شهدت انتخابات الرئاسة الإيرانية التي جرت أمس الأول مفاجآت عدة، كان أبرزها صعود المرشح المحافظ وعمدة طهران محمود أحمدي نجاد بحصوله على 19.5% ليواجه المرشح البراغماتي ورئيس مجلس صيانة الدستور علي أكبر هاشمي رفسنجاني الذي لم يحصل إلا على 21% في جولة إعادة ثانية يوم الجمعة المقبل بعد فشل المرشحين السبعة في اجتياز نسبة الخمسين في المئة، في سابقة هي الأولى من نوعها منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979. وتوقع مراقبون معركة «أشد قسوة» بين رفسنجاني ونجاد في ظل «صعوبة التنبؤ بسلوك الناخبين»، وتلميح الاصلاحيين إلى أنهم سوف يرمون بثقلهم خلف رفسنجاني محذرين من «خطر الفاشية».ومني التيار الإصلاحي بضربة موجعة بفشل مرشحيه الثلاثة في اجتياز الدور الأول من السباق الرئاسي، لكن المرشح الأبرز في هذا التيار . وهو رئيس مجلس الشورى السابق مهدي كروبي اتهم المحافظين الداعمين لنجاد بالتزوير، طالباً من المرشد علي خامنئي فتح تحقيق في شأن «تدخلات غريبة ونقل أموال»، لكن نجاد الذي حصد معظم أصوات «حراس الثورة والميليشيات الإسلامية» اعتبر ما حدث «تسديداً الهياً». لكن المفاجأة الثالثة كانت نسبة المشاركة التي بلغت 62% وخالفت كل التوقعات التي راهنت على تدنيها، واعتبر كثير من المسؤولين في إيران هذه الزيادة في المشاركة رداً على الانتقادات الأميركية لمضمون الانتخابات الإيرانية. وجاءت النتائج النهائية التي أعلنتها وزارة الداخلية أمس على النحو التالي: اكبر هاشمي رفسنجاني 0. 21%، محمود أحمدي نجاد 5. 19%، مهدي كروبي 3. 17%، محمد باقر قاليباف 9. 13%، مصطفى معين 8. 13%، علي لاريجاني 9. 5%، محسن مهرالي زادة 4. 4%. وقالت الوزارة ان 32. 29 مليون ناخب يمثلون 63% من العدد الإجمالي للناخبين أدلوا بأصواتهم. وقال المسؤولون ان هذه الأرقام لا تتضمن قرابة 83 الف صوت أدلى بها الإيرانيون المقيميون في الخارج. وأضافوا ان هذه الأصوات لن تؤثر على مركزي المرشحين اللذين يتصدران القائمة. وأدى تشتت الاصوات الى تقارب نسبة أصوات كل من المرشحين، كروبي ونجاد، الأمر الذي أشعل صراعاً قانونياً بين مجلس صيانة الدستور الذي يسيطر عليه المحافظون ووزارة الداخلية التي يسيطر عليها الاصلاحيون. واتهم التيار الإصلاحي خصومه المحافظين بحرف الانتخابات عن مسارها وهو ما دفع الرئيس محمد خاتمي الى التدخل بعد قيام مجلس صيانة الدستور المحافظ باعلان نتائج الانتخابات دون الأخذ بعين الاعتبار ما تعلنه وزارة الداخلية. ومن الواضح ان المشاركة المرتفعة في الانتخابات لم تقترع لصالح أولوية التنمية السياسية التي يرفعها الاصلاحيون، بل صبت في صالح أولوية التنمية الاقتصادية التي يرفعها خصومهم المحافظون على الساحة الداخلية. وكان مكتب الإعلام التابع لمجلس صيانة الدستور قد اصدر بيانا اعلن فيه استعداد المجلس لتلقي الشكاوى المرتبطة بانتخابات الدورة التاسعة لرئاسة الجمهورية. وكانت وزارة الداخلية أعلنت امس بعد انتهاء إحصاء أصوات الناخبين ان نسبة المشاركة في الانتخابات بلغت 62 بالمئة ، بينما كانت مصادر قريبة من الوزارة تحدثت في وقت سابق عن 68 بالمئة. وبالتالي، تكون المشاركة أدنى من تلك التي سجلت خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة في 2001 التي أوصلت الرئيس الإيراني محمد خاتمي الى ولاية ثانية، وبلغت 66. 59 بالمئة. الا أنها أعلى بكثير مما كانت تشير إليه التحليلات واستطلاعات الرأي مستندة الى إحباط بين الإيرانيين نتيجة عدم تحقق آمالهم بالتغيير المنتظر خلال سنوات حكم خاتمي. واتهم رئيس مجلس الشورى الإيراني السابق مهدي كروبي المحافظين المتشددين الداعمين لنجاد بتزوير العملية الانتخابية. وقال «حصلت تدخلات غريبة. وحصل نقل أموال». وأضاف «يمكنهم ان يلاحقوني أمام القضاء، الا أنني سأعطي أسماء كل الأشخاص الموجودين في السلطة لأدافع عن نفسي». وأعلن أنه سيطلب من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي ان يأمر بفتح تحقيق حول مجلس صيانة الدستور، الهيئة المحافظة المشرفة على الانتخابات، ووزارة الداخلية المكلفة تنظيم الانتخابات، وحراس الثورة (الباسدران) والميليشيات الإسلامية (الباسيج).وأضاف «كان في إمكان مجلس صيانة الدستور ان يعين السيد احمدي نجاد من دون انتخاب. (...) بالنسبة الي هذه الانتخابات مزورة».وقال كروبي انه يملك «تسجيلات» تورط حراس الثورة، مؤكدا ان أعضاء في (الباسيج) تمكنوا من الإدلاء بأصواتهم مرتين. وأشار كروبي الى انه كان في الطليعة في عمليات الإحصاء الأولى. وأضاف «ولكن دفعة واحدة، وجد مرشح نفسه مع مليون صوت إضافي وظهر مجلس صيانة الدستور على التلفزيون من اجل إعلان ذلك». وأشار الى ان الصفحة الأولى من صحيفة «كيهان» المحافظة المتشددة أعلنت ما هو أشبه بنتيجة نهائية، في وقت طبعت الصحيفة قبل فرز الأصوات.ووصف كروبي مجلس صيانة الدستور بأنه «شبكة» ومجموعة من «الدمى». ورد عليه نجاد في مؤتمر صحافي بعد إعلان تأهله للدورة الثانية بالقول: «انه حر في التعليق كما يرغب. الذين لا يختارهم الشعب خلال عملية انتخابية يميلون دائما الى التشكي». وقال نجاد انه يعارض إقامة علاقات بين إيران والولايات المتحدة في ظل الظروف القائمة. وقال ان «الجمهورية الإسلامية مستعدة لتطوير علاقات مع غير المعادين لها. اذا نظرتم الى مواقف الرئيس الأميركي بشأن انتخاباتنا، فستفهمون ما اعنيه». وأضاف ان «الجمهورية الإسلامية مستعدة لإقامة علاقات مع العالم اجمع. إلا ان هذا يجب ان يندرج في إطار مصلحتنا الوطنية». وردا على سؤال لصحافيين أجانب حول الموقف الذي سيعتمده في حال أصبح رئيسا إزاء الليبرالية الاجتماعية التي أرساها الرئيس محمد خاتمي، قال «في نظامنا، تصل الحرية الى ابعد مما يمكنكم تصوره». ونفى وجود أي رغبة لدى الجمهورية الإسلامية للتزود بالسلاح النووي. وقال «لا نحتاج الى ذلك. فهذا لا يتلاءم مع ثقافتنا ولا مع معتقداتنا الإسلامية».وأضاف «سنواصل المفاوضات من اجل الدفاع عن حقوق شعبنا» الإيراني، في إشارة الى المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي حول الملف النووي الإيراني. من جهتها توقعت صحيفة «ايران نيوز» الناطقة بالانجليزية معركة أشد قسوة بين رفسنجاني ونجاد مشيرة الى «صعوبة التنبؤ بسلوك الناخبين الإيرانيين»، في حين اعتبرت صحيفة «رسالت» المتشددة ان نجاد هو ظاهرة الدورة التاسعة للانتخابات الرئاسية.