ما وردت على السلطان محمود بن ملكشاه سألني عن آية أولها غين فقلت ثلاثة: غافر الذنب وآيتان بخلف غلبت الروم غير المغضوب عليهم ونقلت من خط شيخ الإسلام بن حجر في القرآن أربع شدات متوالية قوله {نسيًا رب السموات في بحر لجي يغشاه موج ى قولًا
النوع الخامس والسبعون في خواص القرآن
أفرده بالتأليف جماعة منهم التميمي وحجة الإسلام الغزالي ومن المتأخرين اليافعي وغالب ما يذكر في ذلك كان مستنده تجارب الصالحين وها أنا أبدأ بما ورد من ذلك الحديث ثم ألتقط عيونًا مما ذكر السلف والصالحون.
وأخرج ابن ماجه وغيره من حديث ابن مسعود عليكم بالشفاءين: العسل والقرآن.
وأخرج أيضًا من حديث علي خير الدواء القرآن.
وأخرج أبوعبيد عن طلحة بن مصرف قال: كان يقال: إذا قئ القرآن عند المريض وجد لذلك خفة.
وأخرج البيهقي في الشعب عن واثلة ابن الأسقع أن رجلًا شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجع خلقه قال: عليك بقراءة القرآن.وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أشتكي صدري قال: اقرأ القرآن يقول الله تعالى وشفاء لما في الصدور.
وأخرج البيهقي وغيره من حديث عبد الله بن جابر في فاتحة الكتاب شفاء من كل داء.
وأخرج الخلعي في فوائده من حديث جابر ابن عبد الله فاتحة الكتاب شفاء من كل شيء إلا السام والسام: الموت.
وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي وغيرهما من حديث أبي سعيد الخدري فاتحة الكتاب شفاء من السم.
وأخرج البخاري من حديثه أيضًا قال كنا في مسير لنا فنزلنا فجاءت جارية فقالت إن سيد الحي سليم فهل معكم راق فقام معها رجل فرقاه بأم القرآن فبرئ فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: وما كان يدريه أنها رقية.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن السائب بن يزيد قال عودني رسول الله صلى الله عليه وسلم بفاتحة الكتاب تفلًا.
وأخرج البزار من حديث أنس إذا وضعت جنبك على الفراش وقرأت فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد فقد أمنت من كل شيء إلا الموت.
وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة إن البيت الذي تقرأ فيه البقرة لا يدخله الشيطان.
واخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند بسند حسن عن أبي كعب قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال: يا نبي الله إن لي أخًا وبه وجع قال: ما وجعه قال: به لمم قال: فائتني به فوضعه بين يديه فعوذه النبي صلى الله عليه وسلم بفاتحة الكتاب وأربع آيات من أول سورة البقرة وهاتين الآيتين وإلهكم إله واحد وآيات الكرسي وثلاث آيات من آخر سورة البقرة وآية من آل عمران شهد الله أنه لا إله إلا هو وآية من الأعراف إن ربكم الله وآخر سورة المؤمنين فتعالى الله الملك الحق وآية من سورة الجن وإنه تعالى جد ربنا وعشر آيات من أول الصافات وثلاث آيات من آخر سورة الحشر وقل هو الله أحد والمعوذتين فقام الرجل كأنه لم يشك قط.
وأخرج الدارمي عن ابن مسعود موقوفًا: من قرأ أربع آيات من أول سورة البقرة وآية الكرسي وآيتين بعد آية الكرسي وثلاثًا من آخر سورة البقرة لم يقربه ولا لأهله يومئذ شيطان ولا شيء يكرهه ولا يقرأن على مجنون إلا أفاق.
وأخرج البخاري عن أبي هريرة من قصة الصدقة إن الجني قال له: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فقال النبي صلى اله عليه وسلم: أما أنه صدقك وهوكذوب.
وأخرج المحاملي في فوائده عن ابن مسعود قال: قال رجل يا رسول الله علمني شيئًا ينفعني الله به قال: اقرأ آية الكرسي فإنه يحفظك وذريتك ويحفظ دارك حتى الدويرات حول دارك.
وأخرج الدينوري في المجالسة عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن جبريل أتاني فقال: إن عفريتًا من الجن يكيدك فإذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي.
وفي الفردوس من حديث أبي قتادة من قرأ آية الكرسي عند الكرب أغاثه الله.
وأخرج الدارمي عن المغيرة بن سبيع وكان من أصحاب عبد الله قال: من قرأ عشر آيات من البقرة عند منامه لم ينسى القرآن أربع من أولها وآية الكرسي وآيتان بعدها وثلاث من آخرها.
وأخرج الديلمي من حديث أبي هريرة مرفوعًا آيتان هما قرآن وهما يشفيان وهما مما يحبهما الله تعالى الآيتان من آخر سورة البقرة.
وأخرج الطبراني عن معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ألا أعلمك دعاء تدعوبه لوكان عليك من الدين مثل ثبير أداه الله عنك قال اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء إلى قوله بغير حساب رحمان الدنيا والآخرة ورحيمها تعطي من تشاء منهما وتمنع من تشاء ارحمني رحمة تغنني بها عن رحمة من سواك.
واخرج البيهقي في الدعوات عن ابن عباس: إذا استصعبت دابة أحدكم أوكان شموسًا فليقرأ هذه الآية في أذنيها أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعًا وكرهًا وإليه ترجعون.
وأخرج البيهقي في الشعب بسند فيه من لا يعرف عن علي موقوفًا: سورة الأنعام ما قرئت على عليل إلا شفاه الله تعالى.
وأخرج ابن السني عن فاطمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دنا ولادتها أمر أم سلمة وزينب بنت جحش أن يأتيا فيقرأ عندها آية الكرسي وإن ربكم الله} الآية ويعوذاها بالمعوذتين.
وأخرج ابن السني أيضًا من حديث الحسين بن علي أمان لأمتي من الغرق غذ ركبوا أن يقرءوا باسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم وما قدروا الله حق قدره} الآية.
وأخرج ابن آل حاتم عن ليث قال: بلغني أن هؤلاء الآيات شفاء من السحر تقرأ على إناء فيه ماء ثم يصب على رأس المسحور الآية التي في سورة يونس فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إلى قوله المجرمون وقوله {فوقع الحق وبطل ما كانوا يعلمون} إلخ أربع آيات وقوله {إنما صنعوا كيد ساحر} الآية.
وأخرج الحاكم وغيره من حديث أبي هريرة ما كربني أمر إلا تمثل لي جبريل فقال: يا محمد قل توكلت على الحي الذي لا يموت والحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرًا.
وأخرج الصابوني في المائتين لان حديث ابن عباس مرفوعًا: هذه الآية أمان من السرق قل ادعوا الله وادعوا الرحمن إلى آخر السورة.
وأخرج البيهقي في الدعوات من حديث أنس ما أنعم الله على عبد نعمة في أهل ولا مال أوولد فيقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله فيرى فيه آفة دون الموت.
أخرج الدارمي وغيره من طريق عبدة بن أبي لبابة عن زر بن حبيش قال: من قرأ آخر سورة الكهف لساعة يريد أن يقومها من الليل قامها.
قال عبده: فجربناه فوجدناه كذلك.
وأخرج الترمذي والحاكم من حديث سعد بن أبي وقاص: دعوة ذي النون إذا دعا بها وهوفي بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له.
وعند ابن السني: إني لا أعلم كلمة لا يقولها مكروب إلا فرج عنه كلمة أخي يونس فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين وأخرج البيهقي وابن السني وأبوعبيد عن ابن مسعود أنه قرأ في أذن مبتلي فأفاق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما قرأت في أذنيه قال أفحسبتم إنما خلقناكم عبثًا إلى آخر السورة فقال: لوأن رجلًا موقنًا قرأها على جبل لزال.
وأخرج الديلمي وأبوالشيخ أبن حبان في فضائله من حديث أبي ذر ما من ميت يموت فيقرأ عنده يس إلا هون الله عليه.
وأخرج المحاملي في أماليه من حديث عبد الله بن الزبير من جعل يس أمام حاجة قضيت له وله شاهد مرسل عند الدارمي.
وفي المستدرك عن أبي جعفر محمد بن علي قال: من وجد في قلبه قسوة فليكتب يس في جام بماء ورد وغفران ثم يشربه.
وأخرج ابن الضريس عن سعيد بن جبير أنه قرأ على رجل مجنون سورة يس فبرئ.
وأخرج أيضًا عن يحيى بن أبي كثير قال: من قرأ يس إذا أصبح لم يزل في فرح حتى يمسي ومن قرأها إذا أمسى لم يزل في فرح حتى يصبح.
أخبرنا من جرب ذلك.
وأخرج الترمذي من حديث أبي هريرة من قرأ الدخان كلها وأول غافر إلى إليه المصير وآية الكرسي حين يمسي حفظ بها حتى يصبح ومن قرأهما حين يصبح حفظ بهما حتى يمسي ورواه الدارمي بلفظ لم ير شيئًا يكرهه.
وأخرج البيهقي والحارث بن أبي أسامة وأبوعبيد عن أبن مسعود مرفوعًا من قرأ كل ليلة سورة الواقعة لم تصبه فاقة أبدًا.
وأخرج البيهقي في الدعوات عن ابن عباس موقوفًا في المرأة تعسر عليها ولادتها قال: يكتب في قرطاس ثم تسقي باسم الله الذي لا إله إلا هو الحليم الكريم سبحان الله وتعالى رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين كأنهم يوم يرونها لم يليثوا إلا عشية أوضحاها كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون.
وأخرج أبوداود عن ابن عباس قال: إذا وجدت في نفسك شيئًا: يعني الوسوسة فقل: هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهوبكل شيء عليم وأخرج الطبراني عن علي قال لدغت النبي صلى الله عليه وسلم عقرب فدعا بماء وملح وجعل يمسح عليها ويقرأ: قل يا أيها الكافرون وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس.
وأخرج أبوداود والنسائي وابن حبان والحاكم عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره الرقي إلا بالمعوذات.
وأخرج الترمذي والنسائي عن أبي سعيد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجان وعين الإنسان حتى نزلت المعوذات فأخذ بها وترك ما سواها.
فهذا ما وقفت عليه في الخواص من الأحاديث التي لم تصل إلى حد الوضع ومن الموقوفات على الصحابة والتابعين.
وأما ما لم يرد به أثر فقد ذكر الناس من ذلك كثيرًا جدًا الله أعلم بصحته.
ومن لطيف ما حكاه ابن الجوزي عن ابن ناصر عن شيوخه عن ميمونة بنت شاقول البغدادية قالت: آذانا جار لنا فصليت ركعتين وقرأت من فاتحة كل سورة آية حتى ختمت القرآن وقلت: اللهم أكفنا أمره: ثم نمت وفتحت عيني وإذا به قد نزل وقت السحر فنزلت قدمه فسقط ومات.
تنبيه قال ابن التين: الرقي بالمعوذات وغيرها من أسماء الله تعالى هو الطب الروحاني إذا كان على لسان الأبرار من الخلق حصل الشفاء بإذن الله تعالى فلما عز هذا النوع فزع الناس إلى الطب الجثماني.
قلت: ويشير إلى هذا قوله صلى الله عليه وسلم لوأن رجلًا موقنًا قرأ بها على جبل لزال وقال القرطبي تجوز الرقية بكلام الله تعالى وأسمائه فإن كان مأثورًا استحب.
وقال الربيع: سألت الشافعي عن الرقية فقال: لا بأس بها أن يرقى بكتاب الله وبما يعرف من ذكر الله تعالى.
وقال ابن بطال: من المعوذات سر ليس في غيرها من القرآن لما اشتملت عليه من جوامع الدعاء التي تعم أكثر المكروهات من السحر والحسد وشر الشيطان ووسوسته وغير ذلك ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يكتفي بها.
وقال ابن القيم في حديث الرقية بالفاتحة: إذا ثبت أن لبعض الكلام خواص ومنافع فما الظن بكلام رب العالمين ثم بالفاتحة التي لم ينزل في القرآن ولا غيره من الكتب مثلها لتضمنها جميع معاني الكتاب فقد اشتملت على ذكر أصول أسماء الله تعالى ومجامعها وإثبات المعاد وذكر التوحيد والافتقار إلى الرب في طلب الإعانة به والهداية منه وذكر أفضل الدعاء وهوطلب الهداية إلى الصراط المستقيم المتضمن كمال معرفته وتوحيده وعبادته بفعل ما أمر به واجتناب ما نهى عنه والاستقامة عليه ولتضمنها ذكر أصناف الخلائق وقسمتهم إلى منعم عليه لمعرفته بالحق والعمل به ومغضوب عليه لعدوله عن الحق بعد معرفته وضال بعدم معرفته له مع ما تضمنته من إثبات القدر والشرع والأسماء والمعاد والتوبة وتزكية النفس وإصلاح القلب والرد على جميع أهل البدع وحقيق لسورة هذا بعض شأنها أن يستشفي مسئلة قال النووي في شرح المهذب: لوكتب القرآن في إناء ثم غسل وسقاه المريض فقال الحسن البصري ومجاهد وأبوقلابة والأوزاعي: لا بأس به وكرهه النخعي.
قال: ومقتضي مذهبنا أنه لا بأس به فقد قال القاضي حسين والبغوي وغيرهما: لوكتب قرآنًا على حلوى وطعام فلا بأس بأكله اه.
قال الزركشي: وممن صرح بالجواز في مسئلة الإناء العماد النبهي مع تصريحه بأنه لا يجوز ابتلع ورقة فيها آية لكن أفتي ابن عبد السلام بالمنع من الشراب أيضًا لأنه يلاقيه نجاسة الباطن وفيه نظر.
النوع السادس والسبعون في مرسوم الخط وآداب كتابته
أفرده بالتصنيف خلائق من المتقدمين والمتأخرين منهم أبو عمروالداني وألف في توجيه ما خالف قواعد الخط منه أبو العباس المراكشي كتابًا سماه عنوان الدليل في مرسوم خط التنزيل بين فيه أن هذه الأحرف إنما اختلف حالها في الخط بحسب اختلاف أحوال معاني كلماتها وسأشير هنا إلى مقاصد ذلك إن شاء الله تعالى.
أخرج ابن أشتة في كتاب المصاحف بسنده عن طعب الأحبار قال: أول من وضع الكتاب العربي والسرياني والكتب كلها آدم عليه السلام قبل موته بثلاثمائة كتبها في الطين ثم طبخه فلما أصاب الأرض الغرق أصاب كل قوم كتابهم فكتبوه فكان إسماعيل بن إبراهيم أصاب كتاب العرب.
ثم أخرج من طريق عكرمة عن ابن عباس قال أول من وضع الكتاب العربي إسماعيل وضع الكتاب على لفظه ومنطقه ثم جعله كتابًا واحدًا مثل الموصول حتى فرق بينه ولده: يعني أنه وصل فيه جميع الكلمات ليس بين الحروف فرق هكذا بسم الله الرحمن الرحيم ثم فرقه من بنيه هميسع وقيذر.
ثم أخرج من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أول كتاب أنزله الله من السماء أبوجاد.
وقال ابن فارس: الذي نقوله أن الخط توقيفي لقوله تعالى علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم وقال ن والقلم وما يسطرون وإن هذه الحروف داخلة في الأسماء التي علم الله آدم وقد ورد أمر أبي جاد ومبتدأ الكتابة أخبار كثيرة ليس هذا محلها وقد بسطتها في تأليف مفرد.
فصل القاعدة العربية أن اللفظ يكتب بحروف هجائية مع مراعاة الابتداء به والوقف عليه وقد مهد النحاة أصولًا وقواعد وقد خالفها في بعض الحروف خط المصحف الإمام.
وقال أشهب: سئل مالك: هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء فقال: لا إلا على الكتبة الأولى.
رواه الداني في المقنع ثم قال: ولا مخالف له من علماء الأمة.
وقال في موضع آخر: سئل مالك عن الحروف في القرآن مثل الواووالألف أترى أن يغير في المصحف إذا وجد فيه كذلك قال: لا.
قال أبو عمرو: يعني الواووالألف المزيدتين في الرسم المعدومتين في اللفظ نحو أولوا وقال الإمام أحمد: يحرم مخالفة خط مصحف عثمان في واوأوياء أوألف أوغير ذلك.
وقال البيهقي في شعب الإيمان: من يكتب مصحفًا فينبغي أن يحافظ على الهجاء الذي كتبوا به تلك المصاحف ولا يخالفهم فيه ولا يغير مما كتبوه شيئًا فإنهم كانوا أكثر علمًا وأصدق قلبًا ولسانًا وأعظم أمانة منا فلا ينبغي أن نظن بأنفسنا استدراكًا عليهم.
قلت: وينحصر أمر الرسم في ستة قواعد: الحذف والزيادة والهمز والبدل والوصل والفصل وما القاعدة الأولى: في الحذف تحذف الألف من ياء النداء نحو: يا أيها الناس ويا آدم يا رب يا عبادي.
وهاء التنبيه نحو: هؤلاء ها أنتم.
ونا مع ضمير نحوأنجيناكم آتيناه ومن ذلك وأولئك ولكن وتبارك.
وفروع الأربعة: والله وإله كيف وقع والرحمن وسبحان كيف وقع إلا قل سبحان ربي.
وبعد لام نحو: خلائف خلاف رسول الله سلام غلام إيلاف يلاقوا.
وبين لامين نحو: الكلالة الضلالة خلال الديار للذي ببكة.
ومن كل علم زائد على ثلاثة: كإبراهيم وصالح وميكال إلا جالوت وهامان ويأجوج ومأجوج وداود لحذف واوه وإسرائيل لحذف يائه.
واختلف في هاروت وماروت وقارون ومن كل مثنى اسم أوفعل إن لم يتطرف نحو: رجلان يعلمان أضلانا إن هذان إلا بما قدمت يداك.
ومن كل جمع تصحيح لمذكر أومؤنث نحو: اللاعنون ملاقوا ربهم إلا طاغون في الذاريات والطور وكرامًا كاتبين وإلا روضات في شورى وآيات للسائلين ومكر في آياتنا وأياتنا بينات في يونس وإلا إن تلاها همزة نحو: الصائمين والصائمات أوتشديد نحو: الضالين والصافات فإن كان في الكلمة ألف ثانية حذفت أيضًا إلا سبع سموات من فضلت.
ومن كل جمع على مفاعل أوشبهة نحو: المساجد ومساكن واليتامى والنصارى والمساكين والخبائث والملائكة والثانية من خطايا كيف وقع ومن كل عدد كثلات وثلاث وساحر إلا في آخر الذاريات فإن ثنى فألفاه والقيامة وشيطان وسلطان وتعالى واللاتي واللائي وخلاق وعالم وبقادر والأصحاب والأنهار والكتابة.
ومنكر الثلاثة إلا أربعة مواضع: لكل أجل كتاب كتاب معلوم كتاب ربك في الكهف وكتاب مبين في النمل.
ومن البسملة بسم الله مجراها ومن أول الأمر من سأل.
ومن كل ما اجتمع فيه ألفان أوثلاثة نحو: آدم آخر أأشفقتم أأنذرتم غثاء.ومن وراء كيف وقع إلا ما رأى ولقد رأى في النجم وإلا ناي والآن إلا فمن يستمع الآن والألفان من الأيكة إلا في الحجر وق.
وتحذف الياء من منقوص منون رفعًا وجرًا نحو: باغ ولا عاد.
والمضاف لها إذا نودي إلا يا عبادي الذين أسرفوا يا عبادي الذين آمنوا في العنكبوت أولم يناد ألا قل لعبادي أسر لعبادي في طه وحم فادخلي في عبادي وادخلي جنتي.
ومع مثلها نحو: وليي والحواريين.
ومتكئين.
إلا عليين ويهيئ وهيء ومكر السيء وسيئة والسيئة أفعيينا ويحييمع ضمير لا مفردًا.
وحيث رقع أطيعون اتقون خافون ارهبون فارسلون واعبدون إلا في يس واخشون إلا في البقر وكيدون.
إلا فكيدوني جميعًا واتبعون إلا في أل عمران وطه ولا تنظرون ولا تستعجلون ولا تكفرون ولا تقربون ولا تحزون ولا تفضحون ويهدين وسيهدين وكذبون يقتلون إن يكذبون ووعيدي والجوار وبالوادي والمهتدي إلا في الأعراف.
وتحذف الواومع أخرى نحو: لا يستوون فأووا وإذا المؤودة يؤوسًا.
وتحذف اللام مدغمة في مثلها نحو: الليل والذي إلا الله واللهم واللعنة وفروعه واللهو واللغو واللؤلؤ واللات واللمم واللهب واللطيف واللومة.
فرع في الحذف لم يدخل تحت القاعدة حذف الألف من مالك الملك ذرية ضعافًا مراغمًا خادعهم أكالون للسحت بالغ ليجادلوكم وباطل ما كانوا في الأعراف وهود الميعاد في الأنفال ترابًا في الرعد والنمل وعم جذاذًا يسارعون آية المؤمنين آية الساحر آية الثقلان أم موسى فارغًا وهل يجازى من هوكاذب للقاسية في الزمر إثارة عاهد عليه الله ولا كذابًا.
وحذف الياء من إبراهيم في البقرة والداع إذا دعان ومن اتبعن وسوف يؤت الله وقد هدان ننج المؤمنين فلا تسئلن ما يوم يأت لا تكلم حتى تؤتون موثقًا تفندون المتعال متاب مآب عقاب في الرعد وغافر وفيها عذاب أشركتمون من قبل وتقبل دعاء لئن أخرتن إن يهدين إن ترن إن يؤتين إن تعلمن نبغ الخمسة في الكهف إن لا تتبعن في طه والباد وإن الله لهاد أن يحضرون رب ارجعون ولا تثلمون يسقين يشفين يحيين واد النمل أتمدونن فما آتان تشهدون بهاء العمى كالجواب إن يردن الرحمن لا ينقذون واسمعون لتردين صال الجحيم التلاق التناد ترجمون فاعتزلون يناد المنادى ليعبدون يطمعون تغن الداع مرتين في القمر يسر أكرمن ولي الدين وحذفت الواومن: ويدع الإنسان ويمح الله في شوري يوم يدع الداعي سندع الزبانية.قال المراكشي: والسر في حذفها من هذه الأربعة التنبيه على سرعة وقوع الفعل وسهولته على الفاعل وشدة قبول المنفعل المتأثر به في الوجود وأما ويدع الإنسان فيدل على أنه سهل عليه ويسارع فيه كما يسارع في الخير بل إثبات الشر إليه من جهة ذاته أقرب إليه من الخير.
وأما ويمح الله الباطل فللإشارة إلى سرعة ذهابه واضمحلاله.
وأما يدع الداع فللإشارة إلى السرعة الدعاء وسرعة إجابة الداعين.وأما الأخيرة فللإشارة إلى السرعة الفعل وإجابة الزبانية وقوة البطش.
القاعدة الثانية: في الزيادة زيدت ألف بعد الواووآخر اسم مجموع نحو: بنوإسرائيل ملاقوا ربهم أولوا الألباب بخلاف المفرد لذوعلم إلا البربا وإن امرؤ هلك وآخر فعل مفرد أوجمع مرفوع أومنصوب إلا جاءوا وباءوا حيث وقع وعتوا عتوًا فإن فاءوا والذين تبوءوا الدار عسى الله أن يعفوعنهم في النساء سعوا في آياتنا في سبأ وبعد الهمزة المرسومة واوًا نحو: تفتؤا وفي مائة ومائتين والظنونا والرسولا والسبيلا ولا تقولن لشيء ولأذبحنه ولأوضعوا ولا إلى الله ولا إلى الجحيم ولا تيأسوا إنه لا ييأس أفلم ييأس.
وبين الياء والجيم في جاي في الزمر والفجر وكنبأ بالهمزة مطلقًا وزيدت ياء في نبأ المرسلين وملائه وملائهم ومن آناي الليل في طه من تلقاي نفسي من وراي حجاب في شورى وإيتاء ذي القربى في النحل ولقاي الآخرة في الروم بأيكم المفتون بنيناها باييدا أفائن مات أفائن مت.وزيدت واوفي أولوا وفروعه وسأريكم.
قال المراكشي: وإنما زيدت هذه الأحرف في هذه الكلمات نحوجاي ويناي ونحوهما للتهويل والتفخيم والتهديد والوعيد كما زيدت في باييد تعظيم لقوة الله تعالى التب بنى بها السماء التي لا تشابهها قوة.
وقال الكرماني في العجائب: كانت صورة الفتحة في الخطوط قبل الخط العربي ألفًا وصورة الضمة واوًا وصورة الكسرة ياءً فكتبت لا أوضعوا ونحوبالألف مكان الفتحة وإيتاي ذي القربى مكان الكسرة وأولئك ونحوه بالواوومكان الضمة لقرب عهدهم بالخط الأول.
القاعدة الثالثة: في الهمز يكتب الساكن بحرف حركة ما قبله أولًا أ وسطًا أوآخرًا نحو: إيذن وأووتمن والباساء واقرأ وجيناك وهيي والموتون وتسووهم إلا فادارأتم ورءيا والرياء وشطئه فحذف فيها.
وكذا أول الأمر بعد فاء نحو: فأتوا أوواونحو: وأتمروا.
والمتحرك إن كان أولًا أواتصل به حرف زائد بالألف مطلقًا: أي سواء كان فتحًا أوكسرًا نحو: أيوب إذا أولوا سأصرف فبأي سأنزل إلا مواضع أئنكم لتكفرون أئنا لمخرجون في النمل إئنا لتاركوا آلهتنا أئن لنا في الشعراء أئذا متنا أئن ذكرتم أئفكًا أئمة لئلا لئن يومئذ ح فيكتب فيها بالياء قل أؤنبئكم وهؤلاء فكتب بالواو.
وإن كان وسطًا فبحرف حركته نحو: سأل سئل نقرؤه إلا جزاؤه الثلاثة في يوسف
ولأملأن وامتلأت واشمأزت واطمأنوا فحذف فيها.
وإلا إن فتح وكسر أوضم ما قبله أوضم وكسر ما قبله فبحرفه نحو: الخاطئة فؤادك سنقرئك.
وإن كان ما قبله ساكنًا حذف هونحو: يسئل لا تجئروا إلا النشأة وموئلًا في الكهف.
فإن كان ألفًا وهومفتوح فقد سبق أنها تحذف لاجتماعها مع ألف مثلها إذا الهمز ح بصورتها نحوأبناءنا.
وحذف معها أيضًا في قرآنًا في يوسف والزخرف وإن ضم أوكسر فلا نحو: آباؤكم آبائهم إلا قال أولياؤهم إلى أوليائهم في الأنعام إن أولياؤه في الأنفال نحن أولياؤكم في فصلت.
وإن كان بعده حرف يجانسه فقد سبق أيضًا يحذف نحو: شنآن خاسئين يستهزئون.
وإن كان آخرًا فبحرف حركة ما قبله نحو: سبأ شاطئ لؤلؤًا إلا مواضع تفتؤ تتفيؤا اتوكاؤا لا تظمؤا ما يعبؤا ينشؤا يذرؤا نبؤا قال الملؤا الأول في قد أفلح والثلاثة في النمل إلا في خمسة مواضع.
اثنان في المائدة وفي الزمر وشورى والحشر شركاؤا في الأنعام وشورى يأتيهم أنبؤا في الأنعام والشعراء علماؤا فيه من عباده العلماؤا والضعفاؤا في إبراهيم وغافر في أموالنا ما نشاؤا وما دعاؤا ف يغافر شفعلؤا في الروم إن هذا لهوالبلاء المبين في الدخان برآؤا منكم تكتب في الكل بالواو.
فإن سكن ما قبله حذف هونحو: ملء الأرض دفء شيء الحبء ماء إلا لتنؤا وإن تبوؤا السوء كذا استثناه القراء.
قلت: وعندي أن هذه الثلاثة لا تستثنى لأن الألف التي بعد الواوليست صورة الهمزة بل هي المزيدة بعد واوالفعل.
القاعدة الرابعة: في البدل تكتب بالواووللتفخيم ألف الصلاة والزكاة والحياة والربا غير مضافات والغداء ومشكاة والنجاة ومناة.
وبالياء كل ألف منقلبة عنها نحو: ويتوفيكم في اسم أوفعل اتصل به ضمير أم لا لقي ساكنًا أم لا ومنه: يا حسرتا يا أسفًا إلا تترًا وكلتا وهداني ومن عصاني والأقصى وأقصا المدينة وطغا الماء وسيماهم.وإلا ما قبلها ياء كالدنيا والحوايا إلا يحيى واسمًا وفعلًا ويكتب بها إلى وعلى وأنى بمعنى كيف ومتى وبلى وحتى ولدى إلا لدا الباب.
ويكتب بالألف الثلاثي الواوي اسمًا أوفعلًا نحو: الصفا وشفا وعفا الأضحى كيف وقع وما زكى منكم ودحاها وتلاها وطحاها وسجا.
وتكتب بالألف نون التوكيد الخفبفة وإذا وبالنون كائن وبالهاء هاء التأنيث.إلا رحمت في البقرة والأعراف وهود ومريم والروم والزخرف.
ونعمت في البقرة وآل عمران والمائدة وإبراهيم والنح ولقمان وفاطر والطور.
وسنت في الأنفال وفاطر وثاني غافر.
وامرأت مع زوجها وتمت كلمة ربك الحسنى فنجعل لعنت الله والخامسة أن لعنت الله.
ومعصيت في قد سمع إن شجرة الزقوم قرت عين وجنت نعيم بقيت الله ويا أبت واللات ومرضات وهيهات وذات وأنبت وفطرت.
القاعدة الخامسة: في الوصل والفصل توصل إلا بالفتح إلا عشرة: أن لا أقول أن لا تقولوا في الأعراف أن لا ملجأ وفي هود أن لا إله أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف أن لا تشرك في الحج أن لا تعبدوا في يس أن لا تعلوفي الدخان أن لا يشركن في الممتحنة أن لا يدخلنها في ن.ومما إلا من ما ملكت في النساء والروم ومن ما رزقناكم في المنافقين.
وممن مطلقًا وعما إلا عن ما نهوا عنه.
وإما بالكسر إلا وإما نرينك في الرعد وإما بالفتح مطلقًا وعمن إلا ويصرفه عن ما يشاء في النور عن من تولى في النجم.
وأمن إلاأم من يكون في النساء أم من أسس أم من خلقنا في الصافات أم من يأتي آمنا.
وإلم بالكسر إلا فإن لم يستجيبوا لك في القصص.
وفيما إلا أحد عشر في ما فعلن الثاني في البقرة ليبلوكم في ما في المائدة والأنعام.
قل لا أجد في ما اشتهت في الأنبياء في ما أفضتم في ما ها هنا في الشعراء في ما رزقناكم في الروم في ما هم فيه في ما كانوا فيه كلاهما في الزمر وننشئكم في ما لا تعلمون.وإنما إلا أن ما توعدون لآت في الأنعام.وأنما بالفتح إلا أن ما يوعدون في الحج ولقمان.
وكلما إلا كل ما ردوا إلى الفتنة من كل ما سألتموه.
وبئسما إلا مع اللام.
ونعما ومهما وربما وكأنما ويكأن وتقطع حيثما وإن لم بالفتح وإن لن إلا في الكهف والقيامة.
وأين ما إلا فأينما تولوا أينما يوجهه.
واختلف في أينما تكونوا يدرككم أينما كنتم تعبدون في الشعراء أينما ثقفوا في الأحزاب.
ولكي لا إلا في عمران والحج والديد.
والثاني في الأحزاب ويوم هم ونحو: فمال ولات حين وابن أم إلا في طه فكتبت الهمزة حينئذ واوًا وحذفت همزة ابن فصارت هكذا يبنؤم.القاعدة السادسة: فيما فيه قراءتان فكتبت على إحداهما ومرادنا غير الشاذ من ذلك: مالك يوم الدين يخادعون وواعدنا والصاعقة والرياح وتفادوهم وتظاهرون ولا تقاتلوهم ونحوها ولاولا دفاع فرهان طائرًا في آل عمران والمائدة مضاعفة ونحوه: عاقدت أيمانكم الأوليان لامستم قاسية قيامًا للناس خطئاتكم في الأعراف طائفة حاشا الله وسيعلم الكافر تزاور زاكية فلا تصاحبني لاتخذت مهادًا وحرام على قرية إن الله يدافع سكارى وما هم بسكارى المضغة عظامًا فكسونا العظام سراجًا بل أدراك ولا تصاعر ربنا باعد أساورة بلا ألف في الكل وقد قرئت بها وبحذفها.
وغيابت الجب وأنزل عليه آية في العنكبوت وثمرت ن أكمامها في فصلت وجمالات فهم على بينت وهم في الغرفات آمنون بالتاء وقد قرئت بالجمع والإفراد.
وتقية بالياء ولأهب بالألف ويقض الحق بلا ياء وآتوني زبر الحديد بألف فقط ننجي من نشاء ننج المؤمنين بنون واحدة والصراط كيف وقع وبصطة في الأعراف والمصيطرون ومصيطر بالصاد لا غير وقد تكتب صالحة للقراءتين نحوفكهون بلا ألف وهي قراءة وعلى قراءتها هي محذوفة رسمًا لأنه جمع تصحيح.
فرع فيما كتب موافقًا لقراءة شاذة من ذلك: إن البقر تشابه علينا أوكلما عاهدوا ما بقي من الربو وقرئ بضم الباء وسكون الواو وفلقاتلوكم إنما طائركم طائرة في عنقه تساقط سامر فرع وأما القراءات المختلفة المشهورة بزيادة لا يحتملها الرسم ونحوها نحو: أوصى ووصى وتجري تحتها ومن تحتها وسيقولون الله ولله وما عملت أيديهم وما عملته فكتابته على نحوقراءته وكل ذلك وجد في مصاف الإمام.
فائدة كتبت فواتح السور على صورة الحروف أنفسها لا على صورة النطق بها اكتفاء بشهرتها.
وقطعت حم عسق دون المص وكهيعص طردًا للأولى بأخواتها الستة.
فصل في آداب كتابته
يستحب كتابة المصحف وتحسين كتابته وتبيينها وإيضاحها وتحقيق الخط دون مشقة وتعليقه فيكره وكذا كتابته في الشيء الصغير.
أخرج أبوعبيد في فضائله عن عمر انه وجد مع رجل مصفحًا قد كتبه بقلم دقيق فكره ذلك وضربه وقال: عظموا كتاب الله تعالى.
وكان عمر إذا رأى مصحفًا عظيمًا سر به.
وأخرج عبد الرزاق عن علي أنه كان يكره أن تتخذ المصاحف صغارًا.وأخرج أبوعبيد عنه أنه كره أن يكتب القرآن في الشيء الصغير.
وأخرج هووالبيهقي في الشعب عن أبي حكيم العبدي قال: مر بي عليّ وأنا أكتب مصحفًا فقال: أجل قلمك فقضمت من قلمي قضمة ثم جعلت أكتب فقال: نعم هكذا نوره كما نوره الله.
وأخرج البيهقي عن عليذ موقوفًا قال: تنوق رجل في بسم الله الرحمن الرحيم فغفر له.
وأخرج أبونعيم في تاريخ أصبهان وابن أشتة في المصاحف من طريق أبان عن أنس مرفوعًا من كتب بسم الله الرحمن الرحيم مجودة غفر الله له.
وأخرج ابن أشتة عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عماله: إذا كتب أحدكم بسم الله الرحمن الرحيم فليمد الرحمن.
وأخرج عن زيد بن ثابت أنه كان يكره أن تكتب بسم الله الرحمن الرحيم ليس لها سين.
وأخرج عن يزيد بن أبي حبيب أن كاتب عمروبن العاص كتب إلى عمر فكتب بسم الله ولم يكتب لها سينًا فضربه عمر فقيل له: فيم ضربك أمير المؤمنين قال: ضربني في سين.
وأخرج عن ابن سيرين أنه كان يكره أن تمد الباء إلى الميم حتى نكتب السين.
وأخرج ابن أبي داود في المصاف عن ابن سيرين أنه كره أن يكتب المصحف مشقًا قيل: لم قال: لأن فيه نقصًا.
وتحرم كتابته بشيء نجس وأما بالذهب فهوحسن كما قاله الغزالي.
وأخرج أبوعبيد عن ابن عباس وأبي ذر وأبي الدرداء أنهم كرهوا ذلك.
وأخرج عن ابن مسعود أنه مر عليه بمصحف زين بالذهب فقال: إن أحسن ما زين به المصحف تلاوته بالحق.
قال أصحابنا: وتكره كتابته على الحيطان والجدران وعلى السقوف أشد كراهة لأنه يوطأ.
وأخرج أبوعبيد عن عمر بن عبد العزيز قال: لا تكتبوا القرآن حيث يوطا.
وهل تجوز كتابته بقلم غير العربي قال الزركشي: لم أر فيه كلامًا لأحد من العلماء قال: ويحتمل الجواز لأنه قد يحسنه من يقرؤه بالعربية والأقرب المنع كما تحرم قراءته بغير لسان العرب ولقولهم: القلم أحد اللسانين والعرب لا تعرف قلمًا غير العربي وقد قال الله تعالى: {بلسان عربي مبين}.
فائدة أخرج ابن أبي داود عن إبراهيم التيمي قال: قال عبد الله: لا يكتب المصاحف إلا مضري.
قال ابن أبي داود: هذا من أجل اللغات.
مسئلة اختلف في نقط المصحف وشكله ويقال أول من فعل ذلك أبو الأسود الدؤلي بأمر عبد الملك ابن مروان وقيل الحسن البصري ويحيى بن يعمر وقيل نصر بن عاصم الليثي.
وأول من وضع الهمز والتشديد والروم والإشمام الخليل.
وقال قتادة: بدءوا فنقطوا ثم خمسوا ثم عشروا.
وقال غيره: أول ما أحدثوا النقط عند آخر الآي ثم الفواتح والخواتم.وقال يحيى بن أبي كثير: ما كانوا يعرفون شيئًا مما أحدث في المصاحف إلا النقط الثلاث على رؤوس الآي.
أخرجه ابن أبي داود.
وقد أخرج أبوعبيد وغيره عن ابن مسعود قال: جردوا القرآن ولا تخلطوه بشيء.
وأخرج عن النخعي أنه كره نقط المصاحف.
وعن ابن سيرين أنه كره النقط والفواتح والخواتم.وعن ابن مسعود ومجاهد انهما كرها التعشير.
وأخرج ابن أبي داود عن النخعي أنه كان يكره العواشر والفواتح وتصغير المصحف وأن يكتب فيه سورة كذا وكذا.
وأخرج عنه أنه أتى بمصحف مكتوب فيه سورة كذا وكذا آية فقال: امح هذا فإن ابن مسعود كان يكرهه.
وأخرج عن أبي العالية أنه كان يكره الجمل في المصحف وفاتحة سورة كذا وخاتمة سورة كذا.وقال مالك: لا بأس بالنقط في المصاحف التي تتعلم فيها العلماء أما الأمهات فلا.
وقال الحليمي: تكره كتابة الأعشار والأخماس وأسماء السور وعدد الآيات فيه لقوله: جردوا القرآن.وأما النقط فيجوز له لأنه ليس له صورة ما ليس بقرآن قرآنًا.
وإنما هي دلالات على هيئة المقروء فلا يضر إثباتها لمن يحتاج إليها.
وقال البيهقي: من آداب القرآن أن يفخم فيكتب مفرجًا بأحسن خط فلا يصغر ولا يقرمط حروفه ولا يخلط به ما ليس منه كعدد الآيات والسجدات والعشرات والوقوف واختلاف القراءات ومعاني الآيات.
وقد أخرج ابن أبي داود عن الحسن وابن سيرين أنهما قالا: لا بأس بنقط المصاحف.
وأخرج عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال: لا بأس بشكله.
وقال النووي: نقط المصحف وشكله مستحب لأنه صيانة له من اللحن والتحريف.
وقال ابن مجاهد: ينبغي أن لا يشكل إلا ما يشكل.وقال الداني: لا أستجيز النقط بالسواد لما فيه من التغيير لصورة الرسم ولا أستجيز جمع قراءات شتى في مصحف واحد بألوان مختلفة لأنه من أعظم التخليط والتغيير للمرسوم وأرى أن يكون الحركات والتنوين والتشديد والسكون والمد بالحمرة والهمزات بالصفرة.
وقال فائدة كان الشكل في الصدر الأول نقطًا فالفتحة نقطة على أول الحرف والضمة على آخره والكسرة تحت أوله وعليه مشى الداني.
والذي اشتهر الآن بالضبط بالحركات المأخوذة من الحروف وهوالذي أخرجه الخليل وهواكثر وأوضح وعليه العمل.
فالفتح شكلة مستطيلة فوق الحرف والكسر كذلك تحته والضم واوصغرى فوقه.
والتنوين زيادة مثلها فإن كان مظهرًا وذلك قبل حرف حلق ركبت فوقها وإلا جعلت بينهما.
وتكتب الألف المحذوفة والمبدل منها في محلها حمراء والهمزة المحذوفة تكتب همزة بلا حرف حمراء أيضًا وعلى النون والتنوين قبل الباء علامة الإقلاب حمراء وقبل الحلق سكون وتعرى عند الإدغام والإخفاء ويسكن كل مسكن ويعرى المدغم ويشدد ما بعده إلا الطاء قبل الثاء فيكتب عليه السكون نحوفرطت ومطة الممدود لا تجاوزه.
فائدة قال الحربي في غريب الحديث: قول ابن مسعود: جردوا القرآن يحتمل وجهين: أحدهما جردوه في التلاوة ولا تخلطوا به غيره.
والثاني جردوه في الخط من النقط والتعشير.
وقال البيهقي: الأبين أنه أراد: لا تخلطوا به غيره من الكتب لأن ما خلا القرآن من كتب الله إنما يؤخذ عن اليهود والنصارى وليسوا بمأمونين عليها.
فرع أخرج ابن أبي داود في كتاب المصاحف عن ابن عباس انه كره أخذ الأجرة على كتابة المصحف وأخرج مثله عن أيوب السختياني.
واخرج عن عمر وابن مسعود أنهما كرها بيع المصاحف وشراءها.
واخرج عن محمد بن سيرين أنه كره بيع المصاحف وشراءها وأن يستأجر على كتابتها.
واخرج عن مجاهد وابن المسيب والحسن أنهم قالوا: لا بأس بالثلاثة.
وأخرج عن سعيد بن جبير أنه سئل عن بيع المصاحف فقال: لا بأس إنما يأخذون أجور أيديهم.
وأخرج عن ابن الحنفية أنه سئل عن بيع المصحف قال: لا بأس إنما تبيع الورق.
وأخرج عن عبد الله بن شقيق قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يشددون في بيع المصاحف.
وأخرج عن النخعي قال: المصحف لا يباع ولا يورث.
وأخرج عن ابن المسيب أنه كره بيع المصاحف.
وقال: أعن أخاك بالكتاب أوهب له.
وأخرج عن عطاء عن ابن عباس قال: اشتر المصاحف ولا تبعها.
وأخرج عن مجاهد أنه نهى عن بيع المصاحف ورخص في شرائها.
وقد حصل من ذلك ثلاثة أقوال للسلف.ثالثها كراهة البيع دون الشراء وهوأصح الأوجه عندنا كما صححه في شرح المهذب ونقله في زوائد الروضة عن نص الشافعي.
قال الرافعي: وقد قيل إن الثمن متوجه إلى الدفتين لأن كلام الله لا يباع.
وقيل إنه بدل من أجرة النسخ أه.
وقد تقدم إسناد القولين إلى ابن الحنفية وابن جبير.
وفيه قول ثالث أنه بدل منهما معًا.
أخرج ابن أبي داود عن الشعبي قال: لا بأس ببيع المصاحف إنما يبيع الورق وعمل يديه.
فرع قال الشيخ عز الدين ابن عبد السلام في القواعد: القيام للمصحف بدعة لم تعهد في الصدر الأول.
والصواب ما قاله النووي في التبيان من استحباب ذلك لما فيه من التعظيم وعدم التهاون به.
فرع يستحب تقبيل المصحف لأن عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه كان يفعله وبالقياس على تقبيل الحجر ذكره بعضهم ولأنه هدية من الله تعالى فشرع تقبيله كما يستحب تقبيل الولد الصغير.
وعن احمد ثلاث روايات: الجواز والاستحباب والتوقف.
وإن كان فيه رفعة وإكرام لأنه لا يدخله قياس ولهذا قال عمر في الحجر: لولا أني رأيت رسول اله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.
فرع يستحب تطييب المصحف وجعله على كرسي ويحرم توسده لأن فيه إذلالًا وامتهانًا.قال الزركشي: وكذا مد الرجلين إليه.وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن سفيان أنه كره أن تعلق المصاحف وأخرج عن الضحاك قال: لا تتخذوا للحديث كراسي ككراسي المصاحف.
فرع يجوز تحليته بالفضة إكرامًا له على الصحيح.
أخرج البيهقي عن الوليد بن مسلم قال: سألت مالكًا عن تفضيض المصاحف فأخرج إلينا مصحفًا فقال: حدثني أبي عن جدي أنهم جمعوا القرآن في عهد عثمان وأنهم فضضوا المصاحف على هذا ونحوه.
وأما بالذهب فالأصح جوازه للمرأة دون الرجل وخص بعضهم الجواز بنفس المصحف دون غلافه المنفصل عنه والأظهر التسوية.
فرع إذا احتيج إلى تعطيل بعض أوراق المصحف لبلاء ونحوه فلا يجوز وضعها في شق أوغيره لأنه قد يسقط ويوطأ ولا يجوز تمزيقها لما فيه من تقطيع الحروف وتفرقة الكلم وفي ذلك إزراء بالمكتوب كذا قاله الحليمي.
قال: وله غسلها بالماء.
وإن أحرقها بالنار فلا بأس أحرق عثمان مصاحف كان فيها آيات وقراءات منسوخة ولم ينكر عليه.
وذكر غيره أن الإحراق أولى من الغسل لأن الغسالة قد تقع على الأرض وجزم القاضي حسين في تعليقه بامتناع الإحراق لأنه خلاف الاحترام والنووي بالكراهة.
وفي بعض كتب الحنيفة أن المصحف إذا بلى لا يحرق بل يحفر له في الأرض ويدفن وفيه وقفة لتعرضه للوطء بالأقدام.
فرع روى ابن أبي داود عن ابن المسيب قال: لا يقول أحدكم مصيحف ولا مسيجد ما كان الله تعالى فهوعظيم.
فرع مذهبنا ومذهب جمهور العلماء تحريم مس المصحف للمحدث سواء كان أصغر أم أكبر لقوله تعالى لا يمسه إلا المطهرون وحديث الترمذي وغيره لا يمس القرآن إلا طاهر.
خاتمة روى ابن ماجه وغيره عن أنس مرفوعًا سبع يجري للعبد أجرهن بعد موته وهوفي قبره: من علم علمًا أوأجرى نهرًا أوحفر بئرًا أوغرس نخلًا أوبنى مسجدًا أوترك ولدًا يستغفر له من بعد موته أوورث مصحفًا.
النوع السابع والسبعون في معرفة تفسيره وتأويله
وبيان شرفه والحاجة إليه التفسير تفعيل من الفسر وهوالبيان والكشف.
ويقال هومقلوب السفر.
تقول أسفر الصبح: إذا أضاء.
وقيل مأخوذ من التفسرة وهي اسم لما يعرف به الطبيب المرض.
والتأويل اصله من الأول وهوالرجوع فكأنه صرف الآية إلى ما تحتمله من المعاني.
وقيل من الإيالة وهي السياسة كأن المؤول للكلام ساس الكلام ووضع المعنى فيه موضعه.
واختلف في التفسير والتأويل.
فقال أبوعبيد وطائفة: هما بمعنى وقد أنكر ذلك قوم حتى بالغ ابن حبيب النيسابوري فقال: قد نبغ في زماننا مفسرون لوسئلوا عن الفرق بين التفسير والتأويل ما اهتدوا إليه.
وقال الراغب: التفسير أعم ن التأويل وأكثر استعماله في الألفاظ ومفرداتها وأكثر استعمال التأويل في المعاني والجمل وأكثر ما يستعمل في الكتب الإلهية والتفسير يستعمل فيها وفي غيرها.
وقال غيره: التفسير بيان لفظ لا يحتمل إلا وجهًا واحدًا والتأويل توجيه لفظ متوجه إلى معان مختلفة إلى واحد منها بما ظهر من الأدلة.
وقال الماتريدي: التفسي: القطع على أن المراد من اللفظ هذا والشهادة على أنه عنى باللفظ هذا فإن قام دليل مقطوع به فصحيح وإلا فتفسير بالرأي وهوالمنهى عنه.
والتأويل: ترجيح أحد المحتملات بدون القطع والشهادة على الله.
وقال أبوطالب الثعلبي: التفسير: بيان وضع اللفظ إما حقيقة أومجازًا كتفسير الصراط بالطريق والصيب بالمطر.
والتأويل: تفسير باطن اللفظ مأخوذ من الأول وهوالرجوع لعاقبة الأمر فالتأويل إخبار عن حقيقة المراد والتفسير إخبار عن دليل المراد لأن اللفظ يكشف عن المراد والكاشف دليل مثاله قوله تعالى إن ربك لبالمرصاد تفسيره: انه من الرصد يقال رصدته: رقبته والمرصاد مفعال منه.
وتأويله التحذير من التهاون بأمر الله والغفلة عن الأهبة والاستعداد للعرض عليه.
وقواطع الأدلة تقتضي بيان المراد منه على خلاف وضع اللفظ في اللغة.
وقال الأصبهاني في تفسيره: اعلم أن التفسير في عرف العلماء كشف معاني القرآن وبيان المراد أعم من أن يكون بحسب اللفظ المشكل وغيره وبحسب المعنى الظاهر وغيره والتأويل أكثره في الجمل.
والتفسير إما أن يستعمل في غريب الألفاظ نحوالبحيرة والسائبة والوصلية أوفي وجيز تبيين لشرح نحو أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وإما في كلام متضمن لقصة لا يمكن تصويره إلا بمعرفتها كقوله {إنما النسيء زيادة في الكفر} وقوله {وليس البر أن تأتوا البيوت من ظهورها}.وأما التأويل فإنه يستعمل مرة عامًا ومرة خاصًا نحوالكفر المستعمل تارة في الجحود المطلق وتارة في الجحود الباري عز وجل خاصة والإيمان المستعمل في التصديق المطلق تارة وفي تصديق الحق أخرى.
وأما في لفظ مشترك بين معان مختلفة نحولفظ وجد المستعمل في الجدة والوجد والوجود.
وقال غيره: التفسير يتعلق بالرواية والتأويل يتعلق بالدراية.
وقال أبونصر القشيري: التفسير مقصور على التباع والسماع والاستنباط مما يتعلق بالتأويل.
وقال قوم: ما وقع مبينًا في كتاب الله ومعينًا في صحيح السنة سمي تفسيرًا لأن معناه قد ظهر ووضح وليس لأحد أن يتعرض إليه باجتهاد ولا غيره بل يحمله على المعنى الذي ورد لا يتعداه.
والتأويل: ما استنبطه العلماء العاملون لمعاني الخطاب الماهرون في آلات العلوم.
وقال قوم منهم البغوي والكواشي: التأويل: صرف الآية إلى معنى موافق لما قبلها وما بعدها تحتمله الآية غير مخالف للكتاب والسنة من طريق الاستنباط.
وقال بعضهم: التفسير في الاصطلاح علم نزول الآيات وشؤونها وأقاصيصها والأسباب النازلة فيها ثم ترتيب مكيها ومدنيها ومحكمها ومتشابهها وناسخها ومنسوخها وخاصها وعامها ومطلقها ومقيدها ومجملها ومفسرها وحلالها وحرامها ووعدها ووعيدها وأمرها ونهيها وعبرها وأمثالها.
وقال أبوحيان: التفسير: علم يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ومدلولاتها وأحكامها الإفرادية والتركيبية ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب وتتمات لذلك.
قال: فقولنا علم جنس وقولنا يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن هوعلم القراءة وقولنا ومدلولاتها: أي مدلولات تلك الألفاظ وهذا متن علم اللغة الذي يحتاج إليه في هذا العلم وقولنا وأحكامها الإفرادية والتركيبية هذا يشمل علم التصريف والبيان والبديع وقولنا ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب يشمل ما دلالته بالحقيقة وما دلالته بالمجاز فإن التركيب وقد يقتضي بظاهره شيئًا ويصد عن الحمل عليه صاد فيحمل على غيره وهوالمجاز وقولنا وتتمات لذلك هومثل معرفة النسخ وسبب النزول وقصة توضح بعض ما أبهم في القرآن ونحوذلك.
وقال الزركشي: التفسير: علم يفهم به كتاب الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحكمه واستمداد ذلك من علم اللغة والنحووالتصريف وعلم البيان وأصول الفقه والقراءات ويحتاج لمعرفة أسباب النزول والناسخ والمنسوخ.
فصل
وأما وجه الحاجة إليه فقال بعضهم: اعلم أن من المعلوم أن الله إنما خاطب خلقه بما يفهمونه ولذلك أرسل كل رسول بلسان قومه أنزل متابه على لغتهم.
وإنما احتيج إلى التفسير لما سيذكر بعد تقرير قاعدة وهي أن كل من وضع من البشر كتابًا فإنما وضعه ليفهم بذاته من غير شرح وإنما احتيج إلى الشروح لأمور ثلاثة.
أحدها: كمال فضيلة المصنف فإنه لقوته العلمية يجمع المعاني الدقيقة في اللفظ الوجيز فربما عسر فهم مراده فقصد بالشرح ظهور تلك المعاني الخفية ومن هنا كان شرح بعض الأئمة تصنيفه أدل على المراد من شرح غيره له.
وثانيها: إغفاله بعض تتمات المسئلة أوشروط لها اعتمادًا على وضوحها أولأنها من علم آخر فيحتاج الشارح لبيان المحذوف ومراتبه.
وثالثها: احتمال اللفظ لمعان كما في المجاز والاشتراك ودلالة الاتزام فيحتاج الشارح إلى بيان غرض المصنف وترجيحه.
وقد يقع في التصانيف ما لا يخلوعنه بشر من السهووالغلط أوتكرار الشيء أوحذف المبهم وغير ذلك فيحتاج الشارح للتنبيه على ذلك.
إذا تقرر هذا فنقول: إن القرآن إنما نزل بلسان عربي في زمن أفصح العرب وكانوا يعلمون ظواهره وأحكامه.
أما دقائق باطنه فإنما كان يظهر لهم بعد البحث والنظر مع سؤالهم النبي صلى الله عليه وسلم في الأكثر كسؤالهم لما نزل قوله {ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} فقالوا: وأينا لم يظلم نفسه ففسره النبي صلى الله عليه وسلم بالشرك واستدل عليه بقوله {إن الشرك لظلم عظيم} وكسؤال عائشة عن الحساب اليسير فقال: ذلك العرض.
وكقصة عديّ بن حاتم في الخيط الأبيض والأسود وغير ذلك مما سألوا عن آحاد منه ونحن محتاجون إلى ما كانوا يحتاجون إليه وزيادة على ذلك مما لم يحتاجوا إليه من أحكام الظواهر لقصورنا عن مدارك أحكام اللغة بغير تعلم فنحن اشد الناس احتياجًا إلى التفسير.
ومعلوم أن تفسير بعضه يكون من قبل الألفاظ الوجيزة وكشف معانيها وبعضه من قبل ترجيح بعض الاحتمالات على بعض أه.
وقال الخويبي: علم التفسير عسر يسير أما عسره فظاهر من وجوه أظهرها أنه كلام متكلم لم تصل الناس إلى مراده بالسماع منه ولا إمكان الوصول إليه بخلاف الأمثال والأشعار ونحوها فإن الإنسان يمكن علمه منه إذا تكلم بأن يسمع منه أوممن سمع منه.
وأما القرآن فتفسيره على وجه القطع لا يعلم إلا بأن يسمع من الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك متعذر إلا في آيات قلائل فالعلم بالمراد يستنبط بأمارات ودلائل والحكمة فيه أن الله تعالى أراد أن يتفكر عباده في كتابه فلم يأمر نبيه بالتنصيص على المراد في جميع آياته.
فصل وأما شرفه فلا يخفى قال تعالى يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا.
وأخرج ابن أبي حاتم وغيره من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى يؤتي الحكمة قال: المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخره وحلاله وحرامه وأمثاله.
وأخرج ابن مردويه من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعًا يؤتي الحكمة قال: القرآن.قال ابن عباس: يعني تفسيره فإنه قد قرأه البر الفاجر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء يؤتي الحكمة قال: قراءة القرآن والفكرة فيه.
وأخرج ابن جرير مثله عن مجاهد وأبي العالية وقتادة وقال تعالى وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون.
واخرج ابن أبي حاتم عن عمروبن مرة قال: ما مررت بآية في كتاب اله لا أعرفها إلا أحزنتني لأني سمعت الله يقول وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها غلا العالمون.واخرج أبوعبيدة عن الحسن قال: ما أنزل الله آية إلا وهويحب أن تعلم فيما أنزلت وما أراد بها.
وأخرج ابو ذر الهروي في فضائل القرآن من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: الذي يقرأ القرآن ولا يحسن تفسيره كالأعرابي يهذ الشعر هذا.
وأخرج البيهقي وغيره من حديث أبي هريرة مرفوعًا أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه.
وأخرج ابن الأنباري عن أبي بكر الصديق قال: لأن أعرب آية من القرآن أحب إلي من أن أحفظ آية.
وأخرج أيضًا عن عبد الله بن بريدة عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: لوأن أعلم إذا سافرت أربعين ليلة أعربت آية من كتاب الله لفعلت.
وأخرج أيضًا من طريق الشعبي قال: قال عمر: من قرأ القرآن فأعربه كان له عند الله أجر شهيد.
قلت: معنى هذه الآثار عندي إرادة البيان والتفسير لأن إطلاق الإعراب على الحكم النحوي اصطلاح حادث ولأنه كان في سليقتهم لا يحتاجون إلى تعلمه.
ثم رأيت ابن النقيب جنح إلى ما ذكرته وقال: ويجوز أن يكون المراد الإعراب الصناعي وفيه بعد وقد يستدل له بما أخرجه السلفي في الطيوريات من حديث ابن عمر مرفوعًا أعربوا القرآن يدلكم على تأويله وقد أجمع العلماء أن التفسير من فروض الكفايات وأجلّ العلوم الثلاثة الشرعية.وقال الأصبهاني: أشرف صناعة يتعاطاها الإنسان تفسير القرآن.
بيان ذلك أن شرف الصناعة: إما بشرف موضوعها مثل الصياغة فإنها أشرف من الدباغة لأن موضوع الصياغة الذهب والفضة وهما اشرف من موضوع الدباغة الذي هوجلد الميتة.
وإما بشرف غرضها مثل صناعة الطب فإنها أشرف من صناعة الكناسة لأن غرض الطب إفادة الصحة وغرض الكناسة تنظيف المستراح.
وإما بشدة الحاجة إليها كالفقه فإن الحاجة إليه أشد من الحاجة إلى الطب إذ ما من واقعة في الكون في أحد ن الخلق إلا وهي مفتقرة إلى الفقه لأن به انتظام صلاح أحوال الدنيا والدين بخلاف الطب فإنه يحتاج إليه بعض الناس في بعض الأوقات.إذ عرف ذلك فصناعة التفسير قد حازت الشرف من الجهات الثلاث.
أما من جهة الموضوع فلأن موضوعه كلام الله تعالى الذي هوينبوع كل حكمة ومعدن كل فضيلة فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم لا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه.
وأما من جهة الغرض فلأن الغرض منه هو الاعتصام بالعروة الوثقى والوصول إلى السعادة الحقيقية التي لا تفنى.
وأما من جهة شدة الحاجة فلأن كل كمال ديني أودنيوي عاجلي أوآجلي مفتقر إلى العلوم الشرعية والمعارف الدينية وهي متوقفة على العلم بكتاب الله تعالى.